كلمة الترجمة
إن فكرة ترجمة موسوعة النساء والثقافات الإسلامية هي امتداد للموسوعة في حد ذاتها باعتبارها مشروعا واعيا بأهمية إنتاج المعرفة في مجال دراسات النساء والجندر والثقافات الإسلامية.
وتذكر سعاد جوزيف، المحررة العامة لموسوعة النساء والثقافات الإسلامية، في مقدمتها أن مشروع موسوعة النساء والثقافات الإسلامية انطلق من وعي مجموعة محررات الموسوعة بدلالات وتبعات إنتاج معرفة موسوعية تتناول النساء والثقافات الإسلامية من حيث التعريف وتقديم نماذج للدراسات المتخصصة والمحورية في هذا المجال في سبيل صياغة المعرفة وتحفيز قيام دراسات وأبحاث جديدة ومتواصلة.
ومن منطلق قضية إنتاج المعرفة الموسوعية وبناء على القضايا المثارة في مقدمة الموسوعة سأضيف في “كلمة الترجمة” بعدا خاصا بدراسات الترجمة محاولة تناول بعض إشكاليات ترجمة موسوعة النساء والثقافات الإسلامية من منطلق نقل وبالتالي إنتاج المعرفة الموسوعية عن النساء والثقافات الإسلامية باللغة العربية.
لقد صدرت هذه الموسوعة أصلا باللغة الإنجليزية بهدف تقديم الأبحاث المتميزة في مجال دراسات النساء والجندر والثقافات الإسلامية إلى جمهور من القارئات والقراء العارفين باللغة الإنجليزية.
كما أن المشاركات والمشاركين في إنتاجها هم مجموعة من الباحثات والباحثين المتخصصين في هذا المجال على تنوع الخلفيات الثقافية والتخصصات المعرفية لكل باحثة وباحث، يجمعهم اهتمامهم بالدراسات النسائية وتخصصهم في مختلف أقاليم العالم الذي تسوده ثقافات إسلامية.
وسأبدأ بعرض سريع لمسيرة الترجمة ثم سأتوقف عند إشكاليات ترجمة عمل موسوعي بحجم ومضمون موسوعة النساء والثقافات الإسلامية، لأعرض أهم الإشكاليات التي اتضحت خلال عملية الترجمة من منطلق أن الترجمة لا تقتصر على نقل نص الموسوعة من اللغة الإنجليزية إلى العربية فحسب، بل تتضمن أبعادا خاصة بالسياق اللغوي والثقافي في نقل المعرفة وما يترتب عليه من إنتاج للمعرفة باللغة العربية.
ترجمة الموسوعة إلى اللغة العربية
إن فكرة ترجمة هذه الموسوعة إلى اللغات الأخرى، والبدء باللغة العربية، إنما يكشف عن عدة جوانب. أولا، حرصت مجموعة التحرير ودار النشر على نشر هذا العمل الموسوعي على نطاق واسع يتجاوز مجال القارئات والقراء باللغة الإنجليزية، وخاصة مع الأخذ في الاعتبار أن الترجمة يتم إعدادها من أجل النشر الإلكتروني المجاني. وعلى الرغم من عدم تكافؤ الفرص على مستوى العالم فيما يتعلق بإمكانيات استخدام الشبكة الإلكترونية، إلا أن وجود هذه الموسوعة على الإنترنت وتوفرها مجانا للباحثات والباحثين باللغة العربية يمثل خطوة لا يقدر قيمتها سوى من ينتمون إلى العالم العربي ويدركون مدى عجز كثير من المؤسسات الأكاديمية عن إتاحة مثل هذا العمل الموسوعي عبر المؤسسات، مع ما يتطلبه ذلك عادة من اشتراكات مالية سنوية واتصال بشبكة الإنترنت تفوق تكاليفه إمكانيات الكثيرات والكثيرين من الباحثات والباحثين بل والأكاديميين في العالم العربي. ولعلها تكون خطوة تسبق إصدار هذه الموسوعة في طبعة ورقية باللغة العربية.
ثانيا، إن اختيار اللغة العربية لترجمة المجلد الأول من الموسوعة هو اختيار واع من ناحية بمدى احتياج الباحثات والباحثين في العالم العربي إلى التعرف على مثل هذا العمل الموسوعي، وذلك لكون اللغة الإنجليزية لغة يعرفها القليل ويجيد قراءة نصوصها المتخصصة عدد أقل من الباحثات والباحثين في العالم العربي ممن تقتصر خلفياتهم على تلقي المعرفة باللغة العربية ولم يتلقوا تعليما أجنبيا. وبالتالي فإن ترجمة هذه الموسوعة إلى اللغة العربية يمثل للبعض السبيل الوحيد للتعرف على أحدث الدراسات والأبحاث في مجالات النساء والثقافات الإسلامية المكتوبة بالإنجليزية في ترجمتها إلى العربية، وخاصة مع ما نجده من أهمية قصوى في التعرف على المنهجيات والمنظومات البحثية والمصادر المعرفية، وما تحققه هذه الموسوعة من تعريف بها.
ثالثا، إن توجه سعاد جوزيف ومجموعة تحرير الموسوعة إلى مؤسسة المرأة والذاكرة في مصر للقيام بمسؤولية الترجمة يكشف عن إدراك لخصوصية وتخصص المادة التي تحتويها هذه الموسوعة، وبالتالي فإن إنتاج الموسوعة بما تطلبه من استكتاب لمؤلفات ومؤلفين يجمعهم أساس معرفي في الدراسات النسائية والثقافات الإسلامية على تنوع الأفرع المعرفية والأقاليم هو جهد متخصص يتطلب قدرا شبيها من التخصص لدى القائمات والقائمين على الترجمة.
ومن هنا فإن اختيار مركز متخصص في الأبحاث والدراسات حول قضايا النساء والتاريخ، أي مؤسسة المرأة والذاكرة، بما تقوم به هي بدورها من جهد في إنتاج المعرفة باللغة العربية في الدراسات النسائية في مصر والعالم العربي، هو اختيار يعكس جانبين. فبالنسبة لمشروع الموسوعة، يمثل قيام مؤسسة المرأة والذاكرة بالإشراف على الترجمة امتدادا لرؤية الموسوعة بشأن إنتاج معرفة موسوعية عن النساء والثقافات الإسلامية للباحثات والباحثين من مختلف أنحاء العالم، أما بالنسبة لمؤسسة المرأة والذاكرة فإن مشروع ترجمة الموسوعة يتوافق مع جهود المؤسسة في إنتاج ونشر المعرفة باللغة العربية للباحثات والباحثين المتخصصين وكذلك لجموع الجماهير فيما يتعلق بقضايا النساء والتاريخ والثقافة على مستوى التجارب الشخصية والخبرات العملية والمعرفة النظرية.
وهكذا تتيح الترجمة تحقيق امتداد لأغراض الموسوعة في حد ذاتها، حيث ستصبح متاحة لعدد أكبر من الباحثات والباحثين المتخصصين المحليين المستقرين في العالم العربي من ناحية، كما قد يؤدي ذلك بالتبعية إلى تنشيط البحوث في مجال الدراسات النسائية والثقافية باللغة العربية من خلال التعرف على المنهجيات والمنظومات والمصادر التي تعرضها الموسوعة، والتفاعل معها تفاعلا معرفيا، سواء بالبناء عليها أو الاشتباك معها إلى غير ذلك من أشكال التفاعل الفكري والبحثي.
لقد طرحت سعاد جوزيف فكرة ترجمة المجلد الأول من موسوعة النساء والثقافات الإسلامية على مؤسسة المرأة والذاكرة في شهر مارس/آذار ٢٠٠٥، وتم الاتفاق مبدئيا خلال وجود سعاد جوزيف في القاهرة حينذاك على تولي المرأة والذاكرة مهمة ترجمة هذا المجلد إلى اللغة العربية لتكون متاحة كطبعة إلكترونية مجانية باللغة العربية بموافقة دار النشر “بريل“.
وبالفعل تم الاتفاق في يونيو/حزيران ٢٠٠٥ على أن تبدأ أعمال الترجمة على الفور في سبيل الانتهاء من ترجمة المجلد الأول خلال عام، ونظرا لاستحالة قيام مترجمة واحدة بتنفيذ تلك المهمة خلال الفترة المحددة، تم الاتفاق على أن تتولى مؤسسة المرأة والذاكرة مسؤولية تنفيذ الترجمة من خلال فريق من المترجمات والمترجمين المتخصصين، مع قيامي بإدارة أعمال الترجمة وتحريرها. وهكذا بدأت مسيرة الترجمة.
وكانت نقطة البداية هي إعداد قائمة بأسماء المترجمات والمترجمين المعروفين بتخصصهم في الدراسات النسائية والتاريخية والثقافية، وبدأت في الاتصال بهم.
وتمثلت خصوصية ترجمة موسوعة النساء والثقافات الإسلامية في كونها موسوعة متخصصة من ناحية وتركيز المجلد الأول منها على الجوانب المنهجية، بما يتطلبه ذلك من تمتع المترجمة والمترجم بقدر من المعرفة المتخصصة للقيام بالترجمة. وكان من أكثر الصعوبات التي واجهتنا في هذه المرحلة هو التوصل إلى المترجمات والمترجمين، حيث أن أعمال الترجمة ما زالت تقوم عامة على الاحتراف أكثر منها على التخصص، وبالتالي كان التحدي الذي واجهني هو كيفية الوصول إلى مترجمات ومترجمين على قدر من الدراية والمعرفة بالدراسات النسائية والثقافية.
ومن هنا، فبدلا من إعداد قائمة بأسماء المترجمات والمترجمين المحترفين المعروفين، قمت بعملية مزدوجة حيث بدأت في إعداد قائمة بأسماء الباحثات والباحثين المعروفين المتخصصين في الدراسات النسائية والدراسات الثقافية ممن يتقنون اللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى قائمة أخرى تضم أسماء بعض المترجمات والمترجمين المحترفين ممن لديهم اهتمامات وتجارب في ترجمة موضوعات عن النساء والتاريخ والثقافة.
وبدأت وضع تصور لتوزيع المداخلات التي تضمها الموسوعة على المترجمات والمترجمين ممن أعربوا عن استعدادهم للانضمام إلى مجموعة الترجمة.
وتضمن إخراج الترجمة العربية ثلاث مراحل هي القيام بالترجمة ثم المراجعة وأخيرا تنسيق المداخلات وتوحيد شكلها بما يتناسب مع متطلبات الطبعة الإلكترونية. وكان يتم العمل في هذه المراحل الثلاثة بالتوازي مع تكثيف معدل الترجمة في البداية ثمتكثيف المراجعة وإنهائها بالتوازي مع مرحلة التنفيذ الفني.
وخلال زيارة سعاد جوزيف للقاهرة في إبريل/نيسان ٢٠٠٦ اقترحت عليها إضافة معجم موجز في نهاية الترجمة يتم من خلاله إعداد قائمة تضم الصيغ العربية المتنوعة والمستخدمة في الموسوعة للمصطلحات الشائعة باللغة الإنجليزية بما تحمله من دلالات في مجالي الدراسات النسائية والثقافية.
وتشير سعاد جوزيف في مقدمة الموسوعة إلى خصوصية أية موسوعة كشكل من أشكال المعرفة، وبينما تميل الموسوعات عادة إلى تثبيت المفاهيم إلا أنه أمر يمثل إشكالية تتنافى مع أهداف موسوعة النساء والثقافات الإسلامية وسعي محرراتها إلى تحريك المفاهيم وتعقيد الأفكار. وتنعكس هذه المسألة على الترجمة حيث أن استخدام مصطلح ما في الترجمة قد يؤدي بدوره إلى تثبيت المفاهيم في اللغة العربية، وهو الأمر الذي كان يمثل إحدى الإشكاليات الأساسية في ترجمة الموسوعة لما تطلبته تلك العملية من استخدام مقصود لمفردات دون غيرها بل وصياغة مفردات لمفاهيم خاصة بالدراسات النسائية والنظرية الثقافية. ومع تنوع المترجمات والمترجمين حدث قدر من التنوع في استخدام ترجمات المصطلحات والمفاهيم، وقد حرصت عند مراجعة الترجمة على الاحتفاظ بقدر من التنوع يعكس المرونة ويحول دون تثبيت المفاهيم بما يجعل الترجمة مرآة للنص الأصلي.
ولكن في بعض الحالات تم اللجوء إلى توحيد استخدام بعض الصيغ والمفردات وذلك من منطلق كون هذه الموسوعة عملا يسعى إلى إنتاج المعرفة وبالتالي إنتاج صيغ عربية لتلك المعرفة وسيتم تقديم أمثلة محددة لذلك عند تناول إشكاليات الترجمة لاحقا.
وهكذا تم إلحاق معجم موجز بالترجمة يضم صيغا متنوعة للمصطلحات والمفاهيم الفكرية الغربية الواردة باللغة الإنجليزية في النص الأصلي للموسوعة، وقد قمت بإعداده من خلال تدوين وتوثيق الصيغ المتعددة التي استخدمتها المترجمات والمترجمون في متن الترجمة، لا على سبيل تثبيتها بل بهدف طرحها للمزيد من التأمل والإضافة والتعديل. وخلال نفس اللقاء الذي تم مع سعاد جوزيف في إبريل/نيسان ٢٠٠٦ اقترحت علي كتابة “كلمة الترجمة” كمقدمة أعرض فيها مسيرة الترجمة وإشكالياتها، وقد استهوتني الفكرة فورا من منطلق قناعتي بأن الترجمة هي في حد ذاتها عملية إنتاج للمعرفة لا مجرد نقل لها، وهو موقف يمثل صدى لنظريات علم الترجمة التي ترى في وجود مقدمات الترجمة وهوامشها وما يلحق بها من معاجم بمثابة تعليق غير مباشر على النص الخاضع للترجمة وخلفيته.
كما أن دراسات الترجمة، نظرية وممارسة، تؤكد استحالة تطابق الترجمة مع النص الأصلي بفعل البعدين اللغوي والثقافي، وذلك لما يشتمل عليه فعل الترجمة من اختيار ما بين حذف وإضافة (لغوية) وشرح وتفسير (لغوي ثقافي) وبما تتضمنه الترجمة بالتالي من تأويل. ومن هنا كانت أهمية تناول إشكاليات الترجمة وعرضها على القارئات والقراء باعتبار أن الترجمة لا تتم في فراغ وليست فعلا منعزلا أو نشاطا آليا، بل فعلا ثقافيا معرفيا محملا في حد ذاته بالمعاني والدلالات.
إذا كانت الكتابة هي ترجمة للفكر والثقافة ونقلها من مجال الوعي والإدراك العقلي والتجربة الثقافية إلى مجال الكلمة والحرف، فإن الترجمة هي عملية نقل للفكر والثقافة المكتوبة إلى لغة مغايرة بسياقها الفكري والثقافي، ومن هنا تشير نظريات الترجمة إلى وجود عدة أنماط للترجمة هي الترجمة الحرفية والترجمة المعادلة والترجمة الشارحة والترجمة بتصرف. كما تتحدد عادة أهداف الترجمة وأسلوبها في السعي إما إلى “نقل النص إلى القراء” أو “نقل القراء إلى النص“، وفي حالة نقل النص إلى القراء يقع العبء الأكبر على القارئة والقارئ في ملء الفجوات وبناء السياق الثقافي للنص مع غياب الشرح والتفسير، أما نقل الجمهور إلى النص فيعتمد على تقريب المادة المترجمة إلى جمهور القراء بالشرح والتفسير.
وفي كلا الحالتين تتقاطع نظرية الترجمة مع نظرية التلقي من حيث الوعي بخلفيات القراء والقارئات الثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها.
وهكذا تكون نقطة الانطلاق بالنسبة للمترجمة أو المترجم هي النص الأصلي، حيث يخضع للتحليل اللغوي بدلالاته الثقافية ثم نقله إلى لغة أخرى بما يتطلبه ذلك الأمر من إعادة بناء لغوي ثقافي لإنتاج النص المترجم، وهي عملية تتطلب قدرا كبيرا من القدرة اللغوية والمعرفة والإبداع، مع ما يحوطها من قيود لضمان أكبر قدر من القرب إلى النص الأصلي من حيث الأسلوب والشكل والمضمون. ومن هنا تقوم عملية الترجمة على القواعد والإبداع وتجمع بين المعرفة والصنعة والفن.
١– العنوان: موسوعة النساء والثقافات الإسلامية
أتوقف بداية عند ترجمة عنوان الموسوعة، وتحديدا عند كلمة “النساء” إن كلمة “النساء” ترد في عنوان الموسوعة باللغة الإنجليزية في صيغة الجمع، إلا أن مسألة ترجمتها إلى صيغة الجمع باللغة العربية تتجاوز مجرد الترجمة اللغوية الحرفية.
إن الترجمة بما يطابق ما هو سائد عند ترجمة “النساء” من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية تتطلب استخدام صيغة المفرد في اللغة العربية، وهو من خصائص اللغة العربية حيث يكثر استخدام صيغة المفرد للإشارة إلى الجمع، وهو ما نجده متعارفا عليه عند الحديث عن “يوم المرأة العالمي” أو “حقوق المرأة” أو “المرأة العربية” وغيرها من المفاهيم والقوالب المنقولة عن الثقافة الإنجليزية.
وبالتالي فكان المنطقي قياسا على ذلك ترجمة العنوان إلى “موسوعة المرأة والثقافات الإسلامية“. إلا أن الوعي بما يحمله التمييز ما بين “المرأة” و“النساء” في النظرية النسوية، وما يتضمنه ذلك من تأكيد على خصائص التنوع والتعدد الثقافي بين النساء بدلا من الحديث عن النساء باعتبارهن كيانا أو قالبا موحدا، هو وعي بالدلالات الثقافية والخلفيات النظرية التي تتجاوز حدود اللفظ والنص وتفرض على المترجمة استخدام صيغة الجمع “النساء” بما فيها من إيحاءات ودلالات معرفية تشير إلى علاقة النص بالخطاب النسوي وبالنظرية النسوية.
وهكذا تتبدى في هذا المثال أهمية إدراك دلالات اللفظ عند ترجمته، كما يبين أن ترجمة العديد من المفردات لا تمثل أمرا آليا بل تتطلب قدرا من التأمل والتفكر والاختيار. وبالتالي فإن استخدام كلمة “النساء” في عنوان الموسوعة باللغة العربية لا يأتي على سبيل الترجمة “الحرفية” للكلمة الواردة باللغة الإنجليزية، بل هي ترجمة لغوية وثقافية من ناحية ومساهمة في إنتاج المعرفة باللغة العربية من خلال تأكيد أهمية إدراك الفرق ما بين استخدام كلمة “المرأة” و“النساء” عند الإشارة إلى الجمع.
ومن نفس المنطلق تم توحيد الإشارة إلى الفرع المعرفي الذي يتناول نظريات وممارسات الدراسات التي تتناول النساء على أساس النظريات النسوية، وتمت الإشارة إليه في هذه الموسوعة بعبارة “الدراسات النسائية” بدلا من “دراسات المرأة” المستخدمة أحيانا باللغة العربية، لما تحمله صيغة المفرد من دلالات ربما تضع كافة النساء في قالب “المرأة” بدلا من التأكيد على تنوع تجارب وتعدد هويات “النساء“.
٢– ترجمة “الجندر“
لعل أكثر المصطلحات التي تتعدد صيغ ترجمتها إلى العربية هي مصطلح “جندر“، ومع نشأة هذا المصطلح في الدراسات النسائية والنظرية النسوية الغربية بما يحمله من دلالات ثقافية واجتماعية انعكست خصوصية هذا المصطلح على ترجمته إلى العربية، وذلك مع بدء تناوله في الكتابات والترجمات العربية منذ التسعينات من القرن العشرين. فقد شاع استخدام صيغة “النوع الاجتماعي” ثم “النوع” في مجالات التنمية وكان مما ساهم في الترويج لها وانتشارها كثرة ما يتم ترجمته من وثائق وبرامج تنموية مختلفة برعاية مؤسسات دولية. كما ظهرت ترجمة شارحة في سياق الدراسات الثقافية وهي “التشكل الثقافي والاجتماعي للجنسين“والتي استخدمتها باحثات نسويات بارزات مثل هدى الصدة في كتاباتهن باللغة العربية.
ومن ناحية أخرى، ومع حدوث فهم أكبر لما يحمله المصطلح من دلالات، ربما لم تعد جديدة تماما وبالتالي لم تعد تتطلب ترجمتها ترجمة شارحة، نجد أن مجلة ألف: مجلة البلاغة المقارنة في عددها التاسع عشر عن “الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير” (الجامعة الأمريكية بالقاهرة،١٩٩٩) تقترح وتشرح في افتتاحية العدد استخدام كلمة “الجنوسة” كترجمة لكلمة “gender”، وذلك في محاولة لتجاوز مرحلة البحث عن معنى مواز للمصطلح إلى عملية صياغة مصطلح “الجنوسة” وذلك باشتقاقه من الجذر الثلاثي العربي “ج ن س” ليتراسل مع الذكورة والأنوثة من ناحية ولما يتيحه هذا المصطلح في صياغته من إمكانيات اشتقاقية. ولكن للأسف لم يتمتع اللفظ بالقبول العام ولم يتحقق له الانتشار منذ طرحه على صفحات مجلة ألف. ومن ناحية أخرى نجد أن كلمة الجندر أخذت في الانتشار، كما تكاد تكون هي السائدة في كثير من الكتابات العربية، بل ونلحظ أحيانا التعامل معها بمرونة بالغة باعتبار كلمة “الجندر” كما لو كانت كلمة رباعية قابلة للاشتقاق تبعا لقواعد الاشتقاق في اللغة العربية.
وبناء على ما سبق، كان الحرص عند إنتاج الترجمة العربية لموسوعة النساء والثقافات الإسلامية التوقف أمام مسألة ترجمة “الجندر“. وبالنظر إلى تاريخ ترجمة المصطلح إلى اللغة العربية نجد أن كلمة “النوع” لا تحمل الدلالات الثقافية والأبعاد النسوية للمصطلح، بل وأزعم أنه مع كثافة تكرار ورود كلمة “النوع” وعبارة “النوع الاجتماعي” في الأدبيات التنموية وبعض الكتابات الاجتماعية تكاد وأن تكون محملة بدلالات تنموية حين استخدامها في سياقات أدبية أو سياسية على سبيل المثال. وبالتالي أرى أن “النوع” أصبحت ترجمة قاصرة لمفهوم “الجندر“.
أما بالنسبة لعبارة “التشكيل الثقافي والاجتماعي للجنسين” فيبدو لي أنها تؤكد القصور الوارد في “النوع“، وما تطلبه ذلك من ترجمة شارحة عند استخدام المصطلح في سياقات غير تنموية، وتحديدا في مجال الدراسات الثقافية.
والآن، ومع انتشار مفهوم الجندر باللغة العربية، وعدم ضرورة شرحه لغالبية القارئات والقراء المتخصصين، أرى أنه من المنطقي استخدام الكلمة في اللغة العربية مكتوبة تبعا لنطقها باللغة الإنجليزية لما تحمله من معان دفينة وإيحاءات ودلالات ثقافية ومعرفية وخاصة عند استخدامها ضمن الخطاب النسوي.
وبالتالي تم هنا استخدام كلمة “الجندر” بالعربية كترجمة للكلمة ذاتها باللغة الإنجليزية لا على سبيل الاستسهال بل من منطلق الوعي بخصوصية هذا المصطلح ودلالاته، وخاصة أن اللغة العربية كانت دوما تستوعب مفردات من لغات أخرى (“الفردوس” على سبيل المثال)، وفي العصر الحديث يتم تعريب الكثير من المفردات الأجنبية (“الديمقراطية” و“الليبرالية” على سبيل المثال) دون حساسية، بل وإخضاعها إلى قواعد النحو والصرف في اللغة العربية من حيث الإعراب والاشتقاق. إلا أنه لم يتم استخدام “الجندر” هنا في صيغه الاشتقاقية بسبب عدم شيوعها بعد في اللغة العربية، فلم نسع إلى خلق مفردات بقدر ترسيخ كلمة “الجندر” والدعوة بشكل غير مباشر إلى التوسع في استخدامها بديلا عن الترجمة المعادلة والترجمة الشارحة.
إلا أنه تمت الاستعانة بالترجمتين المعادلة والشارحة (أي “النوع” و“التشكل الثقافي والاجتماعي للجنسين“) في الجمل والسياقات التي تطلبت ذلك، وخاصة في الحالات التي وردت فيها في الأصل مبنية على الاشتقاق.
٣– الترجمة الشارحة
إذا كان مصطلح “الجندر” لم يعد يتطلب شرحا وتفسيرا في الكتابات المتخصصة، إلا أننا واجهنا مصطلحا لم يكن أمامنا سوى الاتفاق على استخدام ترجمة شارحة له.
حيث واجهت كل من سهام عبد السلام وعايدة سيف الدولة في مداخلتين من المداخلات التي قامتا بترجمتها إلى العربية (queer) عند الحديث على نوع من الهويات الجنسية لدى بعض الأفراد أو المجموعات. ورغم أن كلمة “كوير” بدأت في الظهور باللغة العربية مستخدمة على بعض صفحات الشبكات الإلكترونية، إلا أنها لا تزال كلمة غريبة على الغالبية العظمى من القارئات والقراء.
ومن هنا تطلبت الترجمة استخدام صيغة شارحة للمفهوم الذي لم يتبلور بدلالاته الثقافية والجنسية سوى في تسعينات القرن العشرين. ومن خلال مناقشاتنا في محاولة إيجاد أقرب ترجمة لهذا المصطلح اقترحت عايدة سيف الدولة استخدام “الهويات الجنسية اللانمطية“. وتتمثل أهمية هذه الصياغة في هذه المرحلة من الترجمة لا في العثور على كلمة معادلة أو عبارة شارحة فحسب، بل في ترجمة المصطلح ترجمة لا تحمل موقفا قيميا، وبالتالي كان التركيز على أن يشير المصطلح إلى هوية جنسية من ناحية وعلى كون هذه الهوية غير نمطية.
ونعلم أنه ربما مع زيادة تناول هذا الموضوع باللغة العربية في السنوات المقبلة قد يحدث تغير في ترجمة المصطلح لتصبح كلمة “كوير” مألوفة بالعربية، أو تنتشر صيغة مختصرة قابلة للاشتقاق تشير إلى “اللانمطية” و“اللانمطيين واللانمطيات“.
من الإشكاليات البارزة التي اتضحت من خلال ترجمة موسوعة النساء والثقافات الإسلامية هي مسألة الإضافة والحذف، لا من منطلق الضرورة بل الاختيار الواعي.
وسأتوقف تحديدا عند مثالين لذلك الأمر. فمن المعروف والمألوف في النصوص العربية، بل على مستوى الحديث الشفاهي، كلما ورد ذكر النبي محمد يتم إضافة عبارة “عليه الصلاة والسلام” أو “صلى الله عليه وسلم” والتي تتخذ صورا متنوعة وأشكالا مختصرة أحيانا في الطباعة. وغياب هذه العبارة في الكتابات الحديثة باللغة العربية يكشف عادة عن موقف أيديولوجي. أما في النصوص المكتوبة باللغة اﻹنجيلزية عامة فمن الملاحظ أنها ترد أحيانا في صيغتها اﻹنجيلزية ( Peace Be Upon Him ) أو صيغتها المختصرة (PBUH)، وأحيانا أخرى نجدها غير مستخدمة على الإطلاق كما هو الحال في النص اﻷصلي من الموسوعة وتتمثل الإشكالية هنا في أنه عادة ما تتم إضافة هذه العبارة عند الترجمة إلى العربية إضافة تلقائية باعتبارها خصوصية ثقافية، كما أن مسألة حذفها أو إضافتها في الترجمة قد تكشف بدورها عن موقف أيديولوجي خاص بالمترجمةأو المترجم.
وعندما أشرت إلى تلك الإشكالية في لقائي مع سعاد جوزيف في إبريل/نيسان ٢٠٠٦، رأت أن يتم طرح هذه المسألة على كلالكاتبات والكتاب المعنيين بالأمر المشاركين في الموسوعة، وأن يتم ترك قرار الاختيار لكل منهم.
وبالفعل قمت بحصر كل المداخلات التي يرد فيها ذكر النبي محمد (ص) وأرسلت إلى مؤلفيها ومؤلفاتها رسالة شارحة للإشكالية طالبة من كل منهم تحديد موقف من إضافة العبارة. وكان مجموع هذه المداخلات ١٧ مداخلة حصلت على ١٢ ردا عليها، بينما لم تعرب البقية عن موقف من هذه المسألة. ومن بين مجموع ١٢ مؤلفة ومؤلف طلب ٩ منهم إضافة العبارة بينما طلبت ٣ كاتبات عدم إضافتها.
ومن الطريف أن روث روديد اشترطت الشكل الذي يمكن أن تظهر عليه هذه العبارة (مطابقة للشكل الذي يرد في “النصوص الكلاسيكية العربية“، والذي لم نتمكن من تنفيذه لأسباب تقنية)، وذلك رغم أنني لم أتناول مسألة الشكل بل كان تركيزي عند مناقشة تلك النقطة مع الكاتبات والكتاب على المبدأ في حد ذاته بأبعاده الأيديولوجية.
أما بالنسبة لمن لم يردوا علي في المرة الأولى فقد خيرتهم بين تحديد موقفهم أو تطبيق رأي الأغلبية على مداخلاتهم. وبالفعل تمت الاستجابة لرغبة كل مؤلفة في مداخلتها وكل مؤلف في مداخلته، وبالتالي فإن التفاوت الوارد في الترجمة هنا إنما يرجع إلى اختيارات المؤلفات والمؤلفين.
وأود التوقف عند نقطتين في هذا الشأن. أولا، إن كل المؤلفات والمؤلفين ممن تكشف أسماؤهم عن أصول أو انتماءات شخصية، لا بحثية فحسب، إلى الثقافات الإسلامية جاءت استجاباتهم فورية بطلب إضافة العبارة. فإذا كان وجود العبارة في نص أو حديث باللغة الإنجليزية يوحي بعملية إضافة، فإن غياب نفس العبارة في نص أو حديث باللغة العربية يوحي بعملية حذف. وثانيا، كان من الملفت بالنسبة لي كمترجمة أنه لم يقترح أحد على الإطلاق ترك هذه المسألة للمترجمة أو المترجم، أو حتى استطلاع ارائهم حول هذا الأمر، إلا إذا اعتبرنا أن عدم الرد هو بمثابة ترك اتخاذ القرار للقائمين على الترجمة.
ومن هنا كان الاختيار قاصرا على قرار المؤلفين والمؤلفات، وعلى القائمين بالترجمة الالتزام، وذلك على الرغم من أن الطرف الذي أثار المسألة في المقام الأول هو الطرف القائم على الترجمة! وأرى في ذلك دليلا على غياب النظرة إلى المترجمة أو المترجم باعتباره شريكا في النص في صيغته المترجمة، والتعامل مع المترجمات والمترجمين باعتبارهم مجرد أدوات لنقل النص من لغة إلى أخرى.
أما المثال الثاني على الإضافة الواعية فهو ما نجده عند ترجمة الأسماء من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.
فمن المعروف أن صيغة الاسم باللغة الإنجليزية ليست محددة من حيث التأنيث والتذكير، ولا يتضح ذلك الأمر سوى عند استخدام أسماء العلم أو الضمائر التي تعود على الأسماء.
وبالتالي فإن كلمة “researcher” باللغة الإنجليزية لا تشير إلى جنس معين وإنما تنطبق على الذكر والأنثى، في حين أن ترجمتها السائدة إلى اللغة العربية هي “باحث“، وهي ترجمة قاصرة تتجاهل إمكانية إشارة الكلمة إلى “باحثة“.
ولم يكن من الممكن تجاهل هذا الأمر في موسوعة تقوم على النظريات النسوية وتصب في قلب الدراسات النسائية، ومن هنا فقد تمت ترجمة كل الأسماء في صيغة تجمع بين المذكر والمؤنث باستخدام العطف (أي الباحث والباحثة، المترجمة والمترجم) دون التزام أي ترتيب بعينه، مع اتباع قاعدة توافق الفعل مع الفاعل والمبتدأ مع الخبر والصفة مع الموصوف وغيرها من حيث التذكير والتأنيث، وذلك فيما عدا الجمل التي كان سياقها اللغوي يعبر بالضرورة عن اسم يشير إلى مذكر أو مؤنث سواء عن طريق الضمائر أو أسماء العلم.
وتمثل الأمر بصورة أكثر تعقيدا في حالات الجمع، حيث تشير القاعدة اللغوية في اللغة العربية إلى أن جمع المذكر يضم الذكور والإناث، وهو الأمر الذي لم نخضع له تماما، حيث تمت ترجمة “Researchers” على سبيل المثال إلى “الباحثين والباحثات” دون الاقتصار على هذا الترتيب بل استخدام صيغة المذكر أحيانا معطوفة على المؤنث. وبالتالي فإن إضافة صيغة المؤنث في اللغة العربية هو تعبير عن موقف أيديولوجي يؤكد المساواة بين الرجال والنساء، كما أنه يعكس الخطاب النسوي الذي تنتمي إليه الموسوعة باعتبار النساء هن المحور الأساسي لهذا العمل الموسوعي. ومن ناحية أخرى وبخلاف عنصر الدقة اللغوية في الترجمة عند استخدام صيغتي التأنيث والتذكير، فإن استخدام العطف هنا إنما يجمع بين الجنسين ويخلق قدرا من التوازن على المستوى اللغوي، ذلك فضلا على أن تكراره على صفحات هذه الموسوعة هو محاولة لترسيخ استخدام أسلوب العطف بين الجنسين لغويا بما يحمله من صياغة لغوية تحمل موقفا نسويا، شكلا ومضمونا.
إذا كانت موسوعة النساء والثقافات الإسلامية تكشف كما يرد في مقدمتها عن أوجه غياب المساواة في إنتاج المعرفة، فإن عملية ترجمة الموسوعة هي مؤشر آخر على غياب هذه المساواة، وذلك نظرا لعدم إنتاج وتوفر تلك المعرفة باللغة العربية مما يتطلب نقلها وترجمتها وإتاحتها للقارئات والقراء باللغة العربية. وإذا كان فعل الترجمة يشير بشكل غير مباشر إلى غياب تلك المساواة وإلى عدم وجود توازن في توفر المعرفة وإنتاجها، إلا أن فعل الترجمة يتضمن في حد ذاته مقاومة لذلك الخلل ومحاولة لنشر المعرفة وتحقيق ولو قدر من التوازن المعرفي من خلال استعراض المنهجيات والمنظومات والمصادر، وبالتالي تشجيع قيام تفاعل واشتباك وتحفيز الدراسات باللغة العربية في مجال دراسات النساء والثقافات الإسلامية.
كما أن فعل الترجمة هو أيضا إنتاج للمعرفة باللغة العربية وإن كان نقلا عن اللغة الإنجليزية، وخاصة في مشروع مثل هذا يضم مجموعة من الباحثات والباحثين المتخصصين في الثقافات الإسلامية التي تتقاطع مع الثقافة العربية.
ومن هنا يمكن اعتبار الترجمة فعلا سياسيا، حيث تصبو إلى نشر المعرفة بما يضمن عدم احتكار مجموعة ما للمعرفة على حساب مجموعة أخرى. كما أن توفير هذا العمل الموسوعي للباحثات والباحثين في المنطقة العربية يتيح قدرا أكبر من المساواة بين الشرق والغرب من حيث المنهجيات والمنظومات والمصادر، بالإضافة إلى ما يتمتع به الباحثون والباحثات في هذه المنطقة من العالم من تجارب وخبرات بل ومنهجيات ومصادر مغايرة.
أما بالنسبة للقائمات على الترجمة، فإن تولي مؤسسة المرأة والذاكرة مسؤولية ترجمة هذا العمل الموسوعي إلى العربية يتماشى مع دورها السياسي في مقاومة الهيمنة المعرفية من جانب وتمكين النساء العربيات من جانب آخر، وذلك عن طريق ترجمة نصوص تشكل خطابا في حد ذاتها، وإنتاج معرفة باللغة العربية على أساس من الوعي النسوي.
القاهرة، يوليو ٢٠٠٦