٢١ أغسطس ٢٠٢١
تم تنسيق الصور من خلال معمل Rift Digital وصفحات الفيسبوك التابعة للكيانات المقدمة في المقال
يمر السودان بفترة انتقالية: أطاحت الانتفاضة الشعبية ما بين 2018 -2019 بنظام فاسد وظالم استمر لثلاثة عقود. خلال الثورة، إلتهبت الأحياء السكنية في مشهد مهيب من التنظيم والعمل المشترك، بانيةً علاقات ثقة، وخالقة من أماكن معينة مساحات آمنة للناس في أوقات الشدة. كان الفن جزءاً أصيلاً من الثورة في السودان مع فعاليات الموسيقى الشعبية، والحفلات الجماهيرية، والشعر والموسيقى، والجداريات وعروض فنية متنوعة في الأحياء، تزامناً مع الاعتصامات التي انتظمت في عدد من ولايات السودان ما بين أبريل ويونيو 2019.
يشهد السودان منذ 2019 ازدهارًا في المساحات الفنية والمشاريع والمبادرات، وذلك بعد ثلاثين عامًا من حُكم النظام الإسلاموعروبي القمعي، والذي اضطهد الفنون والثقافة بشكل ممنهج. وعلى الرغم من تسبب جائحة كورونا في توقف الأنشطة في بعض الحالات، إلا أن العامين 2020 و 2021 قد شهدا ولادة المزيد من المبادرات، نسبة لزيادة الدعم من المانحين والظروف الاقتصادية والسياسية العامة التي مهدت لولادة السودان من جديد وعودته إلى المجالات العالمية. بمجرد تخفيف الإغلاق الذي تسببت به جائحة كورونا، انطلقت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية في البلاد، والتي سار في طريقها الفاعلون الفنيون.
لكن بالرغم من ذلك، تظل الحقيقة أن السودان محكوم حالياً بشراكة ما بين الحكومة المدنية والجيش، مع القليل من الإصلاحات الجارية والتي تسعى لتحسين الحكم السلطوي. و هذا يتسبب في العديد من المشاحنات، أبرزها قضية مجموعة “فيد للفنون“، حيث سُجن عدد من الفاعلين الفنيين لأسابيع بعد بلاغ تقدم به أحد الجيران بشأن بروفات أداء مسرحية نظمونها. وفي هذه الموجة الجديدة للمساحات الفنية والمقاهي فإن الكثير من الملاك والشركاء والعاملين هم من النشطاء، مما يجعلهم أهدافًا سهلة للسلطة المستبدة التي ما تزال متخفية في أرجاء من الحكومة. وإلى تاريخ اللحظة، هناك الكثير من التحديات، ولا يزال السودان يواجه تهديدات أمنية وتصعيدًا متكررًا ، وقد إجتاح الانهيار الاقتصادي البلاد بصورة أكبر خلال العامين الماضيين. وفوق ذلك، لا تلتزم الحكومة بأي إعادة تأهيل لقطاع الفن والثقافة الذي أفسده النظام السابق، لا من خلال التمويل أو الدعم المادي أو الرسمي للمبادرات الشعبية التي تبدأ. كيف يبدو قطاع الفن إذن في مثل هذه الأوقات من عدم الاستقرار؟
المساحات الثقافية والمقاهي والبرامج متداخلة المجالات ليست جديدة في السودان، لكن الروح التي تحملها الآن مختلفة عما كانت عليه في عهد الإنقاذ (الدكتاتورية السابقة). لم تعد هناك أماكن تفتح أبوابها لمجموعة ديموغرافية معينة، تنظم فعاليات سرية وتخشى قوى النظام العام سيئة السمعة– التي أُلغيت بعد الثورة. المساحات مفتوحة للحوار والنقاشات، والفرق المستقلة، والشعراء، والمكتبات ودروس الحرف اليدوية. والأهم من ذلك، أن هذه المساحات قادرة إلى حد كبير على التقاطع بين الفن والثقافة والسياسة. وبالتالي، ترسيخ أهمية الحوكمة في حوارات الشباب، باستخدام أدوات حديثة وجذابة توسع من شبكة مناقشة الموضوعات ذات الصلة بالانتقال السياسي الحالي في السودان.
فضاءات حرة
يمثل بابا كوستا واحد من المقاهي المفضلة والمعالم الثقافية البارزة في وسط العاصمة الخرطوم، وهو مفضل بدرجة كبيرة وسط الجيل الأكبر سناً. لا يزال المقهى يستضيف الفعاليات، لكن تم هجر المكان بصورة كبيرة عندما فُتِحت مساحات جديدة في أماكن تجارية وأحياء سكنية بالمدينة. استمر نمو المقاهي الثقافية التي افتتحها الشباب السوداني الطموح. ومع ظهور مقهى إيزيس في المشهد، والذي فتح أبوابه في حي الصحافة (من أحياء الطبقة الوسطى) ومن بعدها تمدد إلى منطقة الرياض (من أحياء الطبقة الوسطى العليا) مع مساحة أكبر وتركيز على الفعاليات، فإن عدد من المساحات الثقافية والمقاهي أصبحت معروفة ببرامجها وهويتها الثقافية. وتتضمن بعض أهم هذه المساحات النفاج في بحري، والسوميت بعد إعادة فتحه (في الرياض)، والسطوح الذي افتتح مؤخرًا في الخرطوم، جهنمية (في بحري)، وبوكتينو (مقهى أدبي) في المنشية، ومقهى رتينة في الخرطوم، والتي ازدهرت جميعها بفعالياتها الثقافية ذات النكهة السياسية.
تمثل المقاهي مساحات حرة بالنسبة للفنانين والناشطين على السواء، حيث تمكنهم من لقاء أناس مختلفين، والنقاش بإنفتاح دون خوف من التأجيل أو المداهمات، وحضور الفعاليات والاستمتاع بوسائل الراحة في المقهى وخيارات الطعام والمشروبات. وكما وصفت (د ت)، ناشطة نسوية: “تمثل المقاهي بالنسبة لي فضاءات حرة لعامة الناس ومقابلة النشطاء، الذين شيطنهم النظام السابق وشوه صورتهم بالنسبة للعامة. أصبحت المقاهي أماكن يلتقي فيها الفاعلون الثقافيون بحرية، يديرون نقاشات ومناظرات حول الأفكار والبرامج ويخلقون فيها علاقات تشبيك“. وكذلك يشاركون في التنظيم والاستمتاع بالفعاليات وورش العمل الثقافية، كالليالي الشعرية التي تستضيفها هذه المقاهي. في زيارتي الأخيرة لمدينة الأبيض، مررت بمقهى “موكا” حيث يلتقي الفاعلون الثقافيون ويختلطون مع مرتادي المكان من أجل القهوة. وفي مدني، لا تزال المقاهي الثقافية والمساحات مشهورة بالكتّاب وصانعي الأفلام والمسرحيين وغيرهم. ترتبط فكرة المقهى الثقافي بالبرامج الثقافية، وهي طريقة عظيمة لتنامي القطاع الثقافي ودخوله لفضاءات عامة المجتمع، ومعالجة الممارسات المشحونة للنظام السابق، وهي مساحات محتملة للتواصل بين مختلف الجهات الفاعلة في المجال الثقافي.
لكن برغم ذلك، فإن أصحاب هذه المقاهي يشتكون من العديد من التحديات المتعلقة بالتمويل والبرمجة ومواجهة السلطات. وفيما يتعلق بمواجهة السلطات، روت لي صاحبة أحد المقاهي:”كان هناك جنديان من قوات الدعم السريع (مليشيا سيئة السمعة ومكروهة، مسؤولة عن أعمال تقتيل في السودان وفي حرب اليمن) جاءا إلى المقهى للإستفسار عن من يديره، واستجوبا الحضور. و حاولت الحفاظ على الهدوء في المكان. “بالنسبة للكثيرين، لا يزال قطاع الثقافة يواجه خطر الانحسار من جديد بسبب هذه المصاعب الحالية. لكن برغم ذلك، ومع ذلك ، هناك نمو أيضًا بالنسبة للكثيرين ممن يمكنهم مواجهة التحديات المالية وتجنب ملاحقتهم سياسيًا. ذكرت واحدة من المُحَاورين أنه لا تزال هناك وصمة اجتماعية كبيرة تعمل على تنميط مرتادي المقاهي الثقافية. وهناك حركة ضد الثقافة والنسوية، ومرتادي هذه الأماكن، ومثال على ذلك اقصائهم من الفعاليات والحوارات العامة. تضر هذه الحركة بالمقاهي الثقافية وتقلل من قدرتها على الصمود في مواجهة تحديات متعددة، وفي نفس الوقت محاربة الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي وحملات التصيد، ومن الملاحظ أن ثلث المقاهي المذكورة أعلاه تديرها نساء، مما يجعلها في موقف تصادم مع العديد من الذين لا يشعرون بالارتياح من انفتاح فضاء الفنون والثقافة وإلغاء القوانين المناهضة للحرية، مثل قانون النظام العام.
هناك جهود بين المقاهي لتنسيق الفعاليات، ولكن أشارت أحد الأشخاص المُحاورَين إلى ضرورة وجود أهداف محددة، وجهود تنسيق لتمكين الفاعلين في القطاع من التصدي للقضايا كجبهة موحدة. تتمثل واحدة من إمكانيات التعاون الأخرى في توحيد الأسعار والرواتب والإيجارات والخدمات والجودة والمنتجات الخام المستخدمة في هذه المقاهي، والتي تستهدف تركيبة سكانية مماثلة للزبائن. وضحت إحدى الذين تمت مقابلتهم أنه “علينا العمل معًا لأن العلامات التجارية الأكبر والأكثر استقرارًا ستدخل السوق في النهاية، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة لزبائننا. لذلك علينا أن ننظم ونبني جودتنا وأسعارنا، مع الاستفادة من توحيد أسعار العملة الحالية. كما يمكننا تحديد فئات الأسعار بناءً على تقسيم المنتجات إلى تلك التي يمكن استخدام المواد الخام المحلية في إنتاجها، وتلك التي تستخدم منتجات عالمية ومستوردة .”
ما الذي يدفعهم على الاستمرار؟ يستقر الكثيرون في أعمال إدارة المقاهى، ويستمتعون بالمساحات التي خلقوها، والتي تجمع الناس معًا من أجل البرامج الموسيقية والثقافية، فضلاً عن كونها أماكن جيدة للنقاشات والحوارات الآمنة والمفتوحة. قال أحد الأشخاص المُحَاورَين “أعمل في هذا [المشروع] منذ العام 2013 ولا أعتقد أن بإمكاني فعل أي شيء آخر. وأتلقى دعمًا رائعًا من الأصدقاء والعائلة لخلق بيئة ومساحة جيدة “.
الفن والسياسة
عندما فتح 1Impact Hub Khartoum أبوابه في عام 2017 ، كانت مسألة وقت قبل أن تبدأ المساحات والمحاور الأخرى في الانفتاح. وفي عام 2020 ، أدى ظهور جائحة كورونا إلى تعطيل كامل لافتتاح مساحتين وإطلاق أنشطتهما وبرامجهما : Savannah Innovation Lab و Rift Digital Lab. وبعد انطلاقها أخيرًا ، قدما هذه المساحات مزيجًا مثيرًا للاهتمام من البرامج والتدريب في مجال الفن وريادة الأعمال. أصبح Savannah Innovation Lab معروفًا كمساحة عرض تديرها Muse Multi Studios، وهي مجموعة شبابية تنظم المعارض الفنية وورش العمل. وتستضيف المساحة كذلك ورش عمل وتعزز المشهد المحلي لريادة الأعمال من خلال إبراز المؤسسين ومشاريعهم. ينظم Rift Digital Lab ورش عمل لبناء القدرات في مجالات مثل التدريب على الأمن الرقمي، فضلاً عن معارض الواقع الافتراضي وإنشاء محتوى حول التصميمات وأفكارها ومشاريعها.
تتيح مثل هذه المساحات الاختلاط المفتوح بين الفن والسياسة في سودان ما بعد الثورة. وتمويل العديد من برامج بناء القدرات والفعاليات في مجال الفنون والثقافة من قبل كبار المانحين، كما هو الحال بالنسبة لـ civic lab ومشروع عديلة للثقافة والفنون ومشروع Contraband لتشمل المناقشات السياسية أيضًا. لم تكن مثل هذه المساحات، في السابق، تروج لفعالياتها ذات النكهة السياسية، وكانت فعالياتها الفنية مقيدة في معظم الأحيان. وفوق ذلك، لم تكن الفعاليات السياسية للشباب شائعة، حيث جرت معظم النقاشات السياسية في مقرات الأحزاب السياسية أو المراكز/ الأماكن التي يقودها جيل أقدم من الأكاديميين أو الكتاب. وترك التنظيم (الممل، وغير المروج له، وأسلوب المحاضرات) وخطر مداهمات الشرطة لمثل هذه الفعاليات الشباب خارج المعادلة. ويعد انفتاح المساحات الجديدة التي يديرها الشباب للفعاليات السياسية المميزة علامة جيدة للحوار الحر في سودان ما بعد الثورة. هذه المساحات آخذة في الازدياد على الرغم من الهجوم على مجموعة فيد للفنون في عام 2020 ، والاحتجاجات المستمرة على الظروف المعيشة وانعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب وحشية الحكومة وأجهزة قمعها.
علق ناشط يعيش خارج السودان، وكان قد زار الخرطوم مؤخرًا، أن المعامل المدنية والمساحات المفتوحة “تضمن إمكانية الوصول للجميع، وليس النشطاء. كما أنها منفتحة نسبيًا ولا تتعرض للمضايقات من قبل الشرطة، لذلك هناك طلب كبير على مثل هذه الأماكن بعد الثورة، خاصة بالنسبة للنشطاء الشباب“. وأشار إلى أنه لا تزال هناك تحديات مثل ضعف البنية التحتية وسوء خدمة العملاء وتقديم الخدمات وضعف مستوى الإبداع. ويعتقد بشكل خاص أن المجتمعات المضيفة وقاطني الأحياء السكنية لا يشعرون بالسعادة حيال هذه المساحات وأنشطتها، مما يخلق جوًا من العداء الذي يتسبب في مداهمات الشرطة بسبب الاضطرابات أو القضايا الأخرى – وهو أمر غالبًا ما يُشار إليه على أنه السبب في القبض على مجموعة “فيد للفنون“.
الخرطوم ليست مدينة مخصصة الأنشطة، لذلك فغالبا ما تقام الأنشطة التجارية بالقرب من الأحياء السكنية. وهذا الأمر يسبب مخاوف ويطرح تحديات مستقبلية بشأن المساحات المهتمة بتوسيع برامجها. يجب قبول المساحات في المجتمع ويجب أن يشعر سكان الأحياء بانتماء هذه المساحات لهم؛ وأنهم قادرين على الاستفادة منها والتعايش في نفس المكان. ويتمثل التحدي الآخر الذي تواجهه مثل هذه المساحات في الضرائب غير الموحدة التي تُحصلها الوحدات الحكومية المختلفة. وفي بعض الأحيان يمكن زيادة هذه الضرائب دون سابق إنذار، مما يؤدي إلى تعطيل المساحات من إدارة النفقات العامة والتوقعات المرجوة، والذي يهدد طبيعة أعمالهم الناشئة والتمويل المحدود.
بناء المرونة في أوقات عدم الاستقرار
على الرغم من أن هذه المساحات تضج بالحركة في الوقت الحالي، إلا أنها انحرفت عن وجهتها قبل عام، وذلك تحت وطأة جائحة كورونا. أصيب موظفو Rift Digital Lab بالصدمة عندما تم تنفيذ الإغلاق الكامل، وتطلب عبور الجسور حينها تصاريح – وهو ما لم يكن لدى أعضاء الفريق. كان عليهم إيجاد طرق لنقل معداتهم إلى منازل الموظفين ونقل عملهم إلى أماكن بعيدة. استغرق المعمل وقتًا لاستكشاف كيفية العمل وإيجاد الطرق المناسبة لتسهيل العمل عن بُعد. كان على الموظفين أيضًا إعادة توجيه أنفسهم إلى هذا الواقع الجديد، والذي كان له نتائج عكسية بالنسبة للفرق الإبداعية التي اعتادت على العصف الذهني وعرض مسودات العمل خلال تواجدهم معًا في بيئة عمل مشتركة.
بالنسبة للمراكز والمؤسسات الأخرى التي كان لديها منح وبرامج، فقد خاطروا بالوصول إلى نهاية المنحة دون تحقيق المخرجات المتفق عليها تعاقديًا. وعلى الرغم من تحويل بعض الأنشطة إلى المساحات الرقمية، إلا أن المنظمين والمانحين على حد سواء اعتبروا أن تأثير هذه الفعاليات منخفض بشكل عام. وأكثر من ذلك، عانت شركات ريادة الأعمال التجارية أكثر من غيرها، حيث عنى الإغلاق استمرار دفع النفقات وعدم وجود دخل ثابت، وإجازة الموظفين والانتظار حتى تسمح الظروف بمزاولة العمل. وهكذا فإن الكيانات التي تمول من المانحين كانت أكثر مرونة خلال فترة الجائحة، نسبة لتفهم المانحين.
النموذج الأكثر ملاءمة للفاعلين الثقافيين للبقاء موضوعيين، ويقيمون فعاليات ناجحة و النمو، هو عبر بناء نموذج هجين مع تدفقات إيرادات متعددة ومعايير وعمليات تشغيل قوية ومرنة وحديثة، حيث تسمح باكتساب المواهب والاحتفاظ بها في أوقات الشدة، في الأماكن المحلية والنائية. أضف لذلك ، فإن المساحات والمشاريع تحتاج إلى مواجهة الأساليب والمعاملات الحكومية البطيئة غير الكفؤة وغير الفعالة، والتي تتلون بطبقة من العداء خلفها النظام السابق. يبدو في بيئة مثل هذه أنه لا وجود للأمل لمؤسسي ومديري هذه المشاريع، ولكن من خلال ثلاث دراسات حالة قصيرة ، نستكشف كيف تمكنوا من تعزيز مشاريعهم ومؤسساتهم، وكيف أن الفشل في بعض الأحيان ليس دائم، بل يصير ولادة جديدة، على الرغم من عدم الاستقرار. وتسلط دراسات الحالة هذه الضوء على أهمية بناء قدرة للمقاومة، والشراكات ذات المنفعة المتبادلة، والنماذج متعددة التخصصات، وعدد كبير من العوامل البيئية المتغيرة التي تؤثر على العمليات اليومية لهذه المساحات.
دراسة حالة: مركز أم درمان الثقافي
عندما أطاحت الثورة في السودان بنظام عمر البشير، احتلت لجان المقاومة في أم درمان المركز الضخم والمتهدم الذي يتوسط المدينة في شارع الموردة. واليوم، يضج المركز بالأنشطة مع تقويم للفعاليات الفنية العامة، والبروفات الدرامية، والمؤتمرات الطلابية، وورش العمل المهنية للمجتمعات ذات القدرات المختلفة في أم درمان. كان نهج المركز هو إخلاء المبنى من خلال التواصل الإيجابي المباشر مع لجان المقاومة التي احتلته خلال الثورة، والحفاظ على المبنى ومرافقه من خلال التبرعات العينية، والبدء في البرمجة الفنية والثقافية مع مجموعات مختلفة. وسرعان ما استقطب المركز مجموعات الدراما والمجموعات ذات القدرات المختلفة والفاعلين في الفن والثقافة والموسيقيين ومنظمي الفعاليات والكثير غيرهم.
كون الفريق التنفيذي للمركز أرضية عمل صلبة مع محلية أم درمان، حيث يعتبر المركز مؤسسة حكومية مع عمليات تدار بشكل مستقل. من خلال استضافة مجموعات مختلفة وإدارتها بشكل مستقل، وتحسين وسائل الراحة والمرافق الخاصة بها ، تمكن المركز من جذب المانحين والشركاء للمشاركة في تنظيم فعاليات تدعم المجموعات التي وجدت مقرًا لورش العمل والبروفات والدروس الفنية. كما هو الحال، شهد أصحاب المصلحة والجهات الفاعلة في القطاع (بما في ذلك الحكومة والمانحين والشركاء) التقدم الإيجابي للمركز في شكله الحالي للإدارة والحوكمة، ويسعون لتكرار ذلك من خلال عملية تخطيط ونقل المعرفة الشاملة والدقيقة بين مركز أمدرمان الثقافي والمراكز الثقافية الأخرى في جميع أنحاء السودان.
دراسة حالة: مقهى إيزيس
كان مقهى إيزيس من المقاهي المفضلة لدى الكثيرين من عشاق فعاليات الأدب والموسيقى، حيث كانت مؤسسته ومالكته، وئام شوقي، في نفسها رمزًا ثقافيًا. استمر هذا الأمر إلى أن تعرضت لانتقادات من المجتمع وتعرضت للهجوم والتهديد من قبل السلطات بعد ظهورها على التلفزيون، حيث ناقشت أفكارًا تعتبر من التابوهات ومثيرة للجدل بالنسبة للكثيرين. دُفعت ضريبة هذا الأمر على المستويين الشخصي والمؤسسي، حيث أُجبر فرع المقهى الثاني والأكبر في الرياض على الإغلاق. ومع ذلك، تم إحياء مقهى إيزيس بمساحة جديدة في الخرطوم 2 واستضافته داخل مركز ثقافي، وهو في متناول الكثيرين.
استشهدت وئام بقائمة من الصعوبات المتعددة، وعلى رأسها الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها المقهى ومرتاديه. وصرحت “في الماضي، كان يمكنك جذب الناس بسهولة إلى الفعاليات التي تقيمها. اعتدنا في فرع أوماك في عام 2018 على إضافة 20 جنيهًا سودانيًا إلى الفاتورة لجلسات موسيقى العود، لذلك لم تكن جميع الفعاليات تحتوي على تذاكر. لكن في عام 2021، فمن المستحيل إقامة فعالية بدون 500 جنيه سوداني كثمن للتذكرة ، ولم أتمكن من تقديم قهوة مجانية مع ذلك حتى“. وأشارت إلى أنه كان من السهل تحقيق ربح بقيمة 1000 دولار أمريكي في الماضي، ولكن مع التضخم الحالي، ظلت أرباحها تقف عند 200 دولار أمريكي في أحسن حال، وكان من الصعب الاحتفاظ برأس المال، حيث تراكمت التكاليف وظهرت من العدم ( البلدية ، الصيانة ، إلخ).
في ظل المناخ الحالي غير المستقر، فإن إدارة المشاريع الاجتماعية أمر صعب بالنسبة لأولئك الذين لا يحصلون على الدعم المالي من المستثمرين أو دعم الأسرة، دون عائدات أو توقعات جيدة. وتقدر وئام تكلفة التوصل لإنشاء مكان جديد، وتأثيثه بشكل بسيط، بحوالي 50000 دولار أمريكي لعقد إيجار طويل المدى. وبناءً على تجاربها السابقة، لم يسمح الملاك للمستأجرين بحرية التصرف الكامل في المساحة، خاصة المساحات الثقافية. حيث هناك خوف وصدمة متراكمة بسبب الحذر من تجارب المداهمات المتكررة في السودان قبل الثورة.
يكمن مستوى آخر من القلق في الزبائن أنفسهم: فعلى الرغم من أن الأعراف الاجتماعية قد خفت إلى حد ما في السودان بعد الإطاحة بحكم الإسلام السياسي، إلا أن هناك خطوطًا رمادية فيما يتعلق بما هو مقبول من حيث الملابس وشرب الكحول في الأماكن العامة. ومع ذلك، فإن المساحات مثل إيزيس توفر ملاذات آمنة للزبائن الذين لا يتم الترحيب بهم في أي مكان آخر لمشاركة معتقداتهم وأفكارهم مع الآخرين. وتذكر وئام النشطاء الذين دافعوا عن حقوق المرأة في خطاب عفوي وسط مساحة المقهى خلال شهر مارس 2021، مما أثار حوارات مثيرة للاهتمام مع النشطاء وغير النشطاء على حد سواء. ونظرًا لكون المقهى مملوكًا لناشطة نسوية، فقد يكون مساحة أكثر أمانًا من المقاهي الثقافية الأخرى ولمثل هذه النقاشات حول حقوق المرأة والنسوية.
أُعلن المقهى في يونيو 2021 عن الإغلاق مرة أخرى ولا يزال المستقبل غير معروف بالنسبة لمقهى إيزيس؛ هل ستكون قادرة على فتحه مرة أخرى والعثور على المزيد من المساحات الرحبة أم أن نموذجها سيتغير؟ ما شهدناه هو أن إيزيس وصاحبته دائمًا ما يجدان طريقة للعودة، والتزامهما بالحركة الثقافية جدير بالاحتفاء.
دراسة حالة: The Muse at Savannah Innovation Lab
بدأ “مركز سافنا للابتكار” بهدف أن يكون مركزًا لريادة الأعمال والشركات الناشئة. وواجه المركز تحديًا من قبل جائحة كورونا والتي أخرت افتتاحه أثناء الإغلاق، لكن هذا أتاح فرصة لإعادة تنظيم مهمته مع احتياجات قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة. واليوم يعتبر سافنا مركزًا للفن والتعبير الفني، فضلاً عن مساحة لبناء القدرات للجهات الفاعلة في المجتمع المدني. وتجعل استضافة ورش عمل متعددة كل ثلاثة أشهر وتنظيم المعارض المنشطة من المختبر مساحة مختلفة عن المساحات الأخرى في المدينة. فبالإضافة إلى ذلك، امتدت تمارين بناء القدرات الخاصة بسافنا إلى نيالا والفاشر في دارفور، حيث وفر التدريب محو الأمية الرقمية للمؤسسات الصغيرة. من خلال المراقبة والتقييم، المركز قادر على تقييم تأثير تدريبهم وتطوير نموذج العمل بشكل أكبر قبل التوسع في مجالات أخرى. يتمثل نهج المركز في اللامركزية في بناء القدرات وتقديم شبكة من الفن من خلال الشراكة مع Muse Studios والتكنولوجيا والكيانات الدولية.
جلبت The Muse الفن إلى سافنا من خلال استضافة فصول دراسية والتدريب في مختلف أنواع الفنون، وتزويد الفنانين بمساحة عرض، والتعريف بهم والترويج لأعمالهم والعثور على جامعي الفن والمشترين. كان الاندماج مع سافانا دورًا أساسيًا في نمو Muse ، حيث سمح بمشاركة الموارد للاستخدام المكتبي واستضافة الفعاليات وقاعات التدريب.
شارك: