أبناء فاطمة

الشركاء: أندريا

تاريخ النشر:

2016

٤ أبريل ٢٠١٦ بلا هدف، كانت تطفو بلا هدف، بلا جسد، بلا شكل، لا تنتمي إلى أي احد، بلا مرساة، بلا مستقبل، بلا ماضي، بلا جذور، بلا هدف، وحيدة تماماً وحرة تماماً إستيقظت فجأة.. أبقت ياسمين عينيها مغلقتين، تراقب حركة الظلال تحت جفنيها. دائماً نفس الحلم، أحياناً مع تغييرات بسيطة لكنه في النهاية نفس الحلم. تحاول دائماً التمسك بذلك الشعور بأنها تطفو، فقط عندما تُبقي عيناها مغلقتان وتسكُن تماماً تتمكن من إستعادة أثر منه. تسمع النداء الأول للصلاة. تضغط بكفيها على عينيها، تقوم من سريرها ببطء، تتحسس بأطراف أصابع أقدامها موضع سفنجتها. ترتديها، تنهض وعيناها ما تزال مغلقة، تتنفس بإنتظام، تعرف طريقها دون الحاجة لأن تتحسسه بيديها لأن هذه أصبحت عادة منذ أن وعت. لم تشعل إضاءة الحمام لكنها تفتح صنبور المياه، تملأ كفيها، وتدع الماء يجري على وجهها كل ما تحسه هي التشققات. أخيراً تفتح عينيها، عبر قطرات الماء المتعلقة بأهدابها، تحدق بها عينان واسعتان. غير مميزة، عيون عادية تفكر وهي تبدأ بالوضوء. تأخذ وقتها، تتأكد أن يديها، مرفقيها وخلف أذنيها قد غُسلت بصورة صحيحة، تغمغم لنفسها وهي تغسل أصابع قدميها. تنزل قدمها من المغسلة، تشق طريقها نحو الغرفة لتلف نفسها بالتوب. تقف للحظة، تغطي عينيها بكفيها ثانية، تحاول أن تبقى ساكنة وهي تقف على سجادة الصلاة. تظل كما هي حتى ينتهى الأذان الثاني، تضع يديها على جانبي وجهها لتكبر. تسرع وهي تتنقل بين الوضعيات، تركع ثم تسجد وأخيراً تسلم بتنهيدة طويلة. تحل التوب عن وجهها وتتناول مسبحتها. من قبيل العادة ترفع كفها لتضعها على عينيها لكنها تتوقف مبقية يدها معلقة في الهواء تحدق. ضوء شمس ضعيف يتسلل عبر نافذتها. أشعته تتمدد بكسل عبر سجادة صلاتها، على حجرها، طلوعاً إلى يدها المعلقة التي لا تزال تتأملها تتسع عيناها وتحدق أكثر. تميلها برفق، شق عشوائي يجري على طول يدها، معصمها وذراعها، رقيق لكن شفاف بما يكفي لترى شعاع الشمس عبره. تفرك أطراف أصابعها مع بعضها البعض، شعور غريب كأن أصابعها مغطاة بالسكر. تغمض عينيها، تضع كفها ببطء على صدرها، دقات قلبها هادئة بطريقة غريبة. تبدأ بترديد أدعية علمتها لنفسها قبل زمن طويل لأن كل صباح كهذا الصباح. تستيقظ كل صباح على نفس الحلم، ترى نفس هذه التشققات التي يبدو أنها تزداد جنوناً كل يوم، ومع أنها تحاول وضع اللوم على مخيلتها الجامحة أو تأثيرات القلق من إحساسها بأنها عالقة، عودت نفسها ومنذ سن مبكرة أن تبطئ إيقاعها، تمشي على مهل ودائماً تتنفس بلطف. شخصيتها كانت باهتة، مسطحة، غير متطلعة تركز فقط على تحقيق هدف وحيد أن توقف التشققات من التمدد. تُجرد من ملابسها وتُقيم بصمت، كل ضيف يتفحص ياسمين وهي تمشي حاملة صينية، يهمسون لأنفسهم وهم يحتسون مشروباتهم، طويلة، نحيفة، سمراء، مملة، لطيفة، جميلة، كبيرة، قد تكون مناسبة لإسعاد إبني. تضع تعبيراً منكسراً وإن كانت أغلب التعليقات عبارة سهام جارحة مغلفة تطعن في شخصها وفي أسرتها. تقف قليلاً تحاول إستعادة رباطة جأشها وهي تضع الصينية الفارغة على سطح المطبخ بقوة. لا تهم الإنجازات والشهادات التي حققتها، ما يهم هو إصبعها الفارغ من خاتم الزواج وما تترتب عليه هذه الكارثة. لاحظت فجأة أنها كانت تجز على أسنانها طيلة تلك الفترة، عادة أخرى لازمتها منذ سن مبكرة. لكن مؤخراً فقط إنتبهت أنها في كل مرة تحدث تحس كأنما علقت وسط عاصفة رملية لأن في مؤخرة أسنانها ذرات رمال عالقة تزداد تجهماً مع كل تقديم للشاي. تغوص في عقلها وعالمها، تتلاشى كل التعليقات السالبة من حولها، تبدأ أذرع النساء المليئة بالمصوغات الذهبية بالتشكل على هيئة آلات إكسيليفون خشبية تعزف عليها كل مكنونات قلبها، تستخدم تيابهن كأرجوحات طويلة ملونة معلقة بين الأشجار. تظهر إبتسامة غير معهودة على وجه ياسمين تلاحظها أحدى الضيفات المتحمسات. “حتى لو لم تجدي زوجاً فهناك دائماً والديك” تعلق قائلة “لكن لا أحد يعيش إلى الأبد” تتبعها بأكثر الإبتسامات شفقة.بجهد، تنحني ياسمين لتضع صينيتها على طاولة قريبة. بفتور تشق طريقها حتى تجد نفسها في الخارج في مكان خالي من المنزل، تراقب بشرود بداية غروب الشمس. لم تكن غاضبة لأنها تعودت على الإستفزاز والتعليقات السالبة. لكن لو كانت صادقة مع نفسها فإن قلبها كان يغلي. تساءلت حتى متى يجب أن تحافظ على إتزانها. غير متأثرة بإنفصالها المتزايد عن الواقع المُراد لها. تحرك قلقٌ أبدي في صدرها، وعرفت دون أن تنظر أن الشقوق أخذت تشق طريقها عبر بشرتها. بضجر تحاول وضع كفيها على أعينها لكنها تجد بدهشة دموع تحاول أن تمسحها أطراف أصابعها تخدش وجنتيها كورق السنفرة. وهي مغمضة ترى الشقوق على جفنيها وعبرها غروب الشمس. تنحبس أنفاسها لابد أنها خائفة، لكنها تزفر بإرتياح. هذا يدفع شقاً جديداً بالإنتشار على صدرها، موسعاً الهوة بين الشقين الذين يغلفان كامل جسدها. ترفع يدها، تجري شقوق جديد على معصمها وذراعها، تتعمق في تفاصيلها تستطيع الآن أن ترى شعاع الشمس من خلالها هذه ليست هلوسات، ولا علاقة لها بخيالها الخصب. ياسمين ممزقة، ولاحظت أنها لديها الخيار أن تتحول إلى أجزاء صغيرة. تنظر خلفها، ثم تبتسم لأول مرة وتحس بالتجعدات والتشققات تنتشر على خط فكها، نزولاً إلى عنقها، ترقوتها، قفصها الصدري، يتعرج ليصل عظام الحوض، مروراً بركبتها، ساقها حتى يصل كاحلها وأصابع قدمها. مع ذراعها الذي ما زال ممدوداً، ملئ بتشققات كثيرة، تفرك أصابعها فترى جزيئات منها تملأ الهواء. تفاعل متسلسل يبدأ من صدرها ويمتد إلى الخارج. كل طرف، وتر، عضو، تجويف، وخلية. ترتجف، ليس خوفاً إنما فرحاً، ثم أخيراً تنهار متحولة إلى غبار. يظل عالقاً في الجو، كأنه غير متأكد، مكوناً صورة ضبابية من ياسمين ثم سحابة من الجزيئات تحتاج من يوجهها. لكن ياسمين كانت تعرف. كانت تعرف أنها تستطيع أن تصبح أي شئ، في أي مكان، تستطيع أن تتشكل على أي هيئة تريدها لكنها أرادت فقط شيئاً واحداً أن تطفو بلا هدف، بلا جسد، بلا شكل، لا تنتمي إلى أي احد، بلا مرساة، بلا مستقبل، بلا ماضي، بلا جذور، بلا هدف، وحيدة تماماً وحرة تماماً
شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات