العدد الثاني– 2 نوفمبر 2020 –

حكايات من دفتر كورونا

لاجئون في زمن كورونا

غربتان داخل وطن مستعار

مع ظهور جائحة فيروس كورونا (كوفيد19) فرضت الحكومة المصرية حظراً جزئيًامنذ منتصف مارس الماضييُقيد الحركة ويُقلل عدد ساعات عمل العديد من القطاعات، ما أثر بشكل مباشر على أوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء الاقتصادية والاجتماعية، فأصبحوا أكثر ضعفًا في مواجهة اﻷزمة، وفقد الكثير أعمالهم البسيطة التي كانت بالكاد تكفي لسد الاحتياجات اﻷساسية، عاجزين عن توفير أبسطها. ووجد الكثير منهم أنفسهم مهددين بالطرد من مساكنهم، ومنهم من تمَّ طردهبالفعل لعدم قدرته على دفع اﻹيجار.

ويُقدر بنك التنمية اﻹفريقَّي أن التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا قد تدفع نحو 50 مليون إفريقَّي إلى الفقر المُدقع، ومن المُقدر أن ما يصل إلى 30 مليون عامل سيفقدون وظائفهم هذا العام ؛بسبب اﻷزمة، وحازت نيجيريا على نصيب اﻷسد في حصيلة ارتفاع معدلات الفقر، وفي السودان أدت إجراءات اﻹغلاق إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبسبب اﻷزمة الاقتصادية الطاحنة فقد بالفعل عدد كبير من اللاجئين أعمالهم، وحسب موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، تستضيف مصر عدد 258.812 من اللاجئين وطالبي اللجوء حاليًا.

من جانبها قلصت المفوضية المعنية بأمور اللاجئينمنذ منتصف مارس الماضيأنشطتها مع التعهد باستمرار تقديم المساعدات المالية، وخصصت خطوطًا هاتفية طارئة لتلقي شكاوي اللاجئين، على أ، تستمر المساعدات المالية خلال تقليص اﻷنشطة، وكذلك توفير الخدمات اﻷساسية المتعلقة بالعنف القائم على النوع وحماية الطفل ولكن بسعة محدودة، واﻷولوية للحالات الطارئة، ونصحت اللاجئين ومُلتمسي اللجوء باتباع التوصيات المقدمة من السلطات المصرية وخاصةً وزارة الصحة والسكان، للتعامل مع الفيروس، حسب موقعها الرسميَّ.

ووفق إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لشهر فبراير 2020 يقيم في مصر لاجئون من أكثر من 50 دولة، مسجل منهم 258 ألف و 433 لاجيء وطالب لجوء، من بينهم أكثر من 43 ألف من السودان، فيما تقول الحكومة المصرية أن عدد اللاجئين والمهاجرين في مصر بلغ أكثر من 5 ملايين.

وخلال العامين الماضيين ازداد عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مصر بنسبة %24، ويعيش حوالي %80 من مجموع هؤلاء في ظروف إنسانية بائسة عاجزين عن تلبية حتى أبسط احتياجاتهم، مثل: الغذاء، أو المأوى، أو الرعاية الصحية بحسب الموقع الرسمي للمنظمة، ما أجبر المفوضية على إطلاق نداء(كوفيد 19) العالمي المنقح في 11 مايو، متمثلًا في طلب 745 مليون دولار أمريكي حتى نهاية عام 2020، لتلبية الاحتياجات الفورية في البلدان ذات اﻷولوية، وذكرت أن المتطلبات المالية الشاملة للمفوضية في منطقة الشرق اﻷوسط وشمال إفريقيا في عام 2020 من أجل التأهب والاستجابة، تبلغ 343 مليون دولار أمريكي.

بينما في مصر، طالبت المفوضية بميزانية قدرها 10.2 مليون دولار أمريكي للمساعدة في تقديم خدماتها اﻹضافية المنقذة للحياة في مواجهة الفيروس القاتل، لم يتم تغطيتها بعد، وكل ما وصل إلى المنظمة من المبلغ المطلوب لا يشكل سوى 6.7% فقط ؛ بسبب أزمات التمويل.

وبسبب أزمة التمويل الحالية، إضافة إلى اﻹجراءات الاحترازية المشددة التي اتخذتها الحكومة المصرية ؛ توقفت المدارس المجتمعية الخاصة باللاجئين، كما توقف عدد من المشاريع الخاصة بهم والمصانع، وفقد الكثير من أصحاب العمالة غير المنتظمة من اللاجئين وطالبي اللجوء عملهم، فيما توقفت معونات الجمعيات المعنية باللاجئين والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ما ساعد في زيادة سوء أوضاع الكثير من أسرهم، حتى عجز بعضهم عن شراء أبسط متطلبات الوقاية الشخصية من كمامات، ومطهرات وغيرها؛ بسبب غلاء أسعارها بالنسبة لحالتهم الاقتصادية.

لاجئات في مهب الريح

جولييت جيمس (اسم مستعار حسب طلب المصدر) لاجئة من جنوب السودان أتمت عامها الثلاثين، أرملة وأم لطفل يبلغ من العمر أربع سنوات، تقول إنه في ظل أزمة كورونا عانى أكثر من %80 من اللاجئين من فقدان العمل وتراكم اﻹيجارات السكنية عليهم، وبالتالي أصبحوا عُرضة للطرد من سكنهم.

وتصف جيمس أن كثير من اللاجئين قد توفوا نتيجة عدم قدرتهم على تحمل التكلفة العلاجية في المستشفيات، سواء أكانوا أصيبوا بالفيروس أو كانوا أصحاب أمراض مزمنة، متابعة: “صديقتي توفيت نتيجة اﻹهمال الطبي، فبعد دخولها المستشفى للعلاج من مشكلة في المرارة، اشتبه اﻷطباء في إصابتها بكورونا؛ وطردوها حتى لفظت أنفاسها دون التأكد من إيجابية الحالة حتى، وهناك العديد ممن يعاني من ظروف اقتصادية وصحية غاية في الصعوبة، بعد توقف عمل المفوضية والتحويلات المالية لا تتخطى مبلغ 800 جنية وهو مبلغ لا يكفي للعلاج أو دفع اﻹيجارات السكنية“.

عن سبب المجيء إلى مصر من إحدى عشرة سنة وتحديدًا في العام 2009، تقول اللاجئة التي عملت في الصليب اﻷحمر السوداني، إنها عانت من مضايقات أمنية؛ ما أجبرها على الهروب إلى مصر مضيفةً : “ضايقني الكثير من الجيرات المصريين، حتى أن أحدهم استدعى الشرطة بسبب لعب ابني في شقتنا التي تعلو شقته، فلجأـ إلى المفوضة لحل اﻷمر، لكنها باتت لا تشعر باﻷمان في مسكنها، تلقت بعدها اتصالًا من المفوضية مع وعد بالتواصل القريب، ولكن لم يفعلوا.

عبّرت اللاجئة السودانية عن غضبها الشديد من الممارسات شديدة العنصريةحسب وصفهاالتي تقابلها أثناء العمل في مصر، البداية وصفت مهنتها باﻷعمال الحرة، ثُمَّ شرحت: “ أعمل عاملة منزلية لدى المصريين، لكن أتلقى الكثير من اﻹهانات، والمعاملة السيئة، كما أن الرواتب لا تكفي، فطوال عملي في مصر عملتْ في الكثير من اﻷعمال غير المناسبة لي، لاضطر بعدها للعمل في المنازل فقد عملت لدى سيدة أجنبية تعمل مستشارة لدى جامعة الدول العربية، عاملتها بطريقة سيئة بعد أن طردتها من العمل وسرحتها دون الحصول على مستحقات الشهر اﻷخير، أيضًا خاطبت المفوضية لكن لم يتم الرد.

تعرضت مواطنة جنوب السودان للتحرش في المنطقة التي تعيش بها في (عزبة نافع) بالمعادي، تكرر اﻷمر لدرجة أن لجأـ لاحرير محضر لدى الشرطة، لكنهم لم يحركوا ساكنًا، تابعت: “ أستأجر شقة بمبلغ 1500 جنيه شهرية، ولا أتحصل على أموال لسد الجوع، خصوصًا بعد أزمة كورونا، كل المساعدات التي أحصل عليها من المنظمات الرسمية وغير الرسمية 1600 جنيه فقط، كذلكتتلقى مساعدات كل أربعة أشهر من إحدى الكنائس بروكسي.

حاولت الحصول على فرص عمل لدى الشركات المصرية، ذهبتْ إلى اتصالات وأجريتْ مقابلتي عمل، لكنها لم توفق رغم مؤهلاتها، وكان الرد: “نأسف، ليس هناك فرص عمل سوى لغير المصريينتنهدت السيدة الثلاثينية مؤكدة أن الحكومة المصرية تتعنت في تجديدات اﻹقامة للاجئين، فتصريح اﻹقامة يجب تجديده كل ستة أشهر،وتبدأ اﻹجراءات قبل انتهائه بشهرين كاملين، ومنذ فبراير الماضي لم تستلم اﻹقامة، ومعها فقط رقم سلمته إياها السلطات المسؤولة.

مختتمة: “ أين حقوق اللاجئين ودعم الدولة لهم في ظل أزمة كورونا ومن قبلها، اللاجئون لا يتمتعون بأي حقوق في مصر، ولا أتحدث عن الطعام فقط، أين حقوق الصحة والسكن والعمل؟

عزيزة إسماعيلاسم مستعارلاجئة من شمال السودان، قدمتْ دارفور مع زوجها وأبنائها الثلاثة، في العام 2014؛ هربًا من الصراعات الدائرة هناك، وتعيش الآن في شقة بسيطة في منطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة.

تنقلت بين اﻹسكندرية والجيزة في مناطق عدة منذ قدومها إلى مصر،تركت الكثير من محال السكن نتيجة مضايقات جيرانها المصريين، أو بسبب التنمر، أو لظروف مادية قاسية، منذ ثلاثة شهور لم تدفع اﻹيجار، ومعرضة للطرد في أيّ لحظة، حتى أن صاحب الشقة احضر مستأجرين جدد لمعاينة المسكن وهم مازلوا موجودين به.

لتوفير لقمة العيش، عملت مُدرسة في مدارس اللاجئين مقابل 750 جنيه شهريًا، ثُمَّ عاملة منزلية بأجر هزيل، والآن لا تستيع العودة للعمل؛ نظرًا لظروفها الصحية المتدهورة.

زوجها مهندس إلكترونيات في اﻷصل لكنه لا يجد عملًا بمؤهله الجامعي في مصر، واضطر ليعمل مُدرس في مدارس اللاجئين مقابل 1200 جنيه فقط، وبعد أزمة كورونا وشكاوي ومقابلات عديدة، أخيرًا منحتهم المفوضية إعانة شهرية بقيمة 2000 جنيه، منذ شهر أبريل الماضي.

توقفت الحياة بالنسبة بالنسبة لهم وفي كثير من اﻷحيان لا يجدون الطعام ﻷيام طويلة، ولا يقوم المصريون بمساعدتهم، لدرجة أن قدموا أوراقهم في السفارة البريطانية، وكانوا سيسافرون إلى بريطانيا باعتبارهم لاجئين بعد أن ضاق بهم الحال في مصر في مارس الماضي، لكن توقف رحلات الطيران وإغلاق الدول منافذها البرية والبحرية والجوية حال دون ذلك، لتعيش هي وابنائها بدون أثاث في منزل مُستهلك ومُعرضة للطرد في أي وقت فلا تستطيع تسديد إيجار 1500 ج شهرية لتتراكم اﻹيجارات.

تُطالب اللاجئة السودانية الحكومة المصرية بالحماية المجتمعية والقانونية، وأيضًا المفوضية للقيام بكافة أدوارها.

متحدثًا عن المنح المالية من المفوضية لدعم اللاجئين، قال المحامي والمحاضر الدوليَّ المعنيَّ بشؤون اللاجئين: إنه حتى عام 2004 كان السواد اﻷعظم من اللاجئين يحصلون على مساعدات مالية محدودة، لكن بدءًا من هذا العام أجرت مكاتب اﻷمم المتحدة مع شريكتها التنفيذية منظمة(كاريتاس) مقابلات شخصية لكل اللاجئين المسجلين لبيان ما إذا كانوا يستحقون هذه المساعدات أم لا، ونتيجة لذلك أقرت منع المساعدات وقصرها على حالات معينة، لكنها تعاملت مع اللاجئين السوريين بشكل مختلف، فنمُحوا رواتب، وسلة غذائية (كوبونات) لصرفها من محلات السوبر ماركت في أنحاء الجمهورية، حتى عُممت التجربة على بعض الجنسيات اﻷخرى، مثل: هذه الكوبونات على نطاق ضيق.

وتمنح هيئة اﻹغاثة الكاثوليكية مساعدة مبلغ 1500 جنية لكل أسرة عن كل طفل في المدرسة سنويًّا، وحوالي %30 فقط من اللاجئين يحصلون على مبالغ شهرية لفترة معينة، تتراوح بين 600 و 1500 جنيه شهرية مساعدة خاصة اﻷسر التى لا يوجد لديها عائل.

وحسب (ميلاد) انضمت مصر لاتفاقية اللاجئين بالقرار الجمهوري رقم 331 لسنة 1980 بتاريخ 28/6/1980، وبناءً عليها، فإن اللاجئ يتمتع بالكثير من الحقوق، لكن بسبب تحفظ مصر على خمسة حقوق أساسية من بنود الاتفاقية، جعل الدولة المصرية فى حِل من هذه الالتزامات، ويعتمد اللاجئون بشكل كبير على الهيئات الطوعية لمساعدتهم، ولا يوجد أي قانون في مصر للاجئين، وإن كانت هناك مساعي الآن لعمل قانون لهم(سوى الدستور المصري فى مادة 91 التى تتحدث عن حق اللجوء السياسي فقط).

ويذكر المحامي المعنيَّ بشؤون اللاجئين، أ، الحصول على اﻹقامة وتجديدها فى الموعد سواء أكانت على الكارت اﻷصفر أو اﻷزرق؛ ﻷن هذه هي الثغرة التي يستغلها رجال الشرطة للقبض على اللاجئين وحبسهم لمدة لا تقل عن أسبوع، حتى يتبين شرعية وجودهم بعد التواصل مع مفوضية اللاجئين، ناصحًا إياهم بالتمسك بالتواصل مع مفوضية اللاجئين وقت القبض عليهم، ﻷنها الجهة الوحيدة التى يمكن أن تخاطب الدولة المصرية لحل مشكلة اﻹقامة والترحيل.

العدد الثاني– 2 نوفمبر 2020 –

دار الخدمات النقابية العمالية

كورونا والنساء.. تحديات ومخاطر

كتبت. يارا صالح

رصد المؤتمر الدائم للمرأة العاملة بدار الخدمات النقابية والعمالية جزءًا من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا المستجد وتبعاته السلبية الحالية والمستقبلية على النساء العاملات بالقطاعات المختلفة في مصر، وثق التقرير مدى تأثير التشريعات والسياسات والقرارات الوزارية على أوضاع النساء، خاصةً الفئات التي يجري تهميشها منهن، ويعانين من ضعف الحماية التأمينية والاجتماعية، نظرًا لطبيعة عمل أغلبهن بالقطاع غير المنظم؛ ما أدى إلى الدفع بهن إلى العمل في ظل شروط غاية في الصعوبة؛ جراء الركود الاقتصادي الذي أثر على دخول معظم اﻷسر، وتعرض اﻷغلبية منهن لفقدان عملهن.

وأصدر المؤتمر في 12 مايو الماضي تقريرًا أكد أن الوباء حمل معه تحديات كبيرة للنساء، وتزايدت معه المخاطر التي يواجهونها يوميًا بالتزامن مع إعلان منظمة الصحة العالمية أن النساء يتحملن بنسب مضاعفة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لانتشاره مقارنة بالرجال، في الوقت الذي توقعت فيه منظمة المرأة العربية أن الجائحة ستؤدي إلى زيادة نسب النساء المعيلات ﻷسرهن، فضلًا عن القضاء على عاملات المهن المُهمشة من العاملات باليومية، في إطار اﻹجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول في مواجهة الوباء، وهي في اﻷغلب عاملات تُعيل أسراً بأكملها، مثل: عاملات المنازل وعاملات الزراعة، والبائعات الجائلات.

قطاعات الخدمات التي تُهيمن عليها النساء اﻷكثر تأثرًا باﻷزمةوأجورًا أقل للعاملات بالقطاع الصحي.

أشار التقرير إلى أن انعكاسات انتشار الفيروس في نحو 175 دولة في الربع اﻷول من العام كانت أشد على النساء من الرجال، وأكثرها وضوحًا وجودهن في الخطوط اﻷمامية في مكافحة الفيروس، إذ تُمثل النساء %70 من مقدمي الخدمات الصحية في 104 دولة بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، تعمل أغلبهن في قطاع التمريض، ما مثل خطورة أكثر عليهن لزيادة احتمالية اﻹصابة نتيجة اختلاطهم بالمرضى لفترات أطول، لافتًا إلى أن أكثر إصابات النساء في مصر جاءت من اﻷطقم الطبية: طبيبات، ممرضات، فنيين صحيين وعاملين باﻹدارة، في الوقت الذي تكشف فيه بيانات منظمة الصحة العالمية أن العاملات في هذا القطاع يتقاضين أجورًا أقل من نظرائهن الرجال بنسبة تصل إلى %11 فيما ذكر التقرير أن قطاعات الخدمات مثل: الغذاء، والضيافة، اﻷكثر تأثراً نتيجة للتدابير المُتخذة لاحتواء اﻷزمة، وهي قطاعات تُهيمن عليها النساء، حيث يعمل بقطاع الخدمات حوالي 55% من النساء، مقارنةً بنسبة 44% من الرجال.

سوق العمل غير المُنظم وغياب الحماية التأمينية والصحية والاجتماعية..ومزيد من اﻷعباء المنزلية على النساء

وقال التقرير إنه مع تزايد الضغط الاقتصادي والاجتماعي المقترن بفرض حظر التجول، تزايدت أعداد النساء المجبرات على العمل بسوق العمل غير المُنظم، والذي يعصف بحقوقهن في ظل أنظمة ضمان صحي واجتماعي تُغطي بخدماتها الفئات العاملة دون سواها حتى سن التقاعد متغاضيةً عن حماية الفئات غير العاملة، والتي تجاوزت سن العمل، بينما تُعد النساء جزءًا كبيراً من هاتين الفئتين، حيث لا يستفيد من هذه الخدمات إلا العاملون في القطاع الاقتصادي الرسمي دون أن تُغطي القطاع غير الرسمي، أو العمل غير مدفوع اﻷجر داخل اﻷسرة.

وفي السياق ذاته، لفت التقرير إن مزيداً من اﻷعباء فُرضت على النساء في ضوء اﻹجراءات الاحترازية والوقائية، وبينها تعليق الدراسة في المدارس، ما يعني وقوعهن تحت ضغط نفسي وجسدي أكبر؛ ﻷنهن المسؤولات بشكل رئيسي عن اﻷطفال وشؤونهم، وفقًا لبيانات هيئة اﻷمم المتحدة للمرأة التي أشارت إلى أن تحمُل النساء مسؤولية %75 من العمل المنزلي وأعمال الرعاية غير المدفوعة حول العالم، وأكدته أرقام منظمة العمل الدولية التي كشفت أن نحو %76.2 من إجمالي ساعات أعمال الرعاية غير المدفوعة من نصيبهنْ ما يقرُب من ثلاثة أضعاف الوقت الذي يقضيه الرجال يؤدون اﻷعمال نفسها. في الوقت الذي تتحمل فيه النساء في بعض البلدان %80 من مسؤولية شراء احتياجات المنزل، بحسب دراسة بحثية صدرت العام الماضي، ما يزيد من إمكانية اختلاطهنْ بحاملي الفيروس، ويحرمهنْ من تقليل احتمالية العدوى، والاستفادة الكاملة من الحجر المنزلي.

أزمة عاملات المنازل وغياب الدعم لمالكات المشروعات الصغيرة

كما تحدث التقرير عن أزمة عاملات المنازل بعد قيام الكثير من الاُسر بإيقاف عملهن أو الاستغناء عنهن بسبب الوباء، ما عرضهنْ ﻷوضاع معيشية بالغة الصعوبة، وطالب بتعديل مشروع قانون العمل بما يكفُل عدم استبعاد هذه الفئة من نطاق سريانه، حيث يمكن استثناء هذه اﻷعمال من أحكام باب تفتيش العمل والضبطية القضائية دون أن نحرمهنْ من حماية حقوقهنْ في اﻷجور، وساعات العمل، واﻹجازات، وكذلك شمولهنْ بالمظلة التأمينية.

وانتقد التقرير رفض الشركات وجمعيات اﻹقراض تطبيق قرارت البنك المركزي الخاصة بتأجيل الاستحقاقات الائتمانية لمدة ستة أشهر لمواجهة أثار انتشار كورونا على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والتي تمتلكها %90 من النساء ومطالبتهنْ بأقساط القروض الشهرية، مدعين استثناء المشاريع متناهية الصغر من هذا القرار، وعدم خضوعهم لقرارات البنك المركزي، بالرغم من تصريح وزيرة التجارة والصناعة بدعم جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر التابع للوزارة لتلك المشاريع أمام التحديات الناتجة عن انتشار الفيروس.

غياب الاستجابة من المؤسسات وتوصيات للتعامل مع اﻷزمة

في هذا اﻹطار، أكد المؤتمر الدائم للمرأة العاملة أ، سياسات الدولة ما زالت لا تستجيب بالقدر الكافي لحماية النساء العاملات، سواء في قطاع الصحة أو باقي قطاعات العمل، خاصةً القطاع غير الرسمي، مطالبًا المؤسسات بوضع سياسات سريعة وأخرى بعيدة المدى تستبق الكوارث والتحديات، طارحًا بعض التوصيات الخاصة بمشاكل المرأة العاملة قبل وبعد الجائحة، على رأسها توفير بيئة عمل آمنة للأطقم الطبية، وللعاملات اللاتي يضطررن إلى مزاولة العمل بالمستشفيات، وتعديل مشروع قانون العمل المعروض على مجلس النواب بما يكفُل الحماية القانونية للعاملات بالقطاع غير الرسمي، وتحديد آليات وضوابط فاعلة لحمايتهن اجتماعيًا واقتصاديُا، مع عدم اسبعاد عاملات المنازل من نطاق سريانه، وحماية حقوقهنْ.

كما شملت التوصيات تفعيل برامج الدعم المتواجدة بالفعل فيما يتعلق بجميع جوانب خدمات الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، وتدشين آليات جديدة لدعم العاملات اللاتي تأثرت سبل عيشهنْ، أو اللاتي شهدنْ انخفاضًا في دخولهنْ، واعطاء اﻷولوية لدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي تعمل بها نسب كبيرة من النساء، فضلًا عن ضرورة إدماج النساء فى صنع واتخاذ القرار، ما يمكن أن يُحسن آليات مراقبة الوقاية الصحية للأطقم الطبية وللعاملات في المصانع والشركات، إلى جانب إدماج المنظمات النسائية في صميم تدابير الاستجابة لجائحة كورونا.

وشدد التقرير على أهمية إجراء حوار مجتمعي فعَّال تُشارك فيه النقابات العمالية، ومؤسسات الدولة المعنية، وأصحاب اﻷعمال، واﻷحزاب، ومنظمات المجتمع المدني لافتًا إلى أنه مع انتشار الفيروس باتت حتى المكاسب المحدودة التي تحققت في العقود الماضية مُعرضة لخطر الانتكاس، حيث كشفت الجائحة ما يشوب النظم الاجتماعية والاقتصادية من مواطن ضعف تزيد بدورها من آثار الجائحة على النساء في جميع المجالات؛ لكون اﻷغلب منهنْ يشغلنْ وظائف غير آمنة، ويعشنْ في مستويات قريبة من مستوى الفقر.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات