أهمية أعمال المناصرة في دفع التغيير الاجتماعي*
تطبيق القانون الجديد حول؛ العنف الأسري في جنوب أفريقيا
أصدرت أول حكومة ديمقراطية في جنوب أفريقيا قانون “العنف الأسري” عام ۱۹۹۸ كجزء من التزاماتها المحلية والدولية بحماية حقوق الإنسان للمرأة. وعلى الرغم مما حظي به القانون من ترحيب كتشريع يقتحم مجالاً جديدًا، فقد أدى تأخير تنفيذه إلى إحباط متزايد تعرض هذه الورقة البحثية لحملة المناصرة التي قادها “معهد مدينة سول للاتصالات من أجل الصحة والتنمية“، بالاشتراك مع “الشبكة الوطنية حول العنف ضد النساء” بغية كفالة التنفيذ الفعال لقانون العنف الأسري. وتؤكد الدروس المستفادة من الحملة أهمية بناء تحالف يجتذب مختلف القوى والمزج بين استخدام أدوات المناصرة – بما فيها ممارسة الضغط وأعمال المناصرة الإعلامية – وبين التعبئة الاجتماعية، بغية تحقيق أهداف الحملة. ومما يثير السخرية، استبعاد المنظمات غير الحكومية من عملية تنفيذ القانون، على الرغم من الدور الجوهري الذي قامت به تلك المنظمات في تناولها لقضايا ضحايا العنف الأسري والناجيات منه، ولدور منظومة العدل في مجال ممارسة الضغط من أجل التغيير وصياغة مشروع القانون الجديد. وفي حين تركز العديد من جهود المناصرة على تطوير السياسة والتشريع، تبرز الحاجة إلى مواصلة الجهود الرامية إلى كفالة التنفيذ الفعال والتعهد بتوفير الموارد الكافية، وممارسة الرقابة من أجل تحديد الفجوات واقتراح حلول جديدة. وتلقي خبرتنا الضوء على الدور المهم الذي يضطلع به أنصار تلك السياسة في الربط بين العديد من الروافد المتفاعلة على صعيدي السياسة والتشريع.
يزداد إدراك العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، سواء داخل جنوب أفريقيا أو على الصعيد الدولي، باعتباره انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان للمرأة،وكحاجز أساسي أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويصعب، في واقع الأمر، توثيق هذا الشكل من العنف، لما يكتنفه من حرج، والتقديرات التى توفرها غالبية الدراسات عن مدى انتشار العنف أقل من الواقع نظراً لتردد النساء في مناقشة الأمر. ورغم ذلك أوضحت العديد من الدراسات ارتفاع معدلات انتشار العنف البدني والنفسي ضد المرأة في جنوب أفريقيا مما يؤكد على الضرورة الملحة لوجود تشريع فعال. لقد وجدت إحدى الدراسات حول معدلات انتشار العنف ضد المرأة في ثلاث محافظات بجنوب أفريقيا أن 9.5% من النساء قد تعرضن للإيذاء البدني خلال العام السابق. وقد أفادت 28.4% من النساء، في محافظة واحدة أنهن تعرضن للإيذاء البدني، كما أفادت أكثر من ٥٠% من النساء أنهن تعرضن لشكل أو أكثر من أشكال الإيذاء المعنوي خلال العام السابق (۱). وفي دراسة أخرى أفاد أكثر من ٤٠% من الذكور العاملين في ثلاث من البلديات الحضرية بإساءة معاملة زوجاتهم بدنياً و / أو جنسياً خلال السنوات العشر الماضية (٢).
إن العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي في جنوب أفريقيا يحدث في سياق مجتمع يتسم بالعنف بدرجة كبيرة. لقد كانت الشرطة تمارس العنف يومياً خلال مرحلة الفصل العنصري، مما دفع المجتمعات المحلية إلى الانتقام دفاعاً عن حياتهم. كما أن تجميل صورة جيوش التحرير في عيون الشباب قد أسهم أيضًا في النظر إلى العنف كشيء طبيعي. وفي حين يوجد العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي مستقلاً عن الفقر والبطالة فإن ارتفاع معدلات الفقر وعدم المساواة في جنوب أفريقيا،فضلاً عن ميراث الفصل العنصري، قد غذى المشكلة في إطار مجتمع أبوي قوى.
يقترن العنف في الأسرة بمعاناة النساء من مجموعة كبيرة من المشكلات الصحية الخطيرة، تتراوح من الإصابات البدنية إلى الاكتئاب والانتحار. (3& 4) يقوض العنف استقلال النساء، كما يسفر العنف عن نتائج بعيدة الأثر على صحة المرأة الجنسية وصحتها الإنجابية. فالعنف الأسرى يقترن بازدياد خطر التعرض للإضرار بالأعضاء التناسلية، والحمل غير المرغوب فيه، والإجهاض القسري ( عادة ما يحدث بصورة غير قانونية) والأمراض المنقولة جنسياً، والالتهابات فى منطقة الحوض، والعقم(5). والنساء اللاتي يتعرضن للإيذاء البدني أثناء فترة الحمل يمكن أن يتعرضن، هن أو مواليدهن لإعتلال الصحة أو الوفاة أثناء الولادة أو في الشهور الأولى بعد الولادة، بما في ذلك الإجهاض، والنزف قبل الولادة والولادة المبكرة،وولادة الأجنة الميتة أو المواليد ناقصى الوزن (٤ – ٧).
يوجد في جنوب أفريقيا واحد من أسرع معدلات تزايد وباء مرض الإيدز في العالم، إذ يزيد عدد المصابين عن ٤ مليون نسمة، فضلاً عن حدوث ١٥٠٠ إصابة جديدة يوميًا (٨). لقد أصبح العنف ضد المرأة من بين العوامل المساعدة على انتشار وباء الإيدز، بل وناتج عنه في ذات الوقت(9). وقد اتضح أن الخوف من العنف يضعف من إمكانية التفاوض حول خيارات جنسية أكثر أماناً (١٠)، أو الممارسات الجنسية غير الكاملة بدون جماع، أو طلب المشورة، أو إجراء الاختبارات (۱۱)، والمصارحة بالإصابة بالمرض. (۱۲) وتشير دراسات عديدة في جنوب أفريقيا إلى أن ظروف ممارسة الجنس وتوقيته في كثير من العلاقات بين المراهقين يحددها الذكور بشكل شبه كامل،بما في ذلك عن طريق استخدام العنف.(۱۳)
الإصلاح القانوني:
قانونان جديدان في أقل من عشرة أعوام:
تعود تشريعات جنوب أفريقيا التي تتناول العنف الأسرى بوجه خاص إلى عام ۱۹۹۳، حينما صدر “قانون منع العنف الأسري” (قانون ۱۳۳ لعام ۱۹۹۳). وعلى الرغم من صدوره إبان حكم نظام الفصل العنصري – الذي أصدره على عجالة باعتباره الورقة الأخيرة في برنامج الإصلاح الرامي إلى “إنقاذ ماء الوجه” – فقد تأثرت صياغة هذا القانون، بالأنشطة المتعلقة بقضايا النوع الاجتماعي،التي جرت خلال فترة أول انتخابات ديمقراطية في جنوب أفريقيا. على أى حال كان للنشطاء في مجال النوع الاجتماعي انتقاداتهم على القانون الجديد باعتباره غير كاف ولا يمثل سوى استجابة محدودة لمشكلة العنف،وبدءوا في أنشطة الدعوة بغية تحسين التشريع.
ومما يثير السخرية أن القانون، على الرغم مما تعرض له من انتقادات مستمرة، لم يراجع إلا بعد أن طعن أحد المتهمين بعدم دستوريته! وبناء على الطعن روجع القانون برمته من جانب أول وزير للعدل تولى منصبه بعد مرحلة الفصل العنصري. وقد أوصت اللجنة القانونية – المشكلة لمراجعة التشريعات وعمل التوصيات بالتعديلات – بإجراء العديد من التغييرات على القانون. ولقد كانت الحكومة الجديدة في جنوب أفريقيا عازمة على إصدار التشريع بعد مراجعته قبل موعد الانتخابات الوطنية العامة، إذ كانت تتعرض لضغوط من أجل الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها بموجب المعاهدات الدولية، مثل “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة“، فضلاً عن الوفاء بوعودها بشأن تحقيق المساواة بين الجنسين. وقد لعب وزير العدل دورًا أساسيًا في التعجيل بتلك العملية. وفي الفترة الواقعة بين عامي ۱۹۹۷ و ۱۹۹۸ تم الإسراع بعرض مشروع القانون الجديد حول “العنف الأسرى” على البرلمان، وتحول إلى قانون في نوفمبر ۱۹۹۸.
لقد حظي قانون العنف الأسري بالترحيب لما عكسه من رؤية جديدة من نواحٍ عديدة. فقد تضمن تعريفًا شاملاً للعنف الأسري، مغطياً بذلك مختلف أنواع الإيذاء البدني،واللفظي، والمعنوي، والاقتصادي، والجنسي،والنفسي،والإضرار بالممتلكات، واقتحام مسكن الضحية – رجلاً كان أم امرأة – بدون موافقتها،والتهديد والمطاردة، أو أي سلوك إيذائي آخر، بما في ذلك التهديد بالإيذاء. كما يغطي التعريف أيضًا أي نوع من العلاقات القائمة في الواقع المحلي، بما في ذلك الأزواج في إطار القانون المدني أو القانون العرفى الأفريقى أو وفقًا للديانات المختلفة،وحالات الطلاق،وحالات الحياة المشتركة،وحالات العلاقات الجنسية المثلية، وأولياء أمور طفل، والأشخاص الذين تربطهم روابط الدم أو القرابة أو التبني،والعلاقات العاطفية، والعلاقات أثناء فترة الخطبة وأي علاقة جنسية بغض النظر عن مدتها، والأشخاص الذين يعيشون في نفس المسكن بغض النظر عن طبيعة العلاقة بينهم.
لم يعترف قانون العنف الأسري،مثله مثل سلفه،بالعنف الأسري كجريمة جنائية. لقد استبقى الإجراءات المدنية السريعة وغير المكلفة وغير المعقدة المتعلقة بالحصول على أمر تقييدي من محكمة الصلح. من جانب آخر فإن السلوك الايذائي الذي يعد جريمة جنائية، أي الاعتداء، أو الاغتصاب، أو إلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات، فما يزال معاقب عليه جنائياً. ومع ذلك، ففى ظل نفور الشرطة المعروف للتدخل في حالات العنف الأسري، يصبح الغرض من قانون العنف الأسري هو تيسير مقاضاة عدد أكبر من الجرائم المرتكبة في الإطار الأسري،وليس خلق مجموعة جديدة من الجرائم.
يحدد القانون بوضوح واجبات الشرطة ويزيد من سلطاتها وسلطات المحاكم في مصادرة الأسلحة النارية ومصاحبة الناجين من العنف عند جمع متعلقاتهم الشخصية، وإصدار الأوامر بشأن تقديم المعونات المالية العاجلة، وترتيب المسائل المتعلقة بالوصاية والأطفال الصغار. أي أن الشرطة مجبرة الآن بوضوح على حماية الناجيات من العنف وأطفالهن، ومساعدتهن على الحصول على مكان آمن،وعلى العلاج الطبي والمشورة، وتقديم النصح إليهن بشأن حقوقهن وعلاجهن. ويُعد عدم الوفاء بهذه الالتزامات نوعاً من أنواع التقصير المهني. لقد اتسعت سلطات الشرطة في إلقاء القبض بصورة محددة بوضوح. كما اتسعت سلطات القضاة لحماية ضحايا العنف الأسرى، بحيث أصبحت تشمل على سبيل المثال، سلطة إصدار أمر لمرتكب العنف بمغادرة المسكن المشترك، مع الاستمرار في دفع الإيجار أو الرهن العقاري. كما أصبحت إجراءات المحكمة تتم الآن في غرفة المشورة مع السماح لثلاثة من الأشخاص المؤيدين لكل من الضحية والجاني بالتواجد أثناء ذلك. ولكفالة اتساق الإجراءات المتعلقة بالقانون تم تحديد إجراءات الشرطة ولتقاضي في “تعليمات الشرطة الوطنية” و“دليل التقاضي“. وإدارة الشرطة مطالبة بتقديم تقرير كل ستة شهور إلى البرلمان يضم القضايا المتعلقة بعدم امتثال ضباط الشرطة – للتعليمات،والمواقف المتخذة ضد هؤلاء الضباط.
معوقات التنفيذ:
على الرغم مما يشوب قانون العنف الأسري من عيوب، فقد حظي بالترحيب بوجه عام باعتباره تحسيناً كبيرًا للتشريع السابق. ومع ذلك، سرعان ما فتر الحماس وبدأ الشعور بخيبة الأمل مع زيادة التأخير في التنفيذ. أولاً، كان على دائرة العدل صياغة لائحة القانون، بعدها تقوم إدارة الشرطة وهيئة القضاء بتحديد “تعليمات الشرطة الوطنية” و“دليل التقاضي” على الترتيب. وعندئذ فقط يمكن أن يبدأ تدريب القضاة، وأعضاء هيئة الشرطة ووكلاء النيابة، على تعقيدات العنف الأسري، وعلى القانون ذاته. وأخيراً، كان تطوير البنية الأساسية مطلوباً، على سبيل المثال الترتيبات اللازمة مع الهيئات الطبية والهيئات غير الحكومية التي تقدم خدماتها.
في حين يدرك الناشطون في قضايا النوع الاجتماعي والمنظمات التي توفر خدمات الدعم للنساء، وجود بعض القيود اللوجستية المشروعة، فقد ساد شعور عام ببطء خطوات التقدم دون داع. ويبدو أن الحكومة تفتقد استراتيجية للتنفيذ، كما لا توجد أطر زمنية واضحة. وعلاوة على ذلك، كان إقامة تعاون متعدد الجوانب – من خلال فريق عمل يضم ممثلي وزارات العدل، والأمان والأمن (ما يماثل وزارة الداخلية)،والرفاه (ما يماثل وزارة الشئون الاجتماعية)،والصحة والتعليم،وخدمات التصحيح،والهيئة الوطنية للنيابة العامة – عاملاً أساسياً من عوامل التأخير. فعمليات الإعداد الإداري من أجل التنفيذ لم تكن منسقة، ولم تحقق تقدماً بسرعة موازية.
كما يُعد غياب الميزانيات للعمل المشترك بين مختلف الوزارات،وداخل كل وزارة،عقبة إضافية. فقد سن البرلمان القانون الجديد دون اعتبار للآثار المالية المترتبة على ذلك. ولم يتم الانتباه لذلك الحسبان إلا أثناء صياغة الجوانب الإدارية للقانون وتعليمات الشرطة الوطنية،بعد أن تم بالفعل إقرار الميزانية الوطنية للسنوات الثلاث التالية. وحيث أن وزارة المالية لا تسمح بتخصيص أموال تطبيق أى قانون إلا بعد الموافقة عليه، فقد أسفر ذلك عن موقف عصيب بالنسبة للوزارات المسئولة (١٤)
كان هناك أيضًا قلق مشروع حول طول الفترة المطلوبة لتدريب منظومة كبيرة للعدل الجنائي على تعقيدات التشريع الجديد. وكانت الآثار الناجمة تمثل قلقاً خاصاً بالنسبة للشرطة، إذ كان إخفاق أفرادها في الوفاء بواجباتهم بموجب القانون الجديد يمكن أن يسفر عن مجازاتهم. وبعض هذه الواجبات كان يصعب الوفاء بها في سياق تخلف البنية الأساسية، وندرة الموارد، وغياب التعاون بين الوزارات، فضلاً عن سوء تنسيق مختلف المسئوليات الإدارية. على سبيل المثال واجب الشرطة في ضمان حصول أي مشتك على الاهتمام الطبي. لقد أصرت الشرطة على أن مسئولية النقل فى هذه الحالات تقع على عاتق إدارة سيارات الإسعاف. ووفقاً للشرطة، تسببت عدم استجابة وزارة الصحة في حدوث بعض التأخير، وفي نهاية المطاف كانت الشرطة مجبرة على أداء تلك المهمة بعدد محدود من السيارات. (١٥)
استشهدت الشرطة أيضًا باللوائح الحاكمة لجمع الممتلكات الشخصية بشأن الشكوى كمثال على غياب الوضوح الذي يمكن أن يؤثر تأثيراً عكسياً على الشرطة. ففي حين تلتزم الشرطة بمصاحبة المشتكي لجمع ممتلكاته الشخصية، لا تملك سلطة الدخول إلى المكان إن رفض المقيمون بالمسكن السماح للشرطة بالدخول. (١٤) كان رجال الشرطة يشعرون بأنهم معرضون للعقاب في ظل تلك الظروف، وكانوا يرغبون في حل هذه القضايا قبل إقرار اللوائح.
ورغم الشعور بإمكانية حل الكثير من هذه القضايا على نحو أيسر، فإن حل بعض المشاكل الأكثر تعقيداً كان يمكن أن يستغرق زمنًا طويلاً، ولا يمكن السماح بأن يعوق ذلك عملية تطبيق القانون وعليه فقد أوصى كثير من المنخرطين في الموضوع بما فيهم وزير العدل، بالإسراع في تطبيق القانون، مع حل المشكلات في نفس الوقت.(١٥)
تشير كلوجمان (Klugman) إلى أن تطوير السياسة هو “عملية تضم العديد من الروافد التي تتدفق في آن واحد، وليس فى شكل متتابع لتحديد المشكلة وتطوير الحل وتحديد السياسة“. ويُعتبر النشطاء السياسيون أو القائمون بأعمال المناصرة من العناصر الفاعلة في هذه العملية، إذ تكمن مهمتهم في خلق روابط بين تلك الروافد. ويمكن لهم – من خلال العمل مع وسائل الإعلام، وممارسة الضغط على الحكومة، والانخراط في التعبئة الاجتماعية – تحديد المشكلات والحلول،ووضعها داخل البرنامج السياسي. وتكمن أهداف النشطاء السياسيين في التعرف على جميع الأطراف المعنية وإشراكها، وتقوية قدرة مؤيدي أهداف سياستهم، وتحديد الاستراتيجيات التعامل مع القضايا التي تشغل بال الساسة والموظفين الحكوميين.
التصدى للعنف ضد النساء عبر المسلسلات الدرامية
“مؤسسة مدينة سول للاتصالات من أجل الصحة والتنمية منظمة غير حكومية توظف تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية من أجل إحداث التغيير الاجتماعي. تتبنى المؤسسة منهج إدماج التعليم والقضايا الاجتماعية من خلال شكل ترفيهي والمعروف باسم “تعليم ر ط ترفيه“. قامت المؤسسة بتطوير مجموعتين من المواد الأولى،موجهة للجمهور العام، والثانية مخصصة للأطفال. تتكون كل مجموعة من مسلسلات تلفزيونية وإذاعية تصاحبها كتيبات للمعلومات يتم توزيعها في كافة أنحاء البلد من خلال مختلف القنوات، بما في ذلك الصحف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية،ومنظمات المجتمع المحلي،والمدارس. يستخدم المشروع ما يعرف بأسلوب “تعليم – ترفيه“، إى إدماج التعليم والقضايا الاجتماعية في المواد الترفيهية الجماهيرية. وعبر تأثير الدراما الجيدة ر ط التى تقدم فى ساعات الذروة – تُمكن المشروع من الوصول إلى الملايين في جنوب أفريقيا. كما توفر الدراما أيضًا آلية قوية لإدماج مختلف تلك القضايا في برنامج العمل الوطني، واستثارة المناقشات وبث المعلومات، وتغيير الأعراف الاجتماعية. تتركز المسلسلات الدرامية حول شخصيات تعمل في عيادة بإحدى المجتمعات المحلية في مدينة سول،وهي مدينة خيالية في جنوب أفريقيا. وقد أوضحت البحوث المستقلة وجود مستوى مرتفع من التماهى مع شخصيات مدينة سول. ومثل المسلسلات الأخرى الشهيرة التى تدور حول “المستشفيات“، يجذب مسلسل “مدينة سول” انتباه الجمهور، وأصبح اسمًا معروفًا بين الأسر في جنوب أفريقيا. يتناول الجزء الرابع من المسلسل الدرامي “مدينة سول” قضية العنف ضد المرأة،بوجه خاص. وفيه يقوم زوج إحدى الشخصيات المحبوبة – ماتلاكالا – بإيذائها عاطفياً وبدنياً مما يؤثر بشكل شديد على صحة وسواء ماتلا كالا وأطفالهما. يرى الجمهور ماتلاكالا – التي كانت ذات يوم شخصية واثقة من نفسها – تمر بحالة اكتئاب نتيجة وقوعها تحت ضغوط عائلية متزايدة من أجل “إنجاح زواجها” وتقبل “نصيبها كامرأة“. وبدعم من الأصدقاء والزملاء في العيادة، ومن خلال خط المساعدة الوطني تعرف ماتلاكالا الكثير عن القانون الجديد للعنف الأسري. وتبدأ في رحلة إنقاذ حياتها والتحرر من العنف. أما زوجها، وهو مدرس يحظى باحترام كبير في المجتمع المحلي،فيخوض أيضًا رحلة الاختبار الذاتي عندما تبدأ حياته في الانهيار. وفي محاولة لتغيير الأعراف الاجتماعية التي تعتبر العنف الأسري شأناً خاصاً، يصف المسلسل أيضًا رحلة المجتمع المحلي من “الصمت المتبلد” تجاه العنف إلى المعارضة النشطة. ترتكز القصة على بحث موسع أجرته “مؤسسة مدينة سول” من أجل تحديد التصورات العامة في جنوب أفريقيا بشأن أسباب العنف الأسري، وتأثيره والحلول المناسبة له. ويجري حالياً (وقت صدور المقال عام (۲۰۰۰) إعداد تقييم للمسلسل. |
ويحاول النشطاء تأمين إمكانية تنفيذ الحلول، ووجود موارد كافية، سواء مالية أو بشرية، بالإضافة إلى الرغبة في التغيير. (١٦)
تطوير حملة للمناصرة:
شن “معهد مدينة سول للاتصالات من أجل الصحة والتنمية” في عام ۱۹۹۹، بالاشتراك مع “الشبكة الوطنية حول العنف ضد المرأة“، حملة مناصرة للتعجيل بتنفيذ قانون العنف الأسرى. وقد أوضحت هذه الحملة دلالة الدور الذي يمكن أن يضطلع به الأنصار من أجل تطوير السياسة وتنفيذها. معهد مدينة سول للاتصالات من أجل الصحة والتنمية منظمة غير حكومية تقوم بإنتاج مسلسلات تلفزيونية وإذاعية تذاع في فترات البث الرئيسية، فضلاً عن إنتاج مواد أساسية لدفع عملية التغيير الاجتماعي والصحة والتنمية. أما “الشبكة الوطنية حول العنف ضد المرأة“، فهي تحالف ضخم يضم ما يزيد عن ٦٠٠ عضواً من النشطاء الجماهيريين ومنظمات الخدمات في كل من الدوائر الريفية والحضرية. أنتجت منظمة مدينة سول مسلسلات تلفزيونية وإذاعية في منتصف ۱۹۹۹، تناولت قضية العنف الأسري: وبرز قانون العنف الأسري في مادة المشروع كلها. وعلاوة على ذلك، قامت المنظمتان بإنشاء خط تليفوني بهدف تقديم الاستشارات والنصح الفوريين،ورفع الوعي بحقوق النساء، بما في ذلك تقديم معلومات حول القانون الجديد. وتقدم هذه الخدمة بدون مقابل على مدى ساعات اليوم ( ٢٤ ساعة) وقد جري تنظيم ورش عمل للتدريب على أعمال المناصرة، وحول التخطيط الاستراتيجي لبناء القدرات وصياغة الاستراتيجية اللازمة لشن حملة وطنية. تسير الحملة بالتوازي مع فترة إذاعة منظمة مدينة سول، ويمكنها أن تستفيد من الإعلام المكثف المقترن ببث معهد مدينة سول للمسلسلات التلفزيونية والإذاعية في فترة الذروة لضمان التغطية الجيدة. كان هدف الحملة هو ضمان سرعة وفاعلية تنفيذ قانون العنف الأسرى، ومطالبة الحكومة ب:
-
تنفيذ قانون العنف الأسرى في موعد لا يتجاوز أول نوفمبر ۱۹۹۹ :
-
تحديد استراتيجية واضحة للتنفيذ والإعلان عنها ؛
-
تخصيص الموارد المطلوبة للتنفيذ ؛
-
تطوير وتنفيذ نسق للمراقبة والتسجيل بغية تقصي مدى الفعالية، وتحديد نقاط الضعف والفجوات ومواجهتهما ؛
-
تحسين إمكانيات تحقيق العدالة، وخاصة بالنسبة للنساء المهمشات في المناطق الريفية والنساء المعوقات، كما ورد فى خطط الحكومة.
تستهدف الحملة بشكل أساسي وزراء العدل، والأمان والأمن،على الصعيد الوطنى وفي المحافظات، بالإضافة إلى مختلف الإدارات التابعة لهم، وخاصة أعضاء فريق العمل بين – الحكومي لتنفيذ قانون العنف الأسرى“. لكن الحملة استهدفت أيضًا الجماهير العريضة بهدف تعبئة موجة واسعة من الدعم الجماهيري لتنفيذ القانون،عبر ممارسة الضغط على الحكومة الوطنية لاتخاذ موقف،وتقديم طلبات الحملة إلى الوزراء بالأقاليم مباشرة، ومساءلة الجمهور للمسئولين المنتخبين. وفي هذا السياق، تم استخدام ثلاث أدوات أساسية من أدوات أعمال المناصرة:
جماعات الضغط، ووسائل الإعلام،والتعبئة الاجتماعية. وقد كان استخدام هذه الأدوات مجتمعة يعزز كل أداة منها.
كما أن الحملة تساعد أيضًا على زيادة الوعي بالقانون الجديد: ومشاركة المجتمعات المحلية في تطوير حلول محلية لمشكلات التنفيذ وللعنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل عام؛ وعلى أن تبرهن للحكومة أن الحملة تتمتع بدعم شعبي، وهو ما يساعد على جعل المسئولين ملتزمين أمام من انتخبوهم. وقد لعبت التغطية الإعلامية دورًا شديد الأهمية في زيادة اهتمام العاملين في قسم الأخبار بقضية العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفى الحصول على مزيد من الدعم الجماهيري، والوصول إلى صناع القرار.
– اشتملت جهود جماعات الضغط على ما يلي :
-
استخدام المقابلات الشخصية، والمكالمات التليفونية،والرسائل عبر الفاكس والبريد الإلكتروني للضغط على مسئولي الحكومة، وفريق العمل من أجل التنفيذ؛
-
تقديم مداخلات في برلمانات الأقاليم، حيث يطرح الأنصار أسئلة مباشرة أمام الوزراء على مستوى الإقليم؛
-
استخدام الخطابات، ورسائل الفاكس، والمكالمات التليفونية الموجهة إلى اللجنة الوزارية للعدل المسئولة عن تقديم اللوائح إلى البرلمان، وللمطالبة بتقديم معلومات حول مدى التقدم المتحقق في إنجاز هذه اللوائح؛
-
تقديم عرائض إلى البرلمان حول مضمون اللوائح. لقد تم عمل ملف إعلامى للصحفيين، كما تم توزيعه على العاملين فى أقسام الإخبار في كافة أنحاء البلاد،فضلاً عن إرسالها إلى رؤساء التحرير من خلال منتدى جنوب أفريقيا الوطني للمحررين،بموافقة من رئيس المنتدى. وقد شكلت المعلومات المتعلقة بقانون العنف الأسرى جزءًا من هذا الملف. وقد تم الإعلان عن هذا الملف أثناء الحملة، وألقى وزير الأمان والأمن خطابًا بهذا الصدد. وقد عُقدت ورشة عمل للصحفيين لتعريفهم بالقضايا التي غطاها الملف الإعلامي. وشملت أعمال المناصرة الإعلامية الأخرى إصدار بيانات صحفية وإعلانات مباشرة للصحفيين لتغطية الحملة في التلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام المطبوع، فضلاً عن إجراء مقابلات مع الممثلين المشهورين بمعهد مدينة سول بغية جذب انتباه وسائل الإعلام.
وفي إطار التعبئة الاجتماعية تم إنتاج وتوزيع كتيبات،وبطاقات بريدية في كافة الهياكل المجتمعية المحلية للشبكة الوطنية حول العنف ضد المرأة. وقد قام أعضاء الشبكة بتنظيم لقاءات بالمجتمعات المحلية، وحملات ومسيرات. وكثيرًا ما تمت دعوة الوزراء وأعضاء فريق العمل الحكومى للحديث فى تلك اللقاءات، والتي قدمت فيها مطالب الحملة، ووجه أعضاء المجتمع المحلي أسئلة حول أسباب تأخير تطبيق القانون. كما حضر كثير من الممثلين المشهورين في معهد مدينة سول العديد من التجمعات بهدف اجتذاب الإعلام والجمهور العريض. وعلاوة على ذلك، نظمت برلمانات المحافظات جلسات استماع خاصة، حيث حصل أعضاء المجتمع المحلي على فرصة توجيه أسئلة لوزراء المحافظات. وقد أسفرت هذه العملية عن توليد التغطية الإعلامية اللازمة.
كان تأثير الحملة واضحاً أثناء الاجتماعات التي أُجريت بهدف الضغط على مسئولي الحكومة وفريق العمل المعني بتنفيذ القانون. وأخذ يبرز من داخل صفوف الحكومة إحساس متعاظم بضرورة الإسراع من أجل دفع العملية إلى الأمام. وقد أعربت الحكومة عن قلقها بشأن المسيرات التي ارتبطت بالحملة، علاوة على تزايد الضغط الجماهيري لتنفيذ قانون العنف الأسرى. كما لاحظت الدوائر الحكومية أيضًا تزايد اهتمام الإعلام بتحقيق تقدم في قانون العنف الأسرى، ودأب الصحفيون على الاتصال بتلك الدوائر. وعلاوة على ذلك، أفاد مسئولو الحكومة بأنهم أجابوا على عديد من الاستفسارات والتساؤلات التي طرحها الجمهور حول أسباب عدم تنفيذ القانون. (١٥)
بدأت آلية الاتصالات الحكومية في الاستجابة لاهتمام الإعلام بالوضع السلبي القائم، فوعدت الحكومة بالإسراع في عملية التنفيذ وناشدت الجمهور الصبر. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الحملة أضافت إلى الإحباط – الذي يشعر به الموظفون فقد اعتبرها كثيرون من مسئولي الحكومة ضرورية، وشجعوا أنصار الحملة – خارج الاجتماعات الحكومية – للاستمرار في ممارسة الضغوط.
ورغم تصريح المسئولين بهيئة الشرطة في جنوب أفريقيا بأن الحملة لم تؤثر عليهم، لأنهم كانوا غير قادرين على التحرك حتى يحصلون على تعليمات من وزارة العدل إلا أن هناك إحساس بأن الحملة ساعدت على تحركهم بشكل أسرع لتطوير “التعليمات الوطنية” والبدء في التدريب. أيضًا كانت التغطية الإعلامية تلقى باللوم على كاهل الشرطة بدرجة كبيرة. لذا فقد مارست هيئة شرطة جنوب أفريقيا ضغوطاً على إدارة العدل للإسراع في صياغة اللوائح.
كانت الضغوط محسوسة أيضًا على المستويين الوزاري والإداري، من قبل عناصر مختلفة. فقد مارس الوزراء ولجنة العدل الوزارية في البرلمان ضغوطاً على مختلف الإدارات للتحرك بسرعة أكبر نحو التنفيذ، ووقعوا هم أنفسهم لضغوط أيضًا داخل البرلمان والحكومة من جانب المدافعين عن المساواة بين الجنسين. علاوة على ذلك، مارس عدد قليل من منظمات المجتمع المدني ضغوطاً رغم أن عملهم تم بشكل مستقل عن الحملة.
ونتيجة لجهود هذه القوى مجتمعة، أُعلن عن بدء تنفيذ قانون العنف الأسري يوم ١٥ ديسمبر ١٩٩٩، أي بعد تنفيذ صدوره بأكثر من عام. قام شركاء الحملة بتوزيع ورود بيضاء ( يرمز اللون الأبيض إلى عدم العنف ضد النساء)،كما أرسلوا بطاقات لتهنئة الحكومة. وفي العام التالي كانت المنظمات تراقب التنفيذ عن كثب. وقد ظهرت تقارير متفاوتة فيما يتعلق بنوعية التنفيذ، مؤكدة على الحاجة إلى استمرار أعمال المناصرة في هذا الصدد. على سبيل المثال، كان هناك احتياج، لتحديد استراتيجية أكثر فعالية للتدريب، حيث لم يتدرب بالفعل سوى عدد قليل نسبياً من مسئولي العدل والشرطة. وكان المفترض أن يقوم مسئولو الشرطة بتدريب زملائهم، لكنهم لم يمتلكوا مهارات التدريب اللازمة لذلك. ويبدو أن التدريب شمل عدداً قليلاً نسبياً من القضاة،ووكلاء النيابة،وموظفي المحكمة،والممرضات،والأطباء،والباحثين الاجتماعيين، وهو الأمر الذي تسببت تبعاته في معاناة الناجين من العنف الأسري. وقد كان عدم وجود ميزانية للتدريب يُقدم كتفسير لمحدودية التدريب.
على الرغم من عدم تقييم حجم المشكلات بعد،نقدم فيما يلي أمثلة للتقارير التي ظهرت. واصل ضباط الشرطة رفضهم التدخل في حالات العنف الأسري، وحتى إذا ما استلمت الشرطة تقريراً حول العنف الأسري، فقد لا يلى ذلك تطبيق إجراءات قانون العنف الأسري. هناك حالات عديدة لنساء أبلغن عن حالات العنف الأسري، وتم ردهن دون حماية، ودون أن تشرح لهن الحقوق التي يكفلها لهن القانون. أما الجناة، فقد تم الإفراج عنهم والاكتفاء بتحذيرهم: وعلاوة على ذلك، لا يتم في كل الأحوال اتخاذ موقف بشأن الشكاوى المتعلقة بانتهاك أوامر الحماية. كما أن إخطارات المعلومات واستمارات تقديم الطلبات عادة ما تكون متاحة باللغتين الإنجليزية والأفريقانية فقط،وهما من لغات الأقلية وغير متاحة باللغات التسع الرسمية الأخرى التي يتحدث بها غالبية سكان جنوب أفريقيا. أما الموظفون المثقلون بالعمل فى المحكمة فنادرًا ما يشرحون للضحايا حقوقهم، أو يساعدونهم في استكمال استمارات الطلبات المعقدة. والمنظمات غير الحكومية التي تمنح هذا النوع من الدعم تتركز بدرجة كبيرة في المدن الكبرى ونادراً ما تعمل في المناطق الريفية.
هناك أيضًا تقارير بشأن الموظفين الذين يبلغون بعض الضحايا بأنهم ليسوا مؤهلين للحماية،على سبيل المثال حيثما لا تعيش الأطراف المعنية معاً أو حيثما لا يحدث الإيذاء – رغم أنه داخل الأسرة – بين الأشخاص الذين تربطهم علاقة حميمة. كما يصدر الموظفون أحياناً أوامر الأمن الأقل فعالية حيث تقتصر على تحذير بعدم التعرض لأمن شخص ما، وغرامة اسمية في حالة المخالفة – وخاصة عندما لا يتضمن الإيذاء– أو يتضمن قدرًا محدودًا من – العنف البدني: ونتيجة لذلك لا يُقدم جزء كبير من طلبات أوامر الحماية أمام قاضي الصلح لدراستها. وبالمثل، لا يصل جزء كبير من الشكاوى الخاصة بانتهاكات أوامر الحماية إلى المحكمة.
ويعوق تنفيذ القانون على نحو فعال عدم توفر غرف الانتظار وغرف المشورة الخاصة في مراكز الشرطة والمحاكم، فضلاً عن عدم كفاية أعداد العاملين، ووسائل الموصلات، والأماكن الآمنة، واستمارات تقديم الطلبات الخ… فالمحكمة الواحدة لا تصدر أكثر من ٥٠ طلباً في اليوم بسبب محدودية الموارد وما يزيد عن هذا العدد،يطلب منهم أن يعودوا في اليوم التالي.
وأخيراً، وعلى الرغم من وجود فريق من القطاعات المختلفة على المستوى الوطنى لتنفيذ القانون، نادراً ما توجد استجابة بين القطاعات على مستوى مراكز الشرطة والمحاكم. ولا يوجد لدى وزاراتى الرفاه والصحة استراتيجية لتنفيذ القانون،كما يبدو أنها لا تنخرط في عملية التنفيذ اليومي. ونتيجة لذلك، عادة ما يتم إحالة الضحايا من مكان لآخر قبل حصولهم على المساعدة،وهو الأمر الذي يسهم في تكوين خبرة سلبية عن منظومة العدالة. وتواجه جهود المنظمات غير الحكومية للمشاركة في العملية مقاومة مستمرة، ما عدا تلك الجهود المتعلقة بتقديم الخدمات. بالإضافة إلى أن أى توصيات تقدمها تلك المنظمات إلى مختلف مراكز الشرطة والمحاكم حول إمكانية تحسين تعاملهم مع الضحايا، عادة ما تقابل بالامتعاض، وهو ما يؤدى إلى إحباط هذه المنظمات.
اعمال المناصرة البناءة:
لعب النشطاء المنخرطون في الحملة دوراً جوهرياً بدءاً من تحديد المشكلة إلى تطوير الحلول والضغط من أجل تطوير وتنفيذ وتحسين السياسة. (١٦) و يمكن القول بأن تضافر العديد من العوامل أسهم في النجاحات التي حققتها الحملة حتى يومنا هذا: برنامج التغيير في جنوب أفريقيا، والمنهج البناء الذي يتبناه أنصار الحملة،ومصداقية الشركاء وقدراتهم مجتمعة للحشد والتعبئة على مستوى القواعد الشعبية والمستوى الحكومي، وعلى توليد تغطية إعلامية عالية المستوى.
كان المنهج الذي اتبعته حملة قانون العنف الأسري بناءً وغير عدائي. فعلى الرغم من طرح الحملة لمطالبها بصرامة ووضوح، فقد بذلت كل محاولة ممكنة لمساعدة الحكومة على مواجهة القيود المشروعة وتسهيل عملية التنفيذ. وقد تضمنت تلك المحاولات مساعدة الحكومة على إمداد الجمهور بالمعلومات اللازمة حول القانون وأهدافه. وتميزت بشكل خاص قدرات كل من منظمة مدينة سول والشبكة الوطنية للوصول إلى جمهور جنوب أفريقيا، وخاصة الجماعات المهمشة مثل سكان الريف. كما استفادت أيضًا الشرطة وإدارات العدل في دوراتها التدريبية من المادة الفيلمية بفيديو منظمة مدينة سول.
لقد قامت أيضًا إدارة التنمية الدولية البريطانية التي مولت العمل المشترك بين منظمة مدينة سول والشبكة الوطنية، بتخصيص تمويل لوزارة الأمان والأمن لاستخدامه في عمليات التدريب في ظل غياب التخطيط المالي داخل الحكومة لهذا الغرض. وقد لعب الشركاء في الحملة دورًا في تسهيل حصول الحكومة على هذا التمويل وهو ما ساعد على إحدى المعوقات الكبرى أمام تطبيق القانون.
تعزيز مختلف القوى لدى شركاء التحالف:
لقد نجحت كل من الشبكة الوطنية ومنظمة مدينة سول في توحيد الجهود من أجل الارتقاء ببرنامج الحملة، ملقية الضوء على قيمة بناء التحالف في حملات المناصرة. فقد تمكن مشروع مدينة سول من ترسيخ وجوده عبر السنين كصوت له مصداقيته في جنوب أفريقيا في مجالي الصحة والتنمية،ووصل برنامجه إلى الملايين في جنوب أفريقيا. كما نجحت الشبكة الوطنية بدورها في التعبير عن أصوات دوائرها الشعبية الكبيرة، فضلاً عن تقوية روابطها البنيوية مع الإدارات الحكومية الأساسية.
علاوة على ذلك، كان لمصداقية المنظمتين،على الصعيدين الجماهيري والحكومي، دور أساسي أيضًا خلال عملية ممارسة الضغط. إن سمعة منظمة مدينة سول في الإعلام باعتبارها مصدراً ذي مصداقية للمعلومات والعلاقات الجيدة التي بنتها عبر السنوات مع الصحفيين الذين يغطون قضايا الصحة والتنمية، قد ساعدت على توليد تغطية إعلامية واسعة. كما تمكنت من إنشاء شراكة ذات طابع رسمي مع كل من الإعلام المطبوع والإلكتروني،وخصصت تلك الدوائر الإعلامية صحفيين لمتابعة أخبار منظمة مدينة سول وشجعتهم على تغطية القضايا التي تثيرها تلك المنظمة كجزء من التزامها بالتنمية الاجتماعية. لقد قام هيكل عضوية الشبكة الوطنية، الذي يرتكز على جمهور المجتمع المحلي،بدور أساسي في مجال تيسير التعبئة الاجتماعية كإحدى مكونات الحملة. وقد أثبت الدعم الجماهيري من جانب القواعد الشعبية نجاحاً كبيراً في الضغط على الساسة وجعلهم عرضة للمساءلة أمام دوائرهم. كما تمكنت الجماهير الغفيرة التي شاركت في عمليات الاحتجاج من جذب انتباه الإعلام لتوليد تغطية صحفية دالة. كما أدت التعبئة الاجتماعية أيضًا إلى تيسير القيام بمزيد من الأنشطة المتواصلة حول العنف المرتكز على النوع الاجتماعي داخل بعض المجتمعات المحلية،حيث انتُخبت فرق العمل على مستوى المجتمعات المحلية لضمان استمرار العمل على المستوى المحلي وإيجاد حلول محلية للمشكلات.
لقد تصدت فترة الانتقال من نظام الفصل العنصري إلى الديمقراطية في جنوب أفريقيا لكل أوجه القمع السائد،بدءاً من العنصر والطبقة إلى النوع الاجتماعي. وقد طرحت قضية المساواة بين الجنسين بحزم في برنامج التغيير وأسفرت عن دستور جنوب أفريقيا وقانون الحقوق اللذان ينظر إليهما بتقدير كبير، نظراً لأنهما يحميان حق المرأة في التحرر من العنف في كل من “مجالي الحياة العامة والخاصة“. وفي مناخ ينظر فيه إلى العنف الأسري كشأن خاص،مع رفض ما يسمى بالتدخل الخارجي، لا يمكن البخس من تقدير دلالة هذا البند. لقد أقرت الدولة بواجبها في التدخل النشط لحماية المرأة من العنف الأسري، بتصديق جنوب أفريقيا على معاهدات دولية مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تعتبر العنف القائم على النوع الاجتماعي انتهاكاً لحقوق الإنسان. لقد كانت أول حكومة ديمقراطية في جنوب أفريقيا مطالبة بتقديم رؤيتها حول “جنوب أفريقيا ديموقراطية،غير عنصرية، وغير متعصبة جنسياً“. وهو الأمر الذي ساعد على خلق مناخ موات للحملة. ورغم أن السنوات الأولى من الحُكم شهدت تشكيل هياكل شاملة قائمة على النوع الاجتماعي، كانت النتائج الملموسة أقل وضوحاً. لقد نفذ صبر شعب جنوب أفريقيا من جراء عدم تنفيذ تلك السياسات والتشريعات الممتازة. ووجدت الحملة صدى لها في ظل وجود هذا الإحباط العام.
معوقات مشاركة المنظمات غير الحكومية في التنفيذ:
على الرغم من أن الحملة حققت هدفها الأساسي،فإن العديد من المحاولات التي بذلتها منظمات المجتمع المدني للتأثير على محتوى تعليمات الشرطة الوطنية،والدليل القضائي، وتدريب الشرطة ومسئولي العدل، كانت أقل نجاحاً. وبالإضافة إلى ذلك، لم تطرح الحكومة بعد استراتيجية وميزانية واضحتين للتنفيذ.
ومع معرفة الدور الذي لعبته المنظمات غير الحكومية – من خلال تعاملها مع الضحايا / الناجين من العنف الأسري، ومع منظومة العدل في ممارسة الضغط من أجل إلغاء قانون عام ۱۹۹۳ وصياغة التشريع الجديد،فإن استبعادهم من عملية التنفيذ كان مثيراً للسخرية. فقد كان من الممكن أن تسهم خبرتهم العملية الواسعة كثيراً في العملية برمتها. وبدلاً من ذلك فقد تم قصر مشاركة منظمات مثل “مركز تشوار انانج للمناصرة القانونية“. ومركز أزمة الاغتصاب وقانون المجتمع المحلي” بجامعة كيب الغربية،على التعليق على مسودة مشروع قانون العنف الأسري. ومع الأسف لم يُنفذ عدد كبير من التوصيات التي أصدرتها تلك المنظمات خلال المداخلات الشاملة التي تقدموا بها؛ مما أضر بعملية تنفيذ التشريع الجديد بفاعلية. لقد ظلت تعاليم الشرطة الوطنية سرية، حتى تم الإعلان عنها في الجريدة الحكومية: كما حُرمت المنظمات غير الحكومية من فرصة التعليق عليها ومناقشتها قبل صدورها. وعلاوة على ذلك، ظلت المعلومات المتعلقة بمعوقات التنفيذ السريع محصورة في نطاق مجموعة العمل الخاصة بالتنفيذ،على الرغم من العروض التي اقترحتها المنظمات غير الحكومية لتقديم يد المساعدة.
ضرورة استمرار اعمال المناصرة:
على الرغم من أن ورش العمل والتدريب المتواصلين لرجال الشرطة تناولت كثيرًا من الإشكاليات المتعلقة بتنفيذ القانون، فقد أمكن، مع توالى التقارير – سواء الإيجابية أو السلبية – تحديد عدد من مجالات استمرار أعمال المناصرة. وتضم هذه المجالات زيادة التعاون بين مختلف القطاعات لتأمين قدرة الشرطة والقضاء والقطاع الصحي على الاستجابة بفاعلية أكبر للعنف الأسري. ومن الضروري أن يتجاوز هذا التعاون الدوائر الحكومية ليشمل تعزيز التواصل مع المنظمات التي تقدم الخدمات للنساء اللاتي تعرضن للإيذاء. كما أن المتابعة المستمرة ضرورية أيضًا من أجل تحديد المشكلات واختيار حلول بعينها.
من الضروري أن تدعم مختلف الأجهزة الحكومة،والعكس صحيح. كما يجدر أن تواجه وزارة الرفاه مشكلة عدم وجود أماكن آمنة يمكن إحالة الناجين إليها،بتمويل من الحكومة،والقطاع الخاص،والهيئات المانحة. ويجدر أيضًا استكشاف طرق خلاقة لتلبية تلك الاحتياجات من خلال تعبئة الموارد الحالية بالمجتمع المحلي.
ومن الأهمية بمكان استمرار تحديد مخصصات بالميزانية بغية تيسير فعالية تنفيذ القانون وأي إجراءات أخرى يتم تبينها لمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي. هناك ضرورة أيضًا لمواصلة أعمال المناصرة من أجل توضيح جوانب القانون الجديد ذاته، وربما تعديل البعض منها. وقد أفاد ضباط الشرطة أنهم يجدون الحدود الفاصلة بين العمليتين المدنية والجنائية في قانون العنف الأسري مشوشة، ونادراً ما يقبلون تقريراً عن جريمة يوجد فيها لدى الضحية / الناجي أمر حماية. تتضمن جوانب الضعف الأخرى في القانون غياب الإجراءات الجنائية الواضحة في حالة انتهاك المعتدى لأمر الحماية: وغياب تعريف حول ما يشكل المتعلقات “الشخصية“، وعدم وضوح دور الشرطة عندما ينشأ النزاع حول ملكية المتعلقات،بالإضافة إلى إمكانية أن تلغي محكمة أدنى قرار حبس صادر عن محكمة عليا في إطار عملية منح أمر الحماية.
ومن بين أوجه القصور البادية في القانون أن لغة بعض فقراته تتسم بعدم التحدد،مما يتيح إمكانية التهرب من تنفيذها. على سبيل المثال، تحتاج الشرطة إلى التقيد بالتزاماتها حيثما يكون ذلك “معقولاً وممكناً من الناحية العملية” فقط. أن هذه اللغة لا تفتح المجال فحسب أمام مساحة من عدم التقيد بالالتزامات، لكنها تجعل أيضًا من ملاحقة عدم الالتزام أمراً مستحيلاً عملياً. أيضًا لم تحدد بوضوح الإجراءات المطلوبة بشأن تقديم شكاوى ضد ضباط الشرطة اللذين لا يلتزمون بالتعليمات. كما أن الشرطة لها سلطات واسعة في الاعتقال، حتى مع صدور أمر الحماية. فبموجب بنود القانون يمكن لضابط الشرطة أن يلقي القبض على أحد الجناة فقط “إذا رأى للضابط المعني أن هناك أسسًا معقولة للاشتباه في أن المشتكي قد يعاني من ضرر كبير كنتيجة لانتهاك المشتكى منه الأمر الحماية“. لقد أصبح واضحاً أن إمكانية تعرض الناجين للعنف الأسري لا تنخفض على الرغم من القانون الجديد، مادامت سلطات الاعتقال ذاتية، ومادام سلوك كثير من ضباط الشرطة يجنح لعدم التدخل.
قانون العنف الأسري ليس سوى أحد الأدوات الهامة للقضاء على العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي. ويظل التدريب المستمر للعاملين في الشرطة والقضاء والنيابة في موضوعات النوع الاجتماعي أيضًا جوهرياً. وهناك ضرورة لإيلاء مزيد من الانتباه نحو اعمال المناصرة داخل قطاع الصحة، وهو القطاع المثالي للكشف عن العنف الأسري، ومعالجة الإصابات واعتلال الصحة على نحو مناسب، إحالة النساء والأطفال لتلقي المساعدة. وهناك احتياج لصياغة بروتوكولات لاكتشاف والتعامل مع حالات العنف الأسري ونشرها على المستوى الوطني. كما يجب أن تتناول المناهج الدراسية أيضًا قضية عدم المساواة بين الجنسين وما يرتبط بها من عنف. وتُعد قضية إصدار تشريع أوسع حول عدم العنف والسيطرة عليه من المجالات المهمة لأعمال المناصرة. وهناك ضرورة لتكثيف الخدمات في المناطق ذات الموارد الفقيرة، وخاصة المواقع الريفية.
تلقى خبرة جنوب أفريقيا مع قانون العنف الأسري الضوء على عدد من الاعتبارات المهمة بالنسبة للقائمين على أعمال المناصرة. ففي حين تركز جهود المناصرة عادة على تطوير السياسة والتشريع، تشير هذه الحملة إلى ضرورة توسيع جهود المناصرة إلى ما يتجاوز تطوير السياسة والتشريع بغية ضمان الرقابة والتنفيذ، إذ بدونهما سيتضاءل الأثر العملي للتشريع.
وتوضح خبرتنا قيمة أعمال المناصرة كأداة قوية للتغيير الاجتماعي والتعبير عن صوت المجتمع المدني ووضع المؤسسات الحكومية موضع المساءلة إزاء الوعود الانتخابية والدستورية على المستويين القطري والدولي،ومن أجل النهوض بحقوق المرأة وحمايتها.
للمراسلة:
Shereen Usdin, Soul City Institute for Health and Development Communication, Johannesburg, South Africa. Fax: 27-11-728,7442. e.mail: shereenu@soulcity. Org, za
* نوفمبر 2000، ص 55.
1) كتب هذا التقرير بعد مرور حوالي عام على بدء تنفيذ القانون ( المراجعة )
1- Jewkes R, Penn-Kekana L et al, 1999. “He must give me money, he mustn’t beat me”: violence
against women in three South African Provinces. CERSA, Medical Research Council, Cape Town.
2 – Abrahams N, Jewkes R, Laubsher R, 1999. “I don’t Believe in democracy in the home”; Men’s
relationship with and abuse of women. CERSA (Women’s Health), Medical Research Council, Cape Town.
3- Heise L, Ellsberg M, Gottemoeller M, 1999, Ending Violence Against Women. Population Reports,
Series L, No. 11.
4- Berrios DC, Grady D, 1991. Domestic Violence: risk factors and outcomes. Western Journal of
Medicine. 155:133-35.
5- Heise L, Moore K, Toubia N, 1995. Sexual coercion and women’s reproductíve health : a focus on
research. Population Council, New York.
6- Campbell JC, Poland ML, Waller JB et al, 1992. Correlates of battering during pregnancy. Research
in Nursing and Health. 15: 219-26.
7- Bullock L, McFarlane J, 1989. The birthweight/battering connection. American Journal of Nursing.
89:1153-55.
8- Department of Health, 1996. Sixth national HIV survey of women attending antenatal clinics of the
public health services in the Republic of South Africa. Epidemiologicalcomments. 23(1): 3-17.
9- Piot P, 1999. HIV/AIDS and violence against women. Presented at Panel on Women and Health,
United Nations Commission on the Status of Women.43rd Session, New York City.
10- Gevisser M, 1990. Women’s fight against that invisible little virus. Weekly Mail (South Africa).
11- Maher J, Peterson J, Hastings Ket al, 1998. Partner violence and women’s decision to have an HIV
test. Proceedings of the 12th International Con ference on AIDS, Geneva.
12- Rothenberg K H, Paskey SJ, Reuland MM et al, 1995. Domestic violence and partner notification
implications for treatment and counselling of women with HIV. Journal of American Medical Women’e
Association. 50(3/4): 87-93.
13- Wood K, Maforah F, Jewkes R,1998. “He forced me to love him”: putting violence on the adoleseem.
sexual health agenda. Social Science and Medicine. 47:233-42.
14- Soul City Evaluation Report, 2000. Personal communication with Department of Justice. Soul o
Johannesburg. (unpublished).
15- Christofides N, 2000. Evaluation of the Soul City/NNVAW partnerships. Women’s Health P..
Johannesburg. (unpublished).
16- Klugman B, 1998. Empowering women through the policy process: the making of health policy in South Africaa. In : Presser H, Sen G (eds). Conference Papers from the Seminar on Female Empowerment
and Demnographic Processes: Moving Beyond Cairo. IUSSP Committee on Gender and Population/ Oxford University Press.