الدراسات النسائية الأوروبية والأمريكية والثقافات الإسلامية
ترجمة:
بقلم:
المنهجيات والمنظومات والمصادر
لدراسة النساء والثقافات الإسلامية
المداخلات في الأفرع المعرفية
الدراسات النسائية الأوروبية والأمريكية
والثقافات الإسلامية
نشأت الدراسات النسائية على مدار الثلاثين عامًا الماضية باعتبارها مجالاً معرفيًا في الدراسات البينية متضمنًا دراسات الثقافات الإسلامية التي تتم في المؤسسات الأكاديمية الأوروبية والأمريكية. وخلال بداية السبعينات من القرن العشرين، ومع الشروع في تطبيق المنظومات والأدوات والموارد النسوية النظرية والمنهجية في دراسة الثقافات الإسلامية، تعرضت الآراء المسبقة عن النساء لهجوم لا يقل عن الاعتقاد السائد في القرن التاسع عشر بأنه “يجب على الرجل الأبيض إنقاذ المرأة السوداء من الرجل الأسود” (Spivak 1985). وبناء على التعريف الغربي بأن سموهم الحضاري ينبع من غياب التطور الحضاري لدى الشعوب التي كان مقدرًا لهم حكمها والتحكم فيها، فإن الباحثين المتخصصين والإداريين من فترة ما بعد التنوير أعلنوا أن الرجال الخاضعين للاستعمار هم همج بربريون في جوهرهم والدليل الرئيسي على همجيتهم هو معاملتهم الوحشية لنسائهم. وكانت الناقدة الثقافية البنغالية الأمريكية غايتري تشاكرافورتي سبيفاك هي أول من عبر عن تلك الصياغة للمنطق الإمبريالي ونقدتها في مقالها الرئيسي هل يمكن للهوية التابعة أن تتكلم؟ (Gayatri Chakravorty Spivak, Can the Subaltern Speak? 1985)، حيث كشفت غايتري سبيفاك عن الطريقة التي استخدم بها المستعمرون البريطانيون الـ. “ساتي“، أي حرق الهندوسيات الأرامل أنفسهن في المحرقة الجنائزية لأزواجهن، كدليل على النزعة الأبوية الهندوسية جاعلين من أنفسهم بمثابة الأبطال المدافعين عن النساء الهندوسيات، حتى رغم عدم كونهم في وطنهم إنجلترا من المدافعين عن النسوية. ومنذ صدور مقالها هذا قام العديد بمراجعة الافتراضات الخاصة بالمنطق الإمبريالي من حيث تطبيقاته على النساء المسلمات. وعند مراجعة واستعراض حالة القرن العشرين تتأكد مدى محورية تلك المداخلة التي قامت بها غايتري سبيفاك، مع أنه لا يمكن فهمها سوى بقراءتها على خلفية النشاط العالمي للنساء المسلمات.
لقد لفتت النسويات الانتباه خلال العقود الأولى من القرن العشرين إلى التفاوت بين المقولات المؤكدة على أن النساء في الثقافات الإسلامية مقهورات وسلبيات وبين الواقع الذي يشير إلى أن لهن فعاليتهن السياسية التدريجية. وقام بعض المؤرخين والمؤرخات باختيار نماذج للنساء الفذات اللاتي تعارضت قصص حياتهن مع المفاهيم الخاطئة السائدة بشأن النساء والثقافات التي يعشن فيها. وجاءت نبرة تلك الأعمال الأولى دفاعية تبريرية في عمومها، وما زالت على تلك الشاكلة في بعض الحالات وخاصة عندما يشعر الباحثون والباحثات بأنهم مضطرون إلى مواجهة الصور النمطية لنزعة الرجال المسلمين العدائية تجاه النساء والسائدة في الصحافة الجماهيرية. وبعد خمسة أعوام من قيام هدى شعراوي، رئيسة الاتحاد النسائي المصري، بكشف وجهها على الملأ وبالتالي بدء الثورة النسوية في الأعراف والقيم في العالم العربي وما وراءه، وتحديدًا في عام ۱۹۲۸م أثنت مارغريت سميث على الأثر الباقي لامرأة تدعى رابعة العدوية، المرأة الصوفية من القرن الثامن كنموذج يحتذى (Margaret Smith 1928). ولم تقصد مارغريت سميث تقديم تلك القديسة الشهيرة كمثال استثنائي بل لتوضيح أهمية المكانة التي كانت تحتلها النساء في بدايات المجتمع المسلم، ومع ذلك فلم تفرد مساحة لهؤلاء النساء في كتابها. وقد جاء كتاب مارغريت سميث وقت صدوره مؤشرًا على نهاية اتجاهات الكتابة التاريخية عن الثقافات الإسلامية، وعلى مدار الأربعين عامًا التالية لم ينشر سوى النذر اليسير عن النساء في الثقافات الإسلامية.
شهدت الستينات من القرن العشرين تغيرًا في الأوضاع، فمع نهاية الهيمنة الاستعمارية الكولونيالية في الثقافات الإسلامية الآسيوية والأفريقية ظهر وعي جديد بدور النساء في هذه المجتمعات، والحاجة إلى توظيف مقاربات جديدة في دراستها. وأصبح الاهتمام الرئيسي منصبًا على استعادة الأصوات المفقودة، فقامت البعض بتتبع منظومة “السلطانات المنسيات” (Mernissi 1990).
بينما استعرضت أخريات الساحة الاجتماعية بشكل أكثر اتساعًا مع الكشف عن أن النساء المسلمات، مثلهن مثل النساء في أماكن أخرى، يتعرضن للقهر أو التمكين بدرجة أو أخرى تبعًا لظروفهن الفردية والاجتماعية.
وخلال نهاية الستينات والسبعينات من القرن العشرين قامت البحوث الأوروبية والأمريكية عن تاريخ النساء قصص حياة النساء المعاصرات في الثقافات الإسلامية، كل على حدة، بوضع الأعراف والممارسات داخل الإطار التفسيري للأبوية. وبينما اقتصر البحث التاريخي على نساء من الطبقة العليا لأنهن يظهرن في الوثائق التاريخية الرسمية، فإن الأنثروبولوجيين تعاملوا مع فقيرات الحضر والريف لأنهن متاحات بدرجة أكبر للباحثات والباحثين الأجانب. وقد كشفت دراساتهم لحياة الفلاحين والطبقات العاملة في المدن عن الطرق التي يتم بها التحكم في استقلال النساء (Maher 1974)، وانصب تركيز باحثي وباحثات الإثنوغرافيا على النساء في المجال “الخاص” في المجموعات الفرعية واللاتي يعشن عامة في عزلة عن العالم بل وحتى عن السياسات المحلية التي كانت جزءًا من المجال “العام” والتي كانت بالتالي تعتبر المجال الطبيعي للرجال. وأدى الاهتمام بتوثيق الاختلافات بين الرجال والنساء إلى عدم التوقف الصحيح أمام التنوع والمخالفة، حيث أن غالبية الباحثين الأنثروبولوجيين الذين تعلموا النظر إلى الثقافات الإسلامية باعتبارها ثقافات تقوم على الفصل بين الجنسين لم يلتفتوا للتساؤل عن علاقات القوى داخل مجموعات النساء وعبرها، حيث افترضوا أن مجموعات النساء “منفصلة ولكنها متساوية” مع مجموعات الرجال (Friedl 1994, 92). إن هذا التركيز الليبرالي الغربي الأحادي النظرة على حقوق النساء دون التفكير في السباق الأعم للتراث الاستعماري والطموحات الاستعمارية الكولونيالية الجديدة في آسيا وأفريقيا هو تركيز أثار رد فعل قوي من النساء “البنّيات“، حيث أشعل جدلاً حادًا في عام ١٩٧٥م في أول مؤتمر عالمي برعاية الأمم المتحدة عن النساء والذي عقد في مدينة مكسيكوسيتي. حيث طالبت نساء الشمال بالمساواة القانونية والاستقلال الجنسي بينما احتلت المسائل الاقتصادية والاستعمار والإمبريالية الأولوية لدى نساء الجنوب.
وقد ظلت المقاربة النظرية لدراسة النساء في الثقافات الإسلامية في مرحلتها الأولى وصفية ودراسة الظواهر، كما استغرق الأكاديميون ذوي التوجهات السائدة وقتًا قبل الاعتراف بأهميتها، وكان عدم الاهتمام وتسفيه دراسة حياة وتاريخ النساء المسلمات يعني أن غالبية الإصدارات التي تناولت الموضوع كانت تظهر في صورة مقالات.
وإذا كان التاريخ الاجتماعي للنساء في الثقافات الإسلامية لم يحظ بالاهتمام الجاد خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين، فإن تاريخهن الفكري كان غير موجود عمليًا، ونظرًا لعدم وجود اتساق في تعليم النساء آنذاك كانت كتابات النساء معدودة كما كانت الأصوات الأكثر توفرًا هي الأصوات الشفاهية. وفي عام ۱۹۷۷م التفتت بعض الباحثات ذوات العقلية الأدبية إلى أصوات النساء في المنطقة، فقامت إليزابيت فيرنيا وباسمة بيزرغان بإصدار مجموعة من المقتطفات الانتقائية بلسان وعن النساء في الثقافات الإسلامية من القرن السابع وحتى القرن العشرين، متضمنة آيات قرآنية ولقطات من سير وتراجم النساء الشهيرات منهن وغير الشهيرات وكذلك الأغاني وتاريخ حياة الفلاحات (1977) Fermea and Bezirgan). وفي عام ۱۹۷۸م ظهرت أول مجموعة مهمة من المقالات عن النساء المسلمات في العالم العربي وإيران وتركيا وباكستان والصين في مجلد أولي قائم على منهج الدراسات البينية وقد أعدته وحررته كل من الأنثروبولوجية بيك والمؤرخة كيدي (Lois Beck and Nikki Keddie 1978)، ولم يتضمن المجلد سوى إشارات معدودة للأعمال السابقة عن النساء المسلمات نظرًا لأنها تكاد تكون معدومة. وقد تم ترتيب المجلد تبعًا للثنائيات: الريفي/ الحضري، البداوة/ الاستقرار، الهامشي/ السلطوي التراث/ التغير. وكان المنظور التحليلي يحمل رؤية من الخارج نابعة في الغالب من موقع الحياة في الولايات المتحدة أو التعليم في الولايات المتحدة. وقد تناولت بعض المقالات الهياكل والآليات الاجتماعية والخاصة بعلاقات القرابة، وتناول بعضها القواعد الأيديولوجية، والإسلامية عادة، بشأن العلاقات ما بين الجنسين، وصعوبة تغيير المعايير والأعراف والتوقعات المتشكلة تبعًا للجنس، في حين ركز البعض الآخر على الإصلاح القانوني والتغيرات الاقتصادية الاجتماعية. وقد قام كلا الكتابين بوضع أسس الدراسات النسائية في الثقافات الإسلامية، لا بسبب مضمون المادة الموجودة فيهما فحسب بل بسبب الشكل الذي ظهرا عليه.
إن كتب المقتطفات والمجلدات التي تضم مقالات مختارة كانت لها أهميتها في نشأة وتطور مجال معرفي جديد لأنها عادة ما تكون بينية و/ أو عبر الثقافات، وبالتالي تفرض قيام مقارنات، وتلك المنهجيات المقارنة التي توحي بها تساعد القراء والقارئات القيام بالربط وتحفيز طرق جديدة في التفكير في العالم وتخيله. فالكتب التي تضم مقتطفات تتجاوز دورها في تشكيل مجال أو فرع معرفي جديد وكثيرًا ما كانت هي الخطوة الأولى تجاه التعرف على الإنتاج الأدبي لمجتمع ما وإضفاء الشرعية عليه. كما أنها قد توفر حجر الأساس لقانون وكيان يؤكد وجود تاريخ للنشاط الأدبي. فبالنسبة لمن زعموا أن النساء في البلدان المسلمة لم يشرعن في الكتابة سوى مؤخرًا، يأتي كتاب إيفيلين عقاد (Evelyn Accad 1978) الذي يعرض كتابات بعض نساء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللغتين العربية والفرنسية فيقدم تأكيدًا لفكرة مخالفة لما سبق، ولكنه لم يؤد إلى نتائج فورية. وقد استمرت الأسطورة القائلة بالصمت الخطابي النسائي رغم الكتابات المعروفة جيدًا للطبيبة والناشطة والكاتبة نوال السعداوي، فقد كتبت عن كفاحات النساء المصريات في سبيل البقاء نفسيًا واقتصاديًا ومع ذلك صرف النقاد النظر عن قصصها باعتبارها مفعمة في راديكاليتها السياسية إلى درجة لا تتيح التعامل معها بجدية كنصوص أدبية، بل إن عملاً رائدًا مثل كتابها امرأة عند نقطة الصفر الصادر عام ۱۹۷۳ لم تتم ترجمته إلى الإنجليزية حتى عام ۱۹۸۳م (Nawal al- Saadawi, Woman at Point Zero).
وفي الوقت الذي كانت فيه الدراسات النسائية في الثقافات الإسلامية قد أخذت في الظهور بشكل منظم، قام إدوارد سعيد بنشر كتابه الاستشراق بما فيه من تحطيم للمنظومات السابقة (Edward Said, Orientalism 1978)، وهو الكتاب الذي قام بنقلة في دراسة الشرق الأوسط والبلدان المسلمة عامة. وعلى الرغم من أن إدوارد سعيد لم يتطرق إلى النساء أو الجندر إلا أنه سلط الضوء على كيفية تواطؤ الباحثين في المخططات الاستعمارية الكولونيالية لحكوماتهم، وقد فرض تحليله الواسع قدرًا من الوعي بالذات لدى الباحثين والباحثات في الثقافات الإسلامية. فالفكرة الرئيسية المتكررة لدى إدوارد سعيد بأن السياسات الاستعمارية تؤثر على البحوث كان لها أثرها القوي تحديدًا على البحث النسوي في الثقافات الإسلامية، فقد أخذت الباحثات النسويات في التساؤل عن الموضوعات والأفراد الذين يجب تجاهلهم في سبيل تقديم سرد متجانس الحركة التقدم.
شهدت الثمانينات من القرن العشرين نقطة انطلاق البحوث حول النساء في البلدان المسلمة، حيث أخذ المؤرخون والمؤرخات في حفر طريقهم داخل أكوام المكتبات الخاصة وأرفف المكتبات العامة والأرشيفات، بحثًا عن الحياة اليومية للنساء “العاديات” مع وضعهن في مواجهة النخب الوارد ذكرها في كتب التاريخ الرسمية المعتادة. وباستخدام استراتيجيات القراءة في دراسات التبعية (subaltern reading strategies) وتطبيقها على النصوص التي كتبها الرجال أساسًا عن الرجال، قامت هؤلاء الباحثات والباحثون بإدخال تحليل الجندر إلى دراسات التاريخ الإسلامي، مع مواجهة وتحدي السرديات العليا الراسخة وخاصة “منظومة المخلّص” التي تصف المرأة البنية اللون في حاجة إلى الإنقاذ والخلاص من الرجل البني. وقد تم الكشف عن أن هذه المقولة تم صياغتها في خدمة أغراض المخطط الإمبريالي عن طريق الفرقة بين الرجال والنساء الذين سيخضعون لحكم الاستعمار. كما كانت تلك المقولة غير ملمة بما فيها من أوجه قصور، فقد تم استخدام ذلك النموذج الإبستمولوجي المعرفي القائم على الثنائية وقصره على البلدان الخاضعة للاستعمار، حيث أن هؤلاء الرجال “دعاة النسوية” ظلوا في بلادهم يسعدون ويكرسون للأبوية.
أما الباحثات والباحثون دعاة النسوية ممن ركزوا فقط على حياة النساء شرعوا في توسيع مجال الرؤية لوضع حياة هؤلاء النساء في سياقها داخل التاريخ الاجتماعي السياسي لبلدانهن. فركزت جودیث تاکر (Judith Tucker 1985) على أهمية علم الاقتصاد للتوصل إلى فهم الطرق العديدة التي يؤثر بها الاستعمار والكولونيالية على حياة النساء. وقد وفرت السجلات القانونية أدوات مهمة لإعادة تصور الماضي من خلال نظرة تأخذ الجندر في الاعتبار. وقد كشفت تلك المصادر الجديدة أنه على العكس من الاعتقاد السائد كانت النساء المسلمات دائمًا يتمتعن بالملكيات الخاصة رغم أنه كثيرًا ما كان يحدث باستخدام اسم مستعار لرجل، وأنهن مارسن نفوذًا وسلطة أكبر كثيرًا مما كان سابقًا في الحسبان.
وقد أصبحت المنهجيات التاريخية قائمة على قدر أكبر من المراجعة الجذرية وأكثر دقة واقترابًا من النصوص، وأكثر انتباه إلى ما بين السطور حيث المحو والإغفال. كما تم الكشف عن التقارب بين الحكام الاستعماربين والنخب المحلية لتفسير انتشار القيم والأعراف والمعايير الأوروبية، وكذلك تم الكشف عن الفجوات الموجودة في التاريخ الرسمي من أجل ملئها بأفعال وأقوال التابعين المقهورين. ولم تكن تلك الكلمات مسطورة على الصفحات في انتظار من يقرؤها، بل قام المؤرخون والمؤرخات وبعض الباحثين والباحثات في الآداب باقتفاء آثارها وتتبع تأثيرها. فعلى سبيل المثال اعتمدت المؤرخة والأدبية الجزائرية آسيا جبار (Assia Djebar 1985) على الأرشيفات الفرنسية من القرن التاسع عشر وذلك لإضافة منظور أولئك الذين قام المؤرخون الاستعماريون الكولونياليون بمحوهم، فقامت آسيا جبار بنسج “الوقائع الجلية في الأرشيفات الرسمية مع الخيال المستلهم مما شهدته هي نفسها من محو للنساء من قصة حرب التحرير الجزائرية (1954 – 1962)، وذلك لتوفير منظور جديد لتأريخ شمال أفريقيا الاستعماري. وهكذا أصبح الأدب وسيطًا للنقد التاريخي والسياسي.
وإذا كانت المساهمات التاريخية للنساء منسية دوريًا فإن أشكال النساء باعتبارهن موضوعات للرغبة ظلت في موقع الصدارة. فالمخيلة الكولونيالية للمرأة الشرقية التي تم التقاطها في الصور الفوتوغرافية من القرن التاسع عشر أتاحت مصدرًا جديدًا للمعلومات عن النساء الغائبات عن صفحات كتب التاريخ، فقامت الباحثات بتمشيط الأرشيفات بحثًا عن الصور الفوتوغرافية وغيرها من الصور كالبطاقات البريدية. وقد قدمت ملك علولة (Malek Alloula 1981) ألبومًا كبيرًا مصورًا للبطاقات البريدية من بدايات القرن العشرين تحمل صورًا لنساء فاتنات من البدو والحضر قام المستعمرون الفرنسيون بإرسالها إلى فرنسا أثناء وجودهم في الجزائر. إن هذه الصور للنساء المتاحات والمحرمات في آن عكست الرغبة الكولونيالية في اختراق الأرض المؤنثة. وقد قامت ساره غراهام – براون (Sarah Graham- Brown 1988) بتجميع صور التقطت في الفترة ما بين عام ١٨٦٠ وعام ١٩٥٠م فوثقت لحظة في تاريخ نشأة الطبقة الوسطى المتفرنجة في الشرق الأوسط، وتشير كيف أن الإمبريالية الأوروبية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة جاءت متزامنة مع اختراع الفوتوغرافيا في الغرب، كما لاحظت في كتابها أيضًا بنبرة ساخرة أن الحركة النسوية المتصاعدة في أوروبا امتدت بالتوازي مع الاستقبال الحافل للنساء الشرقيات في الصور التمثيلية لهن كسلبيات شهوانيات. وأصبحت الصور أكثر من مجرد كونها مصادر لدراسة جوانب من حياة النساء التي لم ترد في السجلات المكتوبة، كما أوضحت التناقضات في كيفية تقييم النساء من هذه المنطقة.
وشهدت الثمانينات من القرن العشرين كما جديدًا من الكتابات الأدبية للنساء فأتاحت حدوث نقلة في منظومة النقد الأدبي. إن تركيز السبعينات على اللامساواة الهيكلية في الثقافات الإسلامية على أساس الجنس تحول إلى اعتراف بكيان المرأة الذي يتشكل بفعل حدود الطبقة والإقليم والجيل، وأخذت الباحثات الأمريكيات في الاحتفاء بالطرق العديدة التي تستخدمها النساء بنجاح في التفاوض حول علاقات القوى، وقد ساعد تنامي الوعي بسلطة النساء في الثقافات الإسلامية على قلب الحكاية القائلة بوجود نظام أبوي يضع الرجال في مواجهة النساء، نظرًا لأن ذلك لم يعد قادرًا على تفسير التقلبات والتناقضات في العلاقات الإنسانية. وبالفعل كان يمكن للمرء البدء في التعرف أن المعايير والأعراف الخاصة بالجنسين ليست مفروضة علينا بفعل الجينات بل قابلة للتغير، وهو ما تم التوصل إليه من القصص التي كتبتها النساء عن أنفسهن. فالوصف الأدبي لسلوكيات النساء وأدوارهن ومكانتهن في أوساطهن المختلفة ترك بصمته على البحوث التي كانت تتم عبر الأفرع المعرفية، بحيث لم تعد النساء يوصفن في المطلق باعتبارهن في جوهرهن موضوعات بسيطة للتمييز المطلق، ولا حتى باعتبارهن متمتعات تمامًا بالسلطة والتمكين، فأحيانًا نجدهن يتمتعن بكليهما بينما لا يتمتعن أحيانًا بأي منهما.
وقد وفرت الحروب ما بعد الكولونيالية للنساء في الثقافات الإسلامية المواد التي تتيح استراتيجيات سردية جديدة، وذلك من أي نوع أدبي آخر. فقد جاءت قصص الحرب النسائية لتقلل من قيمة الطرق التقليدية المعتادة في قص تجربة العنف المنظم، كما قدمت رؤية جديدة مدهشة لتجارب وتعبيرات النساء. وقامت كل من ميريام كوك (Miriam Cooke 1988, 1997) وإيفيلين عقاد (Evelyn Accad 1990) بتحليل كتابات النساء حول الحرب، وخاصة الحرب الأهلية اللبنانية، مع التركيز على الطرق التي قامت بها نساء الطبقة الوسطى في الشرق الأوسط بالتعبير عن أوجه فهمهن لحدث ما قيل أنهن لم يعشنه. ففي رد فعل للتهميش الذي تعرضت له النساء الجزائريات في أعقاب مشاركتهن في حرب التحرير، أصرت الكاتبات اللبنانيات والفلسطينيات على أن الكتابة كانت أساسية في التحول الذي طرأ على وعي النساء. إن هذا الأدب الجديد في كشفه عن الطبيعة غير الثابتة للممارسات والأعراف والمعايير الخاصة بالجنسين أدى إلى نشأة منهجيات المراجعة ومقاربات نظرية جديدة في دراسة النساء في الثقافات الإسلامية.
لم تكتب النساء عن أنفسهن أثناء أزمنة الصراع الوطني فحسب، بل في أزمنة أقل تأزمنا. وقد وفرت كافة كتابات النساء مصادر غير مسبوقة للباحثات والباحثين في الآداب، وللمؤرخات والباحثات والباحثين الأنثروبولوجيين، كما أدت تلك الكتابات إلى تعقيد المقاربات البحثية السابقة. إن أوجه التحليل على أساس الجندر للعلاقات بين الرجال والنساء والتي تتشكل داخل نفس القيود المؤسسية ذاتها هي تحليلات حلت محل الأعمال التي تتمحور حول النساء. فالمقاربة القائمة على “المساواة مع الانفصال” حلت محلها في كثير من الأفرع المعرفية تحليلات سياقية لأشكال اللامساواة على أساس الجنس وكفاح النساء لمواجهتها. إن الباحثات والباحثين المقيمين في الولايات المتحدة احتفلوا بما حققوه من إنجازات، لما وجدوه من نماذج عديدة لنساء قويات واعيات بفاعليتهن. ولم يتوقف هؤلاء الباحثون والباحثات أمام تبعات جهودهم النقدية التي استرجعت المنظومة الإمبريالية بشأن المرأة المتحضرة بنية اللون الخاضعة لقهر الرجل البني الهمجي، أما اهتمامهم السابق بالمنطقة والذي كان مرحبا به من قبل فقد أصبح مثارًا للشبهات، واشتعل الجدل حول الانحياز النسوي أو بالأحرى الانحياز النسوي الغربي وبالتالي الاستشراقي الجديد في هذه البحوث والدراسات. وبدأ تداول أعمال الباحثات والباحثين من الثقافات الإسلامية في المؤسسات الأكاديمية الأوروبية الأمريكية. وأصبح موقع الذات المتحدثة هو المعيار المستخدم لقياس صحة الادعاءات التي يتم نشرها باسم حقوق النساء وواجباتهن في الثقافات الإسلامية. وقد يسرت السهولة المتزايدة في الاتصال عبر العالم للباحثات والباحثين التواصل فيما بينهم، وهو ما أعقبه قيام التعاون وحدوث الصدامات.
تؤكد باحثة علم الاجتماع، فالينتين مغدم (Valentine Moghadam) أن عام ۱۹۸٥م، وهو العام الذي شهد عقد المؤتمر العالمي الثالث عن النساء برعاية الأمم المتحدة في نيروبي، كان نقطة تحول في المنظمات النسائية على مستوى العالم. فلأول مرة وجدت نساء الشمال والجنوب أنهن يقفن في مواجهة نفس القضايا: حكم تاتشر، وحكم ريغان، كما أن انخفاض الفرص الاقتصادية للنساء في كل مكان أوضح كيف تؤثر العولمة على الجميع بصرف النظر عن المكان. كما أن الضغوط المفروضة على النساء من الأصوليين الدينيين الذين أخذوا يحرمون النساء من حقوقهن ومن تحكمهن في أجسادهن كانت ضغوطًا دفعت نساء الجنوب “إلى الاعتراف بأهمية سياسات الجسد” (Moghadam 2000, 61). كما تداخلت برامج الناشطات من الشمال والجنوب بمعدل متزايد، فارضة منهجيات جديدة في الدراسات النسائية في الثقافات الإسلامية، وتم الاعتراف بضرورة النشاط السياسي بالنسبة لتطور الدراسات النسائية، وتعين على الأكاديميين والأكاديميات الحفاظ على المصداقية والمسؤولية عما يحدث للنساء بعيدًا عن البلاغة الأكاديمية.
وقد لعب الحشد والتعبئة لتلك المؤتمرات المعقودة برعاية الأمم المتحدة دورًا مهمًا في إقامة وترسيخ المنظمات النسائية التي تجاوزت حدود وظيفتها الأصلية. ففي عام ۱۹85 قامت ماري – إيمي إيلي – لوكا (Marie – Aimée – Hélie – Lucas) في فرنسا بتشكيل شبكة تضامن دولية للنساء اللاتي يعشن في البلدان المسلمة وللنساء من بلدان مسلمة، بصرف النظر عن الديانة التي يعتنقنها. إن تلك المنظمة، والتي أطلق عليها “النساء في ظل القوانين الإسلامية“، تقوم بمراقبة القوانين التي تؤثر على النساء في المجتمعات المسلمة، وتكشف عن أوجه الظلم وغياب العدالة. وقد انخرطت تلك المنظمة خلال التسعينات من القرن العشرين في مشروع إصلاح قانون الأحوال الشخصية للمسلمين عبر العالم، والذي يأتي بكل الناشطات والناشطين والأكاديميات والأكاديميين معًا سعيًا إلى تحقيق العدالة للنساء في الثقافات الإسلامية. كذلك قامت الباحثة الأنثروبولوجية سعاد جوزيف في عام ١٩٨٥م بتأسيس رابطة الدراسات النسائية في الشرق الأوسط، والتي كانت أول منظمة تجمع القائمات على دراسة النساء في الثقافات الإسلامية معًا وأتاحت إطارًا للحوار بين الباحثات والباحثين المتمركزين أساسًا في الولايات المتحدة. فحتى ذلك الحين كانت الغالبية تعمل في عزلة عن الآخرين ودون الحصول على قدر كاف من الدعم المؤسسي لما كان يتم اعتباره من الموضوعات البحثية الهامشية.
وتداخلت المصطلحات بالهوية في كتابات الباحثات في النسوية ما بعد الكولونيالية ممن دخلن إلى المجال الأكاديمي في الولايات المتحدة في الثمانينات. وطرحت التساؤلات. هل كانت النساء المطالبات بالعدالة ما بين الجنسين “نسويات“؟ هل كانت النسوية في جوهرها أيديولوجيا غربية وبالتالي غير ملائمة لوصف أفعال وهويات البشر خارج النطاق الأوروبي الأمريكي؟ هل كانت النساء ضحايا أم ناجيات؟ ولم تقتصر هذه الهموم الخاصة بالمصطلحات على الثقافات الإسلامية، بل احتجم حولها الجدل في الدراسات النسائية في الولايات المتحدة: فالنساء اللاتي عانين من الاغتصاب وجرائم الجنس المحرم لم يعد يطلق عليهن ضحايا بل ناجيات من الجرائم التي طالت أجسادهن. إن دعوة تشاندرا موهانتي (Chandra Mohanty 1984)، الباحثة الهندية الأمريكية في العلوم السياسية، المطالبة برفض إطلاق مسمى الضحية على النساء في بلدان العالم الثالث، كانت دعوة لاقت صدى قويًا في عالم المسلمين، حيث أن كون امرأة ما قد تعرضت للعزلة أو للاستغلال بل وأحيانًا للعنف لا يعني أنها ضحية سلبية غير فاعلة.
وقد سادت سياسات الهوية في نهاية الثمانينات. وتم طرح التساؤلات: من له الحق في الحديث عن من؟ ما هي الاختلافات بين البحوث المحلية وغير المحلية حول النساء في البلدان المسلمة؟ ما هي العلاقة بين المرأة البنيّة اللون بغيرها من النساء، وخاصة المرأة البيضاء؟ وأصبح الموقع ذا شأن في إنتاج المعرفة، ولكن ليس هذا فحسب بل وفي استقبال المعرفة. وخضعت الدراسات الكاشفة عن ديناميات وآليات تمكين النساء لقراءات مختلفة تبعًا لما إذا كانت المؤلفة قد حددت سياقًا عربيًا أو محليًا لهويتها. وقد ذكرت ليلى أبو لغد (Lila Abu- ghod 1986) في مقدمة كتابها الإثنوغرافي عن البدويات في صحراء مصر الغربية أن أباها العربي الفلسطيني قد قام بتسليمها إلى أبيها القبلي بالتبني. وأصبح التعريف وتحديد الهوية الإثنية عاملاً أساسيًا في نجاح بحثها وفهمها الاستراتيجيات الشعرية للبدويات. وتمت قراءة النساء من غير السكان الأصليين قراءة مختلفة، وعندما ساندن قضايا النساء في آسيا وأفريقيا تعرضن للنقد والانتقاد للتواطؤ مع مشروع الكولونيالية الجديدة. وقامت كل من كاميليا فوزي الصلح وثريا التركي (Camillia Fawzi El- Solh and Soraya Altorki 1988) يجمع مقالات بأقلام عدد من الباحثات الأنثروبولوجيات العربيات والعربيات الأمريكيات ممن بحثن في الأنواع المختلفة من البحوث التي أنتجتها النساء العربيات والنساء من البيض بما تمتعن به من امتيازات في الوصول إلى المجتمعات “المحلية الأصلية“، وهي امتيازات ترجع إلى عدم كونها ذات خصوصية جندرية.
إن الصدفة التي جمعت بين هذه البحوث وأولى المحاولات الجادة لترجمة الكتابات الأدبية النسائية إلى اللغة الإنجليزية أضافت إلى الاهتمامات الخاصة بدور نضال وكتابات النساء في الثقافات الإسلامية. فما هي الجهة التي كانت النساء المسلمات تتوجهن إليها بالكتابة عندما يتوقعن أن تتم ترجمة أعمالهن ونشرها على نطاق واسع؟ وفي عام ۱۹۸٦م، قام أول معرض للكتاب الدولي للنساء في لندن بوضع مؤلفات الكاتبة اللبنانية حنان الشيخ (Hanan al- Shaykh 1986) والكاتبة المصرية أليفة رفعت (Alifa Rifaat 1986) على أرفف المكتبات العالمية وفي دور بيع الكتب، وإضافتهما إلى مقررات الدراسة الجامعية. وصارت كتابات النساء من الثقافات الإسلامية متاحة أكثر فأكثر للباحثين والباحثات ممن لم يدرسوا لغات وثقافات المنطقة. ولأول مرة أمكن وضع مثل هذا الأدب في سياق عالمي، وإتاحته للدراسة من قبل أفراد ليست لديهم خبرة لغوية أو ثقافية خاصة. وأدى النمو المطرد في صناعة الترجمة إلى توفير مصادر جديدة للمتخصصين والمتخصصات في مجالات بعيدة عن تلك الدراسات الإقليمية المحددة. وأصبح في الإمكان مقارنة الأعمال المترجمة بالأعمال الأوروبية والأمريكية. ومن جانب آخر تعين على نقاد الأدب النسائي في الثقافات الإسلامية الإلمام باتجاهات الأدب العالمي.
خلال التسعينات من القرن العشرين أدت الأوضاع الخاصة بتعزيز العولمة السياسية والاقتصادية والثقافية إلى قيام أنواع جديدة من الاتصال والروابط الاجتماعية بين النساء عبر المناطق والأقاليم، وذلك بطرق غير مسبوقة. حيث بدأت النساء في تشكيل شبكات نسوية عبر القوميات المختلفة (Moghadam 2000) أصبحت موضوعًا لدراسات علماء الاجتماع والسياسة (Chatty and Rabo 1997).وتفحص الباحثون والباحثات الآليات التنظيمية والطرق التي تقوم عليها علاقة النساء بالدولة وتفاعلهن مع السياسات العامة (Kandiyoti 1991). وصارت المنظمات النسائية تعتبر من العناصر الحاسمة في تشكيل مجتمع مدني، وسيساعد نشاطهن السياسي في إضفاء الديمقراطية على الأنظمة السلطوية (Moghadam 1993, Joseph 2002).
وازداد اعتماد المنهجيات التاريخية على المواد الأرشيفية والثقافة المادية بدلاً من الاعتماد على المصادر الثانوية باللغات الأوروبية أو على التأمل والتفكير المجرد. وكانت العمارة الأثرية المنقوشة عليها أسماء النساء دليلاً يؤكد ما أمكن استنتاجه من الوثائق الرسمية بشأن كون التاريخ الإسلامي حافلاً بالنساء المؤثرات. واتجه المؤرخون والمؤرخات إلى الفترات التاريخية الموثقة جيدًا، مثل العصر المملوكي والصفوي والعثماني، وبالطبع العصر الحديث بأكمله، مع التوقف أمام تأثير الاستعمار الأوروبي على حياة المستعمرين والخاضعين للاستعمار على حد سواء (Melman 1995). وأصبحت دراسة التركية العثمانية لا غنى عنها وضروية أكثر من أي وقت سبق في التناول المناسب لتاريخ الأراضي الخاضعة للسيادة العثمانية منذ القرن السادس عشر إلى القرن العشرين. وقد فتحت ليزلي بيرس (Leslie Peirce 1993) عالم بيوت السلاطين بكافة تعقيداتها، بينما تفحصت عفاف لطفي السيد مارسو (Afaf Lutfi al- Sayyid Marsot 1995) الوثائق القانونية بحثًا عن المعلومات عن مدى كون المؤسسات الرسمية متاحة للنساء المصريات في الحضر. وبدعوتها المطالبة بمزيد من الالتفات إلى سجلات الأوقاف والتقاضي وعقود الملكية بينت عفاف لطفي السيد مارسو أن فاعلية النساء تعرضت للتقليص في القرن التاسع عشر بسبب مركزية السلطة في ظل نظام الدولة القومية الجديد. أما جوليا كلانسي – سميث (Julia Clancy- Smith) فدرست قرنا من التفاعل بين المستعمرين الفرنسيين وبين شعبي الجزائر وتونس الخاضعين للاستعمار وذلك من منظور الدين والتعليم والأسرة والجندر. ومع نشر المزيد من الدراسات المتعمقة تتبلور المزيد من الرؤى والمناهج المقارنة بحيث يمكن عقد المقارنات بين تجارب النساء في آسيا الوسطى جنبًا إلى جنب التركيات والإيرانيات والعربيات ونساء جنوب آسيا (Hambly 1998).
وجاء بعض هذه الدراسات أقل اهتمامًا بمحاولة إعادة بناء الماضي من تتبع كيفية تغير التوجهات بشأن النساء بمرور الوقت. فاستعرضت ليلى أحمد (Leila Ahmed 1992) التاريخ الإسلامي منذ لحظة نشأته في القرن السابع وحتى الزمن الحاضر. وتفحصت دينيز سبيلبيرغ (Denise Spellberg 1994) النصوص القانونية لفترة التأسيس والفترة الكلاسيكية لتوضح كيف استخدم العلماء الشيعة حياة عائشة، إحدى زوجات النبي، لتبرير انحياز هؤلاء العلماء للرجال. وقام مؤرخون ومؤرخات بدراسة منظمة للحركات الاجتماعية، والأفعال التي قام بها نظام الدولة بشأن النساء، ودور النساء في السياسة. وخلال السنتين من عام ۱۹۹٥ إلى عام ۱۹۹۷م تم إصدار دراسات هامة عن الحركات النسوية المصرية (Badran 1995)، والسودانية (Hale 1996)، والإيرانية (Paidar 1995). وفي كل حالة من الحالات السابقة كان يتم وضع الحركة السياسية بدقة في سياقها داخل الأيديولوجية الإسلامية وأيديولوجية الدولة. وتتصف هذه المرحلة من البحث الأرشيفي بقدر متزايد من الدراسة البينية، بتطبيق منهجيات علم الاجتماع والدراسات الأدبية والأنثروبولوجيا (Duben and Behar 1991). كما أن هذه البحوث أكثر التفاتًا إلى الاختلافات الطبقية والإقليمية واللغوية، ويتم استكمالها وتأكيد أصالتها بواسطة التاريخ الشفاهي والمنهجيات الإثنوغرافية. وبدلاً من تناول النساء بنيّات اللون في مقابل النساء البيض، تقدم هذه المرحلة من دراسة النساء في الثقافات الإسلامية الجهود الجماعية التي تقوم بها باحثات من خلفيات متنوعة.
إن البحوث التي تقوم بها النساء والتي تدور حول النساء في الثقافات الإسلامية أخذت تتزايد، فتوصل البعض إلى الحاجة إلى ترتيبها وتصنيفها. وكان الإنتاج الأدبي في حاجة ماسة إلى المراجعة المنظمة، وقد قام جوزيف زيدان بجمع سير وتراجم الكاتبات على مستوى العالم العربي، وجاء كتابه الصادر عام ۱۹۸٦ متضمنًا ٤٨٠ اسمًا لنساء مارسن الكتابة في الفترة من عام ۱۸۸۰ إلى عام ۱۹۸۰م، وصدرت الطبعة المنقحة في عام ۱۹۹۹ مزيدة بعدد ۷۰۰ اسمًا، وتغطي فترة قرنين من الزمان (١٨٠٠ – ١٩٩٦م). كما صدرت كتب تضم مقتطفات من كتابات بأقلام النساء وعن النساء في الثقافات الإسلامية. فقد قامت كل من مارغو بدران وميريام كوك (Badran and Cooke 1990) بترتيب المقتطفات المختارة لكتابات النساء العربيات على مدار قرن من الزمان ترتيبًا حسب مراحل الوعي النسوي وانصب اهتمامهما على الربط بين هؤلاء النساء عبر الدول وعبر الأزمنة المختلفة بتسليط الضوء على الأهمية السياسية الجماعية لإنتاجهن الأدبي. وخلال التسعينات بدأ الجيل الأول من السعوديات اللاتي تلقين تعليمهن في بلدهن في إصدار كتاباتهن الأدبية، وقد كشفت دراسة صديقة عريبي (Sadeka Arebi 1994) الإثنوغرافية لكتابات تسع نساء سعوديات عن تحد لا يلين لسلطة الرجل الخطابية والسياسية الاجتماعية، حيث كان الأدب بالنسبة إليهن أداة سياسية للخروج على الملأ، وإعادة تأويل الدين والتراث والتاريخ، وتفعيل التحول الاجتماعي في الوقت الذي تظل الواحدة منهن غير مرئية. كما تتبعت فرزانه ميلاني (Farzaneh Milani 1992) الكتابات الأولى المتاحة بأقلام النساء وأرجعتها إلى بدايات القرن التاسع عشر، ثم أصبحت هؤلاء الكاتبات الأمهات الأدبيات للنساء اللاتي كتبن من داخل وخارج الجمهورية الإسلامية. وكتبت بيث بارون (Beth Baron 1994) عن النساء المصريات من الطبقتين العليا والوسطى في الفترة من عام ١٨٩٠ إلى عام ١٩٢٠م واللاتي قمن بنشاط لم يقتصر على الصحافة بل في الكتابات الجدلية عن حقوق النساء. واستعانت ميرلين بوث (Merilyn Booth 2001) بالمنهجيات الأدبية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في دراسة سير النساء المثاليات الواردة في مجلات نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهي نظرة على هموم وانشغال العقول الإصلاحية بمسألة المرأة، ودورها في تحديث مجتمع في طور التحول.
إن إدراك كون النساء مارسن الكتابة منذ زمن بعيد أدى إلى خلق اهتمام جديد بالماضي وبشخصيات أدبية مرموقة في الحاضر. فمن هن الأمهات الأدبيات؟ أصبحت شاعرة الجاهلية الخنساء وشخصية رابعة العدوية بمثابة حجر الأساس لتراث خطابي نسائي طويل ومميز في الثقافات الإسلامية (Cornell 2000, Kahf 2000). كما صار من الممكن التركيز على نماذج فردية للنساء دون خطر تحويل النموذج الفردي إلى حالة استثنائية، فقدمت فدوى ملطي دوغلاس (Fedwa Malti-Douglas 1995) على سبيل المثال الفنيات المعقدة والسياسات الراديكالية لكتابات نوال السعداوي العديدة.
ونجد أن الباحثات والباحثين الأنثروبولوجيين هم الأكثر نقدًا للذات، بتقييمهم المستمر لفاعلية منهجيتهم. وخلال التسعينات من القرن العشرين حدث تحول من الملاحظة بالمشاركة إلى عملية تفاعل شخصي في تبادل الحكايات في سبيل تحقيق معادلة للفائدة الناجمة عن البحث. فالنساء يكشفن عن هوياتهن بدرجة أكثر مصداقية عند حديثهن عن أنفسهن وعن بعضهن البعض. وتؤكد دراسة روزماري صايغ (Rosemary Sayigh 1994) لأثر الحروب والسياسة على النساء في معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وفي الأراضي تحت الاحتلال الإسرائيلي أنه يجب على قصص الحياة أن تتطور طبيعيًا فلا يجب أن توجهها أسئلة القائم أو القائمة بالمقابلة الشخصية. وفي استخدامها للنصوص الشفاهية والعروض الخاصة بالنساء في دراسة عملية بناء الجندر في إيران ما بعد الثورة، توقفت إيريكا فريدل (Erika Friedl 1989) أمام التبعات والنتائج المتنوعة لعملية الأسلمة وغيرها من الضغوط التي تتعرض لها حياة النساء الإيرانيات الريفيات وتداعياتها على مكانتهن الاجتماعية.
وقد صاحب اهتمام الباحثات والباحثين الأنثروبولوجيين بقصص الحياة ازدهارًا في كتابة قصص الحياة، أي سير الحياة والسير الذاتية. وأخذ المؤرخون والمؤرخات والمتخصصون في الدراسات الأدبية في مراجعة وإعادة التفكير في معاني النصوص ما قبل الحديثة، مع تأكيد عناصر السير فيها. فجمعت ماري آن فاي (Mary Ann Fay 2001) مقالات تتناول قصص حياة الأفراد، وقيل إن هذه السرديات تحديدًا هي أكثر صدقًا وقربًا من الحقيقة من الحقيقة الأحادية للتاريخ. وبينما تواجه كتابات سير الحياة المزاعم الواردة في التأريخ الذي يهيمن عليه الرجال، فإن السير الذاتية تكشف عن الاستراتيجيات المعقدة التي تتضمنها عملية بناء وصياغة الذات.
وفي كل الأفرع المعرفية نجد أن الباحثين والباحثات من الشمال والجنوب يكافحون من أجل إيجاد طرق للحديث عن الاختلافات الثقافية دون إضفاء الجوهرية أو فرض طبيعة مادية على الآخر. فكيف يمكن لمنهجية قائمة على التعددية الثقافية أن تتجنب مخاطر النسبية الثقافية؟ كيف تحدث تغير في علم السياسة وحقيقة التاريخ عندما يتم النظر إليهما من خلال منظور الجندر؟ وقد أدت مثل هذه الأسئلة إلى خلق حالة حوار بين وحدات التحليل المختلفة وبين الأفرع المعرفية المختلفة، فقد أثارت قضايا الأسرة والدولة على سبيل المثال الباحثين والباحثات في التاريخ والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية. ونجد أن سعاد جوزيف (Suad Joseph 1999) ركزت على ما أطلقت عليه تشكيل الذات الحميمية وهو الأمر الذي يفسر كيفية اكتساب الأقرباء الذاتية داخل العلاقات القائمة. وعن طريق تحديد الفروق بين النساء بناء على الطبقة والتاريخ الزمني والمنطقة ومختلف أشكال الإنتاج، قام الباحثون والباحثات بالتساؤل والتشكيك في الإبستمولوجية المعرفية القائمة على الثنائيات والتي تعمل على تقسيم الأماكن والتجارب الخاصة بالشعوب التقليدية والحديثة، والخاصة بالنساء في الريف والحضر أو في مجتمعات البداوة والاستقرار، كاشفين وكاشفات عن مدى التعقيد الكامن في التفاعل بين الظروف المتعددة التي تشكل حياة النساء في الثقافات الإسلامية المعاصرة.
أنتجت ثورة ۱۹۷۹ الإسلامية في إيران دراسات شاسعة عن أدوار النساء ومكانتهن في التاريخ وفي هذا المجتمع الذي أصبح إسلاميًا مؤخرًا. وبالفعل يمكن اعتبار أن الثورة ساهمت في تقوية مجال الدراسات النسائية في الثقافات الإسلامية من خلال دفع الباحثين والباحثات من مختلف الأفرع المعرفية إلى الالتفات إلى أعمال بعضهم البعض. وقد عمل تصدير الأعراف والقيم الإسلامية عبر العالم، سواء من إيران الشيعية أو السعودية السنية، على تأكيد دور النساء باعتبارهن رموزًا ثقافية دينية.
إن غالبية الإيرانيين والإيرانيات ممن كتبوا عن تكيف النساء اجتماعيًا وسياسيًا مع ظروفهن المزعجة كانوا قد تلقوا تعليمهن في الغرب أو يعيشون في المنفى (Afkhami and Friedl 1994) وانشغلوا تمامًا بالحجاب، الذي كان في البداية رمزًا للولاء الوطني والاستقلال من نظام الشاه المتفرنج ثم تحول إلى نظام للزي الرسمي مصمم بحيث يقيد حركات هؤلاء النساء. ولم يكن الحجاب هو مساحة التناقض والغموض الوحيدة التي يتصف بها أثر الثورة الإيرانية على النساء. فمن التطورات المثيرة للعجب ظهور مؤسسة الزواج المؤقت (Haeri 1989).
ومنذ عام ۱۹۸۱م وما بعدها أخذ الباحثون والباحثات في التاريخ والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية في طرح التساؤلات بشأن العلاقة المتغيرة بين النساء والرموز الدينية المتصلة بهن. وأكد الكثيرون منهم أنه على الرغم من المظهر الخادع الموحي بنقيض الواقع فإن النساء لا يتقبلن القيود المفروضة عليهن بسلبية، بل يقمن باختياراتهن بإرادة فاعلة. ونجد أن غالبية البحوث التي تتناول الحجاب في الثمانينات من القرن العشرين ركزت على مصر. وقد كشفت فدوى الجندي (Fedwa al-Guindi 1981) عن الإمكانيات التحررية الكامنة في الحجاب حتى في أكثر السياقات المحافظة كالانتماء إلى جماعات إسلامية. كما رأت ليلى أحمد (Leila Ahmed 1982) أن المعاني التي جرى العرف على ربطها بسلوكيات وتوقعات معينة هي معان تستدعي المساءلة وربما التغيير. كما أن الحجاب والفصل بين الجنسين ليسا بالضرورة مصدرًا للقهر بل قد يدعمان في الظروف المناسبة علاقات الأختية (sisterhood) وتمكين النساء. أما عالمة الاجتماع آرلين ماكلويد (Arlene MacLeod 1991) فقامت بتعقيد رمزية الحجاب من خلال ملاحظتها للنساء القاهريات من الطبقة الوسطى الدنيا اللاتي يضطرون إلى كسب المال للحفاظ على الوضع الاجتماعي لأسرهن والمهدد بالانحدار، مع حفاظهن على شرف الأسرة من خلال الالتزام بالزي المحتشم. فالمرأة التي ارتدت الحجاب عبرت بذلك عن تدينها وبالتالي أمكنها الدخول إلى الحيز الممنوعة منه والمطالبة بحقوقها. ومن الواضح أن معنى الحجاب يختلف تبعًا لمن ترتديه وتوقيت ارتدائه والصحبة التي تشاركتها في ارتداء الحجاب (Gole 1996).
ومع انتهاء الحرب الباردة في عام ۱۹۹۰م، بدت الأصولية الإسلامية للبعض كما لو كانت هي البديل الوحيد للانتشار العالمي للهيمنة الرأسمالية بسيادة الولايات المتحدة. واكتسبت الرموز والخطاب الإسلامي شرعية جديدة، حتى في بعض الأماكن التي كانت تعكس في السابق صورة قومية علمانية. وركز الإصلاحيون الإسلاميون الكثير من انتباههم على أدوار وسلوكيات ومظهر النساء اللاتي تم تحويلهن إلى رموز للنقاء والتدين في ثقافاتهن. إن المراجعات التي تمت في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، وهي مراجعات كانت في الغالب على حساب حقوق النساء، أثارت البحوث النسوية وفرضت الالتفات إلى العلاقات بين النساء والقومية وحقوق الإنسان والنزعة الإسلامية في أماكن مثل جنوب أفريقيا وماليزيا والجزائر وبنغلاديش وأفغانستان (Moghadam 1994). وفي الوقت الذي كان فيه التركيز الاستعماري على حقوق النساء، وخاصة غياب هذه الحقوق المنصوص عليها في الكتب الإسلامية، يستخدم لتأكيد تباين المجتمع المسلم مع العالم الحديث، نجد أن ما يحدث اليوم من دعوة لدعم حقوق النساء لا يمكن طرحها كمجرد جزء من المنطق الإمبريالي (Afkhami 1995). إن تطبيق برنامج مجموعة العمل لمؤتمر بكين ١٩٩٥ الذي أعلن ارتفاع معدل العنف ضد النساء باعتباره من معوقات تحقيق المساواة والتنمية والسلام هو أمر ساعد على جعل حقوق النساء قضية عالمية.
إن تحويل العديد من المجتمعات إلى مجتمعات إسلامية أثار ردود فعل على مستوى العمل السياسي والأكاديمي، ويمثل باحثو وباحثات الدراسات الدينية أحدث المنضمين إلى مجال الدراسات النسائية في الثقافات الإسلامية. حيث يقوم هؤلاء الباحثون والباحثات بدراسة التشكيل الإبستمولوجي المعرفي من منطلق الجندر مع حرصهم على عدم المساس بقدسية القرآن ولكن التوقف فقط أمام زمانية تفسيراته، وأكثر ما يعترضون عليه هو أن القول بأن القرآن قد تم تفسيره وأن التاريخ قد تم تدوينه وتناقله عبر الأجيال بواسطة الرجال فقط.
إن الناشطين والناشطات الباحثين والباحثات، من الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، الذين كانت أصواتهم تعتبر حتى وقت قريب آتية من على هامش عالم المسلمين، بدأوا يجدون آذانًا صاغية مع مطالبتهم بحق الحديث بالنيابة عن أنفسهم دون وسيط (Webb 2000). حيث تقوم أمينة ودود محسن (Amina Wadud- Muhsin 1992) بالتفسير المنظم للآيات القرآن المتعلقة بالنساء لتوضح كيف يمكن تفسير أكثر الآيات سلبية بصورة إيجابية. وقد انضم إلى هذا الجدل بعض الباحثين والباحثات من جنوب أفريقيا ممن يطالبون بالتفسير الجاد والدقيق دون الوقوع في شرك النبرة الدفاعية (Esack 1996)، ويؤكد إبراهيم موسى (Ebrahim Moosa 2002) بشدة على أن المنهجية النسوية الإسلامية لا يمكنها الاعتماد على القرآن وحده ولكن يتعين عليها التدقيق الجاد في الخطاب والفرضيات الخاصة بمرحلة تأسيس القانون الإسلامي وذلك لفهم كيف قام التراث التشريعي بخلق حالة حوار بين القرآن والوقائع التاريخية والاجتماعية.
إن إعادة تفسير وتأويل المصادر والخطابات الإسلامية تعمل على دفع الدراسات النسائية في الثقافات الإسلامية، ولم يحدث من قبل أن كان للنظرية ذلك القدر القوي من التأثير في الممارسة والتطبيق. كما ظهر وعي جديد بأهمية البحث الديني. ويقوم بعض علماء الاجتماع والمتخصصون في العلوم الإنسانية، رجالاً ونساء، بإدخال عناصر من البحث الديني في منهجياتهم المعرفية (Stowasser 1994, Yamani 1996, Cooke 2001). كما نجد بعض عالمات الاجتماع Mernissi 1987) والمؤرخات (Djebar 1991) يبحثن ويتدارسن علم تأويل النصوص الدينية وأنماط البحث القانوني، فيقمن بتفحص النصوص التأسيسية لما تحتويه من عمليات منطقية قام بها الآباء المؤسسون، وذلك في سبيل فهم مدى وكيفية حصول النساء على الأشياء العامة.
وقد مجد البعض العصور الأولى للإسلام، بينما أثنى آخرون على عصور ما قبل الإسلام، باعتبارها العصر الذهبي للنساء، ففي الوقت الذي يعتبر العرب حياة وزمن النبي محمد نموذجًا مثاليًا، فإن غير العرب أميل إلى الرجوع إلى الأعراف والقيم من ما قبل الإسلام التي تأثرت سلبًا بدخول الإسلام إلى المنطقة (Keddie 2002). إن المجلد الذي ألفته باحثتا الأنثروبولوجيا الاجتماعية كارين آسك وماريت تيومسلاند (Karin Ask and Marit Tjomsland 1998) عن الهوية الدينية للنساء المسلمات، على المستوى الفردي والجماعي والوطني والدولي، يعتمد على الأساس الرمزي الذي يحمله القرآن والحديث. وقد تمت صياغة مصطلح النسوية الإسلامية لوصف الأعمال والخطاب الخاص بمن يدعون إلى حقوق النساء في إطار الإسلام الصحيح (Yamani 1996)، في حين أن البعض يرفض إمكانية استخدام هذا المصطلح من أساسه، حيث ترفض هايده موغيسي (Haideh Moghissi 1999) قبول القول بأن نشاط النساء يمكن أن يتماشى مع فرض الأعراف الدينية التي تنحاز إلى الرجال، وباعتبار هذا الكتاب نقدًا راديكاليًا جذريًا للنسبية الثقافية نجده يؤكد على أن النسوية تتعارض مع التعاليم والممارسة الإسلامية التقليدية.
وقد كان للاعتبارات القانونية دومًا أثرها على البحوث التي تتناول النساء في الثقافات الإسلامية. فبينما نجد في أعمال العلماء والباحثين السابقة على ذلك والمساندة للنساء تأكيدًا على الإمكانيات التحررية الكامنة في القانون العلماني والاستعماري إلا أن الأعمال الأحدث تهتم بالقانون الإسلامي. وعلى الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية للمسلمين كان أداة أساسية في إيجاد هيكل لمقاومة السيادة الاستعمارية مما منحه مكانة مميزة في تعريف الذات الجماعية إلا أن فرضه مؤخرًا كانت له تداعياته السلبية على النساء. وتقوم أفسانه نجمبادي (Afsaneh Najmabadi 1998) وزیبا مير حسيني (Ziba Mir- Hosseini 1999) بفحص الخطاب الديني للرجال وظهور نزعة نسوية إسلامية مميزة (دون أي دفاع عن استخدام المصطلح) في إيران عند نهاية القرن، وهو ما يمكن أن نجده في المجلة التقدمية زنان (Zanan)، وذلك في الممارسات اليومية لمحاكم الطلاق الإسلامية، وفي تفاسير المصادر الإسلامية بالغة التنوع التي يقوم بها الشيوخ والملالي المعاصرون. وبينما رأى البعض في الأيام الأولى للثورة الإيرانية أن الإسلام بالضرورة يحول دون حصول النساء على الحقوق والفرص، إلا أن المقاومة النسائية التي دامت عشرين عامًا بينت وجود مصادر قانونية ودينية كتابية تتيح إعادة تفسير وتأويل المصادر بما يدعم رؤية نسوية للعالم على قاعدة إسلامية. إن الملاحظات النقدية التي طرحتها الباحثات النسويات الإسلاميات أخذت في التأثير على إنتاج المعرفة في الدراسات النسائية الأوروبية والأمريكية (Eisenstein 2002).
إن المسوح القائمة على التركيب والتأليف بين معطيات المجال المعرفي وكذلك المسوح القائمة على نظرة استرجاعية في عديد من الأفرع المعرفية هي علامة على نضج البحوث التي تتناول النساء في الثقافات الإسلامية (على سبيل المثال، (Keddie 2000, 2002). وعلى مدار عقد من الزمان قفزت أدوات ومصادر الدراسات النسائية في الثقافات الإسلامية من “دار الكتب” المصرية (وهو أرشيف الكتب الموجود في القاهرة بما يمثله من صعوبات) إلى “غوغل” (أكثر محركات البحث سرعة وشمولاً على الشبكة الإلكترونية العالمية). كما تتزايد المصادر وأصبحت متاحة بلمسة زر الحاسب الآلي، وكذلك أدى تطبيق النظام الرقمي (digitization) إلى إيجاد مكتبات اعتبارية تتيح سهولة الوصول إلى مصادر لم تكن متاحة من قبل مثل المقابلات الشخصية المسجلة على أرض الواقع والمخطوطات النادرة. وتتيح الشبكة الإلكترونية العالمية توزيع المواد الزائلة التي لا تقدر بثمن بالنسبة للباحثين والباحثات، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا النسائية. إن الوصول الفوري للمصادر التي كانت إلى وقت قريب تتطلب السفر والحصول على التصاريح والإقامة المطولة في أماكن بعيدة هو أمر يعزز قيام منهجيات بحث جديدة.
إن ثورة الاتصالات زودت من سرعة قيام شبكات وصلات دولية، حيث يتم توزيع بيانات ومطالب اتخاذ فعل ما بشأن الظلم الواقع على النساء توزيعًا سريعًا عبر العالم، مع تقريب الأكاديميين والأكاديميات والناشطين والناشطات إلكترونيًا في سعيهم للتوصل إلى حلول عن طريق التعاون والعمل المشترك. كما توفر الوثائق التي تنشرها هذه الشبكات كنزًا من المصادر عن الطرق التي تتخذها النساء في الثقافات الإسلامية للكفاح والنضال في سبيل حقوقهن عبر العالم. والاجتماعات الدولية التي يتم نقلها نقلاً مباشرًا بصورة متزايدة إلى مناطق بعيدة هي لقاءات تتيح ساحات لإعادة التفاوض بشأن المواقع وبرامج العمل والمنهجيات. وبينما تظل الاختلافات بين الشمال والجنوب قائمة إلا أن المستقبل سيتيح فرصًا أكثر لعقد اجتماعات تقوم على المساواة بين الطرفين، فعلى سبيل المثال نجد أن المؤتمرات الاعتبارية التي تعقد مع وجود المشاركين والمشاركات في مواقعهم هي مؤتمرات تسمح بحدوث تواصل واتصال عبر مسافات مهولة من مقر المؤسسة المحلية. إن هذا التواجد عن بعد (telepresence) يسلط مزيدًا من الضوء على موقع إنتاج المعرفة، كما أن التسويات والتنازلات التي كثيرًا ما تفرضها قواعد الضيافة على أرض الواقع أصبحت ذات طبيعة أكثر تطوعية في البيئة الإلكترونية (cyberenvironment).
لقد تحولت دراسة النساء في الثقافات الإسلامية من النبرة الدفاعية إلى النزعة النقدية بدءًا مارغريت سميث التي كتبت في الفترة التي شهدت تطور النقاش الجاد عن الحجاب، وانتهاء بالفتاوى الفورية التي تنشر على الشبكة الإلكترونية. وقد دفعت المفاهيم الجديدة الخاصة بماهية المصدر المناسب ظهور منهجيات ونظريات جديدة تعتمد بشكل متزايد على المقاربات المقارنة في الدراسات البينية وعبر العالم. وقد أتاح التغير في التركيز من مسألة النساء إلى الجندر رؤية جديدة للمواد القديمة، كما يتم ابتكار منهجيات جديدة للتعامل مع المصادر القديمة والتي تؤدي إلى إخراج معلومات جديدة تؤدي بدورها إلى اكتشاف مصادر جديدة. إنها عملية دائرية متداخلة وفي طور النمو.
جوزيف زيدان، مصادر الأدب النسائي في العالم العربي الحديث، جدة ١٩٨٦.
—، مصادر الأدب النسائي في العالم العربي، الحديث ۱۸۰۰ – ۱۹۹۲، بیروت ۱۹۹۹.
L. Abu-Lughod, Veiled sentiments. Honor and poetry in a Bedouin society, Berkeley 1986.
E. Accad, Veil of shame. The role of women in the contemporary fiction of North Africa and the Arab world, Sherbrooke, Québec, Canada 1978.
——, Sexuality and war. Literary masks of the Middle East, New York 1990.
M. Afkhami, Faith and freedom, Syracuse, N.Y. 1995.
M. Afkhami and E. Friedl, In the eye of the storm. Women in post-revolutionary Iran, Syracuse, N.Y. 1994.
L. Ahmed, Western ethnocentrism and perceptions of the harem, in Feminist Studies 8:3 (1982), 521–34.
——, Women and gender in Islam. Historical roots of a modern debate, New Haven, Conn. 1992.
M. Alloula, Le harem colonial. Images d’un sous-erotisme. Geneva 1981.
S. Arebi, Women and words in Saudi Arabia. The politics of literary discourse, New York 1994.
K. Ask and M. Tjomsland (eds.), Women and Islamization Contemporary dimensions of discourse on gender relations, Oxford 1998.
M. Badran, Feminists, Islam and nation. Gender and the making of modern Egypt, Princeton, N.J. 1995.
M. Badran and m. cooke (eds.), Opening the gates. A century of Arab feminist writings, London 1990.
B. Baron, The women’s awakening in Egypt. Culture, society, and the press, New Haven, Conn. 1994.
L. Beck and N. Keddie (eds.), Women in the Muslim world, Cambridge, Mass. 1978.
M. Booth, May her likes be multiplied. Biography and gender politics in Egypt, Berkeley 2001.
D. Chatty and A. Rabo (eds.), Organizing women. Formal and informal women’s groups in the Middle East, Oxford 1997.
J. Clancy-Smith, Rebel and saint. Muslim notables, populist protest, colonial encounters. Algeria and Tunisia 1800–1904, Berkeley 1994.
M. Cooke, War’s other voices. Women on the Lebanese civil war, Cambridge 1988.
——, Women and the war story, Berkeley 1997.
——, Women claim Islam. Creating Islamic feminism through literature, New York 2001.
R. E. Cornel, Sufi women, Louisville, Ky. 2000.
A. Djebar, L’amour, la fantasia. Roman, Paris 1985.
——, Loin de Médine. Filles d’Ismael, Paris 1991.
A. Duben and C. Behar, Istanbul households. Marriage, family, and fertility 1880–1940, New York 1991.
Z. Eisenstein, Feminism and Afghan women before and after September 11, in Social text 20:3 (2002), 79–99.
F. Esack, Qurán, liberation and pluralism. An Islamic perspective of interreligious solidarity against oppression, Oxford 1996.
M. A. Fay (ed.), Auto/biography and construction of identity and community in the Middle East, New York 2001.
E. Fernea and B. Bezirgan (eds.), Middle Eastern Muslim women speak, Austin, Tex. 1977.
E. Friedl, Women of Deh Koh, Syracuse, N.Y. 1989.
——, Notes from the village. On the ethnographic construction of women in Iran, in F. M. Göçek and S. Balaghi (eds.)
Reconstructing gender in the Middle East, New York 1994, 85–99.
N. Göle, The forbidden modern. Civilization and veiling, Ann Arbor 1996.
S. Graham-Brown, Images of women. The portrayal of women in photographs of the Middle East 1860–1950, London 1988.
F. al-Guindi, Veiling “infitah” with Muslim ethic. Egypt’s contemporary Islamic movement, in Social Problems 28:4 (1981), 465–85.
S. Haeri, The law of desire. Temporary marriage in Shi‘i Iran, Syracuse, N.Y. 1989.
S. Hale, Gender politics in Sudan. Islamism, socialism, and the state, Boulder, Colo. 1996.
G. Hambly (ed.), Women in the medieval Islamic world, New York 1998.
S. Joseph (ed.), Intimate selving in Arab families. Gender, self, and identity, Syracuse, N.Y. 1999.
——, Civil society, the public/private, and gender in Lebanon, in Fatma Muge Göçek (ed.), Social constructions of
nationalism in the Middle East, Albany, N.Y. 2002, 167–89.
M. Kahf, Braiding the stories. Women’s eloquence in the early Islamic era, in G. Webb, Windows of faith. Muslim women scholar-activists in North America, Syracuse, N.Y. 2000, 147–71.
D. Kandiyoti (ed.), Women, Islam, and the state, Philadelphia 1991.
N. Keddie, The study of Muslim women in the Middle East. Achievements and remaining problems, in Harvard Middle Eastern and Islamic Review 6 2000, 26–52.
——, Women in the limelight. Some recent books on Middle Eastern women’s history, in International Journal of Middle
East Studies 34:3 (2002), 553–73.
B. Laslett, J. Brenner, and Y. Arat (eds.), Rethinking the political. Gender, resistance, and the state, Chicago 1995.
A. E. Macleod, Accommodating protest. Working women, new veiling, and change in Cairo, New York 1991.
V. Maher, Women and property in Morocco, London 1974.
F. Malti-Douglas, Men, women, and god(s). Nawal El Saadawi and Arab feminist poetics, Berkeley 1995.
G. Massell, The surrogate proletariat. Moslem women and revolutionary strategies in Soviet Central Asia, Princeton, N.J. 1974.
B. Melman, Women’s orients. English women and the Middle East 1718–1918. Sexuality, religion, and work, Basingstoke, U.K. 1995.
F. Mernissi, Le harem politique, Paris 1987, published as Women and Islam, trans. Mary Jo Lakeland, Oxford 1991.
——, Sultanes oubliées. Femmes chefs d’état en islam, Paris 1990, published as The forgotten queens of Islam, trans. Mary
Jo Lakeland, Cambridge 1993.
F. Milani, Veils and words. The emerging voices of Iranian women writers, Syracuse, N.Y. 1992.
Z. Mir-Hosseini, Islam and gender. The religious debate in contemporary Iran, Princeton, N.J. 1999.
V. M. Moghadam, Modernizing women. Gender and social change in the Middle East, Boulder, Colo. 1993.
—— (ed.), Gender and national identity. Women and politics in Muslim societies, London 1994.
——, Transnational feminist networks. Collective action in the era of globalization, in International Sociology 15:1 (2000), 57–85.
H. Moghissi, Feminism and Islamic fundamentalism. Limits of postmodern analysis, London 1999.
C. Mohanty, Under Western eyes. Feminist scholarship and colonial discourses, in Boundary 12:3–13:1 (1984), 333–58.
E. Moosa, Poetics and politics of law after empire. Reading women’s rights in the contestations of law, in UCLA Journal of Islamic and Near Eastern Law 15:1 (2001–2), 185–215.
A. Najmabadi, “Years of hardship, years of growth.” Feminisms in an Islamic republic, in Y. Haddad and J. Esposito (eds.),
Islam, gender, and social change, New York 1998, 59–84.
P. Paidar, Women and the political process in twentieth-century Iran, Cambridge 1995.
L. Peirce, The imperial harem, Oxford 1993.
A. Rifaat, Distant view of a minaret, trans. D. Johnson-Davies, London 1986.
N. Saadawi, Woman at point zero, trans. Sherif Hetata, London 1983.
R. Sayigh, Too many enemies. The Palestinian experience in Lebanon, London 1994.
A. L. al-Sayyid Marsot, Women and men in late eighteenth-century Egypt, Austin, Tex. 1995.
H. al-Shaykh, The story of Zahra, London 1986.
M. Smith, Rabi’a the mystic and her fellow-saints in Islam, Cambridge 1928.
C. F. El-Solh and S. Altorki (eds.). Arab women in the field. Studying your own society, Syracuse, N.Y. 1988.
D. Spellberg, Politics, gender, and the Islamic past. The legacy of ‘Ā’isha Bint Abi Bakr, New York 1994.
G. C. Spivak, Can the subaltern speak? in Wedge 7:8 (1985), 120–30 and C. Nelson and L. Grossberg (eds.), Marxism and the interpretation of culture, Urbana, Ill. 1988, 271–313.
B. Stowasser, Women in the Qur’an, traditions, and interpretation, New York 1994.
J. Tucker. Women in nineteenth-century Egypt, Cambridge 1985.
A. Wadud-Muhsin, Qur’an and woman, Kuala Lumpur 1992.
G. Webb (ed.), Windows of faith. Muslim women scholar-activists in North America, Syracuse, N.Y. 2000.
M. Yamani (ed.), Feminism and Islam. Legal and literary perspectives, New York 1996.