حكالية نضالية
الضرائب العقارية.. الطريق من الإضراب إلى النقابة المستقلة
” المناخ السياسي والاجتماعي الداعم لحركة الاحتجاج بصفة عامة وظهور حركة كفاية، وغيرها من الأشكال التنظيمية التى ظهرت منذ ذلك الحين، هيىء المناخ العام لموظفى الضرائب العقارية، لخوض معركتهم من الإضراب إلى التنظيم النقابي المستقل“
توج عام 2009 بتأسيس النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية، ولكن من أين جاءت فكرة النقابة المستقلة؟ وهل النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية تجربة فريدة من نوعها؟ أم أنها تجربة قابلة للتكرار؟ أسئلة عديدة تطرح نفسها علينا عند تناولنا لقصة تأسيس النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية.
غير أننا قبل أن نتطرق لاستعراض قصة تأسيس تلك النقابة، علينا أولاً أن نتناول أهم معالم الطريق التى دفعت العاملين بالضرائب العقارية إلى تأسيس نقابتهم المستقلة. بمعنى آخر، ما هى العوامل والظروف التى دعت العاملين بالضرائب العقارية إلى تأسيس تلك النقابة؟ وحول تلك العوامل والظروف يحدثنا عبد القادر ندا، أمين عام النقابة العامة للعاملين بالضرائب العقارية المستقلة، ومدير مأمورية الضرائب العقارية بالوراق بقوله” إحنا كنا بنعيش معاناة طويلة، بسبب ضعف رواتبنا، وكان في تمييز كبير فى الفلوس إللى بناخدها، بينا وبين المصلحة الأم، ومعانتنا ديه بدأت لما انفصلنا عن وزارة المالية فى 1974، ورمونا على المحليات، والمحليات رواتب بسيطة، ومحدودة، وفيها إهمال شديد بيصل للفساد“.
ويؤكد على ذات المعنى مكرم لبيب، رئيس اللجنة النقابية بالضرائب العقارية، بالدقهلية، التابعة لنقابة البنوك والتأمينات بقوله” مشكلاتنا كانت بتتمثل في تدني مستوى الأجور، بالمقارنة بالضرائب العامة، وعدم الترقية في السلم القيادى، السقف كان المأمور، عند المأمور الأول. وده بناء على قرار وزاري من وزير المالية ضمنًا إلى الإدارة المحلية. هذا القرار أدى إلى تدنى الأجور، ومستوى الترقي، كنا بنقف عند سقف معين“.
أي أن العاملين بالضرائب العقارية ومنذ صدور القرار رقم 136، والقرار 137 لسنة 1974 والذين تم بموجبهما فصل العاملين بالضرائب العقارية عن وزارة المالية وضمهم إلى المحليات، وهم يعانون معاناة حادة من تدنى مستوى الأجور، وعدم إتاحة الفرصة أمامهم كاملة للترقي في” السلم الوظيفي“.
ولكن هل تدنى مستوى الأجور وعدم الترقي فى السلم الوظيفي، وحدها العوامل التي ساعدت العاملين بالضرائب العقارية على الصمود في اعتصامهم الكبير بشارع حسین حجازي لمدة أحد عشر يومًا، أم أن هناك مناخ سياسي واجتماعي عام ساعد موظفى الضرائب العقارية على الصمود كل تلك الفترة؟، عن هذه النقطة يحدثنا كمال أبو عيطة، رئيس نقابة الضرائب العقارية المستقلة قائلاً” زيادة الأسعار، وحركة كفاية، إللى كسرت الحاجز النفسى عند الناس ونجاحها، ولقينا زملائنا في المحلة وشبين والمطاحن، بيقفوا ياخدوا حقوقهم، فقولنا ليه إحنا كمان منطالبش بحقوقنا، بنفس الطريقة“.
أي أن المناخ السياسي والاجتماعي الداعم لحركة الاحتجاج بصفة عامة والتي شهدها المجتمع المصري منذ عام 2003، والتى بدأت بمظاهرات الاحتجاج على احتلال العراق في 20 و21 مارس 2003، وظهور حركة كفاية، والعديد من الأشكال المعارضة، مثل حركة 9 مارس، وحركة مهندسون ضد الحراسة، وغيرها من الأشكال التنظيمية التى ظهرت منذ ذلك الحين، قد هيىء المناخ العام لموظفي الضرائب العقارية، لخوض معركتهم من الإضراب إلى التنظيم النقابي المستقل.
