أزمة النسوية في السودان

الشركاء: أندريا

تاريخ النشر:

أبريل 2018

أزمة النسوية في السودان

كان من الممكن أن نصبح أعز الصديقات، و لكنكي فمنيست”

قالت لي وهي تسدل يديها حول كتفي.

هذه أول نقطة نقاش مع الجميع، فالجميع يعترض على نظرتي للعالم. يرون أنني سأظل كالسمكة خارج البحر إلى أن أُصَحِح هذه النظرة الخاطئة. بادر البعض بآعذارهم مثل “هل تعتقدين أنك ستحدثين فرقاً؟ أو ستخلقين تغيير حقيقي؟” أو” أتعرفين، يمكنك التمسك بالنسوية في أمريكا عندما تشربين ستاربكس مع أصدقائك، ولكن هنا ليست عملية”. كأن القيم الأيديولوجية مسألة ظرفية، يمكننا إغلاقها و تشغيلها على حسب الظروف. كان رد فعلي في البداية أن لا أشرح أيديولوجيتي أو أعقد النقاش، اكتفيت بالإستماع عن كثب ومحاولة فهم ما الذي جعل الجميع غاضبين علينا. من المفترض أن نكون نحن الغاضبين، نطارد المعايير التقليدية برأس الحربة. متى إنقلبت الطاولة 180 درجة؟ ربما السبب المفاهيم المضاده، مثل حركة Meninism ؟ربما هي جزء من المقاومة الطويلة لكل شيء أجنبي؟ ربما الناس لم يفهموا بعد أن النسوية ليست نادي “حصري للنساء”؟ ثم جاء اليوم الذي فهمت فيه…

كنت أقود في إحدى الشوارع الضيقة في الخرطوم و في غمضة عين غرزت سيارتي عالقة في حفرة صغيرة مملوءة بالماء العكر والنفايات العائمة. وكانت أول أفكاري: يا الله!

من سينجدني الآن؟

لماذا يحيط هؤلاء الرجال سيارتي ؟!

خذي نفساً عميقا يا شهد. نفساً عميقاً.

لاحظت وجود رجل طيب الوجه في أوائل الأربعينات من عمره يلبس نظارات حوافها رفيعة يلوح لي. طلب مني الإسترخاء “فسوف يكون كل شيء على ما يرام”، وبالفعل حدث ذلك. الرجال الذين تجمعوا الظهيرة على فناء سوبر ماركت حيهم لتناول فنجان من الشاي تركوا أكواب الشاي والقصص لإنقاذ سيارتي من الحفر العديدة التي تميز الطرق الترابية داخل الأحياء السودانية. في غضون دقائق، كنت واقفة على جانب الشارع أراقب الرجل الطيب يشغل السيارة، في حين أن ثمانية آخرين يخرجونها من الحفرة ويضعونها على الطريق الرملي. في غضون دقائق وجدت نفسي وراء عجلة القيادة شاكرة إياهم إلى ما لا نهاية لشيء ضحكوا عليه فأصبح قصة أخرى سيضيفونها إلى دردشة الشاي. قبل أن وجه لهم الشكر، أطلقت ثلاثة مئة إعتذار فظهر الإرتباك على وجوههم ليردوا : “لا يا أستاذة، هذه الأمور تحدث! لا تعتذري“. إلا أنني لم أكن أعتذر عن الوقوع في الحفرة، بل أتأسف لعدم حسن الظن بالرجال الذين تركوا كل شيء في لحظة لمساعدتي.

هذا هو سبب أزمة النسوية في السودان. نحن النسويات غالباً ما نبذل جهد عظيم لتفكيك القواعد التقليدية المرهقة، فننسى أن نتحقق من أننا لا ننشيء مجموعة نمطية خانقة. لا أحد يستطيع أن ينكر عدد النساء اللواتي يتعرضن للتحرش في شوارع الخرطوم ومقاعد الحافلات، ولا حتى الرائحة القوية المنبعثة من ثقافة الإغتصاب المقلقة في السودان. ما يتم إنكاره للأسف، هو الأمن و الإطمئنان الذين يوفده بعض الآباء والأخوة الطيبين الذين يشكلون العمود الفقري لأمتنا. بالتأكيد، نحن بحاجة للحديث عن أسباب عدم سير فاطمة في شوارع معينة، أو لماذا يتم إقناعها بالتطلع إلى تعليق شهادها الجامعية تحت صورة الزفاف. ولكن يجب ألا ننسى أننا ما زلنا قادرين على السير في العديد من الشوارع بأمان، ولدينا معدلات تعليم تقدمية نسبياً للنساء. الكثير من هذه الأشياء سببها الرجال.

إذاً، على النسوية محاولة وضع الأشياء في منظورها الصحيح والبدء في منح العرفان لمن يستحقه. هذا يعني أننا في كثير من الأحيان سنغير الطريقة التي نتحدث بها عن المشكلة، والحرص على عدم الإيحاء أن النساء دوماً ضحايا و الرجال دوماً أشرار. لأن علم الأحياء ليس المشكلة، في الواقع هذا عكس ما تدعو له النسوية. الحركة النسوية لا تهدف للوم، بل تشرح الثقافة والتاريخ والاقتصاد والسياسة الإجتماعية في محاولة لفهم سبب إزدهار حياة بعض الأفراد والجماعات على حساب الآخرين، وهذا هو المسعى البنائي طويل المدى. الفرق الوحيد هو أن النسويات يشكلن إطارهن من حيث الجندر (الجنس الغير بيولوجي). فبدلاً من أن نقول أن المشكلة هي أن الرجال فخورون جداً و / أو قمعيون في عدم السماح لنسائهم بالعمل، يمكن أن نقول أنه لعدة أسباب من النواحي التاريخية إقتصر دور النساء على مهام معينة في حين أنه كان على الرجال العمل، فشكلت هذه الأنماط قاعدة. لتغيير هذه القاعدة علينا البدء في تفكيك العلاقة بين الأنفة والدعم المالي، ولكن قبل ذلك نحتاج لشرح واضح بأن هناك معايير معينة ليس من الضروري أن تبقى ثابتة عندما تتغير الظروف. وبالتالي، سندعي إذاً دور المزارع، عندما يكون هناك مشكلة في محصول البصل لأن الأرض مثلاُ معدة لزرع الجزرلن نرمي البصل أو ننتقل إلى قطعة أرض أخرى. سنحاول بالتأكيد معرفة ما يمكننا القيام به بشكل أفضل، سواء كان ذلك تغيير الأسمدة أو زراعة سلالات مختلفة من البذور، أو الزراعة في مواسم بديلة و غيره؛ لأن صحة الأرض مهمة كطبق السلطة الذي نريد تناوله.

نعود إلى صديقتي التي وضعت ذراعها حول كتفي، هي شابة، فكيف يجوز السرد إذا كان الخصم ليس برجل؟ هل عدم الفهم له نفس التأثير على كل من الرجال والنساء؟ ربما هو الخوف من التغيير؟ ما رأيكم؟

هذا المقال هو الجزء الأول من سلسلة عن الحركة النسوية والمجتمع. 

شارك:

اصدارات متعلقة

الاتجار بالاطفال
مرصد الاختطاف 2017-2018
مرصد وقائع الانتحار في مصر
استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم