إشكالية المصطلحات
والتغلب على ثقافة الصمت
تتسم الورقة البحثية المُقدّمة من كارلا أوبرمایر و روبرت رينولدز بأهمية كبيرة، وتحتاج إلى دراسة جادة متأنية. وأود هنا التأكيد على نقطتين. أولاهما أننى لا أعتبر أن المصطلح الجديد – ” جراحة الأعضاء التناسلية ” (genital surgery) – يقدم حلاً للجدال الدائر حول ممارسة الختان، كما أعتقد أن هذا المصطلح لا يتسم بالحساسية الثقافية. إن هذا المصطلح سيؤدى، من وجهة نظرى، إلى زيادة التعقيدات التي نواجهها في نضالنا ضد ذلك الميل المتعاظم الإضفاء الطابع الطبي على هذه الممارسة في مصر؛ فهو يضفي عليها نوعًا من الاحترام، إذ أن كلمة “الجراحة” (وخاصة باللغة العربية) تُعد مصطلحًا طبيًا يحظى بالاحترام، فى حين يُعتبر بتر الأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة أمرًا ضار أوغير ضرورى – سواء قام به الممارسون التقليديون أو قام به الأطباء. ثانيًا، اتفق مع مؤلفي الورقة البحثية في أننا لا نمتلك بيانات وافية حول المضاعفات الضارة، سواء قصيرة المدى أو بعيدة المدى، التي تؤثر على صحة المرأة وحياتها الجنسية. ويصدق ذلك، على نحو خاص، بالنسبة للدراسات المنشورة باللغة الإنجليزية. بل وحتى على الدراسات الموجودة حاليًا باللغة العربية، فهى ما تزال ترتكز على ملاحظات محدودة لذلك العدد الصغير نسبيًا من الحالات التي يتم الإبلاغ عنها إلى العيادات والمستشفيات، كما أن هذه الدراسات غير مدعومة إحصائيًا. ومع كل، فإن التوصل إلى نتيجة مفادها ضرورة تأجيل العمل ضد ممارسة الختان حتى نعرف المزيد حول مدى آثاره الضارة يُعد أيضًا أمرًا إشكاليًا: وهناك بالفعل قدر كبير من الدلائل والشهادات الفردية بشأن آثاره الضارة. وما تزال البحوث فى هذا المجال تواجه عقبات عديدة، تتمثل في “ثقافة الصمت” المفروضة حول هذه الممارسة. لقد تحملت المرأة هذه الممارسة في صمت، ولفترة تصل إلى ٢٠٠٠ سنة، إذ كانت المرأة تتعلم، خلال تنشئتها الاجتماعية، (إن إجراد الختان ضرورة لأي سيدة محترمة تعيش في مصر). لم يتحدث أحد أبدًا عن هذه الممارسة، ولا حتى الذين اعتقدوا في ضرورتها، ناهيك عن الذين أحجموا عنها واعتبروها عادة بدائية. ونجد في واقع الأمر أن هذه المجموعة الأخيرة عادة ما تنفى وجود ممارسة الختان. وكانت الفجوة بين هاتين المجموعتين كبيرة جدًا، بحيث لم تحقق الجهود المبذولة لعبور هذه الفجوة، منذ سنوات العشرينيات نجاحًا. ولم نصبح قادرين على مناقشة هذه القضايا علانية إلا عندما انفك السحر بظهور الفيلم الذي عرضته قناة “سي. إن. إن (CNN) لعملية ختان إحدى الفتيات – وهو الفيلم الذي بثته القناة تلفزيونيًا أثناء المؤتمر الدولى للسكان والتنمية الذي انعقد في القاهرة عام ١٩٩٤، وهز كافة أرجاء البلد وصدم أكثر الناس تعليمًا. بلى، ما زال أمامنا طريق طويل نسير فيه قبل أن تتوفر دراسات مكتملة ذات دلالات إحصائية، ولكن جهودنا في هذا المجال لن تنتظر. هناك الكثير الذي ينبغي أن نقوله للرجال والنساء فى مصر، ولصناع القرار أيضًا. وما نقوله يتميز بالمصداقية لأنه يرتكز على خبرة إنسانية ملموسة.
شارك: