ما هو أول ما يتبادر إلى ذهنك عند سماعك لمصطلح “العنف عبر الإنترنت“؟ المفردات ذات الصلة التي يسهل تخمينها ستكون “التسلط عبر الإنترنت” ، “الابتزاز” ، “استقاء المعلومات الشخصية“، “التهديد” وما إلى ذلك. لكن ما قد يكون مثيرًا للاهتمام حقا ، هو كيفية تجلي أشكال العنف نفسها على أساس النوع الاجتماعي، وضد النساء بشكل خاص.
ينتشر العنف عبر الإنترنت ضد النساء بشكل كبير في غالبية المنصات المعروفة. و يزداد سوء هذه البيئة على الإنترنت –والتي تعتبرها النساء بيئات معادية– إذا كانت المرأة تنتمي إلى دين أو أقلية عرقية / إثنية معينة. في استطلاع للرأي أجرته منظمة العفو الدولية و الذي نُفذ في ثمانية بلدان، تبين أن 23٪ من النساء اللائي شملهن الاستطلاع تعرضن لسوء المعاملة أو المضايقة على الإنترنت، فما هي الأشكال والعوامل الكامنة وراء هذه الظاهرة، وما مدى اختلافها عندما تكون موجهة نحو الرجال؟
يُعتقد أن العنف عبر الإنترنت هو مجرد إمتداد للعنف والتمييز اللذين تتعرض لهما النساء في أرض الواقع. ويظهر هذا في الأفعال المباشرة أو غير المباشرة التي تحدث بشكل متكرر للتهديدات البدنية والجنسية التي تتلقاها النساء عبر الإنترنت، وكذلك في المفاهيم المختلفة التي تستهدف إذلال هوياتهن الشخصية. يمكن تصوير مثل هذه الأفعال على أنها أشكال من التمييز الجنسي والعنصرية والقبلية وما إلى ذلك. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار الأعمال التي يتم القيام بها من أجل تثبيط عزيمة المرأة وتعزيز الشعور بالضعف. قد تستمر أشكال المضايقة، التنمر، التعليقات، أو الصور المسيئة على مدى فترة زمنية قصيرة أو متسقة، و قد لا تحمل بالضرورة أي خطر متوقع في المستقبل. مثال آخر معروف جيدًا هو “استقاء المعلومات الشخصية” ، و الذي يوصف بأنه إنتهاك لخصوصية الفرد تتم فيه مشاركة التفاصيل الشخصية أو المستندات الخاصة بشخص ما عبر الإنترنت دون موافقة أو قبول من الطرف المعني.
اغتيال الشخصية هو شكل آخر من أشكال العنف الجدير بالذكر، و يشار إليه كعمل يحاول تشويه سمعة الفرد بقصد تدمير ثقة الآخرين تجاههم. يمكن التعبير عن هذا المصطلح الواسع في ممارسات مثل الإنتقام الإباحي، والذي يعرّف بأنه “صور جنسية لشخص تنشر عبر الإنترنت دون موافقة الشخص المعني، وخصوصًا كشكل من أشكال الانتقام أو المضايقة“. يأخذ اغتيال الشخصية زاوية خاصة فيما يتعلق بقدرة المرأة على التعبير بحرية عن نفسها، و القمع الذي يواجهنه عند التحدث بصوت عالٍ، والذي ثبت أنه يتفاقم بشكل خاص تجاه الناشطات والمؤثرات.
ياخذنا هذا إلى السؤال المذكور أعلاه ، لماذا تعيق مظاهر العنف المذكورة سابقًا النساء بشكل خاص؟
جوابي هو أن نوعنا، خاصة في السودان، يشكل جزءًا مهمًا من هذا الوضع. يُعتقد أن مصيرنا يعتمد تمامًا على حيازتنا لامتيازات تخولنا الحصول على موافقة وتفضيل الذكور، و يعتبر كرمًا ولطفًا منهم عندما يطلبون أيدينا. هذه الممارسة المتمثلة في الحد من قيمة المرأة و من مظهرها جعلت الرجال والنساء في مجتمعنا يميلون إلى حد ما نحو تبني استراتيجيات التخويف القائم على الجسم، أو التعيير بالجسم ، والتي يتم توجيهها في الوقت الحاضر نحو المرأة بطريقة غير عادية. مجتمعنا يميل أيضا إلى جعلنا نحن النساء سلعة. فنحن معروفات كأداة لإخضاع رجال عائلاتنا وإهانتهم. هذه التصورات القمعية تجعلنا نشعر بالتهديد و التنبه المستمر تجاه السلوك الذي نعبّر عنه علنًا، والطريقة التي نختارها للتعبير عن آراءنا ومعتقداتنا.
في الوقت الحالي، هناك ممارسة مستمرة أعتقد بأنها يمكن أن تكون أكثر أشكال العنف الممارسة ضد النساء على الإنترنت، وهي حملات التشهير التي تقوم بها بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. تم إنشاء صفحة على الفيسبوك لمشاركة الصور التي تم نشرها علنًا في البداية بواسطة الفتيات على حسابات تويتر الشخصية الخاصة بهم، ثم نقل هذه الصور إلى الصفحة مع أسماء الفتيات وعرضها بطريقة تجارية ومهينة للغاية. لقد دفعني أول تفاعل لي مع هذه الصفحة التفكير في عاملين رئيسيين في هذا الموقف: أولهما، الممارسة المتمثلة في الترويج السلعي التي تواجهها النساء بشكل مستمر، و الأمر الثاني، رد فعلنا الفوري غير المشروط على الصفحة، والذي يتميز بالخوف؟ العار؟ ، لوم النفس؟ حقيقة أننا شعرنا بهذه المشاعر بينما كنا على دراية تامة بأننا نحن من قمنا بمشاركة الصور طوعًا من دون الشعور بالذنب أو الإهمال تجاه الصور. يثير هذا الامر الكثير من الشكوك والأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها. هل نحن الذين نزود مضطهدينا بالقوة التي يريدونها؟ هل التغيير الذي نبشر به ونتمناه باستمرار يكمن في أيدينا؟
أؤمن أن هناك تغيرًا ملموسًا في مستوى الوعي الذي بات لدينا تجاه العنف عبر الإنترنت ككل. و أعتقد أنه قد حدث تقدم كبير فيما يتعلق بهذا الأمر، لأن الاستجابة والعمل تجاهه قد بدأ في الظهور. أصبحت النساء والفتيات اليوم أكثر استنارة و وعياً بحقوقهن. على الرغم من أنهن يملن إلى لوم أنفسهن في العديد من الأحداث ذات الصلة. بدأ عدد لا يمكن انكاره في اتخاذ المزيد من التدابير العملية ضد مرتكبي مثل تلك الأفعال، سواء كان ذلك من خلال المنصات نفسها (الحجب أو التبليغ وما إلى ذلك) أو عن طريق التصرف القانوني إذا تصاعد الوضع.
هذه المقالة جزء من سلسلة في شراكة مع مبادرة آمنة لمناهضة العنف ضد المرأة. تابعوا آمنة على تويتر لمعرفة المزيد عن نشاطاتها.