“الأسعار مولعة نار“. جملة تتكرر يوميًا آلاف المرات، فأسعارُ الاحتياجات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها ارتفعت وتواصل ارتفاعها بشكل مذهل مع ثبات الأجور أو الدخل عمومًا، وتتحملُ الزوجات مسئولية السير على حبل الحياة، فالزوجةُ هي التي تدبر من المصروف والدخل الثابت تفاصيل واحتياجات اليوم، مما يُعد بطولةً حقيقية، فكيف تفعل، هذا هو السؤال.
– خديجة سيدة في منتصف الأربعينات تعمل موظفة حكومية منذ ما يقرب من عشرين عاماً، راتبها يصل إلى ٢٨٠ جنيهاً، وزوجها ترك وظيفة الحكومة منذ زمن بعيد ويعمل بائعاً، تقول: ” يصل راتبنا معًا إلى ألف وخمسمائة جنيه شهريًا. للوهلة الأولى قد يبدو المبلغ كبيرًا، ولكن وبحسبة بسيطة، ومع العلم بأننا نسكن في شقة تمليك، ستجدين المبلغ يكفينا حتى نهاية الشهر، ونبدأ في اقتراض قبل نهاية الشهر، ولأفصل معك المصاريف في البداية هناك مبلغ مائة جنية جمعية لتلبية ملابس الأسرة في موسمي الصيف والشتاء والمدارس، ومبلغ خمسون جنيهًا للكهرباء ورسوم النظافة التي تأخذها الحكومة، ورسوم النظافة التي ندفعها للزبال، والماء والتليفون، وخمسون أخرى لمواصلاتي وزوجي وابنتي، وما تبقى نأكل منه، ولكن ما الذي نأكله؟ منذ سنوات قريبة، تتعدى الثلاث سنوات كان هذا المبلغ وأقل منه يكفي لأن أوفر لبناتي أكلاً مغذيًا يستطعن معه التركيز في مذاكرتهن يساعدهن على الحفاظ على صحتهن ولكن الآن، وبعد هذا الارتفاع الصاروخي لأسعار لسلع، حتى الأساسية منها، لم يعد لدى إلا أن أطعمهم الفول والمكرونة والبطاطس، هي الأشياء التي أستطيع أن أدبرها بهذا المبلغ الذي أصبح أقل من القليل، فهو ثابت وتغييره عزيز، والأسعار في تحول مستمر لا تهدأ أبدًا، وعلى فكرة ابنتاي إحداهما في الشهادة الإعدادية والأخرى في الثانوية العامة، وحتى أنفق في الدروس بعت كل ما أملك من قطع ذهبية حتى خاتم زواجي.
هناك سيدة تعمل مدرسة وهي معيلة لأسرتها المكونة من طفلين (١٢ سنة و5 سنوات)، وراتبها الشهري ٢٥٠ جنيهًا، عندما سألتها عن ارتفاع الأسعار شردت كثيرًا: “ماذا تظنين المرأة فاعلة بمائتين وخمسين جنيهًا لعيلة طوال الشهر؟ إن مائة وخمسين جنيهًا تخرج شهريًا للإيجار والكهرباء ومواصلات مدارس الأطفال، فماذا تظنون بمائة جنيه لي أنا وأبنائي، ماذا أطعمهم إنهم يكفون ” العيش حاف“.
– دعم إيه؟ رغيف العيش المملوء بأعقاب السجائر، والذي يختارون له ساعتين في اليوم لا تناسبان أي موظف بدون مبالغة، إما أن أقف في طابور الفرن أو أذهب إلى مدرستي، ولا يجوز لي أن أفعل اثنين معًا، إلا إذا كنت من الحواة، ولا أعلم لماذا لا تعود الأسعار إلى طبيعتها، يقولون لارتفاع سعر الدولار، وهذا الدولار الملعون هل يبتاع لنا السكر والزيت والشاي والألبان والأرز ووووووو، كل هذه الأشياء ارتفعت ببشاعة والسبب غير مقنع، الدولار، أنا أخدم الحكومة منذ خمسة عشر عاماً، أخرج أجيالاً ولكني أستطيع أن أطعم أبنائي. وهذه بائعة تقول: “أذهب للغيط آخذ الخضار، أنزل السوق أبيع وأبتاع، فمن أين لي أن أبتاع والزبون بيصعب علي زي ما بيصعب على حالي وحال عيالي، أنا عارفة إن كال حاجة غليت، لكنها غليت على من قبلهم، وأنا مفيش حاجة في إيدي وبحمد ربنا إنى ساكنة في عشة لا بدفع مية ونور ولا حتى بعلم العيال، اللي يكبر يشتغل ويجيب فرشه، واللي تشب تتجوز وتريحني“.
– الحاجة فرح، ربة منزل، تقول: “زوجي يعمل بالأعمال الحرة، له راتب لا يعد بالقليل، ولكنه لا يأتي إلا بالقليل. أتذكر منذ فترة ليست بالكبيرة كنت أشعر بالصداع في آخر أيام الشهر، وكان جميع من بالمنزل يسميها بالأيام الكبيسة، ولكن في الآونة الأخيرة أصبح الشهر كله كبيسًا، بل كل الأشهر وكل الأيام أصبحنا نعاني من يأس، فلم يعد المال يكفي أيًا من الحاجات الأساسية، حتى الطعام الذي أصبح خارجًا عن مقدورنا جميعًا، كرهت السوق والنزول إليه، لتر الزيت بـ 7 جنيه وده المتوسط لاهو بزيت سيارات ولاهو بالفاخر، سكر بـ ٢.٥ ، أرز السعر نفسه، مكرونة قريبة منهما، أما الخضروات فحتى كبار الخبراء لا يستطيعون أن يتنبأوا بأسعارها، ولن أتكلم عن اللحوم منعًا للإحراج، كيلو اللحم وصل ٢٧ جنيه، وأصغر فرخة عشرين جنيه، فالكيلو وصل 8 جنيه، ونحن أسرة مكونة من 5 أفراد، يعني ننظر حولنا ولكن النتيجة واحدة، هي أن الأولاد كرهوا كل الأكل اللي بعمله ويطلقون عليه (أكل هفأ).
وأخيرًا منار، متزوجة حديثًا ولديها طفلة واحدة ولا تنوي أن تنجب غيرها. تعمل أخصائية اجتماعية بمبلغ 105 جنيهات وزوجها موظف بوزارة…. يعمل بمائتي جنبه، كما يعمل سائق تاكسي“، بعد العمل، وتقول: بعد كل هذا يصبح دخلنا جميعًا ثمانمائة جنيه، ستقولين رائع مبلغ محترم، خاصة أنكم ما زلتم في باديء حياتكم، ولكن – ومع قانون الإيجار الجديد – لم يعد هناك إيجار قديم فاضطررنا للسكن حسب الإيجار الجديد لمدة ثلاث سنوات أي أننا، وبعد أقل من سنة سنصبح بلا مأوى، الأهم من ذلك أن إيجار الشقة وحده يبلغ مائتي جنيه، وبعد دفع الكهرباء والماء ومواصلاتي أنا وزوجي يصبح المتبقي أربعمائة جنيه، ومع دفع مصاريف حضانة سالي وملتزماتها من بامبرز ورضعات بسيطة حتى أعود إليها نأكل طوال الشهر بثلاثمائة جنيه، أنا الأم التي ترضع طفلة عمرها أقل من عامين، وزوج يعمل طوال النهار والليل، وطفلة صغيرة أبكي من أجلها، فأنا لا استطيع أن ألبي حاجاتها الأساسية من الغذاء وهي في فترة نمو، حتى مرضت قريبًا وعندما ذهبت إلى طبيب لم يزد على أن قال: البنت عندها نقص حديد وفيتامينات، أكلي البنت وغذيها، فماذا أفعل وأنا أعرف بالطبع أن حالي أفضل من كثيرات غيري، أصابني اليأس ولا أعرف حتى الآن ماذا أفعل!!
– هذا هو حال النساء المصريات في أرض الخير. أصاب أبناءهن الضعف من قلة الموارد الغذائية، وأصاب أزواجهن الإحباط من قلة الموارد المالية، وأصابهن اليأس من قلة الحيلة. وكما قالت أغلب النساء، فالحكومة لا ترحم ولا تترك رحمة الله تنزل على الأسر المصرية، فالأسعار ترتفع بشكل جنوني في السلع، وتقول الحكومة إن ذلك فساد لدى تجار التجزئة، إذن أين الرقابة عليهم؟ فاتورة التليفون تدفع كل ثلاثة شهور، ومع ذلك ترتفع أسعارها بشكل غير مبرر تضاف رسوم نظافة على فاتورة الكهرباء وهي غير محددة، بل تزداد بازدياد استهلاك الكهرباء ولا يوجد بينهما أي صلة، وحتى الخدمة الآتية هي أقل من المطلوب بكثير، فعامل النظافة كان يأخذ ثلاثة جنيهات موحدة في الشهر ويصعد الطابق تلو الآخر ثلاثة أيام في الأسبوع، ولكن الآن؟
– كل هذه الأشياء ترتفع وترتفع حتى بلغت عنان السماء وجاوزته، ولكن الدخل لا يتغير، فهو ثابت وغير قابل إلا لحركة النقصان وليس الزيادة.