الهوية
بعد حصولي على درجة البكالوريوس في الصيدلة أردت أن أبتعد قليلاً من العالم العِلمي. فعَمِلت في شركات مختلفة في القطاع الخاص، في إدارة المؤتمرات والتسويق والعلاقات العامة في عاصمة المملكة المتحدة، لندن. إنتابني خوفٌ أن عملي ليس له تأثير على المجتمع، وأنني لا أساهم في جعل العالم مكاناً أفضل لي أو لغيري. أدركت حينها أن مسار وظيفتي كان لا يفي و غير مُكافيء بالنسبة لي، فإتخذت قراراً لإجراء تغييرات في حياتي لتغيير مسارها.
نشأت في لندن و لكني كنت أزور السودان كثيراً في الإجازات العائلية. كلما كبرت في السن، أحسست أنني بعيدة ومنفصلة عن ثقافة بلدي و أن جزءاً من هويتي مفقود. جعلتني هذه الأحاسيس مصممة على العودة إلى جذوري، وإكتشاف المزيد عن البلاد التي جئت منها. أردت أن أستخدام المهارات المكتسبة خلال نشأتي بالخارج للمساهمة في تحسين وضع السودان. مهنياً، عزمت على التعمق في الصحة العامة، وبناء الخبرة والمعرفة من العمل الميداني. شعرت أن من شأن هذا المسار الوظيفي أن يضعني في موقع يتيح لي تطوير وتنفيذ إستراتيجيات الصحة العامة القادرة على التأثير الإيجابي الكبير على حياة الناس.
العودة
قادني الإهتمام بنُظم وخدمات الصحة العامة إلى رحلة إستكشاف، و تملكني شعور عميق بالمسؤولية لتقديم الأفضل ومعرفة ما يمكن للسودان تقديمه لي أيضاً. بسذاجة تامة إفترضت أن الناس سترحب بحضوري وتفاؤلي لتغيير العالم. صُدمت بمواجهة تحديات كثيرة في حياتي الشخصية والمهنية ، بإعتباري إمرأة و من العائدين من الغربة.
عملت في أماكن مختلفة، بما في ذلك مختلف الوزارات، والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية. تفاجأت أن زملائي كانوا أكثر إهتماماً بإستراحات الشاي، و السؤال عن قبيلتي و أسرتي، والتعجب من لهجتي العربية، و ليس بمهاراتي وقدراتي لإتقان العمل. كان من الصعب التكيُف مع هذه البيئة. بعد مدة، وجدت عمل في الصحة العامة مرتبط بمشروع فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، و أخيراً إرتحت مع نوع العمل و تمتعت بالسفر وإستكشاف مناطق مختلفة في السودان. عبر عملي الأخير و نشاطات أخرى قمت بها، إلتقيت بعدد كبير من الأفراد الذين يقومون بأشياء إستثنائية في السودان، مثل المتطوعين في مركزالمعجزات للفروسية والعلاج، الذي يقدمhippotherapy واللعب العلاجي للأطفال المعوقين. تطوعت بوقتي معهم وإلتقيت بالكثيرين القريبين لي في التفكير و الرغبة في إحداث تأثير إيجابي بطرق مختلفة.
من خلال العمل التطوعي في المركز، رشحتني صديقة لبرنامج زمالة MILEAD الذي تديره مبادرة موريمي. ويهدف هذا البرنامج إلى تنمية المهارات القيادية و تمكين وتدريب الشابات الأفريقيات الرائدات من خلال مساعدتهم على تطوير وتنفيذ مشاريع مختلفة في بلدانهم. تم اختياري لزمالةMILEAD في صيف 2013، وقضيت 3 أسابيع في غانا. خلال الفترة، تعلمت الكثير من المهارات اللازمة لتنفيذ المشاريع.
ومن هنا بدأ مشوار منظمة السودانية للإرشاد .
منظمة السودانية للإرشادعندما سكنت و عملت و إندمجت في الحياة في السودان، لاحظت بعض الظواهر التي ألهمت إنشاء منظمة السودانية للإرشاد. مثلاً، لاحظت أن الظروف الاقتصادية والإجتماعية للبلد منعت الناس من الوصول لأقصى قدر من النمو والتطوير، لتزدهر حياتهم ويصبحون مواطنين فاعلين في مجتمعهم و يرتقون في السلم الوظيفي. كما ظهر لي أن المجتمع السوداني خانق للنساء بالأخص. فالمجتمع يجعل المرأة تشعر أن فرصها محدودة، وبالتالي تجد الكثيرات صعوبة في فهم قدراتهن الحقيقية و ما يستطعن عمله و تقديمه للمجتمع.
تأملت كيف أن مسار الأمور يمكن أن يختلف لو تم إرشاد الفتيات لتخطيط مسارهن الأكاديمي و تحقيق أحلامهن ومن ثم تطبيق هذاعلى الإنجازات المهنية، وكيف أن برنامج الإرشاد يمكن أن يغرس الثقة في الفتيات الشابات لمتابعة ما يأملون تحقيقه. عُدت إلى السودان بعد الزمالة، وبدأت العمل على منهج تدريب شخصي ومهني للمنظمة. تم تطوير البرنامج لربط النماذج النسائية السودانية المميزة اللواتي أنجزن الكثير أكاديمياً و مهنياً، والفتيات الشابات اللواتي يعشن في السودان. البرنامج يطمح إلى تمكين الفتيات بخيارات ومصادر إلهام من خلال تقديم القدوة ومنحهم الشجاعة لتحقيق أهدافهم.
تشكيل البرنامج
في السنة الأولى إخترنا فتيات تتراوح أعمارهن بين 14-18 عاماً. نصحني الكثيرين بالبدء مع الفتيات الأصغر سناً، لتمكينهن من إكتساب نظرة ثاقبة للتنمية الشخصية في وقت مبكر من مشوارهن الأكاديمي ومستقبلهن. ومع ذلك، أشارت غالبية ردود الفعل التي تلقيتها نحو إستهداف طالبات الجامعات، مما أدى لتغييرات طفيفة في البرنامج.
سعيت بعدها لتعديل المواضيع لتناسب الفئة العمرية الجامعية وتجنيد المرشدات ثم إطلاق البرنامج لعام 2014. تحسنت التجربة من خلال زيادة عدد ونطاق الموضوعات التي يتم تناولها في البرنامج، والحث على الإستفتاء على التعليقات لإستمرار تعزيز قيمة الزمالة. تعلمت عن عدم الإلمام بمفهوم التوجيه و الإرشاد في السودان، وسعيت لشرح ذلك بطرق عديدة خلال التواصل مع الزميلات، مع التعزيز أنه نهج شمولي بالمناقشة، بدلاً من جلسة تدريس رسمية.
الرحلة مستمرةمن المعتاد سماع تذمر الناس من العقبات العصيبة التي لا يمكن أن يتخلص منها السودان بسهولة. في حين أن هذا قد يكون صحيحاً، و يمكن للمرء أن يرتبك بحجم القضايا التي يمكنه العمل على تحسينها، أعتقد أن بإستطاعة كل شخص أن يركزعلى قطعة واحدة من اللغز، و “معاً يمكننا تحقيق أي شيء” كما يقول شعار منظمة السودانية للإرشاد.
أعزم لتحدي الأفكار المرسخة من خلال أخذ السودانية للإرشاد خارج الخرطوم إلى المدارس والجامعات الحكومية حيث يمكننا مساعدة الفتيات على تعلم اللغة الإنجليزية (اللغة المختارة للزمالة)، و بالتالي سيستطعن المشاركة في الزمالة والإستفادة القصوى من هذه التجربة. أنا أيضاً حريصة على وجود المزيد من التوعية على أرض الواقع حتى نتمكن من فتح الفرصة للفتيات للمشاركة و لكي نصل لمرشدات أكثر داخل وخارج السودان.
السودانية للإرشاد تواصل رحلتها، و تُدشن السنة الثانية من البرنامج في مارس 2015. المنظمة متحمسة جداً للسنة الثانية و يسعدني أن أعلن عن النشرة الإخبارية الجديدة التي ستمكننا من نقل بعض التجارب الملهمة للموجهات والزميلات، و أيضاَ تجارب نساء سودانييات معاصرات.
نؤمن في المنظمة أن لكل شخص شيء فريد من نوعه ومع قدوة إستثنائية وتدريب ودعم، يمكن للفتيات الشابات تحقيق أشياء هائلة في السودان.
تابعوا أخبار منظمة السودانية للإرشاد خلال الفيسبوك و تويتر للتقديم للزمالة يمكن التواصل مع المنظمة خلال البريد الإلكتروني [email protected]