المرأة وافتقاد الخصوبة في منطقة شبه الصحراء الأفريقية
بقلم:
المرأة وافتقاد الخصوبة
في منطقة شبه الصحراء الأفريقية
تحتل الصحة الإنجابية الآن موقعًا متقدمًا في جداول العمال البرامج الدولية والوطنية، وتمتد لتشمل العديد من مجالات البرامج الصحية والسكانية، بما في ذلك تنظيم الأسرة، والأمومة الآمنة، والعقم، والسيطرة على الأمراض المنقولة جنسيًا وفيروس نقص المناعة البشرية. وتكمن الفائدة المتوقعة من دمج هذه القضايا السكانية والصحية تحت مظلة الصحة الإنجابية في العلاقة المتبادلة بين مختلف التدخلات في هذه الميادين وبين مدى ما لها من أثر جوهري على الصحة. ويمكن القول، على سبيل المثال، إن برامج تنظيم الأسرة التي تحول دون حدوث حمل غير مرغوب فيه تؤدي أيضًا إلى تحسين صحة الأم والطفل. كما أن الترويج لاستخدام الواقي الذكري يحول دون حدوث حمل غير مرغوب فيه، فضلاً عن دوره في الحيلولة دون الأمراض المنقولة جنسيًا أو الإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية. وجدير بالذكر أن البرامج الناجحة في مواجهة قضايا نوع الجنس، والتي تتوارى خلف ذلك، يمكن أن تحقق العديد من الفوائد لكثير من جوانب الصحة الإنجابية. ولذا فإن تأثير البرامج الشاملة التي تتضمن حزمة واسعة من التدخلات بهدف تحسين الصحة الإنجابية ككل، ليتجاوز حاصل جميع التأثيرات المنفردة للبرامج المحدودة. يقوم هذا الكتاب بدراسة أحد عناصر الصحة الإنجابية في منطقة شبه الصحراء الأفريقية، وهو عنصر عادة ما يتم تجاهله: فبينما نجد العقم شائعًا في منطقة شبه الصحراء الأفريقية، إلا أنه لم يحصل إلا على قدر ضئيل فقط من الاهتمام في البحوث والبرامج الصحية. ويرجع السبب الرئيسي لذلك إلى افتقاد التدخلات العلاجية الملائمة والممكنة والفعالة. وعلاوة على ذلك كانت البرامج السكانية والصحية في أفريقيا توجه بداية نحو الخصوبة العالية ومعدلات النمو السكاني المرتفعة. لماذا أذن نتناول قضية العقم؟ يطرح هذا الكتاب أن العقم يمثل إحدى مشاكل الصحة العامة، بل ويندرج ضمن قضايا حقوق الإنسان ذات التبعات بعيدة المدى سواء بالنسبة للفرد أو الزوجين، أو حتى النظام الصحي وإن كان بدرجة أقل. وعلاوة على ذلك، يتداخل العقم مع كثير من عناصر الصحة الإنجابية الأخرى. إننا نؤكد أنه يمثل جزءًا منطقيًا من أي برنامج للصحة الإنجابية وتتناول فصول الكتاب بالمناقشة قضية العقم من وجهة نظر مختلف فروع العلم والمعرفة، بما في ذلك الديموغرافيا، والطب الإكلينيكي، وعلم الأوبئة والأنثروبولوجيا، والصحة العامة. فكل علم من تلك العلوم يوضح من منظوره الخاص علاقة العقم بالسلوك الجنسي والسلوك بين الأزواج، وبالأمراض المنقولة جنسيًا وفيروس نقص المناعة البشرية، وبصحة الأم، وبتنظيم الأسرة. لقد قمنا بجمع هذه المواد بهدف تقديم المعلومات اللازمة ورفع الوعي حول قضية العقم في إطار برنامج الصحة الإنجابية وغيره من البرامج الصحية للمرأة. يعاني الكثيرون من العقم. إن إدراك أهميته بالنسبة للنساء والرجال والأسر يمكن أن يؤدي إلى تيسير العلاج، وتخفيف تبعات الإصابة به فضلاً عن المساعدة على تحقيق أهداف إنجابية أخرى.لقد وضع الأطباء الإكلينيكيين وعلماء الأوبئة والديموغرافيون والأنثروبولوجيون مجموعة من المصطلحات والتعريفات المستخدمة لوصف وقياس الخصوبة الضعيفة لدى النساء والرجال والأزواج. وفيما يلي نقدم المصطلحات المستخدمة في هذا الكتاب:
- العقم (Sterility) عدم القدرة على الحمل أو الإخصاب. ويعني هذا المصطلح ضمنًا العجز الكامل أو الدائم عن الإنجاب.
- افتقاد الخصوبة (Infertility): عدم القدرة على الإنجاب. ويضم هذا المصطلح عدم القدرة على الحمل أو الإخصاب أو الاستمرار في حمل حتى نهايته. فالمرأة التي تحمل وتتعرض للسقط بعد الحمل (فقدان الحمل) تعتبر فاقدة للخصوبة، مثلها مثل المرأة غير القادرة على الحمل. وقد جرى التمييز بين نوعين من افتقاد الخصوبة – افتقاد الخصوبة الأساسي (لم يحدث الإنجاب أبدًا) وافتقاد الخصوبة الثانوي (عدم إمكانية الإنجاب بعد ولادة واحدة على الأقل).
- عدم وجود أطفال (Childlessness): عدم وجود أطفال أحياء. فالمرأة قد تلد طفلاً واحدًا على الأقل، ولكنه يموت. وفي حالة السكان الذين تنتشر بينهم مستويات مرتفعة من وفيات الأطفال، نجد فارقًا غير بسيط بين انتشار عدم وجود أطفال وبين افتقاد الخصوية الأساسي. وعلى سبيل المثال، وجد ٢٧ من المسوح الوطنية الديموغرافية والصحية في منطقة شبه الصحراء الأفريقية أن متوسط نسبة النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين ٢٥ و٤٩ سنة ولم يلدن مولودًا حيًا أبدًا بلغت 3% بينما لم يكن لدى 4.5% منهن أطفال أحياء وقد يستخدم علماء الديموغرافيا مصطلح عدم وجود أطفال للإشارة إلى المرأة المصابة بحالة افتقاد الخصوبة الأساسي.
يصعب قياس مدى انتشار افتقاد الخصوبة، إذ يركز القياس على النساء في سن الإنجاب (قبل سن انقطاع الحيض)، ولأنه يتطلب تحديدًا دقيقًا لفترة احتمال الحمل. ولأغراض إكلينيكية وبائية، قامت مجموعة العمل العلمية التابعة لمنظمة الصحة العالمية بشأن إيديولوجية افتقار الخصوبة بتعريف افتقاد الخصوبة باعتباره عدم حدوث حمل بعد مرور سنتين من العلاقة الجنسية (منظمة الصحة العالمية، ١٩٧٥). ومع كل، يستخدم أغلب الأطباء الإكلينيكيين فترة ١٢ شهر من الاتصال الجنسي بدون موانع حمل (Rowe end al. 1993). وهناك تمييز أيضًا بين عدم القدرة على الحمل وعدم القدرة على استمرار الحمل حتى موعد الولادة وولادة طفل حي. إن أغلب التقديرات الخاصة بانتشار افتقاد الخصوية تعتمد على بيانات تم جمعها من خلال مسوح قطاعية، حيث يتم التعرف من نساء العينة البحثية، اللاتي تتراوح أعمارهن بين ١٥ و٤٩ سنة (نادرًا ما تضم العينة البحثية رجالاً) على تاريخهن الإنجابي ويمكن من خلال هذه المعلومات تطوير الأساليب اللازمة لتقدير معدل انتشار افتقاد الخصوية الأساسي والثانوي، وهي معلومات غير مكتملة لأنها مستقاة من نساء ما زلن قادرات على الحمل (Larsen and Menken, 1989). وتتحدد فترة احتمال الحمل منذ الزواج أو منذ آخر ولادة بمدة تتراوح ما بين خمس إلى سبع سنوات، وفقًا للقياس المستخدم. وفي حالة عدم توفر معلومات مفصلة حول الولادات، تستخدم عندئذ كمؤشر لافتقاد الخصوبة الثانوي، نسبة النساء اللاتي لم يحملن فترة ٥ سنوات أو أكثر (Larsen, 1996).
وتشير قراءات بيانات المسوح إلى ضرورة وضع استخدام موانع الحمل في الاعتبار. ففي حين نجد أن بعض النساء اللاتي يستخدمن موانع الحمل يعانين من افتقاد الخصوبة، فمن الأرجح أن النساء اللاتي يستخدمن موانع الحمل، في المجمل، أكثر خصوبة من النساء اللاتي لا يستخدمن هذه الوسائل. على أية حال، فمع تزايد استخدام موانع الحمل، ستزداد صعوبة تقدير افتقاد الخصوبة من بيانات المسوح. وما تزال هذه المشكلة مستعصية في أغلب بلدان منطقة شبه الصحراء الأفريقية، كما يبدو واضحًا من الأدلة المقدمة من جانب أولا لارسون وهانز راجرز في الفصل المعنون “مستويات واتجاهات افتقاد الخصوبة في منطقة شبه الصحراء الإفريقية“.
تؤدي كافة هذه العوامل إلى زيادة صعوبة تقدير حجم مشكلة افتقاد الخصوبة في منطقة شبه الصحراء الأفريقية. وباستخدام تقديرات لارسون وراجرز حول افتقاد الخصوبة الأساسي، يمكننا القول بأن ما يقرب من ثلاث إلى أربع مليون امرأة في منطقة شبه الصحراء الأفريقية يعانين حاليًا من هذه المشكلة، ونظرًا لأن عدم وجود الأطفال، على أساس إرادي، يمثل حالات نادرة في أغلب منطقة شبه الصحراء الأفريقية، فإنه من الأرجح أن عددًا مماثلاً من النساء (أو الأزواج) ينظرن لهذه المسألة باعتبارها مشكلة صحية واجتماعية. كما أن هناك عددًا أكبر من النساء اللاتي يعانين من افتقاد الخصوبة الثانوية، ربما أكثر من ١٣ مليون. أما عدد النساء (أو الأزواج) اللاتي يدركن أنها مشكلة صحية واجتماعية فيقل عن ١٣ مليون، ذلك أن بعض هؤلاء النسوة قد أنجزن بالفعل (كل أو جزء من) مرادهن من الخصوبة.
وتوضح بيانات عيادات علاج افتقاد الخصوبة أن ما يقرب من ٤٠% من حالات افتقاد الخصوبة تمثل حالات افتقاد أساسي للخصوبة و٦٠% تمثل حالات افتقاد ثانوي للخصوبة
Favot et al, 1997 Cateset al, 1985; Ciwa Osaqieet al, 1984; Moutsinga, 1973
وتتوافق هذه المعدلات مع حالات ما يقرب من خمس إلى ست مليون امرأة من النساء اللاتي يعتبرن مشكلة عدم القدرة على الإنجاب مشكلة جدية بما يكفي لتبرير زيارة عيادة علاج افتقاد الخصوبة. وارتكازًا على هذه الحسابات، فإننا نقدر أن ما يقرب من ثماني إلى عشر مليون امرأة في منطقة شبه الصحراء الأفريقية يعانين حاليًا من افتقاد الخصوبة.
يؤثر تعريف افتقاد الخصوبة تأثيرًا كبيرًا على تقديرات انتشار الإصابة، ومن ثم يؤثر على تقييمات معدل نجاح العلاج. لقد قام مارشبانكس وآخرون (۱۹۸۹) بتحليل خمسة تعريفات مختلفة لافتقاد الخصوبة في الولايات المتحدة الأمريكية. اعتمدت ثلاثة مقاييس على أسلوب الاستبيان، في حين اعتمد المقياسان الآخران على تاريخ أحداث فترة الحياة (ويضم الحمل والولادات، والتعرض لعلاقة جنسية، واستخدام موانع الحمل… الخ). بلغ معدل انتشار افتقاد الخصوبة %۱۲٫٥ اعتمادًا على الأزواج (الذين يفيدون بعدم وجود حمل بعد عامين من المحاولة).
وبلغ المعدل 9.6% بالنسبة لأولئك الذين استشاروا الطبيب (ولم يحدث حمل بعد سنتين من المحاولة)، وبلغ 6.1% اعتمادًا على تشخيص الطبيب (مع عدم وجود حمل بعد سنتين من المحاولة). أما المستويات الأعلى من معدلات افتقاد الخصوبة، فقد وجد أنها تستخدم قياسات ترتكز على تاريخ أحداث الحياة (وهو القياس الذي يمكن مقارنته بالأساليب الديموغرافية للتقدير): 20.6% إذا لم يحدث حمل بعد ٢٤ شهر من العلاقة الجنسية بدون استخدام موانع الحمل و32.6% إذا لم يحدث حمل بعد ١٢ شهر من العلاقة الجنسية بدون استخدام موانع الحمل. وأوضحت الدراسة أيضًا وجود اختلافات ذات دلالة في معدلات الحمل التي تلت اعتمادًا على التعريف المستخدم.
تطرح دراسة مارشبانكس وآخرين أن أفضل قياس لافتقاد الخصوبة يمكن تحقيقه عن طريق توجيه مزيد من الأسئلة المباشرة حول رغبة الزوجين في الحمل. على سبيل المثال، يمكن، خلال إجراء المسوح، توجيه أسئلة مباشرة عما إذا كانت المرأة تحاول الحمل حاليًا (سواء للمرة الأولى أو لإنجاب طفل آخر). وقد تضمن المسح العالمي للخصوبة (WFS “World Fertility) سؤالاً موجهًا للنساء المتزوجات حول قدرتهن وأزواجهن على إنجاب طفل آخر إذا ما كن يرغبن في ذلك. ولكن النتائج لم تعتبر مؤشرًا جيدًا على العجز الفعلي عن الحمل (Vaessen, 1984). وتجدر إضافة سؤال آخر إلى المسوح يتعلق بالجهود المبذولة لتحقيق حدوث الحمل، وذلك من أجل الحصول على تقديرات حول افتقاد الخصوبة من خلال هذه المسوح. وفي راكاي بأوغندا، ظهر أن نتائج الإجابة على هذا السؤال مفيدة جدًا (اتصال شخصي مع رون جراي).
من يدفع الثمن: الرجل أم المرأة؟
قد ترجع أسباب فقدان الخصوبة إلى المرأة أو الرجل أو كلاهما. ومع كل، فإن المرأة تعتبر مقياس العقم لدى الزوجين، سواء كان ناتجًا من عوامل أنثوية أو ذكورية. ونجد في منطقة شبه الصحراء الأفريقية أن عقم الرجال يمثل عاملاً ذا دلالة، رغم محدودية البيانات، كما أوضح فيليب ما يود في الفصل الخاص به بعنوان “العقم في أفريقيا“: دور عدوى الجهاز التناسلي. ومع ذلك، تشير الدراسات الأنثروبولوجية والديمغرافية إلى أن غالبية حالات فقدان الخصوبة تقترن بعوامل أنثوية. إن النساء اللاتي لا ينجين عادة ما يتعرضن للطلاق ويتكرر زواجهن، ومن ثم يتعرضن، في مرحلة معينة من العمر، لعلاقات جنسية مع شركاء غير فاقدين للخصوبة. ويضم الكتاب ثلاثة فصول تناقش هذه القضايا: فصل بقلم مارجولين، جيجسلز، وزايدا مجاللا، وليليان وامبورا، وعنوانه: ” لا يوجد طفل للإرسال“: ظروف فقدان الخصوبة وتبعاته الأسرية في شمال غرب تنزانيا؛ وفصل بقلم زايدا مجاللا وتييز بويوما عنوانه: “خطاب افتقاد الخصوبة في تنزانيا“؛ وفصل بقلم تييز بويرما ومارك أوراسا، بعنوان: “العلاقة بين عقم النساء، وفيروس نقص المناعة البشرية والسلوك الجنسي في المناطق الريفية في تنزانيا“.
تصف الدراسات الأنثروبولوجية أيضًا الآليات المستخدمة للالتفاف حول فقدان خصوبة الرجال بدون تحطيم الزواج، وذلك بالإشارة إلى أن المرأة تحاول الحمل من رجل آخر دون معرفة زوجها. وقد نوقشت هذه القضية في نفس الفصول سابق الإشارة إليها، بقلم جيزلز وآخرون ومجاللا وبويرما، وأيضًا في فصل دينيس روث بعنوان “مشانجو، الحيض ونوعية البويضات: تصورات المرأة حول احتمالات الخصوبة في المجتمع الريفي في تنزانيا“. وتضم الأوراق المتعلقة بتنزانيا دلائل عديدة على أن النساء الفاقدات للخصوبة يدفعن ثمنًا باهظًا لعدم قدرتهن على تلبية الآمال الإنجابية لأزواجهن، وأسرهن، وعشيرتهن وللمجتمع بشكل عام. وعلى سبيل المثال، تقوم الدراسة الأنثروبولوجية التي أعدها جيزلز وآخرين بتوظيف السير الحياتية لتوثيق المعاملة التعيسة التي تلقاها النساء “العاقرات” في شمال غرب تنزانيا. وتضم هذه المعاملة الحط من القدر علانية، والضرب والطلاق. أما انخفاض المكانة الاجتماعية للمرأة التي تعاني من فقدان الخصوبة، فيبدو واضحًا أيضًا من خلال مناقشات مجموعات الرجال والنساء في تنزانيا التي أجرتها مجاللا وبويرما، فضلاً عن المقابلات التي أجرتها روث مع النساء في أحد المجتمعات الريفية في غرب تنزانيا، والمقابلات التي أجراها جوهان صندباي وإيلين جاكوبس مع النساء والرجال فاقدي الخصوبة في جامبيا وزيمبابوي، وذلك في الفصل المعنون “الصحة والرعاية التقليدية في مجال فقدان الخصوبة: خبرات من جامبيا وزيمبابوي“.
وصفت الدراسات الأنثروبولوجية التغيرات في الزواج والسلوك الجنسي بين الزوجين الذين يعانون من مشكلة العقم، حيث يميل الرجل والمرأة إلى عمل علاقات خارج الزواج في حالة عدم وجود أطفال. تطرح الدراسات في سيراليون (Harrell – Bond, 1975) وأوغندا Southwold, 1973 أن أزواج النساء العاقرات عادة ما يكون لديهم شركاء خارج الزواج، على الرغم من أنه لا يبدو واضحًا على الفور إلى أي مدى يعزي سلوكهم الجنسي للعقم في حد ذاته. وكما أشرنا أعلاه، يصف العديد من المؤلفين في هذا الكتاب الترتيبات السرية التي يتم اتخاذها لضمان حمل المرأة إذا ما كان هناك شك في أن الرجل فاقد للخصوبة. ويمكن القول بأن فقدان الخصوبة يعد، في أغلب المجتمعات من الأسباب الهامة للطلاق (راجع أيضًا Nobaitu et 1994: Solivetti, 1994: Reyna, 1975، بينما، في مجتمعات أخرى، يستطيع الرجل الزواج من أخرى David 1972 and Voas, 1981: Pool
هذا وتندر الدراسات الوبائية والسكانية التي تقدم مزيدًا من الأدلة للدراسات الأنثروبولوجية. ففي المسوح المرتكزة على السكان، كان فقدان الخصوبة مقترنًا بدرجة أكبر من عدم الاستقرار في الزواج في الكاميرون ونيجيريا وبتعدد الزوجات في الكاميرون(Larsen, 1995). أما في المناطق الريفية في تنزانيا، فقد كان لدى النساء الفاقدات للخصوبة عدد من الشركاء الجنسيين والزيجات يزيد عما لدى النساء غير الفاقدات للخصوبة. كما كان انتشار فيروس نقص المناعة البشرية بين النساء الفاقدات للخصوبة يعادل ثلاثة أضعاف النسبة بين النساء المنجبات (راجع: بويرما وأوراسا في هذا الكتاب راجع أيضًا: Favot et al, 1997)
إن العلاقة بين فيروس نقص المناعة البشرية وفقدان الخصوبة ترجع بدرجة كبيرة إلى الأثر المقلص للخصوبة الناتج عن فيروس نقص المناعة البشرية، ولكنه قد ينتج أيضًا، جزئيًا، عن السلوكيات المقترنة بفقدان الخصوبة.
لقد شاع افتقاد الخصوبة الأساسي في أعوام الخمسينات وما قبلها. وبهذا الصدد، يضم الكتاب فصلاً بقلم ريتشارد وايت، وباسيا زابا، وتييز بورما وجون بلاكر بعنوان “فهم الانخفاض الشديد لافتقاد الخصوبة الأساسي في منطقة شبه الصحراء الأفريقية“، وهو الفصل الذي يوضح أن زيادة انتشار افتقاد الخصوبة الأساسي يقترن ببداية شديدة التكبير للعلاقة الجنسية، عادة قبل بداية الطمث. إن كبر السن عند أول ممارسة جنسية أو معاشرة بين الشريكين يمكن أن تكون قد أسهمت في الانخفاض المؤكد في حالات افتقاد الخصوبة الأساسي، والذي يمكن ملاحظته منذ منتصف القرن العشرين تقريبًا. أما الفصل الذي أعدته أوللا لارسون، فيوضح وجود انخفاض كبير في معدلات افتقاد الخصوبة، سواء الأساسي أو الثانوي، في قلب حزام فقدان الخصوبة في جمهورية أفريقيا الوسطى، على الرغم من أن المعدلات ما تزال أعلى كثيرًا عن نظيراتها في أغلب الأجزاء الأخرى من أفريقيا.
الأمراض المنقولة جنسيًا
فيروس نقص المناعة البشرية
تنتشر عدوى الجهاز التناسلي، بما فيها الأمراض المنقولة جنسيًا في أجزاء كثيرة من منطقة شبه الصحراء الأفريقية. ولقد أوضحت الدراسات البيئية بداية (على سبيل المثال Romaniuk, 1968, Arya et al, 1980، وفيما بعد البحوث الإكلينيكية Cates et al, 1985 الدور البارز للأمراض المنقولة جنسيًا ضمن أسباب افتقاد الخصوبة لدى الإناث، وهو الموضوع المطروح للمناقشة في الفصل الذي أعدته ما يود. إن عدوى السيلان أو الكلاميديا يمكن أن تقود إلى مرض التهابات الحوض، وهو ما يمكن أن يقود بدوره إلى تليف في أنابيب الجهاز الإنجابي لدى الإناث وما يترتب على ذلك من فقدان الخصوبة.
إن استعراض بيانات النصف الأول من القرن العشرين، التي ترد في فصل وايت وآخرين، يوضح أن ارتفاع معدلات انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا، وخاصة السيلان، يمثل السبب الرئيسي للارتفاع الشديد في مستويات افتقاد الخصوية الأساسي منذ عشرات السنين. وتطرح عمليات المحاكاة الصغيرة والأدلة الواردة في الدراسات المعمقة أن الانخفاض الكبير في معدلات افتقاد الخصوبة الأساسي كان راجعًا، بدرجة كبيرة، إلى اكتشاف المضادات الحيوية.
ومن المتوقع أن تؤدي الجهود الحالية من أجل تحسين ممارسات قسم حالات الأمراض المنقولة جنسيًا في مؤسسات الصحة إلى تقليص خطر فقدان الخصوبة الذي ينجم عن الأمراض المنقولة جنسيًا بين هؤلاء الذين يستفيدون من المؤسسات الصحية، كما أوضحت ما بود. ومع كل، هناك نسبة هامة من المرضى لا تستفيد من التسهيلات الصحية الحديثة، ولكنهم يمارسون بالفعل نوعًا من العلاج الذاتي، ويبتاعون الأدوية من المحلات أو الصيدليات ويستخدمون العلاجات التقليدية (راجع الفصل الذي أعدته روث). من بين المعالجين التقليديين، هناك العديد من المتخصصين في تقديم الرعاية لحالات الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا، كما يبدو ذلك واضحًا في المناطق الريفية بتنزانيا (راجع الفصل المعنون “العلاجات التقليدية، الأمراض المنقولة جنسيًا، وافتقاد الخصوبة في شمال غرب تنزانيا“، من إعداد: روبرت بوول ونداتولا روبرت واشيجا). وقد يتوفر لدى المعالجين بعض المعرفة أيضًا في مجال الطب الإحيائي، وظهر أنهم حريصون على التعاون مع قطاع الصحة الحديثة.
صحة الأم
تنتشر معدلات افتقاد الخصوبة الثانوي، وفقًا للتقديرات الواردة في فصل لارسون وروجرز. ويرجع ذلك جزئيًا إلى زيادة افتقاد الخصوبة بيولوجيا نتيجة لكبر سن المرأة. ومع ذلك، يزيد عدد النساء المصابات بافتقاد الخصوبة الثانوي عما كان متوقعًا على أساس مستويات “افتقاد الخصوبة الطبيعي” الذي تمت ملاحظته لدى سكان أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية التاريخيين Bon-gaarts, 1982. ويبدو أن السبب الأساسي يكمن في عدوى ما بعد الولادة، وبدرجة أقل عدوى ما بعد السقط أو الإجهاض. إن عدوى الجهاز التناسلي، وأغلبها من الأمراض المنقولة جنسيًا، يمكن أن تقود بسهولة إلى التهابات الحوض أثناء فترة النفاس، وفقًا لما تطرحه ما يود، ولكن الدراسات في هذا الموضوع نادرة.. إن قسم العمليات القيصرية يمكن أن يقود أيضًا إلى عدوى ما بعد الولادة، ومن ثم فقدان الخصوبة، كما هو موضح في دراسة خافییه دو میلدر، وبيير بويكنز، ويرونو دوجاردن وزملاء آخرين في الفصل المعنون “قسم العمليات القيصرية وفقدان الخصوية: دراسة حالة ضابطة من زيمبابوي“.
تنظيم الأسرة
منذ فترة مبكرة تصل إلى أعوام الخمسينيات، حاولت أن ريتل لورنتين إثارة الانتباه إلى العلاقة القائمة بين مشكلة افتقاد الخصوية ومدى تقبل برامج تنظيم الأسرة ونجاحها. لقد رأت آن إن الاهتمام بمشكلة افتقاد الخصوبة يمكن أن يعزز قبول برامج تنظيم الأسرة بين السكان الأفارقة، وخاصة أولئك الذين يعانون من مستويات عالية من افتقاد الخصوبة. وفي الوقت الحاضر، ورغم نجاح برامج تنظيم الأسرة، ما تزال الفتيات المراهقات يشعرن بالقلق إزاء فقدان الخصوبة: التبعات المدمرة الخاصة بعدم القدرة على الإنجاب. وفي مقابلات مع بعض النساء (الفصل الذي أعدته روث)، وفي مناقشات المجموعات البؤرية في تنزانيا، حيث ما يزال استخدام موانع الحمل الحديثة منخفضًا، أصبحت هذه الاهتمامات واضحة بجلاء (الفصل بقلم مجاللا وبويرما).
التدخلات
وفقًا لبحث صندباي وجاكوبس، أفادت نسبة عالية من النساء الفاقدات للخصوبة أنهن يستفدن من الخدمات الصحية. على سبيل المثال، أفادت النساء اللاتي يرتدن عيادة علاج فقدان الخصوبة بمستشفى تنزانيا بأنهن زرن في المتوسط ۲,۷ نوعًا مختلفًا من المؤسسات الصحية الحديثة، و٥،٩ من المعالجين التقليديين، وذلك للحصول على علاج لفقدان الخصوبة.Favot et al, 1997 وفي إحدى المجتمعات الريفية في تنزانيا، أفاد أكثر من نصف المعالجين التقليديين بأنهم متخصصون في التعامل مع مشكلات فقدان الخصوبة (فصل بوول وواشيجا). وكما يفيد صندباي وجاكوبس في دراستيهما عن زيمبابوي وجامبيا، فإن النساء اللاتي يعانين من مشكلات فقدان الخصوبة عادة ما يجئن بشكاوى أخرى عديدة ويغادرن دون أن يتمكن الباحث الصحي من تشخيص سبب الزيارة. فالزيارات المتكررة للمؤسسات الصحية الحديثة والتقليدية تمثل تكلفة على المرأة، أو الأزواج، أو الأسرة، وأيضًا على النظام الصحي. وكثيرًا ما يتم إجراء تدخلات غير مناسبة، مثل التوسيع وكحت الرحم.
ينبغي أن تصبح مواجهة فقدان الخصوبة جزءًا أساسيًا من برامج الصحة الإنجابية. وهو ما يتضمن: الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا وتقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب عند الإصابة بهذه الأمراض. ويمكن علاج فقدان الخصوبة، رغم قلة الموارد، ولكن العاملين الصحيين يحتاجون إلى التسلح بمزيد من الإمكانيات اللازمة لمواجهة المشكلة، حتى وإن كان ذلك من أجل تجنب التدخلات غير الملائمة وتحسين مهاراتهم في مجال تقديم المشورة. أما على المستوى المجتمعي، فهناك حاجة إلى تناول البعد الاجتماعي وتعزيز المناقشة حول فقدان الخصوبة باعتبارها أحد مشكلات الصحة الإنجابية. وفي بعض الظروف، يمكن أن يؤدي تأسيس المنظمات المحلية للنساء المصابات بفقدان الخصوبة إلى مساعدة النساء أنفسهن، مثل منظمة ” كانيالنج ” في جامبيا (فصل صندباي وجاكويس).
يعد فقدان الخصوبة مشكلة جوهرية من مشاكل الصحة العامة في منطقة شبه الصحراء الأفريقية، مع ما يقدر بحوالي ٨ إلى ١٠ مليون امرأة (أي زيجات) مصابات بها. وصمة العار الاجتماعية ذات الدلالة المرتبطة بفقدان الخصوبة تؤثر بقوة على حياة كل من المرأة وشريكها. ومع كل، هناك الكثير الذي يمكن عمله. يمكننا المساعدة على منع عدوى الجهاز التناسلي، وخاصة الأمراض المنقولة جنسيًا، وذلك عن طريق الإرشاد في مجال الصحة الجنسية والترويج للواقي الذكري. يمكننا المساعدة على تقليص تبعات هذه العدوى والحد من انتشارها، وذلك من خلال علاج فعال يسهل الحصول عليه وتعاطيه في الوقت المناسب. يمكننا أن نخفف آلام أولئك الذين لا يمكن معالجتهم، وذلك عن طريق تحسين المشورة وتناول قضية فقدان الخصوبة في المجتمع على نطاق واسع. إن إهمالنا لمشكلة فقدان الخصوبة لدى الإناث، يعني أننا فشلنا في مواجهة الإمكانات الكاملة في مجال الصحة الإنجابية للمرأة.
ملحوظة:
هذا النص مقتبس من مسودة مقدمة هذا الكتاب، الذي تمت إعادة طباعته بإذن كريم من
Royal Tropical Institute, KIT Press, 1999
– Moutsinga H, 1973. La sterilite feminine au Gabon
en consultation gynecologique journaliere. Medi-
cin d, Afrique Noire 209- 103.
– Nabaitu J, Bachengana C, selley J, 1994. Marital
instability in a rural population in South west
Uganda: implications for the spread of HIV I in-
fection. Africa 64: 243-51.
– Pool JE, 1972. A cross- comparative study of as-
pects of conjugal beh aviour among women of 3
west African countries. Canadian Journal of Afri-
can Studies 6:233-59.
– Reyana SP, 1975. Age differential, marital instabili-
ty, and venereal disease: factors affecting fertility
among the Northwest Barma. In: Nag M (ed),
Population an d social Organization. Mouton, the
Hague.
– Romaniuk A, 1968 Infertility in tropical Africa. In:
JC Caldwell and C Okonjo (eds), the Population
of Tropical Africa. Longmans, London.
– Rowe PJ, Comhaire FH, Hargreave TB et al, 1993.
WHO Manuel for the Standard ized Investigation
and Diagnosis of the Infertile Couple. Cambridge
University Press, Canmbridge.
– Solvetti LM, 1994. Family, marriage and divorce in
a Hausa community: a sociological model. Africa
64:252- 71.
– Southwold M, 1973. The Baganda of Central Afric
a. In: A Molns (ed), Cultural Source Material for
Population Planning in East Africa. Volume IlI.
Beliefs and Practices. East African Publishing
House, Nairobi, Kenya.
– Vaessen M, 1984. Childlessness and Infecundity.
WFS Scientific Studies No. 31, Internat ional Sta-
tistical Institute, Voobury, Netherlands.
– The Epidemiology of Infertility. Repot of a Scien-
tific Working Group, WHO Technical Report Se-
ries No. 582, Geneva, 1975.
-Arya Op, Taber SR, Nsanze H, 1980, Gonorhea
and Female infertility in rural Uganda. American
Joumal of CObstetrics and Gynecology. 138: 929_32.
– Bongaarts J, Potter RG, 1983. I Fertility,
Behaviour: An Analysis Of the Proximate Deter.
minants. Academic Press, New York.
– Cates W, Farley TMM, Rowe PJ, 1985. Worldwig
Patterns of infertility: is Africa different? Ianew
ii: 596_99.
– Davi d N, Voas D, 1981. Societal causes of in:
fertility and Population decline among the settled
Fulani of North Cameroon. MAN. 16: 644_64.
-Favot 1, Ngalula j, Mgallaz et al, 1997. HLV infec-
tion and sexual behaviour among Women with in-
fertility in Tanzania: a ho spital- based study.
ternational Journal of of Epidemiology. 26:414- 19.
– Giwa- Osagie OF, Ogunyemi D, Emuveyan EE et
250 couples. intermational Journal of Infertility.
Eliologic classification of infertility in 29: 104-08.
-Harell- Bond BE, 1975 Modern Marriage in Sierra
Leone: A Study of the Professional Group. Mou-
ton and Co. The Hague.
– Hughes EC (ed), 1972. Obstetrics/Gynecology Ter.
minology. FA Davis Co, Philadelphia.
– Larsen U, 1995. Differentials in infertility in Came.
roon and Nigeria. Po pulation Studies. 48: 459.74.
– Larsen U, 1996. Childlessness, subfertility and in-
fertility in Tanzania. Studies in Family Planning 27: 18-28.
-Larsen u, Menken J, 1989. Measuring Sterility from Sterility fromincomplete birth histories.Demography. 26:185. 201.
– Marchbank s PA, I 1989. Re
search on infertility: definition makes a difference
American Journal of Epiodemiology 130: 259 67.
Royal Tropical Institute
KIT Press
P.o. Box 95001
1090 HA Amsterdam, Netherlands
Fax: 31-20-568286
e.mail: Kitpress @ Kit.nl
Website http://www.kit.nl
Price: Dfl, 49
ISBN 9068321 161