وراثة الزوجة
سنتحدث هنا عن أسوأ العادات والأعراف الاجتماعية التي تُمارس في بعض مجتمعات جنوب السودان؛ بالأخص وسط المجتمعات النيلية. الموضوع أعلاه لا تنطبق عليه خاصية الشمولية، ولكن البعض هو الذي ما زال متمسكاً بهذه العادة الرجعية ولا يرى في ذلك أي ضرر في حين أنها أكثر ضرراً من خلال فرضها قسراً على الضحية دون أن يكون لها أدنى رأي أو قرار في ذات الشأن؛ تلك العادة تظلم المرأة في كيفية ممارسة حياتها بصورة طبيعية.
وراثة الزوجة بكل اختصار تقتصر على الأرملة التي توفي زوجها بلا أدنى رغبة في أن يفارق زوجته.
يتم اتخاذ الإجراءات المعتادة وهي أن تُحال الزوجة التي صارت أرملة لأحد أشقاء زوجها المُتوفى أو أحد أبناء عمه في حال لم تصل سن اليأس أو نهاية الحيض بشرط أن يستوفي المُوكل شرطان أهمها؛ أن يكون مؤهلاً من الناحية المادية – أي بإمكانه إعالة أسرة – وأن أن يكون قادراً على الإنجاب.
وما أن يرث أحدهم زوجة اخية يعاشرها كما لو كانت زوجته وينجبا معا ولكن ينسب الأبناء لوالدهم الأصل ليكون الوريث هنا مجرد أداة للانجاب. ليس شرطاً ان يقيما تحت سقف موحد؛ كما يحق له الزواج بالفتاة التي يريدها زوجة له، فقد تظل الزوجة تحت رعاية أهل زوجها إن كانت غير مستقلة في مآواها؛ ثم يأتي الوريث حين يقترب موعد الإخصاب ليقوم بواجب التكوين فقط. وفي بعض الأحيان، قد يرث أحدهم أربعة زوجات أو أكثر إن لم يكن له أشقاء أو أبناء عم. وما الزواج إلا رباطاً مقدساً يقيد اثنان أحبا بعضهما وهم على يقين بأن الله هو الوحيد الذي يعلم ما سيصيب أحدهم وهو العالم بأقدارهما وما سيحدث في حياتهما؛ فلما التدخل في شؤون الزوجة النفسية وفرض ما قد لا يرضي نفسها؟
وراثة الزوجة قد تكون أحد المعالجات الاجتماعية في حيز معين؛ إذ يقيد المرأة بالبقاء على عصمة زوجها الراحل عن الحياة؛ وبالتالي سيمنع ما يسمى بزواج الزوجة مرة أخرى وسيعمل على حفاظ المهر المدفوع لأهلها دون اضطرارهم لإسترجاع المهر في حين خروجها وتخليها عن ذوي زوجها. هي عادة ضارة من ناحية أخرى؛ لأنها تضر المرأة نفسياً، فهو التزام قسري يجبرها على التنازل من حق الاختيار. كيف لا ترضخ لذلك وهي في الأصل ترضخ للزواج من شخص لم تختاره بدافع الخضوع والخوف من أهلها.
لا يوجد أي مبرر لتحمل هذا الأذى النفسي، خصوصاً ان كانت في مقتبل عمرها. يشعر المرء بالإهانة عندما يرغم على فعل ما لا يُرضى نفسه، فهنا تُضع بين خياران أحلاهما مر؛ إما أن توافق أن تحال لأحد اشقاء زوجها أو أبناء عمه؛ أو ألا تتزوج من غريب وتظل أرملة، نادراً ما يطبق الخيار الأخير.
أ. م. واحدة من اللائي عشن هذه التجربة؛ ثلاثينية؛ قالت عن التجربة أنه و لطالما تعلق الأمر بأطفالها فقد ضحت وتقبلت الخيار المتاح أمامها؛ إذ أنها إذا تزوجت من غريب سوف لن يهتم بأطفالها، سينظر لها هي فقط وسيأثر ذلك سلباً على الأطفال. أما حاجتها الإنسانية والحميمية فهي بحاجة لمن يهتم بها ويشبع حاجتها بغض النظر عن من يكون؛ كون أنه اخ لزوجها لا يهم بقدر ما هو من يلبي حاجتها النفسية، اي أن الموضوع وجب أن يأخذ من زاوية أخرى.
ي. د. زوجة متمدنة و مثقفة في منتصف الثلاثين، هي الآخرى لا تؤيد هذه الفكرة رغم إرغامها بالزواج من أحد أقارب زوجها وأداءه دور زوجها الراحل؛ وافقت لأسباب لا تريد ذكرها و تقول بأنها كانت تشعر بالإهانة في بداية العلاقة وكانت تشعر بالقرف والاشمئزاز حينما تجد نفسها مع شخص كان بمثابة اخ لها وتحترمه. أضافت أن هذه العادة تضر بنفسية المرء أكثر من كونها تحافظ على حقوق الأطفال ونسبهم.
ن. م. رضخت للفكرة بعد إرغامها؛ تقول بأن الأمر صعب جداً بالأخص معاشرة القريب. من ناحية أخرى لا يضر زواج الأخ بقدر ما يفيد في انتماء الأطفال وحبهم لاهلهم وأنها مع مرور الوقت تعلقت بأخ زوجها وأحبته كثيراً ربما لأنه كان الأفضل تعاملاً معها من الناحية الحميمية؛ ورغم ذلك تزوج بأخرى تنجب له أبناء يحملون اسمه؛ وصارت تغار عليه كما لو كان ملكها رغم أنها تعلم بأنه فقط في مهمة أسرية إجبارية وليس أكثر.
ما زالت المرأة في المجتمع الجنوبي غافلة عن أبسط حقوقها وبالأخص المرأة الريفية والحضرية الرجعية التي لم تتحرر بعد، فهي تضع نفسها دوماً حيز المفعول به، هي الضحية الأولى والأخيرة في المجتمع في حين استطاعتها شغل حيز الفاعل. لقد أجادت الدور التقليدي الموكل لها اجتماعياً والتي نشأت به وأصبحت تهاب التحرر وتفضل القيود الرجعية على الحركة نحو التحدي.
يتضح من هذه المعاملة أن المرأة ورقة تستخدم في مصالح تخدم أهل الزوج، لا يوجد أي مراعاة لشعورها وحريتها في الاختيار والراحة النفسية. لا يهم إن كان لها رغبات وإحتياجات؛ ففي نفس الصدد تحال الزوجة أيضا لإبن الزوج في حال وفاته أو عدم قدرته على معاشرتها والانجاب منها؛ ابن زوجها هو بمثابة ابنها فهل يجوز مثل هكذا أمور؟
كيف ترغم الزوجة أن تعاشر شخصاً مثل أخيها أو ابنها؟ يجب التخلص من هذه العادات عن طريق سن قوانين وضوابط تمنعها لأنها تضر بصحة المرأة النفسية. فمن حقها أن تتزوج ممن تحب ومن ترى فيه راحة نفسها؛ هي ليست طفلة لكي تجبر على تنفيذ هكذا أشياء. وما الضير في أن تتزوج من رجل غريب؟
يجب على المرأة ألا تتنازل عن حقوقها وألا ترضخ للأمور التي تظلمها كإنسان وأن تدرك بأن الأعراف والمعتقدات وضعها الناس وهي قابلة للتغيير؛ وأن رفضها لما لا يرضى نفسها ليس عيباً أو خطأ.
قضية وراثة الزوجة؛ تستحق دراسة عميقة تشمل جميع الجوانب السلبية والإيجابية؛ هي قضية إن لم نقل عنها معقدة فحتماً سندرك أنها عميقة حد القاع في التحليل و عن كونها عُرف اجتماعي ينظم حياة مجموعة معينة في كيفية التعايش فيما بينها والحفاظ على جينات الأبناء والمهر المدفوع مسبقاً. من الصعب تغيير أو إزالة الأعراف، ولكن لابد من تقديم وجهات النظر وإن لم يتفق معك الجميع؛ لأن الإنفتاح يجبر المرء على النظر للأشياء من زوايا أخرى غير التي إعتاد عليها من قبل. حينها سيحبذ لو كان بإمكاننا توصيل الهدف من الرفض للظاهرة أو العرف والعادة الرجعية.
النماذج المذكورة شملت عيوب ومزايا ظاهرة الوراثة؛ والمُلاحظ هو أن التنازل والتضحية كانا مصير كل زوجة؛ ولا ننسى أنها أجبرت على ذلك. في ظل غياب التوعية الصحية؛ فهذا الأمر سيضر بصحة الزوجة والأبناء؛ نعم ستتطابق الجينات الوراثية ولكن لا بد من سلامة الزوجة عندما تحال لأحدهم بطقوس عشوائية ليس بها شروط. ويتضح أن وضع المرأة هنا عبارة عن إناء للإنجاب فقط؛ كما أنها مثل السجين في زنزانة الحكم المؤبد فقط بدافع الأنانية المفرطة من أهل الزوج. نرى هنا أن المكلف بأمرها له الحق في الزواج بأخرى والاستقرار في حيز مختلف؛ بينما يتم زيارتها في الخفاء أو في العلن المحرج.
لماذا لم تضع السلطات الاجتماعية قواعد متبعة في الوراثة تنصف الطرفين، مثلاً؛ وضع شروط قانونية معينة في كيفية إحالة الزوجة لأحدهم. إن لم تتوفر تلك الشروط، وجب على الزوجة اختيار من تريد خارج الأسرة.
لطالما إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية؛ فإن التطرق لقضية عميقة بهذه الصورة ليس بالضرورة أن يتفق عليه الجميع ولا مانع في أن يتفق البعض؛ فلكل منا وجهة نظر شخصية لا تشترط التعميم وليس متفق عليه بالإجماع لأنها ليست آيه سماوية مقدسة وإنما مجرد تحليل شخصي. في أمل أن تهتم الجهات المختصة بشؤون المرأة بمثل هذه القضايا و قضايا مثلها مثل تعليم البنات و زواج القاصرات.