الإقليم العربي العثماني القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين
ترجمة:
بقلم:
المنهجيات والمنظومات والمصادر
لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع
الإقليم العربي العثماني
القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين
في خلال العقود الثلاثة الأخيرة، منذ أواسط السبعينات إلى الوقت الحاضر، حقق مؤرخو ومؤرخات النساء والجندر في المناطق العربية من الإمبراطورية العثمانية خطوات هامة في مجال كان غير معروف تقريبًا بالمرة قبل عام ١٩٧٥م. فالمصادر التي استخدمت على نطاق واسع لإعادة بناء تاريخ المنطقة، خاصة مذكرات الرحالة وتقارير القناصل الأوروبيين، مثلت لفترة طويلة عقبة أمام تطور تاريخ النساء والجندر. ومع قليل من الاستثناءات، مثل مذكرات الرحالة من النساء، مثل السيدة لوسي داف غوردون أو ماري إليزا روجرز، اللتين تفاعلتا بعمق مع النساء المحليات، تجاهلت بقية المصادر خبرات النساء، بل وشوهتها. إن الكثير من الأبحاث الأحدث بحثت عن مصادر أخرى وتتبعت الخطوط المنهجية للبحث في تاريخ النساء والجندر في أماكن أخرى، على الرغم من أن وجود و/ أو غياب أنواع معينة من المصادر الأصلية قد ساهم أيضًا في تحديد كل من المقاربات المستخدمة ومجالات البحث. لقد كان دافع المؤرخين والمؤرخات في البداية هو الكتابة من منطلق تعويضى في محاولة لإضافة النساء إلى السرد التاريخي الذي تغيبن عنه بشكل أليم. وقد ركز “تاريخهن” (herstory) التعويضي على حياة نساء النخبة واستند بالأساس إلى تقارير المحاكم الإسلامية واستطاع أن يلقي الضوء على عالم الشخصيات النسائية البارزة، خاصة فيما يتعلق بكيفية اكتسابهن وإدارتهن لسلطتهن الاقتصادية. وسرعان ما أعقب ذلك اهتمام بالنساء “العاديات” في إطار الاهتمام العام بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي للسبعينات والثمانينات من القرن العشرين. ومرة أخرى أثبتت سجلات المحاكم الإسلامية أنها مصدر هام للتعرف على جانب العمل في حياة النساء العاديات، وإن كان الوجود الخفي للنساء الفقيرات والريفيات ظل عقبة حقيقية. وفيما يخص سنوات أفول الإمبراطورية تمكن المؤرخون والمؤرخات من استكمال تقارير المحاكم باستخدام التاريخ الشفهي، حيث تأمل الأفراد حياة أهلهم وجدودهم. وفي التسعينات أدى تأثير الاهتمام ما بعد الحداثي بتحليل الخطاب وأشكال التحكم الاجتماعي إلى دفع بعض المؤرخين والمؤرخات إلى توجيه انتباههم إلى خطاب القرن التاسع عشر حول الحداثة وتأثيره على النساء والجندر. وقد لجأت تلك الدراسات بالأساس إلى المصادر التعليمية، مثل أعمدة النصائح في الصحف والكتب الدراسية، للبحث في تأثير الأشكال الحديثة للسلطة والسيطرة. وفي النهاية، وخلال تبلور هذا المجال، أصبح هناك اهتمام كبير بتتبع فاعلية النساء في التاريخ، وهو الاهتمام الذي تبلور بشكله الكامل في البحث حول الوعي النسائي والحركات النسائية في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر. إن توفر كتابات نسائية من تلك الفترة قد أثبت أنه عنصر حيوي في تمكين المؤرخين والمؤرخات من استكمال صورة الهوية الأنثوية ومساهمات النساء في هذه الفترة الأخيرة.
في خضم اشتغالهم بقضايا النساء والجندر في المناطق العربية من الإمبراطورية العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كثيرًا ما واجه مؤرخو ومؤرخات الشرق الأوسط ذلك التحدي من منطلق كتابة “تاريخهن” (herstory)، بمعني إعادة النساء الجديرات إلى مكانهن المستحق كفاعلات ذوات شأن على المسرح التاريخي. وأثناء محاولة إلقاء الضوء ورسم صورة لمساهمات النساء كقائدات ومؤثرات، كان بإمكان هؤلاء المؤرخين والمؤرخات الاستفادة من تراث طويل من تسجيل الأساليب والطرق التي ساهمت بها النساء في بناء مجتمعاتهن، وهو تراث محفوظ في أدبيات غنية تتناول السير والتراجم. لقد ولد الاهتمام بقصص حياة المسلمين الأوائل اهتمامًا أكثر عمومية بقصص حياة المسلمين من ذوي الشأن في جميع العصور. ومن هنا تم سرد قصص حياة نساء مسلمات من أزمنة لاحقة، والعالمات من النساء، والنساء من سيدات الأعمال أو عضوات النخب السياسية، وذلك في إطار أوسع من تراث سير الحياة الذي صار معروفًا منذ القرن التاسع عشر بقواميس السير والتراجم، التي لا تزال تمثل مصدرًا هامًا للمعلومات عن النساء ذوات الشأن بشكل عام. ومع ذلك فإن الأعمال الرئيسية الصادرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في المناطق العربية من الإمبراطورية العثمانية تكاد تكون خالية تمامًا للأسف من كل ما يخص النساء. على سبيل المثال، فإن مجموعة المرادي ۱۷۹1/۱۷۹2م، والتي تجمع سير حياة شخصيات هامة في الإقليم السوري، لا تضم سوى سيرة سيدة واحدة فقط من بين ٧٥٣ سيرة حياة. كذلك فإن الجبرتي، المؤرخ المصري الشهير، لم يضم سيدة واحدة ضمن الشخصيات التي يبلغ عددها ٥٤٦ شخصية والتي عرضها في قاموسه الصادر في عام 1821م (Roded 1994، chap. 4). ولا يوجد أمامنا سبيل للتأكد من الأسباب التي أدت بمدوني السير إلى استبعاد النساء. ولسوف نرى فيما بعد أن النساء لم يختفين تمامًا في تلك الفترة من دوائر المتعلمين والمؤثرين الذين مثلوا الموضوعات الأساسية في تلك المجموعات التوثيقية. ولعله كانت هناك أعراف أدبية جديدة لا تشجع على إدراج النساء بسبب القدر العالي من الخصوصية الذي كان يحيط بالنساء في عائلات النخبة، والتي لم تكن تسمح بمناقشة أحوالهن. على كل الأحوال فإن قواميس السير والتراجم التي كان يمكن أن تكون مصدرًا لتاريخ النساء في الفترات الأولى لم تساعدنا فيما يتعلق بالقرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
كذلك فإن السجلات الرسمية للإمبراطورية العثمانية لم تقدم لنا حتى الآن دعمًا كبيرًا في التوصل إلى حقيقة نساء الصفوة في البلاد العربية. لدينا دراسة ليزلي بيرس عن حياة النساء في الحريم الإمبراطوري في فترة سابقة، والتي اعتمدت على وثائق الأرشيف العثماني المركزي وخاصة أرشيف رئيس الوزراء، وأرشيف قصر توبكابي، للتعرف على كيفية حصول نساء الحريم على السلطة الاقتصادية والاجتماعية بل وأحيانًا أيضًا السياسية، وكيفية إدارتهن لها. كما أن بعض وثائق المجموعات الخاصة، على سبيل المثال، تلقي الضوء على ثراء بعض الشخصيات النسائية، على حين تشير المراسلات الكثيرة الرسمية للحريم إلى المناورات السياسية لكثير من النساء من أجل دعم مصالحهن وسياساتهن الخاصة. إن استخدام تلك السجلات وكتابات مؤرخي الإمبراطورية قد سمح لبيرس أن ترسم صورة كاملة إلى حد ما عن نساء الإمبراطورية العثمانية ذوات الشأن في القرنين السادس عشر والسابع عشر (peirce 1993). ولا تتوفر لنا حتى الآن دراسة مقارنة للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لذلك فإننا لا نملك أن نقدر قيمة السجلات الإمبراطورية للفترة التالية على ذلك. لكن تلك المصادر الإمبراطورية كانت دائمًا محدودة حين يتعلق الأمر بالنساء خارج الدائرة الضيقة للسلطة الإمبراطورية، خاصة في حريم السلطان الحاكم. أما النساء خارج النخبة، فهن بالطبع غالبًا غائبات عن السجلات الرسمية وإن كان نفس الأمر ينطبق أيضًا على نساء الصفوة في الأراضي العربية. إن تفاصيل حياة النساء في النخب المحلية بالمدن الكبيرة والصغيرة مثل القاهرة ودمشق وحلب وبغداد والقدس وغيرها لا تظهر كثيرًا، على حد عملنا، في مثل تلك المصادر، رغم أن الأسرة في صفوف النخبة كانت هي الوحدة الأساسية للسلطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أثناء القرن الثامن عشر وجزء كبير من القرن التاسع عشر. ويتضمن الأرشيف الإمبراطوري كمًا كبيرًا من المواد التي لم يتم تداولها حتى الآن والتي تتناول العلاقة بين إسطنبول والأراضي العربية المختلفة، بما في ذلك الفرمانات الإمبراطورية والرد عليها، إضافة إلى التفاصيل المالية للرواتب الرسمية والدخل الإجمالي للدولة وأوجه إنفاق الدولة. كما أننا لا نعلم بعد ما إذا كانت تلك المادة سوف تضيف الكثير في المستقبل إلى ما نعرفه الآن عن نساء النخبة.
