المرأة السودانية و نسمات الحرية : هل لنا أن نتفائل

الشركاء: أندريا

تاريخ النشر:

2020

٨ يوليو ٢٠٢٠

لعل أكثر روايتين سردت أوضاع السودانيات في فترات تاريخية مختلفة هي رواية شوق الدراويشللكاتب حمور زيادة و رواية السوسلسارة الجاك. حيث تعتبر كل منهما مرجعية لما كانت تعانيه المرأة السودانية من عدم العدالة، عدم المساواة، التمييز و الهيمنة الذكورية. يهيمن الرجل على كيان المرأة في عدة أشكال منها: الختان، زواج القاصرات، الجهل و الأعمال المنزلية الشاقة. أما فيما يختص بتعدد الزوجات يرجع فيه الاختلاف إما بسبب غيرة الرجل الدينية، العنصرية أو لجهل المرأة أيضاً بحقوقها. و حتى لو طالبت المرأة بحقوقها يوجد خلط مفاهيمي مجتمعي بين الحقوق و الواجبات، أو الأعراف و التقاليد و القوانين. و أعتقد أن المجتمع السوداني مثله مثل الكثير من المجتمعات في منطقة الشرق الأوسط و أفريقيا يفضل العرف على القانون.

تعتبر حقوق المرأة في المجتمع السوداني محط جدال حتى بعد سن قوانين تفتقر الى الموضوعية. و قد أدى وجود الاسلام السياسي الى نظرة شمولية للمرأة على اعتبار انها تشكل تحدياً للرجل و فكره، عوضاً عن أنها نصف المجتمع كما يردد الرجل نفسه. لذلك انتشر العنف ضد المرأة و التمييز بمختلف اشكاله، بالإضافة الى إستعداء المرأة من قبل المرأة نفسها التي تحاول الحصول على مكتسبات رضائية إما بسبب المجتمع أو العمل. و على الرغم من سن قوانين دستورية و حصولها على نسبة مقاعد سلطوية، إلا أنها عجزت عن تطبيق فعلي على ارض الواقع. مثلاً، تفتقد النازحات تحقيق العدالة الجنائية و يعتبر أنهن يشكلن خطر و تهديد على المجتمع بسبب النزعة العدائية من جراء العنف و عدم وجود مراكز تأهيل نفسي و ارتفاع نسبة العطالة النسائية. و يجب الوقوف على تردي أوضاع السودانيات إبان فترة حكم الرئيس المخلوع على اساس حكم الاسلام السياسي، الذي شكل مفهوم عقيدي جهادي حزبي لا ينظر الى مفاهيم الحقوق على انها ضرورة مجتمعية لإعلاء اسم السودان و تحقيق قيم المساواة، و العدالة و الحرية دون تمييز. و حتى مفهوم التمييز مغلوط بالنسبة للفكر الاسلامي وهو ما يسبب اشكاليات و لا يحرز التقدم في توقيع الاتفاقيات الدولية.[1]

المضايقات و الضغوط المستمرة

شعرت بالخوف و لم أنم طيلة الليل و أنا افكر كيف يمكن أن اكتب عن معاناة السودانيات. و على الرغم من تفكيري المستمر لم استطع القراءة أو الكتابة عن الموضوع لفترة اسبوع في محاولة للهروب و عدم مواجهة الواقع. ما شجعني على البحث و القراءة و ألهمني هن السودانيات اللآتى أراهن يعانين في المواصلات لاكتساب الرزق أو التنقل. أرى أن الكثيرات يفضلن الصمت خوفاً من وصمة العار و بسبب عدم تحقيق العدالة القانونية التي تؤدي إلى استنزافهن مادياً و نفسياًـ و تؤدي إلى استمرار الاعتداء عليهن و عزلهن و ادخالهن في دوامة الفقر و الجهل، عوضاً عن التركيز على حياتهن الخاصة و التعليم و المشاركة الفعالة في المجتمع. و لا نستثني من ذلك الأمم المتحدة و منظمات المجتمع المدني و القيادات.[2]

تعتبر قضية زي السودانيات في المجتمع كأحد أهم الإشكاليات التي تقع ما بين نظرة المجتمع و القانون حيث عكس تطور الأزياء السودانية عبر مراحل تاريخية التحول الفكري المجتمعي و السياسي. و قد تعالت الأصوات بإلغاء قانون النظام العام الذي أتى به حكم الاسلام السياسي للحفاظ على المظهر العام دون النظر في القيمة الأخلاقية. و فرض القانون سيطرة وهيمنة على المرأة، مما أدى إلى وجود اتجاه قوي مع إرتداء البنطال على الرغم من انه كان غريبا على المجتمع. و لكن هناك ايضاً أسباب اقتصادية و عوامل وظيفية أدت الى ارتداءه على الرغم من اعتقادي أن البنطال اكثر حشمة من بعض الأزياء الأخرى، و لكن الاسلاميون يرون أنه تشبه بالرجال. و مع تكرار حوادث تعرض ناشطات سودانيات للادانة بارتداء البنطال و منع دوائر حكومية دخول المرأة في حالة ارتداءه، زادت المطالبات بإلغاء قانون النظام العام الذي ينتهك حرية و خصوصية المرأة السودانية مع الأخذ في الإعتبار أن المجتمع السوداني مجتمع محافظ له ثقافته و عاداته و تقاليده. و لكن إلغاء قانون النظام العام فشل في اثبات جدواه، لذلك لا اعتقد أن إلغاؤه سوف يؤثر على المظهر العام [3]،[4]،[5].

بمجرد التفكير في أوضاع المرأة في السودان يبدأ شعري في التساقط بغزارة. فأول ما فكرت فيه بعد سقوط النظام البائد بقيادة المخلوع عمر البشير هي فتاة سودانية عملت على خدمة المتظاهرين/ات من المرضى و الجرحى و كانت ترفع لافتة كل صباح بكل تفاؤل و هي بعينين حزينتين. و يرجع السبب أن هناك بعض العائلات طلبت من المشاركات في الثورة السودانية باعتصام القيادة العامة عدم الرجوع مرة أخرى الى المنزل في محاولة للتبرؤ منهن بسبب الأيديولوجية الفكرية و الإنتماء التنظيمي. و البعض الآخر من الأسر مارس انتهاكات غير انسانية خطيرة تمثل في حرمان المؤيدات للثورة السودانية من الماء أو اعطائهن حبوب مضرة لصحتهن، و البعض تم وضعهن تحت ضغط و توتر مستمر مما أدى الى أدمانهن التدخين بشراهة و الإضرار بصحتهن. و هناك عوائل عمدت الى منع خروج البعض منهن لشراء احتياجاتهن الخاصة أو الاختلاط بالناس، بالاضافة الى منعهن الأكل بأساليب مختلفة أو عدم تناول طعام صحي. و على الأغلب و للأسف من قمن بذلك نساء بتحريض ذكوري. بشكل عام، كان البعض يشعر بغضب عارم من المشاركة النسائية الواسعة التي اختلفت من تشجيع و أعمال مختلفة و وقفات احتجاجية، وصلت ببعضهن وهبن حياتهن ثمناً للثورة السودانية. و تعرضت الناشطات الى مضايقات و رصد و متابعة متواصلة من بعض الأجهزة تارة لحمايتهن و تارة بسبب انتشار مظاهر سالبة مثل التحرش الجنسي و انتشار المخدرات و الكحول. و هناك عوائل منعت بناتها منعاً قاطعاً من المشاركة في الثورة السودانية بمنعهن من الخروج من المنزل. لذلك تستحق المرأة السودانية أن تكون ايقونة الثورة السودانية لمواجهتها كل هذه الضغوط. و اعتقد أن الهيمنة الذكورية ظهرت بعد ذلك في انخفاض مشاركة المرأة السودانية في الاعداد و الترتيب للفترة الانتقالية. لكنني اعتقد أن هناك نساء كان يعملن خلف الكواليس دون أن يعلم عنهن أحد حتى لا تتعرض حياتهن للخطر، فكانت هناك محاولات قتل للتخلص من الناشطات و استهداف مباشر للمرأة السودانية إبان فترة اعتصام القيادة العامة من جهات مختلفة [6]،[7]،[8].

هل لنا أن نتفائل؟

يعتبر تعليم المرأة في السودان منصة للوعي و الاستنارة و المشاركة الفعالة في المجتمع لكن الفكر الإسلامي السياسي يرى أن لا ضرورة من تعليم المرأة و يفضل ادخالها خلاوي القرآن بدلاً من التعليم، و يعتبره حجر عثرة أمام واجباتها المنزلية. و يفضل أيضاً أن تصبح خادمة في المنزل لتنفيذ مطالب الأسرة في نظرة شمولية و بداعي المثالية الخيالية، في الوقت الذي يُحمّل فيه الرجل المسؤولية كاملة للمرأة وينئ بنفسه عن القيام بواجبته بسبب النظرة المجتمعية الذكورية. و مع اصرار المرأة السودانية و عنادها المستمر، زادت نسبة تعليم المرأة السودانية الى أكثر من 52% لكن المناهج التعليمية كانت تكرس لنفس المفهوم الاسلامي السياسي. لذلك على الأغلب لا تستفيد المرأة من تعليمها في حياتها الخاصة أو العامة و تعود مرة أخرى الى المنزل لتربية الأبناء، الأمر الذي لا يتعارض مع التعليم. لذا يحتاج التعليم في السودان الى تغيير جذري و هي ضرورة ملحة للتقدم و إحداث نقلة نوعية مفاهيمية.[9]

عمل المرأة مهم و يشكل الأمان الاقتصادي و صمام استقلاليتها. فمن الملاحظ أنه تدنت مستوى مشاركة السودانيات في السوق السوداني حيث بلغت نسبة مشاركتهن 25% في الفئة العمرية ما بين 15-64 من النساء. و قد أدى اغتراب الأباء في زيادة نسبة العاملات في الخدمة المدنية بنسبة 50% و تقوم العاملات بمهن شاقة تؤثر على صحتهن و ادائهن. و يقوم الاسلام السياسي بتجفيف مصادر معارضيه و خصوصاً المرأة و يركز في ذلك على الناشطات لتغيير آرائهن أو تنظيمهن سياسياً. و تتعرض المرأة السودانية في سوق الأعمال الى عدد من انواع الاستغلال بسبب الاحتكار، و للأسف ارتفعت البطالة النسائية في الفترة الأخيرة لتصل الى 0.8% على الرغم من امتلاكهن مؤهلات و قدرات مميزة و لكن لأسباب أيديولوجية. أما غير المنتميات لتنظيم سياسي أو طائفي يتم اقصائهن عوضاً عن الاستفادة منهن على اعتبارهن مورد بشري حقيقي مهم [10]،[11].

تعتبر صحة المرأة السودانية مهمة و لكن هناك من يتجاوز الخطوط الحمراء و يحاول تغيير الخريطة الديمغرافية و التلاعب بهرمونات المرأة مما يؤثر على مقدراتها و هو شيء يجب الوقوف عليه و محاسبة المتورطين به لأنه أمر لا يغفر. فمن الملاحظ تدني خصوبة المرأة السودانية بالإضافة الى مشاكل صحية هرمونية و لا يتوفر العلاج المطلوب و يتواطأ الأطباء و الصيادلة على حد سواء بسبب النظرة الشمولية. حيث قدر معدل الخصوبة للمرأة السودانية عام 2018 ب 4.85 مولود لكل امرأة، وقُدر متوسط الحياة المتوقع في العام ذاته بـ 65.8 سنة (63.7 سنة للذكور، و68.1 سنة للإناث(.[12]

يتداول البعض موضوع تغيير لون المرأة السودانية على أساس أنه تغيير في الهوية السودانية و لكن الأمر له أبعاد أكثر من ذلك، فالأمر يتعدى أكثر من استهداف بشرة المرأة بسبب انتمائها للعروبة أو التخلص من اللون الأسمر الداكن. فانتشار الكريمات لا يشوه بشرة المرأة السودانية فقط و إنما يؤدي الى تشوهات نفسية داخلية خطيرة، الهدف منها الخضوع لرغبة الانتماء الايديولوجي و الاسلام السياسي. و يختلف مفهوم المرأة الأنثى عن المرأة الانسان لكنه لا ينتقص منها، فهي إحدى سمات المرأة و التي تعمل فيها على إضفاء معالم أنثوية مختلفة عن الرجل. لكن لا يؤثر ذلك على أداء وظائفها المختلفة و لا ينتقص من حقها في ممارسة الألعاب الرياضية و المهن الأخرى إذا رغبت بذلك، بشرط أن لا يؤثر على صحتها. و كشف التقرير السنوي لمركز الإحصاء بمستشفى الخرطوم للأمراض الجلدية، الصادر في العام نفسه، عن أنّ المستشفى استقبل 80.739 حالة العام الماضي، منها 20.852 حالة تشوّهات ناتجة عن استخدام كريمات تبييض البشرة“. هذا يعادل نسبة 25.8% من جملة الحالات التي يستقبلها المستشفى، بعدما غزت الأسواق الشعبية السودانية في الأعوام الأخيرة مستحضرات تجميل مجهولة المصدر. وأكدت تقارير طبية أنّ المحلات التجارية التي تبيع كريمات تبييض البشرة عادة ما تلجأ إلى بيع منتجاتها بطريقة لا تتطابق مع المواصفات الطبية أو الجودة، ودون الحصول على استشارات طبية. الأمر الذي أدّى إلى تزايد أمراض الجلد وسط الفتيات.[13]

Image by AFP via arabnews.com 

أعتقد أن هناك خلط بين حرية المرأة و خصوصيتها الشخصية و بين حرية المجتمع و ما يراه مناسباً حسب المرجعية الدينية أو الطائفية أو القبلية، و السؤال المحوري هو: ما هي الحرية؟ يعتقد البعض أن الحرية هي نوع من التحرر الأخلاقي. و لعل هذا المفهوم يأتي بسبب رؤية الأسرة في المقام الأول دون النظر في خصوصية المرأة و حريتها الشخصية على اعتبار أنها قدوة و تحمل اسم و شرف العائلة. و الحقيقة أن المرأة السودانية قادرة على الحفاظ على نفسها بإخلاقها و احترامها. و لكن النظرة الذكورية تختلف عن نظرة المرأة التي تعمل بكل قوتها في مجتمعها سواء في العمل أو المنزل، و مع ذلك تتعرض للمضايقات أو التجاهل. و اعتقد أن سبب هذه المضايقات نزعة أو خصلة غير محببة في الرجل من نشر الأقاويل حول المرأة السودانية في المجتمعات الذكورية و على الأغلب غير صحيحة أو غير صادقة للأسف الشديد. مما يؤدي الى نشر أخبار كاذبة حول المرأة حتى يرفضها المجتمع و يعزلها، و لا تكون لها مشاركة فعالة أو فرصة القيام بدورها على اكمل وجه. و لهذا الأمر عدم احترام لخصوصيتها أو أمنها الشخصيالأمر الذي يصل في بعض الأحيان الى شكل من أشكال العقاب المجتمعي أو العقاب الجماعي. و أعتقد أن الرجل يحاول إغواء المرأة السودانية و من ثم يحملها ذنب اخلاقي لأسباب منها رغبته في تغييرها طواعية أو اختيارية بالضغط النفسي بعلمها أو بدون علمها.[14] وصم المجتمع للمرأة على أنها جسد فقط دون احترام عقليتها و قدرتها على التمييز يتماشى مع المجتمعات الشرقية التي تنظر الى مكان المرأة وهو السرير في غرفة النوم. و هو ما يؤدي الى اختزال طاقات المرأة و قيادتها للمجتمع و اعتلائها لمناصب قيادية سواء أكانت سياسية و تعليمية أو وظيفية، و هو ما يتحدى مهارات و قدرات المرأة.

و يستمر هذا التباهي في ظل أزمة اقتصادية تزيد من معاناة المرأة السودانية مع محدودية الفرص و عدم توفر المواصلات التي تساعدها على الاستقلال المادي و احترام خصوصيتها. لذلك اعتقد أن المتضرر الأول من الأزمة الاقتصادية هي المرأة، وهو ما يضطرها الى امتهان وظائف و مهن هامشية لا تدفع بمهاراتها للأمام أو قدرتها على الحصول على مكتساباتهاعلى سبيل المثال: قانون الأحوال الشخصية الذي يحتاج الى التعديل، أو التوقيع على معاهدات للمرأة. و في ظل هذه الأوضاع ترتفع نسبة العطالة النسائية بشكل كبير وهو ما يضعها تحت ضغط حيث لا تستطيع الحصول على ابسط متطلباتها الشخصية، وهو ما يؤدي الى اضطرابات نفسية و صحية. و قد ازدادت في الفترة الأخيرة قصص محاولات انتحار النساء السودانيات، و اصبحنا نسمع قصص عن نساء مفقودات، و هناك من رمن بأنفسهن في نهر النيل.

في ظل كل هذا، هل لنا أن نتفائل؟

1. حقوق المراة فى السودان مابين القانون والواقع

2. مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة: تقارير بتضييق الخناق على المنظمات وتحديدا منظمات حقوق المرأة

3. ماذا تخبرك الأزياء عن رحلة التحولات السياسية والدينية في السودان؟

4. بنطالك فاضح”: ملابس السودانيات تفضي إلى السجن والجلد وما هو أفظع..

5. السودان.. دافعت عن حقوق المرأة فاتهمت بالدعارة!

6. السودانيات يكافحن للحصول على تمثيل أفضل في الفترة الانتقالية

7. عزل عمر البشير: شابات سودانيات يكتبن عن شهر الأحلامالذي غير حياتهن

8. تعديل قانوني يجرم العنف ضد المرأة السودانيةلكنه ليس كافياً

9. عمل المرأة حول العالم إعداد و عرض الصحفية إنتصار محمد

10. نسبة المشاركة في قوة العمل، الإناث

11. عمل المرأة حول العالم إعداد وعرض الصحفية إنتصار محمد

12. السكان في السودان

13. لهذه الأسباب تنتشر ظاهرة تبييض البشرة بين السودانيات

14. واشنطن بوست: لماذا قادت النساء انتفاضة السودان؟

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات