مقدمة الموسوعة
المقدمة
إن “المقدمة” التي كتبتها لموسوعة النساء والثقافات الإسلامية، باعتباري المحررة العامة لها، تناقش تاريخ الموسوعة والمفاهيم الفكرية القائمة عليها ونظام ترتيبها والأغراض المرجوة منها. وتقدم “المقدمة” عرضا عاما للكيفية التي تناولت بها المحررات العمل في الموسوعة، والمنطق من وراء بعض القرارات الهامة والغرض من الأقسام المختلفة. كما تتم مناقشة التناقضات القائمة بين الطرق التي يتم من خلالها الميل إلى تثبيت المفاهيم في المشاريع الموسوعية، وبين جهود المحررات هنا في إعادة التفكير وهز القوالب الخاصة بتلك المفاهيم.
وتتناول “المقدمة” الجهود المبذولة وأوجه القصور القائمة في نفي النزعة الجوهرية وفي تأكيد التاريخانية وتحليل السياق، كما تمت مناقشة المشاكل الخاصة ب“التقسيم إلى مراحل” فيما يتعلق بالدراسات المرتبطة بالإسلام وتداعياتها بالنسبة لدراسة النساء. ويتم كذلك شرح المنطق من وراء فصل المداخلات المنهجية عن المداخلات العامة.
كما تعرض “المقدمة” الأسباب التي جعلتنا نرتب القسم الخاص بالمنهجيات تبعا للفترات والأقاليم والإمبراطوريات، مع التركيز تحديدا على أثر المشاريع السياسية على إنتاج المعرفة وعلى المنهجيات والمصادر المتاحة للقيام بالبحث.
إن مشكلة “جغرافية الإسلام” و“الجغرافيات الاجتماعية” في المداخلات الموضوعية (أي المرتبة تبعا للموضوع) هي مشكلة يتم تناولها في “المقدمة” وكذلك في العديد من المداخلات، وتعمل “المقدمة” على مواجهة وتفنيد مفهوم “إقليمية” الإسلام مع شرح الأسباب التي فرضت الحاجة إلى ترتيب بعض الأعمال الواردة في الموسوعة ترتيبا إقليميا.
كما توضح “المقدمة” أيضا الجهد المبذول في الموسوعة لتجنب المقاربة القائمة على نماذج “المرأة الفذة” في دراسة تاريخ النساء.
وباختصار فإن “المقدمة” لا تحاول تقديم مجرد خريطة للموسوعة بل تحليلا للتحديات والإشكاليات التي تواجه إنتاج المعرفة الموسوعية النسوية العالمية في الدراسات البينية وعبر المراحل التاريخية.
المداخلات الموضوعية
إن المداخلات الموضوعية (أي المرتبة تبعا للموضوع) تتناول المنهجيات والمصادر المتاحة للبحث والقيود وأوجه القصور المتعلقة بالمنهجيات والمصادر وتداعيات ذلك على الفترات التاريخية والأماكن والأنظمة السياسية والأفرع المعرفية الأكاديمية المختلفة.
وكان القصد من وراء مداخلات القسم الأول أن تكون مقالات بحثية مفصلة تمهد الطريق أمام الأبحاث المستقبلية لا أن تقدم أجوبة للأسئلة المطروحة، وقد طلب من المؤلفات والمؤلفين تحديد وتقييم المصادر والمناهج الأساسية:
المصادر النصية، والمناهج الاستطلاعية والأدوات الإحصائية ومناهج العمل الميداني والدوريات والمصادر المرئية والتاريخ الشفاهي، إلى غير ذلك من المصادر والمناهج المستخدمة في دراسة النساء والثقافات الإسلامية في الفترة والمكان والفرع المعرفي المحدد.
وقد تم الاتفاق مع المؤلفات والمؤلفين على المداخلات الواردة في القسم الأول قبل الاتفاق على تلك الواردة في القسم الثاني، وكان القصد من وراء ذلك هو إرسال مداخلات القسم الأول إلى المشاركات والمشاركين في القسم الثاني ليأخذوها بعين
الاعتبار عند الكتابة. وكذلك تم أحيانا إرسال بعض المداخلات المكتملة للمشاركات والمشاركين في القسم الأول إلى زملائهم لتشجيع التكامل بين الأعمال المتضمنة في هذا القسم ولصياغة نموذج التحليل الذي سعينا لتحقيقه. ومن هذا المنطلق يمثل المجلد الأول من الموسوعة مساهمة غير تقليدية على الإطلاق في هذا المجال، فبدلا من أن يقدم المجلد خلاصة التحليل الخاص بمؤلفة أو مؤلف ما، نجده يوفر للطلبة وللباحثات والباحثين المتخصصين الأدوات النقدية المناسبة لأعمالهم البحثية عن طريق توجيههم إلى المصادر الموجودة وإلى كيفية توظيف تلك المصادر، وإلى الأشخاص وإلى إمكانيات الإفادة منها.
ولدينا نوعان من المداخلات الموضوعية، وهما المداخلات التاريخية والمداخلات الخاصة بأفرع معرفية معينة.
إن المداخلات التاريخية التي يبلغ عددها ٤٦ مداخلة تركز على الإشكاليات القائمة في المنهجيات والمصادر المتصلة
بالبحث الدائر حول النساء والثقافات الإسلامية في الفترات التاريخية المختلفة، وقد تم تقسيمها إقليميا (أي تبعا للإقليم) بالنسبة للمداخلات التي تتناول فترات زمنية معاصرة لبعضها البعض.
إن المنطق من وراء الترتيب الإقليمي هو أن المناهج والمصادر تتغير مع نشأة الإمبراطوريات والدول القومية. ونظرا لأن جمع المعلومات بكافة أنواعها يتأثر تأثرا مباشرا بالمشاريع السياسية للإمبراطوريات والدول، اعتبرت محررات الموسوعة أنه من المهم إحداث حالة تناغم بين المداخلات الموضوعية من أجل تقييم تلك الاختلافات القائمة في المناهج والمصادر.
وتقوم المداخلات بتقييم الإشكاليات المنهجية والإبستمولوجية المعرفية في الدراسات عن النساء في الفترة التي يتم تناولها وفي الإقليم المحدد. ولا تقدم تلك المداخلات عرضا للأحداث أو دولة الإسلام أو أوضاع النساء في تلك الفترات والأقاليم، بل الغرض منها هو توجيه القارئة والقارئ إلى المصادر المتاحة للقيام بأبحاث عن النساء والثقافات الإسلامية في مواقع وفترات تاريخية معينة.
ومن هذا المنطلق تقدم المداخلات أدوات نقدية للطلبة وللباحثات والباحثين المتخصصين والمهتمين بالمزيد من الدراسة والبحث. وقد طلب من المؤلفات والمؤلفين الانتباه إلى المصادر الأولية وكيف أدى استخدامها إلى التأثير وتشكيل ما يمكن اعتباره “معروفا” عن للنساء.
ونظرا لأن بعض المقالات تغطي مساحات متسعة من الزمان، تمت دعوة المؤلفات والمؤلفين إلى تقييم التغيرات الهامة في المنهجيات والمصادر الخاصة بالفترة المعنية، وأثرها على المعرفة المتعلقة بالنساء والثقافات الإسلامية.
إن غالبية المداخلات التاريخية الموضوعية تقوم بتغطية فترات تاريخية مختلفة في إقليم بعينه. إن اهتمامنا بوضع القسم المنهجي من الموسوعة في إطار تاريخي إنما ينبع من اعترافنا بأن الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يتم في ظلها إنتاج المعرفة هي أوضاع تتغير بمرور الزمن وتعمل على تشكيل طبيعة تلك المعرفة واستخداماتها المحتملة.
ونحن نقوم عن قصد وباستمرار بتذكير أنفسنا وقراء الموسوعة بأهمية السياق والموقع والموقف والزمن، لا في فهم النساء والثقافات الإسلامية فحسب بل وكيفية توصلنا إلى ما نعرفه عنها.
المداخلات الموضوعية في الأفرع المعرفية
إن المداخلات في الأفرع المعرفية والتي يبلغ عددها ٢٢ مداخلة تركز على التقييم النقدي للمنهجيات والمنظومات المستخدمة في أفرع معرفية معينة في دراسة النساء والثقافات الإسلامية. وقد تمت دعوة المؤلفات والمؤلفين لتقييم الفرضيات الإبستمولوجية الخاصة بأفرع المعرفة التي يعملون في إطارها، ومدى تأثيرها على دراسة النساء والثقافات الإسلامية في مجالاتهم المعرفية.
فعلى سبيل المثال كان المطلوب من المداخلة التي تتناول الأنثربولوجيا أن تناقش الإشكاليات الإبستمولوجية المتعلقة
بالمفاهيم الأنثربولوجية بشأن “الثقافة“، والإشكاليات المنهجية عند القيام ب“العمل الميداني” الذي يعتمد على الشخص مصدر المعلومة، وأن تقوم المداخلة بتقييم نقدي للفرضيات التي يقوم عليها منهج الملاحظة بالمشاركة.
إن المداخلات في الأفرع المعرفية لا تركز على الأقاليم أو الفترات التاريخية بل على المنهجيات والمصادر في الأفرع المعرفية على مستوى العالم.
ويرجع اهتمامنا بمناقشة المنهجيات في الأفرع المعرفية إلى اعترافنا بأن الفهم على مستوى الدراسات البينية يتطلب الاعتراف بالقيود والإمكانيات الخاصة بإنتاج المعرفة ودورها في الخبرة والتدريب الذي تناله الباحثات والباحثون المتخصصون في كل فرع من الأفرع المعرفية.
فالغالبية العظمى من الباحثات والباحثين متخصصون في فرع بعينه بما له من امتداد فكري ومنهجي. وإذا كانت الحدود الفاصلة بين الأفرع المعرفية تتمتع دوما بالمرونة والنفاذ، وبمعدل آخذ في التزايد، فإننا ندرك أن الفرضيات التي تقوم عليها الأفرع المعرفية هي فرضيات تقوم بدور إرشادي وإغفالي في رحلة البحث عن الفهم والإدراك.
قائمة المراجع
خلال المراحل الأخيرة من إنتاج المجلد الأول، اقترح أولاف كوندغين، محرر دار نشر “بريل“، جمع قائمة بالمراجع عن النساء والثقافات الإسلامية الموجودة على مستوى العالم. وقد تم تضمين قائمة المراجع في المجلد الأول.
القسم الثاني، المجلدات من الثاني إلى الخامس
يتضمن القسم الثاني مجالا شاسعا من الموضوعات عبر الأفرع المعرفية والأقاليم، ويتناول كل قضية يمكن أن نجدها في أبحاث متعلقة بالنساء والثقافات الإسلامية.
ويتم تناول ٣٤١ موضوعا تم جمعها في الأربعة مجلدات التي يشتمل عليها القسم الثاني من الموسوعة، وتم ترتيبها تبعا لنطاق البحث. ويتضمن القسم الثاني نوعين من المداخلات: المداخلات الإقليمية (ويبلغ عددها ٢١٢ مداخلة) والعروض العامة (ويبلغ عددها ١٢٩ مداخلة).
إن تناول موضوع ما إقليميا يعني أنه في الوقت الذي يتم فيه تغطية الموضوع في كل إقليم على حدة، تمت إتاحة المجال للمحررات المشاركات لملاءمة تلك التغطية بما يتناسب مع أقاليمهن.
فعلى سبيل المثال نجد أن الموضوع الذي يتناوله المجلد الثاني عن النساء والجندر ودساتير الدول قد يحمل أربع مداخلات لإحدى المحررات المشاركات، وخمس مداخلات لمحررة مشاركة ثانية، ومداخلة واحدة فقط لمحررة مشاركة أخرى.
وبانتهاء المجلد الخامس ستؤدي الموضوعات الإقليمية إلى توليد عدة آلاف من المداخلات. وتم تناول الموضوعات من منطلق العرض العام في الحالات التي لم يتوفر فيها القدر الكافي من المادة التي تتيح تناولها في كل إقليم على حدة، وكذلك في الحالات التي كانت المادة المتاحة فيها كبيرة بالدرجة التي فرضت الحاجة إلى كتابة مقدمة عامة للموضوع قبل تقديم المداخلات الإقليمية.
المجلد الثاني: الأسرة والقانون والسياسة
يشتمل المجلد الثاني على ٦٦ موضوعا مقسما إقليميا و ٤٣ عرضا عاما، ومجموعها ١٠٩ مداخلة عن الأسرة والقانون والسياسة، وتتضمن تلك الموضوعات: النساء، والجندر، والمجتمع المدني، وأيديولوجيات الديمقراطية، وحرية التعبير، والعنف المنزلي، والسياسات المثلية، والشرف، وجرائم الشرف، وحقوق النساء، وحقوق الإنسان، والعقود الدولية للمرأة، وقانون الأسرة، وقوانين الدفاع الثقافي، والأمة، والأحزاب السياسية، والحركات السياسية، والعرق، والاغتصاب، والاتحادات النسائية، والانشقاق ما بعد الكولونيالي، والإيذاء الجنسي. وقد كان المجلد الثاني من أسهل المجلدات في تجميع مادته.
ونجد أنه في معظم البلدان التي يلعب فيها الإسلام دورا بارزا تتداخل شؤون الأسرة والقانون والسياسة تداخلا عميقا، ويرجع ذلك جزئيا إلى احترام قانون الأسرة للقانون الديني (الإسلامي واليهودي والمسيحي) في العديد من البلدان الإسلامية، وكذلك احترام قوانين الأسرة الإسلامية في بعض البلدان غير الإسلامية (مثل الهند).
ويرجع تداخل شؤون الأسرة والقانون والسياسة جزئيا أيضا إلى قوة النظام الأسري الذي يتنافس مع الدولة في الحصول على ولاء أعضاء المجتمع في بلاد كثيرة. كما أن قيامنا بوضع الأسرة والقانون والسياسة جنبا إلى جنب في مجموعة واحدة نتج جزئيا أيضا عن إدراكنا أن كل الدول، بقدر ما، هي التي تنتج سياسات الأسرة (وهي التي تحكم الأسر) وأن القانون هو السبيل الأساسي للوساطة في علاقات الأسرة/الدولة.
كما يرجع هذا الجمع إلى إدراكنا أن السياسة دوما خاضعة لعلاقات الجندر (علاقات القوى بين الجنسين)، وأن مجال القانون والأسرة يمثل مواقع لدراسة علاقات الجندر.
المجلد الثالث: الأسرة والجسد والجنس والصحة
يتناول المجلد الثالث ٦٦ موضوعا منها ٢٦ عرضا عاما و ٤٠ مداخلة مرتبة إقليميا.
ومثلما هو الحال في المجلد الثاني، وجدنا مجالات البحث هنا مرتبطة إحداها بالأخرى. ويتضمن هذا المجلد موضوعات مثل زواج الأطفال، والطفولة في مرحلة ما قبل الحداثة، وخطابات الحب في مرحلة ما قبل الحداثة، وفترة المرافقة بين الجنسين، والممارسات الخاصة بالزواج، والكتب الإرشادية في التربية الجنسية، والخطابات الدينية في الجنس، والإسلام والجسد الأنثوي، والرياضة والجسد الأنثوي، والخطابات
والممارسات المتعلقة بالعذرية، والإعاقات، وبتر الأعضاء الجنسية للإناث، وفيروس الإيدز، والأمراض المنقولة جنسيا، والتقنيات الإنجابية، والعلوم والإسلام. ويمثل الجسد فكرة متواصلة تمتد عبر موضوعات المجلد الثالث، من حيث التعبير عن الجسد في الخطابات والممارسات الأسرية ومن حيث مفهومه في الخطابات والممارسات الخاصة بالجنس، ومن حيث مفهوم الجسد في الأنظمة الصحية.
المجلد الرابع: الاقتصاد والتعليم والتحرك والمساحة
يشتمل المجلد الرابع على ١٨ عرضا عاما و ٧٠ مداخلة إقليمية، ومجموعها ٨٨ موضوعا. إن نقاط التلاقي بين الماديات بأنواعها المتنوعة والواقع والتجارب المعاشة هي النقاط التي تجمع تلك المجالات بعضها ببعض.
ويتناول المجلد الرابع المسائل المتعلقة بعمل النساء، والأسواق العالمية، والمهن التقليدية، والبيئة، والتعليم في مرحلة ما قبل الحداثة، والتعليم الكولونيالي الاستعماري، والمناهج الدراسية الوطنية، والهجرة، والمجتمعات في المهجر، واللاجئين، وخطابات التنمية، والمساحة الأنثوية، والإسكان، والمدن الكولونيالية والحديثة، والتشرد بلا مسكن.
المجلد الخامس: الممارسات والتأويلات والتمثيلات
يشتمل المجلد الخامس على ٧٨ موضوعا منها ٤٢ عرضا عاما و ٣٦ مداخلة إقليمية، والفكرة التي توحد بينها هي فكرة التمثيل والتجارب المعاشة. فمن الأفكار الأساسية والحاسمة في فهم النساء والثقافات الإسلامية هو إدراك كيفية تمثيل النساء وتأويلهن والممارسات التي تنتج تلك التمثيلات والتأويلات وتنتج عنها.
ومن الهام تحديدا صور تمثيل النساء في النصوص الدينية الإسلامية والعلوم الإسلامية والممارسات الإسلامية والخطابات الإسلامية. ونجد على نفس القدر من الأهمية صور تمثيل النساء بأقلام كاتبات من النساء وصور تمثيل النساء باعتبارهن أدوات للترفيه، والنساء في الإعلام والثقافة الجماهيرية، والنساء في
الفنون، وكذلك صور تمثيل الجوانب الجنسية للنساء في الشعر والفنون والثقافة الجماهيرية والنصوص الإسلامية.
المجلد السادس: الفهرس
يتضمن كل مجلد من مجلدات الموسوعة فهرسا خاصا به، أما المجلد السادس فيشتمل على فهرس تراكمي يجمع كل الفهارس المتضمنة في المجلدات الخمسة اﻷولى.
وقد طلبنا من كل مؤلفة ومؤلف أن يقدموا قائمة تضم ٥–١٠ كلمة دالة لكل نص مكون من ١٠٠٠ كلمة، وذلك لإلحاقها بالفهرس. وقد تم تقديم تلك القوائم إلى المسؤول عن الفهرس لتستخدم كقاعدة للفهرس العام.
تمثل أية موسوعة شكلا خاصا ومتميزا من أشكال المعرفة. والهدف من الموسوعات هو أن تكون مصدرا موثوقا به بل كثيرا ما تكون مصدرا حاسما لما بها من موضوعات. ومن ناحية تعتبر أية موسوعة مشروعا إيجابيا، وتفترض أنه يمكن تحديد وتعريف وتصنيف وترتيب المعرفة بصورة واضحة وخالصة.
وتميل الموسوعات إلى تثبيت المفاهيم. ولكن هذه الفرضيات
الخاصة بإنتاج المعرفة الموسوعية كانت تمثل مسألة إشكالية لمحررات الموسوعة، فلم يكن أي من المجالات التي تناولناها ثابتا في نظرنا، بل أردنا تحريك المفاهيم وتعقيد الأفكار وتوثيق الواقع بما فيه من “تشويش“.
وقد قمنا بتقسيم مسؤولياتنا في تحرير الموسوعة جزئيا تبعا للأقاليم المختلفة في العالم، ولكن فكرة “الإقليم” (والتي ستتم مناقشتها بقدر أكبر من الاستفاضة فيما بعد) هي مفهوم مرتبك ومتحول ومحمل بالسياسة.
وقد سألنا أنفسنا: ما الذي يعنيه تقسيم الإسلام إقليميا؟ كما استخدمنا مصطلح “الدولة القومية” كمعيار محدد لعديد من المداخلات، ولكن الدولة القومية هي وحدة تحليلية غير مستقرة. وقد طالبنا المؤلفات والمؤلفين المشاركين معنا بأن يضعوا دوما في الاعتبار أن مداخلاتهم يجب أن تكون عن “النساء والثقافات الإسلامية“.
ولكن بينما جاءت كل المداخلات متناولة الجندر بشكل واضح إلا أنه لم يكن من الواضح مدى محورية مفهوم الإسلام في كل المداخلات. بل كنا مهمومات بمفهوم “النساء والإسلام” و“الجندر والإسلام“.
وقد حاولنا أن نتجنب الفكرة القائلة بوجود مجموعة جوهرية من المعتقدات والمفاهيم كأساس للإسلام، ولكننا لم نتمكن من الفكاك تماما من إدراك أننا نتاج لتلك الأمة.
وقد قاومنا عناوين المداخلات التي تتضمن “الفصل” و“العزلة” والمتعلقة بمفهوم جامد ل“الإسلام“.
كما حاولنا بصورة عامة تجنب المداخلات التي تؤكد صورة الإسلام في المخيلة العامة.
ولكننا مع ذلك لم نكن على ثقة من نجاحنا دائما في هذا الصدد.
وقد تضمن جهدنا في تحرير الموسوعة حالة من التوتر المستمر بين صياغة الموضوعات وتحويلها إلى إشكاليات.
وفي الوقت الذي كنا نحول طبيعة إنتاج المعرفة الموسوعية إلى قضية إشكالية على مستوى المناقشات الخاصة بعملية تحرير الموسوعة، كان نقل رؤيتنا إلى المؤلفات والمؤلفين المشاركين بل وتطبيقها على نظام ترتيب الموسوعة مسألة تفوق في صعوبتها الجهد المبذول في مناقشتها (انظري/أنظر لاحقا “تنفيذ الرؤية“).
منذ الاجتماع الأول لمجلس تحرير الموسوعة، الذي عقد في يونيو/حزيران ١٩٩٩، سعى المجلس إلى إصدار موسوعة تقوم على أساس من إدراك القوى التي تتضمنها عملية إنتاج المعرفة، وقد كانت كل منا على وعي بالسياق المكاني والتاريخي للإنتاج المعرفي.
وخطوة تلو أخرى كنا نتأمل ونقيم الاختيارات المتاحة أمامنا من حيث مدى تأثير قراراتنا على نوعية المعرفة التي ستقدمها وتمثلها الموسوعة. وبالتالي أصبح التواصل بين المحررات بعضهن ببعض، وبين المحررات والمؤلفات والمؤلفين مسألة تحتل أهمية قصوى.
وكان مجلس التحرير يلتقي مرتين سنويا بينما قامت بعض المحررات بالالتقاء بمعدلات أكبر (وأحيانا على حسابهن الشخصي)، كما أقمنا صفحة إلكترونية لمحاضر الاجتماعات والقرارات كما ضمت قاعدة بيانات للمؤلفات والمؤلفين.
كذلك عقدنا اجتماعات عبر البريد الإلكتروني عندما تعذر اجتماعنا شخصيا. وقد قمت بتدوين ملاحظات مستفيضة وكتابة محاضر اجتماعات مفصلة، لتسجيل مجريات العمل والقرارات التي اتخذناها والأسباب التي دفعتنا إليها وتداعيات تلك القرارات على مشروع الموسوعة.
وهذه “المقدمة” تقوم أساسا على تلك الملاحظات.
ولم تتفق المحررات في بعض الأحيان على كيفية التعامل مع بعض القضايا، ولكننا كنا على دراية أن مشروع الموسوعة يمثل فرصة، بل ولحظة فريدة، لتحديد مجال معرفي، وجاءت الإثارة والسعادة بتلك اللحظة محملة بالمسؤولية.
فما هي الجهة التي لها أن تسائلنا عن تلك المسؤولية؟ هل نحن مسؤولات أمام الناشرين أم أمام أنفسنا أم قرائنا أم موضوعاتنا أم طلابنا أم التاريخ أم الحقيقة، أم كلها معا؟ وهل يمكن التوفيق بين كل تلك الدوائر؟ كانت تلك من الأسئلة الدائرة دوما في رؤوسنا، على المستوى الفردي والجماعي.
وأحيانا بدا الأمر كما لو كانت الموسوعة هي القوة الدافعة لنا، فلم يقتصر الأمر على أن تكتسب الموسوعة كيانها الحي بل اكتسحت حياتنا تماما، ولكن درجة ذلك إنما كانت نتيجة لحماسنا تجاه المشروع وما يحمله من إمكانات.
لقد اندمجنا كمجلس تحرير في التزامنا بمشروع موسوعي ودخلنا في مناقشات مكثفة عن رؤية كل منا بشأن الموسوعة. والآن بينما أقوم بكتابة هذه “المقدمة” في مارس/آذار ٢٠٠٣ أرى أن نتاج حوالي خمس سنوات من العمل الجماعي (وبالنسبة لي تسع سنوات من العمل على تطوير المشروع) هو رؤية جماعية لا تنتمي لأي فرد منا بل لنا جميعا.
٣– تنفيذ الرؤية: نقاط إرشادية للمؤلفات والمؤلفين
لقد عملت محررات الموسوعة جنبا إلى جنب لتطوير وتشكيل رؤية خاصة بالموسوعة.
وقد كانت عملية توصيل تلك الرؤية إلى المؤلفات والمؤلفين المشاركين من أجل خلق مشروع موحد عملية غاية في الأهمية. فإلى جانب الملاحظات المعتادة بشأن الأسلوب العام وشكل المداخلة، تم إرسال ورقة مفصلة للمؤلفات والمؤلفين شارحة مشروع الموسوعة.
وقد تمت صياغة تلك الورقة أساسا للمشاركات والمشاركين في المجلد الأول، ولكن تم إرسالها فيما بعد للمشاركات والمشاركين في المجلدات من الثاني إلى الخامس، حيث حملت الورقة الرؤية العامة للموسوعة، وأقسامها المختلفة وطبيعة العلاقة بين المؤلفات والمؤلفين من ناحية والمحررات من ناحية أخرى، وإمكانيات حدوث حوارات بين القائمين بالتأليف.
وقد تم إخبار المؤلفات والمؤلفين أن مداخلات القسم الأول ليس المقصود منها أن تكون ملخصات عن المادة المتوفرة عن النساء والثقافات الإسلامية في الأفرع المعرفية المتنوعة والأماكن والفترات التاريخية، بل أن تركز تلك المداخلات على الأدوات والمصادر المستخدمة في البحث الذي يتناول النساء والثقافات الإسلامية في تلك الأفرع المعرفية والفترات والأماكن. ولضمان استمرار تركيز المؤلفات والمؤلفين على موضوع الموسوعة في القسم الثاني، جاء عنوان كل مداخلة ووصف مضمونها بحيث يعمل على تذكير كل مؤلفة ومؤلف بأن المداخلة تتناول “النساء والثقافات الإسلامية” في علاقتها بالموضوع والإقليم المعني.
وكان كل توصيف للمداخلة يذكر الكتاب بتناول الموضوع في سياقه العام وسياقه التاريخي.
وقد طلب من المؤلفات والمؤلفين إلقاء الضوء على الجدل الدائر بحيث تحمل المداخلات قدرا من المعلومات ورؤية نقدية لا أن تكون جدلية. وقد شجعناهم على تقليل استخدام المصطلحات المتخصصة والخاصة بنظرية أو مجال أو فرع معرفي ما، أو أن يتم تعريف أي من تلك المصطلحات المستخدمة، بما يتيح إمكانية قراءة المداخلات عبر التخصصات والأفرع المعرفية.
كما دعوناهم إلى مراجعة بعض الأفكار، وإلى التقاط آخر ما توصلت إليه البحوث، وإلى تلخيص الأبحاث البارزة والهامة، وإلى تقديم المعلومات، على أن يتم تجنب شن الهجوم أو استخدام الصيغ البلاغية.
وقد تفاوت عدد الكلمات في كل مداخلة ما بين ٢٠٠٠ إلى ١٠٠٠ كلمة، بينما نجد أن المجلد الأول يضم مداخلات معظمها مكون من ٤٠٠٠ كلمة، في حين تتفاوت أعداد الكلمات في المجلدات الأخرى ما بين ٢٠٠٠ إلى ٣٠٠٠ كلمة، ونادرا ما كان بوسعنا أن نسمح للمؤلفات والمؤلفين بعدد كبير من الكلمات والتي كانوا يرونها كافية لتغطية موضوعاتها تغطية كاملة.
كما حصلت كل مؤلفة ومؤلف على وصف شامل للموضوع الذي تمت دعوتهم لتناوله، ونظرا لتنوع رؤانا بشأن الموسوعة ومجال البحث وموضوع كل مداخلة، أدى كل موضوع إلى خلق مناقشات غنية ومعقدة، ومع وصولنا إلى نقطة تحديد موضوعات المداخلات كنا كمجلس تحرير قد توصلنا إلى لغة خاصة بنا. فقد أصبح في إمكاننا تلخيص ما نود قوله في كلمات معدودة نفهمها جميعا، وقد كان التوصيف الذي أرسلناه إلى المؤلفات والمؤلفين عبارة عن ملخصات موجزة لتلك المناقشات المعقدة، وكنا نكتشف أحيانا أنه في الوقت الذي كانت المحررات تقرأن الكلمات محملة بذكريات مناقشاتنا الغنية لم يكن التوصيف باستمرار معبرا عن درجة التعقيد المقصود توصيلها إلى المشاركين.
بل ربما كان يكاد يستحيل علينا بالفعل أن نعبر للمؤلفات والمؤلفين في توصيفنا المحدود عن المناقشات المتشعبة حول موضوع معين. وقد كانت تلك من المزايا التي تمتعت بها المحررات من حيث كوننا مجموعة صغيرة قادرة على القيام بمناقشات طويلة المدى، ممزوجة بأسفنا لعجزنا عن التعبير الكامل وإشراك المؤلفات والمؤلفين في هذه الميزة.
وفي سبيل تصحيح ذلك التوازن المفقود قمنا بتشجيع كل مؤلفة ومؤلف على التواصل مع المحررة المشاركة المسؤولة عن الموضوع، على أمل في أن ننجح في الحفاظ على النسيج الأساسي لمناقشاتنا الجماعية ونقلها، ولضمان التفاهم المتبادل.
وقد قام العديد من المؤلفات والمؤلفين بالتواصل معنا إما قبل بدئهم في الكتابة أو في المراحل المبكرة منها، وقد سمح لنا ذلك بالتقاط الأخطاء الناجمة عن قصورنا في التعبير عن أهدافنا، كما أتاح لنا أيضا الدخول في مناقشات مثمرة للغاية مع المؤلفات والمؤلفين، مما أدى إلى قيامنا بتحسين وإعادة النظر في مداخلاتنا. ولكننا فشلنا في تحقيق ذلك في بعض الحالات إما لعجزنا عن التعبير عن هدفنا بالقدر الكافي أو لسوء تأويل المؤلفات والمؤلفين لرسائلنا. وأحيانا لم نكتشف سوء التواصل فيما يتعلق بمضمون المداخلة، أو الكيفية التي كنا نود أن نراها عليها، سوى بعد استلامنا المداخلة.
وقد كانت المؤلفات والمؤلفون المشاركون عموما يعذروننا وعلى استعداد لمراجعة مداخلاتهم، ولكن في بعض الحالات حتى عند تحقق الإيضاح اللازم لم يتمكنوا من تحقيق المرجو منهم لأسباب متنوعة.
وقد رفضنا بعض المداخلات التي بدت غير قابلة للتصحيح، كما تم رفض بعض المداخلات لا بسبب قلة أهميتها أو سوء كتابتها بل لأنها لم تكن تشبع حاجتنا. أما الصعوبة الكبرى التي واجهتنا مع المؤلفات والمؤلفين الذين التزموا بالكتابة فتمثل في عدم التزام عدد كبير منهم بمواعيد تسليم المداخلة – وهي مشكلة تواجه كل مشروع كبير يتضمن التحرير.
وقد تأخر بعضهم إلى الدرجة التي حرمت مداخلاتهم من الدخول في هذا المجلد مما نتج عنه خسارة وغياب لبعض الموضوعات الهامة (مثل المداخلة في فرع علم الاجتماع).
وبالنسبة لمؤلفات ومؤلفين آخرين نجد أن مسؤولياتهم باعتبارهم نماذج للمثقف العام كلفتهم الكثير في أعقاب الأحداث المأساوية ليوم ١١ سبتمبر/أيلول ٢٠٠١، حيث جعلتهم يتراجعون عن التزامهم نحونا، نظرا لأن العديد منهم أصبح مطالبا بشرح الإسلام للجمهور العالمي، كما دعي الكثيرون تحديدا إلى تأويل مواقف وتاريخ الإسلام المتنوع في علاقته بالنساء.
وعموما، حتى عندما لم نجد المداخلات متطابقة مع ما كنا نتصوره، إلا أنها ظلت خلاقة بالقدر الذي جعلها إضافة قيمة لمشروع الموسوعة. وقد شهدت بعض المداخلات اتصالات وتواصلا كبيرا بين المؤلفات والمؤلفين من ناحية والمحررات من ناحية أخرى، وأحيانا مع المحررة العامة، وقد كان الحوار في كل تلك الحالات تقريبا مثمرا. وبالتالي فإن نتاج هذا المشروع لا يقتصر ببساطة على رؤية المحررات والناشر، بل هو مزيج لرؤى المحررات والناشر والمؤلفات والمؤلفين.
اعتمدنا بداية في إيجاد المؤلفين على خبراتنا الخاصة ومعرفتنا بهذا المجال.
ويتصف مجلس التحرير بالتنوع من حيث مناطق التخصص (ثلاثة باحثات متخصصات في العالم العربي، باحثة متخصصة في إيران/تركيا/وسط وجنوب آسيا، باحثة متخصصة في جنوب شرق آسيا، باحثة متخصصة في الدراسات الأمريكية، ومساعدة تحرير متخصصة في الدراسات الأفريقية).
كما كان لدينا مجال متسع في الأفرع المعرفية (ثلاث باحثات في علم الأنثربولوجيا، واحدة في التاريخ، واحدة في الدراسات الدينية، وباحثة متخصصة في العلوم السياسية/الدراسات الإقليمية/الدراسات الأدبية).
إلا أن المجال الإقليمي والخاص بالأفرع المعرفية لم يكن في إمكانه أن يغطي كافة المجالات المطلوبة للبحث عن المؤلفات والمؤلفين الذين يمكن لهم المشاركة في الموسوعة.
ومن هنا طلبنا من مستشارات ومستشاري التحرير الذين يبلغ عددهم ٤١ فردا ممن تغطي خبراتهم كافة الأقاليم والأفرع المعرفية أن يقترحوا أسماء مؤلفات ومؤلفين ليشاركوا بمداخلات. ومع ذلك لم يكن الأمر كافيا.
منذ مرحلة مبكرة أدركنا أن ضخامة المشروع والتزامنا بدعوة المؤلفات والمؤلفين من مختلف أنحاء العالم إلى المشاركة سيتطلب منا تجاوز الدوائر المعروفة لنا، فبدأنا في إرساء وتطوير قاعدة بيانات للمؤلفات والمؤلفين، فنشرنا إعلانات في المجلات المتخصصة والمواقع الإلكترونية وفي المؤتمرات لجذب المتخصصين، وأقمنا استمارات للكاتبات والكتاب وأنشأنا قاعدة بيانات باسم المؤلف، ومجال الاهتمام البحثي وإقليم العمل البحثي. وقد كان مقر قاعدة البيانات في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، ويقوم على ترتيبها مجموعة من مساعدي البحوث في الموسوعة، مع وضعها علي موقع الموسوعة : sjoseph.ucdavis.edu/ewic.
وعلى القراء الراغبين في المساهمة في المجلدات والطبعات التالية من الموسوعة ملء الاستمارة الموجودة على الموقع السابق أو موقع دار النشر :www.brill.nl.
ومع انتشار خبر قيام مشروع الموسوعة بدأت الباحثات والباحثون المتخصصون والكاتبات والكتاب في الاتصال بنا للتطوع بكتابة مداخلات معينة.
وقد أسعدنا أن تنمو قاعدة البيانات خلال سنوات معدودة لتشمل ما يزيد على ٩٠٠ اسما. كما قام بعض الباحثين بتقديم مداخلات دون أن نطلبها منهم، أو اقترحوا القيام بكتابة موضوعات بعينها لم نكن ننوي تناولها أو كنا نتناولها في سياق عدد من المداخلات المختلفة.
وقد سعدنا جدا بالتفاعل مع هؤلاء الباحثات والباحثين وحرصنا على التفكير في كيفية ملاءمة أعمالهم للموسوعة – إن لم يكن في الطبعة الورقية فلعله يتحقق في الطبعة الإلكترونية. وقد اتصل بنا العديد منهم مرارا وتكرارا، وبينما لم نتمكن من دعوة كل المتطوعين للمشاركة في هذه الموسوعة إلا أن قاعدة البيانات تظل مصدرا حيويا للطبعات المستقبلية منها.
ومثلما سعينا إلى الباحثات والباحثين البارزين، بحثنا أيضا عن الشباب، فقد كان في رأينا أن الباحثات والباحثين من الحاصلين حديثا على درجات الدكتوراه وكذلك طلبة الدراسات العليا يتمتعون بميزة القرب من مجالاتهم البحثية، فطلبنا من الباحثات والباحثين الكبار اقتراحاتهم بشأن طلبة الدراسات العليا، كما استخدمنا قاعدة البيانات الخاصة برسائل الدكتوراه للتعرف على شباب الباحثات والباحثين ممن يمكنهم الكتابة في موضوعات بعينها. وكلما أمكن ذلك شجعنا المداخلات ذات التأليف المشترك لتعزيز تناول المداخلات لمواد غير متاحة لمؤلفة أو مؤلف واحد.
لم تجد المحررات أي صعوبة في صياغة قائمة مطولة لموضوعات المداخلات التي يمكن تناولها في الموسوعة، ولكن في أحيان كثيرة لم يكن من الواضح ما إذا كانت قد تمت بحوث في موضوعات محددة بالنسبة لبعض الأقاليم.
وأحيانا، ورغم أننا وجدنا الباحثات والباحثين المستعدين لكتابة مداخلات إلا أنهم وجدوا صعوبة في التركيز على منظور الجندر، وعادة ما كان ذلك يرجع إلى نقص في المصادر المتاحة.
وأحيانا أخرى اضطر المؤلفون والمؤلفات إلى توسيع نطاق خبراتهم وتخصصهم في موضوع ما بحيث يستوعب الجندر.
٥– تاريخ مشروع موسوعة النساء والثقافات الإسلامية
إن مشروع الموسوعة هو ملحمة امتدت على مدار تسع سنوات، على الأقل منذ بدايتي معه وحتى إصدار المجلد الأول.
وقد قمت على مدار السنين بتوثيق الحوارات والمفاوضات والاجتماعات والخطابات البريدية والرسائل الإلكترونية المتبادلة (والتي احتفظ منها بسجل أكبر كثيرا مما هو ملخص هنا). إن هذا الجزء من “المقدمة” يستهدف القراء المهتمين تحديدا بمشروع ثقافي ذي أبعاد موسوعية من حيث مولده وتطوره وتحوله، في عملية تقوم في نفس الوقت بتشكيل “النتاج” المعرفي. وكان الدافع من وراء توثيق هذه العملية هو القناعة بأن إنتاج المعرفة كامن في علاقات الإنتاج الاجتماعية، مثلما هو الحال مع غيرها من المنتجات القابلة للتسويق.
والقصد من وراء توثيق جزء من تلك العملية في “المقدمة” هو الكشف عن وضعية وموقع إنتاج المعرفة، بل وأحيانا ما تتصف به من عرضية وحالتها الطارئة. ونجد في المحصلة النهائية أن ما نعرفه، وكيفية تمثيلنا لما نعرفه، وما يتم تأسيسه على المستوى العام باعتباره معرفة، هو عبارة عن قصة تتناول كيفية إنتاج ما نعرفه بقدر ما هو قصة تتناول ما نحاول معرفته. ولعل الأقل اهتماما بهذا الأمر من القراء يرغب في الانتقال إلى الجزء التالي من “المقدمة” والذي يدور حول الإشكاليات المفاهيمية الخاصة بإنتاج المعرفة الموسوعية.
ولدت فكرة “موسوعة النساء في الإسلام” في ذهن بيري بيرمان (محررة الدراسات الإسلامية في دار نشر “بريل“). وجاءت رسالتها الأولى في يوليو/تموز ١٩٩٤ معبرة عن اهتمامها بإصدار موسوعة مكونة من ثلاثة مجلدات تضم ألفين وخمسمائة صفحة (تم تعديلها فيما بعد لتكون من ١٥٠٠ صفحة) تشتمل على “مداخلات عن شخصيات تفصل بينها مقالات استطلاعية عامة تتناول النساء وموضوعات عن النساء من منظور المجتمع والقانون والأدب والتصوف، وغيرها“، على أن تركز الموسوعة على البلدان العربية وتركيا وإيران وآسيا وجنوب شرق آسيا. وكانت الفكرة تقوم على وجود أربع محررات ومحررين مسؤولين عن هذه “التقسيمات“، مع وجود اتفاق مبدئي مع بعضهم. وقد أرسلت ردا على هذه الرسالة لخصت فيه بعض الأفكار، ثم سافرت بعدها إلى لبنان لمدة خمسة شهور للقيام بدراسة ميدانية. وبعد رسالة أخرى متبادلة مع بيري بيرمان نسيت المشروع تماما إلى أن وصلتني رسالة بالفاكس منها في أكتوبر/تشرين الأول ١٩٩٥ تسألني فيه عما إذا كنت ما زلت مهتمة بالمشروع.
وفي ديسمبر/كانون الأول ١٩٩٥ التقينا في ديفيس، وتمت دعوتي رسميا لأكون المحررة العامة للموسوعة وبدأنا مفاوضاتنا حول العقد، وكان العنوان المبدئي هو “موسوعة النساء في العالم المسلم“، واستمرت مناقشاتنا بشأن العقد على مدار عامين بالبريد الإلكتروني إلى أن كدنا ننتهي من صياغته النهائية، ولكن في محاولة من دار النشر “بريل” لخفض تكاليف الموسوعة طرحت دار النشر فكرة إنتاج مجلة متخصصة في موضوع النساء في العالم المسلم، والتي يمكن لها أن تتطور لاحقا في صورة موسوعة. ولم أتحمس لفكرة استبدال الموسوعة بمجلة أو إنتاج موسوعة من خلال مجلة، إلا أن المناقشات استمرت مع دار النشر حول “موسوعة النساء
في العالم المسلم“.
ومع نهاية عام ١٩٩٧ تركت بيري بيرمان دار النشر “بريل” وبدا أن الاهتمام بالمشروع قد أخذ يتراجع، مع استمرار اثنين من محرري دار النشر في الاتصال بي، وأحدهما هو ألبرت هوفستيد الذي قام بدراسة استطلاعية للسوق للتعرف على مدى الاهتمام البحثي المتخصص في “موسوعة النساء في العالم المسلم“، وهو الأمر الذي حصل على رد فعل إيجابي.
وفي عام ١٩٩٨ اتصل بي يان–بيتر ويسينك (مدير وحدة الأعمال للدراسات الإسلامية في دار النشر “بريل“) مشيرا إلى اهتمامه بالتحرك قدما فيما يتعلق بالموسوعة.
وبعد نجاحه في إقناع إدارة دار النشر بإعادة التفكير في نشر الموسوعة، جاء ويسينك إلى ديفيس في إبريل/نيسان ١٩٩٨ لإحياء الاتفاقات الخاصة بالعقد والتي تم الانتهاء منها خلال عدة أشهر. وكنت قد توجهت قبل ذلك إلى عميدتي القسم الذي أعمل فيه بالجامعة (جو–آن كانون وباربرا ميتكالف) وإلى نائب رئيس الجامعة لشؤون البحث الأكاديمي (كيفين سميث) وإلى عميدة شؤون الدراسات العليا (كريستينا غونزاليس) في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، بطلب للحصول على تمويل لبدء المشروع.
وقد تم توفير تمويل ومكتب ل“موسوعة النساء في العالم المسلم“، وبحلول خريف ١٩٩٨ كان العقد الخاص بالموسوعة جاهزا، بينما كنت أنا موجودة في معهد البحوث الإنسانية بجامعة كاليفورنيا في إيرفين، وذلك لقضاء عام دراسي أدير فيه سمنار هيئة التدريس عن النساء والمواطنة في المجتمعات المسلمة.
وقد تم تحديد عام ١٩٩٨/١٩٩٩ لاختيار واختبار المحررات المشاركات، وتم تعديل الفكرة الأصلية بشأن وجود أربع محررات إلى وجود محررة عامة وثلاث محررات مشاركات، ولكن عندما أعدت دراسة مجال التحرير اتضح لي مدى الجهد المطلوب وبالتالي أعدت مفاوضاتي مع دار النشر بشأن العقد ليتضمن محررة عامة وخمس محررات مشاركات.
وقد كانت المناقشات مع المحررات والمحررين المؤهلين مبهرة، وقد كنت محظوظة لتمكني من التشاور مع العديد من العاملات والعاملين في هذا المجال، ووجدت في كل مرة حماسا طاغيا لفكرة الموسوعة. وكانت تلك المرحلة تجربة مثمرة تعلمت منها الكثير، فقد أدت الحوارات واللقاءات مع شخصيات بارزة إلى توليد أفكار خلاقة لرؤية وبنية الموسوعة.
وبحلول ربيع ١٩٩٩ كان قد تم تشكيل مجلس التحرير.
وقد شرفني أن توافق مجموعة من الباحثات المتميزات في الانضمام إليّ في تلك المسيرة الفكرية، وهن: أفسانه نجمبادي (من كلية بارنارد ثم في جامعة هارفارد)، وجولي بيتيت (من جامعة لويزفيل)، وسيتيني شامي (في مرحلة انتقال إلى موقع جديد في مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية) وجين سميث (معهد هارتفورد سمناري)، وجاكلين سيابنو (التي كانت في موقع جديد في هيئة تدريس جامعة أستراليا، ثم انتقلت إلى جامعة ملبورن).
وقد تم الاحتفاظ بفكرة بيري بيرمان الأصلية بشأن نظام تقسيم العمل بين عضوات مجلس التحرير تقسيما إقليميا.
فتحملت أفسانه نجمبادي مسؤولية تركيا وإيران والهند وبنغلاديش وباكستان وأفغانستان ووسط آسيا (وحتى حدود منغوليا، ولكن دون أن تتضمنها)، وكذلك الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي سابقا شرق وغرب القزوين.
أما جولي بيتيت وسيتيني شامي فقد أخذتا على عاتقيهما مسؤولية دول الخليج العربي والدول العربية شرق البحر المتوسط، ودول شمال أفريقيا، وموريتانيا وإسرائيل وأسبانيا الأندلسية وأوروبا إبان الإمبراطورية العثمانية.
بينما تولت جاكلين سيابنو المداخلات التي تتناول الصين ومنغوليا والفلبين وإندونيسيا وماليزيا وبروناي وبورما وتايلاند وأستراليا وفيتنام وكمبوديا وسنغافوره وهونغ كونغ وتايوان ومنطقة آسيا المطلة على المحيط الهادي وكذلك عالم الملايو والصين في مراحل تاريخية مبكرة. كما وافقت جين سميث بشجاعة على تناول أوروبا الغربية وأفريقيا جنوب الصحراء وكلا من أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية.
وفي يوم ٢٠ مايو/أيار ١٩٩٩ كتبت رسالة إلى عضوات مجلس التحرير الجديد أدعوهن لحضور أول اجتماع لمجلس التحرير يعقد في الشهر التالي. وفي سبيل إعداد وصياغة رؤية لأعمال مجلس التحرير اقترحت الآتي:
سنعمل في سبيل تطوير رؤية جماعية ل“موسوعة النساء في العالم المسلم“، تعبر عن فلسفة أو إطار عام لما نحاول تحقيقه من خلال هذا المشروع، وستقوم الرؤية الجماعية على بعض القواعد الأساسية:
1 لا يجب علينا أن نتفق جميعا على مقاربة إلى الإسلام أو الجندر، ولكننا نحتاج إلى أن تكون مقاربة كل منا واضحة للجميع، كماأننا نحتاج إلى مظلة عامة يمكننا أن نعمل جميعا في إطارها.
٢– يجب أن نتفق جميعا على أنه لا يوجد إسلام واحد “حقيقي“، ولكن يوجد عديد من التأويلات والأراء بشأن الإسلام. وليس القصد من وراء هذا المشروع الكشف عن إسلام واحد حقيقي أو استعادته، حيث يقوم المشروع على وضع الإسلام في سياق تاريخي وثقافي. ومن هنا تهتم “موسوعة النساء في العالم المسلم” بالتاريخ والفن والموسيقى والطب وعلم النفس والتنظيم الاجتماعي والسياسةوالاقتصاد والبيئة واللاهوت، وما شابه ذلك.
٣– لا يوجد موقف إسلامي واحد بشأن الجندر. إن وضع النساء في المجتمعات الإسلامية والمجتمعات غير الإسلامية في العالم المسلم هو وضع معقد وتتعدد الظروف المحددة له، كما أنه خضع للتغير على مدار الزمان والمكان.
٤– إن “موسوعة النساء في العالم المسلم” ليست عن الإسلام فقط، ولكنها عن النساء في المجتمعات المسلمة، بما في ذلك النساء المسيحيات والنساء اليهوديات والنساء المنتميات إلى مجموعات دينية وعرقية أخرى ممن يعشن في بلدان تسودها أغلبية مسلمة، وكذلك النساء المسلمات في بلدان غير إسلامية. إنها موسوعة عن النساء اللاتي يعشن في مجتمعات يمثل فيها الإسلام قوة بارزة، وليست موسوعة عن الإسلام في حد ذاته.
٥– ستحاول “موسوعة النساء في العالم المسلم” تمثيل مساحة واسعة من الأصوات الموجودة في الخطابات الإسلامية وكذلك الأصوات المعبرة عن الإسلام وخطاباته.
٦– الإطار الزمني للموسوعة سيبدأ من الفترة السابقة توا على نشأة الإسلام في القرن السادس الميلادي في منطقة الشرق الأوسط، ومن الفترة التي سبقت للتو دخول الإسلام إلى المناطق الأخرى من العالم.
وتم عقد الاجتماع الأول لمجلس التحرير في يونيو/حزيران ١٩٩٩ في مقر معهد البحوث الإنسانية بجامعة كليفورنيا في إيرفين، وقد حضره معي كل من يان–بيتير ويسينك وجولي بلوكير (من هيئة التحرير التابعة لويسينك) وأفسانه نجمبادي وجولي بيتيت وجين سميث وجاكلين سيابنو.
ولا يمكنني القول بأنني كنت على دراية تامة بما كنت أقوم به أو ما سيتطلبه العمل في الفترة التالية، ومثل طفلة تقفز إلى الماء في محاولة لتعلم السباحة قمت بالغوص إلى أعماق الموسوعة آملة (أكثر مني مؤمنة) بأنني سأفهم الأمر أثناء تلك المسيرة. وقد كان هذا اللقاء الأول تجربة مدهشة للأسباب التالية: أولا، بسبب التفاهم الذي نشأ بين كل عضوات مجلس
التحرير (ولم تكن هنالك سابق معرفة بين بعض العضوات). وثانيا، بفعل الكفاءة التي نجحنا فيها معا في إعداد خطة عمل للمشروع.
أما السبب الثالث فيتمثل في الإثارة البالغة التي شعرنا بها مع بداية قيامنا بتلك الرحلة التي شعرنا أنها ستساهم بصورة فعالة في تشكيل هذا المجال البحثي.
وقد تم اتخاذ بعض القرارات الهامة والحاسمة في الاجتماع الأول بناء على إدراكنا أننا بصدد إنتاج موسوعة مكونة من ثلاثة مجلدات من مليون ونصف كلمة (سرعان ما قفزت إلى مليوني كلمة) ومن المزمع نشرها في عام ٢٠٠٣.واخترنا أن يكون العنوان المبدئي هو “موسوعة النساء والثقافات الإسلامية“، كما قررنا أن نرتب الموسوعة بحيث تنقسم إلى قسمين، يركز القسم الأول على المنهجيات والمصادر وعلى المنهجيات والمنظومات الخاصة بالأفرع المعرفية، بينما يشتمل القسم الثاني على الموضوعات المختلفة.
كما وضعنا قائمة تضم الموضوعات التي سيتضمنها القسم الأول، بما في ذلك أسماء المؤلفات والمؤلفين الذين يمكن استكتابهم، وقائمة مطولة بالموضوعات العامة التي يمكن أن يشتمل عليها القسم الثاني.
وقررنا أيضا أن نتفق على المداخلات الخاصة بالقسم الأول قبل القسم الثاني كي نتيح فرصة قراءة مداخلات القسم الأول للمشاركات والمشاركين في القسم الثاني. كما قمنا بتقسيم عدد الكلمات (مليون ونصف كلمة) فيما بين القسمين، كما قسمنا عدد كلمات القسم الثاني ما بين الأقاليم المختلفة.
ثم قمنا بتصميم أساسي لعملية التحرير بحيث يتم تحديد “محررة موجهة” لكل مداخلة، بحيث تكون تلك المحررة الموجهة هي إحدى المحررات المشاركات والتي يقوم دورها على تحديد المؤلفات والمؤلفين الممكن استكتابهم لتلك المداخلات، والتواصل معهم بشأن الأسئلة التي قد يطرحونها فيما يتعلق بالمداخلات، وأن تكون تلك المحررة هي القارئة الأولى للمداخلة عند تسليمها لمجلس التحرير.
أما أنا باعتباري المحررة العامة فأقوم بقراءة كل المداخلات بعد مراجعتها من قبل المؤلفة أو المؤلف تبعا لملاحظات المحررة الموجهة، إلا إذا أرادت المحررة الموجهة أن انضم إلى عملية التحرير في مرحلتها الأولى (وهو ما حدث بالفعل بالنسبة لعدد من المداخلات). وكان القرار النهائي الخاص بقبول المداخلات للنشر في الموسوعة يقع على عاتقي، وكذلك كل المسائل المتعلقة بتواريخ التسليم النهائي والموافقة على مدها. وقد توليت مهمة كتابة محاضر مفصلة للمناقشات التي دارت بيننا (وهو نسق اتبعته على مدار عملنا بأكمله).
ولم تنتج عن هذا الاجتماع رؤية موحدة بشأن الموسوعة أو منطق عام لها، بل خطوات نحو الوصول إلى رؤية مشتركة. وقد اتفقنا على رغبتنا في تأكيد مرونة الإسلام، وتصوير قصص عن الحضارة بشكل عام جنبا إلى جنب قصص الحياة اليومية، والقوى المحركة للنساء والثقافات الإسلامية في نطاقها الكامل عبر الزمان والمكان.
وفي صيف عام ١٩٩٩ انتقلت إلى مدينة القاهرة في مصر حيث قضيت الفترة من عام ١٩٩٩ إلى ٢٠٠١ أعمل مديرة لبرنامج التعليم بالخارج الخاص بجامعة كاليفورنيا وذلك في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
وانتقلت جاكلين سيابنو، التي كانت أستاذة مقيمة في معهد البحوث الإنسانية بجامعة كاليفورنيا، إلى أستراليا، بينما انتقلت سيتيني شامي من القاهرة إلى نيويورك. ومع كل تلك التحولات والتنقلات، ومع موعد انعقاد اجتماعنا الثاني بعدها بعام، إلا أننا قررنا مواصلة عملنا من خلال رسائل شهرية بالبريد الإلكتروني أعددت جدول أعمالها مقدما. وقد استغرق أمر كتابة ومراجعة محاضر اجتماعنا الذي تم في يونيو/حزيران ١٩٩٩ فترة امتدت إلى خريف عام ١٩٩٩، وبانتهائي منها اكتسب عملنا عبر البريد الإلكتروني دفعة البداية الرسمية.
وقد قامت هيذر نيلسون، مساعدة البحوث، بإعداد مكتب الموسوعة بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، حيث مقر أعمال تحرير الموسوعة.
كما قامت بمتابعة اجتماعاتنا الشهرية التي تم عقدها بالبريد الإلكتروني، وبإرسال المحاضر إلينا. كما بدأت في إعداد الصفحة الخاصة بموقع الموسوعة على الشبكة الإلكترونية، وإدخال الباحثات والباحثين المتخصصين ضمن قاعدة البيانات، مستخدمة في ذلك الاستمارة التي كنا قد أعددناها لهذا الغرض.
وقد عاونتها في ذلك طالبتان في جامعة كاليفورنيا في ديفيس وهما ساره مونالي وإيلين (ينغ) زو، إلى جانب طالبتين تم تعيينهما مساعدتي بحوث لي بجامعة كاليفورنيا في ديفيس وهما طالبة الدراسات العليا ميمي (ليسلي) سوندرز وطالبة الليسانس جافان هاورد التي كانت تعمل أساسا في مشروعات أخرى ولكنها ساعدت في بعض الأعمال الخاصة بقاعدة البيانات وغيرها من أعمال البرمجة.
تمثلت مهمتنا في الفترة ٢٠٠٠/١٩٩٩ بتتبع ما اتفقنا عليه في محاضر اجتماع يونيو/حزيران ١٩٩٩ وذلك لتحديد مداخلات القسم الأول من الموسوعة. وقد قمنا بذلك عبر اتصالات مكثفة بالبريد الإلكتروني وأحيانا عبر الهاتف. كما قمنا بدعوة ٤٢ باحثة وباحثا متميزا لتشكيل مجلس استشاري دولي (أصبح عددهم ٤١ بعد حالة وفاة) وكذلك عدد من الكاتبات والكتاب من مختلف أرجاء العالم لمساعدتنا في توجيه سير العمل.
ويضم المجلس الاستشاري مجموعة متخصصة في كل الأفرع المعرفية الأساسية للمشروع وكل إقليم من العالم، كما قام بمد الجسور بين الباحثين والنشطاء والفنانين والعاملين المحترفين، رجالا ونساء،في مختلف المجالات.
وقد وافق كل من دعوناهم إلى المجلس الاستشاري على تلبية الدعوة (فيما عدا حالة واحدة كانت مشغولة بمشكلة مرضية في الأسرة). وقد نبهناهم إلى نيتنا في الاستعانة بهم كمجلس استشاري فاعل بما يتطلبه ذلك من مسؤوليات كالكتابة أو استكتاب المؤلفات والمؤلفين أو تقديم المشورة فيما يتعلق بالمداخلات حول الموضوعات المختلفة. وقد تفاوتت درجات اندماجهم في النهاية حيث كان بعضهم أكثر تفاعلا من غيرهم، ولكننا شعرنا نحوهم جميعا بالامتنان على كافة المستويات لأنهم وافقوا على وضع أسمائهم على هذا المشروع، وأنهم كانوا يستجيبون بأفضل ما لديهم وبقدر الاستطاعة إلى نداءات المساعدة.
تم عقد اجتماع مجلس التحرير الثاني في “معهد هارتفورد سمناري” في مدينة هارتفورد بولاية كونيكتيكت، في أغسطس/آب ٢٠٠٠.وقد حضر هذا الاجتماع كل من جين سميث وأفسانه نجمبادي وجولي بيتيت وسيتيني شامي بالإضافة إليّ..
واستعدادا لهذا الاجتماع التقت كل من جولي بيتيت وسيتيني شامي، على حسابهما الشخصي وبمبادرة منهما، لإعداد قائمة مبدئية للموضوعات، وذلك انطلاقا من القائمة التي أعددناها في لقائنا الأول في إيرفين في العام السابق. وقد ساهم ذلك في تفعيل وتيسير عملنا الجماعي خلال لقائنا في هارتفورد.
وكان الهدف المبدئي للقائهما هو إعداد الموضوعات الخاصة بالمنطقة العربية والعثمانية، والتي تمثل مجال اختصاصهما ومسؤوليتهما في الموسوعة، وقد اكتشفتا أن قوائم الموضوعات متطابقة في واقع الأمر بالنسبة لكل الأقاليم، وقدمتا القائمة التي أعدتاها لمجلس التحرير بأكمله.
ولولا مبادرتهما تلك لكان عمل المجموعة قد استغرق مزيدا من الوقت. وقد “انتهينا” حينها من قائمة مداخلات القسم الأول وواصلنا العمل في إعداد قوائم القسم الثاني من الموسوعة. إلا أنه يجب على سبيل الدقة الإشارة إلى أن قوائم المداخلات لم تأخذ شكلها النهائي تماما إلى حين نشرها.
إن توصيف المداخلات ومعاييرها ظلت في حالة تغيير مستمر حيث كنا نجد أمثلة لعدم ثبات المعايير في عملنا، أو نظرا لأننا وجدنا أن قائمة المداخلات التي كنا نطمح إليها لم تكن قابلة للتحقيق، أو لأن بعض المؤلفات والمؤلفين قاموا بإعادة النظر ومراجعة ذلك التوصيف وتلك المعايير.
وقررنا أن نبدأ عملية الاستكتاب على الفور، وكان علينا إعداد خطاب الدعوة والملاحظات الإرشادية للمؤلفات والمؤلفين، بحيث يشتمل على “رؤيتنا” بشأن الموسوعة.
وقد حددنا تاريخ تسليم كل المداخلات الخاصة بالقسم الأول يوم ١ يونيو/حزيران ٢٠٠١، وهو تاريخ يكشف عن مدى تفاؤلنا (فلم يكن بعض المشاركين قد سلموا مداخلاتهم حتى بحلول مايو/أيار ٢٠٠٣ ).
ونظرا لعدم وجود باحثة مساعدة للمشروع حينذاك في القاهرة، كما أن دار النشر “بريل” لم تتوفر لديها إجراءات إرسال الدعوات، قمت بإرسالها بأكملها من القاهرة خلال العام الأول وذلك بالبريد الإلكتروني. وقد قمنا ببذل جهد جماعي كبير على مدار الفترة من خريف ٢٠٠٠ إلى ربيع ٢٠٠١ بحثا عن المؤلفات والمؤلفين المشاركين.
وفي صيف ٢٠٠٠ أصبحت باتريشيا ريستو مساعدة بحوث في مكتب جامعة كاليفورنيا في ديفيس، بينما واصل مجلس التحرير الاجتماعات الشهرية بالبريد الإلكتروني للتدقيق في قوائم المداخلات وتحديدها وللتعاون فيما بيننا في اقتراح أسماء المشاركين والعثور عليهم.
وقد عقد اجتماع مجلس التحرير الثالث في القاهرة في يناير/كانون ثاني ٢٠٠١، وقد قام اثنان من طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالمساعدة في الإعداد للاجتماع، وهما خالد ديناوي وليزا رايتي.
وتفضل رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة جون جيرهارت ومدير الجامعة تيم ساليفان بإتاحة إمكانيات الجامعة لهذا الاجتماع، كما انضم رئيس الجامعة إلى مجلس التحرير في غداء مشترك حضره أيضا ستيفن لاوري ممثل مؤسسة فورد في القاهرة.
وكنت قد تقدمت بطلب الحصول على منحة للموسوعةمن مؤسسة فورد، وجاء هذا الاجتماع فرصة يقوم خلالها مجلس التحرير والناشر بمناقشة الموسوعة مع ممثل مؤسسة فورد.
وقد حضر هذا الاجتماع معي كل من أفسانه نجمبادي وجولي بيتيت وسيتيني شامي وجاكلين سيابنو ويان–بيتر ويسينك وأولاف كوندغين.
وكان ويسينك في سبيله للانتقال إلى مركز آخر في دار نشر “بريل” بينما كان كوندغين سيحل محله باعتباره محرر دار النشر المسؤول عن الموسوعة.
وقد تقدم ويسينك بفكرة إتاحة الموسوعة على الشبكة الإلكترونية لتصبح مشروعا مستمرا. كما شجعنا على ألا نحدد أنفسنا بإطار المليوني كلمة. وكنا على أية حال قد وسعنا الموسوعة إلى أربعة مجلدات حيث حددنا عدد ٢٧٨٠٠٠٠ كلمة لمداخلات تتناول موضوعات بعينها، كما تم في اجتماع القاهرة مناقشة ما إذا كان سيتم ترتيب الموسوعة أبجديا أم موضوعيا (أي تبعا للموضوع).
ولم يتم التوصل إلى قرار في هذا الصدد، وواصلنا عملنا على أساس الموضوعات في سبيل صياغة قائمة بالمداخلات.
وقد ركزنا وقتها على مداخلات القسم الثاني، حيث كان علينا إعداد توصيف للمداخلات وتحسين قائمة المداخلات.
فقد كانت المؤلفات والمؤلفون في حاجة إلى توصيف لمداخلاتهم وكذلك للمداخلات السابقة واللاحقة لتجنب التكرار. ومرة أخرى، كان قد سبق هذا الاجتماع لقاء بين جولي بيتيت وسيتيني شامي للعمل معا في إعداد قائمة المداخلات، وهو الأمر الذي سهل عملنا الجماعي.
وقد اتفقنا في هذا الاجتماع على أن تضم المداخلات “مربعات سير الحياة” لعدد محدود من النساء، وأن نطلب من المؤلفات والمؤلفين المشاركين تقديم قوائم بالمصطلحات للفهرس، تكون ملحقة بالمداخلة.
وفي مايو/أيار ٢٠٠١ ذهبت إلى مدينة لايدن لألتقي بكل من أولاف كوندغين محرر دار النشر المسؤول عن الموسوعة، وسام بروينسما مدير وحدة الأعمال والتي كان يوجد فيها مقر الموسوعة.
وقد تم إعداد إجراءات العمل بما في ذلك “استمارة المسار” لتصاحب كل مداخلة، وجداول للمداخلات. كما تم الانتهاء من ورقة “أسلوب النشر” التي يتم إرسالها للمؤلفات والمؤلفين، وكذلك تم إعداد الملاحظات للعاملين في دار النشر “بريل” لمتابعة المداخلات من الاستكتاب إلى النشر. وقد كان هذا الاجتماع مفيدا للغاية حيث جعلني أدرك كيفية سير العمل في دار النشر “بريل” كما أتاح لي فرصة خلق علاقة عمل مع سام بروينسما. كما التقيت بإيزابيلا جيريتسين التي أصبحت عضوة دار النشر المقيمة والمتفرغة للموسوعة.
وقد تولت جولي بلوكر، والتي أصبح اسمها الآن جولي بينشوب–بلوكر، مسؤولية الاستكتاب للقسم الأول من الموسوعة بدلا عني، في حين تولت إيزابيلا جيريتسين مسؤولية الاستكتاب لمداخلات القسم الثاني، واستقبال وإرسال ومتابعة كل المداخلات، مستخدمة قاعدة بيانات المؤلف وإجراءات منظمة للمتابعة.
وقد تمت المحافظة على قاعدة بيانات المؤلف بمعزل عن قاعدة بيانات المؤلفات والمؤلفين الممكن اشتراكهم في الموسوعة لضمان سهولة الرجوع إليها. وقد تم الاتفاق تماما على أن تتكون الموسوعة من أربعة مجلدات تشتمل على عدد مليوني ونصف كلمة، كما قمنا بتطوير الفكرة بشأن نشر القسم الأول (المجلد الأول) بشكل منفصل وتسويقه بصورة مستقلة عن المجلدات الأخرى.
وفي صيف ٢٠٠١ عدت إلى جامعة كاليفورنيا في ديفيس، وقد أسعدني الحظ لأجد تريسي سميث هي مساعدة البحوث الجديدة للموسوعة، وهو التزام دام ثلاثة أعوام، وبحلول يوليو/تموز ٢٠٠١ كنا قد حصلنا على منحة مؤسسة فورد البالغ قيمتها ٢٧٠٠٠٠ دولار، مما كان بمثابة نقطة تحول للموسوعة.
وقد شارك أحد عشر مكتبا من مكاتب مؤسسة فورد حول العالم في تلك المنحة، فكل مكتب من مكاتب فورد الواقعة في كل إقليم يتضمن مجموعة من السكان المسلمين، من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، انضم إلى مكتب مؤسسة فورد في نيويورك في تمويل الموسوعة، وعلى رأسها مكتب القاهرة. وهكذا كانت منحة مؤسسة فورد إلى حد كبير هي القوة الدافعة التي مكنت الموسوعة من التطور والنمو.
وقد تم عقد اجتماع مجلس التحرير الرابع في نوفمبر/تشرين ثاني ٢٠٠١ في سان فرنسيسكو بالتزامن مع اجتماع “رابطة دراسات الشرق الأوسط” (MESA)، ولأول مرة قامت إحدى العاملات في الموسوعة (تريسي سميث) بحضور اجتماع مجلس التحرير، مقدمة الكثير من العون في الجوانب الإدارية والفنية للعمل.
وقد حضر هذا الاجتماع معي كل من أولاف كوندغين وأفسانه نجمبادي وجولي بيتيت وسيتيني شامي وجاكلين سيابنو وجين سميث، وكان هذا اجتماع مجلس التحرير الوحيد الذي حضرته كل المحررات.
وكان محور اجتماعنا يرتكز على الانتهاء من كتابة توصيفات مداخلات الخاصة بالقسم الثاني، كما قمنا بمراجعة قائمة مداخلات القسم الثاني، مع ضم المداخلات إحداها إلى الأخرى في حالات حدوث عجز في أعداد الكلمات. كما ضبطنا مداخلات القسم الأول وفكرنا في أسماء المؤلفات والمؤلفين ليشاركوا بالكتابة في المداخلات المتبقية.
وقررنا أن جين سميث في حاجة إلى مساعدة/مساعد تحرير للعمل على أفريقيا جنوب الصحراء. كما حدثت قفزة في أعداد الكلمات لتبلغ ٣ مليون كلمة (بالإضافة إلى عدد ٣٠٠ ألف كلمة خاصة بالقسم الأول)، وقررنا إصدار المجلد الأول في خريف ٢٠٠٣ على أن تصدر المجلدات الثاني والثالث والرابع في شتاء ٢٠٠٤.وقررنا أيضا ترجمة رسالة دعوة المؤلفات والمؤلفين إلى لغات مختلفة وذلك لزيادة مجال المؤلفات والمؤلفين الذين نستعين بهم في الموسوعة.
وفي يونيو/حزيران ٢٠٠٢، عقدنا الاجتماع الخامس لمجلس التحرير مرة أخرى في مدينة هارتفورد في كونيكتيكت، وقد تزامن الاجتماع هذه المرة مع “مؤتمر بيركشير عن تاريخ النساء“، حيث قام عدد من محررات الموسوعة والمؤلفات والمؤلفين المشاركين فيها بتقديم أول جلسة عامة تتناول الموسوعة.
وقد حضر اجتماع مجلس التحرير معي كل من أولاف كوندغين وأفسانه نجمبادي وسيتيني شامي وجاكلين سيابنو وجين سميث، بالإضافة إلى أليس هورنر مساعدة التحرير فيما يتعلق بأفريقيا جنوب الصحراء، والتي حضرت هذا الاجتماع معنا لأول مرة.
وقد كان اجتماعا حافلا، أضفنا فيه مجلدا خامسا للموسوعة. وقد أصبح واضحا بالنسبة لنا حينذاك أنه بينما سيمكن إصدار القسم الأول من الموسوعة في خريف ٢٠٠٣ إلا أن البقية لن تكون جاهزة للنشر بحلول شتاء ٢٠٠٤.وكان أولاف كوندغين قد عرض علينا في إبريل/نيسان ٢٠٠٢ أن يتم نشر المجلدين الثاني والثالث في خريف ٢٠٠٤ والمجلدين الرابع والخامس في خريف ٢٠٠٥.وقد وافقت المحررات على هذه الفكرة حيث ستتيح لنا مزيدا من الوقت للتدقيق في العمل والبحث عن مؤلفات ومؤلفين للمداخلات.
إلا أن ذلك كان يعني أيضا أن نلتزم بترتيب القسم الثاني قبل اكتمال عملية كتابة كل المداخلات. وكنا نأمل في أن نسمح بعملية تطور سير العمل في الموسوعة بأن تنعكس على شكل ترتيب المجلدات.
فبدلا من الانطلاق من النتائج المتخيلة أو المأمولة كان علينا أن نتفق على ترتيب المادة في الوقت الذي لم تتوفر لدينا سوى ٦ مداخلات مكتوبة من واقع ٣٤١ مداخلة، منها ٤٠ مداخلة في طور التحرير و ٣٥ مداخلة وافق المشاركون على كتابتها.
وبالتالي وصلنا إلى قرار هام بترتيب القسم الثاني من الموسوعة تبعا للموضوعات في المجلدات المعنية، وترتيب الموضوعات أبجديا داخل المجلدات. وبمجرد توصلنا إلى هذا القرار كان علينا تحديد مكان المداخلات في المجلدات، مع وضع عناوين مبدئية للمجلدات والمداخلات. وكنا حتى تلك اللحظة نقوم باستكتاب المؤلفات والمؤلفين للمشاركة بمداخلات للموضوعات التي يبلغ عددها ٣٤١ موضوعا، ولكننا وصلنا الآن إلى نقطة تتطلب منا تحديد الأولويات بالنسبة لاستكتاب المشاركات والمشاركين بكتابة المداخلات التي حددنا مكانها في المجلدين الثاني والثالث، حيث كان يتعين الانتهاء منها بحلول خريف ٢٠٠٣ ليتم نشرها بحلول خريف ٢٠٠٤.
وفي شهر أغسطس/آب ٢٠٠٢، التقيت مع سام بروينسما وأولاف كوندغين في مدينة ماينز في ألمانيا لمناقشة سير العمل في الموسوعة. كما تناولنا فكرة إصدار فهرس تراكمي للموسوعة في مجلد منفصل هو المجلد السادس.
وكذلك خططنا لإعداد كتيب للدعاية، واجتمعت مع كوندغين وأنيا فان هويك من دار النشر “بريل” لوضع خطة لتسويق الموسوعة.
أما الاجتماع السادس لمجلس التحرير فعقدناه في نوفمبر/تشرين ثاني ٢٠٠٢ في العاصمة الأمريكية واشنطن بالتزامن مع مؤتمر “رابطة دراسات الشرق الأوسط“، وقد حضره معي كل من أولاف كوندغين وأفسانه نجمبادي وجولي بيتيت وسيتيني شامي وجين سميث وأليس هورنر وتريسي سميث. وانتهينا خلاله من تحديد المداخلات الخاصة بالمجلدين الرابع والخامس، مع وضع عناوين لهذين المجلدين وما بهما من مداخلات.
كما أبلغنا أولاف كوندغين خبرا سعيدا مؤداه أن دار النشر منحتنا ٧٠٠ ألف كلمة إضافية بما يكفي لإصدار مجلد آخر هو المجلد السابع. وقد رحب مجلس التحرير بتلك الإضافة من دار النشر، ولكننا اتخذنا القرار بتوزيعها على المجلدات من الثاني إلى الخامس بدلا من إصدار مجلد سابع، وهكذا أصبح تعداد الكلمات التي تضمها الموسوعة أربع ملايين كلمة.
كما قمنا بوضع خطة للكتيب والفهرس والرسوم التوضيحية والتسويق، وقمنا بمناقشة النسخة الإلكترونية من الموسوعة.
وفي واشنطن أيضا التقيت بكل من سام بروينسما وأولاف كوندغين لشرح قرار المحررات بعدم إصدار مجلد سابع، كما ناقشنا النسخة الإلكترونية، وزيادة دعم دار النشر “بريل” للعاملين في الموسوعة، وإمكانية إصدار نسخ مشتقة من الموسوعة. وقد تفضل بروينسما بقرار زيادة العاملين في الموسوعة. وقد رحب أيضا بفكرة النسخ المشتقة ووافق على إتاحة المجلد الأول مجانا على الشبكة الإلكترونية في ترجمته إلى اللغة العربية بشرط الحصول على التمويل اللازم للترجمة.
وشهد نوفمبر/تشرين ثاني ٢٠٠٢ آخر اجتماع لمجلس التحرير ودار النشر “بريل” قبل صدور المجلد الأول، وكان اجتماعا حافلا لنا جميعا.
حيث كنا قد توصلنا إلى نهاية مبدئية لبنية الموسوعة، وترتيب المجلدات وعناوينها، وترتيب وتوصيف وعناوين المداخلات. وركزنا انتباهنا على الانتهاء من القسم الأول والاستكتاب الخاص بالمجلدين الثاني والثالث وعناوين مداخلات المجلدين الرابع والخامس. كما راجعنا كمجلس تحرير السنوات الأربعة من العمل الجماعي بشعور يملؤه الإرهاق والإنجاز، إلا أننا كنا نرى مقدار العمل الكبير الذي ما زال ينتظرنا.
وباعتباري المحررة العامة راجعت السنوات الثمانية من رحلة بدأت برسالة بتاريخ يوليو/تموز ١٩٩٤، وأدركت أنني حين رددت على تلك الرسالة لم أكن أعلم أي شيء عما ستحمله السنوات الثمانية التالية من عمل وتحديات وإثارة.
وتحدثنا في هذا الاجتماع، مثلما كنا نفعل خلال كل اجتماع لمجلس التحرير على مدار أربع سنوات، عما يجب أن تتضمنه “مقدمة” الموسوعة. وكنت قد دونت بدأب في كل اجتماع الملاحظات الخاصة بما يجب أن تتناوله “المقدمة“، ومع كل اجتماع تنامى لدي عبء مسؤولية “المقدمة” في شرح قراراتنا وجوانب القصور، وترتيبنا للعمل، وآمالنا وأحلامنا بشأن الموسوعة، بل وكادت “المقدمة” أن تتحول إلى كابوس يتتبعني في اليقظة. وعندما اتجهت إلى كتابتها تملكني القلق من قدرتي على القيام بتلك المهمة والإثارة عند تمكني من القيام بها.
وقد أصبح من الواضح أن شرح عملية التحرير يتطلب بالضرورة سرد تاريخ بداية المشروع وما طرأ عليه من تغيرات وكيفية اكتسابه كيانه الخاص به. وفي الوقت الذي أتحمل فيه المسؤولية التامة عن جوانب القصور في “المقدمة” إلا أن مجلس التحرير اتخذ جماعيا قرارات بشأنها ووجهني في كتابتها كنص سردي، أي قصة القرارات التي اتخذت بناء على الأحكام الصائبة المتأثرة بالقيود التي تفرضها حدود المعرفة والمصادر وضيق الوقت.
إن “المقدمة” تصف مشروعا مستمرا وغير مكتمل، رغم كونه مشروعا عظيما. وهي محاولة لكشف عملية إنتاج المعرفة الموسوعية أمام التدقيق النقدي. إننا نريد أن نجعل سردية تاريخ الموسوعة تؤدي إلى تناول إشكاليات الفئات المعرفية وفتح المجال أمام استكشاف العمليات التي يتم بها تحويل المعلومات إلى معرفة موسوعية.
وإننا نأمل من خلال شرح كيفية ترتيبنا للعمل وإعدادنا للموضوعات وعملنا مع الناشر والمؤلفات والمؤلفين في أن نجعل المنطق من وراء الموسوعة مفهوما، وأن نحدد مشاكلها وقصورها كي يمكن للباحثات والباحثين تناول تلك القضايا في أعمالهم المستقبلية. وإننا لا نعتبر أيا من الفئات التي تناولناها أمرا مقدسا، بل اتصفت بعدم الثبات والغموض بل وأحيانا الاعتباط.
فالمعرفة في حد ذاتها عملية تفاوضية وقد دخلنا في مفاوضات ممتدة تبدو لانهائية فيما بيننا، ومع دار النشر، ومع المؤلفات والمؤلفين المشاركين في الموسوعة، في سبيل إنتاج المعرفة. ونأمل من خلال هذه “المقدمة” في توثيق مسيرة نسوية وجماعية وغير كاملة وغير مكتملة، وهي عملية مليئة بالمشكلات والإشكاليات تؤكدها قرارات لم تكن دوما ثابتة، ولكنها كانت دائما تتم بدافع من الالتزام الأصيل تجاه الاتساق الفكري والاحترام لقوة وسلطة المعرفة.
لقد جاء عقد عام ١٩٩٨ مشيرا إلى ثلاثة مجلدات، مكونة من مليون ونصف كلمة (مع إمكانية رفعها إلى عدد مليوني كلمة)، على أن تصدر مجملة في خريف ٢٠٠٣.
كما اشتملت الميزانية على تغطية لثلاثة اجتماعات لمجلس التحرير. وبحلول عام ٢٠٠٢ كان مجلس التحرير قد اجتمع ست مرات (بالإضافة إلى عدد من اللقاءات الجانبية بين بعض عضواته)، كما زودنا عدد المجلدات إلى ستة مجلدات وزودنا تعداد الكلمات إلى أربع ملايين كلمة، كما قررنا إصدار الموسوعة تباعا على مدار ثلاثة أعوام.
وقد جاءت هذه الزيادة إلى حد كبير نتيجة للنزعة إلى الكمال والتي كان مجلس التحرير يدفعها إلى الأمام. وقد تمكنا من الاستمتاع بتلك النزعة إلى الكمال جزئيا بفضل منحة مؤسسة فورد وكذلك لأن دار النشر “بريل” أضافت إلى ذلك بأن منحتنا المزيد من الكلمات، والمزيد من العون الإداري، والمزيد من الوقت.
وقد بدأ تاريخ موسوعة النساء والثقافات الإسلامية بفكرة في ذهن بيري بيرمان، ثم تطورت إلى قصة تضم ما يزيد على ألف شخص ممن مروا بها خلال حياتها، كل مضيفا إليها شيئا خلال وجودهم فيها.
وقد تركت الموسوعة بصمتها على حياة كل منا في مجلس التحرير، كما قدم كل منا شيئا من حياته لهذه الموسوعة.
إن قصة الموسوعة هي قصة كل من انضم إلى هذه الرحلة من متدربات ومساعدات ومساعدي البحوث، ومؤلفات ومؤلفين، واستشاريي التحرير، والعاملين، والمحررات، وسيتحول تاريخ الموسوعة إلى شيء آخر بين أيدي قرائها الذين سيحولونها إلى شيء تابع لمايختارونه.
إنه تاريخ الموسوعة، ولكنه أيضا بداية قصة.
العنوان
كما هو الحال بالنسبة لمعظم قراراتنا، كانت المناقشات الدائرة بشأن العنوان، والتي دامت لمدة قاربت العام، مناقشات ممتدة وجاءت النتيجة بناء على التفاهم للوصول إلى صيغة متفق عليها.
وكنت قد رفضت العنوان الأصلي الذي طرحته دار النشر “بريل” وهو “موسوعة النساء في الإسلام“، على أساس أن هذا العنوان كان يركز على الإسلام ويحدد مسارا أضيق بكثير عنتصوري للموسوعة. وكنت قد استخدمت العنوان المبدئي “موسوعة النساء في العالم المسلم” في سبيل دفع المناقشات إلى الأمام، مع علمي بأن العنوان سيتطلب مراجعات. وكانت إحدى المحررات راغبة في استخدام مصطلح مارشال هودجسون “الإسلاماتية” (“Islamicate” )،ولكن غيرها لم يكن متحمسات للمصطلح.
وقد اخترنا عنوان موسوعة النساء والثقافات الإسلامية لما يوحي به من مقاربة إلى التاريخ الحضاري، وكان الغرض من استخدام مصطلح “الثقافات الإسلامية” هو الابتعاد عن الإيحاء بأن الموسوعة ستركز أساسا على الإسلام أو النصوص الدينية (رغم أنها تغطي كلا منهما)، وتحويل الانتباه نحو المجال الرحب من القضايا التي تضمها الثقافة.
وقد استخدمنا المصطلح في صيغة الجمع للإشارة إلى المدى العالمي والتاريخي للمشروع.
إنها موسوعة عن النساء، وتحديدا عن النساء في أوساط ثقافية وتاريخية معينة، كما أننا نتناول الإسلام كنقطة انطلاق أكثر من كونه موضوعا، فالإسلام ليس دينا فحسب بل ظاهرة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية حاسمة فيما يتعلق بالتطور الحضاري لكثير من مناطق العالم.
وكانت مقاربتنا للإسلام من حيث ظواهره النصية وممارساته الدينية، واقتربنا منه عن طريق توثيق الواقع المعاش وتجارب النساء والثقافات الإسلامية بشأن قضايا واسعة المجال كالإجهاض والحرف والترفيه والحكم المحلي والحركات النسائية والإنتاج الأدبي. ونأمل من خلال دراسة ما هو محدد وخاص ومحلي –وكذلك الجوانب المشتركة والعامة– في أن يقدم الجهد الجماعي الناتج في الموسوعة رؤية لأوجه التعقيد والتنوع والتعدد والخصوص والتناقض والتحولات التاريخية في التجارب الحضارية الخاصة بالثقافات الإسلامية فيما يتعلق بالنساء.
النساء والجندر
على الرغم من أن مصطلح “الجندر” لا يرد في العنوان، إلا أن الموسوعة هي عن الجندر، أي التشكيل الثقافي لمفاهيم ومعاني “المرأة” و“الأنوثة“، وهي التشكيل الذي يرتبط دوما بمعاني “الرجل” و“الذكورة“.
وحينما نركز على النساء فإننا لا نعني بذلك النساء أو المرأة كفئة طبيعية، فالفئات المعروفة بالمرأة والنساء هي فئات تتشكل اجتماعيا مثلها في ذلك مثل فئة الرجل والرجال، والأنوثة والذكورة.
وإننا نعمل على تشجيع المؤلفات والمؤلفين، كما نشجع القراء، على تناول فئات اجتماعية أو علمية أخرى كالشباب وأهل البيت والأسرة تناولا إشكاليا.
وجاءت ملاحظاتنا الإرشادية للمؤلفات والمؤلفين تطالب كلا منهم بتناول “النساء والجندر” والثقافات الإسلامية. وقد أردنا من المؤلفات والمؤلفين أن يفصلوا مصطلح “النساء” عن “الجندر، وهما مصطلحان يتم الربط والخلط بينهما بقدر كبير.
إن الجندر يؤثر على تقسيم العمل، ونظام السوق، والمعتقدات الدينية، والبنية السياسية، وعلاقة علوم السكان بالصحة، وما إلى ذلك. كما يساهم الجندر في تنظيم شؤون الدولة والبيئة والاقتصاد. وعندما وضعنا “الجندر” جنبا إلى جنب “النساء” في الملاحظات الإرشادية التي وجهناها للمؤلفات والمؤلفين فإنما قصدنا الإشارة إليهما باعتبارهما نقطتي انطلاق.
ولكننا لم نقدم مداخلات كثيرة عن أشكال الذكورة والأنوثة، ولم نركز على هذه الموضوعات لأنها مجال يتطلب قدرا بالغا من العمل جدير بموسوعة خاصة به. ولكننا قمت بتناول تمثيلات الحياة الجنسية تناولا واسعا، وقد شجعنا على ذلك توفر مادة رائعة عن جوانب الحياة الجنسية في منطقة جنوب شرق آسيا حيث لا يعتبر هذا الموضوع على نفس الدرجة من الحساسية كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط.
إن الثراء في المواد المتوفرة في جنوب شرق آسيا عن التنوع في جوانب الحياة الجنسية، جنبا إلى جنب اهتمامنا الشخصي بوفرة الأدبيات عن تمثيلات الحياة الجنسية، أدى إلى العديد من موضوعات للمداخلات.
إلا أن السؤال الذي يظل يطرح نفسه هو: لماذا يتم إنتاج موسوعة عن النساء والثقافات الإسلامية؟ وهل يوحي هذا العمل بوجود صور للتواصل الديني والثقافي؟ وهل يتضمن تثبيت الإسلام؟ وهل يفترض وجود موقف إسلامي من النساء؟ والإجابة بالنسبة للمحررات هي قطعا بالنفي. إلا أن مثل هذه الافتراضات موجودة بكثرة في الأدبيات الشعبية بل والأبحاث المتخصصة التي تدور عن النساء وعن الإسلام، كما كتب لها الاستمرار رغم التزايد الكبير في الدراسات المتخصصة التي تثبت النقيض. إن الموسوعة هي جهد لتفكيك النزعة القائلة بتجانس النساء في كم التصورات والتمثيلات الخاصة بالثقافات الإسلامية. كما تحاول الموسوعة خلخلة المعادلة التي تساوي بين النساء والإسلام أو استخدام النساء كعلامة مميزة للإسلام.
وتقوم الموسوعة بتوثيق أوجه التعقيد القائمة في الثقافات الإسلامية والتنوع الكامن في المعاني والتجارب الخاصة بالمرأة والنساء، وهي عملية تتم عن طريق بلورة والتعبير عن مجال التجارب المختلفة تبعا للطبقة والأصل العرقي والأمة والإقليم والفترة التاريخية، وعبر التحليلات الخاصة بموضوعات عديدة.
وتحاول الموسوعة كذلك، ومن خلال التركيز على النساء، فصل الاشتباك القائم في الربط المتكرر بين الرجل والمجتمع، فقد قام هذا الجهد بأيدي الباحثات المتخصصات في الدراسات النسائية من أجل العديد من المناطق والثقافات في العالم.
فقد بدأت الأبحاث والدراسات التي تتناول النساء في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من الثقافات الإسلامية في السبعينات، وذلك في نفس الوقت الذي أثرت فيه الموجة الثانية من النسوية على الحركة البحثية في الغرب، ولكن البحث الذي يتناول النساء والثقافات الإسلامية كان بطيئا في ترسيخ قواعده كمجال معرفي، وانتشر من خلال الدراسات في الأفرع والمجالات المعرفية وأخذ ينمو بصورة مطردة خلال العقدين الماضيين، ولكن الموسوعة تقدم عملا هو الجهد الأول المنظم في سبيل تحديد الإطار المفاهيمي لدراسة النساء والثقافات الإسلامية في المجالات المعرفية البينية وعبر المراحل التاريخية وعبر الأمم والقوميات المختلفة.
نفي الجوهرية عن الإسلام
في الوقت الذي تتناول فيه هذه الموسوعة النساء والثقافات الإسلامية، حرصنا على نفي الجوهرية والمركزية عن الإسلام.
فقد كان المشروع السياسي الذي حمله كثير من الأكاديميين وأصحاب القوى الغربيين هو رؤية “الآخر” من خلال الثقافة، بينما ينظرون إلى أنفسهم من خلال منظور السياسة والاقتصاد.
ونجد في ذلك المشروع السياسي أن ما من شيء يدل على الثقافة أكثر من الدين، وأنه ما من موضوع يتم معادلته بالدين أكثر من موضوع المرأة. وإذا كان الإسلام قد أصبح دالا على الثقافة وأصبح موضوع المرأة محملا بعبء تمثيل الإسلام، بالتالي ترسب الإسلام في صورة مجموعة من المفاهيم الجوهرية كما تحجرت مواقف الإسلام تجاه المرأة في صورة حقائق جوهرية ثابتة.
إن الموسوعة هي تعبير عن جهد قائم لخلخلة تلك المفاهيم، كما تبتعد عن التركيز على النصوص الدينية والتأويلات الدينية للنساء والثقافات الإسلامية. وقد أردنا أن نفند الفكرة القائلة بأن كل ما يتم في الثقافات الإسلامية أو ما تقوم به الشعوب المسلمة يجب أن ينظر إليه من منظور الإسلام، تماما مثلما نتقبل كون كل ما يتم في الثقافات المسيحية أو ما تقوم به الشعوب المسيحية لا يجب أن ينظر إليه بمنظور المسيحية. إن العمل الفني أو الفعل السياسي الذي يقوم به شخص مسلم لا يجعله إسلاميا أكثر من كون العمل الفني أو الفعل السياسي الذي يقوم به شخص مسيحي مسيحيا.
إن نفي الجوهرية عن الإسلام تطلب منا أن نضع تجارب النساء والثقافات الإسلامية في سياقها العام وسياقها التاريخي والإقليمي، فأعددنا المداخلات التي تتعلق بالمسائل الخاصة بالنساء في إطار الفترات التاريخية والأنظمة السياسية والأماكن المحددة.
وقد تتبعنا مقاربة تاريخية في القسم الأول من الموسوعة، ورتبنا المداخلات طبقا للفترات التاريخية المتزامنة مع الأنظمة أو الإمبراطوريات الكبرى أو الأشكال السياسية والاجتماعية المتمثلة في كل إقليم. ونظرا لخضوع عملية إنتاج المعرفة لظروف البيئات السياسية والاجتماعية التي تنشأ فيها فإن هذه المقاربة التاريخية أتاحت لنا تحديد التغيرات الخطيرة في المنهجيات والمصادروالمنظومات.
وفي سبيل التقاط مجرى الزمان طلبنا أيضا من المؤلفات والمؤلفين المشاركين في القسم الثاني من الموسوعة أن يضعوا موضوعات بحثهم في السياق التاريخي، وأن يفحصوا التغيرات التي طرأت على مر الزمان فيما يتعلق بموضوعات بحثهم.
وبصدد نفي الجوهرية والمركزية عن الإسلام التفتنا إلى العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كان لها أثرها على النساء والثقافات الإسلامية. وقد كنا جميعا على وعي بأن نفي الجوهرية والمركزية عن الإسلام هي عملية متواصلة وأننجاحنا لن يكون كاملا بل جزئيا.
وقد ركزنا أحيانا على التحليل النصي الإسلامي، وأحيانا على الممارسات الثقافية، وأحيانا أخرى على كليهما. فعلى سبيل المثال يتضمن تناولنا للوضوء في القسم الثاني مداخلة عامة عن الإسلام والوضوء، وكذلك مداخلات إقليمية عن الإسلام والممارسات الخاصة بالوضوء. وبشكل عام انصب اهتمامنا على الأنماط الثقافية والحضارية أكثر من المسائل المتعلقة بالنصوص والتعاليم.
إن غالبية مسلمي العالم لا توجد في الشرق الأوسط، وليست غالبية المسلمين من العرب، فكبرى البلدان المسلمة على مستوى العالم تقع في جنوب شرق آسيا وهي إندونيسيا. ويعيش ربع مسلمي العالم في جنوب شرق آسيا، وبالتالي فإن المسلمين الآسيويين يفوقون المسلمين العرب عددا، كما أن الشرق الأوسط ليس كله عربيا.
ومع ذلك نجد في الأدبيات الشعبية بل وأحيانا في الأدبيات المتخصصة خلطا خاطئا بين الإسلام والشرق الأوسط، وبين ما هو مسلم وعربي، وبين الشرق الأوسط والعرب.
فالإيرانيون والأتراك الذين ينتمون إلى الشرق الأوسط دون أن يكونوا عربا، يتم تعريفهم أحيانا على وجه الخطأ باعتبارهم من العرب. بل كثيرا ما نجد حتى في الأعمال البحثية المتخصصة الفرضية القائلة بأن المصادر الموثوق بها عن الإسلام يجب أن تنبع من الشرق الأوسط. كما أنه كثيرا ما ينظر إلى الإسلام في المناطق الأخرى من العالم باعتباره توافقيا ولا يمثل الإسلام “النقي” الخالص.
ونتيجة لذلك يتم نفي الثقة عن الشعوب والباحثين المتخصصين في الثقافات الإسلامية المنتمين إلى جنوب ووسط وشرق وجنوب شرق آسيا، وأولئك المنتمين إلى أفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا وأمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، ولا ينظر إليهم كممثلين أو متحدثين عن الإسلام أو الثقافات الإسلامية.
وقد كان من الجهود المستمرة في عملنا هو السعي إلى إعادة تناول جغرافية الثقافات الإسلامية من أجل تجنب تفضيل الشرق الأوسط. وكان علينا، ورغم جهدنا المستمر لتجنب ذلك، أن نذكر وننبه أنفسنا كلما وجدنا أننا نميل إلى تمييز الشرق الأوسط.
كما قمنا بتفنيد مفهوم “الأراضي الإسلامية الجوهرية“، وتحدينا التركيز على الإسلام باعتباره قضية دينية فقط، وعلى الشرق الأوسط باعتباره ساحة للإسلام الصحيح. حيث أن تلك التحيزات تؤدي في حال عدم تفنيدها وتحديها إلى إبعاد بقية أرجاء العالم وخاصة شرق وجنوب شرق آسيا حيث توجد الأعداد الأكبر من الأمم المسلمة، وجعلها أقرب إلى الهرطقات والبدع في الإسلام. وفي الوقت الذي نجد فيه أن من يكتبون عن الإسلام كثيرا ما يتجاهلون شرق وجنوب شرق آسيا، وجدنا نحن أن العديد ممن يكتبون عن جنوب شرق آسيا، ومنهم نسويات بارزات، كثيرا ما يتجاهلن الإسلام. وقد توقعنا من المداخلات الخاصة بأقاليم مختلفة أن تحمل حقا تصورات فكرية متباينة للغاية فيما يتعلق بالإسلام والنساء والثقافات الإسلامية، إذا أخذنا في الاعتبار التنوع في تلك الأقاليم من حيث تاريخها وثقافاتها وتجاربها.
فتجربة المجتمعات أمومية النسب في جنوب شرق آسيا على سبيل المثال تقدم سياقا مختلفا جدا للنساء والثقافات الإسلامية عن تجربة المجتمعات أبوية النسب في الشرق الأوسط.
لقد وسعت الموسوعة نطاق جهودها على مستوى العالم سعيا لنفي المركزية عن التركيز الشائع على الشرق الأوسط والعالم العربي فيما يتعلق بالبحوث التي تتناول النساء والثقافات الإسلامية، وقد حققت الموسوعة ذلك باشتراك عدد ٦ محررات و ٤١ من مستشاري التحرير الدوليين، وحوالي ١٠٠٠ مؤلفة ومؤلف من كافة أنحاء العالم. وقد كان العمل شاقا لصعوبة الاتصال بالبريد الإلكتروني ببعض المؤلفات والمؤلفين، وطرحنا على أنفسنا السؤال عما إذا كنا نمارس التمييز ضد بعض المؤلفات والمؤلفين بسبب اعتمادنا البالغ على البريد الإلكتروني في استكتاب المشاركات والمشاركين. وقد كان من الأهمية بالنسبة لنا أن نصل إلى الباحثات والباحثين على مستوى العالم إلى درجة أننا لجأنا إلى إرسال الخطابات مع الصديقات والأصدقاء والزميلات والزملاء المسافرين، وذلك بهدف الوصول إلى بعض المؤلفات والمؤلفين ممن يمكن إشراكهم في المشروع.
كما قمنا باتصالات تليفونية وإرسال فاكسات حول العالم بالإضافة إلى دعوات شفاهية عن طريق الشبكات المختلفة كلما أمكن ذلك.
وفي بعض الحالات كنا نريد الوصول إلى بعض الكتاب تحديدا إلى درجة قيام شخصين أو ثلاثة من دار النشر “بريل” جنبا إلى جنب مساعدي البحوث بالعمل معا وتتبع كافة السبل للوصول إلى شخص معين ( بفضل محرك البحث “غوغل” www.google.com ).
وفي إحدى الحالات قمت مع محررتين من مجلس التحرير، بالإضافة إلى أشخاص من دار النشر جنبا إلى جنب مساعدة البحوث الخاصة بي، بالعمل على مدار ستة أشهر للوصول إلى مؤلفة كنا نرى أنها هي الأصلح لتناول موضوع ما. وكان الأمر أحيانا أشبه بعمل البوليس السري بحثا عن كل الخيوط التي توصلنا إلى مكان باحثة أو باحث بعينه. وكنا ننفق على الاتصالات التليفونية من جيوبنا، وكنا نقوم بها أحيانا في الساعات الأولى من النهار لتجاوز فرق الوقت، كما ترجينا أصدقاءنا وزملاءنا مساعدتنا في العثور على شخص مستهدف.
وكثيرا ما حاولنا العثور على متخصصات ومتخصصين لا ينتمون إلى الشرق الأوسط لكتابة مداخلات قد ترتبط نمطيا بالشرق الأوسط، مثل المداخلة التي تتناول “الاستشراق” ضمن المداخلات الموضوعية، والمداخلة التي تتناول العلوم السياسية في المداخلات التابعة للأفرع المعرفية. وقد أعددنا بعض المداخلات بحيث يتم تناولها عبر أقاليم مختلفة وذلك لكسر التنميط بشأن صحة الإسلام في الشرق الأوسط ولتفنيد الفكرة القائلة بأن الإسلام خارج الشرق الأوسط مليء بالبدع.
كما حاولنا استكتاب الناشطات والناشطين، والقيادات المجتمعية، والعاملات والعاملين في المنظمات غير الحكومية، والصحفيات والصحفيين والعاملات والعاملين المحترفين في هذا المجال.
وكثيرا ما كان من الصعب إشراكهم في هذا المشروع نظرا لأن المشاركة في موسوعة ليسضمن أولوياتهم الملحة في الوقت الذي يواجهون فيه تحديات مباشرة في عملهم. وبالطبع لم يكن بوسعنا إقناعهم بالمزايا النسبية التي يتطلبها استقطاعهم للوقت لكتابة مداخلة للموسوعة بدلا من العمل في ساحة الحياة اليومية فيما يتعلق بالقضايا الخاصة بصحة النساء والحقوق الإنسانية للنساء وشؤون السجينات وغيرها من القضايا. ومع ذلك فقد بذلنا أقصى الجهد في هذا الصدد كلما أمكن لنا ذلك.
غياب المساواة في إنتاج المعرفة
لقد كان من الصعب نفي المركزية عن الشرق الأوسط، ولا يرجع ذلك إلى أوجه القصور في شبكاتنا ومعرفتنا بالشخصيات المتاحة لكتابة المداخلات، ولا بسبب القصور في التخصص الجغرافي وفي الأفرع المعرفية لدي الكتاب، ولكن الأمر الذي عطلنا شيئا ما هو أن الباحثات والباحثين الأكفاء في أجزاء مختلفة من العالم يعانون من معوقات ممثلة في نقص المصادروالمكتبات والمعلومات المتاحة لهم، كما أن العديد منهم لا يتوفر لهم التمويل اللازم للسفر أو الاستعانة بمساعدي البحوث أو التفرغ من التدريس أو غيره من المسؤوليات، وعدم توفر التكنولوجيا والأجهزة والأدوات المتوفرة تلقائيا للباحثات والباحثين في الجامعات الغربية.
ونتيجة لذلك يستطيع العديد من الباحثات والباحثين المتميزين من القيام بتحليلات مبهرة في المناطق المحيطة بهم، ولكنهم كثيرا ما لا يتمكنون من تغطية مناطق خارج أقاليمهم أو مجالات خبرتهم. إن مثل هذا العمل المقارن أو التركيبي يتطلب القدرة على الوصول إلى تجمعات الباحثين المتخصصين والمادة البحثية التي عادة ما لا تتوفر لهم. وغياب العدالة في المصادر يؤدي للأسف إلى غياب للعدالة في البحث، وقد وجدنا أن الباحثات والباحثين في بعض الأقاليم لم يتمكنوا أحيانا من كتابة المداخلات التي أعددناها.
ومع التزامنا بالتغلب على سيطرة الأسواق العالمية الكبرى على إنتاج المعرفة حاولنا بقدر الإمكان الوصول ودعم المؤلفات والمؤلفين الذين تقترب أعمالهم البحثية من مضمون الموسوعة.
وقمنا في بعض الأحيان بمراجعة توصيف المداخلات بما يتناسب مع الباحثات والباحثين، كما وصلنا بعضهم ببعض وأرسلنا مداخلات أخرى لهم للاطلاع عليها، كما شجعنا التأليف المشترك.
ومما لا شك فيه مع ذلك أن فشلنا يفوق نجاحنا في التغلب على التفاوت وغياب المساواة في إنتاج المعرفة، وهي حالة تساير سيادة القوى الإمبراطورية. ومما لا شكل فيه أيضا أن بعض الفجوات وأوجه الغياب في الموسوعة ترجع إلى الواقع المشؤوم الذي يقوم على أن إنتاج المعرفة في حد ذاته يعكس ويعيد إنتاج التراتبيات السياسية والاقتصادية والثقافية.
الترجمة
في سعينا للوصول إلى مؤلفات ومؤلفين على مستوى العالم حاولنا بقدر المستطاع العثور على مؤلفات ومؤلفين يكتبون باللغة الإنجليزية وذلك لتفادي التعقيدات المتعلقة بالترجمة، ولكننا كنا نرغب بشدة في أن تتضمن الموسوعة مشاركات لأكثر المتخصصين وأفضلهم بالنسبة لمختلف الموضوعات، وقد أسعدنا الحظ بالحصول على مبلغ متواضع ( ٥٠ ألف دولار أمريكي) ضمن المنحة المقدمة من مؤسسة فورد تم تخصيصه للترجمة، بالإضافة إلى مساهمة صغيرة ( ١٠ آلاف جلدر هولندي) من دار النشر “بريل” لنفس الغرض.
وقد تم تقسيم هذا المبلغ بالتساوي بين الأقاليم المختلفة، مع حصول أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية على قدر أقل.
كما استعنا ببعض التمويل لترجمة خطاب الدعوة للمؤلفات والمؤلفين إلى اللغات الفارسية والعربية والتركية والإندونيسية والروسية والفرنسية. وقد كان هذا المبلغ قليلا بكافة المقاييس، فقد ساهم رمزيا أكثر منه فعليا في توسيع نطاق العمل الذي كان بإمكاننا القيام به.
ونظرا لقلة التمويل المتوفر للترجمة، ولأنه لم يكن من الممكن لنا أن نعرف مسبقا اللغات التي سنقوم بترجمتها، لم نضع آلية موحدة للترجمة.
القسم الأول
كان الفصل بين المداخلات المنهجية وتلك التي تتضمن مادة غزيرة من أهم القرارات الجديدة التي اتخذناها في مرحلة مبكرة من العمل.
فقد نشأ القسم الأول (المجلد الأول) من إدراكنا أن ما نعرفه وما يمكننا معرفته عن النساء والثقافات الإسلامية إنما يتشكل بقدر بالغ تبعا للمناهج التي نستخدمها والمصادر المتاحة لنا.
فالمقاربات إلى صنع المعرفة هي مقاربات تتغير بمرور الوقت، ومن هنا فإن الطرق التي يتم بها تمثيل النساء والثقافات الإسلامية في فترات تاريخية معينة هي طرق تتشكل تبعا للرؤية السائدة في العالم وأدوات صنع المعرفة في كل عصر.
إن فهم النساء والثقافات الإسلامية في عصر ما إنما هو قراءة استرجاعية لآليات وتقنيات صنع المعرفة. وعندما قمنا بعملية الاستكتاب لمداخلات تتناول منهجيات ومصادر دراسة النساء والثقافات الإسلامية في عصور مختلفة وأقاليم مختلفة كنا نأمل في بث الحوار بين الباحثات والباحثين المتخصصين، الشباب والكبار، ممن يقومون بأبحاث عن النساء والثقافات الإسلامية.
كما كنا نأمل في فتح آفاق جديدة للبحث من خلال تقييم مصادر ومنهجيات البحث تقييما نقديا.
وقد تم تصميم القسم الأول بحيث يركز على المناهج والمصادر المتوفرة للبحث، والقيود وأوجه القصور فيها، وتداعياتها على البحث الذي يتناول النساء والثقافات الإسلامية.
وأردنا من المؤلفات والمؤلفين تقييم أدوات البحث (المناهج والمصادر المستخدمة في دراسة النساء والثقافات الإسلامية في إقليم بعينه وفي فترة بعينها) وذلك من منطلق عرض التحديات والمشاكل التي تواجه تقدم حركة البحث في هذا المجال، كما شجعنا المؤلفات والمؤلفين المشاركين على وضع برنامج للبحوث المستقبلية بدلا من مجرد تقديم تحليلات محددة.
وتهدف المداخلات التاريخية في القسم الأول إلى تقييم المشكلات المنهجية والإبستمولوجية في دراسة النساء والثقافات الإسلامية في الفترة والإقليم الذي تتناوله المداخلة. وتقدم المداخلات الموضوعية تحليلا نقديا للمناهج والمنظومات المستخدمة في أفرع معرفية معينة، وكيفية تأثيرها على دراسة النساء والثقافات الإسلامية داخل كل فرع من الأفرع المعرفية.
وقد كنا على وعي في المداخلات التاريخية بالمشكلات المتعلقة بمسألة التقسيم إلى فترات تاريخية. وقد اتبعنا التقسيم المتعارف عليه والمعتمد تاريخيا، ولكننا أدركنا أيضا أن التقسيم إلى فترات تاريخية يفترض أو يفرض حدودا معينة على صنع المعرفة.
وفي سبيل التقليل من القيود المترتبة على التقسيم إلى فترات تاريخية قمنا بدعوة المؤلفات والمؤلفين إلى إعادة صياغة مداخلاتهم بما يتوافق مع الأقاليم التي يتناولونها.
وهكذا نجد أن القسم الأول من الموسوعة كان يقدم لنا وللكّتاب المشاركين، من عدة جوانب، القدر الأكبر من التحديات التي يتعين علينا مواجهتها.
إن محاولة تناول كافة المقاربات والمنهجيات النقدية لكل الأبحاث المتاحة عن كافة الموضوعات الحيوية في كل الفترات التاريخية الكبرى وفي كل الأقاليم الكبرى من العالم، وفي إطار عدد محدود من الكلمات، كانت محاولة رهيبة، وتعين علينا دمج بعض الأقاليم والبلدان، وأحيانا اضطررنا إلى “ادخار” بعض المداخلات لطبعات مستقبلية من الموسوعة حينما لم نتمكن من العثور على أشخاص لكتابتها أو القيام بها في الوقت المحدد. كما حملت المداخلات تبعا للأفرع المعرفية
تحديات أخرى، فقد عثرنا أحيانا على مؤلفات ومؤلفين متمكنين من فرعهم المعرفي دون تركيزهم على تبني مقاربة إلى النساء والثقافات الإسلامية بالقدر الذي كنا نريده.
وفي بعض الأحيان ركزت المؤلفات والمؤلفون في مداخلاتهم على الإنجاز الخاص في الفرع المعرفي في الإقليم الذي كانوا على دراية به. ومع ما تتصف به المجالات المعرفية من فجوات جاءت المداخلات الموضوعية متداخلة أحيانا فيما يتعلق بالأبحاث التي تتناولها.
وفي الوقت الذي استطعنا فيه تقديم ملاحظات إرشادية عامة للمؤلفات والمؤلفين بشأن المداخلات الموضوعية، إلا انه كان علينا الخضوع لمعرفتهم الأوسع بالأفرع المعرفية التي يتخصص فيها كل منهم. فكيف يقوم الشخص بتسمية وتحليل المقاربات والمنظومات المحورية لأي فرع معرفي في علاقته بدراسة النساء والثقافات الإسلامية؟ ويكشف لنا أي تأريخ لأي فرع معرفي وجود طرق عديدة لتسمية المنهجيات والمنظومات الخاصة بمجال ما، والكتابة عنها.
ومن الأسئلة الإشكالية الأخرى المطروحة: ما هي نقطة الانطلاق التي يجب على المؤلفة أو المؤلف البدء منها عند تناول تاريخ الفرع المعرفي موضوع المداخلة؟ وقد أخذنا في الاعتبار تعدد تاريخ كل فرع معرفي واختلاف ما يتضمنه من تسجيل وتدوين للنساء والثقافات الإسلامية، فطلبنا من المشاركات والمشاركين أن يتخذ كل منهم القرار الذي يتلاءم مع مجاله البحثي.
فعلى سبيل المثال، بدأت ماري آن فاي، في تناولها لفرع التاريخ، بأعمال ناديا أبوت، وقد أكدت على ميل المؤرخين إلى الالتزام بالترتيب الزمني للأحداث أكثر من الجانب النظري.
وقد تبدو المناقشة بناء على الترتيب الزمني مختلفة عن النقاش النظري، ولكن الالتزام بالتقسيم إلى فترات تاريخية يوحي في حد ذاته بموقف نظري (أو منظور سياسي).
وقد كانت مسألة التقسيم إلى فترات تاريخية بالنسبة لبعض المداخلات الموضوعية مسألة خطيرة، من حيث أن المنهجيات والمقاربات والمنظومات المستخدمة في فرع معرفي ما لدراسة النساء والثقافات الإسلامية هي عناصر تتغير بمرور الوقت. وقد اختارت ميريام كوك في تناولها للبحث النسوي الغربي حول النساء والثقافات الإسلامية أن تبدأ من عام ١٩٢٨ باعتباره يمثل نقطة فاصلة في دراسات النساء الغربيات بشأن المشاريع الكولونيالية الاستعمارية. ثم تنتقل إلى عام ١٩٧٨ بصدور كتاب إدوارد سعيد الاستشراق ونشأة “ما وراء السرديات“.
وتؤكد على أن المؤتمر العالمي للنساء المدعوم من الأمم المتحدة والذي عقد في نيروبي في عام ١٩٨٥ كان قوة دافعة في خلق شبكات نسوية عبر القوميات بين شطري الشمال والجنوب، في حين أدى اهتمام دول الشمال في مؤتمر النساء عام ١٩٧٥ بقضايا الجسد والحياة الجنسية واهتمام دول الجنوب بالتنمية والقمع السياسي إلى خلق انقسام بينهما.
كما ترى أن من القوى الدافعة الأخرى في دراسات النساء الغربيات هو ما حدث في عام ١٩٩٠، حيث أشعلت نهاية الحرب الباردة شرارة تحويل الإسلام إلى بديل للإمبريالية الأمريكية.
عروض عامة ومداخلات إقليمية: القسم الثاني
يقدم القسم الثاني أحدث الأبحاث التي تتناول موضوعات محورية تتعلق بالنساء والثقافات الإسلامية ويعمل على إتاحتها لعامة القراء.
وقد حرصنا هنا على أن تكتب المؤلفات والمؤلفون بأسلوب يصل إلى القارئة والقارئ العام. وقد أردنا أن نتجنب النقد الهدام وأن نتفادى المناظرات التي عادة ما يتصف بها الجدل المحموم.
وكنا نأمل أن يجتذب القسم الثاني جمهورا عريضا من القراء بما في ذلك الطالبات والطلاب، وصناع السياسة، وواضعي الخطط، والناشطات والناشطين، والمهنيات والمهنيين المحترفين، وعامة القراء.
والمقصود من العروض العامة في القسم الثاني هو تقديم صورة عامة عن موضوع ما، في حين تم تصميم المداخلات الإقليمية بما يتناسب مع كيفية فهم هذه الموضوعات في أجزاء معينة من العالم. إن هذا التقسيم ما بين العروض العامة والمداخلات الإقليمية منح المحررات المرونة في تناول موضوعات المداخلات بما يتناسب مع المجال العام للأقاليم التي تغطيها الموسوعة. إلا أن هذه المقاربة أدت إلى حدوث بعض المشكلات.
لقد طلب من البعض كتابة عروض عامة عندما لم تتوفر مادة كافية عن موضوع ما بما يضمن تغطية دقيقة له، أو في حالة توفر مواد كثيرة بما يتطلب وجود عرض عام لتقديم القضايا المحورية.
وفي سبيل تفادي حدوث تداخل بين العروض العامة والمداخلات الإقليمية عادة ما كنا نطلب من المؤلفات والمؤلفين المشاركين بعروض عامة أن يركزوا على الخطابات المختلفة، بينما كنا نطلب من المشاركات والمشاركين بمداخلات إقليمية أن يركزوا على الممارسات، مع إدراكنا الكامل لاستحالة فك الاشتباك تماما بين الخطابات والممارسات.
وقد كان المقصود من غالبية العروض العامة تقديم مسح شامل، وعادة عبر الأقاليم المختلفة، وأحيانا عبر التاريخ. ولتحقيق ذلك كثيرا ما تعين علينا أن نطلب من المؤلفات والمؤلفين أن يتجاوز عرضهم مجال تخصصاتهم ليتناولوا الموضوع تبعا لأبعاده التي تصورناها، وهو مطلب كان بالنسبة لبعض المشاركات والمشاركين يمثل تحديا جذابا، في حين لم يتوفر للبعض الآخر الوقت أو المصادر الكافية للقيام بمسح شامل طبقا لتوصيف المداخلة.
وقد شعرنا بالامتنان في تلك الحالات تجاه ما أمكن تغطيته، مع تطلعنا لصدور الطبعة الإلكترونية بما ستتضمنه من مراجعات وإضافات والمزيد من المداخلات لتغطية ما لم يمكن تغطيته في الطبعة الورقية.
وقد كانت بعض المؤلفات والمؤلفين على صواب عندما أوضحوا لنا أنه تكاد تستحيل كتابة عروض عامة، وكنا قد حرصنا في مقاربتنا شديدة المنهجية ألا نعيد تأكيد المنظومات البحثية القديمة الخاضعة لحدود نظرية وقيود الأفرع المعرفية، وحاولنا التغلب على ذلك الاحتمال الوارد من خلال صياغة توصيف للمداخلات (والتي لم تكن على الدوام وافية للتعبير عن المناقشات الدائرة فيما بيننا حول الموضوعات) كتبناه للمؤلفات والمؤلفين.
ومع ذلك وجدنا أنفسنا وقد وقعنا في الشباك التي بذلنا جهدا لتجنبها، وهو ما اتضح تحديدا في العروض العامة. فعلى سبيل المثال، جاء العرض العام الذي يتناول الخطابات عن الحياء والثقافات الإسلامية قريبا من “الاستشراق“، وقد بينت لنا مؤلفة المداخلة، ليلى أبولغد، أن ذلك يرجع إلى أن توصيف المداخلة دعا إلى تغطية عالمية لخطابات الحياء الإسلامي.
وعلى الرغم من أن العرض العام كانت تتبعه مباشرة مداخلات إقليمية تتناول الخطابات عن الحياء، إلا أن العرض العام كان في حد ذاته في المحصلة النهائية مكتوبا من منطلق إقليمي بسبب المشكلات التاريخية والإبستمولوجية والسياسية القائمة في وضع تصور لعرض عام عن هذا الموضوع. وقد رأينا آخر الأمر أن الأفضل هو أن نضع ثقتنا في المؤلفات والمؤلفين المشاركين وأن نتيح لهم مساحة لمناقشة تلك المسألة، فهم أصحاب المعرفة والخبرة.
وقد حملت المداخلات الإقليمية مشكلات أخرى، فأثناء عملية تقسيم موضوع ما تقسيما إقليميا، كان الموضوع ذاته يخضع لتحولات، فقد قسمنا المداخلات التي تتناول فنون العرض تبعا للأقاليم ولكننا كنا على دراية ثم أدركنا بوضوح أكبر أن فنون العرض تستدعي السياسة، فعلى سبيل المثال يمكن للرقص أن يكون سبيلا لدراسة السياسة في جنوب شرق آسيا. كما أن المسرح مسيّس للغاية في مصر. وكذلك نجد أن الأفلام الغربية تقدم النساء والإسلام من خلال نظرة سياسية وثقافية مائلة.
فعند تقسيم الموضوعات تبعا للأقاليم وجدنا أن الموضوعات قد تغيرت، ومن هنا كان لقرار تقسيم الموضوعات تبعا للأقاليم أثره على نوعية المعرفة التي تقدمها المداخلة. وقد كنا على وعي بتلك المسألة أثناء إعدادنا للمداخلات، فحاولنا تحقيق توازن بين العروض العامة والمداخلات الإقليمية.
إضافة إلى ذلك طرحت المداخلات الإقليمية تساؤلات عن جغرافيات الإسلام. فليس من الواضح كيف يمكن للمرء ترتيب الإسلام تبعا للأقاليم، فقد أدت التنقلات التاريخية البالغة، بالنسبة للشعوب والمنتجات والأفكار وكذلك التغيرات التي طرأت على الحدود الإقليمية على مر الزمان، إلى جعل مسألة التقسيم الإقليمي مشكلة مستمرة.
فقد كان لكيفية انتشار الإسلام (بالغزو أو الهجرة أو التجارة أو شبكات المؤاخاة أو حركات الانشقاق) نتائجه المتباينة على قضايا النساء محليا، كما انعكس على مدى إمكانية وكيفية كتابة بعض المداخلات. وبالتالي تغيرت باستمرار كيفية تقسيم المداخلات إقليميا. فأحيانا تم دمج بعض البلدان، ودمج غيرها أحيانا أخرى، وفي بعض الأحيان تم تقسيم المداخلات إقليميا من بلد إلى بلد، وحتى هذا التقسيم الإقليمي الأخير كان إشكاليا حيث أن حدود الدولة لا تمثل الحدود الطبيعية في كثير من موضوعات الدراسة. ولكن مع أخذ الخبرة الإقليمية للباحثات والباحثين المتخصصين في الاعتبار، أصبح من الصعب للغاية العثور على مؤلفات ومؤلفين غير مستعدين للكتابة من منطلق إقليمي.
وقد عانينا من حالة توتر دائم بين الأرضية غير الثابتة التي تتصف بها الكتابة الإقليمية وبين رغبتنا في وجود أعمال مقارنة ضمن المداخلات.
كما واجهنا مشكلة عدد الكلمات المتاحة، فحتى لو تخيلنا أنفسنا في أفضل الأحوال على الإطلاق لما أتيح لنا العدد الكافي من الكلمات لتقسيم كل المداخلات إقليميا. بل إن المداخلات التي قمنا بوضعها في سياق إقليمي لم يتوفر لها العدد الكافي من الكلمات لتناولها بالدقة الوافية التي كنا نرغب فيها.
إن التصور الأول الذي وضعته مع بيري بيرمان لهذا العمل كان يقوم بدرجة ما على اختيار المحررات المشاركات على أساس التمثيل الإقليمي.
وقد تطور تقسيم العمل إقليميا في بعض الأحيان بناء على اعتبارات عملية أكثر منها نظرية أو ثقافية، فلم يكن من الممكن أن توجد محررة مشاركة لكل تصور خاص بجغرافية الثقافات الإسلامية.
وقد توفرت لنا آخر الأمر خمس محررات مشاركات، وكان من الممكن الاستعانة بعشر محررات مشاركات لو كان ذلك في المستطاع. وفي كافة الأحوال كان تقسيم العمل بين المحررات يعتمد إلى حد كبير على مختلف الأقاليم في العالم.
ونظرا لأن طموح هذه الموسوعة كان تغطية العالم بأكمله، كان من الضروري لمجلس التحرير بقدر المستطاع تغطية الأقاليم الحيوية التي كان حضور الإسلام فيها قويا. ومن هنا، وأثناء ترتيب الموسوعة للتغلب على تقسيم الإسلام تبعا للأقاليم المختلفة، وجد مجلس التحرير أنه من المفيد ترتيب الموسوعة تبعا لمختلف الأقاليم في العالم، وذلك مع أخذ التخصص النظري والمجال المعرفي الخاص بأعضاء مجلس التحرير في الاعتبار.
وقد تساءل مجلس التحرير أحيانا عن الحكمة من قرارنا السابق بترتيب تقسيم العمل إقليميا، وبالفعل نظرا لنقدي السياق التاريخي الذي أسس الدراسات الإقليمية كان ذلك التقسيم من الأمور التي نظرت إليها بعين الاهتمام، ولكننا لم نجد طريقة فعالة لتفادي تقسيم العمل بيننا إقليميا رغم عدم قدرتنا ولا رغبتنا في الالتزام بتلك القاعدة آليا، فقمنا بترتيب العمل تبعا للأقاليم لا لقبولنا الواقع الإبستمولوجي للأقاليم بل لأن مجموعات الباحثات والباحثين مقسمة إقليميا، فمعظمهم يعمل في سياقات إقليمية حتى في الوقت الذي نقوم فيه بإعداد الجيل التالي من الباحثات والباحثين للعمل في سياق عالمي وحتى في الوقت الذي نقوم بعملنا البحثي عبر القوميات المختلفة وفي إطار دولي. إن ترتيب عملنا إقليميا يعكس النظام القائم فيما يتعلق بإنتاج المعرفة رغم عدم قبولنا بقدسية الجغرافيات الإقليمية.
ومع أن تقسيم العمل إقليميا كان عاملا مساعدا من عدة جوانب إلا أنه كان يبدو أحيانا عقبة مستحيلة وغير منطقية. فقد أدى تقسيمنا الإقليمي أحيانا إلى الخلط بين أوجه التاريخ والثقافات. فعلى سبيل المثال كانت سيتيني شامي وجولي بيتيت مسؤولتين عن الإمبراطورية العثمانية في حين تولت أفسانه نجمبادي أمر تركيا وإيران الحديثة.
كما تولت سيتيني شامي وجولي بيتيت منطقة البلقان في حين تعاملت جين سميث مع أوروبا الغربية. فكيف وأين كان لنا أن نضع الحدود التاريخية والجغرافية الفاصلة بين هذه “الأقاليم” عند الحاجة إلى تناول مواضيع مثل خطابات الحياء، والحياة الجنسية، والأنظمة الأسرية، وما شابه ذلك؟ إلا أننا وجدنا أن معرفتنا القائمة على الإقليم كانت مسألة حاسمة في العديد من قراراتنا بشأن المداخلات والمؤلفات والمؤلفين.
جغرافية المداخلات
لقد وجدنا أثناء إعداد المداخلات أن كلا منها لها جغرافيتها الخاصة، ولم تلتزم جغرافية المداخلات بالضرورة بتقسيم العمل إقليميا بين المحررات المشاركات، وكان علينا أن نطرح السؤال عن الجغرافية التي ترتبط بكل مداخلة.
فالمداخلات التي تتناول الاقتصاد السياسي لها جغرافيات مختلفة عن المداخلات التي تتناول القانون على سبيل المثال، كما أن لبعض الموضوعات جغرافيات محددة بالمكان مثل قوانين الأحوال الشخصية التي ترتبط جوهريا بالدولة القومية، في حين توجد موضوعات أخرى كالحياة الرعوية غير محددة بالمكان وتتجاوز حدود الدول القومية. كما كان يجب تناول الكولونيالية بشكل واسع تبعا لمشاريع الإمبراطوريات الاستعمارية. وأحيانا كان المنطقي تناول تركيا على سبيل المثال جنبا إلى جنب أوروبا الشرقية، وأحيانا مع الدول العربية.
ومن هنا تم تجميع البلدان أو الأقاليم بصور مختلفة تبعا للمداخلة، وكان ذلك يعني أن بعض الأقاليم تداخلت فيما بينها أو تغيرت مواقعها تبعا للمداخلة.
كما كانت جغرافية المداخلات تتغير مواقعها تاريخيا، حيث أن تناول موضوع ما في الشرق الأوسط بدلا من تناوله في إطار الإمبراطورية العثمانية كان يعني اشتمال المداخلة على أقاليم مختلفة، مع جعل بعض المداخلات غير قابلة للمقارنة بشكل ما. كما أن مفهومنا لآسيا الوسطى تغير تبعا للفترات التاريخية، كما واجهتنا مشكلة تناول منطقة القوقاز والجمهوريات الإسلامية الجديدة في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي، حيث وجدنا أن جغرافية المداخلات قد ازدادت تعقيدا بسبب نقص الأدبيات المتاحة لنا.
ومن القضايا الأخرى الملحة كانت مسألة الشرق الأوسط وما يحمله من دلالات في أعقاب التدمير المأساوي لمركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك والهجوم على مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وقد كان لتلك الإشكالية مزاياها، حيث استطعنا استخدام جغرافيات المداخلات بما فيها من تعقيد وتغير في نفي الجوهرية عن الإسلام ونفي المركزية عن الشرق الأوسط.
إن الجغرافيات المختلفة للمداخلات أدت إلى تعقيد عملية البحث عن المؤلفات والمؤلفين، فمن المفهوم أن المؤلفات والمؤلفين كانوا يرغبون في الكتابة عن الأقاليم التي يعرفونها جيدا، في حين كانت في ذهن المحررات رؤية أوسع تجعلنا نطلب منهم الكتابة خارج نطاق معرفتهم الجغرافية، وهو الأمر الذي مثل إشكالية ملحة عند كتابة المداخلات تبعا للموضوع في القسم الأول. فقد كان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، العثور على مؤلفات ومؤلفين يمكنهم الكتابة عن المقاربات المنهجية في فرع معرفي ما بشأن النساء والثقافات الإسلامية على مستوى العالم. وبصرف النظر عما إذا كانت المداخلة الموضوعية تتناول مجال الدراسات النسائية أو العلوم السياسية، إلا أنه كان من الصعب تناول المجال الجغرافي الذي حددناه في المداخلات في الحالات التي لم يكن تخصص المؤلفة أو المؤلف يتضمن ذلك المجال الجغرافي بأكمله. وقد كان العديد منهم على استعداد للقيام بذلك الجهد وتوسيع دائرة تناولهم للموضوع، ولكن عادة ما لم يتوفر لنا الوقت أو العدد الكافي من الكلمات للقيام بتناول موضوعاتهم بالطريقة الشاملة التي كانوا يودون لو أتيحت لهم فرصة القيام بها. وقد ذكرتنا التحولات في مواقع جغرافيات المداخلات بمدى عدم دقة كثير من الفئات الخاصة بالمداخلات، ومثلت التحولات في جغرافية المداخلات تحديا لثبات الحدود.
أما الأمر الذي كشفت عنه جغرافية المداخلات فيتمثل بوجه خاص في القصور القائم في استخدام السياق الجغرافي للدولة القومية كوحدة تحليلية.
دراسات الأفرع المعرفية والدراسات البينية
إن الموسوعة هي مشروع يقوم على دراسة الأفرع المعرفية البينية، إلا أن غالبية المؤلفات والمؤلفين المشاركين فيها متخصصون في فرع معرفي بعينه. وقد حاولت أثناء بحثي عن محررات مشاركات أن أغطي أكبر قدر ممكن من الأفرع المعرفية، ومع تنوع وتعقيد المعايير التي استخدمتها في تلك المهمة إلا أن مجال التنوع لم يبلغ المدى الذي كنا نأمله، إلا أن جميع المحررات متميزات في الدراسات البينية من حيث مقارباتهن ومجالات أبحاثهن، ويزيد عليه المجلس الاستشاري الدولي الذي يتمثل فيه عمليا كل مجال بحثي وإقليم من العالم.
ونتيجة لهذا الاتساع في الأفرع المعرفية التي تتضمنها الموسوعة، كنا على استعداد لاستكتاب وقبول مداخلات تستخدم أساليب متباينة من أساليب الكتابة، ومفاهيم متباينة للإشكاليات القائمة، ومفاهيم متباينة للنساء والثقافات الإسلامية، ومنهجيات متباينة، ومقاربات متباينة إلى الموضوعات.
ونجد داخل الفرع المعرفي الواحد أنظمة متباينة لإنتاج المعرفة، فالمؤرخات والمؤرخون على سبيل المثال يكتبون كتابة وصفية وزمنية تبعا للنموذج الكلاسيكي التقليدي، في حين أن المؤرخات والمؤرخين الجدد يكتبون بقدر أكبر من الإشكالية والتحليل، بينما يجد آخرون أن حركة “تاريخ العالم” داخل الدراسات التاريخية هي حركة مفيدة أكثر للمقاربة التي يستخدمها كل منهم مقارنة بالمقاربة الكلاسيكية التي تقوم على “حضارات العالم“.
نفي الجوهرية عن الثقافات
عندما وضعنا عبارة “النساء والثقافات الإسلامية” في العنوان استخدمنا صيغة الجمع للإشارة إلى التعددية والتنوع في الثقافات المختلفة التي يمثل الإسلام فيها قوة شديدة، ولكن استخدامنا لمصطلح الثقافات كان الغرض منه استخدام مقاربة حضارية. فلم نكن لنسمح بقيام مفهوم جوهري للثقافة أو الخروج بتوصيفات تضم قوائم من الخصائص الثقافية.
وقد حملت لنا مسألة الثقافة والثقافات، في مشروع عالمي عبر المراحل التاريخية مثل هذه الموسوعة، مشكلة تتمثل في كيفية تشجيع المؤلفات والمؤلفين على تناول الاختلافات الثقافية دون تثبيت أو تجسيد الثقافة التي يكتبون عنها. فلا وجود لثقافة كاملة في إطار حدود ثابتة لا يمسها مرور الزمان وعلاقات المكان.
وقد حرصنا على توضيح ما في الثقافات من ديناميكية وحراك وأن نضع مؤسساتها ومسيراتها في سياقها. وكانت نقطة انطلاقنا هي أن الثقافات كائنة وموجودة ولها تبعاتها السلوكية، ومع ذلك تظل مليئة بالفجوات وخاضعة للتغير.
ولعله من السهل التأكيد على تلك النقاط باعتبارها مبادئ فكرية، ولكن من السهل وصف الثقافات دون إضفاء وترسيخ الجوهرية فيها. وكان كتاب إدوارد سعيد الاستشراق مصدرا ملهما وضروريا في وجه النسبية الثقافية، ولكنه ترك لنا مشكلة كيفية تناول الاختلافات الثقافية دون الوقوع في شرك الجوهرية، وكيفية تناول الاختلافات الثقافية دون اختزالها في اختلافات مبسطة خاصة بالاقتصاد أو السياسة أو الدين أو الرؤى العالمية.
وفي هذا الصدد لم يكن في وسعنا سوى أن نقدم ملاحظات إرشادية للمؤلفات والمؤلفين، أو بالأدق، سطورا “منبهة” –”لا تميلوا إلى الجوهرية“- ثم نترك الأمر لهم ليجدوا طريقهم ويتجاوزا تلك العقبات بقدر إمكانهم.
“النساء” والنسوية
عندما اتخذنا من النساء والجندر موضوعا عاما للموسوعة لم نكن نقصد أو نستطيع افتراض مقاربات نسوية معينة في دراسة النساء والجندر. إن المؤلفات والمؤلفين المشاركين في الموسوعة يمثلون آفاقا متسعة من المقاربات، ويمكن اعتبار الكثير منها مقاربات نسوية، ولكنهم قطعا لا ينتمون إلى أية مواقف نظرية أو سياسية بعينها داخل إطار النسوية، بل ومنهم من قد لا يصف نفسه أو نفسها إطلاقا باعتبارهم نسويين.
كما أننا لم نكن نقصد أو نستطيع أن نفترض بأننا نقدم ملاحظات إرشادية لما يمكن اعتباره نسويا في سلوكيات الأفراد موضوع البحث. فإذا كانت بعض المداخلات قد تتناول النساء كناشطات سياسيات على سبيل المثال فإن ذلك لا يفترض كون النشاط السياسي نشاطا نسويا. وكان علينا أن نترك للمؤلفات والمؤلفين حرية التصرف فيما يتعلق بتعقيدات النسوية ومفهوم الفاعلية.
إن مجال الدراسات النسائية والجندر مضى عليه ما يزيد على ثلاثين عاما في الولايات المتحدة وأوروبا، وقد جاءت التطورات النظرية في الدراسات النسائية والجندر مدهشة في أوجه عديدة كما أدت إلى توسيع نطاق كثير من الأفرع المعرفية بل وأعادت تشكيل المنظومات الأساسية في بعض الأفرع المعرفية، وخاصة في التاريخ والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والدراسات الأدبية.
إلا أن تأثير الدراسات النسائية والجندر في مجال دراسات الشرق الأوسط كان أقل من تأثيرها على دراسات أمريكا اللاتينية أو الدراسات الأوروبية أو الدراسات الأمريكية.
فقد كان تأثير مجال الدراسات النسائية والجندر ضعيفا فيما يتعلق بكيفية قيام المتخصصين في العلوم السياسية وعلوم الاقتصاد والتاريخ بدراسة السياسة الإيرانية أو الاقتصاد الجزائري أو التاريخ التركي على سبيل المثال. وبقدر أكبر من التحديد يمكن القول أن مجال الدراسات النسائية والجندر ترك أثرا ضعيفا على كيفية قيام الأتراك بكتابة تاريخهم، أو كيفية قيام الإيرانيين بالكتابة عن السياسة الإيرانية، أو كيفية تحليل الجزائريين للاقتصاد الجزائري.
وقد تأثر مجالا الأنثروبولوجيا والدراسات الأدبية تأثرا أكبر بالدراسات النسائية والجندر، وهو ما انعكس على الدراسات الأنثروبولوجية والأدبية التي تتناول الشرق الأوسط. ومن جانب آخر نجد أن مجال الدراسات الإسلامية لم يتأثر سوى بالقدر الأدنى بفعل التحولات التي طرأت على المنظومات الفكرية النابعة من الدراسات النسائية والجندر، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار للجهد الهام التي يتم في هذا الصدد في الدراسات الإسلامية والذي تقوم به النسويات الإسلاميات. ويبدو أن مجال دراسات جنوب آسيا قد تبنى مضامين الدراسات النسائية والجندر، ولعل ذلك يرجع إلى مدرسة دراسات الثقافات التابعة.
وتتضمن دراسات شرق وجنوب شرق آسيا قدرا شيقا من الأبحاث التي تتناول قضايا الجندر والحياة الجنسية، ولكنها لا ترتبط بصورة منظمة بدراسة النساء والثقافات الإسلامية. ويمكن تكرار نفس القول بشأن دراسات الإسلام في أوروبا الشرقية وأفريقيا جنوب الصحراء.
وقد طرحت هذه الاعتبارات علينا سؤالا عن الأسباب التي تجعل دراسات الشرق الأوسط تحديدا، وفي مناطق أخرى أيضا، محدودة وضيقة فيما يتعلق بالدراسات النسائية والجندر، وقد أدى ذلك بدوره إلى طرح سؤال عن تداعيات ذلك على ما يمكننا تحقيقه في إنتاج هذا النوع من المعرفة الموسوعية الذي تمثله الموسوعة. كما تساءلنا عما إذا كان ضيق أفق دراسات الشرق الأوسط هو نتيجة للطريقة التي قامت بها الدراسات النسائية بقولبة نفسها، فقد قامت الدراسات النسائية في الشرق الأوسط بأبحاث محددة وغنية وفي إطار سياق عام، ولكنها في العادة لم تستخلص نتائج هذه الدراسات بما يتعلق بالأفرع المعرفية ككل. ونجد أنه في السبعينات قام مجال الدراسات النسائية والجندر الناشئ بتحدي المنظومات الخاصة بالأفرع المعرفية، مما أدى بدوره إلى حدوث تحولات منظومية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا. إلا أن دراسات الشرق الأوسط بصفة عامة تظل مستمرة كعادتها، وتنتظر انتهاء الدراسات النسائية والجندر ومرورها بسلام.
وقد شهدت بدايات السبعينات صدور العديد من المقالات في الولايات المتحدة وأوروبا طارحة تساؤلات عن الأسباب التي تجعلنا في حاجة إلى أنثروبولوجيا نسوية أو اقتصاد نسوي أو تاريخ نسوي. وقد لعبت تلك المقالات دورا خطيرا في إثارة المناقشات والجدل داخل أطر الأفرع المعرفية، كما أنها بالفعل جاءت متحدية لبعض المقولات الراسخة في الأفرع المعرفية.
وبحلول عام ٢٠٠٢ تراجع هذا النوع من المناقشات والجدل، ولعل هذا هو السبب وراء عدم مطالبتنا مؤلفات ومؤلفين المداخلات التابعة للأفرع المعرفية بالتوقف عند الأسباب التي تجعلنا في حاجة إلى مجال العلوم السياسية النسوية عند دراسة النساء والثقافات الإسلامية، على سبيل المثال.
ولكن من منطلق اللحظة الحالية يبدو أن تلك النقطة ربما كانت ستعود علينا بالنفع.
وهنالك مثال جدير بالذكر وهو “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” (AMEWS) التي أسستها في عام ١٩٨٥ أثناء انعقاد اجتماع “رابطة دراسات الشرق الأوسط” (MESA) في مدينة نيوأورلينز، حيث أن “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” (بعضويتها التي يبلغ عددها حوالي ٣٠٠ فردا) هي المنظمة الرئيسية للباحثات والباحثين المتخصصين الموجودين في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط ممن يقومون بأبحاث تتناول النساء والشرق الأوسط. وغالبا ما يتم عقد لقاءات “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” بالتزامن مع اجتماع “رابطة دراسات الشرق الأوسط“، كما تقوم الأولى بإعداد دوائر للنقاش وجلسات خاصة أثناء الاجتماع السنوي ل“رابطة دراسات الشرق الأوسط“.
وقد قامت “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” بإصدار نشرة على مدار ١٧ عاما، ثم تحولت النشرة في التسعينات إلى مجلة ناجحة للغاية هي مجلة دراسات الشرق الأوسط (Review of Middle East Studies).
وكنت قد حاولت تأسيس “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” في اجتماع “رابطة دراسات الشرق الأوسط” لعام ١٩٨٤ في مدينة سان فرنسيسكو، ومن المثير للاهتمام أن هذه المحاولة لاقت معارضة من بعض أبرز الباحثات والباحثين في ذلك العام، وكان وجه اعتراضهم يقوم على خشيتهم من أن تؤدي “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” إلى عزل وقوقعة الدراسات النسائية والجندر داخل مجال دراسات الشرق الأوسط.
كما عارضوا إنشاء مجلة متخصصة على أساس أنه يفضل للباحثات والباحثين المتخصصين، وخاصة الشباب منهم، نشر أبحاثهم في المجلات المتخصصة في أفرعهم المعرفية. وقد اتضح أن بعض تلك المخاوف لم يكن لها أساس من الصحة، بل نجد أنه منذ تأسيس “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” في عام ١٩٨٥ تزايد عدد الأوراق المقدمة والجلسات المنظمة في الاجتماع السنوي ل“رابطة دراسات الشرق الأوسط” التي تتناول النساء بمعدل يفوق إمكانية حضورها كلها. كما تم التغلب على المخاوف من إصدار مجلة متخصصة، حيث قامت دار النشر “بريل” بتأسيس مجلة (Hawwa) حواء، كما أن “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” بصدد تأسيس مجلة متخصصة هي مجلة الدراسات النسائية للشرق اﻷوسط (Journal of Middle East Women’s Studies).
ومع ذلك تساءلت محررات الموسوعة عما إذا كان البحث النسوي، الذي تقوم به باحثات وباحثو “رابطة الدراسات النسائية للشرق الأوسط” وغيرهم، قد أدى إلى تحولات في المنظومات القائمة داخل إطار دراسات الشرق الأوسط.
ومما لا شك فيه أن البحث النسوي والمنظمات النسوية فتحت مساحات وآفاقا للدراسات النسائية والجندر في إطار دراسات الشرق الأوسط، وسهلت قيام شبكات، وشجعت شباب الباحثين والباحثات، بل ووجهت الكثيرين منهم.
ولكن هل أدى البحث النسوي إلى إحداث تغيير في مسار دراسات الشرق الأوسط؟ هل أدى البحث النسوي إلى فرض أو التسبب في الأزمة داخل فرع دراسات الشرق الأوسط، كتلك التي سببتها الدراسات النسائية والجندر في الأنثروبولوجيا والتاريخ والأدب خلال السبعينات وما بعدها؟ كما توقفت محررات الموسوعة للتساؤل عما إذا كانت التحولات في منظومات الأفرع المعرفية قد حدثت نتيجة لنشأة مؤسسات بحثية نسوية (مثل “معهد دراسات المرأة في العالم العربي” و“الجامعة الأمريكية ببيروت” في لبنان، أو “كوثر – مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث” في تونس)، أو مجموعات البحث النسوي (مثل “المرأة والذاكرة” في مصر أو “تجمع الباحثات اللبنانيات” في لبنان)، أو المنظمات النسوية بل وحتى المنظمات النسوية الدينية (مثل “الأخوات في الإسلام“)، أو المنظمات النسوية غير الحكومية (مثل “مشروع الجندر للتواصل” في لبنان، ومعهد “الأختية عالمية“)، أو المنظمات الحكومية (مثل “التجمع العام للنساء العراقيات“، و“التجمع العام للنساء الأردنيات“، و“المجلس القومي للمرأة” في مصر، و“المجلس الأعلى للنساء” في البحرين). ونجد في بعض الأماكن أن بعض المنظمات العالمية الهامة مثل “برنامج الأمم المتحدة للتنمية” وغيره من منظمات الأمم المتحدة مثل اليونيفيم واليونيسكو، وكذلك مؤسسة فورد ومؤسسة أوكسفام قد قامت بفرض قضية الجندر عن طريق مطالبة ممثليها الإقليميين بتضمين قضية الجندر في مشروعاتهم وبرامجهم، أو تبني مشروعات تضع قضية الجندر في موقع الصدارة.
ولا شك أن هذه المنظمات كان لها أثرها في فتح الآفاق أمام النساء والناشطات، بل وتغيير القوانين في بلدان عديدة، ولكن هل أدت إلى تباين المنهجيات والمنظومات والمقاربات المستخدمة في دراسة النساء والثقافات الإسلامية، أم أن دراسة النساء والثقافات الإسلامية ما زالت مهمشة في معظم المجالات والأفرع المعرفية؟ إنه سؤال خطير يتطلب التقييم.
إن المناقشة التي دارت بين المحررات، فيما يتعلق بأثر الدراسات النسائية والجندر على مجال دراسات الشرق الأوسط والتهميش المستمر للباحثات والباحثين النسويين والدراسات النسائية، شجعتني على البدء في مشروع للتعرف على الكيفية التي قامت بها كثير من رسائل الدكتوراه بتناول النساء والثقافات الإسلامية على مدار ربع القرن الأخير، من حيث مكان وزمان كتابتها، ومسار حياة الباحثات والباحثين الذي قاموا بها. وفي هذا الصدد قمت بتعيين مجموعة من المتدربات في مرحلة الليسانس للعمل معي في المشروع الذي أطلقنا عليه اسم “مشروع الأبحاث المتخصصة والباحثات والباحثين“.
وقد قامت “رابطة دراسات الشرق الأوسط” في عام ١٩٩١ بعرض عام لحالة دراسات الشرق الأوسط، كما شهد عام ٢٠٠٢ قيام “مجلس بحوث العلوم الاجتماعية” بعرض عام لدراسات الشرق الأوسط في أمريكا الشمالية وروسيا واليابان وفرنسا، متتبعا كيفية تناول دراسات الشرق الأوسط في المناطق المعنية.
ولكن لم يتم التركيز في أي منها على الدراسات النسائية وأثر مجال الدراسات النسائية على دراسة النساء والثقافات الإسلامية.
وقد قامت جميع الطالبات المتدربات، مع وجود استثناء واحد، بالتسجيل لحضور محاضراتي واستجبن لدعوتي لهن بشأن إمكانية الانضمام إلى فريق العمل في الموسوعة. وقد كانت مسؤولية الثلاث متطوعات الأوائل في البداية هي القيام بالأعمال المساندة في قاعدة البيانات وتنظيم الملفات والعثور على المعلومات.
وعندما بدأت في تأمل التغيرات التي طرأت على هذا المجال، والمشاكل التي واجهناها في العثور على المؤلفات والمؤلفين لبعض الموضوعات، وحرصنا على إشراك بعض طلبة الدراسات العليا بالكتابة في الموسوعة، اتضح لي أنه من المفيد إعداد قائمة بكافة رسائل الدكتوراه المرتبطة بالموضوع. وكانت الفكرة تقوم على إعداد قائمة كاملة بقدر الإمكان تتضمن اسم المؤلفة أو المؤلف وعنوان الرسالة والجامعة والموضوع وتاريخ الانتهاء من الرسالة وملخصا لكل رسالة. وبناء على ذلك سنحاول التعرف على نوعية البحوث القائمة والتغيرات التي تطرأ عليها بمرور الوقت، والجامعات التي يتم فيها تقديم القدر الأكبر من الدعم، والفرع المعرفي لكل بحث وجنس صاحب كل بحث رجلا كان أو امرأة.
وقد رأينا أن نقوم بتتبع مسار حياة هؤلاء الباحثات والباحثين لنرى من منهم دخل مجال العمل الأكاديمي، ومن منهم تم تعيينه في منصب مستقر وصعد سلم الترقية حتى درجة الأستاذية، ومدى الدور الذي لعبه موضوع البحث/الجامعة/الجنس في ضمان تحركهم الوظيفي وفي مسار حياتهم العملية. وبالطبع كانت الفكرة طموحة للغاية بالنسبة للوقت والمصادر المتاحة لنا.
وقد عرضت الفكرة على المتدربات الثلاثة (نانسي وان، ومونيكا جارسيا، وويندي مارتن) في شتاء عام ٢٠٠٢، وقد كان يملؤهن الحماس تجاه الفكرة، ولكن ويندي مارتن لم تتمكن من مواصلة العمل معنا في حين انضمت فاطمة نسيم مالك وريان كومبز إلى المشروع في خريف ٢٠٠٢، وبحلول شتاء ٢٠٠٣ كانت كل من ميشيل ساندهوف ومونيك سالاس وإيميلي روستيل وماريا أوسوتشا قد انضممن إلى العمل.
وبدأت المتدربات في تحديد قواعد البيانات المحورية التي يمكنهن جمع المعلومات منها، ووجدن أن قاعدة بيانات “رابطة دراسات الشرق الأوسط” وقاعدة بيانات رسائل الدكتوراه لجامعة ميشيجان هما أكثر قاعدتين متاحتين، كما حاولتا الدخول على موقع “رابطة دراسات الشرق الأوسط في أوروبا“
(EURAMESA) للحصول على قائمة بالرسائل الأوروبية في هذا المجال دون التمكن من دخول قاعدة البيانات. وقد قررنا أن نحاول تغطية كل الرسائل المتاحة لنا في الفترة من عام ١٩٧٠ إلى ٢٠٠٢ بناء على الفرضية القائلة بأن ذلك هو الإطار الزمني الذي شهد تزايدا في الأعمال التي تتناول النساء والثقافات الإسلامية. وقد عقدنا اجتماعات بصورة منتظمة، بمعدل اجتماع كل أسبوعين، ثم بمعدل اجتماع أسبوعيا مع اقتراب الموعد النهائي لاستكمال المشروع.
وكانت كل متدربة تعد نسخا من عملها الأسبوعي لتبادلها ومناقشتها مع زميلاتها، وكانت خطة العمل تقوم على أن يقدمن لي ملخصات يمكنني استخدامها في “مقدمة” الموسوعة.
إلا أنه مع التقدم الذي حدث في العمل ومع تزايد الطاقة والحماس لديهن أصبح من الواضح أن هذا المشروع لم يعد مجرد بحث يتم في خلفية “مقدمة” الموسوعة. فقد أصبح المشروع بالفعل ملكا لهن، واقترحت عليهن القيام بكتابة تحليلهن الخاص للمادة المجموعة بحيث أرى مدى إمكانية نشرها كملحق ل“المقدمة“. فانطلقن لتنفيذ الفكرة، بينما قمت بعرض ملخص موجز للمشروع على مجلس التحرير في اجتماعي مجلس التحرير في يونيو/حزيران ونوفمبر/تشرين ثاني ٢٠٠٢ .
وقد اهتمت المحررات بالفكرة اهتماما بالغا إلى الدرجة التي جعلتني أرى بوضوح أن مشروع المتدربات بأكمله جدير بالنشر وأنه سيقدم خدمة لمجال البحث، فتحدثت مع أولاف كوندغين، محرر دار النشر “بريل” المسؤول عن الموسوعة، عن فكرة نشر التحليلات التي قمن بها وكذلك القائمة الكاملة لرسائل الدكتوراه التي قمن بجمعها. فاتفق معي على أنها فكرة ستضيف إلى الموسوعة وتقدم خدمة للباحثات والباحثين. وسيتم دمج التحليل والقائمة برسائل الدكتوراه ضمن أحد مجلدات الموسوعة في المستقبل.
التاريخ
قامت عضوات مجلس تحرير الموسوعة والمؤلفات والمؤلفون المشاركون بتنظيم جلسة نقاشية حول “كيفية عمل الموسوعة” في “مؤتمر بيركشير” عام ٢٠٠٢ حول “تاريخ النساء” في مدينة هارتفورد بولاية كونيكتيكت. وقد طرحت علينا أسئلة عن قدر الاهتمام الذي نوليه للتاريخ وعن السبب الذي يجعلنا لا نقوم بترتيب الموسوعة بأكملها ترتيبا زمنيا متتابعا. لقد حرصنا على وضع كافة المداخلات في سياق تاريخي، ولكنه كان من المستحيل تقريبا أن نقوم بترتيب عدد ٣٤١ مداخلة في القسم الثاني تبعا للمراحل التاريخية إذا أخذنا في الاعتبار الحدود التي يفرضها تعداد الكلمات والوقت والإمكانيات المالية.
إضافة إلى ذلك فمن المشكوك فيه أن يمكن توحيد قالب المراحل التاريخية بالنسبة للموسوعة بأكملها، فإذا قمنا بترتيب كل موضوع زمنيا لاضطررنا إلى جعل التقسيم تبعا للمراحل التاريخية مختلفا باختلاف مناطق وأقاليم العالم.
بل إن معاني وتعريفات موضوعات المداخلات كانت ستستلزم التغيير. وقد أشارت المؤلفات والمؤلفون المشاركون في الموسوعة والموجودون ضمن الجمهور الحاضر للجلسة النقاشية في بيركشير إلى حرصهم على ابتكار أشكال جديدة للترتيب الزمني أو تخطي وتجاوز الأطر القائمة للترتيب الزمني. ونظرا لأننا لم نتمتع بقدر مفتوح من الكلمات ومساحة الكتابة، فقد اتفقنا على أن نحث المؤلفات والمؤلفين على وضع كل مداخلة في سياقها التاريخي. إلا أن كثيرا من المداخلات كانت متباينة من حيث مراحلها الزمنية، فقد استخدمنا أحيانا مصطلح “الحديث” لتحديد المراحل التاريخية، حيث أن “الحديث” هنا لا يعني “الغربي“، فعلى سبيل المثال نجد أن الأنظمة التعليمية “الحديثة” لا تعني الأنظمة التعليمية الغربية، بل المقصود منها هو الفترة المعاصرة من الزمن.
الصوت
تمثل قضية الصوت والتمثيل مسألة بالغة الأهمية في الدراسات النسوية على مدار عدة عقود الماضية، وهي مشكلة خاصة بالنسبة لإنتاج المعرفة الموسوعية.
فكيف تقوم مؤلفات ومؤلفو المداخلات الموسوعية، في إطار العدد القليل من الكلمات المتاحة لهم، بالكتابة بما يتيح تمثيل أو سماع أصوات النساء اللاتي يتم تناولهن في المداخلة؟ وعند مناقشة مختلف أنظمة غياب المساواة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية) على سبيل المثال، نجد أن السؤال الملح الذي يطرح نفسه هو: هل ترى النساء أنفسهن مقهورات؟ هل يرون أنفسهن متمتعات بالقوة والسلطة؟ وعند مناقشة المسائل المتعلقة بالصحة، هل ترى النساء أنفسهن متمتعات بالصحة؟ وعند مناقشة المسائل المتعلقة بالحياة الجنسية، هل ترى النساء أنفسهن ممثَّلات جنسيا؟ ويتواصل سيل الأسئلة إلى ما لا نهاية. وكما تشير هدى الصدة في مداخلتها عن التاريخ الشفاهي، فإن المسائل المتعلقة بالصوت تستحضر إشكاليات السلطة. فما هو الصوت، وعن صوت من نتحدث، وأي ظلم في القوة والسلطة قائم في فكرة منح الصوت (فمن الذي يمنح الصوت، ويمنحه لمن)، وما هي العلاقة بين التجربة والصوت، وكيف يوحي الصوت بالحقيقة، وما هي سياسات صنع الحقيقة المتضمنة في الخطابات عن الصوت، هي كلها أسئلة حيوية وخطيرة. ومرة أخرى كان أقصى ما في إمكاننا هو تنبيه المؤلفات والمؤلفين إلى الالتفات إلى المسائل المتعلقة بالصوت بقدر المستطاع.
الموسوعة في البيئة السياسية
لقد واجهنا بعض التحديات بالنسبة للموسوعة من بعض الناس ممن كانوا يتساءلون عمن نكون والسبب الذي يدفعنا للقيام بهذا المشروع.
فقد أراد بعض الباحثين والباحثات التأكد من وجود نساء مسلمات في المشروع، وهو ما تم بالفعل من وجود مسلمات ضمن المحررات المشاركات والمحررات الاستشاريات الدوليات والمؤلفات. وقد شعر البعض بأن المسلمين أو الكاتبات المسلمات فقط يمكنهم الكتابة عن النساء والثقافات الإسلامية. وفي الوقت الذي لم تجد فيه المحررات أن ذلك المنطق إجباري إلا أننا كنا متفقات على استكتاب مجموعة كبيرة ومتنوعة من المؤلفات والمؤلفين المحليين من كافة أرجاء العالم. وفي أعقاب الأحداث
المأساوية التي شهدها يوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١، تساءل بعض المؤلفين والمؤلفات عن ماهية المشروع وعن الأسباب الكامنة وراء دعوتهم للمساهمة بالكتابة.
وقد أدى تصاعد التوترات السياسية إلى جعل مشروع الموسوعة أكثر أهمية بالنسبة للمحررات.
ليست قاموسا للسير والتراجم
لقد طرح علينا العديد من الباحثين والباحثات أسئلة عن مداخلات تتضمن تراجم وسيرا لنساء بعينهن، وكان للبعض توقعات بأن موسوعة عن النساء والثقافات الإسلامية ستكون موسوعة تراجم وسير (وهو بدرجة ما يطابق ما ورد في رسالة بيري بيرمان المبدئية التي دعتني فيها للمشاركة).
ولكن المحررات قررن منذ مرحلة مبكرة من العمل أن وجود مداخلات التراجم والسير سيؤدي إلى تركيز على “النساء الفذات” اللاتي يقمن بأشياء غير معهودة. وقد أردنا أن نتجنب هذا النوع من المقاربة القائمة على “الأفراد والتاريخ” وهي مقاربة تشوه وتسيء تمثيل الحياة المعاشة لغالبية النساء. فقد كنا مهتمات لا بالنساء العاديات فقط بل أيضا بالأفكار والقوى الاجتماعية والأنماط الثقافية والمسارات التاريخية.
كما شجعنا المؤلفات والمؤلفين على اقتراح أسماء شخصيات ذات علاقة بموضوعاتهم، وكتابة ٣–٤ جمل عن الشخصيات المحورية بحيث ترد في مداخلاتهم. أما الشخصيات الجديرة بقدر أكبر من التناول فترد في “مربعات التراجم” داخل المداخلة المعنية بها. وقد تم اتخاذ القرار بأن لا تتضمن الموسوعة مداخلات التراجم والسير بعد الكثير من التفكير، وهو الأمر الذي وافق عليه الناشر بعد شيء من التردد. وبينما اتفقت كل المحررات على اتباع هذه المقاربة إلا أنهن كن يملن أحيانا إلى فكرة تناول شخصية أو غيرها في المداخلات، وبالفعل هنالك شخصيات لابد من تناولها، ولكن ذلك الإغراء كان انعكاسا لتاريخنا البحثي أكثر من كونه التزاما بمبادئنا التي ظللنا بشكل عام متمسكات بها.
لقد قمت أول الأمر بالتعاقد مع دار النشر “بريل” على إنتاج موسوعة من ثلاثة مجلدات تتكون من مليون ونصف مليون كلمة على أن يتم نشرها في عام ٢٠٠٣.وقد حددنا للقسم الأول من الموسوعة عدد ٣٠٠ ألف كلمة وللقسم الثاني عدد مليون و ٢٠٠ ألف كلمة، وافترضنا أن المجلد الأول سيتضمن القسم الأول وجزءا من القسم الثاني، على أن يشتمل المجلدان الثاني والثالث على بقية القسم الثاني من الموسوعة.
وقد صادف أن التكلفة المبدئية كانت ستتيح إمكانية زيادة عدد الكلمات إلى ٢ مليون كلمة، وهو عدد سرعان ما اكتشفنا أنه قليل للغاية.
وخطوة تلو الأخرى كانت المحررات في معركة مع تعداد الكلمات، فلم يبد لنا أبدا أن عدد الكلمات كاف للمداخلات ولتناول كافة الموضوعات. ومع تنامي قائمة المداخلات اتضح أن عدد الكلمات المتاحة قليل لمداخلات القسم الثاني بدرجة غير معقولة، بل بدا لنا في لحظة ما أنه لا سبيل أمامنا سوى تحديد عدد ٢٠٠–٤٠٠ كلمة لكل مداخلة لمعظم مداخلات القسم الثاني. وأخذت المحررات في جمع الكلمات كما لو كانت مجوهرات، وكانت جين سميث هي الوحيدة على استعداد لخفض عدد الكلمات عندما اتضحت صعوبة العثور على أبحاث ومؤلفات ومؤلفين يتناولون النساء والثقافات الإسلامية في منطقتي الكاريبي وأمريكا الجنوبية.
بحلول عام ٢٠٠٠ كنا نفترض إمكانية التعامل في نطاق ٢ مليون كلمة، ولكننا بحلول اجتماع مجلس التحرير في يناير ٢٠٠١ بالقاهرة توجهنا إلى دار النشر “بريل” بطلب زيادة عدد الكلمات المتاحة، وقال لنا يان بيتير ويسينك أنه لا داع للقلق إذا كنا في حاجة إلى زيادة في حدود ٢٠–٣٠ % من عدد الكلمات المتاحة ولكن لا سبيل إلى مضاعفة العدد ضعفا أو ضعفين. وخلال هذا الاجتماع ناقشنا إمكانية إضافة مجلد رابع، وبعدها بعدة أشهر، وتحديدا في مايو/أيار ٢٠٠١ في مدينة لايدن، أكد لنا كل من سام بروينسما وأولاف كوندغين أنه يمكن إضافة مجلد رابع للموسوعة، فقررنا قصر القسم الأول على مجلد واحد يتم تسويقه منفصلا عن باقي أقسام الموسوعة.
فأضفنا ٥٠٠ ألف كلمة بحيث نرفع تعداد الكلمات إلى مليونين ونصف مليون كلمة.
وبحلول موعد اجتماع مجلس التحرير في نوفمبر/تشرين ثاني ٢٠٠١ في مدينة سان فرنسيسكو، كان اهتمامنا منصبا على الالتزام بموعد تسليم مادة الموسوعة للنشر، وكانت الموسوعة قد أخذت في النمو دون أن تتغير خطتنا للنشر، كما قام أولاف كوندغين بإبلاغنا الخبر السار بأنه يمكننا زيادة تعداد الكلمات إلى ٣ ملايين كلمة (بالإضافة إلى عدد ٣٠٠ ألف كلمة المخصصة للقسم الأول)، كما أعلمنا بأن دار النشر “بريل” قد قررت تخصيص المجلدات من الثاني إلى الرابع للنشر ضمن ميزانية عام ٢٠٠٤، على أن يتم إصدار المجلد الأول في خريف ٢٠٠٣.
وبحلول إبريل/نيسان ٢٠٠٢ حدث تحول آخر في مجريات الأمور، حيث أصبح من الواضح أن المجلدات من الثاني إلى الرابع لن تكون جاهزة للنشر في شتاء ٢٠٠٤، فعرض علينا أولاف كوندغين أن يتم نشر المجلدين الثاني والثالث في خريف ٢٠٠٤، والمجلدين الرابع والخامس في خريف ٢٠٠٥ وسرعان ما اتضح لنا أن تعداد ٣ ملايين كلمة غير كاف.
وخلال اجتماع مجلس التحرير في يونيو/حزيران ٢٠٠٢ في مدينة هارتفورد بولاية كونيكتيكت، بدأنا التخطيط لإصدار خمسة مجلدات من الموسوعة، وفي سبتمبر/أيلول ٢٠٠٢ التقيت مع كل من سام بروينسما وأولاف كوندغين في مدينة ماينز في ألمانيا، واتفقنا حينها على نشر الفهرس التراكمي منفصلا في المجلد السادس إلى جانب إلحاق فهرس بكل مجلد.
وفي خريف ٢٠٠٢ عدت إلى دار النشر “بريل” طالبة المزيد من الكلمات، وبتفاؤل طلبت منهم زيادة تعداد الكلمات المتاحة بمعدل مليون كلمة، وفي نوفمبر/تشرين ثاني ٢٠٠٢، وأثناء انعقاد اجتماع مجلس التحرير في العاصمة الأمريكية واشنطن، أعلن أولاف كوندغين أن بوسعنا الحصول على زيادة قدرها ٧٠٠ ألف كلمة، ويمكننا بالتالي إضافة مجلد سابع إلى الموسوعة على أن يتم إصدار المجلدين السادس والسابع في عام ٢٠٠٦.وقد رحبنا جميعا بهذه الزيادة في عدد الكلمات بامتنان، إلا أن نزعتنا لتحقيق عمل كامل لا تشوبه شائبة أخذت تتملكنا من جديد، كما قلقنا من التوسع اللانهائي الذي خضعنا له في إعداد الموسوعة، وأدركنا أن فكرة إصدار الموسوعة في سبعة مجلدات قد تمكنت منا كما أفزعتنا.
وقد حاول بعضنا التأكيد على أهمية المجلد السابع الذي يتيح جمع كافة المداخلات التي تتناول الأسرة معا في مجلد واحد، وبالفعل توجد مداخلات عن الأسرة تكفي لإفراد مجلد كامل لها. إلا أن واقع الحال وضرورة التنازل فرضت علينا غير ذلك، فبدلا من إضافة مجلد سابع لجأت المحررات إلى طريقة أكثر كفاءة بتقسيم عدد الكلمات الإضافية البالغة
٧٠٠ ألف كلمة ما بين المجلدات من الثاني إلى الخامس. إلا أنني اقترحت أيضا على سام بروينسما وأولاف كوندغين إصدار مجلدات مشتقة من الموسوعة، مثل مجلد عن الأسرة يتم إعداده عن طريق جمع كافة المداخلات التي تتناول الأسرة في الموسوعة بأكملها. وهكذا أصبح متاحا في نهاية الأمر لكل إقليم (تبعا لتقسيم العمل إقليميا على المحررات المشاركات) ما يربو قليلا على ٩٠٠ ألف كلمة بالنسبة لمداخلات القسم الثاني من الموسوعة، مع تخصيص ٣٠٠ ألف كلمة أيضا للقسم الأول، وتم ترك حرية تحديد كيفية تقسيم عدد الكلمات للمحررات تبعا لما يرونه مناسبا.
تجميع/ دمج/ توسيع/ اختصار المداخلات
على الرغم من الزيادات المطردة في تعداد الكلمات إلا أن أيا منا لم تشعر بأن العدد كاف لتغطية كافة الموضوعات بالقدر الذي تستحقه، ونتيجة لذلك قررنا “تجميع” أو “دمج” بعض المداخلات معا مما أدى إلى تقليل عدد الكلمات المخصصة لموضوع ما عن طريق التوسع في تناول الموضوع ضمن مداخلة ما. فعلى سبيل المثال كانت لدينا أول الأمر مداخلات منفصلة تتناول النساء والجندر والتصحر، وغابات الأمطار وإزالة الغابات، والتغير المناخي. فتم تجميع تلك المداخلات الثلاثة في مداخلة واحدة تتناول النساء والجندر والتغير والتدهور البيئي.
كما كانت لدينا في البداية مداخلات منفصلة تتناول النساء والجندر والنسوية البيئية الطبيعية، والنساء والجندر وحركات حماية البيئة الطبيعية.
فتم دمج هذه المداخلات في مداخلة واحدة عن النساء والجندر والمنظمات البيئية وحركات حماية البيئة الطبيعية.
كما نجد أن المداخلة التي تتناول النساء والجندر والمياه والتلوث، كانت في الأصل تتكون من أربع مداخلات: النساء والجندر والتلوث، والنساء والجندر والمياه، والنساء والجندر والصرف الصحي والبيئة، النساء والجندر والصحة والبيئة.
أما المداخلة التي تتناول الرقص والأغاني الشعبية فقد كانت أصلا تتكون من مداخلتين إحداهما عن الرقص الشعبي والأخرى عن الأغاني الشعبية.
وقد تمت أرشفة قائمة المداخلات الأصلية الواسعة بحيث يمكن استخدامها فيما بعد في الطبعة الإلكترونية من الموسوعة.
وفي أحيان أخرى تم اختصار المداخلات في نطاقها الإقليمي، حيث وجدنا على سبيل المثال أن بعض أفضل المواد البحثية المتاحة بالنسبة لبعض الموضوعات، مثل طقوس الميلاد، جاءتنا من بلد واحد أو اثنين في إقليم بعينه.
وبالتالي بدلا من توسيع المداخلة بحيث تغطي الإقليم بأكمله على قلة ما به من مواد بحثية، اتفقنا على أن تركز المؤلفة أو المؤلف على البلاد التي تكثر فيها المادة البحثية. وهو ما ينطبق تحديدا على المداخلات الخاصة بأمريكا الجنوبية حيث وجدنا عددا قليلا من المؤلفات والمؤلفين وقدرا غير كاف من المعلومات. فعلى سبيل المثال، نجد أن المداخلة الواردة في القسم الأول من الموسوعة، والتي تتناول فيها نادين نابر مصادر ومناهج البحث في النساء والثقافات الإسلامية في أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، هي مداخلة لم يمكن لها أن تتناول سوى أمريكا الشمالية نظرا لصعوبة العثور على قدر مناسب من البيانات والمواد الخاصة بأمريكا الوسطى والجنوبية.
مجلدات مقسمة تبعا للموضوع ومداخلات مرتبة أبجديا
لم يتم الانتهاء تماما من ترتيب القسم الثاني حتى شهر يونيو/حزيران ٢٠٠٢ عندما اتفقنا على أن يتم ترتيب المداخلات تبعا للموضوع على المجلدات، مع ترتيبها أبجديا داخل كل مجلد، وهو حل وسط بين المحررات اللاتي أردن ترتيب الموسوعة بأكملها ترتيبا أبجديا وبين من أردن ترتيبها ترتيبا موضوعيا تبعا لفئات البحث.
وخلال الفترة من عام ١٩٩٩ إلى ٢٠٠٢ انصب تركيزنا على إعداد موضوعات المداخلات (القوائم المبدئية المساعدة) دون اتخاذ قرارات بشأن كيفية ترتيبها بالنسبة للمجلدات، ونظرا لأننا كنا نظن في البداية أن الموسوعة ستتكون من ثلاثة مجلدات فقد بدأنا على الفور العمل في كل الموضوعات في نفس الوقت.
وكنا قد قررنا إعداد قوائم المداخلات تبعا للموضوع بسبب خلفياتنا البحثية التي تدفعنا للتفكير تبعا للموضوع، وكذلك كطريقة لضمان القيام بتغطية واسعة لكل المسائل المتعلقة. ونظرا لأن إعداد المداخلات تم تبعا للموضوع فقد شعرت العديد من المحررات بأن الترتيب الموضوعي هو الأدق في التعبير عن مسار العمل الذي قمنا به.
في حين شعرت أخريات أن الترتيب الموضوعي سيؤكد التفاوت القائم في تطوير الموضوعات.
فقررنا أن نقوم بمحاولة ترتيب المداخلات وتقسيمها على المجلدات تبعا للموضوعات، وذلك على سبيل التجربة.
وكانت النتيجة أن بعض المجلدات بدت متكاملة وخاصة المجلد الثاني الذي يتناول الأسرة والقانون والسياسة، بينما ظلت مجلدات أخرى تحمل قدرا أكبر من الإشكالية، مثل المجلد الرابع الذي يتناول الاقتصاد والتعليم والتحرك والفضاء، فتطلب عناية خاصة في إيجاد العناوين الفرعية الملائمة. وقد تطلب كل قرار منا العديد من المناقشات والمفاوضات والإقناع والتنازلات والحلول الوسط، وهي القرارات الخاصة بأماكن المداخلات، والمداخلات التي يمكن جمعها معا، وهل نقوم بترتيب الموسوعة ترتيبا موضوعيا أصلا. ولا يمكنني القول أننا كنا راضيات تماما عن ترتيب المجلدات ترتيبا موضوعيا حيث لا مفر من أن يؤكد ذلك الترتيب غياب إعداد وتطوير بعض الموضوعات، ولكنه بدا لنا أكثر الإمكانيات المتاحة كفاءة.
فقد رأينا الإمكانية الكامنة في بعض المجلدات التي تتيح استخدامها ككل لأغراض تعليمية.
فقد تخيل العديد منا إمكانية تخصيص مجلد بأكمله للقراءة ضمن أعمال سمنار الدراسات العليا على سبيل المثال. كما رأينا أن ترتيب المجلدات موضوعيا هو بمثابة وضع للمسائل الحيوية والملحة جنبا إلى جنب في علاقة بعضها ببعض، مما يقدم سبلا جديدة للتفكير في مجال ما وبالتالي تشجيع قيام المزيد من البحث.
كما أن هذا الترتيب كفيل بتيسير وصول القراء إلى المداخلات المتقاربة، كما يتيح إمكانية إصدار مجلدات مشتقة من الموسوعة تفي ببعض الاحتياجات التعليمية والبحثية.
وقد كان هذا الترتيب ملائما تحديدا بالنسبة للمجلد الثاني (“الأسرة والقانون والسياسة“) والمجلد الخامس (“الممارسات والتأويلات والتمثيلات“)، فعلى سبيل المثال كنا نأمل في أن الربط بين المسائل المتعلقة بالجسد وأشكال الحياة الجنسية والممارسات الدينية في المجلد الخامس ستؤدي إلى إثارة الاهتمام بابتداع طرق جديدة للتفكير في علاقاتها باعتبارها ممارسات جسدية أو متجسدة.
وبمجرد التزامنا بترتيب المجلدات ترتيبا موضوعيا كان علينا اتخاذ قرار بشأن ما إذا كنا سنرتب كل مجلد موضوعيا أم أبجديا. ومرة أخرى كان قرارنا بترتيب المداخلات أبجديا كحل وسط لتحقيق غرض معين، وكان المنطق الأساسي هو أن غالبية القراء يتوقعون ترتيبا أبجديا للموسوعات لما في ذلك من يسر في التعامل معها. وقد اضطرنا هذا القرار إلى الإيجاز في العناوين كما دفعنا إلى صياغة العناوين بحيث يمكن تصنيف وجمع المداخلات وبالتالي تيسير الوصول إلى الموضوعات.
ومرة أخرى لم يكن الأمر سهلا، فعلى سبيل المثال نجد أن الأسرة كانت هي الموضوع المحوري في المجلد الثاني، وتم تصنيف العديد من المداخلات تحت موضوع الأسرة رغم أن غالبية الموضوعات المتعلقة بالأسرة يمكنها أن تكون مستقلة في حد ذاتها مثل “الطلاق” و“التبني” و“العنف المنزلي“، لأننا نفترض أن القراء قد يبحثون عنها أبجديا.
وقد ثبت في النهاية أن الحل الوسط بين الترتيب الأبجدي الكامل وبين الترتيب الموضوعي الكامل هو الحل الأفضل. وبصورة عامة جاءت المجلدات متماسكة فيما بينها وكادت ترتب نفسها بنفسها.
من الخدمات التي تقدمها أي موسوعة هي المراجع والإشارات إلى الأعمال الأخرى، وفي نفس الوقت نجد أن مشروعا بحجم هذه الموسوعة ما كان في إمكانه أن يتضمن قوائم ببليوغرافية شاملة لكل مداخلة. فقررنا أن تتضمن كل مداخلة قائمة ببليوغرافية قصيرة بأهم النصوص، تأتي في نهاية المداخلة، وطلبنا من كل مؤلفة ومؤلف تقديم قائمة ببليوغرافية لا تزيد على ٢٠ % من إجمالي عدد الكلمات المخصصة للمداخلة، وهكذا يمكن لكل مداخلة أن تكون نصا متكاملا مع تقديم قائمة بالمراجع المقترحة على القراء.
المؤلفات والمؤلفون
بقدر ما بذلنا من جهد في التفكير في الإطار العام للموسوعة، وبقدر الحماس والحيوية التي تمتعت بها مناقشاتنا، وبقدر الصعوبة التي واجهتنا في محاولة نقل رؤيتنا للمؤلفات والمؤلفين، إلا أننا نجد في المحصلة الأخيرة أن المداخلات هي نتاج عمل وجهد أصحابها.
وكثيرا ما اختلفت مقاربات المؤلفات والمؤلفين عما كنا نتوقعه وننتويه، وبالتالي كنا إما نطالبهم بمراجعة المداخلة أو نعيد التفاوض بيننا فيما يتعلق بتوصيف المداخلة. وفي بعض الحالات تم رفض المداخلات، ولكن بشكل عام كان علينا أن نثق في المؤلفات والمؤلفين وأن نترك لهم حرية التعامل في تنمية ذلك الطفل الصغير – أي الموسوعة.
ولكننا احترمنا الحقيقة الواقعة من حيث كونهم هم الأكثر منا معرفة بموضوعاتهم، وأن أقصى ما لدينا هو القيام بدور الأم البديلة، مع بعض المشاركة في الموضوعات التي تمتعت فيها إحدى المحررات المشاركات بخبرة خاصة.
الفجوات
توجد فجوات عديدة في الموسوعة، فعلى سبيل المثال لم نتمكن من العثور على مؤلفة أو مؤلف للمداخلة التي خططنا لها في الأفرع المعرفية والخاصة بعلم الآثار الإسلامية، كما أن المداخلة التي تعاقدنا عليها والتي تتناول علم الاجتماع لم تتحقق حتى اللحظة الأخيرة.
وهنالك بعض الفجوات التي ترجع إلى عدم قيامنا بصياغة الأفكار بشأن بعض المداخلات بالقدر الذي ربما كان في وسع غيرنا من المحررات القيام به.
وأحيانا لم يتوفر لدينا العدد الكافي من الكلمات المتاحة لتغطية كافة الموضوعات التي أردنا تناولها (كمجال التربية والتعليم على سبيل المثال).
كما ظلت بعض الموضوعات غير مكتملة الإعداد والتطوير لمجرد قلة الوقت المتاح.
كما اتضحت لنا بعض الفجوات في مرحلة متأخرة للأسف الشديد، وذلك عندما عجز بعض المؤلفين والمؤلفات، ممن وافقوا على المشاركة بالكتابة، عن تسليم المداخلات في الوقت المتفق عليه قبل النشر. وهي فجوات محبطة نظرا لأنه كان من الممكن التعاقد مع غيرهم من المؤلفين والمؤلفات لكتابة تلك المداخلات، ولكن لم يتبق لذلك الوقت الكافي.
كما حدثت بعض الثغرات بسبب عدم قيام بحوث بعد في بعض الموضوعات المعينة في بعض الأقاليم، أو بسبب كون البحوث فيها غير معروفة أو غير متاحة لنا.
وقد حرصنا تحديدا على السعي والوصول إلى الجهود البحثية المتخصصة التي يمكنها تفنيد الأفكار القائلة بأن النساء غير نشيطات في مجالات بعينها، أو أنه لا وجود للنساء ككاتبات، أو أنه لا توجد إسهامات للنساء في بعض الاقتصاديات أو أنظمة الحكم. ونأمل في أن تنجح الطبعات الإلكترونية من الموسوعة في الوصول إلى ما فشلنا نحن في تتبعه من أبحاث ودراسات متخصصة. كما نأمل في أن تعمل الموسوعة على تحفيز إنتاج الأبحاث والدراسات التي لا وجود لها بعد.
وقد نشأت بعض الفجوات نتيجة للتغيرات التي طرأت على قرارات التحرير، فعلى سبيل المثال اعتقدنا في لحظة ما أنه من المهم تغطية قضايا النساء والجندر لدى الأقليات غير المسلمة الموجودة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
وكنا قد اتفقنا بالفعل مع مؤلفات ومؤلفين لكتابة مداخلات عن الأقليات الرئيسية في كل من إيران وتركيا وأفغانستان وجنوب آسيا والقوقاز، وذلك قبل قيامنا بمراجعة ذلك الأمر في إطار مجلس التحرير، وقد انقسمت عضوات المجلس حول هذا الأمر، ثم تركن لي اتخاذ القرار الحاسم. وقد اقتنعت بأنه من المستحيل تناول كافة الأقليات على مستوى العالم رغم رغبتنا الشديدة في تحقيق ذلك، حيث توجد أعداد بالغة من الأقليات في المنطقة العربية وإندونيسيا والبلدان الأفريقية، بما أوضح لنا أن تناول النساء والجندر والأقليات العرقية/الدينية في البلدان الإسلامية سيتطلب مجلدا كاملا في حد ذاته من الموسوعة، أو مجلدا يمكن إعداده للطبعة الإلكترونية من الموسوعة.
إلا أنه نظرا لتعاقدنا بالفعل على بعض المداخلات قررنا أن نكتفي بها و أن لا نسعى للمزيد.
كما يوجد موضوع غائب هنا، وهو موضوع لعلي كنت أكثر من زميلاتي في مجلس التحرير قلقا بشأنه، هو الخاص بتناول غير المسلمين في الشتات والآتين من بلدان ذات الأغلبية المسلمة. وكنت أرى تحديدا شدة أهمية تناول العرب المسيحيين في أوروبا وفي أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية وفي أفريقيا جنوب الصحراء، وفي جنوب شرق آسيا. وكانت فكرة زميلاتي المحررات مقنعة من حيث عدم قدرتنا على تناول كل غير المسلمين في الشتات ممن ينتمون إلى أصول ترجع إلى كل البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
تمويل الموسوعة
طوال فترة العمل في الموسوعة منذ يوليو/تموز ٢٠٠١، حصلنا على مساعدة بمنحة كريمة قدمتها مؤسسة فورد، وكانت منحة فورد على درجة بالغة من الأهمية لعملنا في الموسوعة، بل وما كان للموسوعة أن تنمو لتصل إلى ستة مجلدات دون حصولنا على التمويل اللازم لتعيين مساعدات البحوث، وللتفرغ من التدريس، وتغطية تكاليف السفر، وتمويل الترجمة، وشراء الأجهزة والمعدات التي وفرتها لنا بأكملها منحة فورد.
وقد وفرت جامعة كاليفورنيا في ديفيس الأموال اللازمة للبدء في المشروع، والمساندة التنفيذية، ومساحة مكتبية والأثاث اللازم لبداية العمل الرسمي في الموسوعة في عام ١٩٩٨.
كما قام العميد ستيفن شيفرين من جامعة كاليفورنيا في ديفيس بتمويل الخدمة الإلكترونية اللازمة لاستضافة أعمال الشبكة الإلكترونية الخاصة بالموسوعة (وكذلك مشروعاتي البحثية الخاصة). هذا بالطبع إضافة إلى القدر الكبير من الاستثمار المالي والعون التنفيذي الذي قدمته دار النشر “بريل“.
لقد كانت الموسوعة بالفعل مشروعا جماعيا مشتركا، مع وجود تقارب بين المحررات والناشر، وفيما بينهن، ومع مساعدات ومساعدي البحوث والمتدربات، في سبيل ابتكار مقاربة جديدة لإنتاج المعرفة الموسوعية.
وعلى سبيل الإشارة إلى الجهد النسوي الجماعي الذي ضمنا في الموسوعة قررنا أن نضع أسماءنا جميعا بدلا من مجرد اسم المحررة العامة على غلاف الموسوعة.
وقد اشتركت المحررات منذ البداية في التزامهن بفكرة الرؤية النسوية الجماعية في العمل معا، إلا أن هذه الرؤية تباينت بين محررة وأخرى. فقد كان مقصودا أن نأتي من أفرع معرفية متباينة ومن خلفيات ثقافية وتاريخية متباينة، ومن منظومات بحثية متباينة، ومن خبرات تخصصية وحياتية متباينة.
وتتمتع كل المحررات بشخصيات قوية ولديهن مفاهيم واضحة بشأن الممكن والمحال تحقيقه في البحث، إلا أننا تمتعنا جميعا بقدرة على الاستماع وإنصات إحدانا إلى ما تقوله الأخرى، واحترام الآراء المختلفة بالنسبة للموضوعات القريبة من قلوبنا.
وفي الوقت الذي تعين علينا جميعا تقديم بعض التنازلات واللجوء إلى الحلول الوسط في بعض المواقف، إلا أنه من المدهش قدر التوافق والاتفاق الذي خرجنا به فيما يتعلق بأهم المبادئ الخاصة بنظام الموسوعة وتوجهها.
إن نظام العمل معا كان يتغير بتطور ونمو الموسوعة، وقد تعاقدنا على تقسيم العمل فيما بيننا بشكل محدد، ولكن لم يكن أي شيئا يتم بصورة آلية أو يخضع لقوالب متحجرة. فقد قمنا بتعديل وتغيير وتحسين نظام عملنا وعلاقات العمل مع اتخاذ الموسوعة شكلها كحقيقة مادية.
وقد كنا نلتقي بشكل متكرر كما نجد موثقا في هذا العرض لتاريخ الموسوعة، ولعل اجتماعات مجلس التحرير كانت هي الجزء الأكثر أهمية وخطورة في عملنا، حيث خلقت مجالا للتعاون ومكنتنا من إثارة التفكير الإبداعي الخلاق لدى بعضنا البعض، كما أن حالة الدفء وروح الزمالة ألهمتنا وأمدتنا بالحيوية والنشاط.
كما علمتنا هذه الاجتماعات أيضا أن ننصت إلى الاختلافات العميقة في مقارباتنا وهو ما تمكنا من استخدامه فيما بعد استخداما مثمرا في عملية إعداد وتطوير الموسوعة.
ولولاها ما كان من الممكن عقد المناقشات التي كانت تتم وجها لوجه وقيام الحوار والتفكير الجماعي لتجاوز المشاكل التي قابلناها. فقد كنا أقدر على التعامل مع المشاكل وأكثر كفاءة في إدراك عجزنا عن تجاوز مشكلة ما، وبالتالي كان علينا التوصل إلى حل وسط أو عدم التعامل معها. ومع ذلك فلعل الدور الأهم الذي لعبته هذه الاجتماعات يتمثل في صياغة رؤية ولغة مشتركة بيننا بالنسبة لعمل الموسوعة.
وعلى الرغم من أننا منذ البداية تشاركنا بقدر كبير في المقاربات والأفكار، إلا أننا لم نشترك على الإطلاق في رؤية مشتركة بشأن الموسوعة، بل تشكلت هذه الرؤية من خلال لقاءاتنا.
كما لعبت اللقاءات الجانبية التي كانت تتم بين المحررات دورا كبيرا في تيسير عملنا. وإلى جانب ذلك كنا باستمرار تقوم بالتواصل بالبريد الإلكتروني، وعادة ما كان يحدث ذلك يوميا بل وعدة مرات في اليوم الواحد، كما كنا نتصل تليفونيا في حالات الضرورة.
إن كل عضوات مجلس التحرير يتمتعن بحس تاريخي، ونتيجة لذلك كنا جميعا نقوم بتوثيق دؤوب للحوارات والمناقشات التي تتم فيما بيننا وتسجيل كل ما نقوم به من أعمال. وقبل كل اجتماع كنت أقوم بإعداد ملف لكل محررة يضم محاضر الاجتماعات السابقة، وكافة الوثائق والأوراق اللازمة للاجتماع الحالي، والمعلومات الموجودة في قاعدة بيانات المؤلفات والمؤلفين، وبرنامج العمل الحالي. وكانت النقاط التي أسجلها كمحاضر للاجتماع تملأ عادة ما بين دفترين وثلاثة، وكان من الصعب فك خطي الذي كان يزداد سوءا، وهي صعوبة لم تكن تواجه مساعدة البحوث فقط بل وتواجهني أنا نفسي، وبالتالي كانت محاولة صياغة كل ما يدور في المناقشات تستغرق مني شهورا بعد انتهاء الاجتماع. ولكنها أصبحت هي أوراق العمل والوثائق الخاصة بتنظيم الموسوعة فيما يتعلق باتخاذ القرارات وإعداد قوائم المداخلات وإعداد الصفحة الإلكترونية والمناقشات المعقودة مع المؤلفات والمؤلفين ومع دار النشر “بريل“.
كما كان يتم توزيع محاضر الاجتماعات بالبريد الإلكتروني ووضعها في صفحة المحررة في الموقع الإلكتروني للموسوعة.
وأثناء مراجعتي لكل هذه الوثائق والأوراق وجدت أننا كمجلس تحرير كنا الأشد انتقادا لأنفسنا، فقد كنا باستمرار نجد عيوبا في أسلوب نظام العمل، وفي كل ما كنا نحاول إنجازه وكيفية سعينا لتحقيقه، بل وحدود معرفتنا والوقت والموهبة والمصادر والنشاط. وكنا نقضي اجتماعاتنا في مناقشة الممكن والمستحيل. وقد تضمنت عملية التحرير التفاوض والإقناع والتنازلات والعمل بأقصى ما في وسعنا بناء على ما اتفقنا عليه.
وبقدر الإمكان كنا نتخذ القرارات بصورة جماعية، ولكن أحيانا توليت أنا أو طلب مني أن أقوم باتخاذ القرارات الحاسمة، وكنت أشعر أحيانا كما لو كنت أقود فريق تشجيع لمباراة ما أكثر من كوني أقود مجموعة من الباحثات. وقد تبادلنا الأدوار في تشجيع بعضنا البعض ورفع روحنا المعنوية ومعدلات الطاقة والنشاط.
وقد أدى إصرار أفسانه نجمبادي المتكرر على المقاربة التاريخية إلى جعل القسم الأول تقديما تاريخيا للمنهجيات والمصادر.
وقد كانت أفسانه نجمبادي تناقش باستمرار قراراتنا، بما فيها قراراتها هي نفسها، معترضة على ما فيها من اعتباطية، كما كانت ملتزمة تماما بالتمثيل الإقليمي للمؤلفات والمؤلفين إلى درجة قيامها بتعيين مساعدة تتفرغ للبحث عن مؤلفات ومؤلفين من آسيا الوسطى. ونظرا لسرعتها في القراءة والاستجابة، كثيرا ما كانت تكتشف المشاكل الموجودة في طريقنا قبل وصولنا إليها.
كما أنها كانت تنبهنا باستمرار كي لا تقوم بالتمييز لصالح منطقة الشرق الأوسط وبالتالي ساعدتنا على توجيه المداخلات إلى مؤلفات ومؤلفين ربما لم نكن سنتوجه إليهم دون توجيهها.
وقد عملت جولي بيتيت وسيتيني شامي معا لتغطية مجالي المنطقة العربية والعثمانية، وكانتا المحررتين الوحيدتين اللتين اشتركتا في مجال اهتمامهما البحثي. وقامتا مرة تلو الأخرى بعرض الجهد والعمل الذي قامتا به في الإقليم الخاص بهما ليصبحنموذجا لما يجب علينا القيام به بالنسبة لبقية أجزاء الموسوعة.
وقد كان ترتيبهما وفحصهما وجمعهما النقدي للمداخلات جهدا وفر علينا ساعات لا حصر لها من زمن اجتماعات مجلس التحرير. ولعلنا بالفعل ما كنا تمكنا من الالتزام بالمواعيد المتفق عليها لولا مبادرتهما بإعداد وصياغة العمل قبل مواعيد الاجتماعات. وقد ساهمت كل منهما بمجال تخصصها في الدراسات البينية بإثارة الوعي النقدي بالعيوب الكامنة في سير العمل، وعدم حسمنا لفئات التحليل، مع تأكيدهما على ضرورة التحرك قدما. وقد ذكرتنا جولي بيتيت وسيتيني شامي تحديدا بالمشاكل المترتبة على الترتيب الإقليمي، كما أوضحتا باستمرار الحاجة إلى تحدي وتفنيد تقسيم الإسلام تبعا للأقاليم، والتحولات الإشكالية لجغرافيات المداخلات.
كانت جاكلين سيابنو تفند باستمرار فكرة كون شرق وجنوب شرق آسيا مناطق الهرطقة والخروج عن الإسلام وكون الشرق الأوسط هو أرض الإسلام الصحيح. وكانت تذكرنا بالمجال الشاسع لماهية الإسلام والسبل التي يتخذها في المسائل المتعلقة بالنساء على مستوى العالم.
كما ساهمت في بلورة إشكالية ما يطلق عليه البلدان المسلمة “الأصلية” و“الفرعية“، وقد كشفت مساهماتها عن السبل التي جعلت الأصل أحيانا أكثر هرطقة من الفرع. كما أثارت جاكلين سيابنو في مناقشاتنا قضية السرديات المعقدة عن الإسلام والتي تم استيعابها داخل الثقافات ذات التاريخ والديناميكيات والمجتمعات أمومية النسب، حيث نجد فيها أن الخطابات عن الجندر والحياة الجنسية والسياسة والأدب والفنون تتشكل وتتحرك في مساحات عامة تختلف بصورة مدهشة عن البلدان المسلمة الأصلية. وقد سافرت جاكلين سيابنو، رغم مرضها، من مدينة ملبورن في أستراليا إلى مدينة هارتفورد في ولاية كونيكتيكت الأمريكية لحضور اجتماع لمجلس التحرير يستغرق يومين.
لقد أضافت جين سميث لنا مجال فهم الدراسات الدينية، وظلت تذكرنا بأن موضوعات المداخلات موجهة، رغم محاولاتنا المستميتة، نحو البلاد ذات الغالبية المسلمة، ولم تكن قابلة للتطبيق جيدا في أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، أو أوروبا الغربية أو أفريقيا جنوب الصحراء. وقد لفت عملها انتباهنا إلى قلة معرفتنا بالنساء والثقافات الإسلامية في تلك المناطق.
وهي فجوة واضحة للغاية حيث أن الإسلام هو الدين الآخذ في القدر الأكبر من الانتشار في الولايات المتحدة، وأن هذا النمو لا يأتي من أبناء الشرق الأوسط في الشتات. كما ساهمت في طرح المزيد من الإشكاليات في عملنا عندما أوضحت مركزية الإسلام بالنسبة لأوروبا الغربية، مع بقاء الإسلام كموضوع خفي ومغمور في تلك المناطق. وقد كان الجهد الذي بذلته في السعي للتوصل إلى الأبحاث التي تمت في هذا المجال جهدا بطوليا، وكانت حريصة على تناول المناطق التي لم تكن تعرف عنها الكثير إلى الدرجة التي جعلتها تتنازل عن المكافأة المخصصة لها وذلك لتمكن أليس هورنر من تناول أفريقيا جنوب الصحراء.
وقد تولت أليس هورنر الأمربسلاسة كما تطوعت مشكورة للقيام بأعمال تتجاوز المطلوب منها، مثل البحث عن الخرائط التي سيتم استخدامها في الموسوعة، وكتابة توصيف المداخلات، والمساعدة في الإعداد للاجتماعات.
وحينما أشير إلى مساهمات بعينها قامت بها محررة ما في حد ذاتها فليس القصد من وراء ذلك هو الإيحاء بأن المحررات الأخريات لم يتمتعن بنفس وجهة النظر أو لم تكن لهن مساهمات في نفس المجال، بل أشير إليها كإشارة موجزة احتفاء بالمساهمات التي يتعاون فيها الأفراد في الأعمال الجماعية. فمع كل مساهمة لكل محررة كنا جميعا نكتسب طاقة، حتى إن لم تكن الأخريات قد جاءتهن نفس الفكرة أو قمن بمساهمة شبيهة في مرحلة سابقة أو اجتماع سابق. وقد لعب هذا التعاون المشترك دورا في تحقيق التوازن عندما كان يتملكنا الإحساس بالضعف ونحن نعمل وحدنا على انفراد مما كان يدفعنا للتساؤل عما إذا كانت موافقتنا على هذا المشروع ضربا من الجنون. إلا أن الرؤية والطموح والإحساس بالمهمة والالتزام تجاه المعرفة، وكذلك تحدي الأفكار وأهمية الاستثمار في قضايا النساء والجندر، والاعتراف بقوة وسلطة الأفكار في التاريخ، وما تمتعنا به من شراكة فكرية متبادلة، كانت كلها هي العوامل التي دفعتنا للمواصلة والاستمرار.
وقد قامت كل محررة ببذل أقصى ما لديها للقيام بذلك العمل، حيث استخدمن تمويل الأبحاث الذي وفرته لهن مؤسساتهن من أجل تعيين المساعدات والمساعدين أو لتغطية تكاليف السفر لحضور الاجتماعات.
كما قمن أحيانا بالإنفاق على الموسوعة من أموالهن الخاصة، بالإضافة إلى الاندماج في العمل على حساب النوم والراحة. وقد كان العمل يبدو هائلا ويفوق قدراتنا أحيانا من حيث نظام العمل في سبيل الالتزام بالمواعيد المحددة، وإدارة شؤون المنح، والإشراف على المتدربات ومساعدات ومساعدي البحوث (وهو ما كان كثيرا ما يتم عن بعد)، واستخدام أساليب التحالف والضغط للحصول على مساحة للعمل، والتفاوض مع الجهات الإدارية، ومع الناشرين والمؤلفات والمؤلفين والمحررات، وكذلك التعامل مع تفاصيل إقامة المكاتب ونقلها، ومواجهة مشاكل الكمبيوتر بالنسبة للصفحة الإلكترونية والحصول على المساندة الملائمة في مجال تكنولوجيا المعلومات، والحفاظ على الأرشيف والتاريخ وقاعدة البيانات – وهي كلها مسؤوليات هائلة كثيرا ما أقلقتني وحرمتني من النوم. وكان التمسك بالمشروع الفكري، رغم عبء التفاصيل الإدارية، من التحديات التي واجهتنا.
إن مشروعا عالميا طويل المدى مثل هذه الموسوعة يتضمن دوما بعدا إنسانيا نادرا ما يظهر في المنتج المنشور.
فنتيجة للعمل معا على مدار خمسة أعوام تقريبا حدث تقارب بين عضوات مجلس التحرير يفوق علاقاتهن قبل ذلك، حيث لم يوجد سابق معرفة بين معظمنا، ولم توجد لإحدانا سابق معرفة بكل الأخريات، ولم يوجد لإحدانا سابق معرفة جيدة بأية من الأخريات. وقد كانت تجربة مدهشة من حيث تطوير علاقات العمل فيما بيننا والتي كانت تقوم على الاحترام والمساندة وأدت إلى خلق صداقات على مدى الحياة.
وكذلك تعرفنا على العديد من الناس نتيجة للعمل، مثل عضوات المجلس الاستشاري الدولي، والمؤلفات والمؤلفين المشاركين، والناشرين، ومساعدات ومساعدي البحوث والعاملات والعاملين. وخلال تلك الفترة شهدنا في حياة كل منا أحداث الزواج والطلاق والمرض ووفاة أعضاء الأسرة والميلاد، بل وللأسف وفاة بعض المؤلفات المشاركات وعضوة المجلس الاستشاري الدولي ماجدة النويهي.
فالذكريات ممزوجة بحبر طباعة الموسوعة، مثل قصة المحررة التي تزوجت وشاركتنا حكايتها الحافلة، وقصص المحررات اللاتي غيرن الوظيفة أو السكن أو مسار الحياة، والمؤلفات اللاتي أكملن كتابة المداخلات رغم الانشغال التام، والمؤلفة التي طلبت إعفاءها من مسؤولية كتابة إحدى المداخلات بسبب احتضار زوجها، والمؤلفة التي لم تتمكن من إكمال مداخلتها بسبب وفاة والدها، والمؤلفة التي طلبت مد مهلة تسليم المداخلة بسبب إجراء عملية جراحية لها، وأخرى بسبب مرض خطير أصاب أحد أطفالها، والمحررة التي توفي زوجها، ومحررة عايشت انتفاضة ثورية وكانت حياتها معرضة للخطر إلى أن لجأت إلى السفارة الأمريكية، ثم ما لبثت أن عادت إلى عملها كمحررة، والمحررة عضوة المجلس الاستشاري الدولي التي واصلت تقديم مقترحاتها بأسماء المؤلفات والمؤلفين أثناء معاناتها وفي أيامها الأخيرة من مرض السرطان.
إنه بالفعل أمر يتطابق مع ما ذكرته إحدى المحررات في أحد اجتماعاتنا قائلة: “إن النساء على استعداد للقيام بأي شيء من أجل النسوية“.
وبينما استمر العمل في الموسوعة، إلا أنني لا أستطيع التفكير في قصة الموسوعة دون أن أتذكر ما شهدته من قصص إنسانية ومدى ما يشرفني أنني عايشتها وشهدتها.
٩– مستقبل مشروع الموسوعة
باعتبارها أول موسوعة تتولى مشروعا طموحا يتناول النساء والثقافات الإسلامية، أصبحت هذه الموسوعة كائنا حيا. فمنذ بدايتها المتواضعة اتسعت لتصبح موسوعة من ستة مجلدات تشتمل على ٤ ملايين كلمة، على أن تصدر تباعا بداية من المجلد الأول الصادر في خريف ٢٠٠٣، والمجلدين الثاني والثالث في خريف ٢٠٠٤، والمجلدات الرابع والخامس والسادس في خريف ٢٠٠٥.وقد أدت موضوعات المداخلات البالغ عددها ٤١٠ موضوعا، عند توزيعها على الأقاليم المختلفة، إلى توليد عدة آلاف من المداخلات.
ومع ازدهار البحوث التي تتناول النساء والثقافات الإسلامية، من المتوقع أن يتم نشر هذه الموسوعة إلكترونيا، وستتيح الطبعة الإلكترونية الفرصة للإضافة إلى المداخلات ولأعمال المراجعة، وإضافة مداخلات جديدة، والوصول إلى المداخلات التي تم تخزينها وأرشفتها، أي سيكون من الممكن الوصول إلى الصيغ القديمة والجديدة للمداخلات لوجودها جنبا إلى جنب.
وقد أدت خطة إعداد طبعة إلكترونية من الموسوعة إلى التخفيف عن المحررات الضغط الناتج عن عدم القدرة على العثور على المؤلفات والمؤلفين لبعض المداخلات أو عندما عجزوا عن إكمال مداخلاتهم في الوقت المناسب.
حيث أن العلم بوجود فرصة أخرى لدعوة المؤلفات والمؤلفين لكتابة المداخلات التي لم يتم تناولها بعد، ولمراجعة المداخلات، وإعداد مداخلات جديدة مع نشأة مجالات وبحوث جديدة، سهل علينا أمر الاكتفاء بما لدينا وتأجيل بعض المداخلات في الوقت الحالي. ومن هنا فإننا نحث المؤلفات والمؤلفين على الاتصال بنا في حالة اهتمامهم بالمساهمة في الطبعة الإلكترونية، حيث أن إمكانية الإضافة إلى المداخلات ستصبح لانهائية (عنوان المراسلة وعنوان البريد الإلكتروني يرد لاحقا).
وقد التزمت دار النشر “بريل” والمحررات بجعل الموسوعة متاحة لأكبر عدد ممكن من الجماهير، كما كان أمل دار النشر ومجلس التحرير في الحصول على تمويل لترجمة المجلد الأول إلى اللغة العربية، والتي عزمت دار النشر “بريل” على إتاحتها مجانا على موقعها الإلكتروني بمجرد الانتهاء منها.
١٠ – مشروع الموسوعة في هذا الظرف التاريخي
إن موسوعة النساء والثقافات الإسلامية هي مشروع قد آن أوانه. فالأدبيات التي تشتمل عليها الموسوعة بمختلف مجالاتها تتسع بسرعة، والبحوث التي تتناول النساء والثقافات الإسلامية تحتل موقعا نظريا وعمليا يتلامس مع حدود العديد من الأفرع المعرفية. وفي نفس الوقت نجد أن فكرة “المرأة المسلمة” أو “المرأة والإسلام” أصبحت تتمتع بمكانة سياسية وتاريخية، وخاصة في الإعلام والبحث الغربي، وهي فكرة يتكرر اصطناعها بالنسبة لهؤلاء النساء وكثيرا ما يتم نسجها دون لمسة منهن. وتأتي الموسوعة في لحظة يسودها خلط وارتباك مزمن بشأن من هو “مسلم“، كما يوجد تنميط مستمر للمسلمين، ودمج متواصل بين المسلمين والعرب، وبين الإسلام والشرق الأوسط، وفي لحظة تصاعدت فيها المصالح السياسية فيما يتعلق بالثقافات الإسلامية على مستوى العالم، وقد ازداد بفعل سوء التمثيل وسوء الفهم.
كما تأتي الموسوعة في لحظة يتم فيها استخدام النساء كنقطة اختبار لقياس ما يشكل “الحداثة“.
ويتم النظر إلى النساء باعتبارهن علامة والدال الأمثل على ثقافة ما وعلى أمة ما وعلى حضارة ما. كما فرض على الإسلام أن يثبت أنه عصري حديث فيما يتعلق بالنساء.
إن هذه المسائل المضللة وغيرها تجعل من الموسوعة عملا ملحا من عدة جوانب، إلا أن الموسوعة ليست مجرد رد فعل لذلك الخلط والارتباك الثقافي.
وعلى الرغم من أن المعرفة تكون دوما في إطار تاريخي وثقافي وسياسي، إلا أن الموسوعة لابد وأن تجتاز مقاييس البحث المتخصص لا أن تخضع لأذواق العصر.
فالهدف الذي تصبو إليه الموسوعة هو التقاط المعرفة ووضعها في إطار التاريخ، ووضع المعرفة في سياق تاريخي للمكان، وجعلها في خدمة كل من قد يستفيدون من فهم مساراتها وإنتاجها. وهنالك المزيد والمزيد من العمل الذي يجب القيام به في هذه الموضوعات الحيوية. وكثيرا ما رأينا كمحررات أوجه القصور واضحة أمام أعيننا كلما أدركنا أننا لم نكن نعلم في أحيان كثيرة كيفية العثور على المؤلفات والمؤلفين المناسبين، والكيفية الأفضل لتحديد المداخلات الخاصة بكل إقليم، وكيفية التعامل مع قلة المساحة المتاحة في الموسوعة، مما أعاقنا عن تحقيق رغبتنا المتفاقمة في إتاحة قدر من الكلمات للمداخلات يفوق قدرة الموسوعة (أو الناشر الكريم الذي ظل يضيف الكلمات إلى تعداد الكلمات)، ورغبتنا اللانهائية في إضافة المزيد من المداخلات بما يتجاوز الحدود المتاحة في المجلدات. وأحيانا كانت الطاقة والقدرة على العمل تتضاءل حتى لدى أكثرنا تحمسا في فريقنا الحماسي.
وكانت هنالك توترات وتناقضات في قراراتنا عجزنا عن حلها، كما كنا نتجه في بعض قراراتنا اتجاها ما ثم نغيره تماما في قرارات أخرى.
وقد اتخذنا ما اعتبرناه القرارات الأفضل بالنسبة للظروف والمادة والمصادر والوقت المتاح لنا. وعلمنا منذ البداية أنه لابد من فهم وإدراك الموسوعة باعتبارها مشروعا بحثيا مستمرا، وكنا على علم بأننا لن نتمكن من الإمساك بكل ما هو متاح من معرفة، فقد كان المجال يتغير باستمرار أمام أنظارنا.
والبحث المتخصص ليس نتاجا كاملا لعقول كاملة، و الموسوعة مشروع غير مكتمل وغير كامل، وستظل دوما كذلك، ولهذا سيكتب لها الاستمرار.
إن الموسوعة هي الجهد الأول الذي يقوم بتلخيص أحدث ما تم التوصل إليه في مجال دراسة النساء والثقافات الإسلامية على أساس عالمي عبر المراحل التاريخية وفي الدراسات البينية. وكانت رؤية الموسوعة تقوم على عرض برنامج بحثي مستقبلي ولأجيال المستقبل من الباحثات والباحثين، بقدر ما كانت تقوم على استعراض كل ما هو معروف عن النساء والثقافات الإسلامية. ونأمل أن تعمل الموسوعة على تعزيز قيام أعمال جديدة وخاصة لما ستقوم به من تشجيع لشباب الباحثات والباحثين لتناول التحديات الكامنة والصريحة بشأن تطور سير العمل في مشروع الموسوعة.
وخلال تصورنا للموسوعة باعتبارها مشروعا مستمرا أدركنا أنها يمكنها ويتعين عليها أن تستمر، وسوف تستمر حتى في غياب من بذلن منا الجهد الأكبر في صياغة وتشكيل فكرة الموسوعة. وقد عمل معنا في الموسوعة خمس محررات ومحررين من دار النشر “بريل” في فترات مختلفة، وقدم ثلاثة منهم القدر الكبير من الوقت تجاه المشروع. وربما تطرأ تغيرات أيضا على مجلس التحرير، وهو في الواقع الجانب الرائع والثري الذي يتميز به إنتاج المعرفة الموسوعية، حيث أنها عملية لا تعتمد على شخص واحد بالتحديد بل على الجميع. وكل من عمل منا في الموسوعة قام بعمله بحماس والتزام شديد، كما أننا نرحب بأشخاص جدد للانضمام إلى هذه المغامرة الرائعة.
وأعتقد أنه يمكننا القول بأننا قد تمسكنا بأمانة بالرؤية والحلم الخاص بالموسوعة، بأن نلهم قراءها بالمساهمة في لحظة من لحظات القوة في مجال الدراسات النسائية.
كما نرحب بالقراء ليأخذوا ما هو متاح في هذه المجموعة غير العادية مما هو معروف في هذا المجال، وأن يمضوا قدما نحو اكتشاف مساحات جديدة في تسمية وتأطير وتحليل وفهم ما هو معروف وما يمكن أن يصبح معروفا بشأن النساء والثقافات الإسلامية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف نتوجه إلى الكاتبات والكتاب، الذين يحملون أفكارا لموضوعات المداخلات أو من الراغبات والراغبين في إعادة تناول المداخلات القائمة حاليا، ونحثهم على الاتصال بنا عن طريق دار النشر. وندعوكم إلى مواجهة التحدي الخاص بإنتاج المعرفة الموسوعية، أي موسوعة جديدة للنساء والثقافات الإسلامية.
عنوان البريد الإلكتروني للموسوعة لدى دار النشر “بريل” :
عنوان مراسلة دار النشر “بريل” :
Brill, PO Box 9000, 2300 PA, Leiden, The Netherlands
: الموقع الإلكتروني للموسوعة في جامعة كاليفورنيا، ديفيس
http://sjoseph.ucdavis.edu/ewic
ديفيس، كاليفورنيا مارس ٢٠٠٣