المبررات والأسباب التي تجعل المجتمع يتقبل العنف ضد المرأة
يعتبر العنف ضد المراة أحد أهم القضايا التي تشغل اي مجتمع و ان كان بصورة متباينة بين مختلف المجتمعات. و يظهر التباين ايضا في تقبل و رفض تلك المجتمعات لهذه القضية و حجم متطلبات القضية. يعتبر الوعي و الإدراك بمفهوم العنف و أشكاله أحد اهم الفواصل بين التقبل و الرفض . في المجتمع السوداني و بالرغم من وجود قوانين و منظمات رافضة للعنف المباشر ذو الشكل الجسدي الواضح (مثل الضرب المبرح و الختان و غيره) ضد المرأة الا ان هنالك اشكالا لازالت تمارس و وجدت آراء متقبلة.
سياق عدم المساواة الحاد في كل من النواحي الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية أدى بشكل مباشر لخلق فجوة بين مفهوم العنف و شكله. أحد أهم العوامل الذي ساعد في توسع هذه الفجوة هو قلة البيانات اللتي توضح انواع العنف الممارس في المجتمعات السودانية، و نشر الوعى بصورة تعطي كل شكل الاهمية المناسبة للحد من هذه الظواهر. فنجد مثلا ختان الاناث و زواج القاصرات احد اهم اشكال العنف الممارس على المراة السودانية، فزيادة حملات الوعي ادى الى خفض نسبة ممارسة الختان و زواج القاصرات. و لكن نجد مثلا الاغتصاب الزوجي و الضرب و حتى بعض القوانين لا تدرج تحت بنود حملات الوعي من المنظمات الاجتماعية، فنجد تركيز العمل على أشكال دون غيرها. كل هذا أدى إلى حصر مفهوم العنف ضد المرأة في أشكال قد تكون هي الأكثر عنفاً و انتشاراً و لكنها ليست الوحيدة. فهنالك مجتمعات لا تمارس هذه الاشكال و لكنها تمارس عنف من نوع آخر مثل التحرش الجسدي و اللفظي و الاغتصاب داخل اطار الزوجية او الاسرة. و حتى بعض القوانين و سياسيات الدولة، فلا زال هنالك وصمة عار تلاحق المرأة في معظم ممارساتها مما يبيح للمجتمع فرض عقاب عليها بحجة العادات و التقاليد التي فرضت تلك الوصمة الاجتماعية، و التعرض العنيف ضد المرأة في حال اتخاذها اي خطوة مضادة.
من اهم مظاهر العنف التي تمارس بصورة قانونية ضد المرأة هو قانون النظام العام. فبالرغم من كونه قانون يشجع العنف ضد المرأة إلا انه يجد قبول من بعض الفئات المجتمعية التي هي بعينها تمارس هذا النوع من التسلط و تتخذ مثل اجراء “الجلد” في حال خالفت المرأة أعراف هذه المجتمعات. و هذا أحد أهم الأسباب التي تجعل مثل هذه القوانين سائرة حتى وقتنا هذا. و قد تجد بعض الأفراد الذين يساندون هذه القوانين بحجة الأعراف الدينية و الاجتماعية، و حتى أن بعض النساء تقبلن هذه الظواهر كإستجابة للتقبل من المجتمع و الاندماج دون مخاطرة بالنبذ او الرد العنيف من المجتمع.
يوجد اكثر من 20 قانون سوداني ضد المرأة و تعتبر قوانين تمييزية سواء في قانون الاحوال الشخصية او القوانين الجنائية، و نجدها ارتكزت و اخذت قوتها كونها مبنية على اعراف و تقاليد هي في حد ذاتها تعتبر عنف ضد المرأة. و هذا يبرر مساندة المجتمع لمثل هذه القوانين و تعرض الضحايا لوصمة عار عنيفة في حال تمت معارضة اي من هذه الاعراف. اما داخل نطاق الاسرة فنجد السكوت و عدم التبليغ هو المعهود، اما اتخاذ اي اجراء ضد المعنِف قليل او النماذج تكاد تكون منعدمة. وهذا من ضرب لاي فرد من افراد الاسرة او حتى الاغتصاب الزوجي. و عدم نشر الوعي الكافي بجميع اشكال العنف الممارس و حصر البيانات ادى الى عدم ادراج بعض الممارسات داخل نطاق الاسرة تحت تعريف العنف. يتم تحويل الضحية من كونها ضحية الى جاني يستوجب العقاب في حال مارست المرأة احد الممارسات اللتي تنافي العادات و التقاليد. ادى ذلك أيضاً لتقبل المرأة لبعض انواع العنف خوفا من الوصم الاجتماعي، ففي بعض الحالات يتم الابتزاز العاطفي من طرف المعنِف لجعل المرأة اكثر تقبلا لبعض الممارسات اللتي تمارس ضدها.
يعتبر القانون السوداني مجحفاً بحق المرأة و يرتكز على الاعراف التي هي بالاساس ضد الحريات و مشجعة للعنف ضد المرأة، لهذا أدى غياب الرادع القانوني الذي يحفظ للمرأة حقها و كرامتها إلى ثبات تلك الممارسات في المجتمعات السودانية و إعطاء العديد من الممارسات العنيفة طابع اعتيادي غير قابل للتشكيك.
المقال ضمن سلسلة تحت شراكة مع مبادرة آمنة لمناهضة العنف ضد المرأة. يمكنكم متابعة نشاطات آمنة المتعددة من خلال صفحة المنظمة على تويتر.