تقرير الكرامة الجسدية في الأسرة المصرية
ملخص تنفيذي
يهدف هذا البحث إلى استكشاف مفهوم “التكامل الجسدي” للشابات والشباب المصريين (18 – 29 عامًا) في إطار منظومة الأسرة وأثر خطاب الأصولية الدينية والمحافظة الاجتماعي الساعي إلى تحجيم سيطرة الشابات والشباب على أجسادهم ونادرًا ما يحمل الآباء مسؤولية الممارسات الضارة.
يمكن للقيم الدينية والأسرية التقليدية في مصر، والتي قدمت لحماية الشباب, أن تحد من فهمهم وممارستهم لصحتهم وحقوقهم الجنسية والانجابية (SRHR) فيفترض عادة أن الشباب، وخاصة الشابات, لا يحتاجون إلى معرفة مثل هذه الأمور حتى يتزوجون. هذه الفكرة متجذرة في القيم الموروثة والتابوهات المحيطة بالجنسانية والقائمة لزمن طويل. القيم تحميها الأسرة؛ أما الأبوين و / أو الأسرة المتددة.
لهذا السبب، توجد الأسرة في قلب هذا النقاش حول الصحة والحقوق الجنسية والانجابية. فينبغي للدفاع عن استعادة الشباب لملكية أجسادهم أن يركز على تغيير الخطاب القائل بأن هذا من شأنه أن “يؤذي الأسرة والمجتمع بمجمله” وهو الخطاب المعتمد على حجج مبررة دينيًا.
استخدم هذا البحث المؤسس على الأدلة, أدوات مختلفة لجمع البيانات للإجابة على أسئلة حول بعدين رئيسيين للتكامل الجسدي، وهما “ملكية الذات” و“المسؤولية“، وذلك ليفتتح النقاش حول نفوذ منظومة الأسرة على التكامل الجسدي لأعضائها، وبخاصة النساء الشابات. وقد أجري فريق البحث حلقة نقاش مع نساء شابات, وعشر حوارات مع شباب, وجلستين لتدقيق النتائج إضافة إلى استبيان على شبكة الإنترنت.
كشفت النتائج الرئيسية لهذا البحث الميداني عن الحاجة إلى تنظيم تعليم جنساني شامل (CSE) للشابات والشباب، بداية من المراحل المبكرة لنظام التعليم، وإلى أن يتبنى هذا التعليم مقاربة تعنى بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية.
كما توصل البحث الميداني إلى نتائج هامة، كان أهمها:
1 – تمارس الأسرة سيطرة خانقة علة أجساد البنات والأبناء، ويتضمن ذلك ممارسات ضارة مثل كشوف العذرية، الزواج المبكر، وختان الإناث للبنات. وفي نفس الوقت لا تعتبر الأسرة نفسها مسؤولة عن هذه المقاربات الضارة، برغم الأثار السلبية لها على السلامة الجسدية والنفسية للبنات والأبناء. وتستخدم الأسر ما يعتبر حججًا دينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، لتبرير السيطرة على أجساد الشباب والشابات، وبما يؤثر على فهم الشباب لجنسانيتهم.
2 – ثمة مغزى مختلف لما يشار إليه في العربية على انه “عيب” عن ذلك الذي يشار إليه على أنه “حرام” (ممنوع). فيفهم الأول عادة في سياق ما يقبله المجتمع والثقافة السائدة، بينما يتعلق المصطلح الثاني بما هو مقبول دينيًا. وقد فشل الشباب والشابات الذين تمت محاورتهم إلى حد بعيد في التمييز بين “الحرام“، الذي يعتبر غير مقبول دينيًا، وبين ما هو “حلال“، الذي يعتبر مقبولاً دينيًا، مما يزيد من حيرتهم التعامل مع أجسادهم. ولا تمنح الأسر مساحة للنقاش. فهو عادة من جانب واحد، حيث يصدر الآباء أوامر أو توجيهات للأبناء حول ما ينبغي وما لا ينبغي فعله عندما يتعلق الأمر بالجسد.
3- لا تستقى المعلومات التي يتلقاها الشباب والشابات عن أجسادهم وتغيرها وتطورها من الأسرة المباشرة أو الممتدة. فمثل هذه المعلومات المهمة هي عادة مخفية أو نادرًا ما يناقشها الآباء كوسيلة للسيطرة على جنسانية أبناءهم وبناتهم، فيتركونهم يستمدون المعلومات والمعرفة عن أجسادهم من مصادر غير موثوقة. وعندما سئل المشاركون عن مصادر معلوماتهم، أجاب أغلبهم أنها كانت خلال الأصدقاء ومع ذلك، فمع انتشار استخدام شبكة الإنترنت, أشار الكثيرون إلى أنهم استمدوا معلوماتهم من البحث على الشبكة.
4 – نادرًا ما تمنح المنظومة التعليمية في مصر مساحة لمناقشة “ما هي الحقوق؟ وكيف نطالب بها ونحميها؟” فالشباب والشابات المتطلعون إلى التعلم عن هذه الأمور يسعون بدلاً من ذلك إلى ورش المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان. ويتحدى تعليم الحقوق المفاهيم الخاطئة السائدة إلى جانب التفسيرات الزائفة للنصوص الدينية ويشجع المشاركين على التفكير حول ما تلقوه من الأسرة والمجتمع في العموم
عندما طلب من المشاركين أن يدلوا بآرائهم حول كيفية استعادتهم لملكية أجسادهم، أكد كثيرون على حق الشباب والشابات في الخصوصية وأن حياتهم الخاصة لا ينبغي أن تناقش علنًا ولا ينبغي أن تسعى أسرهم إلى الحصول على فتاوى دينية حول كيفية ممارستهم لحياتهم اليومية، كما تفعل بعض الأسر.
6- اعتقد بعض المشاركين أن لا شيء قد يتغير من خلال نقاشاتهم مع أسرهم حول أمور الجنس، ومن ثم استخدموا استراتيجية “عدم الإفصاح” والتي تعني ألا يشاركوا أفكارهم أو همومهم مع آبائهم. وقال عديد من الشباب والشابات، أنهم يشعرون بأن عليهم متابعة حياتهم الجنسية دون إخبار آبائهم أو أفراد أسرهم. فآباؤهم يعتقدون أنهم يملكون أجسادهم فليس لهم حرية استكشافها بأنفسهم.
في المحصلة, من الهام التأكيد على أن الشباب والشابات في مصر يحتاجون إلى “تربية جنسية” وأن هذه التربية ينبغي أن تقدم في المدارس. ويقدم البحث حزمة من التوصيات التي تسعى إلى مقاومة وتعديل البنية الأبوية للمنظومة الحالية للأسرة التي يمكن أن تستخدم تفسيرات دينية ومبررات زائفة للسيطرة على حياة أفراد الأسرة. وقد وضعت التوصيات في ضوء الوضع الحرج الحالي في مصر والذي يواجه المجتمع فيه أسئلة تتحدى منظومته القيمية.