المعلمة وردة وحقوق المرأة
عرض في رمضان الماضى مسلسل الباطنية الذي يحمل نفس قصة فيلم الباطنية الذي قدم في أوئل الثمانينيات من القرن الماضي، المهم في الموضوع أن في أحد مشاهد المسلسل كانت المعلمة وردة (غادة عبد الرازق) تجلس بصحبة المحامي (محمد عبد الجواد) وشقيقها (محمد عبد الحافظ) فسألها المحامي عن تصرفها إذا علم زوجها بتجارتها للمخدرات فهددت بإهانة زوجها وطرده من المنزل إن تجرأ وتصدى لها، فما كان من المحامي إلا أن هلل صائحا: إنت المفروض بتوع حقوق المرأة يعملولك تمثال يكتبوا تحته المرأة المثالية.
ذلك هو النموذج المعاد والمكرر الذي قدمت به الدراما العربية حقوق المرأة، تقدمه في امرأة سليطة اللسان – وأحيانا اليد – تبطش بكل من حولها وفى مقدمتهم زوجها الذي ترى فيه مسرحا تستطيع من خلاله أن تنتصر لكل قهر المرأة في مجتمعنا الذكوري.
لا تقدمها إطلاقا في صورة امرأة تبحث عن ميراث مسلوب أو حق في التعليم أو العمل أو حتى الحياة بدون معاناة من تمييز سلبي يستهدفها فقط لكونها امرأة، وساهم الإعلام العربي بذلك في خلق حالة من الرفض أو التشكك من فكر حقوق المرأة التي يراها الرجال تهديدًا لوجودهم، وهو المفهوم المغاير لحقوق المرأة التي لم تين على الاستيلاء على أى حق من حقوق الرجل، وإنما قائمة على استرداد حقوق المرأة التي منحها لها الله لكونها كائنا بشريا إن اختلف عن الرجل بيولوجيا فهو لا يختلف معه في الحقوق والواجبات فكلاهما خلقا ليعمرا الأرض وما كان للأرض أن تستمر بغير أحدهما.
أعاد ذلك المشهد إلى ذهنى مسلسلا عرض منذ ٨ أو تسع سنوات وهو (يارجال العالم اتحدوا) والذي تناول حقوق المرأة بشكل ساخر جدًا بدون التطرق إلى مشاكل المرأة ومعاناتها، بل كان فكره قائما على إنذار الرجال بالكم الهائل من الحقوق التي حصلت عليها المرأة بما يهدد سيادة الرجل، وأعاد إلى ذاكرتي أيضًا فيلما قديمًا لا أذكر اسمه كان بطولة الفنانة علوية جميل والفنان حسين رياض كانت الزوجة رئيسة جمعية تنادى بحقوق المرأة وزوجها بالمعاش وتناول الفيلم بطشها بزوجها وبأولادها وركز على بطشها وتحكمها في تصرفات زوجها، تلك هي النماذج التي قدم بها الإعلام العربي مفهوم حقوق المرأة والمدافعات عن حقوق المرأة فساهم بشكل مباشر في خلق صورة نمطية سيئة لدى الكثير من الناس عن حقوق المرأة وعن الناشطات في هذا المجال.
أعترف أن الإعلام يعكس واقعا، لكنه دائما ما يحمل وجهة نظر في معالجته لهذا الواقع وهي غالبا ما تكون ضد المرأة فتحولت فكرة حقوق المرأة إلى مادة للسخرية بدلا من أن تكون واقعا نحتاج إلى إعادة النظر والتفكير فيه.
للأسف رغم اعتبار حقوق المرأة امتدادا طبيعيا وأحد الجذور الرئيسية لفكر حقوق الإنسان القائم على رفض الإساءة لأى بشرى بسبب لونه أو عرقه أو دينه أو مذهبه … وأيضًا بسبب جنسه إلا أنه لم يقدم في الإعلام العربي مطلقا بهذا الشكل ولكنه قدم دائما على أنه حرب النساء ضد الرجال، بالرغم من أن حقوق المرأة ليست قائمة مطلقا على إهدار حقوق الرجل إلا إذا رأى الرجل أن من حقه الاستيلاء على ميراث المرأة أو منعها من التعليم أو العمل والاعتداء عليها بالضرب وإهانتها وهنا أقول له: عفوا … ليس هذا حقك.