يمكننا بحق اعتبار يوم 3 ديسمبر 2007، يوم ثورة موظفي مصر، حيث تجمع ما يقرب من عشرة آلاف موظف بالضرائب العقارية، من العديد من محافظات مصر، بشارع حسين حجازي، أمام مجلس الوزراء، واعتصموا بهذا الشارع، لمدة أحد عشر يومًا، والسؤال الذى يطرح نفسه علينا الآن كيف استطاع موظفي الضرائب العقارية تنظيم أنفسهم بهذه الدرجة التي تمكنهم من حشد كل هذا العدد، من مختلف محافظات مصر؟
والإجابة البسيطة التي أشار إليها قادة الإضراب، على هذا التساؤل، تمثلت في” اللجنة التحضيرية للإضراب” التي كانت بمثابة المايسترو المحرك للإضراب، ولكن كيف تشكلت تلك اللجنة وكيف مارست عملها، هذا ما يجيبنا عليه كمال أبو عيطة بقوله” اللجنة التحضيرية للإضراب، فيها ممثل عن كل محافظة واتفقنا أنهم يشكلوا في محافظاتهم لجنة إضراب، يبقي لجان في المحافظات للإضراب ولجنة عليا، واللجان بتجس نبض زمايلنا ويجتمعوا معانا في اللجنة العليا عشان نشوف موقفهم ونقرر في ضوء موقف الزملاء في المحافظات. وابتدينا من خلال متابعتهم نعرف نقدر نعمل إضرابنا ولا لأ، المهم عملنا مجسات وبدأنا بالجيزة، وقفت الجيزة في حركة احتجاجية أمام مجمع المصالح الحكومية بالجيزة“.
وفي ذات السياق يشير عبد القادر ندا إلى اللجنة التحضيرية قائلاً:” اللجنة بدأت نشاطها في سبتمبر 2007، شاركت فيها سيدات، وكانت بتضم مسئول عن كل محافظة، وكان بيختار الناس على أساس أنه دماغه شغالة، وبتاع عمل جماهيري، بيعرف يخطط كويس، ويجمع الناس“.
أي أن اللجنة التحضيرية للإضراب ضمت في عضويتها، ممثلين عن مختلف المحافظات، كان من بينهم عدد من النساء، وقد اعتمد قادة الإضراب في اختيارهم لهؤلاء الممثلين، أن تتوفر فيهم بعض السمات التى تؤهلهم للعمل القيادي الجماهيرى. وقد اعتمد قادة الإضراب على رؤية زملائهم من لجان المحافظات المختلفة فيما يتعلق بقدرة العاملين بتلك المحافظات على المشاركة في الإضراب الكبير، وذلك من خلال قياس حجم المشاركة بالمواقع المختلفة، والتي كانت قد قامت بعدد من الإضرابات سبقت الإضراب الكبير. وقد نجم عن تلك الإضرابات المختلفة، حالة من الثقة في قدرة موظفى الضرائب العقارية أنفسهم على الصمود، من جانب، والثقة في قدرة قادة الإضراب على التنظيم من جانب آخر.
ثم جاء يوم 3 ديسمبر، ليبرز دور اللجنة العليا للإضراب، وقدرتها على الحشد والتنظيم، والتفاوض، أما نجمة ثورة الموظفين فكانت” لجنة الإعاشة” وحول دور لجنة الإعاشة تحدثنا إحدى قادة لجنة الإعاشة، السيدة كريمة جمعة، موظفة بالضرائب العقارية بالجيزة، وكانت أمين عام اللجنة النقابية الرسمية بالجيزة، التي استقالت منها عند تأسيس النقابة المستقلة بقولها” أنا كنت مسئولة الإعاشة على مستوى المحافظات كلها، وطبعًا كان معايا عدد كبير من الزميلات، وكان بيتوافد علينا يوميًا، حوالى أكثر من 3 آلاف، كنا بنلم من بعضنا كلنا، جميع المديريات، نصبنا خيام، وجبنا بتوجازات صغيرة، وجبنا مواعين وحلل من بيوتنا، واشترينا أطباق، واشترينا حصر، واشترينا بطاطين علشان ننام، وقعدنا 11 يوم، إللى اتعمل في اليوم الأول هو إللى اتعمل فى آخر يوم، إحنا النهاردة، جمعنا مبلغ، من كل واحد 5 جنيه، 10 جنيه، بتبعتى تجيبى عشر كراتين بيض، وشاي وسكر، وحلاوة وجبنة، كنا نجيب الجبنة بالصفيحة ده فطار وعشا. فى الغداء كميات مكرونة، ونرش عليها لحمة مفرومة، تطعمى الأكل شوية، أحنا كان بيجينا ناس من المحافظات، مش معقولة هتقوليلهم، روحوا كلوا بره. وكان فى زميلات لينا تعمل أكل في بيوتها، وتشيله وتجيبه، زميلة هتعمل كذا وزميلة هتعمل كذان كنا بنرتبها، الإعاشة كان الهدف منها أنك تضمنى تواجد الزملاء والناس إللى جايين من المحافظات، وفي ناس كانت بتيجى من المحافظات ومعاها الأكل، ويوميًا كنا نكنس
الشارع، يوميًا، وجبنا أكياس زبالة، وكنا لازم نكنس الشارع مرة واتنين، وكان ممكن كناس الحى يكنس وكنا نراضيه، واشترينا أدوات نظافة، مقشات وأدوات نظافة“.
أي أن الهدف الرئيسى من نشاط لجنة الإعاشة، تمثل في ضمان استمرارية الاعتصام، وضمان استمرارية مشاركة العاملين بمختلف المحافظات، فكانت لجنة الإعاشة بمثابة وزارة التموين المحلية” المجتمع الاعتصام” إذا جاز التعبير.
وكانت” إذاعة الاعتصام” بمثابة وزارة الإعلام بذلك المجتمع، حيث استخدم المعتصمون مكبرات الصوت، لتشكيل ما أطلقوا عليه” إذاعة الاعتصام“، التي كانت تقوم بإذاعة أخبار الاعتصام، وبيانات التضامن التي ترد إليهم، إضافة إلى بعض الفقرات الفنية” (العدد الثالث من تقرير العمال والمقاومة الاجتماعية، تحرير خالد علي، والصادر عن اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية، بالاشتراك مع آخرون، ص 166).
أما الملمح العظيم والداعم لهذا الاعتصام الكبير فقد تمثل في مشاركة المرأة بفعالية عالية، حيث مثلت مشاركة المرأة فى هذا الاعتصام ملمح غير مسبوق بتاريخ حركة الاحتجاج الاجتماعي في مصر، فلم يسبق أن أقامت المرأة المصرية في الشارع، أحد عشر يومًا للمطالبة بحقوقها، هذا بالإضافة إلى مشاركة بعض الأسر بكامل عددها من زوج وزوجة وأطفال، وهو ما يمثل سابقة هي الأولى من نوعها في حركة هي الاحتجاج الاجتماعي أيضًا.
وكان موقف سكان شارع حسين حجازي موقف مشرف للغاية، حيث رحب أهالى الحي بالمعتصمين، وفتح بعضهم أبواب بيوتهم أمام السيدات لقضاء حاجتهم، كما قدموا بعض الدعم العيني من طعام وشراب للمعتصمين بشارعهم، وحول تلك النقطة
يحدثنا مكرم لبيب بقوله” بعض أهالي الحي فتحوا بيوتهم للسيدات حتى يقضوا حاجتهم، وقدم بعضهم بعض الفلوس، وأحد الأشخاص كان رايح يحج، آخر الحج، ودفع نفقة الحج لصالح الإضراب، وكان مطلبهم الوحيد أنه بعد الساعة عشرة نوقف الهتافات والطبول“. ويؤكد على ذات المعنى عبد القادر ندا بقوله” كان بعضهم بينزل لنا أكل وشرب، وكان فى ناس بيقفوا فى البلكونات يشاورا بعلامة النصر“.
وإذا كان موقف سكان شارع حسين حجازي موقف مشرف للغاية، فإن الإعلام المستقل، إلى جانب بعض مؤسسات المجتمع المدني، مثلوا سندًا قويًا داعمًا لموظفي الضرائب العقارية، بما قدموه من دعم عيني ومعنوي للمعتصمين، وبما مثلوه من ضمانة لحماية المعتصمين، باعتبارهم رقباء على الاعتصام، ضد أي تجاوز من مسئولي الأمن.
وتتضح معالم الرسالة التي حاول موظفي الضرائب العقارية، نقلها إلى المسئولين عبر هتافاتهم التي رصدها (العدد الثالث من تقرير العمال والمقاومة الاجتماعية، تحرير خالد علي، والصادر عن اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية، بالاشتراك مع آخرون):
-” الأعداد بتزيد بتزيد والهمة حديد فى حديد” في إشارة إلى ازدياد حجم المشاركة في الاعتصام.
-” يا رئيس الجمهورية نظرة عطف للعقارية“” يا زعيم الله يخليك… ارحمنا من الوزير“.
” يا زعيم الحق ضاع… احمينا من الضياع“،” واحد اتنين …. حسني مبارك فين“
والهتافات الموجهه لرئيس الجمهورية، فهي في مجملها هتافات تتراوح ما بين استعطاف رئيس الجمهورية، ومطالبته بدعم موقفهم أمام وزير المالية، وصولاً إلى نقده، بشكل صريح ومباشر، في إشارة صريحة لغياب دوره الرقابي، على وزراء حكومته.
-” يا نظيف ما طنشناش… دى حقوقنا مبنشحتهاش“” يا نظيف مش هتنام … راح نطلعلك في الأحلام” واحد اتنين… رئيس الوزراء فين“.
كذلك الحال بالنسبة لرئيس الوزراء، حيث طالب المعتصمون رئيس الوزراء بالاهتمام بتلبية حقوقهم، كما أشاروا إلى غياب دوره، مثلما أشاروا إلى غياب دور رئيس الجمهورية، في مواجهة أزمتهم.
-” يا يوسف بيه يا غالي سيب لي حقي وحق عيالي“” القرار القرار، مش ماشين غير بالقرار” في إشارة إلى دعوة وزير المالية إلى المحافظة على حقوقهم، وصدور قرار عودتهم إلى وزارة المالية.
-” بالروح بالدم رزق عيالنا أهم“” ولا بنخاف ولا بنطاطي… احنا كرهنا الصوت الواطى“.
” الإضراب مشروع مشروع… ضد الفقر وضد الجوع وهم هنا يؤكدون على أنهم صامدون فى اعتصامهم، مع تأكيدهم على مشروعية الإضراب، باعتباره أحد حقوقهم المشروعة.
وإزاء الموقف المتخاذل الذى قام به رئيس نقابة البنوك والتأمينات الاجتماعية، الذي طالب العاملين بالضرائب العقارية على متداد حركتهم بفض الإضراب والاعتصام، بادر موظفي الضرائب العقارية بالهتاف ضد رئيس النقابة” قولوا لفاروق شحاته… احنا طلقناك بالتلاتة” بالطول بالعرض هنجيب النقابة الأرض” وربما كان هذا الهتاف هو الإعلان الشعبي الغير رسمي، عن رفض النقابة الرسمية، ومن ثم العمل على تأسيس النقابة المستقلة.
نعود لأحداث ثورة موظفى الضرائب العقارية، لنشير إلى أن موظفي الضرائب العقارية بمختلف محافظات الجمهورية، قد قاموا بدور داعم لزملائهم المعتصمين في القاهرة، حيث أضربوا عن العمل، فى ذات التوقيت الذي تم فيه الاعتصام، وعمت ثورة موظفي الضرائب العقارية مختلف المديريات، بمختلف المحافظات، وهو ما مثل درعًا خلفيًا لاعتصام، شارع حسین حجازي.
أما الآلية الفاعلة في نجاح الاعتصام، وصولاً إلى فضه، بعد إقرار وزير المالية لكافة مطالب المعتصمين، فقد تمثلت في آلية التفاوض، والتي قام بها قادة الاعتصام، والملاحظ على عملية التفاوض تلك، أنها قد استندت في مختلف مراحلها على التصويت العام، والأخذ برأى الأغلبية.
والملاحظة الجلية التى يجب أن نقف عندها بعض الشيىء تتمثل في خلو ذلك التحرك الاجتماعي، من أى صبغة سياسية، بمعنى عدم إقترانه بأي حزب سياسي أو قوى سياسية، والسؤال الذي يطرح نفسه علينا هو: إلى أي مدى يمكن أن يمثل اقتران التحرك الاجتماعي بحركة الأحزاب أو القوى السياسية، آلية دعم أو إعاقة؟ وحول تلك النقطة تحدثنا كريمة جمعة قائلة” كل اللى كانوا موجودين في الاعتصام، كانوا عاملين بالضرائب العقارية، إحنا مش هنسمح لأي أحزاب تدخل وسطينا، تتقلب بقى لمسائل ثانية، إحنا ناس داخلين نطالب بحقنا“. وفي ذات السياق يشير مكرم لبيب” إحنا أخلينا حركتنا من السياسة، إحنا لنا مطالب فئوية” أى أنهم يروا أن ارتباط حركتهم بأي أحزاب أو قوى سياسية، من شأنه الإضرار بحركتهم، مؤكدين على أن حركتهم تقوم على مطالب فئوية.
غير أن كمال أبو عيطة كانت له وجهة نظر مختلفة نسبيًا، حيث عبر عن وجهة نظره تلك قائلاً” هو لو الحركة السياسية قوية كانت تقدر تساعد على اندماج هذه الحركات، لكن ضعف الحركة السياسية أدى لانصراف الناس عنها، ومتستغربيش لما يقولوا فى موقع عمالي، ملناش دعوة بالسياسة، لأن السياسة بمعناها القائم، حركة سياسية ضعيفة، أغلبها تحت سيطرة النظام وانشغال بالصفقات مع النظام، النظام عايز أيه وناوي على أيه واخد كام كرسي في انتخابات مجلس الشعب اللي جاية، وطبيعي الناس ينصرفوا عن ده، وينكسفوا لما حد يقولهم انتو ليكو في السياسة، ولو في حركة سياسية ناهضة وقوية كانت الناس تتشرف بالانتماء ليها“. أي أنه يرى أنه نظرًا لعدم وجود حركة سياسية قوية فى المجتمع فقد خلت حركات الاحتجاج الاجتماعي وعلى رأسها حركة موظفي الضرائب العقارية، من أي تدخل سياسي سواء من قبل الأحزاب أو القوى السياسية الأخرى، وهو هنا يرى أنها إذا ما كانت هناك حركة سياسية قوية كان من شأن تلك الحركة أن تدعم حركة الاحتجاج الاجتماعي بصفة عامة، ومن ثم كان من الممكن أن يعد تدخل تلك الأحزاب أو القوى السياسية، آلية دعم لتلك الحركة. غير أنه يعود إلى الإشارة إلى أنه كان هناك دعم معنوي كبير من قبل العديد من الشباب المنتمين،” لحزب الكرامة، والقوى الإشتراكية” على حد قوله.
فيما سبق قدمنا لمحة سريعة عن ثورة موظفي الضرائب العقارية والتي اختتموها في اليوم الحادي عشر للاعتصام – بعد استجابة وزير المالية لمطالبهم – بالهتاف تحية شكر وتقدير لسكان شارع حسين حجازي بقولهم” يا شارع حسين حجازي لك حبي واعتزازي“.
لعبت نقابة البنوك والتأمينات والتى تتبع الاتحاد العام لعمال مصر، ويتبعها عدد من اللجان النقابية لموظفى الضرائب العقارية، دورًا سلبيًا على امتداد حركة موظفي الضرائب العقارية، وقد اتضح هذا الدور السلبي للنقابة من خلال الموقف المتخاذل الذي اتخذه رئيس نقابة البنوك والتأمينات، السيد فاروق شحاته، من مطالبته الدائمة لموظفي الضرائب العقارية بفض الاعتصام حتى قبل أن يتمكنوا من تحقيق أي مكاسب تذكر، مما جعل موظفي الضرائب العقارية خلال اعتصامهم يهتفون ضده بقولهم” قولوا لفاروق شحاته… أحنا طلقناك بالتلاتة“” بالطول بالعرض هنجيب النقابة الأرض” وربما كان هذا الهتاف هو الإعلان الشعبي الغير رسمي، عن رفض النقابة الرسمية، ومن ثم العمل على تأسيس النقابة المستقلة. ولم تكن النقابة الرسمية وحدها ذات الموقف المتخاذل، وإنما كان موقف الاتحاد العام لعمال مصر، ممثل في موقف رئيسه، السيد حسين مجاور، الذي كان شديد التخاذل، ويصل إلى حد معادة موقف موظفي الضرائب العقارية.
غير أن قادة اللجنة العليا للإضراب وبعد أن تحققت مطالبهم، وتم فض الاعتصام، أنشقوا فيما بينهم فيما يتعلق بتأسيس النقابة المستقلة، وإن كانوا قد أجمعوا على أهمية تأسيس نقابة خاصة بموظفي الضرائب العقارية، حيث أنقسموا إلى فريقين، الفريق الأكبر ويمثلهم كمال أبو عيطة، الذى يرى ضرورة تأسيس نقابة مستقلة لموظفى الضرائب العقارية، مستقلة عن إتحاد العمال الرسمي، وقد عبر عن وجهة نظره تلك بقوله” نرفض أن الاتحاد يقبلنا كنقابة فرعية منه، أنا لا أبتغي شرعية ممن لا شرعية له، لأن الاتحاد ده في أحكام قضائية بحله، نتيجة للتزوير إللي تم في الدورة الأخيرة، ونتيجة عدم الإشراف القضائي عليه، وعدم التزامه بالحريات النقابية، وفي أحكام صدرت بإلغاء انتخاباته، فأنا مش هتعلق بتنظيم نقابي غير شرعي، وأنا لا أبتغي منه أي شرعية، وأنا شرعيتي مستمدة من جمعيتي العمومية، وأغلبية العاملين عندي أعضاء معايا ودول اللي بيؤيدوا نقابتي، والجمعية العمومية فوق كل حاجة، ثانيًا الدستور إللي قال ينشئ العاملين نقابتهم دون تدخل من أحد، وثالثًا أحكام المحكمة الدستورية العليا، إللي قالت نفس الكلام حوالين الحريات النقابة، ورابعًا الإتفاقيات الدولية اللي مصر موقعة عليها، واللي قالت بحرية التنظيم النقابي، خامسًا القانون المصري إللي قال في أحد مواده أن تثبت الشخصية النقابية بإيداع الأوراق واحنا أودعنا الأوراق“.
أي أن الفريق المؤيد لوجهة النظر المتعلقة بتأسيس النقابة المستقلة، بعيدًا عن الاتحاد العام لعمال مصر، يرجع ذلك إلى ما يعانيه هذا الاتحاد من سلبيات، متعلقة بالعملية الإنتخابية، ومن تعدى على الحريات النقابية، كما يستند هذا الفريق على الاتفاقيات الدولية التي تعطي الحق لمختلف العاملين، بتأسيس نقاباتهم المستقلة، وتعد مصر إحدى الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات.
والفريق الآخر ويمثلهم مكرم لبيب، الذى يرى أنه على موظفي الضرائب العقارية، تأسيس نقابتهم المستقلة عن نقابة البنوك والتأمينات، ولكنها تظل نقابة تابعة لاتحاد مصر، وهو يدافع عن وجهة نظره تلك بقوله” أنا مع تأسيس نقابة لموظفى الضرائب العقارية، من داخل الاتحاد، وأنا هحتمي بمظلة القانون والدستور المصرى، عمال وأنا كلجنة نقابية حر فى اتخاذ قراري، والهدف من النقابة المستقلة، الوصول لقرار بالإضراب من خارج الاتحاد، طيب ما أحنا قدرنا نأخذ القرار وأحنا أعضاء بالنقابة الرسيمة، وأنا عندى آلية شرعية، هي آلية الإضراب، وعملت ده تحت مظلة الاتحاد الشرعي، وتمكنت من الوصول لتحقيق أهدافي“.
أي أن مكرم لبيب يرى أنه بتأسيس نقابة خاصة بموظفي الضرائب، تحت مظلة الاتحاد العام سوف يتمكن من تحقيق أهدافه كاملة، حيث يرى أن انتماء نقابته لاتحاد العمال لا يمثل من وجهة نظره أي عائق أمام قدرة تلك النقابة على تحقيق مطالب أعضائها. وإن كان هو ذاته ممن انتقدو الموقف المتخاذل لنقابة البنوك والتأمينات، والتي يتبعها كرئيس للجنة النقابية بالدقهلية، خلال حركة موظفى الضرائب العقارية.
وحول خطوات إنشاء النقابة المستقلة، يحدثنا عبد القادر ندا بقوله” اللجنة التحضيرية للإضراب، بعد الإضراب سميناها لجنة الدفاع عن حقوق العاملين بالضرائب العقارية، ومنها أسسنا نقابتنا المستقلة. الدعوة للنقابة المستقلة بدأناها في إبريل 2008، لكن الفكرة بدأنا فيها من يناير 2008، كنا واخدين أوضة في مقر حزب الكرامة في صاعد، وعملنا الاجتماعات من إبريل 2008، باسم النقابة المستقلة، تحت التأسيس، بدأنا نعمل ورق، يتوزع على كل مندوب من كل محافظة، الورق عبارة عن تجميع عضوية، طلبات من الموظفين بتأسيس نقابة للعاملين بالضرائب العقارية، وتفويض كمال أبو عيطة، فى إجراءات التأسيس، بدأنا بعدد 7 آلاف، وصل 27 آلاف، في أبريل 2009، ساعة ما أودعنا الأوراق، في وزارة القوى العاملة حاليًا وصلنا أربعين ألف من طاقة إجمالية 42 ألف“.
أي أن خطوات تأسيس النقابة المستقلة جاءت بالاعتماد على اللجنة التحضيرية للإضراب، والتي كانت قد تمكنت من تأسيس شبكة علاقات قوية مكنتها من تحريك موظفي الضرائب العقارية، على مستوى كافة المحافظات للمطالبة بحقوقهم، في أن واحد، إلى جانب نجاحها في حشد، واستمرارية الاعتصام مدة أحد عشر يومًا، تلك اللجنة كانت بمثابة اللبنة الأولى فى تأسيس النقابة المستقلة.
ومن جانبها أبدت عائشة عبد الهادي، وزيرة القوى العاملة والهجرة، إعجابها بالتطور الذي أحرزه مؤسسو النقابة المستقلة للضرائب العقارية، عندما طالعت بيانات وأوراق النقابة، التي ضمت 27 ألف ،عضو باستمارات عضوية كاملة، و27 لجنة في مختلف المحافظات، ولائحة نظام داخلي ومحاضر التأسيس والانتخابات، وأشادت بدقة العمل واحترافه. كما أكد طارق مصطفى، أمين الصندوق، بالنقابة المستقلة، على أن النقابة راعت فى كل مراحل تأسيسها أعلى درجات الشفافية، والديمقراطية، وعكست ذلك في لائحة النظام الأساسي (الدستور 23 – 4 – 2009).
هذا وقد أثار تأسيس النقابة المستقلة الكثير من الجدل، حيث يرى اتحاد العمال ممثلاً في شخص رئيسه، حسين مجاور، أن تلك النقابة” غير شرعية، ولا يجب الاعتراف بها” (البديل 2 – 4 – 2009) وفى ذات السياق يعبر مكرم لبيب عن اعتراضه على تأسيس تلك النقابة بقوله” أستاذ كمال رفض التوجه إلى الاتحاد العام، ورأى أن تأسيس نقابة مستقلة، أفضل من تأسيس نقابة تابعة للاتحاد، وفي مشكلة تخص البعد القانوني، المفروض نقابة واحدة لكل مهنة، إحنا عندنا مشكلة التعدد النقابي، في علاقتة بالقانون، الصورة مش واضحة أمام الأستاذ كمال أبو عيطة“.
غير أن د/ أحمد حسن البرعي، أستاذ القانون بجامعة القاهرة، والخبير بمنظمة العمل الدولية، يرى أن إعلان تأسيس نقابة الضرائب العقارية المستقلة، شرعي 100%، وفقًا للدستور المصري، والاتفاقية رقم 87 لسنة 1948، التي تؤكد على الحقوق والحريات والتعددية النقابية … مؤكدًا على أن النقابة تأخذ شخصيتها الاعتبارية بالإخطار فقط، ولا ينبغي أن يعلق تأسيسها وحصولها على شخصيتها الاعتبارية، على إذن أو تصريح من أي جهة (الدستور 20 – 4 – 2009)
هذا وقد تعرضت عملية تأسيس النقابة المستقلة لعديد من الضغوط، منها رفض النقابة الرسيمة قبول استقالة أعضائها، الأمر الذى دعا أعضاء النقابة المستقلة في أول اجتماع لهم بالمقر المؤقت لنقابتهم بفيصل، لمناقشة موضوع الانسحاب من النقابة العامة للبنوك والتأمينات، وضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الممتنعين عن قبول الاستقالات، ومنها رفع دعاوى قضائية. (البديل 25 – 1 – 2009)
ومن جانبهم اتهم قادة اتحاد العمال قيادات نقابة الضرائب العقارية المستقلة، بالفساد وبجمع اشتراكات من العمال بدون ترخيص، وفى سياق الضغط على مؤسسي النقابة المستقلة، تعرض بعض القيادات إلى الإحالة إلى التحقيق، أمام النيابة الإدارية، وأمام الإدارات القانونية بجهات عملهم. (الشروق 25 – 8 – 2009) كما وصف حسين مجاور الذين يقفوا وراء النقابات المستقلة، بأنهم يبحثون عن دور وأنهم مندسون وسط العمال… وأنهم يتلقون تمويلاً من الخارج (الدستور 5 – 5 – 2009).
هذا وقد بدأت النقابة المستقلة أعمالها بالدعوة إلى تأسيس صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية، حيث تم الإتفاق مع د/ يوسف بطرس غالي وزير المالية، على أن يعتمد صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية فى موارده على تحويل نسبة من حافز الغرامة، ونسبة 10% من صناديق الجزاءات إلى رصيد الصندوق. (البديل 9 – 3 – 2009) يذكر أن هذا الصندوق كان من المفترض أن يخصص لتقديم منح للعاملين تعويضًا عند الخروج إلى المعاش، تتراوح ما بين 200 إلى 250 شهرًا، أسوة بالجهات الإدارية الأخرى. (الدستور 21 – 6 – 2009)
وإزاء الضغوط التي مارسها اتحاد العمال على وزير المالية، حيث تقدم الاتحاد ببلاغ إلى النائب العام ضد وزير المالية، متهمًا كمال أبو عيطة، برئاسة النقابة، عبر انتخابات غير قانونية، تراجع الوزير عن قراره رقم 425 بتاريخ 28 يوليو 2009، والخاص بجعل نقابة عمال الضرائب العقارية المستقلة كمؤسسة للصندوق، وقام بوضع اسم النقابة العامة للعاملين فى البنوك والتأمينات والأعمال المالية محلها. (الشروق 25 – 8 – 2009)
ومن جانب آخر وافق الاتحاد الدولى لعمال الخدمات العامة (PSI) على ضم النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية إلى عضويته، ويضم هذا الاتحاد 600 منظمة نقابية في 160 دولة تشمل 20 مليون عامل على مستوى العالم، وقد أرسل حسين مجاور رسالة إلى الاتحاد الدولي، يعترض فيها على التعامل مع النقابة المستقلة، ويطالبه بعدم قبول العضوية، وهو ما لم يلتفت إليه الاتحاد (الدستور 26 – 4 – 2009)
كما أرسل الاتحاد الدولي للنقابات، بيانًا تضامنيًا مع النقابة العامة للضرائب العقارية المستقلة، موجهًا إلى رئيس الجمهورية، وقد أشار البيان إلى أن الاتحاد الدولي للنقابات، والذى يضم 312 اتحاد ومنظمة نقابية، تمثل 170 مليونًا من العمال، في 157 من بلدان العالم، يعلن احتجاجه مع الاتحاد الدولي للخدمات العامة، بشأن التدخلات التي يمارسها، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، في حق نقابة العاملين بالضرائب العقارية المستقلة، وعضو الاتحاد الدولي للخدمات العامة. (الدستور 4 – 9 – 2009)
ومن جانبها أكدت بعثة منظمة العمل الدولية على أن أي رفض من قبل الحكومة المصرية لقبول تأسيس نقابة الضرائب العقارية المستقلة، سيعتبر بمثابة إشارة سلبية لملف مصر بالمنظمة ومن ثم سيتم تحريك شكوى من مجلس إدارة المنظمة للجمعية العمومية (الشروق 24 – 4 – 2009)
وإزاء رفض الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، عقد حسين مجاور رئيس الاتحاد اجتماعًا مع عدد من قيادات نقابة البنوك والتأمينات، بمبنى الاتحاد لدراسة سبل مواجهة النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية، وهو ما أسفر عن محاولة تأسيس نقابة تابعة لاتحاد العمال تضم العاملين بالضرائب العقارية (الدستور 7 – 8 – 2009)
إذن والحال هكذا نحن أمام بنيان نقابي مستقل، مواجه بمعارضة شديدة من قبل التنظيم الرسمي، ومدعم بمساندة العديد من مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب عدد من المؤسسات الدولية.
والسؤال الآن هل هناك فرصة أما هذا البنيان الجديد للنمو والاستمرار في طريق تحقيق أهدافه؟ وهل ذلك النموذج قابل للتكرار في مصر؟
نبدأ أولاً بالسؤال الثاني: والخاص بقابلية هذا النموذج للتكرار؟ ويجيبنا كمال أبو عيطة عن هذا التساؤل بقوله“اتحاد المعاشات قرر يقيم نقابة مستقلة أسوة بالضرائب العقارية، وفي طابور طويل من العاملين في جهات عديدة، في النقل العام، والمحلة وشبين ومدرسين فى التربية والتعليم، وجهات عديدة تجهز الآن لإنشاء نقابتها“. أي أن هناك توجه نحو تأسيس النقابات المستقلة، بحيث تصبح تلك التنظيمات المستقلة، تنظيمات موازية للتنظيمات الرسمية، ولعل تجربة مجموعة استقلال أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، المعروفة باسم 9 مارس، أحد تلك الأشكال الفئوية، التي نشأت لتسد عجز وقصور ارتبط بشكل أساسي بالتنظيم الرسمى الممثل في نوادي أعضاء هيئة التدريس.
نعود للسؤال الأول: والخاص بفرصة هذا البنيان المستقل في النمو والاستمرار لتحقيق أهدافه؟
لنؤكد على أن هذا البيان المستقل، أمامه فرصة عظيمة للنمو والاستمرار، شريطة أن يعمل أعضائه بجدية شديدة، لتطوير مهاراتهم النقابية. ومن ثم فإن هناك ضرورة لوجود نوع ما من الالتزام من قبل مؤسسات المجتمع المدني، تجاه ذلك البنيان المستقل الجديد، كأن تعمل بعض مؤسسات المجتمع المدني على تنظيم عدد من الدورات التدريبية، لأعضاء النقابة المستقلة، فى مجال الإدارة، والحوكمة، والعمل النقابي والحريات النقابية بصفة عامة.