٦ يوليو ٢٠٢١
أود أن أعود بكم إلى ديسمبر من عام 2019، حيث لم نكن مهلكي الطاقة وخائفين. في ذلك الوقت كانت الصين تراقب وتعالج العشرات من حالات الالتهاب الرئوي. بعد فترة وجيزة في يناير 2020 أعلنت الصين عن تفشي خطير لحالات فيروسية، حيث سارعت وسط تفشي الفيروس إلى الإغلاق التام للحد من الانتشار السريع لما يعرف الآن بالكورونا.
وقتها لم نعد مراقبين فقط من خلف شاشاتنا، فقد انقلبت الطاولة بسرعة عندما بدأ الوباء بالانتشار على مستوى القارة الأفريقية. راقب العالم عن كثب الفيروس الذي أثر على الجميع، وأصبح الناس مرعوبين من تداعيات الكورونا. تبع ذلك خوف مبرر؛ ماذا سيحدث إذا تعرضت تنزانيا للإغلاق؟
وصول الدخيل
في 16 مارس 2020، تم الإعلان عن أول حالة كورونا في تنزانيا. حيث أثبتت إصابة مسافرة تبلغ من العمر 46 عامًا عادت إلى الوطن من الخارج بعد زيارة الدنمارك والسويد. أعطت وزيرة الصحة في ذلك الوقت، ماما أومي مواليمو، التنزانيين الأمل وقالت لهم ألا يفزعوا؛ طمأنتهم بأن الحكومة تسيطر على الوضع بقوة بمراقبةً المصابين، ووضع القادمين من البلدان ذات نسبة الاصابات الكبيرة في الحجر الصحي لمدة 14 يومًا، وعزل الأفراد الذين أتت نتيجة فحصهم إيجابية. كما نصحت الجميع بالإلتزام بالإجراءات الصحية من خلال الحفاظ على التباعد الاجتماعي، وإرتداء الكمامة، وإتباع ممارسات النظافة الشاملة.
لم يكن التنزانيون يتخذون هذه الإجراءات بإستخفاف، ففي الأماكن العامة مُنعوا من الدخول بدون كمامة، وبمجرد دخولك كان عليك غسل يديك. أتذكر زيارتي لموقف حافلات نيقازي في موانزا ومُنعت من الدخول لأنني لم أكن أمتلك كمامة، لذلك اضطررت إلى شراء واحدة. لم يوقف أي مجهود من تصعيد الموقف أو وقف مسار الأحداث التي تلت ذلك. بعد فترة وجيزة، أعلنت المدارس من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة والكليات إغلاقها حتى يرجع الوضع “آمناً“.
في تنزانيا، تلقى قطاع السياحة الضربة الأكبر لكونه من بين القطاعات التي تكسب تنزانيا العملة الأجنبية بشكل رائع، حيث بلغ أعلى رقم قياسي مؤخرًا إلى 2.44 مليار دولار في عام 2018. أدى انخفاض عدد السياح والعملاء إلى إجبار العاملين و العاملات في القطاع على إغلاق أعمالهم التجارية. وقد تجلى ذلك أكثر من خلال الشوارع الخالية والمهجورة التي شهدت في يوم من الأيام تدفق السياح على مدار العام، سواء كان ذلك في موسم جيد أو سيئ. هذا ما يغطيه هذا المقال، حيث أتيحت لي الفرصة لاستكشاف مدينتين في تنزانيا وهم أروشا وزنجبار للتعرف على مدى تأثير الوباء على سيدات الأعمال.
أروشا
أروشا هي واحدة من مناطق الجذب السياحي الرئيسية في تنزانيا. إنها المكان الذي أنشأت فيه العديد من الشركات السياحية مكاتبها، حيث أنها بوابة وجهات السفاري في تنزانيا. تبدأ جميع الرحلات من هنا إلى مرتفعات كليمنجارو؛ أعلى جبل في أفريقيا على ارتفاع 5895 مترا. و إذا كنت تستمتع بالمشي لمسافات طويلة، فستكون وجهتك المثالية هي المحميات في نجورونجورو؛ أكبر كالديرا سليمة يعيش فيها شعب الماساي والحيوانات معًا، و تم تصنيفها على أنها موقع تراث عالمي لليونسكو. و هناك أيضاً الحياة البرية في سيرينجيتي، موطن جميع الحيوانات البرية التي تعرفها أو سمعت عنها في إفريقيا. من معالم أروشا الطبيعية الجميلة المنظر الذي يطل منه جبل ميرو.
سافرت إلى أروشا في أواخر شهر مايو 2021، على أمل أن أقابل رائدات أعمال يعملن في صناعة السياحة. أثناء وجودي هناك قمت بزيارة أماكن مثل أسواق ماساي وماتوندا، والتي كانت ستكون مغمورة بالسياح في موسم الذروة. ومع ذلك كان الأمر مختلفًا هذه المرة، حيث كانت الأسواق هادئة، وكان التجار لديهم أوقات طويلة للدردشة، والمحلات التجارية مليئة بالمنتجات التي طال بقاءها في الأرفف. كان هذا على عكس السنوات الأخرى التي سبقت الوباء، وفي ذاكرتي في العام 2015 عندما ذهبت إلى سوق الماساي مع طلاب التبادل من الولايات المتحدة الأمريكية الذين درست معهم في جامعة ماونت ميرو. لم نتمكن وقتها من رؤية أي تاجر جالسًا أو يدردش، حيث كانوا مشغولين دائمًا بخدمة العملاء وخاصة السياح. كان الشارع دائمًا صاخباً، وعليك المناورة للعبور بسبب كثرة الناس.
سوق ماتوندا للفواكه في أروشا خالي تماماً. مصدر الصورة: شيبو مباركة لأندريا.
تم إغلاق أبواب الشركات السياحية التي كانت تعمل بنجاح في السابق، واختار العديد منهم القيام بالعمل عن بُعد. أكد السيد يسايا مواكالينقا مديرشركة الكيبولان تور، أنه أحد رواد الأعمال الذين اختاروا هذا الطريق. كان علينا التواصل من خلال تطبيق Zoom لمناقشة القضايا المزعجة في مجال السياحة في أروشا. وأشار إلى أن انخفاض أعداد السائحين أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف التشغيل مما دفعهم إلى العمل عن بعد.
شوارع سوق الماساي الفارغة حيث لا يوجد سياح كما هو الحال في أروشا. لم يكن من الممكن الحصول على مثل هذه الصورة خلال فترة بعد الظهر قبل حقبة الكورونا. مصدر الصورة: شيبو مباركة لأندرياا.
عندما قال الرئيس الراحل ماجوفولي إنه لا ينوي وضع تنزانيا تحت الحظر التام، شعر الكثيرون بالارتياح واختفت مخاوفهم بسرعة. كان الناس متفائلين وخاصة رواد الأعمال. ولكن لم يكن يتردد على الأسواق الآن سوى عدد قليل حيث قام غالبية الناس بتخزين طعامهم. اضطر آخرون إلى الخروج للبحث عن وظائف، لكن فرص العمل كانت منخفضة إلى مستحيلة. وأغلقت المكاتب أبوابها ودفعت الناس للعمل من المنزل. كان هذا تغييرًا كبيرًا لكثير من الناس. حيث أصبحت المؤتمرات عبر الإنترنت شائعة وكان يطلق عليها جميعًا “اجتماعات Zoom” بغض النظر عن التطبيق المستخدم.
“عندما كان العالم كله يتخذ الإجراءات وأغلقت المدارس شعرنا بالخوف. توقف جميع الناس تقريبًا عن القدوم إلى السوق. لم نتلق تعليمات بإغلاق أعمالنا ولكن كان علينا إغلاقها لأننا لم نتمكن من بيع أي شيء لإنقطاع السائحين والسكان المحليين عن القدوم لشراء أي شيء.” راشيل موشي؛ سيدة أعمال في سوق ماساي. مصدر الصورة: منيدي شافي لأندريا.
كان على شركات السياحة القيام بإعلانات ضخمة عبر تطبيقي الفيسبوك والإنستقرام ورسائل البريد الإلكتروني ورحبت بالسياح في تنزانيا على أمل الربح. وقد دفع هذا حتى وزير السياحة آنذاك، السيد هاميس كيجوانغالا إلى دعوة السياح بشكل ملحوظ لزيارة تنزانيا. مستخدماً الوسوم الشهيرة في تغريداته عبر تويتر؛ # تنزانيا_لا_تنسى و #تنزانيا_آمنة. و بالتزامن مع الحملة، تدفق السياح من روسيا ودول أوروبية أخرى وكان عليهم الالتزام بأحكام الكورونا والممارسات الدينية.
زنجبار
تشتهر جزيرة البهارات بشعبها الطيب وأنها الوجهة السياحية المطلقة في المنطقة. مدينة زنجبار “ستون تاون” هي واحدة من مواقع التراث العالمي. حيث تستقبل الكثير من السائحين كل عام، يزورون لتجربة معالمها: سوق حدائق فورودهاني للأطعمة الذي يتنوع في خياراته الغذائية، من بيتزا زنجبار وخبز جوز الهند وبالطبع أطباق الأسماك المحلية، و السوق موقع للهواء النقي وإطلالات خلابة على البحر. زنجبار هي أيضًا موطن “القلعة القديمة“، وجزيرة السجن التي تأوي أنواع السلاحف العملاقة، وبيت العجائب الذي يعرض تاريخ زنجبار.
على الرغم من استمرار الكورونا في جميع أنحاء العالم، كانت زنجبار واحدة من المناطق التي شهدت ارتفاع معدل السياحة. وفقًا للنشر الإحصائي السياحي لزنجبار في أبريل 2021 اعتادت زنجبار على استقبال ما معدله 500 ألف سائح في العام. واستقبلت 260644 سائحًا في عام 2020، وهو رقم مرتفع مقارنة بالوجهات السياحية الأخرى. في عام 2021 شهد العدد زيادة من يناير إلى أبريل وقد زار بالفعل 159102 سائح زنجبار، ومن المتوقع حدوث ارتفاع مطرد.
يعتمد اقتصاد زنجبار بشكل كبير على السياحة مما يجعلها المكان المثالي لبحثي. في الرابع من يونيو 2021، قمت بزيارة زنجبار لتسليط الضوء على أجزاء مختلفة من المدينة. إستقبلني موانيدي شافي، صاحب موانا أوريمبو؛ شركة متخصصة في العناية بالبشرة، حيث وافقوا على مساعدتي في التنقل بحثًا عن المعلومات والعثور على الأجزاء المفقودة من اللغز. يعرب المالك عن الاضطرار إلى تغيير استراتيجية التسويق الخاصة به واستهداف السوق المحلي. يقول لي “بصفتي مالك متجر يبيع المنتجات بشكل أساسي للسائحين، فقد تأثرت بشدة بالكورونا. يمكن لمعظم السكان المحليين الحصول على مثل منتجاتنا بسهولة في مناطقهم، لذلك العملاء المناسبون هم دائمًا السياح. الآن ، بدأنا في ابتكار نهجنا التسويقي ومحاولة الوصول إلى السكان المحليين“.
سيدة هجرة، سيدة أعمال في داو زنجبار. مصدر الصورة: منيدي شافي لأندريا.
انتقلنا إلى فندق وأخذنا وجهات نظرهم حول الكورونا، هناك وجدنا فتحية عبد الحميد، مرشدة سياحية ومخططة رحلات في فندق فيردي زنجبار، التي قدمت لنا تجربتها في ضوء جائحة الكورونا. حين أعربنا عن رغبتنا في الانتقال إلى الفنادق في جنوب زنجبار، سرعان ما سحبت خريطة تحدد الفنادق المغلقة، مضيفة للأسف أن العديد من الموظفين فقدوا وظائفهم خلال هذه الفترة. وتقول “أغلقت معظم الفنادق في قرية (شمبا) التي كانت تستقبل العديد من السواح في السابق. من المأمول أن يكون هذا الإغلاق مؤقتًا وأن يتم استئنافهم عندما يصبح الوضع آمنًا “.
فتحية عبد الحميد، مرشدة سياحية ومخططة رحلات في فندق فيردي زنجبار. مصدر الصورة: منيدي شافي لأندريا.
كان من المحزن رؤية هذا، حيث سافرنا على طول طريق بوبوبو ورأينا أنه تم إغلاق العديد من الفنادق وعدد قليل جدًا منها مفتوح، خاصة تلك المجاورة للمدينة. كان من السريالي رؤية مكان يتألف من 10 إلى 20 فندقًا يعمل فيه الآن فندق أو فندقين فقط.
مجموعات الفنادق في زنجبار التي تم إغلاقها أثناء الإغلاق. مصدر الصورة: منيدي شافي لأندريا
بعد تلك الرحلة التي استغرقت منا حوالي خمس ساعات، قمنا بزيارة المدينة الحجرية “ستون تاون” ورأينا عددًا قليلاً فقط من السياح.
حيث تحدثنا إلى رائدات الأعمال اللائي شاركن بآرائهن حول كيفية تأثير الوباء عليهن من حيث المال والأرباح. قالت معظمهن إنهن أغلقن أعمالهن بين مارس ويوليو 2020، وهو الوقت الذي أغلقت فيه جميع المدارس وحظرت جميع الأنشطة الرياضية. لقد شاركن في أنشطة أخرى من أجل كسب المال. قالت إحدى النساء، السيدة عاشوراء، إنه كان عليها أن تصبح “ماما ليش” (بائعة أغذية في الشوارع) حتى تنجو من الوباء.
السيدة عاشوراء تبيع المنتجات اليدوية في ستون تاون ستريت، زنجبار. مصدر الصورة: منيدي شافي لأندريا.
في المساء، قمنا بزيارة مركز إحصاء زنجبار في نقومي كونغوي، واجتمعنا مع السيد حسين جمعة الذي قدم لنا إحصاءات السياحة لمدينة زنجبار، وقال: “لقد ارتفعت الأرقام في خضم الوباء، وهو ما كان من المفترض أن يقيد السفر. خلال موسم الذروة كانت هناك أيام زارنا فيها حوالي 300 سائح من روسيا “.
انتهت رحلتنا في فورودهاني؛ التي تمتلئ من أي وقت مضى بالسياح المتجولين مستمتعين بعروض الطعام الفريدة من نوعها مع إطلالة خلابة على المحيط. أثناء وجودنا هناك، التقينا بزوجين من السياح يدرسان في إنجلترا حيث علقا كيف أنهما “تعبا من حظر التجوال والبقاء في الداخل“، مما جعل زنجبار ملاذًا رائعًا. لقد أعربوا عن أن التواجد في زنجبار أثناء الوباء كان تجربة رائعة ومنحتهم الفرصة لتجربة تجديد حبهم وتصفية عقولهم للدراسة عند العودة إلى إنجلترا.
كانت هذه الرحلة تنويرية من حيث تأثير فيروس كورونا على رائدات الأعمال في تنزانيا. تنزانيا تعتمد على السياحة التي هي للأسف أداة بقاء للكثيرين. لقد عانت رائدات الأعمال كثيرًا ومع ذلك في ضوء التطعيمات المتاحة الآن، يأملن في رفع الضغط على صناعة السياحة للسماح للعديد من الأعمال بالعمل بأقصى طاقتها.
هذا المقال جزء من سلسلة حول تأثير كوفد–١٩ في منطقة شرق أفريقيا بدعم من WAN-IFRA، مبادرة الإبلاغ عن التأثير الاجتماعي.
شارك: