شبكة نيكاراجوا للنساء الناشطات ضد العنف
استخدام البحث، والحركة من أجل إحداث تغيير
إن الوعي العام فى نيكاراجوا ضد العنف المنزلي قد مر بتحولات عميقة فى السنوات القليلة الماضية. وعلى الرغم من أن هذه المشكلة كانت تعتبر مشكلة خاصة تؤثر على قليل من النساء. فهى تعتبر الآن مشكلة اجتماعية رئيسية. ويرجع هذا، بقدر كبير، إلى حركة واسعة النطاق تقف على رأسها الشبكة القومية للنساء الناشطات ضد العنف، والتي تضم ما يزيد على 150 جماعة نسائية ومئات من النساء على مستوى فردى، فى كافة أنحاء البلد. ولقد شنت الشبكة حملة لمدة سنة، وصلت إلى ذروتها عام 1996 مع إقرار القانون الجديد بشأن العنف المنزلي.
إن عملية صياغة القانون الجديد وحشد الدعم من أجله قد لاقت نجاحًا نتيجة لخلق تحالف استراتیجي بین الساسة، ومسئولي الحكومة، وقيادات المجتمع المحلى، والمهنيين فى جميع التخصصات العامية. وقد أفضت البحوث المشتركة، وما قدمته من بيانات إلى إقناع صناع السياسة بالحاجة إلى الإصلاح. وتعمل هذه الورقة البحثية على تتبع تاريخ الحركة الناهضة للعنف منذ أعوام الثمانينيات، كما توضح مختلف الاستراتيجيات التي جرى استخدامها لوضع قضية العنف المنزلى داخل جدول الأعمال السياسي القومي.
تجدر الإشارة إلى أن الكثير من قطاعات المجتمع في نيكاراجوا قد وجدت قواها لمقاومة العنف المنزلي، وذلك في مجتمع تظل فيه قوى أخرى عديدة في حالة استقطاب. ويأتى ذلك كإنعكاس للوعى الدولى المتعاظم في مجال عدم التمييز بين الجنسين باعتباره حقًا من حقوق الإنسان، كما يرتبط أيضًا بالصحة العامة كقضية، وهو الأمر الذي نتج عن نشاط مكثف لأكثر من عقدين قامت به الجماعات النسائية التي تعمل بين النساء (1، 2) ويمكن رؤية نجاح هذه الجهود فى الوثائق الدولية الأخيرة، مثل “الاتفاقية الامريكية للقضاء على العنف ضد النساء والمعاقبة عليه“ (3)، فضلاً عن خطط العمل الصادرة عن المؤتمرات التي عقدتها هيئة الأمم المتحدة مؤخرًا حول حقوق الإنسان (فيينا، 1993)، ومؤتمر السكان والتنمية (القاهرة، 1994) والمؤتمر العالمي للمرأة (بكين، 1995).
إن الحركة المعادية للعنف في نيكاراجوا تدين بالكثير من قواها للخبرات التي اكتسبتها النساء خلال مشاركتهن في العملية الثورية فى أعوام الثمانينيات. لقد شاركت المرأة جوانب النضال ضد ديكتاتورية سوموزا، بقيادة جبهة التحرير الوطنى لساندينيستا، والتي كانت تضم مقاتلين مسلحين، وخلال العام الأول بعد الإطاحة بسوموزا في عام 1979، تم تنفيذ عدد من الاصلاحات الاجتماعية التي كان لها عميق الأثر على حياة المرأة. إن حملة محو الأمية واسعة النطاق التى بدأت فى عام 1980 وقد أدت إلى تقليص نسبة الأمية من 25% إلى 12% وذلك خلال ستة شهور فقط. وفى نفس الوقت، نجحت الحملات الصحية الضخمة فى القضاء على شلل الأطفال، وتخفيض معدل وفيات الأطفال. وقد شاركت النساء أيضًا، وأكثر من ذي قبل، في قوة العمل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مؤسسات رعاية الطفل التي أصبحت متاحة.
وتعد المنظمة النسائية الأساسية خلال تلك الفترة، “رابطة نساء نيكاراجوا“، والتى وصلت عضويتها عام 1981 إلى 25000 عضوة (5) ومع كل، وكما هو الحال بالنسبة لعديد من “المنظمات الجماهرية” التى ظهرت أثناء الثورة. قام حزب ساندينيستا باختيار وتعيين قيادات “رابطة نساء نيكاراجوا“. وكما أن البرنامج السياسي للرابطة كان محددًا من أعلى. إن الدور الأساسى للرابطة كان يكمن في حشد النساء حول القضايا ذات الاهتمام القومى، مثل اعادة بناء الاقتصاد والدفاع الوطنى الذين تم تدميرهما نتيجة للحرب ولم تكن قيادة المنظمة راغبة فى الاضطلاع بالقضايا التي يمكن النظر إليها باعتبارها نسوية“، حيث إن هذه القضايا لا تهم النساء اللاتي ينتمين للقطاعات الشعبية القاعدية، كما أن تحرير المرأة يتقدم تدريجيًا من المشاركة إلى المساواة، دونما مرور على مرحلة المطالب الخاصة بنوع الجنس أو المطالبة المباشرة بالسلطة“(4).
وعلى الرغم من أن حقوق الرجل والمرأة واردة بالدستور الجديد لعام 1987، فإن المساواة بين الجنسين لم تشهد ترجمة كاملة لها فى السياسة العامة. ومع منتصف أعوام الثمانينيات، كانت النسويات فى نيكاراجوا يطالبن بإيلاء المزيد من الانتباه للقضايا التي تمثل أهمية بالنسبة للمرأة مثل: الإجهاض، والحقوق الإنجابية، والتحرش الجنسي، وعلاقات القوة داخل الأسرة، وملكية الرض، والتعليم الجنسي، والتوجه النسوى ذاته (6.4) إن حرب الكونترا، التى بدأت عام 1983 وتصاعدت بانتظام خلال أعوام الثمانينيات، قد أدت إلى إنهاء هذه المناقشات، حيث قامت جبهة التحرير الوطنى لساندينيسنتا بتغيير أولوياتها لقد أثرت الحرب، كما أثر الحصار الاقتصادي الأمريكي، على الاقتصاد حيث ازداد التضخم وقلت السلع الأساسية، مما أدى إلى تآكل المكاسب الاجتماعية التي قدمتها الثورة في سنواتها الأولى. وكانت الجهود الوطنية تلتف، على نحو متزايد حول الدفاع العسكرى وكان مطلوبًا من رابطة المرأة بنيكاراجوا أن تحشد أمهات المقاتلين لدعم جهود الحرب. أما خطة السياسة الشعبية المطروحة للمناقشة، والانتخابات الداخلية الديموقراطية، فقد تم تأجيلهما لما بعد انتخابات عام 1990.
وبينما كانت الجهود الرامية إلى تغيير السياسة العامة تتسم بالتواضع في أعوام الثمانينيات فقد أدت هزيمة ساندينيستا الانتخابية فى عام 1990 إلى خطوة للوراء بالنسبة للنساء. عن إدارتي فيوليتا باريوس دى شامورو وارنولدو أليمان، المنتخبين عام 1996، كانتا تسعيان بوضوح نحو تعضيد الأدوار التقليدية للمرأة، وتقليص العمالة الرسمية حد كبير، وتعضيد الخدمات الاجتماعية، وخاصة فيما يتعلق برعاية الأطفال (7) لقد تم إحراق الكتب المدرسية لساندينيستا وحلت نصوص جديدة محلها، نصوص تؤكد على “القيم العائلية” وشرور الإجهاض واستخدام وسائل منع الحمل وممارسة الجنس قبل الزواج. وعلى سبيل المثال، نجد في أحد النصوص التي يجرى تدريسها للصف السابع ما يلى:
” إن المهمة الجنسية للمرأة ترتبط برباط وثيق بمهمتها الزوجية، والأمومة بالنسبة للمرأة أكثر أهمية من الأبوة بالنسبة للرجل. وعندما يضع الرجل أو المرأة متعته الأنانية قبل هذه المهمة المجيدة، فإن الخراب الذي سيعم على الأسرة والمجتمع ككل لا يمكن حسابه” (8)
أن أول حملة قامت بها وزارة الصحة بشأن فيروس نقص المناعة البشرية مرض الأيدز كانت تتجنب أية إشارة للواقي الذكرى، وبدلاً من ذلك كانت تحث السكان كالتالي: ” امنعوا مرض الإيدز.. فلتدين بالولاء لشريكك“. وعلى الرغم من أن الإجهاض لم يكن شرعيًا أثناء حكومة ساندينستا، فقد تم اعتباره سببًا رئيسيًا لوفيات الأمهات، تم تشكيل لجان اظفجهاض بسلام للنساء. (9) وقد جرى إلغاء هذه اللجان فورًا، وهناك قضية مشهورة، اتهمت فيها امرأة إحدى جاراتها بإجراء الإجهاض لنفسها وقد قامت الشرطة بحبسها.
وعلى الرغم من هذه الردة المحافظة، أو ربما استجابة لها، تنامت الحركة النسائية بقدر كبير في السنوات الأخيرة، وبرزت كإحدى الحركات الدينامية والمتنوعة في نيكاراجوا. تناولت كثير من هذه الجماعات اهتمامات الخاصة ومجموعات النساء على سبيل المثال: عاملات المزارع، وعاملات المصانع المتبطلات، والنساء المعوقات، والنساء اللاتي ينتمين للسكان الأصليين. وهناك جماعات أخرى ركزت على نشاطات مثل البحث والمناصرة القانونية الاتصال أو التدريب. ومع كل، فقد كان هناك خيطان يربطان بين أولئك المنخرطين فى العمل السياسي، وهما العنف المنزلي، والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية.
واليوم، توجد المراكز البلدية لصحة المرأة في كافة المدن الرئيسية تقريبًا وتقدم للمرأة خدمات في مجال أمراض النساء ووسائل منع الحمل، فضلاً عن تقديم المعونة التعليمية، والقانونية، والنفسية، ويتمتع كثير من هذه المراكز بالاستقلال؛ فى حين تنتسب مراكز أخرى إلى بعض المنظمات التي تعمل بمثابة المظلة لها، مثل رابطة النساء في نيكاراجوا، أو منظمة IXCHEN، وهى منظمة معروفة تضم 10 مراكز في كافة أنحاء البلد، بما فيها أحد المراكز الأولى لصحة النساء. وهناك الكثير من الجماعات التي قامت بإنشاء “بيوت الأمومة” لتمكين المرأة الريفية التي تتعرض للخطر في حملها من الولادة في المدينة. وفي مدينة إستيلي، قامت جماعة أكسيون “يا (Accion ya) بإنشاء أول مأوى للنساء اللاتي يتعرضن للضرب فى نيكاراجوا؛ وهناك مركز ثان “إل ألبرج” (El Alberge)، وقد تم افتتاحه مؤخرًا في ماناجوا أما “خوشيكو يتزال” (Xociquetzal)، فيتناول قضايا التعليم والمناصرة بشأن فيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز، والنشاط الجنسي، وهناك منظمات أخرى، بما فيها مركز المعلومات والخدمية الاستشارية في مجال الصحة، ومركز “سي موجر” (Si Mujer)، ومركز “بونتوس دى إنكوينترو” (Puntos de Encuentro)، وجماعة ماتالجابا للمرأة، كلها تقوم بممارسة أنشطة تعليمية وحملات إعلامية حول: العنف والنشاط الجنسي، والصحة الانجابية، أما مركز الحقوق الدستورية، ومركز حقوق الإنسان، فيعملان فى مجال ممارسة الضغط من أجل تحقيق الإصلاحات القانونية، وقد قاما بتدريب مئات من النساء اللاتي ينتمين للقاعدة الشعبية، وذلك في مجال محو الأمية القانونية، وتمكينهن من تقديم المساعدة للنساء اللاتي يتعرضن للضرب فى المجتمع المحلى. ومع حلول عام 1992 قامت منظمة الصحة لعموم أمريكا بتحديد 16 منظمة تقدم الخدمات في 52 مركزًا من المراكز البديلة للنساء، وذلك في 24 مدينة في جميع أنحاء البلد. وخلال الشهور الستة الأولى من عام 1992 قامت هذه المراكز بخدمة 125000 امرأة (10)
في عام 1992 قام تحالف من جماعات نسائية وأفراد بتنظيم مؤتمر قومى تحت شعار “الوحدة في التنوع“. وقد حضر المؤتمر مايزيد على 800 امرأة وذلك لصياغة برنامج سياسي جديد يرتكز على مبادئ الاستقلال الذاتي والديمقراطية الشعبية، ومن شأنه أن يتيح للنساء اتخاذ موقف فعال فى مواجهة الدولة التي تستخدم أساليب عدوانية ضد المرأة (4، 5) وتتمثل إحدى النتائج الهامة للمؤتمر في تشكيل شبكات عمل قومية حول قضايا معينة مثل النشاط الجنسي والصحة وقضايا العنف. إن الاعتماد على شبكات عمل ذات تنسيق مرن كنمزج للفعل السياسي كان ينتشر خلال أمريكا اللاتينية كجزء من التنوع المتعاظم فى الحركة النسائية وفي عام 1990 تم إنشاء شبكة العمل النسوية لأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي والتى تعمل ضد العنف المنزلي والجنسي، ومع حلول عام 1992 انتشرت في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية شبكات عمل شبه إقليمية (11)
إن الاعتماد على شبكات عمل ذات تنسيق مرن كنمو/ج للفعل السياسي كان ينتشر خلال أمريكا اللاتينية كجزء من التنوع المتعاظم في الحركة النسائية. وفي عام 1990 تم إنشاء شبكة العمل النسوية لأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي والتي تعمل ضد العنف المنزلي والجنسي، ومع حلول عام 1992 انتشرت في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية شبكات عمل شبه إقليمية (11)
وفي البداية كانت شبكة نيكاراجوا للنساء ضد العنف تخطط من أجل تنظيم حملات قومية بشأن الاحتفالات السنوية التي تجرى مابين 10 أكتوبر و 25 نوفمبر حول “16 يومًا من النشاط حول العنف ضد المرأة“. (12) وكانت الاستراتيجية التي تطرحها شبكة العمل تهدف إلى الدمج بين رسائل التعليم العام والمطالب السياسية المعنية. وفي عام 1994 قدمت الشبكة 49000 توقيع إلى الجمعية الوطنية تطالب بالتصديق على اتفاقية بيليم دوبارا (Belem de para)
وفي عام 1995 اندمجت هذه الأنشطة السنوية داخل النشاط القائم. وفى مارس 1995. قامت الشبكة بتنظيم مؤتمر وطني حول العنف، حضره مايزيد على 500 امرأة من مختلف التخصصات المهنية، والحكومة، والشرطة، والمنظمات الشعبية. ونتيجة لذلك تكونت شبكات محلية ضد العنف المنزلى فى عديد من المدن والمناطق. وقد صدر كتيب بعنوان “أين تذهب وماذا نفعل في حالة العنف” وتم توزيع 60 ألف نسخة منه باللغتين الأسبانية والمسيكيتو. ومايزال العمل جاريًا لاصدار مواد تعليمية للأطفال. والكبار وللعاملين في مجال الصحة، ولقادة الكنائس.. والآن تمتلك الشبكة المعادية للعنف مجموعة متنوعة من الأعضاء. وعلى الرغم من أنها بدأت نشاطها بعدد من الأعضاء يقل عن 20 عضوًا فإنها تضم حاليًا عضوية نشطة تزيد على 150 منظم عضوة، بالأضافة الى مئات من الأعضاء الأفراد. وعادة ما يحضر عدد يتراوح من 60 الى 100 امرأة من جميع أنحاء البلاد الاجتماعية القومية. وفي عام 1995 كان دليلها القومى يضم 92 مركزًا من المراكز الأعضاء التى تقدم خدماتها للنساء اللاتي تعرضن للضرب في 54 مدينة. علاوة على ذلك، هناك جماعة من الرجال المهتمين بالترويج لهويات اجتماعية بديلة للرجال قد قامت بإنشاء شبكة عمل صغيرة للرجل ضد العنف. وتعمل في تنسيق وثيق مع الشبكة النسائية.
وتركز الشبكة على قيادة لامركزية وغير تراتيبية، أبدت فعالية في مجال حشد قاعدة عريضة من المشاركين. ومن بين أهم الملامح الهامة لشبكة العمل، نجد ما يلي:
-
المشاركة الطوعية؛ الإعلان عن الاجتماعات في الصحف القومية، ويحق للأعضاء الدخول في الشبكة أو الخروج منها دونما التزام.
-
تعددية القيادة وتداولها: لا يوجد قادة منتخبون ويجرى تداول عملية تنسيق الاجتماعات. هناك اثنان فقط من العاملين بمن فيهم السكرتيرة التنفيذية، التي يكمن دورها في تسهيل الاتصال بين الأعضاء ومتابعة الاتفاقات؛ ولكنها غير مخولة باتخاذ قرارات باسم الشبكة.
-
يحق للأفراد من النساء والمنظمات غير الحكومية فحسب أن تصبحن أعضاء أما النساء اللاتي يعملن في هيئات حكومية، فهناك ترحيب لمشاركتهن كأفراد. وتتمتع النساء الأفراد بنفس حقوق النساء اللاتي يمثلن منظمات.
-
التنوع الأيديولوجي: على الرغم من أن غالبية النساء الأعضاء تمتد جذورهن إلى حركة ساندينيستا ويعرفن أنفسهن كنسويات، فإن المتطلب الوحيد للانتماء للشبكة يكمن في التمسك برؤية مشتركة حول العنف، ترتكز على نوع الجنس، وذلك باعتبار العنف مشكلة اجتماعية وسياسية تحتاج إلى وضع عقوبات ضدها والحيلولة دون وقوعها وذلك من خلال مختلف الجهود المجتمعية والحكومية.
-
اتخاذ القرارات بالإجماع: وهو الأمر الذى لا ينتشر على نطاق واسع، وخاصة عندما يحضر الاجتماعات عدد كبير من النساء يصل إلى 200 امرأة. ومع كل، فلم يتم فرض الاجماع بالقوة في الممارسة، بل بالأحرى يجرى التصرف على ضوء وجود اتفاق كامل.
-
إنجاز العمل عن طريق لجان: بالإضافة إلى الفروع الإقليمية، يوجد لدى الشبكة لجان عمل من شأنها الارتقاء بعمليتي البحث والتدريب، وتطوير الاستراتيجيات اللازمة للضغط وأعمال المناصرة، والتنسيق مع مراكز الشرطة والوصول إلى نساء الكنيسة.
الحواجز أمام تحقيق العدالة للنساء اللاتي يتعرضن للضرب:
يكمن الهدف الأساسى للشبكة في ممارسة الضغط على الحكومة من أجل الاضطلاع بمسئوليات أكبر للقضاء على العنف المنزلي؛ وفي نفس الوقت، مواجهة الأعراف الثقافية القائمة والتى تجيز للرجال، بل وتشجعهم على التعامل العنيف مع المرأة. ونجد فى نيكاراجوا أنه متوقع من النساء بشكل عام أن يخضعن للسلطة الذكورية، وإنها لتعد سبة أن يقال عن المرأة أنها لاتجد رجلاً يمسك بزمامها. كما نجد أيضًا أن استخدام الأزواج للعنف ضد زوجاتهم لتأديبهم ومعاقبتهن هو أمر مقبول على نطاق واسع، وتشير العديد من النسوة إلى العنف الذكوري باعتباره أمرًا آخرا يتوجب احتماله. إن العنف يعتبر جزءًا لا يتجزأ من حياة المرأة، ومن ثم فهو أمر طبيعي مثل ولادة الأطفال والدورة الشهرية (13) إن هذه المعتقدات، إضافة إلى مشاعر الخجل والعزلة التي عادة ما تصاحب سوء المعاملة، تمنع الكثير من النساء من الحديث إلى الآخر ينحول تجربتهن هذه، ومن ثم يقل إبلاغهن للشرطة بعمليات سوء المعاملة التي يتعرضن لها. وعلاوة على ذلك، فما أن تتخذ أى امرأة قرارًا باللجوء إلى الشرطة. عادة ما تواجه عقبات جسيمة في النظام القضائي، فقبل الإصلاح الذي طرأ على قوانين الاغتصاب في عام 1992، كان تحديد وتصنيف كل من الاغتصاب للنساء والاعتداء الجنسي على الأطفال يتم بصورة ضيقة على اعتبار أنه جريمة خاصة، مع بعض التبعات البسيطة إذا ما كانت المرأة التى تعرضت للاغتصاب عذراء (14) وحتى وقت قريب، كان الاعتداء البدني يعد جريمة فقط إذا ما كان واضحًا في شكل جروح تتطلب فترة 10 – 15 يومًا للعلاج (15) وكانت تتم تسوية نصف حالات العنف المنزلي التي يتم الإبلاغ بها للشرطة، وذلك من خلال إبرام “اتفاقيات “سلام” يوافق فيها الطرفان على الامتناع عن العنف (16) وهناك نسبة ضئيلة فقط من حالات العنف القاسية التي تصل إلى قاعة المحكمة، وفي الحالات القليلة التي يصدر فيها حكم يكون حكمًا بالحبس لمدة محدودة وكثيرًا ما يتم استبداله بدفع غرامة ضئيلة تصل إلى ما قيمته عشرة دولارات أمريكية.
وفي عام 1994، بدأ العمل في مشروع يسمى “المرأة ومراكز الشرطة” كمحاولة مشتركة بين قوات الشرطة والمركز القومى الحكومى للمرأة ومراكز الرعاية البديلة لصحة المرأة، وذلك من أجل تحسين قدرة نفاذ المرأة إلى العلاج وجهود الوقاية، وعلى الرغم من أن هذا المشروع قد بدأ نتيجة لوجود مشاريع مشابهة في بلدان أخرى، وخاصة البرازيل والأرجنتين وبيرو، فإن مستوى مشاركة الجماعات النسائية فيه تعد غير عادية (17)
ويرتكز المشروع فى مراكز الشرطة والنساء اللاتي يرتدن المشروع يتم تقييمهن عن طريق ضابطات شرطة مدربات وباحثات اجتماعيات مدنيات، ويتم تحويلهن إلى المراكز النسائية المحلية للحصول على الخدمات القانونية والاستشارات النفسية، فضلاً عن الفحوص الطبية عن طريق المتخصصات.
إن وجود مثل هذا المشروع قد ساعد على مجابهة وجهة النظر السائدة بشأن اعتبار العنف ضد المرأة شيئًا “عاديا” وأخذ عدد أكبر من النساء يقمن بالإبلاغ عن سوء المعاملة. وفي عام 1966، تم الإبلاغ عن حوالي 8000 حالة من حالات العنف والاعتداء المنزلي، وذلك مقارنة إلى 3000 حالة تم الإبلاغ عنها عام 1994. ومع معرفة الاختلافات الأيديولوجية والتنظيمية الموروثة القائمة بين المؤسسات المشاركة، لا يثير الدهشة أن المشروع قد واجه العديد من الصعاب. وقد قامت شبكة العمل بأعمال التنسيق الخاصة بتطوير استراتيجية مشتركة لمراكز المرأة في الحوار الدائر مع المركز القومى الحكومى للمرأة ومركز الشرطة.
أثناء الحملة القومية ضد العنف التى تم شنها عام 1995، قررت الشبكة تناول مسألة النظام القانوني الجنائي، ولقد قامت مجموعة من النساء المحاميات والقاضيات بصياغة مشروع قانون للإصلاح، قدمته الشبكة إلى الجمعية الوطنية ومعه توقيعات من 40 ألف مؤيد له. وكان هذا القانون مستمدًا من نصوص تشريعات إصلاحية مماثلة في المنطقة، إضافة إلى التوصيات التى قامت بتطويرها لجنة أمريكا اللاتينية للدفاع عن حقوق المرأة (18)
إن “إصلاح قانون العقوبات” المقترح بشأن “الحيلولة دون العنف السرى والمعاقبة عليه كان يتضمن ثلاثة بنود هامة: كان السماح للنساء بطلب الحماية في حالة اقتراف العنف، مثل: منع الزوج المذنب من الدخول إلى مكان سكن المرأة أو مكان عملها، وتقديم الاستشارة، وتمكين الزوجة من منزلها إذا ما طردها الزوج منه، ومصادرة الأسلحة واستبدال ما تم تخريبه من ملكية.
-
ضم الأذى النفسى فى تعريف جريمة الاعتداء، والتي كانت سابقاً يتم تعريفها على النحو التالي: “أي تغير أو أذى لصحة الشخص، مما يترك أثراً على الجسد“. وقد غير القانون الصيغة إلى ما يلي: ” أى أذى يلحق بالشخص، سواء بدنياً أو نفسيًا“.
-
وعلى الرغم من أن عقوبة الحبس على جريمة الاعتداء لم تزد مدتها، فإن وجود الروابط الأسرية بين المذنب والضحية أعتبر من الظروف المفاقمة للأمر، ومبررًا لتطبيق أقصى عقوبة (حتى 6 سنوات فى السجن)، وهو ما يتناقض مع الممارسة القضائية القائمة التى كانت تطبق الحد الأدنى من العقوبة.
إن القرار بعد إصدار أحكام قاسية للأزواج المذنبين كان يرتكز على التجربة السابقة فى مجال إصلاح التشريع الخاص بالجرائم الجنسية لعام 1992، حيث إدخال عقوبات قاسية على مقترف جريمة الاغتصاب قد نتج عنها بشكل غير متوقع انخفاض كبير في معدل الاتهام. كان القضاة غير راغبين في توجيه الاتهام، حتى مع إيمانهم بأن المتهم مذنب، وذلك لأن أحداً لم يكن يرى أن الاغتصاب يمثل تلك الأهمية أو الجدية التى يتوجب معها إصدار حكم بالسجن لمدة تتراوح بين 15 و 20 سنة.
البحوث حول العنف المنزلي
إن نقص البيانات المعتمدة كان يمثل عقبة أساسية أمام رفع الوعى العام فى مجال العنف المنزلي. وفي عام،1995 قامت مجموعة من العلماء في مجال علم الأوبئة من جامعة ليون الوطنية المستقلة فى نيكاراجوا، وجامعة أوميا في السويد، وأعضاء شبكة العنف ضد المرأة – بإجراء دراسة حول انتشار وخصائص الإساءة إلى الزوجة في مدينة ليون، وهي ثاني أكبر مدينة فى نيكاراجوا. وقد وجدوا أن 52% من 360 امرأة، تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 سنة ومتزوجات قد عانين من عنف الشريك، وأن واحدة من كل أربعة منهن قد عانت من العنف فى الاثنى عشر شهراً الماضية (19) وعلاوة على ذلك، فإن ثلث النساء اللاتي تعرضن للعنف البدني قد عانين أيضًا من اغتصاب الشريك، كما تعرض ثلثهن أيضًا للضرب أثناء الحمل.
وقد أبلغت حوالي نصف النساء أن أطفالهن قد شاهدوا هذا العنف، مما أثر عليهم تعليمياً وعاطفياً وسلوكياً. وعلاوة على ذلك، فإن النساء اللاتى عانين من العنف من المرجح أيضًا، أن يعانين أيضًا من الاحباط العاطفي، فالآثار النفسية لسوء المعاملة تستمر لفترة طويلة بعد ممارسة العنف (20) وأخيراً، 80% من النساء أنهن لم يسعين إلى المساعدة من خارج الأسرة، وفقط 14% منهن قد أبلغن الشرطة بشأن حدوث العنف معهن.
لقد استخدمت الشبكة أسلوب البحث لتقديم الدعم لمبادرة الإصلاح القانونى. وقد تم نشر هذه النتائج في كتاب بعنوان “حلوى في الجحيم” (Candies in Hell)(19) جرى تقديمه خلال إحدى الفعاليات الوطنية، وقامت وسائل الإعلام بإجراء تغطية كاملة له. وقد تم دعوة مجموعة من المسئولين الحكوميين للتعليق على الدراسة؛ وكانت هذه المجموعة تضم قاضيًا بالمحكمة العليا ونائبة وزير الصحة، ومديرة المعهد الوطنى للمرأة، ونائب رئيس الجمعية الوطنية. وقد تمثلت إحدى اللحظات الهامة في ذلك الموقف عندما أعلنت نائب وزير الصحة وهي مفعمة بالمشاعر، أنها هي نفسها قد تعرضت للضرب عندما كانت شبه صغيرة. إن البيانات الواردة فى الدراسة لم تؤد فحسب إلى اقناع صناع السياسة بحجم الآثار المدمرة للعنف المنزلي على المرأة والطفل، وإنما أوضحت أيضًا ضرورة تأمين المرأة والطفل من خلال دعم القانون الخاص بالعنف المنزلي. إن نائب رئيس الجمعية الوطنية وهو عضو بأحد أكثر الأحزاب محافظة، قد أصبح حليفاً قوياً للقانون، ولعب فيما بعد دوراً أساسياً فى وضع القانون فى جدول الأعمال التشريعي.
لقد مارست الشبكة ضغوطًا متواصلة لمدة ثمانية شهور في محاولة لتأكيد صدور القانون الخاص بالعنف المنزلي. ولإدراك الشبكة بأن مقاومة القانون داخل الجمعية ستكون كبيرة، فقد بدأ العمل في مشروع بحثي، قام به مجموعة من المتطوعين الذين ينتمون للشبكة، مع مساعدة تقنية من جانب UNAN-Leon. وقد كان المشروع يهدف إلى إمداد المشرعين بالمعلومات اللازمة حول الضرورة السياسية والتقنية لوضع بنود تقييدية وبنود خاصة بتجريم الإساءة النفسية باعتبار أنهما يمثلان الجانبين الخلافيين من القانون. ولقد كانت الدراسة تهدف إلى تحديد ما يلى:
-
ما هي أنواع الأفعال التي تندرج تحت أفعال عنيفة، وهل يعتبر الناس الإساءة النفسية نوعًا من أنواع العنف؟
-
ما هى الإجراءات الحمائية والعقابية التي يمكن اعتبارها مفيدة بالنسبة لضحايا العنف ومرتكبيه؟
-
هل يعتبر الناس أن الموارد المتاحة للمرأة التي تعيش في ظل علاقات العنف تعتبر مفيدة؟
ولقد كان الفرق البحثى يتكون من أربع نساء من شبكة العمل النسائية ورجلين من شبكة الرجال للعمل ضد العنف وقد قام بإدارة مناقشات لعدد من المجموعات البؤرية يبلغ 19 مجموعة، شارك فيها حوالي 150 فرداً. لقد قامت المنظمات الأعضاء بالشبكة بإنشاء المجموعات البؤرية لتحقيق التنوع الجغرافي، سواء على مستوى الحضر أو الريف، بالإضافة إلى مجموعة من الأفراد ذوى الخلفية التعليمية والمهنية. وكان من بين المشاركين رجال ونساء كبار وشباب، وأطفال، ونساء تعرضن للضرب، ونساء ناشطات في مجال حقوق المرأة، ونشطاء وناشطات في مجال حقوق الطفل، ومهنيين فى مجال الصحة العقلية، وأطباء، ورجال ونساء من الشرطة والقضاء.
وقد تم استخدام مختلف التقنيات اللازمة في مناقشات المجموعة البؤرية، بما في ذلك أشكال فنية في أحد التدريبات، كان يتم إعطاء المشاركين مجموعة تتكون من 19 بطاقة مكتوب فى كل بطاقة منها أحد أنواع العنف (21) وكان المطلوب من المشارك أن يقوم بتصنيف البطاقات طبقاً لمدى قسوة وسيلة العنف ثم يضع كل بطاقة على الحائط تحت عنوان من العناوين الثلاثة التالية ليست عنفاً، عنف متوسط، عنف قاسي.
وفى تدريب آخر، كان يتم إعطاء المشاركين قائمة من التدابير العقابية الممكنة ضد مرتكبى العنف (مثل: تجريده من أسلحته، إجباره على الذهاب إلى جلسات المشورة، إجباره على دفع ثمن التلفيات، فرض غرامة مادية تتراوح من 3 إلى 6 شهور، أو من سنتين إلى خمس سنين). وكان المطلوب منهم تحديد أى العقوبات تصلح في حالات العنف البسيط في مقابل العقوبات التي تصلح في حالات العنف القاسية؛ وأى العقوبات التي لا تصلح فى أى حالة من الحالات، وكان يعطى للقضاء ولخبراء الصحة العقلية وللمحامين مشروع القانون الإصلاحي لمناقشته.
وهناك تدريب آخر
استخدام الرسوم التوضيحية “أشكال فن” لتقييم الموارد المجتمعية بشأن النساء اللاتي يتعرضن للضرب، وذلك وفقاً لقدر المعونة والمساعدة المقدمة لهن.
وقد كشفت الدراسة عن وجود اتفاق كبير في الرأى بشأن عديد من القضايا، وأكثرها دلالة مدى حجم الأذى النفسي الذي يلحق بالنساء اللاتى يتعرضن للضرب (22) كما كان هناك اتفاق واسع على أن التبعات النفسية لسوء المعاملة تعد أكثر خطورة وذات أثر طويل أكثر من التبعات البدنية، وأن مفهوم الأذى يجب أن يشتمل على الأذى النفسي. وقد أشارت إحدى النساء الريفيات إلى أن الكلمات القاسية والمهنية تجعل المرأة “تشعر وكأنها مثل الحذاء القديم” وقالت إحدى القاضيات أن “الجروح سوف تشفى في نهاية المطاف، ولكن الأذى النفسى سيظل موجودا إلى الأبد“، وقد قدم الخبراء في مجال الصحة العقلية توصيات بشأن كيفية تحديد الأذى النفسي.
ومن بين النتائج الهامة للدراسة، والتي أشارت إليها بعض النسوة، أن بعض الرجال يستخدمون تكتيكات معينة عند سوء المعاملة بأسلوب يجنبهم المسائلة القانونية.
“أحيانًا يضرب الرجل المرأة في أماكن غير مرئية للمحافظة على الشكليات، حتى أن أمها تقول “ما أفضل هذا الرجل“
أما رجال الريف، فقد أوضحوا من جانبهم أنهم على دراية بأن القانون يعاقب فقط فى حالة وجود آثار مرئية لسوء المعاملة.. “عليك أن تعرف كيف تعامل المرأة. أنا أضربها بالجانب المستوى من المنجل، ولكن إذا ما تعرضت للجانب الحاد فهنا تكمن المشكلة.. ينبغي أن نضرب النساء في المواقع التى لا تظهر وخاصة على الظهر بالحزام. هذا لا يمثل خطورة لأنه مكان غير مرئى، ولكن إذا ما ضربتها على عينها، فهنا توجد مشكلة..” (رجل ريفي)
ومنها فقد أتيح للمشرعين مبرر مقنع لتوسيع تعريف الأذي.
أما بالنسبة للعنف الجنسي اختلفت الآراء وخاصة بين الرجال والنساء فرجال الريف يعتبرون ما يلى:
“… إذا ما كان الزوج هو من يجبر زوجته إذن ليست المسألة اغتصاباً. ولكن فقط إذا ما ضربها في نفس الوقت…”
وفي المقابل، فإن غالبية النسوة يعتبرون الإكراه في ممارسة الجنس فى العلاقات الزوجية نوعًا من أنواع العنف:
“إذا ما أجبرني فإننى أقدم أعذارًا ومشاعرى تتغير، وأجدني أكره ما كنت أحبه ذات يوم“.(امرأة ناشطة)
” إن الإجبار على ممارسة الجنس أمر خطير، ويجعلني أشعر بالذنب وخاصة إذا ما أصبحت حاملاً“(امرأة شابة)
“… إنه يجبرني على ممارسة الجنس، ولكنه بداية يشتمنى، ويضربنى، ويتأتى على أن أرضخ لأنه لا يوجد أي مكان آخر يمكنني الذهاب إليه، وأحيانًا أشعر أننى لا أرغب في الذهاب إلى أى مكان“. (امرأة ناشطة)
ومن بين القضايا القليلة التي اختلفت حولها النساء. من خلفيات متنوعة إلى حد كبير هي آراؤهن بشأن وجود علاقات جنسية للزوج خارج الزواج. فالمرأة الريفية تعتبر ذلك أحد الأشكال الخطيرة للعنف، ويرجع ذلك جزئيًا لأنه يجعل الرجل غير مسئول ماليًا وعندئذ قد يصبح الأطفال غير قادرين على الذهاب للمدرسة ويتأتى على الزوجة أن ترسل أطفالها للعمل أو للاستجداء حتى يجدوا الطعام“. كما يؤدى ذلك أيضًا إلى العنف البدني: “إنه يحتاج إلى عذر يغادر به المنزل، ومن ثم فسوف يضرب زوجته حتى يخرج ويرى المرأة الأخرى“. أما بالنسبة للنساء المتعلمات والحضريات، فلم يعتبرن الجنس خارج الزواج أحد أشكال العنف.
وفيما يتعلق بالتدابير الحمائية والعقاب، فيرى أغلب الناس، سواء الرجال أو النساء وأيضًا المهذبين أن التدابير الوقائية أفضل من العقوبات وخاصة لأنهم يشعرون أن الأحكام بالسجن عادة ما تجعل الرجال أكثر عنفًا ولذا فلا ينبغي اللجوء إليها إلا في الحالات الخطيرة فحسب.
“إن السجن لا يعمل على إصلاح الرجل. فغالبية الرجال يخرجون من السجن أكثر عنفًا مما كانوا عليه قبل دخولهم. (قاضي)
“… أحيانًا يؤدى السجن إلى تهدئة الرجال، وفي أحيان أخرى يجعلهم أكثر غضبًا وبعض الرجال يخرجون من السجن ويقتلون المرأة من أجل الانتقام“. (رجل ريفي)
ولقد شعرنا أن العقوبات لا تشجع النساء على إبلاغ العنف للشرطة، وخاصة النساء اللاتي يعتمدن ماليًا أو روحيًا على الزوج الجاني.
” يقول لى زوجي دائمًا: “إذا ما ذهبت إلى السجن فمن الذي سيعيلك؟” (امرأة تتعرض للضرب)
وبالمثل لم تكن الغرامات تعد بديلاً مناسبًا لدى بعض السيدات، نظرًا لأن النقود ستؤخذ من دخل الأسرة وتسبب صعوبات أكبر للمرأة وأطفالها. ومع كل، فقد، اقترح القضاء أن يقوم المذنب بتعويض الضحية بدفع النفقات القانونية والطبية.
وعلى الرغم من أن مصادرة أسلحة الزوج الذي يمارس العنف كانت تعتبر من الاجراءات المفيدة، فقد كانت النساء اللاتي يتعرضن للضرب يعتبرنها أمرًا لا يقدم ولا يؤخر:
“… يمكن أن ينتزعوا أسلحته، ولكن عليهم أيضًا عندئذ أن ينتزعوا المقاعد والحبال.. حتى يمنعوه من شنقي“. (امرأة تتعرض للضرب)
وبقدر ما يتعلق الأمر بالموارد المتاحة للنساء اللاتي يعشن في ظل ممارسات العنف، فقد كانت غالبية المجموعات تعتبر أن الشرطة، ومراكز الصحة والقضاء من المؤسسات التي يصعب النفاذ إليهما والحصول على المساعدة منها أما الحليف الأفضل فى هذه الحالات، فكان يتمثل في الأسرة والأصدقاء والكنيسة ومنازل النساء الأخريات اللاتي يتعرضن للضرب.
ممارسة الضغط في الجمعية الوطنية
وقد تم تقديم نتائج المشاورات في شكل شهادة رسمية إلى لجنة العدالة التابعة إلى الجمعية الوطنية، والتي تقرر ما إذا كان القانون سيقدم إلى الجمعية الوطنية. وقد تلقت الشبكة تحذيرات من أن القانون قد حصل على مراجعات غير مرضية وهناك احتمال للرفض. ومع كل، فقد أقرت لجنة العدالة في تقريرها الختامي أنها اقتنعت بالدلائل المقدمة من جانب الشبكة وتقرر عرض القانون للنقاش، وإن كان في صورته الضعيفة حيث ألغى مفهوم الأذى النفسي. وقد أدى ذلك إلى وضع عبء إضافي على عاتق الشبكة، إذ أصبح عليها أن تعمل على اقناع المشرعين ليس فقط بتأييد القانون، وإنما أيضًا بالتصويت ضد توصيات لجنة العدالة والتي كانت تضم خبراء قانونيين ذوى نفوذ في البلد.
ومع اقتراب فترة الانتخابات الوطنية التي كانت ستعقد بعد عدة شهور قليلة، كان هناك عدد من القوانين الهامة التي يتطلب الأمر التصويت عليها قبل نهاية الفترة التشريعية. إن أغلب هذه المبادرات كانت مقدمة من جانب الأنصار والمهتمين بالجوانب الاقتصادية الذين يملكون نفوذًا أكبر مما لدى الحركة المعادية للعنف، مما يجعل من المرجح أن يزيل القانون الخاص بالعنف المنزلي نتيجة لأهماله، أو تتم الموافقة عليه، في أحسن الأحوال، في صورته الضعيفة وحتى الآن، لم يتم إقرار القانون الخاص بالعنف المنزلي عن طريق أي الأحزاب السياسية الكبرى ولم يحظ سوى بعدد ضئيل من المؤيدين فى الجمعية الوطنية. وقد قامت شبكة العمل النسائية بشن حملة جديدة، مستفيدة من الانتخابات، وذلك عن طريق تذكير المشرعين أن النساء في يوم الانتخابات سوف يتذكرن من الذي أيد القانون ومن عارضه.
وقبل بدء التصويت بفترة وجيزة، بدأت الجماعات النسائية بعمل دعاية في الصحف الأساسية في التليفزيون والإذاعة حول نتائج الدراسة وبحوث المجموعات البؤرية، وذلك لحث المشرعين على الاضطلاع بدورهم في مجال وضع نهاية للعنف المنزلي. ولقد أمكن جمع ما يزيد على 21 ألف خطاب فى غضون أسابيع قليلة وتقديمها للبرلمانيين شخصيًا، وقامت النساء من كافة أنحاء البلد بزيارة الجمعية الوطنية يوميًا. وجلسن خارج المبنى وهن يحملن اللافتات. وقد تم عقد منتدى عام حول الأذى النفسي حيث قدم الخبراء فى مجال القانون والصحة العقلية للمشرعين حججًا إضافية يمكن استخدامها في النقاش. وقد جرت ممارسات للضغط في أروقة الجمعية الوطنية، وذلك عن طريق فريق من المحامين وعلماء النفس المعروفين الذين كانوا قادرين على تحديد المشرعين المتعاطفين من مختلف الأحزاب السياسية.
وقد تمكن هذا الفريق من صياغة مشروع تعديلات للصيغة الضعيفة من القانون، وذلك بتأييد من القادة الأساسيين في مختلف الأحزاب السياسية، وكانت متاحة أثناء المناقشات لتقديم البدائل عند اختيار الصياغات. ونتيجة لهذه الجهود أصبحت المناقشات” أولوية ملحة” في جدول الأعمال، وقد أمكن حشد دعم شعبي كبير للقانون، بحيث يصبح التصويت ضد القانون يعنى الموافقة على ممارسة العنف ضد النساء، وهو الأمر الذي لم يكن أي سیاسي يرغب في القيام به في عام الانتخابات. كان التصويت ( فى أغسطس 1996) بالاجماع؛ وقد اشتمل القانون الجديد على القضايا التي مارست الشبكة ضغوطًا من أجلها، بما في ذلك الأذى النفسي وقد بدأ العمل بالقانون في 9 أكتوبر، أى قبل الانتخابات الوطنية بحوالي 11 يومًا (23)
إن الإصلاحات القانونية تعد الخطوة الأولى على طريق جعل نظام العدل الجنائي أكثر استجابة لاحتياجات النساء اللاتي يتعرضن للضرب. وقد مر عام على إقرار القانون الخاص بالعنف المنزلى، تقوم الآن شبكة العمل والمحكمة العليا بمحاولة تقييم كيفية تطبيقه.
لقد تحققت بعض الانتصارات الهامة، بما فيها أول قضية من قضايا الأذى النفسى والتى جرت في أغسطس 1997، وأصبحت سابقة هامة يمكن الارتكاز عليها في المستقبل. ومع كل، فإن أغلب حالات العنف المنزلي لم تصل إلى المحاكم، كما أن التدابير التى يجرى اتخاذها خارج المحكمة وألغاها القانون الجديد، ما تزال سارية وشائعة. هناك أيضًا مقاومة من جانب الشرطة والقضاء، حيث يعتقد كثيرون أن الأوامر التقييدية تنتهك من حقوق الرجال، بينما يشتكى البعض الآخر من أن وجود فجوات فى قانون الإجراءات الجنائية يجعل من الصعب تنفيذ القانون.
ولقد أمكن الكشف عن مدى عمق المقاومة، وذلك في الملاحظات التي أبدأها أحد قضاة المحكمة العليا في أحد المنتديات العامة:
” إن الزوج الذي يضرب زوجته لديه بالتأكيد سبب وجيه لذلك، وبالقطع قامت زوجته بما أثاره“.
وهناك وجهة نظر عبر عنها أحد قضاة محكمة الاستئناف والذي يشغل منصب عميد إحدى كليات الحقوق المرموقة في نيكاراجوا
“إن الرجل الذى يضرب زوجته لسنوات عديدة يستحق السجن، ولكن يتأتى أيضًا معاقبة زوجته على تحملها هذا الأذى لفترة طويلة، مقدمة بذلك مثلاً سيئًا أمام أطفالها“
وقد ألقت هذه النتائج الضوء على الحاجة إلى مضاعفة الجهود المبذولة لتدريب القضاة والعاملين بالشرطة والنشطاء في المجتمع المحلى، بحيث يمكن أن تتعلم المرأة استخدام القانون الجديد بفعالية، ونتيجة لذلك، فإن الحملة المعادية للعنف فى هذا العام موجهة على نحو خاص إلى منظومة العدالة الجنائية تحت شعار: ” لتتوقف الحصانة “
وحتى يومنا هذا، تعد نيكاراجوا من بين بلدان أمريكا اللاتينية البالغ عددها 16 بلدًا والتي أدخلت إصلاحات على التشريعات الخاصة بالعنف المنزلي (24) ويختلف نسبيًا مدى ومضمون هذه القوانين وقد أمكن صدور بعضها بجهود قليلة من جانب النشطاء فى مجال حقوق المراة. وتعتبر تجربة نيكاراجوا تجربة منفردة وذلك لعدد من الأسباب. أولاً، كانت شبكة العمل النسائية قادرة على التفاوض مع حلفاء استراتيجيين من مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية، في حين كانت ممسكة بزمام الأمور في ذات الوقت، والأكثر أهمية أنها اضطلعت بالصياغة الأخيرة للقانون، إن مشاركة مهنيين معروفين، مثل القضاة ورجال الشرطة والعاملين بمجال الصحة العقلية والمتخصصين في المشاورات الخاصة بالقانون قد أسهم في إضفاء المشروعية على هذه المبادرة أمام المشرعين والجمهور، كما خلق في ذات الوقت شعوراً عاماً بالملكية.
ثانيًا: أن البحوث التي أجريت في هذا المجال، فضلاً عما تم من عمل، قد أسهم في إعطاء تأييد عام للقانون، كما أمد المشرعين بالمدخلات السياسية والتقنينية المطلوبة.
وأخيراً نجحت شبكة العمل في حشد التأييد الشعبي للقانون، وذلك من خلال الاستخدام الخلاق لوسائل الإعلام. وتوزيع الكتيبات، فضلاً عما شنته من حملات في كافة أنحاد البلد. وكان ذلك كله يمثل أهمية حاسمة في مجال الاحتفاظ بالقضية داخل البرنامج السياسي.
ومنذ تحقيق النصر التشريعي، كرس أعضاء شبكة العمل النسائية جهودهن للتخطيط من أجل المستقبل. إن الإقرار الشعبي بشبكة العمل وتزايد عضويتها يمثل فرصة لخلق وجود دائم في مجال مراقبة تنفذ القوانين والسياسة العامة فيم يتعلق بالعنف المنزلي. ومع كل، فإن ذلك يعني توسيع وتقوية القدرة المؤسسية للشبكة. ويتوق أعضاء الشبكة إلى تأكيد مبادئ احترام الاستقلال الذاتي، مع الأخذ بعين الاعتبار التوازن القائم بين المشاركة السياسية الفعالة والديموقراطية الداخلية التي تمثل حجر الزاوية. وإذا ما حكمنا من واقع خبرة تستمر في خلق أرضية جديدة من أجل بناء الديموقراطية في نيكاراجوا.
يتوجه المؤلفون بالشكر إلى أعضاء الفريق البحثي للمجموعة البؤرية لما تقتدموه من إسهامات في هذه الورقة البحثية وهو أندريه هيرير (UNA-LEON)وروبن ريس (PUNTOS de Encuentro وفاطمة ميلون (Centro Isnin) وروزي كوجلر– (Centro de Adoles-cents SI MUJER)،وباتريشيا كوادر( شبكة العمل النسائية ضد العنف). ويتقدم المؤلفون أيضًا بشكر خاص إلى كل من: فيوليتا دلجادو، ولوري هيس، وآمي بانك، وإيزابل دوك، وذلك لمساهمتهم القيمة. وتجدر الإشارة إلى أن البحث قد حظي بدعم من جامعة أوميا والهيئة السويدية لتعاون التنمية الدولية
للمراسلة، استخدم العنوان التالي:
Mary Ellsberg
Domestic Violence Research and Education Project,
Nicabox 509,P.O. Box02-5640
Miami, FL,33 102, USA
Fax:505-267-8269
E. mail:Provio @ibw. com.ni