مع غياب المصادر الإمبراطورية الوافية والسير الحياتية بحث المؤرخون والمؤرخات في مكان آخر ليتمكنوا من إضافة نساء النخبة إلى السجل التاريخي وفي الحقبة التي كانت فيها السياسة في الأراضي العربية تتميز بهيمنة النخبة المحلية القوية التي سعت إلى احتكار المناصب الرسمية والمصادر الأساسية للثروة، تجد المعلومات عن نشاط النساء والرجال ذوي الشأن موجودة في كتب الحوليات التي ألفها المثقفون المحليون، حيث تسرد تلك الحوليات نقاط تحول الحياة السياسية في المجتمع مع سيطرة الأسر والقطاعات المختلفة على السلطة المحلية وقاعدتها المادية. وقد كانت أسر النخبة في هذا الشأن هي محل النشاط السياسي والاقتصادي المحلي. لذلك فليس مفاجئًا أن يوجه الكثير من المؤرخين اهتمامهم إلى شؤون عائلات النخبة، كما هو مؤرخ لها على المستوى المحلي، لفهم الدور الذي لعبته نساء النخبة.
وفي مصر القرن الثامن عشر على سبيل المثال، كانت الحياة السياسية منظمة حول مجموعات في بيوت المماليك التي كانت عبارة عن وحدات سكانية كبيرة تضم عددًا كبيرًا من الأتباع المخلصين إضافة إلى الزوجات والمحظيات والخادمات في الحريم. وقد أوضحت مؤرخات، مثل جين هاثواي وماري آن فاي مؤخرًا، أن النساء كن يلعبن دورًا هامًا لضمان رخاء واستمرارية الأسرة في تلك الظروف. وقد انتبه الغزاة الفرنسيون إلى أهمية هؤلاء النساء كممثلات للأسرة وذلك في تعاملاتهم مع “ست نفيسة” زوجة المملوك مراد بك والتي كانت تمثل زوجها في القاهرة خلال فترة معارضته للاحتلال الفرنسي لمصر (1798 – ۱۸۰۱م) (Hathaway 1997, 122- 123).وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين قد اقترحوا أن يتم النظر إلى هؤلاء النساء على أنهن “ملكية” سلبية “قابلة للتوريث” يتم نقلها بغض النظر عن رغباتهن، إلا أن هذه الفكرة يكذبها الدور السياسي الفعال جدًا الذي لعبته هؤلاء النساء في ذلك الوقت. فقد استندت امرأة مثل نفيسة إلى خبرتها السياسية وعلاقاتها الواسعة، في غياب زوجها، لتتحايل على الفرنسيين من خلال مناورة شديدة الدقة تجمع ما بين التعاون والمقاومة. وفي نفس الفترة في حلب نجد أنماطًا مشابهة، حيث تحملت نساء النخبة في كثير من الأحيان مسؤولية رعاية ثروة وسمعة الأسرة. وتشير مارغريت ميريويذر في دراستها لعائلات النخبة في حلب في الفترة ۱۷۷۰ – ١٨٤٠م إلى وجود عدد من النساء اللاتي تحملن مثل تلك المسؤولية (Meriwether 1999). وعلى سبيل المثال، فإن عددًا من نساء أسرة عثمان باشا هن اللآتي أدرن أوقاف جامع العثمانية، وهو الإنجاز الضخم الذي قدمه عثمان باشا محافظ المدينة والمولود بها، وقد شملن أخته وابنة أخته وابنته. كذلك يقدم مقال ليندا شيلكر عن نخب مدينة دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وصفًا لأدوار مشابهة قامت بها نساء النخبة (Schilcher 1985). كما أن بعض نساء عائلة العظم، التي تكاد أن تكون أبرز العائلات الدمشقية سياسيًا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لم يقمن بإدارة شؤون ثروات الأسرة فحسب بل فمن أيضًا بتأسيس فروع جديدة للأسرة.
يعلق جميع المؤرخين والمؤرخات الذين درسوا نساء النخبة في تلك الفترة على ذلك الدور الفعال في إدارة الملكية، خاصة فيما يتعلق بالأوقاف الإسلامية. وبالعودة إلى سجلات جلسات المحاكم الإسلامية يمكن أن نرصد أن نساء المماليك وباقي نساء النخبة في المدن العربية كن مدينات بوضعهن في النهاية إلى حجم ممتلكاتهن الضخمة التي حصلن عليها من خلال الإرث وهدايا الزواج والملكية المدرة للدخل. ففي عصر كانت ملكية رجال الدولة فيه عرضة للمصادرة في حال غضب عليهم الحاكم، كانت الكثير من أسر النخبة يفضلون نقل الملكية إلى النساء اللاتي لم يشغلن مناصب رسمية ومن ثم يحمون أنفسهم من خطر فقدان ما يملكون إذا سقطوا خارج دائرة رضا الحاكم. وقد ساعد الوقف، كأداة قانونية، تلك العائلات على حماية ممتلكاتهم. فمن خلال الوقف كان يمكن للفرد تحويل الأملاك إلى وديعة يذهب ريعها إلى أي طرف يختاره صاحب الوقف طالما كان الهدف النهائي هو خدمة هدف ديني أو خيري (ويستمر هذا الأمر عبر الأجيال). بذلك ارتبطت نسبة لا بأس بها من الأملاك في كثير من مدن الإقليم بأعمال الوقف، التي لا يمكن، من الناحية النظرية على الأقل، الطعن عليها.
لقد حددت بعض تلك الأوقاف أمورًا دينية أو خيرية كأهداف مباشرة تستفيد من ريع الوقف. لكن الكثير من الآخرين حددوًا أفرادًا في أسرتهم أو أشخاصًا آخرين كمستفيدين مباشرين من الريع، على حين كان العمل الخيري مستهدفًا تاليًا حين تنتهي سلاسة الأسرة. لقد ركز مؤرخو ومؤرخات النساء والجندر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على الوقف كعنصر هام في توزيع الأملاك بين الجنسين، كما أثبتت الوقفية أنها مصدر غني للمعلومات حول حجم وطبيعة قدرة الإناث على التملك.
على سبيل المثال، في قاهرة القرن الثامن عشر أسست النساء ربع إجمالي ٤٩٦ وقفًا الموجودة في المدينة، من خلال تحويل كافة أنواع أملاكهن – من المحلات والورش والمساكن والمقاهي والحمامات العامة وغيرها – إلى أوقاف (Fay 1994, 34- 35).وفي حلب القرن التاسع عشر أست النساء ما بين ٣٠ –٤٠% من الأوقاف الجديدة (Meriwether 1997, 132 – 133)، من الواضح أن تأسيس تلك الأوقاف عكس الانخراط الشديد للنساء في سوق العقارات الحضرية، إضافة إلى استطاعة النساء التخلص من ممتلكاتهن بالطريقة التي يرغبنها. مع ذلك فقد دار جدل بين المؤرخات والمؤرخون بشأن الأثر الأوسع لتوزيع الملكية ما بين الجنسين. هل كانت نساء النخبة قادرات على توظيف مؤسسة الوقف لتثبيت ملكياتهن لأصول ذات قيمة عالية؟ أم هل أدى تحويل الأملاك إلى أوقاف إلى الذوبان التدريجي لتحكم النساء في الملكية ؟ لقد تبنى جابريل باير الموقف الأخير في دراسته الأولى حول ذلك الأمر والتي نشرت في عام ۱۹۸۳، حيث استنتج، بالاستناد إلى دراسة عن إسطنبول، أن غالبية أملاك الوقف كانت لصالح أفراد الأسرة من الذكور والمؤسسات الدينية التي يتحكم فيها الرجال (Baer 1983).كان الرجال أميل إلى اختيار منتفعين من الذكور. وحتى في الأحوال التي تضمنت مستفيدات من النساء، فإن انتهاء سلالة الأسرة كان يعني أن تتحول فوائد الوقف من أفراد الأسرة إلى المؤسسات. في واقع الأمر، وبدون إنكار فعالية النساء، فإن الوقفيات كانت في الحقيقة تستخدم كوسيلة لنقل التحكم في الملكية من النساء اللاتي ورثنها إلى الرجال وذلك في محاولة لتجاوز النصوص الطبيعية للشريعة الإسلامية التي أعطت النساء حقوقًا في ملكية الأسرة. في أبحاثهما التي تناولت كلا من القاهرة وحلب، شككت كل من ماري آن فاي ومارغريت ميريويذر في ذلك الاستنتاج حيث أشارتا إلى أن النساء كثيرًا ما كن يقمن بأنفسهن بإدارة الوقف، وكن كثيرًا ما يخترن المستفيدات من الإناث. كما كن كثيرًا ما يختارهن الرجال كمستفيدات من الأوقاف، حيث كان يخصص للأقارب من الذكور والإناث نصيب متساو من ربع الوقف وهي ميزة واضحة للإناث عما ورد في القوانين الإسلامية السنية الخاصة بالإرث، والتي حددت للأنثى نصف نصيب الذكر المساوي لها في درجة القرابة. كذلك كانت كثير من النساء يتولين إدارة مختلف أنواع الوقف. ولم يتم منح نساء النخبة نفس القدر من الأوقاف مثلما هو الحال بالنسبة للرجال، كما لم تكن لديهن نفس الفرصة في إدارة الوقف، مع ذلك فإن فعاليتهن العالية في هذا الجانب الهام من النشاط العقاري الحضري يشير إلى الاعتراف بحقوقهن وقدرتهن على التملك وإدارة ممتلكاتهن في تلك الفترة.
كيف تمكنت هؤلاء النساء من الحصول على تلك السلطة؟ ولماذا كانت النساء تؤتمن على ثروات الأسرة بل ومستقبل الأسرة في نظام اجتماعي ذي طابع أبوي واضح؟ على حين تتفق ميريويذر على وجود سلطة رب الأسرة القوي والضعف النسبي لأفراد الأسرة الأقل منه مكانة (شباب الرجال وجميع النساء)، إلا أنها لا تتفق مع تحليل دينيز كانديوتي بأن الشخصيات الأمومية كانت تمارس تلك السلطة فقط من خلال تبني ودعم النظام الاجتماعي القائم في “مساومة أبوية” (Meriwether 1999, 103 – 104, 108). كما وجدت أيضًا أن وجهة نظر بيرس بأن النساء المتقدمات في السن استطعن الاستفادة من تراتبية العمر في تحسين وضعهن في الأسرة، وهو ما ينطبق على تجربة نساء النخبة في حلب اللآتي كان نفوذهن يتبدل بشكل جذري مع تقدمهن في العمر. ومع ذلك لم يكن من المستحيل على النساء الأصغر سنًا أن يثبتن أنفسهن، فقد طالبت النساء بحقوقهن الواردة في الشريعة الإسلامية كالمطالبة بنصيبهن في الميراث على الرغم من معارضة أقاربهن من الرجال، على سبيل المثال، أو كأن يقمن بدور الوصيات على أبنائهن القصر بما يعنيه ذلك من الإدارة الكاملة لممتلكاتهم. ولم يكن النظام الأبوي بالنسبة لهؤلاء النساء من النخبة شيئًا واحدًا منسجمًا وجامدًا، فقد كان في مقدورهن استغلال التناقضات داخل النظريات القانونية والاجتماعية للأسرة الأبوية لتمرير أغراضهن الخاصة. ولقد أنجز المؤرخون والمؤرخات لتلك الفترة تقدمًا كبيرًا في توثيق تلك المناورات في جهد من أجل تمكين هؤلاء النساء من استعادة مكانتهن الحقيقية في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي.
لقد اتخذ مؤرخو ومؤرخات المنطقة العربية في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر عدة مبادرات في محاولة لتضمين النساء “العاديات” في السردية التاريخية. وقد تم استخدام سجلات المحاكم الإسلامية التي لعبت دورًا هامًا في استرجاع فعاليات نساء النخبة وتوظيف تلك السجلات في مجالات أخرى أيضًا. ولم تكن نساء النخبة هن الوحيدات اللاتي ذهبن بشؤونهن إلى المحاكم بغرض التسجيل أو استصدار حكم قضائي، فالنساء الأقل حظًا لجأن أيضًا إلى القضاء من أجل بيع أو شراء ممتلكات صغيرة أو لتوثيق حالات الطلاق، أو للادعاء في أمور بسيطة، أو للاعتراض على تعديات على حقوقهن. إننا محظوظون بأن يكون لدينا مجموعات كبيرة من تلك السجلات للفترة ما بين عام ۱۷۰۰ وعام ۱۹۰۰م في الإقليم العربي من الإمبراطورية العثمانية. فالكثير من المدن الكبيرة والصغيرة احتفظت بتلك السجلات الصادرة من المحاكم الإسلامية المحلية، كما أن الكثير من تلك السجلات ما زالت موجودة فعليًا. وفي بعض البلدان(مصر وسوريا)، تم تجميع تلك السجلات في أرشيف مركزي تابع للدولة، على حين ما زال يمكن العثور عليها في المحاكم المحلية في بعض البلدان الأخرى (فلسطين). ومثلما هو الحال مع نساء النخبة، فقد تمت قراءة تلك السجلات في المحل الأول من أجل توثيق الدور الفعال الذي لعبته النساء العاديات في الاقتصاد الحضري. فقد لعبت النساء الفقيرات، على سبيل المثال، دور الرابط ما بين المستهلكين الأثرياء تحريم النخبة وبين عالم التجارة: إن “الدلالات” على سبيل المثال فمن بتموين قاطنات النخبة في الحريم المعزول بالسلع التي يحتجن إليها، كما كن يقمن بصغار الأعمال الاقتصادية ويلاحقن المديونين في المحاكم. وكانت أخريات من النساء يدرن مشروعات صغيرة أغلبها في صناعة الأغذية مثل عمل المخبوزات وعصر الزيوت (Tucker 1985، 82 – 85). وعلى الرغم من وجود أدلة كثيرة على أن النساء في الحضر والريف كن يعملن في أكثر من حرفة، وخاصة حرفة النسيج، في كافة أنحاء المنطقة إلا أن غالبية تقارير النشاط الحرفي لا توفر سوى القليل من المعلومات عن عدد النساء العاملات في تلك المجالات أو الظروف التي عملن فيها. فالكثيرات من الحرفيات كن يعملن نصف الوقت في إطار منزلي وبالتالي كانت الأعباء المنزلية تطغى على عملهن الحرفي. كذلك فإن غالبية نقابات الحرفيين لم تكن تسمح بعضوية النساء مما أدى إلى حرمان النساء العاملات من كل من الاعتراف والحماية التي توفرها تلك النقابات. ومع ذلك فقد نجح مؤرخو ومؤرخات الجندر في الكشف ولو جزئيًا عن عالم العمل النساني، وبالأساس من خلال سجلات المحاكم الإسلامية في المدن المختلفة من المنطقة. ففي سجلات المعاملات المالية والميراث نجد الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن نساء الحضر والريف كانت لهن مساهمات هامة في إنتاج الملابس الحريرية والقطنية من خلال الغزل باستخدام العجلة أو فلكة المغزل. كذلك كانت هناك أعمال أخرى، حضرية بالأساس، جذبت النساء إلى مختلف الأعمال الخدمية، بما في ذلك البيع بالتجزئة وطهي الأطعمة الجاهزة وإدارة الحمامات العامة والترفيه الموسيقي. وعلى العكس من نظيراتهن في دوائر النخبة فإن هؤلاء النساء لم يسعين إلى نمط الحياة المعزول: فقد تطلبت تلك الأعمال أن تتمتع النساء بحرية الحركة، فكانت هؤلاء النساء كثيرًا ما يرحن ويجئن في الجوار ويظهرن في المحاكم لمتابعة مصالحهن. إلا أنه من المهم هنا أن نلفت النظر إلى أن سجلات المحاكم تلك هي في أغلبها وثائق تخص تسوية الخلافات. فالقضايا، كما هي مطروحة في أوراق المحاكم، قد تعكس تفسير المحاكم للأحداث أو الاتفاقات التي تم التوصل إليها من قبل الأطراف المتنازعة قبل أن تصل القضايا إلى قاعات المحاكم. ولا يمكن التأكد من كيفية التطبيق الفعلي لقرارات المحكمة. مع ذلك، وفي غياب أية مصادر أخرى لمواد تتناول النساء العاديات، فإن سجلات المحاكم تظل مصدرًا هامًا.
مع قيام المؤرخين والمؤرخات بدراسة الأنشطة الاقتصادية للنساء العاديات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لفتت نظرهم الآثار المترتبة على بعض التطورات التي طرأت في القرن التاسع عشر. فقد بدا وكأن الإدماج المتزايد للمنطقة في اقتصاد أوروبا الغربي قد أثر بأشكال متباينة على حياة النساء في المناطق الريفية والحضرية، حيث تم القضاء التام تقريبًا على بعض الحرف الإنتاجية والأنشطة الخدمية التي كانت أغلبية النساء تعمل بها، مثل الغزل المحلي وإنتاج الصبغات لعمال النسيج، وذلك نتيجة للمنافسة الأوروبية. وعلى العكس من ذلك، فإن الطلب الأوروبي على بعض المنتجات قد أدى إلى زيادة الإنتاج بشكل كبير : فعلى سبيل المثال أدى الطلب العالي على الحرير الخام إلى حدوث انفجار في الإنتاج وتحول المصانع إلى منطقة جبل لبنان. وقد كان لاستخدام النساء في الكثير من مصانع القرن التاسع عشر في المنطقة العربية نتائج غير متوقعة. فمن ناحية لم تؤد المشاركة العالية للنساء في تلك القوى العاملة الصناعية النمطية بالضرورة إلى حدوث أية زيادة طويلة المدى في النشاط الاقتصادي للنساء. فبعد تفكيك مصانع لبنان ومصر كجزء من عملية الإدماج الاقتصادي، وجدت الكثير من النساء أنفسهن عاطلات عن العمل بدون بدائل تذكر. ومن ناحية أخرى فإن تجربة العمل بأجر بالنسبة النساء، بل وفي أحيان كثيرة بالدرجة التي تجعل لهن وزنًا كبيرا من حيث مساهمتهن الهامة في دخل الأسرة، قد مهدت لخلق نظرة جديدة إلى النساء وقدراتهن كعاملات وكاسبات للرزق في الحياة العامة. وقد قام المؤرخون والمؤرخات مؤخرًا بدراسة مواقف هؤلاء النساء وإدراكهن لتلك الأدوار الجديدة، وذلك من خلال حكايات التاريخ الشفهي في محاولة لفهم كيفية تغير الأفكار حول الجندر والعمل بشكل جذري في تلك الفترة (Khater 2001, chaps. 2, 3)
كذلك بدا الأمر وكأن النساء ينتزعن لأنفسهن مساحة في الحياة العامة في مجالات أخرى أيضًا. فقد قام المؤرخون والمؤرخات بدراسة التغيرات التي طرأت على مشاركة النساء العامة في الحياة السياسية، خاصة في ظل بزوغ الحركات القومية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وخاصة في مصر، وهي المنطقة التي نملك أكثر المعلومات التفصيلية بشأنها على شكل وثائق تاريخية سياسية كتلك التي أصدرها الدمرداشي والجبرتي. لكن، هل تغير تأثير الجندر على الفعل السياسي مع نهاية القرن التاسع عشر ؟ لدينا مؤشرات بأن النساء استمررن في لعب دور هام في الأنشطة السياسية الجماهيرية، التي شهدت مزيدًا من التنظيم في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر وفي ميلاد الحركات القومية في بدايات القرن العشرين. وعلى سبيل المثال، فإن التقارير الصحفية تسمح لنا بأن نستنتج أن النساء المصريات كان لهن دور كبير في ثورة ۱۹۱۹: فقد سارت النساء، المحجبات والمعزولات عن الحياة العامة، في مظاهرات جماهيرية ضخمة عكست عمق المعارضة الشعبية للوجود البريطاني. كذلك فإن النساء في سوريا نظمن مظاهرة نسائية ضخمة دعمًا للحركة الوطنية أثناء زيارة وفد كينغ – كراين لدمشق في نفس السنة. وفي فلسطين أيضًا بدأت النساء في الظهور في المظاهرات المعادية للصهيونية في العشرينات (Fleischmann 1999, 111). وكانت تلك المشاركة تقطع عبر الخطوط الطبقية، فلم تكن نساء الطبقات الفقيرة فقط من ملأن الشوارع بالمظاهرات، وإنما نساء الطبقات العليا أيضًا. فقد أعادت متطلبات النضال الوطني صياغة القواعد التي كانت تحكم التواجد في الحيز العام من قبل النساء والرجال، حتى بين دوائر النخبة. لقد جذب النضال من أجل الاستقلال نساء الطبقات العليا من منازلهن ومنحهن الشرعية كفاعلات سياسيات. ورغم احتفاظهن ببعض القيود التقليدية، مثل تغطية وجوههن أو عدم الاختلاط بين الجنسين في الفعاليات، إلا أن أحدًا لم يشكك في حقهن بل ومسؤوليتهن في النهوض لدعم الأمة. ويتفق المؤرخون والمؤرخات أن تلك الفترة الوطنية الأولى كانت هامة جدًا بالنسبة لما تلاها من تطورات، فقد ركزت المنظمات النسائية التي تشكلت بأعداد كبيرة بعد الحرب العالمية الأولى على حقوق النساء، كما كانت الحملات المنظمة حول قضايا التعليم العالي للنساء والحق في التصويت والإصلاح القانوني هي الإرهاصات الأولى للنشاط النسائي الذي تعبأ في البداية على دعم الاستقلال الوطني. وبشكل عام، كان الحس في ذلك الوقت حسًا متفائلاً، بينما خيبة الأمل التي أعقبت فترات المطالبة بالاستقلال كانت لا تزال في المستقبل البعيد على الأقل فيما يخص النساء وقضايا الجندر. فقد توقعت نساء النخبة اللآتي وصلن حديثًا إلى ساحة السياسة العامة أن يكتسبن مزيدًا من القوة بالتوازي مع تزايد قوة الوطن.
كان المؤرخون والمؤرخات أكثر نجاحًا في مناقشة وتوثيق مساهمات نساء النخبة في الحركة الوطنية عن مساهمات النساء “العاديات“. ويقع الذنب هنا إلى حد كبير على انحياز المصادر، حيث أن المذكرات والتقارير الصحفية التي نعتمد عليها هنا في التعرف على تاريخ الحركات السياسية في تلك الفترة لم تحمل الكثير عن المشاركة من خارج دوائر النخبة، سواء من بين الرجال أو النساء، باستثناء بعض الإشارات من حين لآخر إلى المظاهرات الشعبية. كذلك فإن التاريخ الشفهي يلقي فقط بعضًا من الضوء على القرن التاسع عشر. فهناك الكثير علينا أن نتعلمه عن مشاركة النساء العاديات في السياسة في تلك الفترة.
في سياق التحديات المفروضة من قبل التدخلات الأوروبية إلى جانب التغيرات التي طرأت على طبيعة وسلطة الدولة المحلية بدأ مختلف المثقفين والمثقفات وكذلك المطبوعات المتنوعة في أواخر القرن التاسع عشر في إثارة الجدل حول طيف واسع من الموضوعات الأخرى التي تخص النساء والجندر والتحدي الذي تمثله الحداثة. لقد ازداد اهتمام المؤرخين والمؤرخات بخطاب برز حول نهايات القرن التاسع عشر عن المرأة “الجديدة” أو “الحديثة“، وأصبح يهيمن على الكثير من المناقشات التي تتناول النساء والجندر في المنطقة واستمر هذا الجدل دائرًا حتى القرن العشرين. باختصار قام هذا الخطاب بتعريف صفات “المرأة الجديدة” القادرة على مساعدة مجتمعها وأمتها على النجاح في العالم الحديث في مقابل المرأة “التقليدية” الغارقة في العادات التقليدية والممارسات التي عفا عليها الزمن. فالمرأة الجديدة يجب أن تكون قادرة على أن تدير منزلاً حديثًا مجهزًا بكامل وسائل الراحة الحديثة وأن تتفاعل اجتماعيًا وأن تربي أبناءها ليصبحوا مواطنين حديثين وأن تعيش كشريك لزوجها وأن تكون محل ثقته. ويشير المؤرخون والمؤرخات إلى مجلات كانت تروج لقيمة عدد من المنتجات الاستهلاكية، وتعرف النساء بالأدوية وأدوات التجميل والأدوات المنزلية بل وحتى الدراجات وكلها قادرة على مساعدتها في أداء تلك المهمة، إضافة إلى كتب ترشد الفتيات في فنون إدارة المنزل الحديث. لقد كان لكل تلك الأنشطة والمنتجات قيمتها عندئذ لأنها كانت بالأساس تساهم في المهمة الكبرى في ذلك الوقت وهي تأسيس مجتمع حديث وأمة حديثة.
وبالاستناد إلى حد كبير على المجلات والمناهج التعليمية في تلك الفترة، دار جدل المؤرخين والمؤرخات حول مدى دور مفهوم المرأة الجديدة في فتح المجالات أمام فرص جديدة. فقد كان على المرأة أن تكون على درجة وافية من التعليم كي تستطيع لعب دور الأم المدرسة، والزوجة الرفيقة. لكن لم يعد من الممكن أن يترك أمر تعليم الإناث للتناول العشوائي في تعليم المساجد القديم أو للتدريس الفردي في المنزل كما كان الوضع في النظام القديم. ومن ثم انتشرت الدعوة حول قضية التعليم العالي للنساء في مختلف أنحاء المنطقة. ففي مصر، حين طالب قاسم أمين بتعليم النساء في كتابه تحرير المرأة الصادر في عام ۱۸۹۹م، قد وضع مطلبه في سياق ضرورة تعليم النساء بحيث يصبح في استطاعتهن تربية أبنائهن – ماديًا وثقافيًا وأخلاقيًا – لكي يصبحوا رجالاً في خدمة تنمية الأمة المصرية (Shakry 1998, 131 – 132) كذلك فإن الاعتبارات الطبقية كانت محل الاعتبار في تحديد التعليم الملائم للإناث: فقد خاطبت النصوص المصرية في تلك الفترة كلا من نساء الطبقات العليا والوسطى بشكل مختلف. فقد كان على نساء الطبقة العليا دراسة منهج يركز على الاقتصاد المنزلي وإن كان يشمل أيضًا اللغات الأجنبية والفنون الجميلة وربما بعض العلوم الدينية والفرنسية ودروس البيانو. أما منهج فتيات الطبقة الوسطى فقد كان أكثر محافظة، فركز بشكل تام تقريبًا على أساليب جديدة في الطهي والنظافة ورعاية الأطفال (Russell 1997, chap. 5) .لكن في جميع الأحوال، كان دور المرأة الجديدة المنزلي يحتاج إلى أنواع ومستويات جديدة من التعليم مما أدى إلى حدوث توسع هام في فرص التعليم للفتيات. فقد ركز المنهج الدراسي للفتيات في بداية القرن العشرين على تطوير مهاراتهن كزوجات وأمهات، الأمر الذي قد يبدو لنا اليوم شديد المحدودية والتمييز. ومع ذلك فإن المؤرخات والمؤرخين يتفقون على أنه كان بمثابة حصان طروادة لتحقيق الإمكانيات طويلة المدى المطروحة أمام تعليم النساء. فطالما أن الباب قد فتح أمام تعليم النساء من أجل القيام بأدوارهن كربات منزل، فقد وضع الأساس للتوسع اللاحق (في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين وما بعدها) في تعليم النساء بحيث يشمل غالبية المجالات المهنية.
إلا أن بعض المؤرخات والمؤرخين يجادلون بأن خطاب “المرأة الجديدة” قد وضع قيودًا هامة وطويلة المدى على النساء. فبالاستناد إلى النقد ما بعد الحداثي لخطابات وآليات الدولة الحديثة، يمكن القول بأن المرأة الجديدة كانت موضوعًا منضبطًا من قبل الدولة مع منحه دورًا شديد المحدودية. وحتى في الحالات التي جيء فيها بالنساء إلى مجالات تبدو جديدة، مثلما كان الحال في تأسيس مدرسة لتدريب النساء كطبيبات في مصر في عهد محمد علي، لم يكن الأمر كله تحرريا كما قد يبدو. فقد قامت الدولة. المصرية بتأسيس “مدرسة المولدات“، كما أطلق عليها من أجل تدريب النساء القادرات على فرض برامج الصحة العامة الموضوعة من الدولة والتي تستهدف التحكم في الأمراض الوبائية وتنظيم السكان بهدف تحسين عدد أفراد الجيش المصري وحالتهم الصحية. وقد تبوأت الخريجات مواقعهن في خدمة الدولة، حيث شملت واجباتهن توليد الأطفال وتسجيل المواليد والكشف على الوفيات من النساء لتحديد أسباب الوفاة ومتابعة برامج التطعيم وفرض أوامر الحجر الصحي. وفي أحيان كثيرة كان يتم ضم النساء إلى تلك المدرسة بالقوة، وكانت حياتهن تحت السيطرة الكاملة للدولة إلى حد تعيينهن في وظائف بدون أي تشاور معهن بل وترتيب زيجاتهن أحيانًا، ويؤكد خالد فهمي، الذي درس مدرسة المولدات بالاستناد أساسًا على وثائق الدولة المصرية، على الطابع المتناقض لمشروع الحداثة هذا وغيره من المشروعات: فقد كان يتم منح النساء فرصًا جديدة بينما يتعرضن لأشكال أكثر قوة من تحكم الدولة والسيطرة الاجتماعية (Fahmy 1998). لكنهن كن أيضًا يوسعن من إمكانياتهن في الفعل في نفس الوقت الذي كن يساعدن فيه الدولة على تقييد حرية نساء أخريات في أن يتصرفن كما يشأن فيما يتعلق بأمور الصحة والتكاثر.
إن الكثير من أبحاث الجندر والخطاب القانوني في تلك الفترة تناول التأثير المزدوج لسيف الحداثة. فالمؤرخات والمؤرخون الذين درسوا كلا من الممارسات القانونية وتطور النص القانوني من خلال قراءة الأدبيات القانونية الإسلامية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، يتساءلون عما إذا كان بناء الدولة الحديثة قد حمل معه تقدمًا للنساء في المجال القانوني. فالمرونة والتباين في النظام القانوني الإسلامي التقليدي، الذي كان لا يزال نافذًا في خلال جزء كبير من تلك الفترة، أتاحا للنساء درجة ما من حرية الاختيار في تعاملهن مع القانون. ففي أمور الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والوصاية، وفي عدد من الحقوق والواجبات الزوجية والأسرية، كانت النساء في أحيان كثيرة قادرات على تقديم مطالبهن وتأكيد حقوقهن وذلك بدعم كامل من رجال الإفتاء والقضاء المحليين الذين بدوا وكأنهم قادرون ومستعدون للأخذ في الاعتبار الاحتياجات والظروف الفردية الخاصة (Tucker 1998). وشهدت الفترة الأخيرة قيام بعض المؤرخين والمؤرخات بالبحث في تلك الإصلاحات المرتبطة بالدولة الحديثة، والتي دعت إلى ثقافة قانونية أقل مرونة وأقل يسرًا، وآثارها على النظام القانوني وكيف كان ذلك عائقًا أمام قدرة كل من النساء والرجال على الحصول على أحكام لصالحهم (أنظري/ أنظر Sonbol 1996).
وهكذا نجد أن ظاهرة “المرأة الجديدة” كانت في الواقع ظاهرة مركبة. فالنساء، على الأقل نساء الطبقة الوسطى، أصبحن أكثر قدرة – من حيث حصولهن على التعليم والاحترام – كفاعلات ينتقدن نشأة المنزل الحديث، الذي هو بدوره عماد الأمة الحديثة. ولكن كان يمكن أيضًا أن يغرقن في هذا النوع من الحياة المنزلية المحاصرة في نظام معقد من الانضباط الذي تملك منهن وسخرهن في خدمة أزواجهن وأبنائهن والأمة، على حساب وقتهن ومتعتهن ثم حريتهن الخاصة. وفي نفس الوقت كانت النساء محرومات من بعض السيل القانونية التقليدية للتأكيد على حقوقهن. ومع ذلك، فإن بعض تلك التغيرات في الآفاق المتاحة أمام النساء ساهمت في حدوث صحوة واضحة في الوعي النسائي، وهو موضوع آخر أساسي في كتابة تاريخ النساء والجندر في تلك الفترة.
عرف الجزء الأخير من القرن التاسع عشر أيضًا على أنه الفترة التي بدأت فيها النساء أنفسهن في طرح الأسئلة، وتناقص صمتهن مع مرور الزمن، وذلك فيما يتعلق بدور كل من النساء والرجال في المجتمع. فخطاب المرأة الجديدة، الذي ركز على الحاجة إلى إشراك النساء في بناء الأسرة الحديثة، استدعى التأمل حول كيف يمكن للنساء أن يرفعن من شأنهن. ففي بعض كبرى المراكز الحضرية في المنطقة – في القاهرة ودمشق على سبيل المثال – بدأت الكاتبات في كتابة المقالات حول القضايا النسائية في الصحافة الدورية السائدة. وبحلول التسعينات من القرن التاسع عشر تأسس عدد من الدوريات النسائية التي تبنت “القضايا النسائية” واعتمدت بالأساس على كتابات النساء. وقد اعتبرت النساء المساهمات في تلك المجلات أنفسهن طليعة “صحوة” النساء الإقليمية، وهي عبارة تتكرر بانتظام في مقالاتهن. وقد لاحظت بيت بارون، التي قامت بعمل دراسة دقيقة للدوريات النسائية في تلك الفترة في مصر، أن تلك الصحافة كانت تغطي طيفًا واسعًا من الموضوعات ذات الصلة بالقضايا النسائية. فعلى حين كان الكثير من المقالات يتناول فقط الأمور ذات الصلة بإدارة المنزل وتربية الأبناء، إلا أن بعضها قد تناول أيضًا أمورًا أكثر خلافية. فقد كتبت النساء دفاعًا عن التوسع في تعليم الإناث، وضد عمالة الأطفال ودفاعًا عن الإصلاح القانوني، وخاصة فيما يتعلق بوضع حد أدنى لسن الزواج للقضاء على زواج الأطفال Baron 1994)).
لم يكن لكل المراكز الحضرية فخر إصدار المجلات النسائية، ففي المدن الأصغر مثل مدينة القدس لم تظهر صحافة نسائية مستقلة في تلك الفترة رغم أن النساء ساهمن في المجلات التي يقوم الرجال بتحريرها. كما لا يجوز أن نتجاهل الطبيعة المحدودة ولاشك لقراء المجلات والمقالات النسائية. فمحرر المجلة النسائية في القاهرة في بداية القرن العشرين، على سبيل المثال، كان سيسعد لو تجاوز التوزيع ألف نسخة. وقد كان قراء تلك المجلات هم مجموعة صغيرة من الشابات المتعلمات كما ساهمن أيضًا في كتابة موضوعاتها. لكن في عوالم النخبة المنغلقة على ذاتها اجتماعيًا، ومع ظهور الطبقة الوسطى، يجب أيضًا أن نضع في اعتبارنا وجود أعداد كبيرة من المستمعين، حيث كانت بعض النساء الأميات يتعرفن على محتوى تلك المجلات من أقاربهن أو من يعملن في خدمتهم. كذلك من غير الحكمة أن نقيس تأثير تلك المطبوعات قياسًا عدديًا فحسب، فالنساء اللاتي استخدمنها للبحث والتواصل حول الأفكار كن نساء مؤثرات كل في إطار مجتمعها فيما يخص علاقاتهن الأسرية ونشاطهن العام. ومع ذلك، فإن ارتفاع مستوى الأمية بين النساء في تلك الفترة، وحقيقة أن غالبية النساء كن لا يزلن يعشن في المناطق الريفية بعيدًا عن المراكز الحضرية التي كانت تصدر تلك المطبوعات هي أمر يشير إلى الانتشار المحدود للأفكار التي كانت تدعو لها تلك المطبوعات.
لكن الدافع إلى تحسين وضع النساء أتى ثماره الحقيقية رغم ذلك مع تكوين مختلف الجمعيات النسائية. فلم تقتصر أوجه تفاعل النساء في الحيز العام على دعم الحركة الوطنية الوليدة، وإنما أقبلن على طيف من الأنشطة استهدفت تحسين أحوال الكثير من النساء الأخريات بما في ذلك النساء الأقل حظًا. وقد اتخذت تلك الفعاليات شكلاً تنظيميًا جديدًا، فقد أسست نساء الطبقة العليا عددًا من المجموعات لتجميع جهودهن الخيرية. فعلى سبيل المثال، هناك مجموعة “أخوات المحبة” التي تأسست في لبنان في عام ١٨٤٧م والتي دعمت مدرسة للفتيات ودارا للفتيات الجانحات. وفي عام ۱۹۰۳م تأسست جمعية المساعدة الأرثوذكسية للفقيرات التي قامت على توفير بنود جهاز العروس للفتيات المحتاجات. كذلك أقامت “مبرة محمد علي” مستوصفًا لتوزيع الأدوية المجانية على فقراء النساء والأطفال في مصر في عام ۱۹۰۹م. إن الطبيعة الخيرية الغالبة على تلك المنظمات لا يجوز أن تمنعنا من التعرف على الدور الهام الذي لعبته في بلورة وعي النساء وقدراتهن. وقد أشار المؤرخون والمؤرخات إلى مدى تأثير خبرة النشاط في المجال الخيري على إخراج هؤلاء النساء من بيوتهن وفتح عيونهن على عمق مشاكل مجتمعهن. فمن خلال تنظيم أنفسهن من أجل مساعدة النساء الأكثر فقرًا، أصبحت نساء الطبقات الوسطى والعليا أكثر ثقة في قدراتهن، كما أصبحن أكثر ارتياحًا في نظرة الرأي العام لهن. فقد بدأن في تأمل أحوالهن بأسلوب أكثر تنظيمًا من خلال المناقشات والمحاضرات المدعومة من قبل عدد من الأندية والجمعيات الأدبية التي بدأت في الانتشار. ومع بداية الحرب العالمية الأولى كانت غالبية المراكز الحضرية الكبرى تضمن عديدًا من الجمعيات النسائية التي تأسست بهدف تعليم الذات.
لقد ساعدنا المؤرخون والمؤرخات في مراجعة أفكارنا بشأن الدور الذي لعبته النساء أنفسهن في تلك الفترة الحرجة، وذلك من خلال مناقشاتهم لتطور الكتابات والمنظمات النسائية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين والتي استندت إلى قراءتهم لكتابات النساء في الصحافة إضافة إلى بعض المذكرات المختارة. إن موجة الاحتياج العام لتناول قضايا الجندر، خاصة فيما يخص تأثير بناء الدول والمجتمعات الحديثة، حفز على قيام مستوى عال من المشاركة النسائية في كل من مجالات الفكر والفعل. وتراجعت الفكرة القديمة بأن قضية النساء كانت إلى حد كبير مقتصرة على المثقفين الإصلاحيين من الرجال لصالح نظرة أكثر تنوعًا تعترف بمختلف النساء اللآتي مارسن الكتابة والعمل التنظيمي في تلك الفترة. إن هذا التركيز على الفعل النسائي كمدخل للتغيرات الضخمة التي شهدتها بداية القرن العشرين تميز الكثير من الأبحاث الحديثة التي تناولت النساء والجندر في تلك الفترة.
إن الإنجازات الفعلية للمؤرخين والمؤرخات في هذا المجال، كما أشرنا فيما سبق، لا يجوز أن تجعلنا نغفل التحديات والمشكلات الكثيرة التي نواجهها. إن دراسة النساء والجندر في الأراضي العربية من الإمبراطورية العثمانية لا تزال حديثة كما أن قائمة الأبحاث لا تزال محدودة. وما زالت هناك مناطق كبيرة تكاد أن تكون مهملة تمامًا، سواء على المستوى الإقليمي أو من حيث الموضوع.
ومن الناحية الإقليمية، حصلت بعض المناطق، مثل مصر –وفلسطين وسوريا والجزائر وتونس بدرجة أقل – على نصيب الأسد من الانتباه. لكننا نكاد لا نجد أي دراسات عن النساء والجندر في العراق أو بلدان الخليج في الفترة العثمانية على سبيل المثال. وبدرجة ما فإن تلك مشكلة تخص المصادر، فندرة المصادر المكتوبة عن تاريخ الخليج قبل القرن العشرين تقف عقبة أمام أي بحث تاريخي. ثم أنها بدرجة ما أيضًا مشكلة تخص القدرة على الوصول إلى بعض الأماكن، حيث أن الصعوبات المحيطة بعمل الأبحاث في بعض البلدان مثل السعودية والعراق جعلت من الصعب الوصول إلى المصادر المحلية والتي تمثل أهمية شديدة بالنسبة للعمل في مجال تاريخ الجندر. إن تناول أوجه القصور تلك، بقدر الإمكان، يجب أن يكون ضمن أولويات البرامج البحثية.
أما من ناحية الموضوع، فما زال هناك الكثير الذي يجب عمله. فالتاريخ التعويضي ما زال أمامه دور هام ليلعبه، حيث أننا نفتقد عنصري النساء والجندر في كثير من الرصد التاريخي التقليدي للأراضي العربية في الفترة العثمانية. وما زلنا نواجه تكتم المصادر فيما يتعلق بالطرق التي ساهمت بها النساء في اقتصاد وسياسة مجتمعاتها، سواء كن على قمة السلطة أو في الأحياء والقرى الأكثر تواضعًا إن البحث في المصادر المحلية لنتكهن بأشكال السلطة والمشاركة النسائية ما زال مهمة أساسية. كذلك هناك مناطق أكثر تخصصًا في البحث التاريخي ظلت حتى الآن دون أن يتناولها أحد. ولا يزال أمامنا البحث بمنهج منظم في موضوع الجسد الأنثوي، كموضوع للفكر الطبي والممارسات الشعبية في تلك الفترة، وهو الموضوع الذي أثمر البحث فيه الكثير في مجال تاريخ النساء والجندر في أماكن أخرى من العالم. أما تناول صياغة الجندر في الأدب فلم يتم سوى بشكل جزئي فقط وبأسلوب غير مترابط. كذلك، فقبل ظهور الخطاب الحداثي في ثمانينات القرن التاسع عشر لم يكن لدينا أية معلومات عن جوانب هامة في حياة النساء، بداية من أنماط تعليم الإناث وحتى الروابط الأسرية، وقد بدأنا الآن نلمح بدايات قيام بحوث جادة في بعض تلك المجالات، ويمكننا أن نتوقع ظهور بعض الإصدارات الجديدة حول تلك المجالات المهملة حتى الآن.
ومحصلة الأمر هي أنه رغم الجهود الكبيرة التي شهدتها العقود القليلة الماضية، إلا أن تاريخ النساء والجندر في الإقليم العربي من الإمبراطورية العثمانية لم يلق قدر الاهتمام الذي شهدته المنطقة العربية في القرن العشرين من ناحية أو قلب الإمبراطورية العثمانية من ناحية أخرى. ومع ذلك، ومع فورة الاهتمام بتاريخ المنطقة العربية في فترة التكوين الحالية، وكذلك الاهتمام بموضوعات النساء والجندر، يمكن أن نتوقع وأن نمني أنفسنا بحدوث ارتفاع في معدل البحث والنشر.
أ. دمرداشي، كتاب الدرة المصانة في أخبار الكنانة، القاهرة ١٩٨٩.
أ. العمادي، العقود الدرية، تحقيق ابن عابدين، القاهرة ۱۸۸2/ ۱۸۸3.
ع. الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، القاهرة ١٩٥٩ – ١٩٦٧.
ك. الرملي، كتاب الفتاوى الخيرية لنفع البرية، القاهرة ١٨٥6/ ١٨٥7.
ك. المرادي، سلك الدرر في أعيان القرن الثامن عشر، القاهرة ۱۷۹1/ ۱۷۹2
م. المهدي، الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية، القاهرة ١٨٨٣ – ١٨٨٦.
Primary Sources
Q. Amin, The liberation of women, trans, S. Peterson, Cairo 1982.
I. Eberhardt. The passionate nomad. The diary of Isabelle Eberhardt, trans. N. de Voogd, London 1987.
L. D. Gordon, Letters from Egypt (1862-1869), London 1969.
M. Mishaqa, Murder, mayhem, pillage and plunder. The history of the Lebanon In the 18th and 19th centuries, trans. W. M. Thackston, Albany, NY. 1988.
M. W. Montagu, Letters from the Levant during the embassy to Constantinople, 1716-18, New York 1971.
M. E. Rogers, Domestic life in Palestine, New York 1989.
H. Sha’raw, Harem years. The memoirs of an Egyptian feminist (1879- 1924), trans. M. Badran, New York 1987.
Secondary Sources
L. Abu-Lughod (ed.), Remaking women. Feminism and modernity in the Middle East, Princeton, N.J. 1998.
L. Ahmed, Women and gender in Islam. Historical roots of a modern debate, New Haven, Conn. 1992.
M. Badran, Feminists, Islam and nation Gender and the making of modern Egypt, Princeton, N.J. 1995.
G. Baer, Women and waqf. An analysis of the Istanbul tahrir of 1546, in African and Asian Studies 17 (1983), 9 – 27
B. Baron, The women’s awakening In Egypt. Culture, society and the press, New Haven, Conn. 1994.
L. Beck and N. Keddie (eds.), Women in the Muslim world, Cambridge, Mass. 1978.
M. Booth, May her likes be multiplied Biography and gender politics in Egypt, Berkeley 2001.
J. Clancy-Smith, Rebel and saint. Muslim notables, populist protest, colonial encounters (Algeria and Tunisia, 1800- 1904). Berkeley 1994.
J. R. 1. Cole, Feminism, class, and Islam in turn-of-the-century Egypt, in International Journal of Middle East Studies 13 (1981), 394 – 407.
-, Modernity and the millennium. The genesis of the Baha’I faith in the nineteenth-century Middle East, New York 1998
K. Cuno, Joint family households and rural notables in 19th-century Egypt, In International Journal of Middle East Studies 27: 4 (1995), 485 – 502.
F. Davis, The Ottoman lady. A social history from 1718 to 1918, New York 1986.
B. Doumani, Rediscovering Palestine Merchants and peasants in Jabal Nablus, 1700-1900, Berkeley 1995.
A. Duben and C. Behar, Istanbul households. Marriage, family, and fertility. 1880-1940, Cambridge 1991.
K. Fahmy, Women, medicine, and power in nineteenth century Egypt, in L. Abu-Lughod (ed.). Remaking women. Feminism and modernity in the Middle East. Princeton, N.J. 1998, 35-72.
M. Fay, Women and waqf. Property, power and the domain of gender In eighteenth-century Egypt, in M. Zilfi (ed.), Women In the Ottoman Empire. Middle Eastern women In the early modern era, Leiden 1997, 28-47.
Women and waqf. Toward a reconsideration of women’s place in the Mamluk household, in International Journal of Middle East Studies 29:1 (1997), 33-52
E. Fleischmann, The other “awakening.” The emergence of women’s movements In the modern Middle East, 1900-1940, in M. Meriwether and J. Tucker (eds.), A social history of women and gender In the modern Middle East, Boulder, Colo. 1999, 89 – 139.
M. Hatem, The politics of sexuality and gender In segregated patriarchal systems. The case of eighteenth- and nineteenth- century Egypt, in Feminist Studies 12 (1986), 250 -74.
“Aisha Taymur”s tears and the critique of the modernist and feminist discourses on nineteenth-century Egypt, in L. Abu-Lughod (ed.), Remaking women Feminism and modernity in the Middle East, Princeton, N.J. 1998, 73-88.
J. Hathaway. The politics of households in Ottoman Egypt The rise of the Qazdaglis, Cambridge 1997.
D. Kandiyoti, Bargaining with patriarchy, in Gender and Society 2:3 (1988), 274- 90.
N. Keddie and B. Baron (eds.), Women in Middle Eastern history. Shifting boundaries in sex and gender, New Haven, Conn. 1991.
A. Khater, Inventing home. Emigration, gender, and the middle class in Lebanon, 1870-1920, Berkeley 2001.
D. Khoury, Drawing boundaries and defining spaces. Women and space in Ottoman Iraq, in A. Sonbol (ed.), Women, the Family, and divorce laws In Islamic history, Syracuse, NY. 1996, 173- 87.
Slippers at the entrance or behind closed doors. Domestic and public spaces for Mosuli women, in M. Zilfi (ed.), Women in the Ottoman Empire Middle Eastern women in the early modern era, Leiden 1997, 105- 27.
L. Kuhnke, Lives at risk. Public health in nineteenth-century Egypt, Berkeley 1990.
A. Marcus, Men, women, and property. Dealers in real estate in eighteenth-century Aleppo, in Journal Social History of the Orient 26 (1983), 137-63.
The Middle East on the eve of modernity Aleppo in the eighteenth century, New York 1989.
A. Al-Sayyid Marsot, The revolutionary gentlewoman in Egypt. In L. Beck and N. Keddie (eds.), Women In the Muslim world, Cambridge, Mass. 1978, 261-76.
M. Meriwether, The kin who count. Family and society In Ottoman Aleppo, Austin, Tex. 1999.
Women and waqf revisited. The case of Aleppo, 1770-1840, in M. Zilfi (ed.), Women in the Ottoman Empire. Middle Eastern women in the early modern era, Leiden 1997, 128-52.
M. Meriwether and J. Tucker (eds.), A social history of women and gender In the modern Middle East, Boulder, Colo. 1999.
L. Peirce, The imperial harem. Women and sovereignty In the Ottoman Empire, New York 1993.
A.- K. Rafeq, Public morality In 18th century Ottoman Damascus, in Revue du monde musulman et de la Mediterranée 55/56 (1990), 180- 96.
R. Roded, Women In Islamic biographical collections. From Ibn Sa’d to Who’s Who, Boulder, Colo. 1994.
M. Russell, Creating the New Woman. Consumerism, education, and national identity in Egypt, 1863-1922, Ph.D. diss.,Georgetown University 1997.
L. Schilcher, Families In politics Damascene factions and estates in the eighteenth and nineteenth centuries, Stuttgart 1985.
O. Shakry, Schooled mothers and structured play. Child rearing in turn-of-the-century Egypt, in L. Abu-Lughod (ed.), Remaking women Feminism and modernity in the Middle East, Princeton, N.J. 1998, 126-70.
A. Sonbol (ed.), Women, the family, and divorce laws in Islamic history, Syracuse, NY. 1996.
J. Tucker, Women In nineteenth century Egypt, Cambridge 1985.
In the house of the law. Gender and Islamic law in Ottoman Syria and Palestine, Berkeley 1998.
(ed.), Arab women. Old boundaries, new frontiers, Bloomington, Ind. 1993.
M. Zilfi (ed.), Women In the Ottoman Empire. Middle Eastern women in the early modern era, Leiden 1997