زواج القاصرات

الشركاء: أندريا

تاريخ النشر:

مايو 2019

زواج القاصرات

عمرك ستة عشر عاماً؟!”

كنت في عمر الثانية عشر عندما اكتشفت أن مدبرة منزلنا قد تزوجت قبل بضع أيام و هي في السادسة عشر من عمرها.

كنا نتبادل أطراف الحديث عندما أخبرتني أنها قد تزوجت، كانت تعابير وجهي تدل على الصدمة و الحيرة فقد دارت في رأسي ملايين الأسئلة. كانت تُدعى جميلةو بالرغم من اسمها فلم تبدو على ملامح جميلة سوى آثار التعب و الإرهاق و الكآبة، كانت متعبة للغاية و قد احتلت الهالات السوداء عيناها.

كنت متفاجئة تماماً و تملكني الفضول، فوجدت نفسي أُغرقها بسيل من الأسئلة. بدى على ملامح جميلة أنها متفاجئة بأن كل هذا جديد عليّ و أنني لم أكن أعلم أن هناك فتيات في عمري يتزوجن. أخبرتني أن قريبةً لها قد تزوجت و هي بعمر التاسعة. كنت في حالة من الصدمة حتى أنني لم أستطع أن أخفي ملامح التعجب من على وجهي. تسع سنيناذاً هي تصغرني بثلاث أعوام! حينها خيّمت عليّ موجة من الحزن. كان كل ذلك خاطئاً بالنسبة لي.

أمضيت تلك الليلة و أنا أعيد تذكر تفاصيل محادثتي مع جميلة. لم تحظى جميلة بحقها في تقرير مصيرها أو اتخاذ قراراتها، فقد أجبرها والداها على الزواج، و زوجها أجبرها على العمل. أرادت جميلة أن تكمل تعليمها و لكنها حُرمت من أبسط حقوقها. امتلأت حُنقاً و غضباً و بدأت بتخيل ما كانت عليه جميلة قبل أن تتزوج، و ماذا كانت ستصبح إن لم تتزوج و اكملت تعليمها. فكرت في جميلة و الفتيات اللاتي مررن بنفس ظروفها. لسببٍ ما، قارنت جميلة بجدتي فهي واحدة من النساء القليلات اللاتي أعرف أنهن قد تزوجن في عمرٍ مبكرٍ جداً. كرّست جدتي حياتها لزوجها و عائلته و لبناتها، فكان تعليمها ضريبة كل هذا. كنت أعلم أن المقارنة بين جميلة و جدتي لم تكن عادلة لأن ظروفهن مختلفة و لكنني قارنت بينهما رغم ذلك.

بعدها وجدت أن أفكاري قد توسعت في موضوع زواج القاصرات. كان الموضوع منتشراً جداً في العديد من المنازل و العائلات لأسبابٍ و عاداتٍ و تقاليد مختلفة. كانت الفكرة غريبة جداً بالنسبة لي. الفتيات مثل جميلة يتزوجن بسبب الفقر, فوالدا جميلة أجبراها على الزواج لأنهم لم يعودا قادرين على إعالتها. و قد تزوجها ذاك الرجل لأنه أراد فتاة تلبي جميع رغباته و احتياجاته. فلم يهتم أحد بجميلة أو ما كانت تريد. قد يكون هذا أحد أنواع العبودية المعاصرة و التي تمارس في بلادي بصورة عادية و قانونية، كما أنها تمارس في بلدان أخرى.

يمكن أن يكون الصبيان ضحية للزواج القسري في عمرٍ مبكر، لكن بما أن الفتيات هن الأقلية المضطهدة فإنهن أكثر عرضة للزواج القسري من الذكور. يوجد الآن حوالي 650 مليون امرأة كانت ضحية لزواج القاصرات على مستوى العالم. عندما تلقون نظرة على الدول ذات النسب العالية لزواج القاصرات تجدون أن هذه الدول تشترك في كونها دولاً تعاني من نسب فقر عالية جداً، مما يثبت أن الفقر هو أحد الأسباب الرئيسية لزواج القاصرات. تعتبر النيجر الدولة ذات المعدل الأعلى لزواج القاصرات و كذلك تعتبر واحدة من أفقر دول العالم، فنسبة زواج القاصرات فيها حوال 76%.

النساء كجدتي يتزوجن لأسباب عديدة كالعادات و التقاليد أو لتقوية الصلات بين أسرتين أو لأي أسبابٍ أخرى في مجتمع كمجتمعنا. بغض النظر عن الأسباب فإن زواج القاصرات كان سبباً في ضياع حياةِ كثيرٍ من الفتيات حتى إن لم يكنَّ على علم بذلك. في السودان واحدة من كل ثلاث فتيات تتزوج قبل عمر الثامنة عشر، مما يعني أن واحدة من كل ثلاث فتيات تُسلب حقوقها في التعليم و الصحة و الأمان. ما لا تدركه معظم مجتمعات العالم الثالث هو أن الفتيات تحت سن الخامسة عشر أكثر عرضة للوفاة أثناء الولادة أو للتعرض لتفاقمات خطيرة بسبب الحمل و الولادة لأن أجسادهن لم تُكمل نموها بعد، و لا يستطعن تحمّل آلام الولادة و متاعب الحمل.

بالإضافة إلى ذلك فإن الفتيات اللاتي يتزوجن في عمر مبكر ليست لديهن فكرة عن الجنس الآمن مما يجعلهن أكثر عرضة للأمراض المنقولة جنسياً و الإيدز. كما أنهن لا يستطعن استخدام موانع الحمل لأسباب عديدة منها العادات و التقاليد أو المعتقدات الدينية، أو لأن أزواجهن لا يسمحون لهن بإستخدامها. زواج القاصرات يجعل الفتيات عرضة للإغتصاب الزوجي و العنف المنزلي و الممارسات البيدوفيلية باسم الدين و العادات و التقاليد. إلى جانب أن زواج القاصرات يجعل الفتيات عرضة لمخاطر صحية و عرضة للعنف المنزلي و تقليل فرصة حصولهن على مستقبل أفضل فإن فكرة أن تهجر الفتيات تعليمهن و طفولتهن للاهتمام برجل و أبناء تؤثر على المجتمع ككل. فالأجيال القادمة يجب أن تُربى على أيدي أمهات متعلمات و ناضجات و منفتحات، و طفلة في عمر التاسعة لا تستطيع القيام بذلك.

إن الضرر النفسي و الجسدي الناجم عن زواج القاصرات مهمَل وغير متناقش بالقدر الكافي، إن زواج القاصرات عمل فظيع, لكن الزواج القسري هو نوع من أنواع العبودية المعاصرة التي يجب إلغائها. فإنه يضع المجتمع و الأطفال في دائرة الخطر. إن تثبيط قدرات المرأة العلمية و العملية و التقليل من شأنها يمكن أن يضر المجتمع كاملاً لسنين عديدة، لأن المستقبل أنثى و التغيير يجب أن يبدأ من الداخل.

شارك:

اصدارات متعلقة

الاتجار بالاطفال
مرصد الاختطاف 2017-2018
مرصد وقائع الانتحار في مصر
استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم