العدالة والحرية، في حياة الفئات المقهورة من الشعب؟

التصنيفات: غير مصنف

(7)

العدالة والحرية، في حياة الفئات المقهورة من الشعب؟

تمثل النساء والفقراء والأطفال الفئات الأقل قوة ووعيًا وتنظيمًا في كل بلاد العالم، بسبب تسلط الفئات الأخرى الأكثر قوة وتنظيمًا ووعيًا، وتشمل جنس الذكور يحكم النظام الأبوي والطبقات الحاكمة المدعمة بقوة السلطة والمال والدين والجيش والبوليس والتعليم والإعلام

لا يحكم العالم المعاصر قوانين تضمن العدالة والحرية للجميع دون تمييز الجنس أو الجنسية أو العنصر أو الطبقة أو الدين أو اللغة أو اللون أو غيرها، بل هي القوة العسكرية التي تحكم القوة الاقتصادية والسياسية، تدعمها قوانين وقيم طبقية أبوية، مستمدة من الأديان السائدة والثقافات ونظم التربية والتعليم منذ نشوء العبودية.

تتضمن أغلب الدساتير والقوانين فى أغلب الدول بنودًا تؤكد المساوة بين المواطنين والمواطنات دون تمييز بسبب الفروق الدينية أو الجنسية أو النوعية أو الطبقية أو غيرها، إلا أن هذه الدساتير والقوانين تظل حبرًا على ورق، غير قابلة للتنفيذ في الواقع المعاش، ما لم توجد القوى الشعبية المنظمة الواعية القادرة على تنفيذها وتعديلها وتطويرها بما يحقق عدالة وحرية أكثر وأكثر لجميع الطبقات والأجناس والفئات وقطاعات الشعب المختلفة.

تمثل النساء والفقراء والأطفال الفئات الأقل قوة ووعيًا وتنظيمًا في كل بلاد العالم بسبب تسلط الفئات الأخرى الأكثر قوة وتنظيمًا ووعيًا، وتشمل جنس الذكور بحكم النظام الأبوى والطبقات الحاكمة المدعمة بقوة السلطة والمال والدين والجيش والبوليس والتعليم والإعلام. ويظل الرجل من الطبقات الكادحة الفقيرة أكثر سلطة وتسلطًا على زوجته وأطفاله حسب القوانين والشرائع والأعراف، خاصة في بلادنا.

في الدستور المصرى بنود تنص على المساواة بين المواطنين دون تفرقة على أساس الجنس أو الدين أو الطبقة أو العنصر، لكن هذه المساواة تظل نظرية فقط، لا تنص عليها القوانين، خاصة قانون الأحوال الشخصية الذي يتعلق بالزواج والطلاق والنسب والإرث وغيرها من الأمور الحيوية الحياتية التي تمس جوهر العلاقات بين الأفراد داخل الأسرة، التي هي نواة المجتمع، أو الحجر الأساسى الذى يُبنى عليه المجتمع والدولة.

لا ينفصل العام عن الخاص فى حياة الفرد والمجتمع، لا ينفصل قانون الأحوال الشخصية عن جميع القوانين العامة في الدستور أيضًا تحفظات وشروط على المساواة بين الجنسين داخل الأسرة، اذ أن هذه المساوة يجب أن تكون فى إطار الشريعة الإسلامية، هكذا أصبح للزوج المصرى حقوق ليست لزوجته، إذ يحق له أن يطلقها بإرادته المنفردة دون رضاها، ويحق له الزواج بامرأة أخرى غيرها دون رضاها أيضًا، كما يحظى الأب المصرى بحقوق ليست للأم المصرية، فيما خص النسب والإرث وغيرها.

وينعكس هذا الوضع على حقوق الطفل المصرى والطفلة، قبل صدور قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 كان الأطفال يدفعون ثمن جريمة الأب، فالرجل كان يغتصب الفتاة خداعًا بالحب أو بالقوة العضلية، ثم يهرب من مسئولية الأبوة، وتواجه الأم وحدها وطفلها العقاب الاجتماعي والأخلاقي والديني، يحمل الطفل لقب غیر شرعی، تسلب منه حقوقه الإنسانية دون ذنب، أما في نظر المجتمع ويحتقرها الجميع، وقد تُقتل تحت اسم الشرف، وكم تزايدت جرائم الشرف في بلادنا في السنين الأخيرة مع تزايد التجارة بالدين فى حلبة السياسة، وازدياد حالات الاغتصاب وتحرش الذكور بالبنات بسبب ازدياد الفقر والبطالة وتفشى الإحساس باليأس والهزيمة بين الرجال، الشباب وكبار السن أيضًا، مع تزايد فرض الحجاب أو النقاب على النساء والأطفال والبنات، وتزايد ختان الإناث اسم المحافظة على أخلاقهن، أما المحافظة على أخلاق الذكور فلیست واردة، لأن الذكورة تنتمى للجنس الأعلى المعصوم حسب الشرع والقانون.

بسبب تزايد جرائم أطفال الشوارع غير الشرعيين، وتضاعف أعدادهم مع تزايد تدهور الأخلاق أصبحت الدولة مرغمة على التفكير في كيفية حماية المجتمع منهم، وحمايتهم بالضرورة من قسوة المجتمع عليهم، وكانت بعض الكاتبات المصريات، والرجال من ذوي الضمير الإنساني، قد طالبوا بتحقيق العدالة لهؤلاء الأطفال المظلومين، ومساواتهم بالأطفال الشرعيين فى جميع الحقوق، وإلغاء اسم طفل غير شرعي من قاموس اللغة، واحترام اسم الأم بحيث لا يكون عارًا على الطفل مجهول الأب أن يحمل اسم أمه، ويكون له الشرف والكرامة وحقوق الإنسان مثل الطفل الذي يحمل اسم الأب.

وأذكر أن القوى الرجعية المتاجرة بالدين فى حلبة السياسة حاربت الحملة الإنسانية الجديدة، واتهمت أصحابها وصاحباتها بشتى الاتهامات منها الكفر والخروج عن المعلوم من الدين، إلا أن تفاقم مشكلات أطفال الشوارع فرضت على الدولة إصدار قانون جديد للطفل يمنح هؤلاء الأطفال المساكين بعض الحقوق التي سُلبت منهم، منذ نشوء النظام الطبقي الأبوى العبودي.

جاء القانون رقم 126 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، وقانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 والقانون رقم 143 لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية، بناءً على التغيرات الاجتماعية والحراك الاجتماعي السياسي الثقافي للشعب المصرى نساءًا ورجالاً وشبابًا وأطفالاً، وزيادة الضغوط المحلية والعالمية ضد العنف الواقع على الفقراء والنساء والأطفال مع زيادة المشكلات التى تسببها هذه الفئات المظلومة المقهورة مع تزايد الفقر والعنف محليًا وعالميًا.

وأهم هذه التعديلات تخص حقوق الأطفال وأمهاتهم، ومنها: حق الطفل في الحياة والبقاء وحمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو الاستغلال أو إساءة المعاملة (مادة 3 – أ)، والحماية من أى نوع من أنواع التمييز بين الأطفال بسبب محل الولادة أو الوالدين أو الجنس أو الدين أو العنصر أو الإعاقة، أو أى وضع آخر، وتأمين المساواة الفعلية بينهم فى الانتفاع بكافة الحقوق، (مادة 3 – ب )، وحق الطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة في الحصول على المعلومات التي تمكنه من تكوين هذه الآراء وفى التعبير عنها (مادة 3 – ج ) أما المادة 15 (الفقرة الأخيرة) فتعطى للأم (غير المتزوجة) الحق فى الإبلاغ عن وليدها وقيده بسجلات المواليد، واستخراج شهادة ميلاد له مدونا بها اسمها، مع عدم الاخلال بأحكام المواد 4، 21، 22 من هذا القانون).

رغم هذه التحفظات يعتبر هذا التعديل الجديد لقانون الطفل خطوة نحو العدالة والحرية لهاتين الفئتين المقهورتين من الشعب المصرى وهما: الأطفال المجهولي الأب وأمهاتهم. وقد أضيف إلى قانون العقوبات مادتان جدیدتان برقمی 242 مكررًا و291، تنص المادة 242 مكررًا: يعاقب بالحبس ده لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من أحدث الجرح المعاقب عليه في المادتين 241 و242 من قانون العقوبات عن طريق ختان الأنثى.

وتعتبر هذه العقوبة خطوة للحد من جريمة ختان الأطفال البنات، وإن كانت خطوة صغيرة لن تؤدي إلى القضاء على هذه العادة الطبقية الأبوية، وهي إحدى الجرائم ضد المرأة الموروثة من العبودية، بهدف حرمان النساء من حقهن في المتعة الجنسية تحت اسم الحفاظ على العذرية أو الاكتفاء بزوج واحد والتفرغ لخدمته وخدمة أطفاله وأفراد أسرته.

على حين يحظى الرجل بتعدد الزوجات والعلاقات الجنسية خارج الزواج. لا يمكن على عادات أبوية عبودية دون القضاء على الازدواجية الأخلاقية وتسلط الرجال على سیاسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأخلاقيًا ودينيًا وقانونيًا.

أما ختان الأطفال الذكور فهو غير وارد فى قانون الطفل الجديد، رغم مضار العادة العبودية الواردة فى آية بالتوراة، وقد حرمت كثير من البلاد المتقدمة ختان الذكور في الغرب والشرق، لكن المجتمع المصري ( بما فيه الأطباء ) غير واعٍ بمضار هذه العادة، التي تعتبر جريمة في حق الطفل الذكر، إذ من حق هذا الطفل ألا يتعرض لأي جرح في جسمه لأى سبب ديني أو إجتماعي أو سياسي، مثله مثل الطفلة البنت، وإن كانت عادة ختان الطفل أقل بشاعة من ختان الطفلة، فكلاهما انتهاك لحقوق الأطفال الجسمية والنفسية والاجتماعية والإنسانية.

تتفوق الأحكام العامة لاتفاقية هيئة الأمم المتحدة لحقوق الطفل ( 1990 ) على أحكام قوانين الطفل فى كثير من البلاد ومنها بلادنا، إذ تنص هذه الأحكام على منح الأطفال من الجنسين جميع الحقوق مع تدعيم دور المرأة وحقوقها على قدم المساواة مع الرجل، وتفضيل الطفل وجعلها الاعتبار الأول في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، وكفل حق الطفل فى التعليم والإبداع على أساس تكافؤ الفرص، وحرية الرأي والتعبير والفكر والوجدان والدين، (بمعنى أن من حق الطفل أن يختار دينه ولا يفرض عليه دين معين بحكم الوراثة عن الأب أو الأم، وحق الطفل وحريته فى تكوين الجمعيات وفى حرية الاجتماع، وحق الشرف والشرعية سواء حمل الطفل اسم الأب أو الأم أو أي اسم آخر يختاره، سواء كان الوالدين متزوجين أم غير متزوجين، فالطفل غير مسئول عن سلوك أبيه أو أمه، قبل أن يولد أو بعد أن يولد.

مع كل ذلك هناك بنود ناقصة فى هذه الاتفاقية العالمية للطفل، لتحقيق العدالة والحرية لجميع الأطفال، والقضاء التام على القوانين الطبقية الرأسمالية الأبوية التي تسود العالم، والتي زادت من الفقر والبطالة والهجرة والحروب العسكرية والاقتصادية والإعلامية، والتجارة بالبشر وأعضائهم من الفقراء والنساء والأطفال. أما في بلادنا فأمامنا طريق طويل لتحقيق العدالة والحرية للفئات المقهورة، على رأسهم الأطفال والنساء والفقراء الكادحين البعيدين عن دوائر الحكم والسلطة والأموال.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات