الأمهات من الطبقة العاملة كمدرات للدخل الاقتصادي ومسئولات عن الأسرة في الأرجنتين
بقلم:
الأمهات من الطبقة العاملة كمدرات للدخل
الاقتصادي ومسئولات عن الأسرة
في الأرجنتين
مقدمة…..
تدور هذه الورقة البحثية حول التجارب الشخصية والأسرية للنساء الفقيرات، الأمهات، اللاتي يتولين مسئولية أسرهن فى عاصمة الأرجنتين. ولا تتبع أسر من نموذج الأسرة النووية التقليدى، وذلك من حيث إن : المرأة هى الموفر الأساسى للدخل، وهى التى تتولى مسئولية الأسرة باعتبسثرها العائل الوحيد، أو قد تتكون الأسرة من رجل وإمرأة في زواج ثان، بعد أن انفصل كل منهما عن شريكه السابق أو حصل على الطلاق، ويكون لدى أحدهما أو كلاهما أطفال من شريكه السابق ويعيشون معهم. وتبحث هذه الورقة فى الطرق التي يمكن من خلالها أن تؤثر هذه المواقف غير التقليدية على المرأة، وكيف تتأثر علاقتها بالأطفال وبشريك حياتها.
هناك دراسات عديدة، في العقد الأخير، حول الأسرة والعائلة، وكلها تشير إلى اتجاهين مرتبطين ببعضهما البعض الأول، العدد المتزايد من حالات الانفصال أو الطلاق؛ والثاني، العدد المتزايد من النساء اللاتى يتولين مسئولية الأسرة أو منتمون لأسرة أعيد تكوينها؛ ونحن نعنى بذلك؛ الأسر التي تتكون من رجل وإمرأة في زواج ثان بعد أن انفصل كل منهما عن شريك سابق، ويكون لدى أحدهما أو كليهما أطفال من الشريك السابق ويعيشون أساساً مع أسرتهم (1 , 2 , 3, 4 , 5)
“وفى مركز هذه التغيرات (فى الأسرة) نجد إعادة بناء العلاقات بين الذكر والأنثى، سواء فى العمل أو في المنزل، حيث يتوقع الرجل من زوجته أن تشارك في المسئولية الاقتصادية، وتتوقع المرأة من زوجها المساعدة في المهام المنزلية.. (6)
إن دخول المرأة إلى سوق العمل الحضري في الأرجنتين في العقد السابق يعد من التبعات المباشرة لسياسات التكيف الهيكلي ذات الآثار السلبية على توظيف الرجل ودخله، وخاصة بالنسبة للعمال اليدوين الذي لا يملكون سوى القليل من المؤهلات (7) وفى هذا السياق، نجد زيادة في عدد الأسر التى تقوم فيها المرأة بدور المسئولية الأساسية (8) وفي بوينس أيريس الكبرى، نجد أن نسبة الأسر التي تدعمها النساء قد وصلت إلى 19% عام 1980، ثم إلى 25% عام 1998 و 27% عام 1992 (10.9) إن التدهور فى مجال التوظيف والدخل بالنسبة للرجل حتى عندما تعمل زوجته، قد أدى إلى عملية إفقار كثير من العائلات. وعلاوة على ذلك، فإن التغير في الأدوار الاقتصادية، والذي فرضته الظروف المناوئة الخاصة بالركود الاقتصادى والتي لم يتم اختيارها طواعية، قد أصبح سبباً متكرراً من أسباب الصراع داخل العلاقات الزوجية وتمزقها.
وهكذا، لم تؤد الأزمة الاقتصادية إلى تشويه سوق العمل فحسب، وإنما أثرت تأثيراً عميق أيضًا في حياة الأسرة بالطبقة العاملة. لقد شجعت على نمو ظاهرة اقترنت حضارياً بالفقر وهى: تشكيل الأسرة غير التقليدية إن الأسر التي تتولى فيها المرأة المسئولية الأساسية تعتبر حتى الآن أسرة هشة. وعندما يصعب الحفاظ على تجانس الأسرة النووية التقليدية، تحدث الأزمة؛ إذا ترك الرجل المنزل تتولى المرأة مسئولية الأسرة، ومن الممكن أن تدخل الأسرة فيما بعد في مرحلة إعادة تشكيل، وذلك عن طريق الانفصال ودخول شريك جديد إليها وهذا هو ترتيب المراحل الذي يتم عادة (4)
إن نموذج الأسرة النووية التقليدى يمكن تعريفه باعتباره زواجاً قانونياً لمدى الحياة، بين رجل وامرأة، يثمر عن وجود أطفال؛ ويكون الرجل هو المسئول عن الأسرة ويمثل السلطة النهائية فيها (4) وتدور هذه الورقة البحثية حول الأسر التي لا تتبع النموذج التقليدي من ثلاث نواح: المرأة تتولى مسئولية إدرار الدخل، أو المرأة هي التي تقف على رأس الأسرة وتكون بمثابة العائل المنفرد؛ أو تكون الأسرة قد تعرضت لعملية إعادة تكوين.
وتمشياً مع مفهوم الأدوار السائدة لكلا الجنسين، فإن الأسر في العاصمة الكبرى في بوينس أيريس التي يتولى فيها الرجل مسئولية إدرار الدخل تعد أيضًا من الأسر النووية التقليدية السائدة. وتصل نسبة هذه الأسر إلى ما يزيد عن 71% من مجموع الأسر، وأكثر من 77% من الأسر ذات الدخل المنخفض.
وفى نفس الوقت، فمن بين النساء الفقيرات في بوينس أيريس الكبرى، اللاتي كن في 1992 يتولين مسئولية إدرار الدخل للأسرة، هناك 38% كُن يتولين مسئولية الأسرة بمفردهن نتيجة لغياب الشريك الرجل؛ ونعنى بذلك أنهن كن أمهات منفردات مسئولات عن أسرهن، و 42% منهن كُن زوجات. ( ونسبة 20% الأخرى كانت تمثل البنات أو غيرهن من قريبات الأسرة). والأمهات يعلن نسبة كبيرة تبلغ 80% من الأسر ذات الدخل المنخفض التي يعولها نساء و40% من هذه الأسر لديها أطفال أصغر من 7 سنوات، و 69% منها لديها أطفال أصغر من 15 سنة.
إن الأسر التي تعرضت لإعادة التكوين لا تعتبر بدعة جديدة (11) ومع كل، فإن تزايد حالات الانفصال والطلاق قد غيرت من السبب وراء تكون مثل هذه الأسر، والذي كان يتمثل تقليدياً في وفاة أحد الشريكين (1 , 2 , 4) وعلى الرغم من أن الأسر التي أعيد تكوينها في الأرجنتين كانت تُعتبر نموذجاً مألوفاً في الطبقات الدنيا لفترة طويلة جداً ” (12)، فإن الملاحظات التى تؤكد تزايد هذه الظاهرة ظهرت في تقارير المعالجين النفسيين للأسر الذين يستقون خبرتهم الإكلينيكية أساساً من جلسات المشورة مع أسر الطبقات الوسطى ( 12 , 13 , 14)
ولا نملك بعد بيانات إحصائية يمكن الاعتماد عليها بالنسبة للأسر التي أعيد تكوينها. ولكن عينة غير عشوائية تتكون من 363 فردًا بالغًا من 15 إلى 18 سنة، يعيشون في بوينس أيريس الكبرى، قد وجدت أن حوالي 10% سواء من الطبقة العامة أو الطبقة الوسطى، كانوا يعيشون في ظل أسر أعيد تكوينها. وغالبيتهم كان يعيش مع الأم وشريكها الجديد.(15)
أن الأسر التي خاضت مثل هذه التغيرات لا تختلف من حيث البنية فقط، وإنما أيضًا من حيث المشكلات التي تواجهها والاستراتيجيات التي تتبناها، بدرجات مختلفة من النجاح من أجل مواجهة هذه المشكلات. إن بعض جوانب بنية الأسرة ودينامياتها التي تؤثر على الحياة اليومية(16) تتمثل فيما يلي: عدد أعضاء الأسرة الذين يمكنهم إدرار الدخل، ودور كلا الجنسين والعلاقات بين الأجيال، وتقسيم العمل داخل المنزل والعمل المأجور، وممارسة السلطة ومصادر مشروعيتها. كيف يمكن أن تندمج هذه المكونات في الأسر التي يجري حاليًا دعمها عن طريق المرأة؟
تدور هذه الورقة البحثية حول التجارب الشخصية والأسرية للنساء، والأمهات، اللاتي يتولين مسئولية أسرهن في بوينس أيريس الكبرى. وتقدم الورقة معلومات نوعية ترتبط بمجرى المقابلات المعمقة التي أجريت مع 29 إمرأة (17). كانت بعض النساء منفردات بلا شريك والبعض يعيش مع شريك. وفي فترة الدارسة، كانت كل النسوة يعملن وكان دخلهن أساسيًا بالنسبة لمالية الأسرة، وغالبية هؤلاء النسوة يعملن منذ فترة طويلة، حتى منذ أن كن فتيات صغيرات. وكانت كافة النساء – بدون استثناء– يشعرن بإلتزام عميق تجاه العمل، ويدركن بوضوح أهمية مساهمتهم في دعم أسرهن. كما عبرت أيضًا غالبية النسوة عن التزام فردي تجاه العمل، ويرجع ذلك، كما أشرن، إلى أهمية تنمية ذواتهم واستقلالهن الذاتي.(18) وتعيش هؤلاء النسوة في مناطق تضمن أفراد الطبقة العاملة في بوينس أيريس، وقد هاجرت النسوة أو أسرهن إلى تلك المناطق من المناطق الريقية أو المدن الصغيرة في الأرجنتين أو البلدان المجاورة لها. وكانت غالبية النسوة يساعدن عائلاتهن ذات الدخل المنخفض، وفي بعض الحالات القليلة من متوسطي الدخل.
الأسرة النووية “التي لم تُمس“
يكمن أحد الفروض المصاحبة لنموذج الأسرة النووية التقليدي في أن كلا من المرأة والرجل يمكنهما الاعتماد على أن شريكه الآخر يساهم في رعاية الأطفال وفي المسئويات المالية. ويبدو أن هذا مؤكدًا بالنسبة لبعض النسوة فقط في بداية الزواج بوالد أطفالهن والذي يعتبر قائد الأسرة وبإمكانهن مشاركته في القرارات العامة الخاصة بالمنزل.
وفي الأسر التي تلعب فيها المرأة الدور الاقتصادي الأساسي، لا تتوقف المرأة أن يسبب عملها أي صراع. فالمرأة هناك تدرك أنها هي وشريكها مسئولان عن إدرار الدخل معًا ويقبلان المشاركة فى المسئولية الاقتصادية باعتبارها أمراً طبيعياً. بل يعتبر هؤلاء النسوة أنما يدررنه من دخل إنما يمثل “مساعدة” لشريكهن، ومن أجل صالح الأسرة. وفي واقع الأمر، قليل من هؤلاء النسوة كُن المصدر الأساسي للدخل طوال فترة الزواج، ولكنهن يعتبرن ذلك وضعًا انتقالياً. وكان أغلب الأزواج يعملون في القطاع الرسمى أو كعمال بائعين، والحقيقة أنه لا يوجد زوج واحد منهم لم يفعل كل ما في وسعه لتغيير الوضع ومواجهة الأزمة، بل حاول أقصى ما يستطيع للحفاظ على دوره كزوج وأب.
وتقوم غالبية النسوة بإدرار الدخل عن طريق العمل في مجال النظافة في البيوت، أو الخياطة في منزلهن، أو رعاية أطفال سيدات أخريات، وذلك حتى يستطعن تمضية أكبر وقت ممكن في منازلهن لرعاية أطفالهن. فلكل واحدة منهن ثلاثة أطفال أو أكثر، وبعض الأطفال ما يزالون في سن صغيرة وتعمل المرأة في مثل هذه الأعمال إذا ما كان دخل زوجها غير كاف.
ويتحقق التوافق فى الحياة الزوجية عن طريق قبول تقسيم الأدوار التقليدى للجنسين، ارتكازاً على القيم والصور التقليدية للزواج والأمومة إلى حد معين، ومع بعض التعاون والتنازل من جانب الأزواج فيما يتعلق بالمهام المنزلية، وقبولهم لأنشطة الزوج خارج المنزل (19) ومن بين تلك الأسر التي تضم فردين على الأقل يعملان على إدرار الدخل، يجد القليل أنفسهم في مستويات منخفضة من الدخل. وفي الواقع تواصل بعض الزوجات العمل حتى بعدما تتحسن ظروف عمل الزوج، وذلك من أجل أن تتمكن من شراء أشياء للأسرة، مثل شراء بيت لهم أو مساعدة الزوج على الدخول فى مشروع خاص. ولا يساورهم أى شك في أن المشروع المشترك لتحسين وضع الأسرة يسهم في الحفاظ على وحدة الزوجين.
ولكن الموقف قد يختلف تماماً بالنسبة لنساء أخريات. فبعض النسوة قد وجدن أنفسهن في مواجهة صراعات حادة مع أزواجهن نتيجة لتغير الأدوار من جراء مساهمتهن في إدرار الدخل للأسرة من خلال العمل.
الأسر النووية في وضع الأزمة
أصبحت بعض النسوة، فى ظل هذا الوضع المسئول الأساسي عن إدرار الدخل للأسرة. ونظراً لأن هؤلاء النسوة قد تزوجن في “العقد الضائع“، فإن أزواجهن كانوا يفتقدون دائماً لعمل دائم (إذا ما وجدوا عمل على الإطلاق)، ومنذ نهاية أعوام الثمانينيات كانوا فى حالة بطالة بشكل أو آخر وهناك نساء أخريات اضطلعن بأغلب المسئوليات الاقتصادية بعد سنوات من زواج كان مؤسسًا على التقسيم التقليدى للأدوار. وما زال الدخل الحالي لأزواجهن غير دائم، أو محدود جداً بحيث لا يفي بمتطلبات الأسرة. ونظراً لأن هذه الأسر تمتلك عدداً كبيراً من الأطفال، أو نظراً لأن الاطفال مازالوا صغاراً ولا يقدرون على العمل بعد، أو يذهبون للمدرسة، فإن دخل هذه الأسر يصبح منخفضاً أو يصل إلى مستوى الفقر. (20)
ويلتزم هؤلاء النسوة بالعمل التزاماً تاماً. وعادة ما يعملن في أكثر من وظيفة واحدة ولأكثر من 45 ساعة في الأسبوع. وتنزع هؤلاء النسوة إلى تحمل العبء من أجل الحفاظ على ظروف حياة أطفالهن أو تحسينها.
وقد مرت أغلبهن تقريباً بخبرة بعض الخلافات الزوجية. وتقوم أغلبهن بتوبيخ أزواجهن لسلوكهم أو لرفضهم المشاركة في الأعمال والمهام المنزلية، ولكنهن أيضًا يشعرن بعدم الرضا أن الزوج غير قادر على “إنجاز واجبه” الاقتصادى إزاء الأسرة ونتيجة للسلطة التى يحصل عليها هؤلاء النسوة من جراء قيامهن بدعم الأسرة، تبدأ غالبيتهن في إجراء تغييرات في كيفية المشاركة فى العمل المنزلي، فضلاً عن التغييرات فى كيفية إدارة ميزانية الأسرة. ففي عائلة فلورنسيا، التى بها ستة أطفال صغار وتعمل ساعات طوال في المصنع، كان هناك انعكاس في الأدوار فزوجها الذي لا يعمل يتولى أغلب المهام المنزلية ويقوم برعاية الأطفال. وقد تسبب هذا الموقف فى عدد غير قليل من المشاجرات بما في ذلك انفصال لمدة عام. نظراً لأن صورة دوره التقليدى تجعله غير قادر على التأقلم مع هذه التغيرات. أما بالنسبة إلى ليديا – والتي كانت تقوم بإدارة مرتبها ومرتب زوجها – فقد جعلت من نفسها مسئولة عن تغطية كافة النفقات، وطلبت مؤخراً من زوجها أن يشاركها فى هذه المسئولية حتى تجعله يعي مدى صعوبة تدبير شئون المنزل بهذا القدر من النقود التي يحصلون عليها.
وتعتبر المرأة نفسها في هذا الموقف متولية قيادة الأسرة، ولكن عدد قليل من النسوة يقلن أن هذه مهمة مشتركة، بل وهناك عدد أقل يعتقدن أن الزوج يحتفظ بهذا الدور:
“أنا أقود الأسرة. وهذا هو الحال لأنه لا يفعل أي شيء“.
(نورا – 28 سنة، لديها طفلان، تعمل في مصنع)
وفي مثل تلك الحالات، فإن المشاعر السلبية الأولية لدى الرجل لأنه غير قادر على الاستجابة لاحتياجات الأسرة – تقوى نتيجة لأداء المرأة الكفء لهذا الدور. إن الاستقلال الذاتي والاحساس بالفخر الذى تشعر به المرأة في هذا السياق يعزز من المشاعر السلبية لدى الرجل. إنه لا يقوم فحسب بإنجاز ما يتوقعه منه المجتمع، بل يصبح مضطراً أيضًا لأداء دور “نسوى“. وهو الأمر الذي يقوى من إحساسه بقلة قدره، و“تنازله” عن أدواره الذكورية مثل ممارسة السلطة الأبوية أو الرقابة على الأطفال، أو مسئولياته تجاه تعليمهم. وهذا التنازل بدوره يحض على فقدان الاحترام كما يولد ضيقاً وعنفاً تجاه المرأة. وعلى الرغم من شعور هؤلاء النسوة بالفخر لأدائهن لأعمالهن تتولد لديهن مشاعر متناقضة مشابهة لمشاعر أزواجهن، وترتكز على قوة القيم التقليدية فيما يتعلق بتقسيم العمل داخل الزواج، وفى الإحباط في التوقعات منذ بدء الزواج:
“إن مسئولية جلب النقود لدعم الأسرة هي مسئولية الرجل. فإذا كنت أنا التي أتولى هذه المسئولية، فهذا يرجع إلى أنه لا يُطعم الأطفال“.
(ليتيسيا، 33 سنة، لديها 3 أطفال تتراوح أعمارهم من 4 إلى 12 سنة، تعمل في المنزل كخياطة).
ويشعر الطرفان بعدم الرضا نتيجة لتغير الأدوار، والتي لم يخترها أى منهما وإنما أملاها تغير الظروف. ومن بين التبعات التي تظهر على الرجل، نجد الخيانة الزوجية والعنف ( من جراء تعاطى المشروبات الكحولية)، وهي السبل الوحيدة التي يعرفها للتعبير عن قيمته وسلطته التي أصبحت الآن محل تساؤل. وهو الأمر الذي يؤدي بالمرأة، في نهاية المطاف أن تطلب الانفصال عن زوجها:
” في السابق، كنت أعمل فقط لمساعدته. ولكن طوال العام الماضى لم يحقق أى دخل.. والآن يتعاطى المشروبات الكحولية بدرجة كبيرة. فإذا كنت سأصبح رأس العائلة، وبها رجل لا يمثل سوى عبئاً ثقيلاً، إذن فما معنى هذا وما فائدته بالنسبة لي؟” (إلين)
ماذا تكسب المرأة وماذا تخسر من مثل هذا الانفصال؟
هل من الأفضل أن تعيش بمفردها بدلاً من العيش مع رفيق سيء ؟ (21)
إن الفقر الذى تعانى منه الأسر التي تتولى المرأة قيادتها يُعد ناتجاً عن عوامل اجتماعية اقتصادية، فضلاً عن كونه ناتجاً عن الحدود المفروضة من جراء أسلوب تكوين هذا النوع من الأسر، حيث تقل فرص العمل، مع انخفاض الأجر، بالنسبة للمهاجرين من المناطق الريفية والفقيرة في داخل البلد أو البلدان المجاورة. وقد حصلت الغالبية من النساء على قدر ضئيل من التعليم الرسمى، وفى حالات عديدة كان هؤلاء النسوة مضطرات لترك الدراسة للدخول في قوة العمل.
وهؤلاء من النساء اللاتي يقمن بالأعمال المنزلية ؛ أو الخياطة لبعض الورش والتى تدفع لهن بالقطعة، أو يعملن كممرضات في المستشفيات وبيوت تمريض كبار السن، وهى وظائف غير مستقرة. وإذا كان هؤلاء النسوة لا يعشن بالقرب من أو مع أعضاء أسر من الممتدة – وهو الأمر الشائع بالنسبة للمهاجرين الذين تركوا أسرهم، أو بالنسبة لتلك الأسر التى توفى عائلها أو أصبح مسناً – فإنهن يصبحن المصدر الأساسي أو الوحيد إدرار الدخل، وخاصة إذا ما كان لديهن أطفال صغار السن ولا يعملن أو غير قادرات على إيجاد عمل. ولا تحصل هذه النسوة على أى دعم اقتصادى من والد الطفل، ذلك الوالد الذي يتحمل هذه المسئولية بشكل غير منتظم أو على فترات، هذا إن لم يختف تماماً من الصورة. وفى كثير من الأحيان، يهاجر الوالد إلى مكان بعيد، أو يعود إلى موطنه الأصلى بعد الانفصال، دون أن يرسل أى أخبار ونتيجة لذلك، فإن أى إجراء قانوني تتخذه المرأة يجد أمامه فرصًا كبيرة للنجاح. وإذا ما عاد الوالد لرؤية أطفاله، تكون هذه العودة على فترات متباعدة (22)
إن وجود أطفال صغار، وخاصة في حالة عدم وجود أشقاء أو شقيقات أكبر يمكنهم تقديم يد المساعدة في رعاية الصغار، إنما يخلق عائقاً أمام الأمهات اللاتي يعملن عملاً مأجوراً خارج المنزل. فالأمهات المنفردات اللاتي لديهن أطفال صغار لا يستطعن سوى العمل لعدد محدود من الساعات؛ ومن ثم، فإن نوع العمل الذي يستطيع القيام به يكون محدوداً هو الآخر ؛ ونظراً لأن عدد الساعات يُعد عاملاً هاماً في تحديد كمية الدخل، فإنهن مضطرات للقبول بدخل قليل.
وعندما تتولى المرأة قيادة الأسرة ويكون لديها أطفال صغار، فإنها تميل لاختيار الخدمة المنزلية (حتى في بعض الحالات التي تملك فيها المرأة مؤهلات، مثل حالة إيريس التي أكملت دراستها الثانوية وحصلت على برامج تدريبية)، وذلك لأن هذا النوع من الخدمة يتيح لها العمل لساعات طوال مع بعض المرونة. فهى تصبح قادرة، على الأقل، على العمل بالقرب من منزلها وحتى إن اضطرت لترك أطفالها بمفردهم، تستطيع أن تذهب إليهم لفترة قصيرة لترعاهم أو لتعطيهم شيئاً يأكلونه. ومع كل، ففى حالة إيريس التي تعمل طوال اليوم، نجد أن ذلك قد أثر عليها وعلى ابنتها تأثيراً سيئًا. أولاً: هناك الضغوط النفسية الناجمة عن هجر الزوج لزوجته وابنته، واللتين كانتا تحصلان على علاج نتيجة لذلك. ولكن الآن أصبحت إيريس وابنتها غير قادرتين على الاستمرار في العلاج النفسي في المستشفى العام لأنه يستحيل عليهما حضور العلاج في ساعات العمل المعتادة.
كما أن الموقف صعب أيضًا بالنسبة للنساء اللاتي لديهن أطفال كبار، واللاتي قد انفصلن عن أزواجهن بعد عدة سنوات من الزواج، ولديهن أسر كبيرة، وتمثل كل إمرأة منهن مصدر الدخل الوحيد لأسرتها. وفى حالة وجود أطفال كبار في المدرسة، نجد أن التكاليف تصبح مرتفعة. ويصدق نفس الشيء بالنسبة للأطفال الكبار الذين لا يذهبون إلى المدرسة وفى نفس الوقت لا يجدون أعمالاً.
وفى المناخ الاقتصادي،الراهن يصعب على الشباب ايجاد وظائف (7) وهو الأمر الذى يضع المزيد من الأعباء على عائق الأمهات. وقد عبرت بعض من هؤلاء النسوة عن قلقهن، ليس فقط لانعدام الدعم الاقتصادي، وإنما أيضًا لعدم يقينية مستقبل أطفالهن، وما يظهر من مشكلات سلوكية وخاصة بين شباب الرجال الذين لا يملكون مالاً ولكن لديهم وقت وفير. وتكمن مخاوف الأمهات على أطفالهن في وجود “صديق السوء“، أو تعاطى المخدرات، أو التمرد، أو البطالة.
ومع ذلك، يبدو أن النساء لديهن علاقات طيبة مع أطفالهن الكبار – صبياناً كانوا أو بناتًا – الذين اعتادوا على المساعدة في أعمال المنزل، وشراء احتياجات الأسرة ورعاية أشقائهم الصغار. ومن هذه الزاوية، يمكن القول بأن العبء الكبير الواقع على كاهل الأم المنفردة في الأسرة الكبيرة، يجرى التعويض عنه عندما يكبر أطفالها ويصبحون قادرين على تولى بعض من المهام المنزلية.
إن هؤلاء النسوة اللاتى يكرسن قواهن اليومية في تأمين حاضر ومستقبل لأطفالهن – “إذ لا يحدث أي شيء إلا إذا بذلت الجهد” – قد نجحن فى تكوين روابط تضامن قوية مع أطفالهن. وحتى فى الحالات التي يلوم فيها الأطفال والدتهم لترك والدهم للأسرة، تعلم الأطفال احترام كفاح والدتهم وما تبذله من قوة وجهد لدعمهم والحفاظ على استمرارية الأسرة. ويساعد هذا الأمر في إضفاء الشرعية على وضع المرأة كقائد للأسرة، ليس فقط بسبب غياب الرجل، وإنما أيضًا من خلال ممارستها للمسئولية وقيامها بالعمل واتخاذ القرارات وتولى مسئولية الأطفال. ونتيجة لذلك، فقد أخذت تشعر غالبية هذه النسوة بمشاعر الفخر الذاتي.
ولنبحث الآن فى ظروف النساء اللاتي لا ينفصلن فقط عن أزواجهن، وإنما يدخلن أيضًا في علاقة جديدة.
الأسر التي أعيد تكوينها
إن القيم والعادات السائدة تطرح فقط الأدوار المقترنة بالانجاب ورعاية الأطفال وتقتصر على المرأة – الأم فى العالم كله، وترتبط بنطاق المنزل، وهو الموضع المادى للأسرة. وعندما يحدث انفصال داخل الأسرة عادة ما يكون الرجل هو الذي يرحل، ومن ثم يترك الأسرة وتظل الأم بمفردها مع أطفالها.
ولهذا، فلا يثير الدهشة أن غالبية الأسر التي يعاد تكوينها، تتكون بإضافة زوج الأم إلى نواة الأسرة. ونادراً ما يجلب الأزواج أطفالهم من زواج سابق إلى أسرهم الجديدة، ويمكث غالبية هؤلاء الأطفال مع أمهاتهم. وينبغى ألا ننسى أن هؤلاء الأفراد يملكون موارد متواضعة. وحتى إذا ما كان الأب يرغب في أن يأخذ أطفاله معه، فإنه لا يملك إمكانية إقامة أسرة منفصلة – كما يفعل بعض الرجال – بحيث يتولى الوصاية الكلية أو الجزئية على أطفاله.
وعندما يترك هذا الوالد أسرته، فإنه عادة ما يعود للمنطقة التي هاجر منها، أو يعيش في منزل أحد أفراد الأسرة، أو في دار من ديار الإقامة العامة، حتى يتمكن من تأسيس علاقة جديدة مع إمرأة إما أن تكون متولية قيادة أسرتها ومكتفية ذاتية، أو تعيش في منزلها مع أطفالها من زواج سابق.(23) وفى هذه الحالة، فإن الرجل الذى تتشابه ظروفه مع ظروفها يتزوجها ويصبح والدًا لأطفالها في المنزل الذى تعيش فيه.
وعدد قليل من هذه الزيجات الثانية يثمر أطفالاً. وهي التي تحدث في الفترة المبكرة من الحياة الانجابية للمرأة. وفي تلك الحالات، ستوجد أسرة كبيرة بعدد أطفال كبير من الزيجتين (24) وعلى سبيل المثال، نجد راكيل وزوجها الحالي – استمر زواجهما حتى الآن لمدة 8 سنوات – لديهما 5 أطفال. كما يوجد لدى راكيل طفل آخر من زواج سابق. وهذا الطفل، باعتباره أكبر الأبناء، يتولى مسئوليات منزلية فضلاً عن قيامه برعاية الأطفال الصغار.
وعادة ما يقوم الزوج الشريك الثاني بالعمل وإدرار دخل منتظم للأسرة. أما قدر النقود الذى يكسبه الطرفان، فهو يعتمد في أي لحظة معطاه على تغير ظروف سوق العمل والوضع الوظيفي النسبي للطرفين.
وعندما أجرينا مقابلة مع راكيل، كان لديها طفل بالغ من العمر 9 شهور، وكانت قد تركت وظيفتها الثانية كعاملة نظافة. إن هذه الوظيفة، عند إضافتها لوظيفتها الأصلية كممرضة، قد جعلت منها الفرد الأساسي المسئول عن إدرار الدخل للأسرة. ولكن تركت وظيفتها كعاملة نظافة لأن هذه الوظيفة كانت تمنعها من البقاء في المنزل وتجهيز الطعام لأطفالها. ولذات فهي تعمل الآن لمدة 25 ساعة فقط في الأسبوع، ولا يكسب زوجها سوى قدر يزيد قليلاً عما تكسبه ونظراً لأن هذه الأسرة تعد من الأسر الكبيرة – حيث يوجد أيضًا شاب يبلغ من العمر 17 عاماً ويعيش معهم ولا يعمل على نحو – منتظم، ولا يوجد كم الكبار سوى راكيل وزوجها فقط الذين لديهم وظائف، فإننا نجد أن دخل هذه الأسرة بالنسبة للفرد يقع أسفل خط الفقر.
وفي مثل هذه الأسر، لم تظهر علامات على وجود خلافات خطيرة. تقول النسوة إن إدارة شئون الأسرة تتم بصورة مشتركة، ويناقش الزوجان القرارات الهامة، كما يقوم الزوج ببعض الأعمال المنزلية، ولدى كل من الزوجين قدر من الحرية فى للقيام ببعض الأشياء خارج المنزل. وتشعر راكيل أن هذا ممكناً لأن زوجها لا يسخر منها من أجل السيطرة عليها، كما يفعل أشقاؤها وجيرانها مع زوجاتهم.
وهناك نمط آخر من أنماط الأسر التي أعيد تكوينها وفيها تتولى المرأة لعدد من السنوات مسئولية قيادة الأسرة، وذلك في الفترة الواقعة بين زواجها السابق وزواجها الحالي. وهناك أيضًا ذلك النمط الذي يستحيل فيه على الشريك أن يلعب دور المدر للدخل، وهو ما يجعله أيضًا يتخلى أيضًا عن وظائفه الأبوية الأخرى، بحيث تصبح المرأة – كأمر واقع – هى رأس العنلة (25) خلال السنوات التي تسبق تفكك الزواج.
ولدينا أيضًا رينا، وكارلوتا، وتيرينسيا، حيث يكسب شريك كل منهن قدراً ضئيلاً من النقود رغم تنوع الأعمال. وتؤكد كل امرأة من النساء الثلاث أن شريكها يجلب للمنزل كل ما يكسبه، ولا يستخدم لاحتياجاته الشخصية سوى قدر متواضع من المال. كما تشعر النساء الثلاث أيضًا أنهن لا يستطعن أن يطلبن من أزواجهن الكثير، لانخفاض دخل الأزواج، ولذا يقمن بتولى المسئولية بأنفسهن – وخاصة أن هؤلاء الأزواج ليسوا الآباء الفعليين للأطفال.
إن تملك كل إمرأة من هذه النسوة “لمنزل خاص بها“(26) – حصلت عليه خلال مبادرتها وقوتها – يعطيها احساساً بالثقة في نفسها ويضعها في موقف الاستقلال الذاتي الذي تفاوض، انطلاقاً منه، على شروط “تعاقد” الزواج الجديد. وهكذا، فإن العلاقة بين الجنسين في مثل هذه الزيجات الجديدة تتسم بالديموقراطية بل وبها سمات للقيادة النسائية ولا توجد أى حالة توضح وجود عنف من جانب الرجال. يقبل كافة الرجال فكرة المعاملة الحسنة لزوجاتهم وأطفالهم، كجزء أساسي من العلاقة. وكما وضحت الأمر سيدتان:
“إنه إنسان جيد جداً، ولكنني لا أعطيه فرصة قيادة الأسرة. ولا أعرف لماذا. ولكنني أعرف أنني معه أو بدونه، سوف أنجح في الاستمرار بحياتي“.(تيرينسيا)
“بشأن سوء المعاملة كلا، الآن كلا. عندما قابلته توخيت الحرص. كان لدى أطفالى، ولديه أطفال منها“. (کارلوتا)
وبشكل عام، يُبدى الزوج الثاني الاحترام لزوجته ولأولادها ويعاملها معاملة حسنة هي وأطفالها مقارنة بالعنف الذي كانت المرأة تتعرض له من زوجها السابق والد أطفالها. ومن الناحية الأخرى، فإن وضع الرجل في هذه الأسر التي أعيد تكوينها يبدو في العادة ملتبسًا (27)
فالمرأة لا تعتبر الرجل عادة قائداً للأسرة أو حتى زوجها. فالمرأة عادة ما تشير لشريكها بكلمة “هو “، أو “هذا الشاب“. أو “شريكي الحالى“، أو باسمه الأول؛ ونادرًا ما تقول “زوجي” حيث كانت تطلق هذا المصطلح على زوجها الأول والد أطفالها. إن الأبوة البيولوجية كمصدر لإضفاء المشروعية على الشريك كزوج قد تم التعبير عنها بوضوح في كلمات تيرينسيا:
إننى لا أطلب أى شيء من الرجل الذي يشاركني الآن وذلك لأنه ليس والد أطفالي… وإذا ما كان لدى طفل منه لكنت أعتبرته زوجي بصورة أكثر اكتمالاً. ومن الناحية الأخرى، فلأن الأطفال يقبلونه كشريك لأمهم وعضو من أعضاء الأسرة، وكناصح أو كصديق، ولكنهم لا يقبلونه في دور الأب أو السلطة الأبوية. وتقول كارلوتا: أحيانًا تحدث مشكلة عندما يريد تغيير أى شيء يقول الأطفال “من يظن نفسه، إنه ليس أبي“… إنهم لا يريدون قبول أى تعليمات منه.. على الرغم من أنهم جميعاً يحبونه” إن هذا النوع من المقاومة مفهوم من جانب الأطفال الذين اعتادوا لسنوات على أن أمهم هى التى تدير المنزل بمفردها. وكما هو الحال بالنسبة لكارلوتا وشريكها، فهو يتردد في تولى قيادة الأسرة ويفضل أن يظل فى وضعه الملتبس حتى يحافظ على السلام في داخل المنزل.
“إنه يريد امتلاك السلطة، ولكن الأطفال ينتقدون فيه بعض الأشياء… والآن أصبح لا يشترك كثيراً في الأمور حتى لا تصعب المسائل بينه وبين الأطفال“
والأمر الثالث يكمن في أن هؤلاء النسوة قد مرون على الأقل بتجربة زواج فاشل ؛ ويردن أن يستبقين لأنفسهن مكاناً إذا ما تحطمت العلاقة الجديدة.
” لقد نجحت في صنع منزل لنا، وكل شيء فيه ملكي ومن ثم فإذا ما أراد أن يهجرنا في يوم ما سيتركنا دون أن يأخذ أي شيء“. (رينا)
ويرغب هؤلاء النسوة أيضًا في الاحتفاظ لأنفسهن بدور والد الأطفال.
“أنا اعتبر نفسى رأس العائلة، ذلك أنني فعلت الكثير من أجل أطفالى وما زلت أقوم بهذا الدور. أنا القائد بالنسبة للأطفال وهذا ما اتفقت عليه معه، أنا اتخذ كافة القرارات. لأنني في يوم ما سأغضب وألقيه خارجًا.” لا يمكنك إلقاء الزوج خارجا “.(تيرينسيا)
وبإيجاز، لمهما كان “التعاقد” الذى أقامته هؤلاء النسوة في الزواج الجديد، فقد وافقن كلهن دونما استثناء، على أن العلاقة الحالية مرضية وأقل خلافية عن الزواج السابق، وأن هناك أشياء لا يمكن أن يقبلنها مرة أخرى.
لقد بحثنا باختصار – فى هذه الورقة البحثية الحياة اليومية للأسر فى المناطق الفقيرة في بوينس إيريس، والتي لا تتسق مع النموذج التقليدى: أى الأسر التي تتولى المرأة قيادتها وتعتبر مصدر الرزق الأساسي لها.
ولقد اكتشفنا أن النموذج التقليدى للأسرة لا يضمن، في حد ذاته، وجود انسجام فى دائرة المنزل. بل على العكس فقد رأينا أنه عندما توجد التوقعات التقليدية بشأن دور كلا الجنسين بين الشريكين – في سياق يمنع الرجل من الوفاء بدوره – فإن المكانة الأعلى اقتصادياً للمرأة العاملة وعدم رضا الطرفين على تغير الأدوار يسفر عن مستوى عال من الصراع وعدم الاستقرار، ليس على الجانب الاقتصادي فحسب، وإنما العاطفي أيضًا.
وفي هذا السياق، فإن الأسر ذات الوالد الواحد والتي ترأسها امرأة نتيجة للإنفصال الزوجي – والأسر التي يعاد تكوينها – نتيجة لإعادة الزواج تعد البدائل الواقعية الوحيدة لوجود أسرة نووية فى أزمة. وفى هذه الأسر البديلة، هناك جانبان يبرزان على نحو خاص في علاقة الأم – الطفل
-
ركزية الأم كمصدر لاستمرار الأسرة،
-
ركزية الأطفال فى حياة الأم، وهو ما يتضمن حقيقة أن الأطفال يضفون مشروعية على الزواج وهناك أطفال مشتركون فى بعض الزيجات بالأسر التي يُعاد تكوينها ؛ وتسير هذه الأسر بطريقة مشابهة للأسر النووية بالزيجات الأولى. ومع مزيد من التوقعات الواقعية فيما يتعلق بالوضع الاقتصادى، تواجه هذه الزيجات ظروف الفقر عن طريق اتباع الأسلوب الديموقراطي والعلاقات المحترمة المتبادلة بين الطرفين، بحيث لا يطلب كل طرف من الآخر ما يمكن أن يشكل عبئاً عليه. وطالما أن وجود دخلين يتيح لهما مساحة أكبر من الراحة، يظل الشريكان يعملان، حيث في ذلك مصلحة الأسرة بأكملها.
إن المرأة التى ترأس الأسرة بمفردها ودون شريك معها تواجه عدداً من الصعوبات، حيث لا يوجد من يشترك معها في تحمل المسئولية الاقتصادية؛ وإذا كان لديها أطفال صغار، فلا يوجد من يتحمل معها العبء المنزلي. وما أن يكبر الأطفال، فإنهم يرتبطون بروابط تضامن قوية مع والدتهم التى تحظى باحترامهم سواء كأم أو كمسئولة عن توفير الموارد الاقتصادية وتعرف هؤلاء النسوة مدى الصعوبة التى سيواجهنها لمقابلة شريك جديد قادر على تقديم مساهمة اقتصادية ذات دلالة للأسرة. وفي كل الحالات تدرك هؤلاء النسوة أن أطفالهن الكبار لن يقبلوا هؤلاء الرجال كآباء لهم، وبالتالي يرفضن تعريض استقرار الأسرة للخطر. كما لا يقبلن أن يفقدن استقلالهن الذاتي أو حق اتخاذ القرارات.
وتفضل بعض النساء الأخريات إدخال شريك جديد داخل الأسرة، بحيث لا يلقين عليه اللوم إذا كان غير قادر على الوفاء بدور المسئول الاقتصادى الأساسي للأسرة، طالما أنه ليس والد الأطفال الفعلى، وتستفيد المرأة من مثل هذا الرجل في الحصول على المساندة المنزلية، ويعاملها معاملة حسنة هي وأولادها، ويحترم دورها كرأس للعائلة، كما أنه يحقق لها الأمان لوجوده فى المنزل، إن مثل هذه الأسر تحافظ على سمات قيادة الأم للأسرة، والتي كانت سائدة لعدة سنوات بعد هجران الوالد وتركه الأسرة.
إن الأسر غير التقليدية التى أجرينا معها مقابلات ليست بالضرورة غير مستقرة لمجرد أنها خارج نموذج الأسرة النووية التقليدى. بل على العكس، يمكن أن تصبح هذه الأسر بديلاً حيوياً، في بعض الأحيان، وتعويضاً عن الخلل الوظيفى الذى كان قائماً فى الأسرة الأصلية عندما كان الوالدين حاضرين.
ويبدو واضحاً أن الفقر يؤثر تأثيراً سلبياً على الأسر، سواء التقليدية أو غير التقليدية. فالنساء والأسر التي قمنا بوصفها في هذه الدراسة يوضحن عدم وجود أهمية “لنمط” الأسرة، عندما تقدر الأم وحدها وأحياناً بصورة مشتركة مع زوجها على القيام بأداء كافة الوظائف الأبوية على نحو جيد.
وطالما تستمر النساء فى التزامهن بالعمل، فسوف يستمرين أيضًا في إحداث تغييرات في دينامية الأسرة، بحثاً عن تقسيم أكثر عدالة للأدوار. وتوضح هذه الورقة البحثية أن المرأة قد أخذت تصبح أكثر قوة وتمكنًا– عن طريق العمل، وما تمر به من ظروف مناوئة، وعادة عن طريق اضطلاعها بمسئولية نفسها وأولادها. إن الاستقرار في الحياة الزوجية والأسرية كان يرتكز سابقاً على مشروعية السلطة الأبوية ودوامها؛ ولكن هذه السلطة قد تعرضت للضغط نتيجة للتغيرات الحادثة في الأدوار الاقتصادية.
وربما تفضل نساء كثيرات وجود قيادة مشتركة للأسرة، مع المشاركة أيضًا في المسئوليات المنزلية والاقتصادية ارتكازاً على العلاقة الديموقراطية وعلاقات المساواة. وقد استطاعت بعض النسوة تحقيق ذلك بالفعل. أما بالنسبة لنساء أخريات، فنجد أن عملية انعكاس الأدوار تحدث – فالأزمة الاقتصادية والبطالة يدفعان كثيراً من الآباء لاتخاذ دور الزوج المنزلي، ذلك الدور الذى يجدونه مقلقاً لهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحطيم العلاقة. ونتيجة لذلك، فإننا يمكن أن نتوقع أن تعمل الهياكل الأسرية غير التقليدية على إعادة إنتاج نفسها، على الأقل حتى حدوث تغيرات أساسية أخرى في مجال العمل والتوظيف، وحتى تتيح القيم والتوقعات وجود نمط آخر من السلطة داخل الأسرة؛ نمط متاح ومقبول، باعتباره شرعياً، من جانب الرجل والمرأة.
ملحوظة
تُعد هذه الورقة البحثية نسخة معدلة جزئيًا من دراسة بعنوان
Familias con liderazgo femenino en sectores popu- Os Aires” Lares de Buen
والتي تم نشرها في
Vivir en Familia”, Catalina H. Wainerman (ed.)” UNICEF and Editorial Losada, Buenos Aires, 1994
وقد قام بترجمتها من الأسبانية مارج بيرير ونشرت في هذه المجلة بإذن من منظمة اليونيسيف
1- راجع
Camarena, Rosa Marian and Lerner, Susana, 1993
“Familiay transicion demografica”
ورقة مقدمة إلى مؤتمر امريكا اللاتينية الرابع حول السكان
ABEP- CELADE- IUSSP. PROLAP. SOMEDE,
Mexico, 23-26 March.
2-راجع
Coliman, Marilyn and Ganong, Lawrence H,1990.
Remarriage and stepfamily research in the 1980s: in-
Creased interest in an old family form. Journal of
Nov): 925-40.)52 Marriage and the Family.
3- راجع
Goldani Ana Maria, 1991. La family brasilena en
Transicion. In Cambios en el perfil de las famili-
as. United Nations / CEPAL, LC/G.1761-P. 155-203.
4- راجع
Macklin, Eleanor D, 1987. Non traditional family
Forms. In: Handbook of Marriage and the Family.
Marvin B Sussman and Suzanne K Steinmetz (eds).
Plenum Press, New York.
5- راجع
Tepperman, Lorne and Jones. Charles, 1992.
The future(s) of the family: an international per-
Spective. Paper presented at ‘El poblamiento de las
Americas’, Conference of the International Union for
The Scientific Study of Population. Veracruz, May
6- راجع
Goldscheider, Frances K and Waite, Linda S,1991.
The new ‘decline of the family’. In: New Families/No
Families? Goldscneider and Waite (eds). University
Of California Press, Berkeley, Page 1.