“النساء وعدالة محفوفة بالمخاطر“
“حماية الناجيات والشهود والمبلغين في قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي“
تقديم
قضية “جوني ديب” أظنها حالة لا تتكرر كثيرًا في مجتمعنا وربما ليس من الوارد حدوثها، لكن ما يتكرر بكثرة هي حالات العنف التي تتعرض له النساء كما شهدنا في قضية “أحمد بسام ذكي” وقضية “الفيرمونت” و “فتاة المول” لذلك أجد أنه من الأهمية بمكان, وخاصة في خضم تصاعد الحديث عن تعديلات قوانين الأحوال الشخصية، أن لا ننسى قانون حماية الناجيات من العنف لتحقيق وتمكين وحماية حقيقية للنساء في مجتمعنا كما أوجب ذلك الدستور، وكما ورد في استراتيجية تمكين النساء 2030 والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
خاصة وأنه في 20 يونيو المقبل ستنظر محكمة الاستئناف حكم براءة رشا عزب من تهمة سب وقذف المخرج إسلام العزازي, والذي قضى أيضًا برفض الدعوى المدنية المقامة منه، وكان المخرج إسلام العزازي اتهم “عزب” بسبه وقذفه عبر نشرها وتضامنها مع سيدات ادعين تحرش المخرج بهن.
تواجه الناجيات من “العنف المبني على النوع الاجتماعي” حواجز وتحديات تعيقهن عن الوصول للعدالة، منها غياب الثقة بفعالية منظومة العدالة، وعدم الوعي بالقوانين ومعرفة الحقوق, وإفلات الجناة من العقاب, واحتمال وقوع الناجيات ضحايا مرة أخرى لهذا العنف.
“قضية أمام قضية” استراتيجية قديمة يستخدمها المتقاضون في المحاكم المصرية ليتحول المجني عليه إلى متهم، ويتحول الجاني إلى مجني عليه، فتتساوى مواقفهم القانونية، لينتهي المطاف بالتصالح, أو معاقبة الطرفين, تلك هي الاستراتيجية التي يستخدمها المتهمون في قضايا العنف ضد النساء حاليًا للإفلات من العقاب أو لترهيب الناجيات من اللجوء إلى العدالة أو للانتقام منهن.. جريمة أخرى يرتكبها المتهمون ومحاموهم في قضايا العنف ضد النساء، يشاركهم فيها نظام عدالة يقبل أن يكون لجوء الضحايا إليه محفوفًا بالمخاطر.
وهكذا تواجه الناجيات من “العنف المبني على النوع الاجتماعي” حواجز وتحديات تعيقهن عن الوصول للعدالة، منها غياب الثقة بفعالية منظومة العدالة، وعدم الوعي بالقوانين ومعرفة الحقوق، وإفلات الجناة من العقاب, واحتمال وقوع الناجيات ضحايا مرة أخرى لهذا العنف, مما يشعرهن بأنه لا حول لهن ولا قوة، وفي بعض السياقات لا يمكن لنظم العدالة أن تلبي احتياجات الناجين، بل إنها في الواقع تتسبب بالمزيد من الضرر لهم أحيانًا، كما قد يواجه الناجون عوائق اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة تضاف الى الضغط الاجتماعي الذي يمنعهم من التبليغ عن الحوادث والوصول للخدمات القانونية, خاصة مع غياب البروتوكولات الخاصة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي وضعف أو غياب التشريعات التي تحمي الناجيات وتسهل عليهن إثبات وقائع العنف أمام منظومة العدالة.
وفى مصر شهدت الفترة الماضية عددًا من قضايا العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي, والموجه ضد النساء تلك القضايا التي جاءت لتثبت قدرة النساء على تخطي موروث الصمت والتستر على العنف الواقع عليهن، وبالرغم من كافة الصعوبات والتحديات التي واجهتها النساء فى ذلك، إلا إنهن أوجدن طرقًا متعددة للإعلان عن تلك الجرائم ومواجهة الجناة.. تلك الخطوة الإيجابية والتي تعد انتصارًا, كان من الأولى بعدها الحديث عن تطوير آليات وأدوات إثبات هذا العنف لمساعدة المزيد من النساء للخروج من صمتهن، لكن للأسف مسار الأحداث في بعض تلك القضايا التي أصبحت فيها المجني عليها والشهود متهمين وتم عرضهم على الطب الشرعي في انتهاك لكثير من حقوقهم يحتم علينا الحوار من أجل طرح أفكار وأدوات وآليات لحماية المجني عليهن (الناجيات) والشهود استنادًا إلى ما نص عليه الدستور في مادته “السادسة والتسعين” والتي جاء نصها: “توفر الدولة الحماية للمجني عليهم والشهود والمبلغين والمتهمين عند الاقتضاء وفقًا للقانون“.
وما جاء أيضًا فى نصوص الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الجريمة – والتي صدقت عليها مصر – ومنها “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” والتي ألزمت الدول الأطراف فيها بضرورة إصدار قوانين لحماية المبلغين والشهود والخبراء.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها مصر في 2003 وصدقت عليها في 2005، تلزم كل الدول الموقعة عليها بحماية الشهود وخاصة المادة 25 التي تنص على أن تعتمد ما يلزم من تدابير تشريعية وغير تشريعية ضد استخدام القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب أو التحريض على الإدلاء بشهادة زور, أو للتدخل في الإدلاء بالشهادة، أو في تقديم الأدلة في إجراءات تتعلق بارتكاب جرائم تشملها الاتفاقية.
وتنص المادة 32 من ذات الاتفاقية, على اتخاذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقًا لنظامها القانوني الداخلي، وضمن حدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعالة للشهود والخبراء الذين يُدلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرمة وفقًا للاتفاقية، وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء، من أي انتقام أو ترهيب محتمل.
فعدم وجود أحكام لإضفاء الحماية على الشهود والمبلغين والخبراء فى القانون المصرى كان له أكبر الأثر في الحد من مكافحة الجريمة والإفلات من العقاب، وخاصة في جرائم العنف الجنسي الموجه ضد النساء. كما أن التزامات مصر الدولية بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تحتم عليها اتخاذ تدابير تشريعية وغير تشريعية وبذل العناية الواجبة لحماية النساء من العنف الواقع عليهن
كما نصت المادة الثانية من الاتفاقية على أنه: “تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة, وتتفق على أن تنتهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقًا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي:
أ – إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة.
ب – اتخاذ المناسب من التدابير, تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات لحظر كل تمييز ضد المرأة.
ج – فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة, عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد, من أي عمل تمييزي
شهدت الفترة الماضية عددًا من قضايا العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي، والموجه ضد النساء تلك القضايا التي جاءت لتثبت قدرة النساء على تخطي موروث الصمت والتستر على العنف الواقع عليهن، وبالرغم من كافة الصعوبات والتحديات التي واجهتها النساء فى ذلك, إلا إنهن أوجدن طرقًا متعددة للإعلان عن تلك الجرائم ومواجهة الجناة
كما يلزم معيار بذل العناية الواجبة الدولة باتخاذ الإجراءات التالية:
منع العنف ضد المرأة:
التصدي للأسباب الكامنة وراء العنف ضد المرأة، وتغيير الذهنيات وتعديل السلوكيات, والقضاء على عوامل الخطر، والتواصل مع المرأة المعرضة للعنف, وإنهاء عزلتها, وتوسيع نطاق برامج التصدي للعنف ضد المرأة، وصياغة قوانين وتقديم ضمانات دستورية تتسم بالشمول، وجمع البيانات وتصميم البرامج، ومراعاة تعدد أشكال العنف ضد المرأة، وإيلاء الاعتبار الواجب للفئات المعرضة للخطر، واعتماد استراتيجية مستدامة، والتعاون مع المنظمات النسائية والمعنية بقضايا المرأة.
حماية المرأة من العنف:
كفالة توفير خدمات الدعم المنسقة للمرأة وضمان حصولها عليها، وإتاحة أوامر الحماية للمرأة وضمان استعانتها بها، ودعم المسعفين في أداء واجباتهم، وتعزيز الوعي والمواقف الإيجابية من خلال أنشطة التدريب المستمرة.
ملاحقة مرتكبي العنف ضد المرأة:
تلبية احتياجات الضحايا والاستجابة لمخاوفهن، ووضع سياسات للحد من سقوط الدعاوى، وضمان تنفيذ استجابة إيجابية ومبكرة من قبل الشرطة لصالح الضحايا / الناجيات، وترسيخ واجب التحقيق في قضايا العنف ضد المرأة، وترسيخ واجب ملاحقة مرتكبي العنف ضد المرأة, وتعزيز الثقة بأجهزة الشرطة والقضاء، وتعيين مدعين عامين متخصصين، وإنشاء محاكم متخصصة، والنظر في اعتماد سبل بديلة لتسوية النزاعات, والتأكد من أن النظم القانونية التعددية تتوافق مع نهج تقوية المرأة.
معاقبة مرتكبي العنف ضد المرأة:
محاسبة الجناة، وضمان معاقبة الجناة عقابًا يتناسب مع الجرم المرتكب, وتحقيق الأهداف المرجوة من العقوبة، وتوسيع نطاق نظام العقوبات القائم بحيث لا يقتصر على السجن عند الاقتضاء، وضمان وضع عقوبات ترتكز على مبدأ أن العنف ضد المرأة غير مبرر.
توفير سبل الانتصاف للمرأة المعرضة للعنف:
اعتماد منظور محوره الضحية/ الناجية وكفالة التعامل مع العنف ضد المرأة على نحو يتناسب مع خطورة الضرر أو الخسارة المتكبدة، وتحمل مسؤولية تقديم الجناة التعويضات اللازمة للضحايا / الناجيات، والعمل على تحقيق إصلاح مؤسسي وتغييرات جذرية
نماذج من قضايا تم ملاحقة المجني عليها أو المبلغين أو الشهود أو التعدي عليهم بسبب اللجوء إلى العدالة:
-
قضية (المول)
تعرضت “س. ط” التي عرفت إعلاميًا باسم “فتاة المول” إلى جريمة انتقام مروعة من قبل (ه. أ) والذي كان قد تحرش بها وتعدى عليها بالضرب في عام 2015 مما أدى إلى حبسه لمدة أسبوعين في القضية 12501 لسنة 2015، حيث كان الجاني يتتبع الناجية وقام في السبت 14 أكتوبر 2017 يضربها في وجهها بسلاح أبيض “كاتر” أثناء خروجها من صيدلية بمصر الجديدة، وأوضح التقرير الطبي وجود جرح قطعي بالوجه بطول 20 سم طبقًا للناجية، فالجاني كان يحاول ذبحها لكنها التفتت فأحدث جرحًا في وجهها وفر هاربًا، وقد تم القبض على الجاني في نفس اليوم وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، والجدير بالذكر أن الجاني (ه. أ) كان أيضًا متهمًا في قضية اغتصاب عام 2001.
-
قضية أحمد بسام زكي
أحدثت قضية الشاب أحمد بسام زكي، الطالب بالجامعة الأمريكية، الصادر حكم بحبسه 11 سنوات في أربعة اتهامات بهتك عرض 3 فتيات والبراءة في 13 تهمة منها التحرش والتهديد والابتزاز لم تطعن عليها النيابة, حراكًا واسعًا ضد جرائم التحرش والاغتصاب على خلفية اتهامه بارتكاب أعمال منافية للآداب تحت وطأة التهديد والإكراه, بدأت بتدوينات فردية تتهمه عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى تدشين “هاشتاج” كان الأوسع انتشارًا والأكثر تفاعلاً لعدة أيام.. وحتى صدور قرار رسمي بحبسه، تلك كانت البداية المشجعة على تجاوز حاجز الصمت، والتي منحت الجميع أمل أن يكون لتلك القضية تأثير كورة الثلج على المستوى الاجتماعي والقانوني في التعاطي مع قضايا العنف الجنسي.
بدأت أحداث القضية بقيام طالبة بكتابة منشور حول تعرضها للتحرش من قبل (أ. ب. ز) في إحدى المجموعات التي تجمع طلاب الجامعة، وتفاعل العديد من المعلقين والمعلقات مع المنشور ما بين فتيات حكين تعرضهن لاعتداءات مختلفة من نفس الشخص وآخرين شككوا فى محتوى المنشور واتهموا الفتاة بالكذب، وعندما حذف مديرو المجموعة المنشور تعددت الأقاويل ما بين أن الحذف تم بدعوى عدم وجود إثبات على هذه الإدعات وبين تعرضهم للتهديد من قبل (أ. ب. ز)
تم إنشاء صفحة “شرطة الاعتداء” Assault Police بعد ذلك لتتيح للفتيات نشر شهاداتهن عن وقائع (أ. ب. ز) بشكل مجهل تمامًا, وهو ما شجع العديد منهن على التواصل مع الصفحة وإرسال الاثباتات اللازمة إن وجدت.
إن مجهولية البيانات ساعدت وشجعت الفتيات على تقديم إثبات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن
محاسبة الجناة، وضمان معاقبة الجناة عقابًا يتناسب مع الجرم المرتكب، وتحقيق الأهداف المرجوة من العقوبة، وتوسيع نطاق نظام العقوبات القائم بحيث لا يقتصر على السجن عند الاقتضاء، وضمان وضع عقوبات ترتكز على مبدأ أن العنف ضد المرأة غير مبرر.
إثباتًا رسميًا كان يشكل – لحظتها – عقبة أمامهن, خاصة في ظل إتاحة بيانات المبلغات للشخص المبلغ ضده، الأمر الذي قوبل بالخوف من معظم الفتيات وبالرفض من معظم الأهالي خاصة الفتيات تحت السن القانوني وبالتالي يحتجن موافقة ولي الأمر لاتخاذ الإجراءات الجنائية، فقط فتاة واحدة تقدمت باثبات حينها وفقًا لبيان النائب العام في 4 يوليو 2020 والذي نص على: “وأكدت النيابة العامة، بتلك المناسبة عدم تلقيها أي شكاوى رسمية أو بلاغات ضد المذكور من أي شاكية أو متضررة منه، سوى شكوى واحدة من إحدى الفتيات قدمتها عبر الرابط الإلكتروني الرسمي لتقديم الشكاوى إلى النيابة العامة.
في التاسع من يوليو 2020، أصدر مجلس الوزراء بيانًا بعد الاجتماع رقم 99 للحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي يوافق فيه على مشروع قانون حماية سرية أقوال المجني عليها في قضايا التحرش والاعتداء الجنسي في خطوة هامة وجدية لحماية بيانات الفتيات المبلغات, وهو ما تم صدوره فعليًا في 5 سبتمبر بقانون رقم 177 لسنة 2020.
كان لقرار مجلس الوزراء في حينه أثر مهم في تقدم عدة فتيات للابلاغ والشهادة ضد (أ. ب. ز) حتى وصل عددهن إلى 9 فتيات, تنوعت التهم ما بين هتك عرض قاصر والتحرش الجنسي والابتزاز، استمرت التحقيقات قرابة الشهرين ليصدر قرار إحالة (أ. ب. ز) للمحاكمة في سبتمبر 2020، وجدير بالذكر أن الفتيات المبلغات لم تنشرن أسماءهن حتى هذه اللحظة.
-
قضية الفيرمونت
وفي شهر أغسطس الماضي. أمر النائب العام المستشار حمادة الصاوي, بالتحقيق في شكوى التعدي على فتاة جنسيًا بـ “فندق فيرمونت نايل سيتي” بالقاهرة, وذكرت النيابة العامة – في بيان لها – أنها تلقت كتابًا من “المجلس القومي للمرأة“، مرفقًا به شكوى قدمتها إحدى الفتيات إلى المجلس من تعدي بعض الأشخاص عليها جنسيًا خلال عام 2014 داخل “فندق فيرمونت نايل سيتي” بالقاهرة، ومرفق بشكواها شهادات مقدمة من البعض حول معلوماتهم عن الواقعة. وأمر النائب العام بفحص ما قُدم من أوراق وتحقيق الواقعة تحقيقًا قضائيًا. وأكدت النيابة العامة أنها ستقولى إعلان ما يمكن إعلانه من نتائج التحقيقات في الوقت الذي تراه مناسباً، وذلك حفاظًا على سلامة التحقيقات وحسن سيرها.
كما أكدت النيابة العامة ضرورة الحفاظ على سرية المعلومات الخاصة بالمتهمين قبل الشروع في التحقيقات وإلقاء القبض عليهم واستجوابهم, لعدم منحهم فرصةً للهروب، وضمانًا لسلامة التحقيقات, مؤكدة أن الحفاظ على سرية بيانات المتهمين لا يقلُ أهمية عن الحفاظ على سرية بيانات المجني عليهم في مثل الواقعة المطروحة وغيرها…
ويسبب الاحتفاء ببيان المجلس القومي للمرأة وسرعة الاستجابة بتقديم البلاغ والإشارة لحماية بيانات المبلغين والشهود في قرار مجلس الوزراء الصادر بعد الاجتماع رقم 99, قرر عدد من الفتيات والشباب التطوع بالشهادة في هذه القضية، إلا أن الأمر اتخذ منحى غاية في الخطورة بعد ذلك، ففي الفترة ما بين 24 حتى 27 أغسطس تم القبض على عدة أشخاص كانوا شهودًا في قضية الفندق الشهير, فهل كانت الصدفة فقط هي العامل المشترك؟ أسماء الشهود لم تكن معلومة لأي طرف حتى إدلائهم بالشهادة، فكيف ولماذا تم القبض عليهم؟
في 31 أغسطس أصدرت النيابة العامة بيانًا ذكرت فيه حبس بعض المتهمين وإخلاء سبيل آخرين “وذلك على ذمة التحقيق معهم في وقائع اتهموا فيها بمناسبة التحقيقات الجارية في واقعة التعدي, فماذا يعني وقائع اتهموا فيها بمناسبة التحقيقات الجارية؟ وما هي تلك الوقائع التي لم يتم الإفصاح عنها؟ هل تكشفت تلك الوقائع بسبب شهاداتهم أم كانت جرائم تحاول النيابة الوصول لمرتكبيها؟ هل ورطت الشهادة في هذه القضية قائليها؟ وهل تم اتخاذ الشهادة دليلاً على جريمة لم تكن أصلاً محل تحقيق؟ هل للمتهمين دور في الأدلة التي تم التحقيق فيها كما تداولت الأخبار من قبل؟ أسئلة كثيرة بلا إجابات سوى واحدة وهي أنه لولا الشهادة لما عُرفت أسماء الشهود ولما تم اتهامهم.
القبض على بعض الشهود في هذه الواقعة خلق جدالاً مهمًا على مواقع التواصل الاجتماعي ونقدًا لاذعًا ضد المجلس القومي للمرأة الذي وعد بحماية المبلغين والشهود ثم اختفى من المشهد وكل ما يتعلق بالقضية.. أدى هذا الجدل لتراجع العديد من الفتيات عن إثبات أو الشهادة في قضايا العنف الجنسي خاصة إن كان المتهم ذا منصب ومال خوفًا من تكرار سيناريو قضية الفندق. الوصمة التي كسرت بعد (أ. ب. ز) عادت وبقوة في هذه القضية، والدعم الذي تلقته فتيات القضية الأولى اختفى تمامًا في هذه القضية.
وفى مايو 2021 أعلنت النيابة العامة في مصر عن غلق البريد الإلكتروني المنشأ بمناسبة التحقيقات في واقعة الاعتداء على فتاة بفندق فيرمونت نايل سيتي.
كما أصدرت النيابة العامة، أمرًا مؤقتًا بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في قضية مواقعة أنثى بغير رضائها بفندق فيرمونت نايل سيتي خلال عام 2014، وذلك لعدم كفاية الأدلة فيها ضد المتهمين, وأمرت بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا منهم.
وكانت تحقيقات النيابة العامة في الواقعة قد استمرت نحو 9 أشهر استنفدت فيها كافة الإجراءات سعيًا للوصول إلى حقيقتها, وتوصلت منها إلى أن ملابساتها تخلص في مواقعة المتهمين المجني عليها بغير رضائها بجناح بالفندق حال فقدانها الوعي خلال حفل خاص حضرته عام 2014, ولكن الأدلة لم تبلغ حد الكفاية ضد المتهمين لتقديمهم إلى المحاكمة الجنائية عنها.
أعلنت النيابة العامة أن التحقيقات الموسعة التي أجرتها في ما يعرف إعلاميًا باغتصاب “فتاة الفيرمونت“, وما رافقها من تسجيلات وبلاغات وشهادات, قادت إلى إثبات الاتهامات بحق 3 من المتهمين في واقعة ثانية، اغتصبوا خلالها فتاة في الساحل الشمالي عام 2015.. وبناء عليه أمرت النيابة العامة بإحالة المتهمين الثلاثة إلى محكمة الجنايات المختصة.
بينما أعلنت النيابة العامة أن التحقيقات الموسعة التي أجرتها في ما يعرف إعلاميا باغتصاب “فتاة الفيرمونت“, وما رافقها من تسجيلات وبلاغات وشهادات قادت إلى إثبات الاتهامات بحق 3 من المتهمين في واقعة ثانية، اغتصبوا خلالها فتاة في الساحل الشمالي عام 2015.
وبناء عليه أمرت النيابة العامة بإحالة المتهمين الثلاثة إلى محكمة الجنايات المختصة.
وفي نوفمبر 2021 قضت محكمة مصرية، بالسجن المؤبد لمدة 15 عامًا، على ثلاثة متهمين بعد إدانتهم باغتصاب فتاة في محافظة مطروح بالساحل الشمالي، رغم حفظ التحقيقات بحق نفس المتهمين وآخرين بالقضية المعروفة إعلاميًا باسم “قضية فتاة الفيرمونت“. تضمن الحكم السجن المشدد 15 سنة للمدان الأول حضوريًا، والسجن المؤبد على المدانين الثاني والثالث غيابيًا، نظرًا لهروبهما.
وقائع التحرش هذه كانت سببًا في موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، بما ينص على عدم إثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات, أو في المادتين 306 مكررًا أو 306 مكررًا ب, من ذات القانون, أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996, وينشأ في الحالة المشار إليها, ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة, يعرض على المحكمة والمتهم والدفاع! كلما طُلب ذلك.
ويهدف التعديل إلى حماية سمعة المجني عليهم, من خلال عدم الكشف عن شخصياتهم في الجرائم التي تتصل بهتك العرض, وفساد الخلق, والتعرض للغير، والتحرش, الواردة في قانون العقوبات وقانون الطفل، خشية إحجام المجني عليهم عن إثبات عن تلك الجرائم.
يأتي ذلك في ضوء فلسفة المشرع في تعديل التشريعات لمواكبة المستجدات التي تطرأ على المجتمع, ورصد المتغيرات التي أفرزها الواقع العملي والحالات التي تحول دون الكشف عن الجرائم والوصول إلى مرتكبيها.
هذا وقد صدر القانون رقم 177 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 ونشر بالجريدة الرسمية العدد 36 مكررًا بتاريخ 5/ 9/ 2020 وهذا نصه: قرر مجلس النواب القانون الآتي نصه، وقد أصدرناه:
المادة 1 – تضاف إلى قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 مادة جديدة برقم (113 مكررًا)، نصها الآتي:
مادة 113 مكررًا – لا يجوز لمأموري الضبط أو جهات التحقيق الكشف عن بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، أو في أي من المادتين (306 مكررا / أ, 306 مكررا ب) من ذات القانون، أو في المادة (96) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، إلا لذوي الشأن.
المادة 2 – ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره.
يبصم هذا القانون بخاتم الدولة، وينفذ كقانون من قوانينها .
لكن يثور هنا السؤال حول مدى كفاية هذه التعديلات ومدى حمايتها للمجني عليهن وللشهود والمبلغين, خاصة وأن المجني عليهن دائمًا ما يترددن فى الإبلاغ عن تلك الوقائع للأسباب الآتية:
التحديات التي تواجهها (الناجية) خاصة عند الذهاب إلى أقسام الشرطة وطلب المساعدة القانونية (من طريقة التحقيق, والأسئلة الموجهة لها, والكشف الطبى…) لاثبات الاعتداء الواقع عليها مع الانتباه إلى أنه لا توجد شرطة نسائية متخصصة في جرائم العنف الجنسي ضد النساء.
-
التحديات التي تواجهها (الناجية) خاصة عند الذهاب إلى أقسام الشرطة وطلب المساعدة القانونية (من طريقة التحقيق، والأسئلة الموجهة لها, والكشف الطبى..) لإثبات الاعتداء الواقع عليها مع الانتباه إلى أنه لا توجد شرطة نسائية متخصصة في جرائم العنف الجنسي ضد النساء.
-
وجود أحكام مسبقة على الناجية بأنها أحد أهم الأسباب في وقوع لحظة الاعتداء الجنسي سواء التحرش أو الاغتصاب نتيجة لملابسها، أو طبيعة عملها, أو ديانتها، وغيرها من التبريرات التي تعزز ثقافة التحرش أو الاغتصاب.
-
خوف الناجية من عواقب تقديم بلاغ ضد المعتدي لما يقع عليها من مسؤوليات وما يشعرها بالخزى والوصمة من المجتمع المحيط وأنها سبب ما تعرضت له من اعتداء.
-
رد الفعل المجتمعي تجاه الضحية من رفض الاعتراف بالفعل والانشغال بأمور أخرى تبدو أكثر أهمية من الفعل نفسه مثل: الفضيحة – هل هناك علاقة سابقة بينها وبين المغتصب – مكان ووقت وقوع الحادث ..إلخ.
-
رفض الناجية ووصمها مجتمعيًا خاصة من الدوائر المحيطة (الأهل – الأصدقاء – والمعارف..) التي من المفترض أن تكون مساندة لها .
-
صعوبة وصول النساء إلى خدمات الإنترنت, خاصة لو أتيحت آليات للتبليغ إلكترونيًا عن وقائع العنف ضدهن، إضافة لارتفاع معدلات الأمية بين النساء تحديدًا.
-
عدم فعالية مكاتب مكافحة العنف ضد المرأة في الأقسام المختلفة بسبب تركيز الشرطة على مكافحة التحرش في المجال العام وقت الأعياد والاحتفالات فقط.
-
التهاون مع جرائم العنف الإلكترونية ضد النساء وانتهاك خصوصية وسرية البيانات خاصة في الجرائم الإلكترونية، حيث يزداد تعرض النساء لانتهاك خصوصية البيانات عند تحرير المحضر، لاسيما لو تعلق المحضر بحالة عنف جنسي إلكتروني، في هذه الحالة يجب عليها الإدلاء ببيانات حسابها على التواصل الاجتماعي وهذا الأمر مطلوب فقط في الحالات التي يتطلب فيها الخبير التقني.
-
عدم وضوح خطوات التحقيق بعد تقديم بلاغ إلكتروني متعلق بالتعرض للعنف. فعلى سبيل المثال أتاح المجلس القومي للمرأة طرق إلكترونية للفتيات لتقديم بلاغ متعلق بالتعرض للعنف والعنف الجنسي, إلا إنه لم يكن واضحًا ما هي الخطوات التالية بعد تقديم البلاغ بشكل إلكتروني؟، وما هي طرق التدخل لحماية المبلغات؟.
في الحقيقة إن هذا التعديل لا يغني ولا يسمن من جوع، كما أنه لا يحقق الحماية المنشودة، فالمخاطر التي تواجه الناجيات والمبلغين والشهود أكبر بكثير من هذا التعديل الجزئي الذى جاء ذرا للرماد لا أكثر, وستظل التعديلات الجزئية غير كافية حتى يخرج إلى النور قانون متكامل لحماية النساء من العنف في المجال الخاص والعام وحتى يكون هناك قانون متكامل لحماية المبلغين والشهود والخبراء فالعدالة خطوات عملية وليست مجرد نتيجة، وهناك وعي متزايد بالحاجة إلى اتباع إجراءات خلال المحاكمة ومراحلها تضمن كرامة الضحايا وحمايتهم. فلا ينبغي أبدًا أن يقع الضحايا، أو يشعروا أنهم وقعوا عرضة للتلاعب أو الاستغلال أو الخطر من جراء عمليات العدالة، كما أنه من الضروري إجراء إصلاحات هيكلية لتعزيز المساءلة المؤسسية. ويمكن أن يشمل ذلك وضع معايير سلوك مهنية، وإجراءات الشكوى والإجراءات التأديبية, وآليات الرقابة.
فغالبًا ما تتعرض المبلغات عن جرائم العنف الجنسي لانتهاك خصوصيتهن في مرحلة التبليغ ومراحل التقاضي المختلفة والتي تتخذ العديد من الأشكال, ومنها تسريب بيانات للناجيات عبر محاضر الشرطة في الأقسام وأحيانًا النيابات, مما يجعل الكثير من الناجيات يتراجعن عن فكرة التبليغ ككل أو التنازل عن محضر الشرطة بعدها يذهب – في أغلب الأحيان – أحد أقارب الجاني إلى محل إقامة الناجية المسجل في المحضر وابتزازها عاطفيًا أو تهديدها بالتعرض لها لكي تتنازل عن محضر الشرطة أو عن القضية ككل في حالة إحالتها إلى النيابة، وفي أحيان أخرى تمثل معرفة الأهل أو الأقارب في حد ذاتها تهديدًا لسلامة الناحية النفسية والجسدية، بسبب ثقافة لوم الناجيات المنتشرة في المجتمع. كما أن غياب قانون لحماية المجني عليهن والشهود يجعل هذا الأمر شديد الانتشار، ودائمًا ما تشعر المبلغات بعدم الأمان والخوف عندما يحدث ذلك ويدفعهم للتنازل عن المحضر.
كما يشكل الإثبات في جرائم العنف الجنسي عائقًا، ويؤدي في بعض الأحيان إلى حفظ الشكاوى والبلاغات. فوقوف المحقق على حقيقة واقعة تنطوي على جريمة أو شبه جريمة يقع عبء إثباتها عليه لكونه المدعي بالحق الجنائي للمجتمع ومحرك الدعوى الجنائية. وحتى تتوفر عناصر الاشتباه يجب أن يكون كلام المجني عليها منطقيًا وعليها أن تقيم دليلاً على صحة الواقعة, استنادًا إلى قاعدة “البينة على من ادعى” و“الدليل” في الإجراءات الجنائية متنوع وليس له شكل ثابت، فأي شيء يمكن أن يكون دليلاً، ولكن يجب أن يكون هذا الدليل قد تم التحصل عليه من إجراءات مشروعة، فيكون من الصعب في أغلب الأحوال على الناجيات من جرائم العنف الجنسي إقامة الدليل عند التبليغ والشكوى، وذلك لأسباب مختلفة وعديدة منها:
-
تقع العديد من جرائم العنف الجنسي في أماكن مزدحمة ويبقى من الصعب أيضًا على الناجية إيجاد شاهد لإثبات صحة الواقعة, حيث إن الإجراءات المتبعة لتحرير محضر بالواقعة في قسم الشرطة المختص، ثم الذهاب للنيابة للإدلاء بأقوال الشاهد في اليوم التالي – على الأغلب –لحدوث الواقعة, تشكل عائقًا أمام الشاهد، وفي كثير من الأحيان على الناجية أيضًا، بسبب طول الوقت الذي تتخذه تلك الإجراءات، مما يدفع الناجية إلى التنازل عن المحضر في قسم الشرطة وأحيانًا أخرى في النيابة.
-
إن بعض الجرائم تقع في أماكن خالية من المارة, لكونها مناطق نائية أو بسبب عامل الوقت، وعليه يصعب إيجاد شاهد إثبات واحد على صحة الواقعة، الأمر الذي قد يدفع المحقق لحفظ الشكوى أو البلاغ لعدم كفاية الدليل وكإثبات للحالة فقط.
-
حينما تحدث جرائم العنف الجنسي في أماكن العمل، يكون إثبات حدوث الواقعة في معظم الأحيان من الصعوبات التي تواجه الناجيات وذلك لعدة أسباب، منها مثلاً أنه على الأغلب ما تحدث تلك الجرائم في مناطق خالية من العاملين أو/ وخالية من كاميرات المراقبة، كما أنه على الأغلب ما ترتكب تلك الجرائم من قبل أفراد لديهم سلطة أكبر على الضحية مثل المدير أو صاحب العمل.
-
بعض الجرائم لا يصدقها المحقق ولا يتصور حدوث الواقعة على النحو الذي روته الشاكية أو المبلغة (كقيام شخص بإظهار عضوه الذكري للناجية في المواصلات العامة متعديًا عليها جنسيًا بذلك الفعل ثم يقوم بإخفائه سريعًا) فإذا ما رويت الناجية للمحقق تلك الرواية لن يقتنع بكلامها، أو لن يعتبر الفعل المرتكب اعتداء من وجهة نظره، ومن الجرائم التي تعتبر (إشكالية) وتقع تحت تعريف جريمة التحرش الجنسي، إظهار العضو الذكري للنساء في الشارع أو في المواصلات العامة والخاصة، وكذلك الاستمناء في بعض الأحوال، ومن ثم يحفظ المحضر لعدم وجود أدلة.
-
إثبات عدم الرضا بجريمة الشروع في الاغتصاب وهتك العرض الذي لا يترك علامات للمقاومة على جسد الناجية، ويصعب على الناجيات إثبات الجريمة، فيعرف القانون فعل الإكراه على أنه “قد يكون ماديًا أو أدبيًا, ويتحقق الإكراه المادي بارتكاب فعل من أفعال القوة والعنف على جسم المرأة مما يؤثر على المجني عليها فيعدمها الإرادة ويقعدها من المقاومة ولا يشترط أن تترك أثر جروح في المجني عليها، إذ العبرة بالقدر اللازم لشل مقاومة المجني عليها وهو أمر يتوقف على ظروفها الشخصية وحالتها الصحية. أما الإكراه الأدبي فيقع بطريق التهديد بإلحاق شر مستطير بجسم المجني عليها أو مالها أو سمعتها أو شخص عزيز عليها، وغير ذلك مما من شأنه أن يشل إرادتها ويخضعها لرغبة الجاني. وهناك عوامل أخرى تعد في حكم الإكراه مثل المباغتة, والخداع وغيره من سبل الغش, وانتهاز فرصة فقد المجني عليها شعورها في أثناء النوم، أو الإغماء، أو انعدام الشعور بسبب السكر, أو الجنون وما في حكمه مما يعدم الإرادة.
غالبًا ما تتعرض المبلغات عن جرائم العنف الجنسي لانتهاك خصوصيتهن في مرحلة التبليغ ومراحل التقاضي المختلفة والتي تتخذ العديد من الأشكال, ومنها تسريب بيانات للناجيات عبر محاضر الشرطة في الأقسام وأحيانًا النيابات، مما يجعل الكثير من الناجيات يتراجعن عن فكرة التبليغ ككل أو التنازل عن محضر الشرطة.
عند الحديث عن حماية الناجيات من العنف الجنسي بوصفهن مجنيًا عليهن أو شهودًا لا يمكننا إغفال الإسهامات السابقة لمؤسسات المجتمع المدني والتي تم بلورتها في صورة مقترحات لقوانين بدأت مع:
أولاً: “مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري”
والذي بدأته مؤسسة النديم، ثم عملت 7 منظمات حقوقية مهتمة بالعمل النسوي, على صياغة مسودته الأخيرة بعنوان “قانون موحد لمكافحة العنف ضد النساء” ذلك المقترح الذي تضمن في الباب الرابع الخاص “بالأمر الوقتى بالحماية” الحديث عن حماية المجني عليها.
-
والذي نص فى الباب الثاني منه الخاص بـ (إجراءات التقاضي) على أن “تحرك الدعوى العمومية لأي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بواسطة النيابة العامة أو بناء على شكوى من المجني عليها أو من وكيلها، ويتم تقديم الادعاء أو الشكوى المباشرة, أمام المحكمة المختصة, ممن له صفة لطلب التعويض, كما تقدم البلاغات عن حوادث العنف ضد المرأة إلى وحدة الشرطة المختصة من قبل كل من اتصل إلى علمه حدوث العنف، لاسيما:
-
شهود العنف
-
أعضاء أسر الضحايا أو من تربطه بهن علاقات وثيقة.
-
مقدمو الخدمات الاجتماعية والطبية والتربوية من القطاعين العام والخاص.
-
مراكز تقديم المساعدة في مجال العنف ضد المرأة.
-
وحدات مناهضة العنف ضد المرأة بالجمعيات الأهلية غير الحكومية العاملة في هذا المجال.
-
ونص على معاقبة كل من يقوم بمحاولة إكراه الضحية أو ممارسة الضغط عليها بهدف رجوع الأخيرة عن شكواها, بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة.
-
كما اعتبر اهمال المحقق للشكاوى والبلاغات في جرائم العنف تقصيرًا مستوجبًا الإحالة إلى المجلس التأديبي.
-
وألزم بتوفير الحماية اللازمة للمجني عليها من أي تهديد أو عنف، خاصة في جرائم العنف الأسري ونقلها إلى مكان آمن أو أحد دور الضيافة اذا لزم الأمر أو طلبت المجني عليها ذلك.
-
كما ألزم النيابة العامة بعبء إثبات الواقعة والقيام بالتحري والإجراءات والتدابير اللازمة كافة لحماية الضحية، ويجوز للضحية تقديم أي أدلة تثبت الجريمة.
-
ونص على أن بيانات الضحية والشهود وما يُدلى به من أقوال، بدءًا من تقديم الشكوى، بيانات سرية لا يجوز لغير من لديه الصفة الاطلاع عليها ولا يجوز نشرها إلا بالموافقة الكتابية للضحية أو لوليها إن كانت قاصرًا بشرط ألا يكون موجهًا إليه الاتهام من قبل الضحية. ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر.
ثانيًا: مقترح القانون الذي أعدته “مؤسسة قضايا المرأة المصرية“: “تنظيم الحق في حماية الشهود والمبلغين والخبراء“
ففي 2015, أعدت المؤسسة مقترح قانون لحماية الشهود والمبلغين. يتضمن هذا القانون 36 مادة، وجاء فيه:
-
تنظيم إنشاء اللجنة العامة لحماية الشهود والمبلغين والخبراء وفروعها وتشكيل اللجنة وإجراءاتها واختصاصاتها وإنشاء الصندوق وإجراءاته.
-
وحدد مقترح القانون اللجان العامة المختصة بحماية الشهود والمبلغين. وتتكون من ممثلين عن المجلس الأعلى للقضاء لا تقل درجته الوظيفية عن رئيس محكمة استئناف، وعن وزارة الداخلية, والمجلس القومي لحقوق الإنسان، والنيابة العامة، وممثل عن المجلس القومي للمرأة, والمجلس القومي للأمومة والطفولة, وممثلين عن منظمات المجتمع المدني ذات الصلة.
-
كما نص في مادته السادسة على أنه “تعتبر بيانات المشمول بالحماية وأسرته وذويه ممن يحتمل تعرضهم للخطر سرية طوال مدة شموله بالحماية وحتى رفع الحماية عنه نهائيًا لأي سبب من الأسباب“.
-
وفيما يتعلق بالأحكام العقابية, حددت المؤسسة في المقترح، بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة. والغرامة التي لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه، كل من أفشي البيانات.
-
كما ناقش مقترح المؤسسة سن التقاضي للمبلغات, والذي كان مثالاً في قضية (أ. ب. ز). حيث رفض عدة أولياء أمور التقدم للإبلاغ عن الاعتداء الواقع على الفتيات بالرغم من أن الفتيات أنفسهن أردن اتخاذ المسار القانوني الصحيح. وطلبت المؤسسة أن يتم السماح للفتيات والفتيان في سن الـ 18 بتحرير توكيلات أو مباشرة حقوقهم القانونية بأنفسهم. وذلك اتساقًا مع السماح لفئة هذا السن بمباشرة الحقوق السياسية مثلاً بالانتخاب.
نص “مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري” على أن بيانات الضحية والشهود وما يُدلى به من أقوال, بدءًا من تقديم الشكوى, بيانات سرية لا يجوز لغير من لديه الصفة الاطلاع عليها ولا يجوز نشرها إلا بالموافقة الكتابية للضحية أو لوليها إن كانت قاصرًا بشرط ألا يكون موجهًا إليه الاتهام من قبل الضحية. ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر.
وكذلك مشروع القانون المقدم من المجلس القومي للمرأة والذى شمل في الباب الرابع حماية ضحايا وشهود العنف ضد المرأة, في المواد من 22 إلى 34.
كما لا يمكننا أيضًا إنكار المجهودات التي بذلتها الدولة في ذلك السياق على مدار السنوات الماضية لمواجهة العنف الجنسي مثل إنشاء إدارة لمتابعة جرائم العنف ضد النساء تابعة لوزارة الداخلية في 2013 ، وتعديل قانون العقوبات وإصدار استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة من قبل المجلس القومي للمرأة في مايو 2015، لكن هذه الاجتهادات تحتاج إما إلى التفعيل أو المراجعة في ظل تزايد وتيرة العنف ضد النساء، كما تحتاج إلى تضافر هذه الجهود لتوفير حماية متكاملة للنساء والفتيات من العنف المبني على النوع الاجتماعي.
تجارب دولية في حماية المجني عليهن والشهود في قضايا العنف المبنى على النوع الاجتماعي باستعراض عدد من القوانين والتشريعات يتبين لنا بسهولة أن الدول التي تعتمد تعاريف أوسع نطاقًا للعنف ضد المرأة، قادرة أكثر من غيرها على توثيق انتشاره، وبالتالي على توفير مجموعة أكثر تنوعًامن الخدمات لضحاياه. في المقابل، يؤثر غياب تعريف واضح وواسع النطاق للعنف ضد المرأة تأثيرًا سلبيًا على تنفيد تشريعات وطنية في مواجهته، وهذا يتضح في تشريعات تونس ولبنان في مواجهة العنف ضد النساء, هذا من جانب.
ومن جانب ثان, يقتضي تطبيق القانون كفاءة العدالة الجنائية وضمان توفير الحماية اللازمة للمتعاونين معها خاصة في الوقائع محل التحقيق الجنائي، ومن بين الإجراءات التي استحدثتها السياسات الجنائية الأخذ بالتدابير بقصد حماية الشهود والخبراء لما لمركزهما القانوني من أهمية بالغة لإرساء العدالة. ومن أجل ضمان عدم المساس بحرياتهم الخاصة وحياتهم الشخصية، فقد سعت التشريعات المختلفة لتوفير كل ما من شأنه تكريس الحماية اللازمة للفئتين، ويظهر ذلك في اجتهادات المحاكم الجنائية الدولية والمعاهدات العالمية.
فحماية الشهود من المسائل الأكثر إلحاحاً وأهمية في سياق مكافحة جرائم الفساد، ذلك أن توفير الحماية القانونية للمتعاونين مع العدالة من شهود وخبراء ومبلغين، على اعتبار أنهم يؤدون مهامًا جسيمة محفوفة بالكثير من المخاطر, وهو ما أدركه المجتمع الدولي، وترجمته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كأحد أهم البنود الواجب تحقيقها ضمن أي آلية لمكافحة الفساد, عبر المادة 32 منها بعنوان حماية الشهود والخبراء والضحايا، والتي نصت على أن تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقًا لنظامها القانوني الداخلي، وضمن حدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعالة للشهود والخبراء الذين يُدلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرمة وفقًا لهذه الاتفاقية، وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء، من أى انتقام أو ترهيب مُحتمل كما نصت المادة 33 بعنوان حماية المبلغين على أن تنظر كل دولة طرف في أن تُدخِل بصلب نظامها القانوني الداخلي تدابير مناسبة لتوفير الحماية من أي معاملة لا مسوغ لها لأي شخص يُبلِغ – بحسن نية ولأسباب وجيهة – السلطات المختصة بأي وقائع تتعلق بأفعال مجرمة وفقًا لهذه الاتفاقية.
حماية الشهود من المسائل الأكثر إلحاحاً وأهمية في سياق مكافحة جرائم الفساد، ذلك أن توفير الحماية القانونية للمتعاونين مع العدالة من شهود وخبراء ومبلغين، على اعتبار أنهم يؤدون مهامًا جسيمة محفوفة بالكثير من المخاطر، وهو ما أدركه المجتمع الدولي، وترجمته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كأحد أهم البنود الواجب تحقيقها ضمن أي آلية لمكافحة الفساد.
بدأ برنامج حماية الشهود في العالم بشكل غير رسمي, في منتصف القرن التاسع، وكان من أبرز الدول التي استخدمت هذا الحق في الدفاع عن مواطنيها: أمريكا والفلبين وبريطانيا وأوكرانيا وأيرلندا والسويد وسويسرا وكندا.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية, هي صاحبة براءة الاختراع في التفكير ببرنامج لحماية الشهود عام 1970، ولجأت رسميًا لوضع قانون لحماية الشهود عام 1976، وعرف عالميًا باسم “أمن الشهود“.
القانون التونسي
حدد القانون مجموعة من الحقوق التي تتمتع بها المرأة ضحية العنف، والتي توفر لها الحماية القانونية المناسبة لطبيعة العنف المسلط عليها وحق النفاذ إلى المعلومة والإرشاد القانوني والتمتع وجوبًا بالإعانة العدلية والتعويض العادل. وعلى الدولة المسؤولية فيما يخص المتابعة الصحية والنفسية والمرافقة الاجتماعية والإيواء الفوري في حدود الإمكانيات المتاحة. وينص القانون على التزام المهنيين (مثل الممارسين الطبيين) بواجب إشعار الجهات المختصة بحالات العنف ضد المرأة. ويمكن للنساء طلب الحماية من السلوك العنيف لأزواجهن وغيرهم من الرجال، بما في ذلك الزوج السابق (المنفرق أو المطلق)، أو الخطيب أو الخطيب السابق.
وفيما يتعلق بوزارتي العدل والداخلية, فهم مطالبون بوضع برامج لمكافحة العنف ضد المرأة في التدريس والتكوين في المؤسسات المعنية لتطوير طرق التعاطى مع شكاوى وقضايا النساء. وتتخذ وزارة العدل كل التدابير إعادة تأهيل مرتكب جريمة العنف وإعادة إدماجه في الوسط العائلي والاجتماعي.
كما يوجد مجلس النظراء للمساواة وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل، وهو هيئة استشارية أنشئت
بموجب المرسوم الحكومي عدد 626/ 2016. وتتمثل مهمته الرئيسية في تعميم النهج المراعي للمساواة بين الجنسين في سياسات وخطط التنمية في تونس) التخطيط والبرمجة والتقييم والميزانية (بهدف القضاء على جميع أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات. كما أن المجلس مخول بإبداء الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بحقوق النساء. ومنذ أن أدخل قانون القضاء على العنف ضد المرأة (عدد ٥٨ لعام ۲۰۱۷) حيز التنفيذ في عام 2018 تم وضع اتفاقية إطارية مشتركة بين المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية لدعم النساء ضحايا العنف. وتهدف الاتفاقية إلى توحيد نهج مشترك بشأن العنف ضد المرأة وإرساء الممارسات الجيدة من المنطقة, لتعميمها في أطر منسقة. كما تهدف الاتفاقية إلى الوصول إلى الفعالية المرجوة في معالجة العقبات التي تواجه النساء ضحايا العنف. كما ستنفذ تدابير قطاعية لدعم النساء ضحايا العنف في قطاعات العدل والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والمرأة.
القانون اللبناني
كان للبنان الريادة فى وضع قانون متكامل لحماية النساء والأطفال من العنف الأسري بالقانون رقم 293 لـ “حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري” الذي أقره المجلس النيابي في 1/ 4/ 2014 ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/ 5/ 2014
وينقسم هذا القانون إلى قسمين:
قسم عقابي: يشدد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني في حال ارتُكبت بين أفراد الأسرة، ويجرم الضرب والإيذاء.
قسم حمائي: يشمل أمر الحماية الذي بإمكان الضحية طلبه بهدف إبعاد المعلّف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل، أو نقلها مع أطفالها إلى مكان آمن. تشرح في الأسئلة اللاحقة تفاصيل قرار الحماية وكيفية الحصول عليه.
وجدير بالذكر أن هذا القانون لا يجرم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الاغتصاب الزوجي بحد ذاته، إنما الضرب والإيذاء والتهديد الذي يلجأ إليه الزوج للحصول على “الحقوق الزوجية، لكنه يُعاقب المعنَّف.. يجب أن تتقدمي بشكوى قضائية. إسقاطك للشكوى يوقف ملاحقة المعنَّف.
كما لا يشمل القانون العلاقات الآتية:
زواج سابق، فلا يشمل القانون الزوج السابق علمًا أن المرأة غالبًا ما تبقى مُهددة من قبله، كما لا يشمل علاقات المساكنة, والزواج الموقت, وأي علاقة خارج إطار الزواج الصحيح المعترف به قانونًا.
أوامر الحماية في لبنان:
في سبتمبر 2014 تقدمت امرأة بطلب إلى المحكمة للحصول على أمر حماية مدعية أنها تتعرض لعنف عاطفي من قبل زوجها منذ 12 عامًا، وكانت المرأة قد زُوجت وهي قاصر، وأنجبت ابنا بلغ من العمر – حينها – ثماني سنوات. وادعت أن زوجها, منذ أن تزوجا, يطردها بالقوة من المنزل، ويمنعها من رؤية ابنها، ويشتمها، ويكيل لها اتهامات باطلة، ويغتصبها. وأن الزوج كان يمنعها من العمل، فقد كان المعيل الوحيد للأسرة. وقبل التماس أمر الحماية، أجبرها على مغادرة المنزل دون أيما سبب، ومنعها من العودة إليه. ونتيجة لتعرضها للاعتداء البدني والجنسي والعاطفي طيلة الوقت, أصيبت باضطراب نفسي وبمشاكل صحية أخرى أفضت إلى ذهابها إلى المستشفى مرات عديدة. ويعتقد طبيبها أن سوء المعاملة الذي تتعرض له هو سبب أمراضها البدنية، وبعد النظر في هذه القضية في سياق القانون 293، حكم القاضي بما يلي:
-
يحظر على الزوج ممارسة أي نوع من أنواع الإيذاء البدني أو العاطفي على زوجته أو طفله.
-
يحظر على الزوج منع زوجته أو طفله من الإقامة في المنزل
-
يدفع الزوج مبلغا شهريًا قدره 500.1 دولار لإعالة طفله, ويشمل هذا المبلغ كلفة الغذاء والملبس والتعليم.
-
يحظر على الزوج إلحاق أي ضرر بالممتلكات المشتركة للزوجة أو الطفل أو بمقتنياتهما.
-
يحظر على الزوج إلحاق ضرر بأثاث منزل الأسرة واستخدام الأموال المشتركة.
وفي عرضه الحيثيات القضية, استشهد القاضي مباشرة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل, وكلها صكوك لبنان طرف فيها، كما استشهد بمبادئ القانون الطبيعي المعمول بها في لبنان
لم يعد العنف المبني على النوع الاجتماعي محل اهتمام القانون الوطني فحسب لكنه أصبح محل اهتمام القانون الدولي بفرعيه: القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومؤخرًا صدر حكم الإدانة من المحكمة الجنائية الدولية حيث أدانت المحكمة “بوسكو نتاغاندا” قائد العمليات السابق في ميليشيا “الاتحاد الوطني للدفاع عن الشعب” المتمردة في الكونغو، بارتكاب جرائم عنف جنسي باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية, كانت قد وقعت بين العامين 2002 و 2003 في مقاطعة إيتوري شمال شرق الكونغو، إبان فترة الصراع المسلح الذي بدأ في العام 1998 واستمر حتى العام 2003، هذا الحكم الذى يمكن الاستفادة منه فيما يتعلق بمجهودات المحكمة الجنائية في إطار إثبات الجريمة وتوثيقها وإجراءات المحاكمة التي تضمن حماية الناجيات والشهود.
أن القانون اللبناني لا يجرم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الاغتصاب الروحي بحد ذاته، إنما الضرب والايذاء والتهديد الذي يلجأ إليه الزوج للحصول على “الحقوق الزوجية، لكنه يُعاقب المعنف.. يجب أن تتقدمي بشكوى قضائية. إسقاطك للشكوي يوقف ملاحقة المعنف.
نموذج المحكمة الجنائية الدولية والعنف الجنسي في الكونغو
تعد جرائم العنف الجنسي انتهاكًا للسلامة الجسدية والكرامة وشرف الضحية, واعتداء خطيرًا يصيب حريتها العامة والجنسية، كما أنه ينجم عن هذه الجرائم أذى جسدي ونفسي مستمرين، فضلاً عن أن ضحايا العنف الجنسي غالبًا ما يعاقبون اجتماعيًا على هذه الجريمة المرتكبة في حقهم. وبما أن جرائم العنف الجنسي انتهاك لحقوق الإنسان. فقد ظهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتعارض معها، لأنه نص على الحق في السلامة الشخصية في مادته الثالثة، والحق في النأي عن المعاملة اللاإنسانية وعدم إخضاع الإنسان للتعذيب أو أي شكل من أشكال المعاملة القاسية م (5) ، ويتعارض مع المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية خاصة المشيرة إلى عدم جواز إخضاع الإنسان لمعاملة قاسية أو مهينة. وغالبًا ما تكون ضحية الاغتصاب والعنف الجنسي المرأة، فلذلك هو يتعارض مع اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة 1979، ونلاحظ أن الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء لم يبدأ الالتفات إليه إلا منذ عهد قريب.
افرد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عناية خاصة بجرائم العنف الجنسي التي ترتكب بحق النساء فقد قرر لها ضمانات قانونية بدءًا من خضوعها لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية بصفتها جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب, حيث كرس مجموعة من التدابير لحماية ضحايا وشهود جرائم العنف الجنسي من النساء كما أقر مبدأي عدم تقادم الجرائم والمسؤولية الجنائية الفردية اللذين يسمحان بمحاكمة كل مرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء ومعاقبتهم دون استثناء ليتحقق بذلك الهدف من وجود المحكمة الجنائية ألا وهو مكافحة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة الجنائية.
وعلى الرغم من شيوع استخدام العنف الجنسي سلاحًا بين الأطراف المتناحرة في أوقات الحروب والنزاعات, لم يصدر حكم عن المحكمة الجنائية الدولية, يدين ارتكاب جرائم العنف الجنسي في إطار النزاعات والصراعات المسلحة, باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية, إلا في الـ 8 من يوليو في العام 2019, حينما أدانت المحكمة “بوسكو نتاغاندا“، قائد العمليات السابق في ميليشيا “الاتحاد الوطني للدفاع عن الشعب” المتمردة في الكونغو، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كانت قد وقعت بين العامين 2002 و 2003 في مقاطعة إيتوري شمال شرق الكونغو، إبان فترة الصراع المسلح الذي بدأ في العام 1998 واستمر حتى العام 2003.
تنص المادة رقم (25) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن “يُسأل الشخص جنائيًا ويكون عرضةً للعقاب عن أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، في حال قيام هذا الشخص بارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، بغض النظر عن ما إذا كان ذلك الآخر مسؤولاً جنائيًا، وفي حال أمر هذا الشخص أو أغرى أو حث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها“, واستنادًا إلى هذا النص حوكم “نتاغاندا“، وأدانته المحكمة بارتكاب جرائم قتل, وشروع في قتل, واغتصاب, واستعباد جنسي, ومهاجمة مدنيات ومدنيين وتشريدهم، وتجنيد أطفال تحت سن 15 عامًا، وقضت في حكمها الابتدائي بسجنه لمدة 30 عامًا، ثم أيدت الحكم بعد الاستئناف عليه في الـ 7 من نوفمبر في العام 2019.
وقد ذكرت المحكمة في حيثيات حكمها أن “نتاغاندا“، قصد عمداً أن يتعرض المدنيون للهجوم والقتل, وأن يتم الاستيلاء على ممتلكاتهم وتدميرها، وأن يتعرضوا للاغتصاب، ويخضعون للاستعباد الجنسي, فضلاً عن تشريدهم قسريًا.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تدين فيها المحكمة الجنائية الدولية – ومقرها مدينة لاهاي في هولندا – قائدًا عسكريًا بارتكاب جرائم عنف جنسي سواء بنفسه أو على أيدي قواته, والمرة الأولى التي تدين فيها المحكمة شخصًا بتهمة الاستعباد الجنسي، وبعد تأييد الحكم أمام دائرة الاستئناف بالمحكمة, اضحت هذه القضية أول إدانة نهائية في المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم العنف الجنسي.
هذه الإدانة كانت نتيجة عدد من التدخلات المهمة:
أهمها استراتيجيات العدالة الانتقالية التي ركزت على تعزيز القدرة الوطنية على المقاضاة في جرائم العنف الجنساني والجنسي. وقد أنشئت دوائر أو محاكم متخصصة، واستُحدثت وحدات للملاحقة والتحقيق تُعنى تحديدًا بالعتم الجنساني والجنسي. وقد عمل مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان التابع لبعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية على تعزيز القدرات الوطنية، بإجراءات تشمل مساعدة القضاة العسكريين على إنشاء محاكم متنقلة وخلايا متخصصة في دعم الادعاء. وأسفرت تلك الجهود عن زيادة عدد حالات الإدانة المسجلة. وانصب تركيز أنشطة بناء القدرات الوطنية على محور مهم هو تدريب المحققين والمدعين العامين والقضاة والمسؤولين الأمنيين والمحامين والعاملين في المجال الطبي والاختصاصيين الاجتماعيين وغيرهم من العناصر الفاعلة في مجال سيادة القانون. وأُجريت الأنشطة التدريبية لبناء القدرات بمساعدة الأمم المتحدة، وكان هناك وفي متزايد بالحاجة إلى التصدي للعقبات التي يواجهها ضحايا
لم يعد العنف المبني على النوع الاجتماعي عمل اهتمام القانون الوطني فحسب لكنه أصبح محل اهتمام القانون الدولي بفرعيه: القانون الدولي الإنساني, والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومؤخرًا صدر حكم الإدانة من المحكمة الجنائية الدولية حيث أدانت المحكمة “بوسكو نتاغاندا“، قائد العمليات السابق في ميليشيا “الاتحاد الوطني للدفاع عن الشعب“. المتمردة في الكونغو، بارتكاب جرائم عنف جنسي باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
العنف الجنساني والجنسي في الاستفادة من عمليات المساءلة الجنائية. ومن هذه العقبات
-
التكلفة الباهظة في الغالب التي تترتب على تقديم الشكاوي
-
والصعوبة الجغرافية في الوصول إلى مراكز الشرطة والخدمات الطبية اللازمة للحصول على أدلة الطب الشرعي والمحاكم, ولا سيما بالنسبة إلى النساء الضحايا اللاتي يعشن في المناطق النائية ويفتقرن إلى وسائل النقل ويتحملن مسؤولية رعاية الأطفال. ويحتاج الضحايا أيضًا إلى مساعدة قانونية مجانية لمتابعة القضايا، وإلى الرعاية والدعم الطبيين لإدارة الآثار الصحية الناجمة عن العنف الجنساني والجنسي، وإلى تلقين مبادئ عمل نظام العدالة الجنائية كي لا يُتخلى عن القضايا أو تُسحب بسبب افتراضات خاطئة.
وتُعتمد حاليًا استراتيجيات مبتكرة لتذليل بعض تلك العقبات. فقد سمحت المحاكم المتنقلة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بإقامة إجراءات جنائية في المناطق النائية وأنشئت عيادات قانونية مجانية لضحايا العنف الجنساني والجنسي. وبُذلت جهود لدمج توفير الخدمات القانونية والطبية وإقامة “مراکز موحدة لتقديم جميع الخدمات” للأطفال والنساء ضحايا ذلك العنف.
-
وضع تعريف شامل متكامل لكل أنواع العنف الموجه للنساء، ذلك أن أنظمة العدالة التي تعتمد تعاريف أوسع نطاقًا للعنف ضد المرأة قادرة أكثر من غيرها على توثيق انتشاره, ولابد أن يشمل هذا التعريف جريمة الاغتصاب الزوجي.
-
الاطلاع على تجارب الدول التي سبقتنا في وضع تشريعات حماية من العنف للنساء, كالقانون التونسي واللبناني، أو تشريعات لحماية الشهود.
-
الاطلاع على تجربة المحكمة الجنائية في إدانة وملاحقة والتحقيق ومحاكمة المتهمين بجرائم العنف الجنساني والجنسي مؤخرًا، وآليات الإثبات التي استخدمتها في ذلك.
-
مراجعة كافة التشريعات التي تلقي بعبء الإثبات على ضحايا العنف من النساء والأطفال، ليصبح عبء الإثبات في هذه الجرائم على عاتق النيابة العامة.
-
استخدام وسائل الاتصال عن بعد في إجراءات التقاضي وتقديم الشكوى لضمان حماية الناجيات والشهود.
-
إجراء تعديل تشريعي ينص على عدم تقادم كل جرائم العنف, لتمكين الناجيات من ملاحقة المتهمين في تلك الجرائم مهما طالت المدة.
-
إصدار قانون متكامل لحماية الشهود والمبلغين والخبراء يحمي المعلومات والبيانات الخاصة بالتاجيات والشهود في جرائم العنف الجنسي ويراعي خصوصيتهن.
-
سرعة إصدار قانون مناهضة كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء. ويحتوي على صور وتعريفات واضحة لقضايا العنف الجنسي والأسري.
-
حماية الناجيات أثناء وبعد تحرير محضر بواقعة الاعتداء التي وقعت عليهن من الحبس عن طريق تحرير محضر مضاد من قبل الجاني.
-
استحداث نيابات مختصة للتحقيق في جرائم العنف الجنسي بحيث أن تكون سريعة البت في تلك النوع من القضايا.
-
مشاركة قاضيات مدربات على التعامل مع الناجيات من تلك الجرائم في الدوائر الجنائية وخاصة للطر القضايا المتعلقة بالعنف الجنسي, لتحسين الاستجابة القضائية لذلك النوع من القضايا.
-
تعديل سن التقاضي ليبدأ من 18 عام بدلاً من 21 .
-
توفير آليات لحماية الشهود والمبلغين على المستوى القانوني والاجتماعي والنفسي، وتوفير ملاجئ آمنة للشهود والمبلغين عند الضرورة.
-
ضرورة التواصل بين مؤسسات المجتمع المدني وبين مؤسسات الدولة، فيما يخص نظام الإحالة بشكل سريع خاصة في قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي. وكذلك في استمرار النقاش حول أهمية وجود إصدار قانون حماية الشهود والمبلغين والخبراء.
-
ضرورة توفير الحماية اللازمة للمبلغات والشهود خلال تقديم البلاغ, وعمل المحضر وأثناء التحقيق معهم في قضايا العنف الجنسي بشكل خاص.
-
ضرورة توفير شرطة نسائية واختصاصيين نفسيين واجتماعيين في أقسام الشرطة لمباشرة التحقيقات المتعلقة بجرائم العنف الجنسي ضد النساء.
-
تدريب أفراد قطاع الأمن ومؤسسات إنفاذ القانون وبناء قدراتهم في إطار مراعاة الاعتبارات الجنسانية للتصدي للعنف الجنساني والجنسي.
-
توعية الجهات الفاعلة في نظام العدالة بالتزاماتهم بالتقصي بشأن الشكاوى المقدمة.
-
دعم تطوير إجراءات تشغيلية قياسية وآليات إحالة وبروتوكولات للتصدي للعنف المبني على النوع الاجتماعي باستخدام نهج متمركز حول الناجين.
-
يجب أن يحرص القائمون على توثيق معلومات العنف الجنسي أثناء التقاضي على “عدم إلحاق الضرر” أو الحد من الأضرار التي قد يتسببون بها عن طريق الخطأ أثناء حضورهم أو عملهم.
-
البروتوكول الدولي للتحقيق في جرائم العنف الجنسي في حالات النزاع وتوثيقها – المعايير الأساسية لأفضل الممارسات بشأن توثيق العنف الجنسي كجريمة بموجب القانون الدولي الطبعة الأولى: يونيو 2014.
https://bit.ly/361SL3k
-
التقرير السنوي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان “تعزير وحماية جميع حقوق الإنسان, المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في التنمية” – دراسة تحليلية تركز على العنف الجنساني والجنسي في سياق العدالة الانتقالية – مجلس حقوق الإنسان الدورة السابعة والعشرون البندان 2 و 3 من جدول الأعمال – June 2014 30
-
تحديات تطبيق القانون رقم 293 (حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري) – 2014 منظمة “كفى عنف واستغلال” ص. 38 – 41 لبنان
https://kafa.org.Ib/ar/node/158
-
بيانات حملة “شهود بلا حماية” – مؤسسة قضايا المرأة المصرية على موقع facebook
https://bit.ly/37dyQ2z
-
مشروع القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة – موقع مؤسسة المرأة الجديدة –
nwrcegypt.org
-
ورقة بعنوان “العنف الجنسي بين فلسفة القانون وإشكاليات التطبيق” 2018 مؤسسة نظرة للدراسات النسوية
https://bit.ly/35xpl1t
-
تقرير “عدالة النوع الاجتماعي والقانون” – برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2018 – تونس
https//bit.ly/3762WDP
-
ورقة سياسات “فرص تطبيق التقاضي الإلكتروني في قضايا العنف ضد المرأة في أوقات الطوارئ والأزمات” – مؤسسة المرأة الجديدة –
https://bit.ly/3oR5i0B
-
المبادئ التوجيهية المشتركة بين الوكالات لإدارة حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي – 2017 – مؤسسة savethechildren –