الأم الأفريقية الريفية وقضية غياب الزوج وعدم تعاون الأقارب

التصنيفات: غير مصنف

الأم الأفريقية الريفية

وقضية غياب الزوج وعدم تعاون الأقارب

هل تحسنت نوعية حياة المرأة الأفريقية كأم بحيث أصبحت أفضل من حياة أمها أو جدتها؟ إن هذه الدراسة في ريف سوازيلاند وكينيا تقوم بدراسة أثر الأدوار المتعددة للمرأة على دورها كأم، فضلاً عن الدعم المقدم لها (من عدمه) من جانب الزوج أو الأقارب، أو الأصدقاء، أو الجيران، أو الأطفال الأكبر سنًا، وذلك خلال فترتي الحمل والولادة وتربية الأطفال، وتكشف الدراسة عن أن شكل التطورالذي تمر المرأة بخبرته بما في ذلك هجرة الزوج، والخدمات الصحية، والمدارس، وتقلص تعدد الزوجات، والاحتياج إلى دخل نقدي قد أخذ في بعض الحالات الصالح مع الطالح مما كان تقليديًا، ودون أن يقدم بديلاً مناسبًا.

عادة ما يقال أن وضع المرأة لم يكن عسيرًا، كما هو الآن. عندما كانت المجتمعات الإفريقية أكثر تقليدية في أساليبها، وذلك لأن المسئولية الجماعية بين أفراد الأسرة كانت تضمن إمداد المرأة بالمساعدة الواجبة للقيام بأدوارها المختلفة. ومن المثير للسخرية، في أيامنا الحالية التي يقع فيها على أكتاف المرأة المزيد من المسئوليات، تفتقد المرأة كثيرًا من العون الذي كانت تعتمد عليه في الماضي.

ومع استطلاع الوضع فى عدد من المجتمعات الأفريقية، تجد أكثر من حقيقة تؤكد هذا الاعتقاد. لقد اختلفت الظروف العامة للحياة، بقدر ما، بالنسبة لكثير من النساء خلال الأجيال الثلاثة الماضية ن على الأقل في بعض أجزاء من العديد من البلدان الأفريقية. إن الجيل الحالي من النساء البالغات المتزوجات ما زال يعيش في ظل المجتمعات العائلية التقليدية، غالبًا في أكواخ من الطين والقش، وتجلب النساء المياه من الأنهار، كما كانت تفعل أمهاتهن وحمواتهن كما يطهين طعامهن باستخدام حطب الوقود وليس لديهن كهرباء، ويستخدمن الكيروسين للإنارة.

إن التغيرات الرئيسية الوحيدة التي طرأت على ظروف الحياة تتمثل فى تقديم الخدمات، وتوصيل المياه بالأنابيب. ووجود الطواحين، وزيادة المدارس، وتقلص نسبة تعدد الزوجات. ومن المفترض أن كافة هذه الأمور ساعدت على تحسين نوعية الحياة بالنسبة للنساء، وذلك عبر تقليص الوقت والطاقة المبذولين للقيام بمسئوليات البيت والأسرة. في نفس الوقت، نجد أن برامج التكيف الهيكلى، فضلاً عن التغيرات البيئية والسياسية التي حدثت في أفريقيا، قد أثرت بشكل سلبى على وضع المرأة الأفريقية الفقيرة والريفية. إن الهياكل التقليدية للمجتمعات الأفريقية مستمرة فى التحطم، حيث أدى نموذج التنمية الحضرية إلى هجرة الذكور من المناطق الريفية والمدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة والبلدان الأخرى وفى هذا النموذج، عادة ما يترك الأزواج زوجاتهم ويهجرونهن وإذا ما أضفنا لذلك تبعات الحروب والنزعات المدنية، يبدو واضحاً لماذا يتعرض جزء متزايد من النساء للحياة بمفردهن، عادة بموارد ومهارات شديدة المحدودية، فى كثير من المناطق الريفية والحضرية الفقيرة، سواء فى البلدان المتطورة أو النامية. إن الأسرة التي تتولى المرأة قيادتها، والتي لم نكن نسمع عنها في الماضي، سرعان ما أصبحت من بين الملامح الشائعة.

تقوم المرأة في أفريقيا بالعديد من الأدوار وهناك مسئوليات كثيرة ملقاة على عاتقها فهي كأم تحمل الأطفال وتقوم بتربيتهم، وكزوجة تعتبر عضوًا في الأسرة الممتدة وتقوم بأعمال المنزل وطهي الطعام، بل وتعمل أيضًا في إدرار الدخل. إن القدرة على تلبية احتياجات كل هذه الأدوار تعتمد على سهولة نفاذ المرأة إلى الموارد المالية والمهارات، وحصولها على المساعدة من الأعضاء الآخرين في الأسرة أو المجتمع المحلي فضلاً عن قدرتها على التأقلم مع الصراعات التي يمكن أن تنشأ عند تداخل مهام أدوارها المتعددة.

هل تحسنت نوعية حياة المرأة الأفريقية كأم مع التغيرات التي تجري من حولها؟ إن هذه الورقة البحثية تقدم إفادة بشأن النتائج المستقاة من دراسة أجريت عام 1987 – 1988 في ريف سوازيلاند وكينيا، بالإضافة إلى دراسة الأساليب التي من خلالها يجري تدعيم أو تصارع الأدوار المتعددة للمرأة مع دورها كأم وقدر الدعم المتاح لها أثناء فترات الحمل والولادة وتربية الأطفال. وعلى الرغم من أن هذا البحث قد تم منذ سبع سنوات، ما تزال نتائجه صحيحة ومناسبة.

لقد تم اختيار فريقين في كل من البلدين قرية نتوندوزي في سوازيلاند (حي مانزيني) وقرية مسهينجيشينجين وفوسويني (حي هوهو)، وفي كينيا، قرية ساردايدي ( محافظة نيانزا) وكيبويزي (المحافظة الشرقية) وهي كلها مناطق ريفية تقع على بعد 20 كيلو مترًا على الأقل من أقرب منطقة حضرية، بحيث إن التأثيرات الحضرية من زاوية الوظائف وإتاحة الخدمات وأنماط الحياة تكون فى حدها الأدنى ولا توجد مراكز لتقديم الخدمات الصحية في أي من هذه المناطق ويزداد فيها معدل وفيات الأطفال الرضع عن المتوسط القومي.

ولقد قمنا بإجراء مقابلة مع 130 امرأة 62 من سوزایلاند و 68 من كينيا، وكلهن أمهات ولدى كل واحدة منهن طفل واحد على الأقل. كما قمنا أيضًا بإجراء مقابلات، كلما أمكن، مع الأزواج والأمهات والحموات والجدات الذين وجدناهم بالمنزل. وعلاوة على ذلك، طلبنا من قادة المجتمع المحلي وكبار السن بالقرية تقديم معلومات وآراء. واستخدمنا في عملنا استبيانات هيكلية لجمع الجزء الأكبر من البيانات، هذا بالإضافة إلى الملاحظات المختلفة والرجوع إلى عدد من الأدبيات.

كانت أعمار غالبية النساء (75%) تتراوح من 20 إلى 35 سنة، وبلغت أعمار 8% منهن أقل من 20 سنة، وهناك 17 منهن أكبر من 35 سنة ووجدنا أن غالبية النساء (71%) قد انتقلن إلى هذه القرى نتيجة لزواجهن، وكانت قراهن الأصلية تبعد حوالي 10 كيلومترات. وذهبت حوالي نصف النساء إلى المدرسة لفترة تتراوح من سنة إلى 7 سنوات، وهناك أربعة من النساء حصلن على بعض التعليم الثانوي، أما الباقي فغير متعلمات.

وترتبط ثلاثة أرباع هؤلاء النسوة بالزراعة كمورد رزق، ولا يعملن في الأعمال المأجورة ولا حتى الأعمال المؤقتة المتقطعة. ومن بين هؤلاء النسوة، هناك 14 امرأة يعملن في الأعمال المتقطعة على فترات و 4 منهن يعملن في أراضيهن و 4 يعملن في وظائف مدفوعة الأجر ولا تحتاج المهارة، مثل الخدمة في إحدى الحانات أو في الطاحونة. وفقط 6 من النساء يملكن مهارات ويعملن في أعمال يتقاضين عنها مرتبات: 4 مدرسات، وواحدة تكتب على الآلة الكاتبة، والسادسة تعمل مدرسة في مجال محو أمية الكبار. وهناك ثلاث من النسوة يرتبطن بأعمال زراعة المحاصيل.

وفي وقت إجراء الدراسة، كانت كافة النساء متزوجات ما عدا سبع لم يتزوجن من قبل. إن أكثر من 60% من هؤلاء النسوة في سوازيلاند وفي ساراديدي في كينيا كُن مرتبطات بزوج متعدد الزوجات، وإن كان تعدد الزوجات أقل شيوعاً في يبويزي (11%). وكانت نسبة 61% من النساء يعانين من غياب الأزواج إلى المناطق الحضرية، وكان الرجال من سوازيلاند يعملون غالبيتهم بمناجم جنوب أفريقيا. وأكثر من نصف هؤلاء الرجال كانوا نادراً ما يعودون لمنزلهم في الريف من زيارة كل ثلاثة شهور إلى زيارة كل سنة وعند عودة أي منهم، فإنه لم يكن يمكث سوى فترة محدودة.

 

وفي فترة إجراء المقابلات كانت كل امرأة لديها 4 أو 5 أطفال في المتوسط من بينهم طفل أو إثنان أقل من 5 سنوات. ويبلغ متوسط عدد الأطفال في الأسر الكاملة 6.5 ونجد أن معدل وفيات الأطفال شديد الارتفاع، فكل امرأة من النساء اللاتي أجرين معهن مقابلات قد عانت من فقدان طفل واحد على الأقل يبلغ من عمره أقل من 5 سنوات.

إن ارتفاع معدلات الخصوبة وفقدان الأطفال تعنى أن الحمل يتم بصورة متكررة. ومع كل، فليس للنساء رأي بشأن عدد الأطفال أو الفترة بين الحملين. إن غالبية النسوة (69%) لم يناقشن القضية مع أزواجهن. وحتى بين هؤلاء اللاتي ناقشن الأمر مع أزواجهن، كان رأي الزوج يسود دائماً. أما النساء اللاتي يرغبن في عدد أطفال أقل عن ما يريده الزوج فقد وافقن جميعاً على رغبات أزواجهن. وحتى المدرسات في العينة، واللاتي حصلن على تعليم ولديهن مرتبات مستقلة كدخل لهن، لم تكن لديهن السلطة في مجال تقرير عدد الأطفال.

أفاد 70% من النساء بأنهن يقمن، حتى أثناء الحمل بالأعمال التقليدية المنوطة بهن. هذا، في حين أفادت 30% منهن فقط بتقلص ما يقمن به من أعمال في فترة الحمل حتى الشهر السابع. إن المهام التي يمكن تقليصها أو تكليف شخص آخر بالقيام بها تضم : جلب الماء وحطب الوقود، وحمل الأشياء الثقيلة، وتنظيف المنزل ( عندما يتطلب الأمر الانحناء). إن النساء اللاتي توقفن عن جلب الماء كان مطلوب منهن السير لأكثر من 30 دقيقة للوصول إلى مصدر الماء.

كانت كافة النسوة تقريبًا يسعين إلى الحصول على الرعاية في فترة ما قبل الولادة أثناء الحمل وقمن بزيارة العيادة 3 مرات على الأقل، على الرغم من الصعوبات التي يتأتى عليهن التغلب عليها. ففي كل الحالات تقريبًا، كانت مراكز الخدمة الصحية تبعد لما يزيد عن 5 كيلومترات. ما لم تستخدم النساء بالضرورة أقرب مركز للخدمات الصحية. فقد كان اختيار المركز يعتمد على ما إذا كان المركز يقدم الخدمات التي يرغبن فيها أو ما إذا كن يفضلن هذا المركز أو ذاك. وعلاوة على ذلك، كانت 63% من النساء يدفعن رسومًا عند كل زيارة للمركز الصحي، ومن بين الأربع نساء اللاتي لم يحصلن على رعاية أثناء الحمل، انتظرت إمرأتان منهن عودة أزواجهن للمنزل حتى يأخذون منهم نقودًا، ولكن الأزواج لم يعودوا للمنزل حتى إتمام الولادة أما المرأتان الأخرتان، فقد فضلتا عدم الذهاب للمركز الصحي. وكما تمت كثير من الولادات في المنزل، تمت غيرها أيضًا في المراكز الصحية. لقد اتخذت غالبية النسوة قراراتهن بأنفسهن (40%) أو بالتشاور مع أزواجهن (26%) وهناك 22% كان القرار الخاص بهن في أيدي أزواجهن، أما فيما يتعلق نسبة 12% الباقية، فقد كان القرار يتم عن طريق الأقارب

ومن بين النساء اللاتي شاركن في قرار الولادة بالمنزل وليس في الوحدة الصحية، اتخذت 12% منهن هذا الاختيار بثقة كانت هؤلاء النسوة يلدن دائماً ولادات عادية طبيعية ولذا فلم يتوقعن حدوث أي مضاعفات في آخر ولادة. أما بالنسبة لحوالي 11% من النساء، فقد كانت الولادة فجائية. وكانت هناك مشكلات للنساء الباقيات تتعلق بالسعي نحو المساعدة الطبية، وهذه المشكلات مثل:

  • رفض الزوج دفع التكاليف.

  • عدم وجود أى شخص في المنزل ليرعى الأطفال.

  • حالة الفقر الشديدة، بحيث لا تتوفر لدى المرأة الملابس اللازمة للذهاب إلى المستشفى.

  • الخوف من الزحام، التلوث أو وقاحة العاملين بالمستشفيات.

وتلقت كافة النساء اللاتي ولدن أطفالهن بالمنزل تقريبًا المساعدة على الولادة من امرأة غير مدربة، لأكثر من نصف الوقت، من الأصدقاء أو الجيران وليس من أفراد الأسرة. وهناك 15 امرأة لم يكن لديهن من يساعدهن بعد الولادة. وقد أفادت 12 امرأة من بين 51 امرأة من اللاتي حصلن على رعاية من امرأة غير مدربة أو لم يحصلن على رعاية على الإطلاق بحدوث مشكلات أثناء الولادة، مثل : فترة ولادة طويلة، أو النزيف الشديد، أو مشاكل المشيمة. وكان من الضروري ذهاب النساء اللاتي تعرضن لمشكلات النزيف أو المشيمة إلى المستشفى.

وبعد الولادة، حصلت غالبية السيدات على العون من الأطفال الكبار الذين كانوا يبذلون أقصى ما يستطيعون، وكان الأمر يعتمد على سن الطفل. ففي حالة إحدى السيدات اللاتي ولدت طفلها بالمنزل، وكان زوجها غائبًا يعيش بالحضر، قامت ابنتها البالغة من العمر 9 سنوات بطهي الطعام ورعاية أشقائها وشقيقاتها الأصغر سنًا منها (تبلغ أعمارهم 3، 5، 7). أمل المرأة نفسها، وعلى الرغم من أنها كانت ماتزال ضعيفة، لم تكن تستطيع أن تستمر راقدة ف الفراش]، حيث أن ابنتها امتنعت عن الذهاب إلى المدرسة حتى تساعدها.

ولم يقدم الأقارب سوى مساعدة محدودة. وفي بعض الحالات، كانت الحموات (18%) والأمهات (8%) يساعدن في أعمال المنزل. وكانت الحموات يقمن في الأساس برعاية الطفل حديث الولادة وتجهيز الوجبات ورعاية الحقل، بينما لم تكن الأمهات يعملن في الحقل، ولكن يساعدن في غسيل الملابس ( وهو الأمر الذي لم تكن تفعله الحموات). أما الأطفال الأكبر سناً، فقد كانوا أهم مصدر من مصادر المساعدة (75%)، تليهم الصديقات (25%) كانت الصديقات يساعدن غالبًا فى الأعمال المنزلية وإعداد الوجبات عندما يكون لديهن وقت فراغ، وبشكل غير منتظم في أغلب الحالات، وليس لأكثر من شهر. وخمس فقط من النساء كُن قادرات على إحضار أمرأة تعمل بالأجر : اثنتان منهن استطاعت جلب امرأة تعمل لديهما لمدة شهر، والثالثة لمدة شهرين أما الاثنتان الباقيتان فقد استطاعتا جلب امرأة للعمل لمدة 6 شهور. وهؤلاء النسوة اللاتي يعملن بالأجر لم يقمن بالعمل في الحقل ولكن قمن ببقية المهام المنزلية، بما فيها رعاية الأطفال الصغار.

لم تكن النساء راضيات عن العون المقدم لهن في مرحلة ما بعد الولادة. في كثير من الأحيان، حيث كن يتركن فراشهن ويقمن بالمهام الجوهرية في المنزل والتي لا يستطيع أحد غير من القيام بها. وقد حدث ذلك بالنسبة للسيدات اللاتي يعتمدن على الصديقات في المساعدة. وكانت غالبيتهن يشعرن بالقلق بشأن العمل في الزراعة. وإذا لم يتوفر للمرأة المساعدة المناسبة، يتأتى عليها عندئذ العودة للعمل في الحقل بعد الولادة بأسبوعين أو ثلاثة، أو حتى قبل ذلك. أما جلب المياه وحطب الوقود، وغسيل الملابس، فكانت تمثل أموراً إشكالية. لقد كان من المستحيل الحصول على عون دائم لأداء هذه الأنشطة، وذلك بسبب ما تحتاجه من وقت كبير. ومن الواضح أن الحموات لم يشاركن في عمليات جلب المياه على الرغم من مشاركتهن في جمع حطب الوقود إن النساء المشتركات في الجماعات النسائية المحلية كان بإمكانهن طلب المساعدة من عضوات الجماعة الأخريات، وخاصة للعمل في الحقل، وأحياناً لجلب وجمع حطب الوقود.

إن نوع المساعدة المطلوبة وطول الوقت المتاح كانا لهما أثر أساسي على فترة الراحة المتاحة لكل امرأة بعد الولادة. أما السيدات اللاتي لم يستطعن الحصول على مساعدة مناسبة، فقد كُن مُجبرات على معاودة نشاطهن سريعًا. كما أن قدر الراحة في مرحلة ما بعد الولادة كان يعتمد أيضًا على الموسم؛ فالمرأة التي تلد في ذروة الموسم لا تستريح سوى فترة قصيرة جدًا.

وقد أفادت خمس سيدات بأنهن لم يحصلن على أي قدر من الراحة على الإطلاق، وهناك عدد مماثل من السيدات أفدن بأنهن ارتحن لمدة تقل عن الأسبوع. أما فترة الراحة بالنسبة للسيدات الأخريات، فكانت تتراوح من 4 أسابيع، في سوازيلاند، إلى متوسط يصل لشهرين ونصف الشهر، في كينيا. وبالنسبة للمدرسات الأربعة، فقد كان لدى كل منهن أجازة وضع قدرها 60 يوماً. أما النساء الأخريات اللاتي يعملن عملاً مدفوع الأجر، فلم يعرفن ما إذا كان يحق لهن أخذ أجازة أم لا. ومن الواضح أن غالبية النساء كن غیر معنیات بنظم حماية الأمومة التي تدافع عنها الحكومة. لقد حصلت النساء على عون محدود أثناء فترتي الحمل والولادة، أساساً من جانب الصديقات والأطفال والجيران. وفي المقابل. ومن واقع أقوال الجيل الأكبر سناً من النساء في المجتمع المحلي، فإن الحموات والزوجات الأخريات كُن يمثلن المصدر الرئيسي للمساعدة بالنسبة لهن في فترتي الحمل والولادة. وهكذا، يبدو أن العون المقدم من أعضاء الأسرة الممتدة قد ولى عبر جيل واحد، وحل محله الدعم المقدم من الأطفال والأفراد الآخرين غير الأعضاء في الأسرة والذين بإمكانهم تقديم جزء من وقت فراغهن.

نجد، بالنسبة للنساء اللاتي أجرينا معهن مقابلات، أن مسؤولية تربية الأطفال كانت تعنى وجود طفل أو أكثر من غير أطفالهن (أبناء بالتربية) تقل أعمارهم عن خمس سنوات، هذا بالإضافة إلى أطفالهن البالغ عددهم أربعة أو خمسة. أن الأبناء بالتربية لا يعيشون على الإطلاق بعيدًا عن والديهم، ولكنهم يعيشون في إطار نفس الجماعة وفي ظل رعاية هؤلاء النسوة. وغالبية هؤلاء الأطفالهم أبناء الأخوة والأخوات، والعدد الأكبر التالي يأتي من الأبناء من الزوجات الأخريات، حيث تكون الولادة من الزوجة الثانية ولكن الزوجة الأخرى تتولى رعاية الطفل.

ومن بين المسئوليات الخاصة بتربية الأطفال والتي تقع على كاهل المرأة نجد: إطعام الأطفال، وتأمين حصولهم على قدر كاف من الطعام، والحديث واللعب معهم، والتأكد من حصولهم على الرعاية الصحية الوقائية، فضلاً عن المهام الدائمة الخاصة برعايتهم والحفاظ على سلامتهم ومن الضروري القيام بكل هذه المهام إلى جانب الأنشطة الحياتية اليومية العديدة، مع وجود أو عدم وجود عون من أعضاء الأسرة.

لقد وجدنا أن المرأة تقضى بشكل عام 3 ساعات على الأقل يوميًا في أنشطة لا تتوافق على الإطلاق مع رعاية الأطفال. مثل جلب المياه وجمع حطب الوقود، والتجارة، والعمل الوظيفي خارج المنزل، وقطع الحشائش، ورعاية الدواب. وقالت النساء أن الأنشطة الأخرى، مثل الغسيل والعمل في الحقل، تعتبر أنشطة بينية، أي تتم بين الأعمال الأخرى.

وهكذا، يصاحب الأطفال أمهاتهم الى الحقل عندما يتطلب الأمر، ولكن هذا الأمر يمثل إزعاجًا على سبيل المثال عندما يرغب الطفل في النوم ويكون المكان كتربا وغير صالح لنوم الأطفال الرضع. أما عملية الغسيل، فيمكن القيام بها أثناء رعاية الطفل إذا ما كانت تتم في داخل المنزل، ولكن الغسيل يتم فى حالات عديدة عند مصدر المياه، والذي يقع بعيدًا إلى حد ما. ويستغرق هذا النمط من النشاط حوالي 3 – 4 ساعات من اليوم. ولا تمضي المرأة سوى ساعة أو ساعتين فقط في ممارسة أنشطة تتوافق ورعاية الطفل.

وفي إطار هذا الجدول المشحون، تستثمر الأمهات جزءًا كبيرًا من الوقت والطاقة في إطعام الأطفال. إن غالبية الأمهات يقمن بإرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية حتى يصل عمر الطفل إلى 18 شهرًا كما يقمن أيضًا بمراقبة الأطفال عند الطعام، أو إطعامهن بأنفسهن، حتى يبلغ الطفل عامين على الأقل. وفى حالة الطفل المريض، أو الضعيف، أو فاقد الشهية، تجلس الأم بجانبه وتساعده في عملية تناول الطعام.

وفي الحالات النادرة التي تعطى فيها الأم مهمة إطعام الأطفال إلى شخص آخر، تكون النتيجة غير مرضية. كانت هناك أم، في ساراديدي، عليها القيام بالغسيل لأقاربها وتنظيف منازلهم أيضًا، ولذا فقد طلبت من حماها ملاحظة ابنتها البالغة من العمر سنة عندما تتناول طعامها ولكن الرجل المسن لم ينتبه للأمر كثيرًا، ولم تأكل الطفله أي شيء قبل أن تخلد للنوم لأن اثنان من الأطفال الأكبر سنًا التهما طعامها. وقد عبرت ثلاثة أمهات عن قلقهن من أن الطعام الذي يتركنه للطفل يتناوله الأطفال الآخرين.

وواحدة من المشكلات الأساسية التي تواجهها النساء فيما يتعلق بإطعام الأطفال، كانت تتمثل في نقص المال اللازم لشراء طعام. وهذا الأمر يحدث رغم أن كثيرًا من النسوة مزارعات ويعملن فى مزرعة العائلة، ولكن ليس لديهن أي سيطرة على كيفية المشاركة في النتائج.

( أنا أقوم بأغلب العمل في الحقل، ومع ذلك لا يعطونني سوى قدر ضئيل جدًا من النقود، ربما ما يعادل 9 دولارات. ويحتفظ زوجي وأقاربي بالباقي كله. ومن المفترض أن أستخدم نصيبي في تلبية احتياجات الأطفال).

إن النقود التي يرسلها الأزواج الذين يعملون في مناطق بعيدة عن منازلهم لم تكن تكفي لسد حاجات الأطفال من الطعام على نحو مناسب.

( أنا لدي طفل رضيع عمره 8 شهور. ولقد جف اللبن في صدري، ولكنني لا أستطيع حتى أن أشتري لبن من النقود التي يرسلها. إن هذا الطفل الرضيع سيتعرض للمرض).

تمت مقابلاتنا في كيبويزي أثناء الموسم الهزيل، عندما كان الطعام قليلاً وجدنا أن الأمهات عادة ما يرسلن الأطفال إلى اللعب خارج المنزل لمنعهم من العودة والبكاء المستمر من جراء الجوع. ويمكن للمرء أن يتخيل قدر الضغط الواقع على هؤلاء الأمهات من جراء هذا الوضع.

إن العمل خارج المنزل لساعات طويلة كان يسفر عن صعوبات إضافية. فالأطفال الرضع يبقون دون رضاعة حتى تعود الأمهات إلى المنزل، وهى مشكلة كانت تواجهها كافة السيدات العشر اللاتي يعملن في وظائف رسمية، حيث كن غير قادرات على العودة للمنزل للقيام بالرضاعة، ولا يمكنهن أخذ الطفل معهن إلى مكان العمل. ومرة أخرى، كان إعطاء مهمة إطعام الأطفال الأكبر سنًا لأفراد آخرين في العائلة يؤدي إلى تبعات سلبية بالنسبة للأطفال الأصغر أو الأضعف.

كما كان مرض الأطفال يمثل عبئًا آخر يحتاج لمزيد من الجهد بالنسبة للأمهات. لقد أفادت أكثر من نصف النساء بأن أطفالهن لا يتمتعون بصحة جيدة على الدوام. وتعد المشكلات الصحية الأكثر انتشارًا في سوازيلاند هي أمراض البرد والسعال، ويليها الالتهابات الحادة بالجهاز التنفسى والحمى. أما في كينيا، فالأمراض الأكثر انتشارًا هي : الإسهال، والملاريا والسعال، والبرد. وإذا كان حدوث المرض يمثل نمطًا ثابتًا، فمعنى ذلك أم المرأة أمامها القيام بالكثير حيث يوجد لديها 3 أطفال تحت خمس سنوات، وعادة ما يمرضون ويحتاجون للرعاية. ويزداد تفاقم المشكلة لأن أقرب وحدة للخدمات الصحية عادة ما تبعد بحوالي 5 كيلومترات، والمرأة مشغولة تماما بالفعل.

هناك مشكلة هامة أخرى، تتمثل في افتقاد المرأة لسلطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بمتى وأين تنشد الرعاية الصحية لطفل مريض. كان هذا القرار بالنسبة لثلثي النساء يرتكز في الأساس على الزوج أو الأقارب، وأقل من حالة بين كل خمس نساء كانت المرأة قادرة على اتخاذ قرار مستقل. كان ذلك حتى في الحالات التي يغيب فيها الزوج، إذ يعمل بعيدًا في المناطق الحضرية وهكذا تتولى المرأة كامل المسئولية دون أي عون من الزوج وبقليل من السيطرة على القرارات إنه بوضوح موقف غير يسير.

أما بالنسبة للرعاية الصحية الوقائية. فكان يتأتى على المرأة القيام برحلة خاصة مع الطفل ذهابًا إلى العيادة للحصول على التطعيمات. وكانت هذه الرحلة تتم باستخدام الأتوبيس، أو أي مواصلات عامة أخرى، وكانت 21% من الأمهات تذهب إلى العيادة سيراً على الأقدام. وهناك أسباب متكررة أعتطتها الأمهات لعدم تطعيم الأطفال وهي على النحو التالي: (أنا نسيت) (34)، (العيادة بعيدة جدًا ) (25%)، ( هذا الطفل ليس ابني) (20%)، وتطرح هذه الحجه الأخيرة أن الأطفال الذين يحظون برعاية شخص آخر يمكن أن يتعرضوا لأخطار كبيرة من جراء عدم حصولهم على الرعاية الصحية.

أما بالنسبة للوقت المخصص للعب أو الحديث مع الأطفال، فيتراوح من لا شيء إلى ساعتين في اليوم. وقد أفادت 20% من النساء أنهن لا يملكن الوقت لذلك. وتمضي غالبية النساء. أطفالهن فترة تتراوح من نصف الساعة إلى الساعة يوميًا. وهناك الكثير من النساء اللاتي يمضين مع أطفالهن ما يسمونه فترة الراحة، أو يلعبن معهم أثناء عملهن بالمنزل.

وبشكل واضح نجد أن المرأة تعمل كثيرًا دون أن تحصل على عون من زوجها. والشكل الوحيد من المساعدة الذي تتوقعه الزوجة من زوجها يتمثل في المساعدة المالية. ولكن، حتى في هذا المجال كانت بعض النسوة يشعرن بخيبة الأمل وأن الرجل لا يدرك مطالب الحياة اليومية في المنزل وما يحتاج إليه الأمر لتلبية مطالب الأطفال واحتياجاتهم.

أنا أبقى هنا مع أطفالي الستة ثلاثة هم أولادي من زوجي، أما الثلاثة الآخرون فأبناء زوجي من امرأته الموجود معه بعيدًا، ومع ذلك لا يرسل لي سوى ما قيمته 29 دولاراً كل 3 شهور. ماذا يتأتى على أن أفعل؟ أنا أكسب بعض المال ولكن لماذا ينبغي أن أنفق هذا المال على أطفاله؟

هل ترين ابنتي اتينو جالسة هناك، كان ينبغي أن تكون بالمدرسة. ظنه يدفع مصاريف مدرستها، ولكنه يقول لي أن أشتري الزي المدرسي والكتب مما يتبقى من المال الذي يتركه لنفقاتنا جميعًا. ليس لدي حتى ما يكفي للكتب ولذا لا تذهب ابنتي للمدرسة الآن“.

أطفالي يبدون كما لو كانوا عالة“.

وطالما أن الزوج لا يعطي زوجته ما يكفي من النقود حتى لتلبية الاحتياجات الأساسية للأطفال، فلا يثير الدهشة أن الزوج لا يستطيع تقدير ما تحتاجه المرأة من وقت للراحة خال من الأعباء.

إن طحن الحبوب في الطاحونة يكلفنا كثيرًا. ويقول زوجي استخدمي الرحاية كما كانت تفعل والدتي“. ولكن لدينا 6 أطفال. هل ينبغي أن أقوم بطحن الحبوب كل يوم من أجل الأطفال الستة ويوجد بالقرب منا طاحونة؟

كانت شكاوي المرأة يقابلها صمت، لا شيء يتغير يقول الرجال أنهم لا يملكو نقودًا، وأن هناك عدداً كبيراً جدا من الأطفال وليس بالإمكان إعالتهم جميعًا. وقد نصح الأزواج زوجاتهم بالمزيد من العمل للحصول على مزيد من الطعام.

وعندما تحدثت زوجة فيما يتعلق بما يتوقع أن تقوم به مع الأطفال، أصبح الزوج غاضباً جداً، وهددها بمعاقبتها على كلماتها. وسرعان ما غادر المنزل متوجه لمنزله في الحضر، ولم تره لمدة أربعة شهور. وقد سمعت أيضًا أن لديه امرأة أخرى في المدينة.

وتختار غالبية النساء عدم مناقشة قلة المساهمة المالية للرجل في أعباء الأسرة، وذلك خوفًا من رد فعله. قالت بعض النسوة أنهن لم تكن لديهن الفرصة “. ومع كل، فهناك نسوة أخريات حاولن المناقشة ثم استسلمن بعد ذلك، إذ أن النقاش لم يسفر عن أي نتائج.

ومن زاوية دعم الأزواج للأطفال، يبدو أن حال الجيل الحالي من النساء أسوا من حال الجيل السابق. قديمًا كان الأزواج يعيشون في نفس المكان ولم يذهبوا إلى أي منطقة أخرى. ووفقًا لما تقوله إحدى الحموات، كان زوجها يساعدها بالمال، وفي تأمين الطعام، وفي رعاية الأطفال وفي العمل في الحقل. كما أن الخلافات مع الأقارب، فيما يتعلق بمن لديه حقوق أكثر بالنسبة لتحويلات الزوج النقدية، قد أدى إلى خلق المزيد من المشكلات بالنسبة للنساء، ليس فقط فيما يتعلق بسهولة النفاذ إلى النقود، وإنما أيضًا فى التسبب في توتر بالعلاقات مع ذات الناس الذين تعتمد عليهم المرأة لمساعدتها ودعمها الاجتماعي

عندما يحضر أو يرسل نقودًا، تأخذ والدته هذه النقود ثم تعطينى قدرًا منها، وبعد ذلك تتابعني وتسألني ماذا فعلت بالنقود“.

حماتي دائمًا تسألني عن النقود التي يرسلها إبنها وأقول لها أن النقود لأطفاله أيضًا ولزوجته، ولكنها لاتفهم“.

عندما لا تملكين النقود، تقلقين دائمًا بشأن الغد. لم أكن أعرف أن المرأة المتزوجة تقلق على هذه الأشياء. لقد ذهبت إلى المدرسة لمدة 9 سنوات، وكان زوجي يعمل في نيروبي. وأجد من الصعوبة تربية أطفالي على المستوى الذي كنت أريده لهم. مشكلتي الكبرى هي حماتي وشغلها الشاغل بنقود ابنها “.

يبدو واضحًا احتياج المرأة للمساعدة في رعاية طفلها، ولقد عبرت أكثر من نصف السيدات عن عدم الرضا الشديد بشأن طبيعة رعاية الطفل المتوفرة لهن أثناء وجودهن خارج المنزل. أحيانًا تكون المشكلة هي كبر سن الجدة، بحيث لا تقدر على رعاية الطفل على نحو جيد. وفي حالات أخرى، يذهب الأطفال الأكبر إلى المدرسة أو للعمل في الحقل.

ومن المثير للدهشة أن نصف الحموات وشقيقات الزوج، وغيرهن من الأقارب الذين يعيشون في نفس المكان، كن مستعدات للقيام بمهام رعاية الطفل أثناء وجود الأمهات. خارج المنزل. هذا في حين أن أم المرأة وقريباتها لم يشكلن مصدرًا أساسيًا للعون، وربما يرجع ذلك إلى أن كثيرات منهن كن يسكن بعيدًا. توجد في كيبويزي منطقة سكنية جديدة، وفيها كانت المساعدة في رعاية الطفل تقدم في الأغلب من الجيران وليس الأقارب، أو لا يجري تقديمها على الإطلاق.

وكان الأطفال الأكبر سنًا يقدمون جزءًا هامًا من المساعدة. في مجال رعاية الأطفال الأصغر (20%). ولكن عمر الأطفال الذين يتولون مسئولية الأصغر منهم قد أخذ يتقلص يتراوح عمر غالبيتهم من 5 إلى 7 سنوات. ولأنهم هم أنفسهم أطفال وفي حاجة إلى الرعاية، كانوا غير مؤهلين بصورة جيدة لتحمل المسئولية. ونظرًا لأن الأطفال الذين تزيد أعمارهم على 7 سنوات لا يستطيعون القيام برعاية الصغار والذهاب إلى المدرسة في ذات الوقت، فقد كانوا في كثير من الحالات يضحون بتعليمهم وخاصة الفتيات منهم. وهناك حقيقة أخرى تتمثل في أن جزءًا أساسيًا من الأطفال الصغار (18%) كان يتم تركهم بمفردهم سواء داخل المنزل أو خارجه. وقد عرضهم ذلك إلى أخطار جسيمة وكان سببًا أساسيًا من أسباب القلق. كما كان غالبية هؤلاء الأطفال يبقون بدون طعام حتى تعود الأم إلى المنزل.

وعلى خلاف الجيل الحالي، لم تقل أي واحدة من الحموات أنها كانت تترك أطفالها بمفردهم، كما أفدن بحصولهن على مساعدة من الأقارب، وخاصة من الزوجات الأخريات. وطالما أن الأزواج يعيشون في نفس المكان كانوا في العادة يتولون مسئولية تنظيم العون بين كل الزوجات بشأن الأطفال. وأفادت بعض النسوة الأكبر سنًا اللاتي تحدثنا معهن (7 من 50 على وجه الدقة) أنهن يشعرن أن عدم انتشار تعدد الزوجات قد حرم المرأة من مصدر من مصادر الدعم.

أفادت هؤلاء النسوة أيضًا بأن الأطفال الذين كان يتم تكليفهم برعاية الصغار كانت أعمارهم تزيد عن 10 سنوات، وكان بإمكانهم الطهي القيام بالأعمال المنزلية البسيطة. وبطبيعة الحال، لم تكن غالبية الفتيات الصغيرات يذهبن إلى المدرسة في تلك الأيام، وحتى إن ذهبن إلى المدرسة فكن يبدأن الدراسة في سن متأخرة. وهكذا، كان الجيل الأكبر سنًا من النساء يحصل على مساعدة أفضل نتيجة لقدرة الأطفال الكبار الذين يقومون برعاية الصغار.

أما العون المقدم من الأقارب أو الجيران، فكان بدون تكلفة. ولكنه، في واقع الأمر، كان يفرض التزامًا برد هذا العون عينيًا، أو مبادلته بنوع آخر من المساعدة. وفي أي الحالات، كان من المتوقع من غالبية النساء صغيرات السن القيام بأداء عدد من المهام اليومية لأقاربهن، مثل جلب المياه والعمل في الحقل، وإعداد الطعام، وأحيانًا الغسيل وتنظيف المنزل، وجلب حطب الوقود. وهناك دائمًا مدونة سلوك غير مكتوبة حول تبادل العون ولكن مع وضع التزامات أكبر على عاتق النساء صغيرات السن.

إن المشكلات المتعلقة بإيجاد رعاية مناسبة للطفل، لم تكن ترتبط بالضرورة بوظيفة المرأة. فالمرأة يمكن أن تمتلك دخلاً مستقلاً دون حاجة إلى رعاية للطفل، أو تحتاج لرعاية الطفل دون أن تمتلك دخلاً مستقلاً، كما هو الحال بالنسبة للمزارعات. كما أن الحاجة الى رعاية الطفل كانت أيضًا موسمية الطابع بسبب التقلب في متطلبات السوق الزراعي وسوق العمل. إن أنماط العمل الريفي لا تتسق بالضرورة مع مهمة رعاية الطفل. فمن بين النساء العشرة اللاتي يعملن في وظائف رسمية، كانت هناك امرأة واحدة فقط قادرة على أن تدفع نقودًا لامرأة أخرى كي ترعى أطفالها، كما كانت هناك امرأة أخرى تترك صغيرها في الحضانة كلاهما من سوازيلاند.

ما الذي تسعى إليه المرأة من زاوية العون الذي تحتاج إليه لرعاية الطفل؟ إن النساء اللاتي أجرينا معهن مقابلات في كينيا يعتبرن أن تأجير امرأة لرعاية الطفل هو الحل الوحيد، بينما أشارت السيدات في سوازيلاند إلى دور الحضانة ومراكز الرعاية المفتوحة في فترة عملهن. وطرح عدد قليل من النساء اللجوء إلي بعض الطرق لتقليص المهام الأخرى ولإيجاد وقت للأطفال، وعلى سبيل المثال: البدء في مشروع تقوم به بعض النسوة يتعلق بجلبهن المياه للجميع، وهو الأمر الذي يخدم أيضًا كوسيلة لإدرار الدخل من أولئك النسوة اللاتي يمكن أن يدفعن نقودًا نظير هذه الخدمة.

إن نقص المال كان واحدًا من أهم أسباب عدم قدرة النساء على القيام بما يرغبن فيه من تغيرات. وتضم الأسباب الأخرى ما يلي: رفض الزوج التحرك الى مكان آخر، أو تأجير شخص ما، فضلاً عن نقص الأيدي العاملة الجيدة. ولم يكن بمقدور غالبية النسوة تأجير امرأة ماهرة للمساعدة. كما إن حلولاً مثل دور الحضانة أو المشروعات المدرة للدخل، كانت تتطلب جهدًا مجتمعيًا، ولكن مجتمعاتهم لم تكن مستعدة لمثل هذه الأنشطة المشتركة. وهناك نساء أخريات لا يملكن أي مهارات لإدرار دخل لأنفسهن.

نتائج

هل تحسنت حياة المرأة مقارنة بالأجيال السابقة؟ إن الإجابة مختلطة بالضرورة. فالمرأة الأفريقية الريفية المعاصرة تتحمل العديد من كم المسئوليات، لكنها محرومة من الموارد التي تعينها على القيام بمسئولياتها على نحو جيد. ان شكل التطورالذى تمر المرأة بخبر تهقد أخذ في حالات عديدة الصالح مع الطالح مما كان تقليديًا، ودون أن يقدم بديلاً مناسبًا. لقد أدت الرعاية الصحية الحديثة، بكل فوائدها، إلى زيادة الطلبات الملقاه على كاهل المرأة ووقتها وطاقتها. إن الحمل بصورة طبيعية ووجود رعاية للأطفال الرضع يمكن أن ينقذ حياة أطفال كثيرين، ولكنه لا يكفي لتجنب عبء المرض الثقيل لدى العديد من الأطفال.

كما أن المدرسة تعد أيضًا أمرًا يثير الخلط. فالمرأة ترغب في أن يذهب أطفالها إلى المدرسة، ولكن المدرسة تزيد من الطلب علي الدخل النقدي. كما أنها تأخذ الفتيات الكبار بعيدًا عن المنزل، في حين كانت هذه الفتيات تمثل المصدر الرئيسي للعون للأجيال السابقة من النساء.

أن التقلص التدريجي الذي حدث في مجال تعدد الزوجات يمثل تغيرًا جيدًا، ولكن زوجات الرجل الواحد كما أشارت السيدات المسنات كن يمثلن مصدرًا هامًا من مصادر العون. وعلاوة على ذلك، ما يزال هناك شريكة أخرى للرجل، وخاصة بالنسبة للرجال الذين يعيشون في المناطق الحضرية بعيدًا عن زوجاتهم. إن المرأة التي تبقى بمفردها تقوم برعاية أطفال زوجة زوجها، ودون أي عون من زوجها أو شريكته.

أن الطلب المتعاظم على الدخل النقدي يعني أن المرأة التي تتولى قيادة الأسرة تواجه مسئوليات إضافية مع موارد غير كافية، وعليها أن تبحث عن مورد دخل تكميلي للحصول على المال، وعادة في غياب أي دعم مالي ملائم من الزوج. كل هذا بالإضافة إلى قيامها بإنتاج الطعام ومسئوليتها في المنزل ورعاية الأطفال.

وفي هذا السياق، فإن الخدمات الرسمية لرعاية الطفل سواء المجانية أو المدعومة من جانب الحكومة، تمثل البديل الوحيد المجدي، وتستحق دراسة فورية وجدية.

وتمتلك منظمات المجتمع المحلي والجماعات النسائية إمكانات ضخمة في مجال مساعدة المرأة الأفريقية الريفية اليوم وإمدادها بالعون الاجتماعي الذي تحتاج إليه. وهناك مطلب هام آخر يتمثل في زيادة التزام الحكومات، سواء في تيسير وظيفة منظمات المجتمع المحلي والجماعات النسائية، أو في الإمداد المباشر بآليات العون الاجتماعي.

ملحوظة

تقدم هذه الورقة تلخيصًا لتقرير البحثي الذي تدعمه إدارة صحة الأسرة في منظمة الصحة العالمية، وهو بعنوان تدابير العون المقدم للمرأة في مجال الصحة والتنمية: دراسات حالة في كينيا وسوازيلاند 1978 – 1988″، وكان غير منشور سابقًا

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات