مقدمة
القانون هو وسيلة الدولة الحديثة في ضبط وتنظيم سلوك مواطنيها، لكنه ليس الوسيلة الوحيدة فهناك القواعد الأخلاقية والشرائع الدينية وغيرها من وسائل تنظيم وضبط السلوك الإنساني، غير أن القانون يعد هو الوسيلة الأهم لارتباطه بمبدأ الثواب والعقاب في أمور الدنيا– بخلاف القواعد الدينية – وهو –أي القانون– عمل بشري محض تعتريه النواقص والعيوب شأنه شأن أي عمل آخر، ربما يصدر من الناحية النظرية البحتة كتشريع أو قواعد مثالية، غير أنه قد يكشف تطبيقه على أرض الواقع عن عيوب خفية وإشكاليات تنفيذية لهذا التشريع أو ذاك. لذا نرى أن دورة القاعدة القانونية قد تطول وقد تقصر، ونرى التعديلات المتتالية على القاعدة القانونية كي تخلصها مما إعتراها من نقص أو إعوجاج أو ميل. والمرأة في المجتمع الإنساني–عامة– هي نصفه، أي نصف قوى المجتمع الإنساني، تتمتع بحسب الأصل بكل الحقوق والحريات التي كافحت البشرية–عبر تاريخ تطورها–لإقرارها– للناس على حد سواء، سواء كان ذلك في مواجهة بعضهم البعض، أو للمجتمعات في مواجهة السلطة التي تنظم سلوكياتهم اليومية وشئونهم. غير أنهن عانين الكثير من التمييز والانتقاص من حقوقهن ووضعهن في مرتبة أدنى من مراتب الرجال في الميادين كافة، والتمييز–ممقوت– مرده القواعد الأخلاقية أو الأعراف الاجتماعية أو حتى الشرائع الدينية. وقد نرى مثلا أن القانون يوجب مساواة النساء والرجال في تولي الوظائف العامة دون إعتبار للجنس أو اللون أو العقيدة أو اللغة أو غير ذلك، لكن العرف يمنع توليهن لتلك الوظائف أو يقلل من نسب توليهن لها في كثير من دول العالم، ومراجعة النسب العالمية لتولي النساء لتلك الوظائف يكشف بجلاء سطوة العرف الغالب على القوانين المطبقة بحيث يكاد يهمش تلك القواعد ويفرغها من جوهرها ومضامينها الكلية الرامية إلى مساواة بني البشر. والأمر ذاته في مصر، فحيث توجب المادة 11 من الدستور المساواة بين النساء والرجال في شتى الميادين ومن بينها تولي المرأة الوظائف القضائية–ورغم عدم وجود ما يمنع ذلك في ضوء الدستور السابق أو القوانين المنظمة لتولي الوظائف القضائية– نجد مثلا أن مجلس الدولة والنيابة العامة فيما قبل 2022 كانا جهتين لا تسمحان للنساء بتولي هذه المناصب، وبعد أن أقر الدستور الجديد هذا الحق –صراحة بالنص عليه– نرى أن نسبة تمثيل النساء في الوظائف القضائية لا يتعدى نصف في المائة من إجمالي القضاة في مصر. ومن ناحية أخرى نجد نصوصا قانونية تمييز بين الرجال والنساء، تمييزا سلبيا واضحا لا لبس فيه، مثل قانون العقوبات، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون الدعارة، وغيرها. بشكل عام يمكن القول إن التمييز ضد النساء بموجب القوانين والتشريعات السارية في مصر يتخذ أحد ثلاث صور: أولا: التمييز الصريح بموجب نصوص القوانين، وقد يكون تمييزا إيجابيا مقبولا لتغيير ثقافة المجتمع تجاه المرأة، وتجربة يمكن للنساء من خلالها البناء عليها لتقوية وتعزيز وجودهن في بعض المناصب العامة والقيادية، وقد يكون تمييزا سلبيا يحد من ممارستها لحقوقها وينتقص من حرياتها العامة. ثانيا: قد يكون القانون سويا خاليا من التمييز ضد المرأة غير أنه حال تطبيقه يطبق بشكل تمييزي يمنع المرأة من إقتضاء حقوقها والتمتع بحرياتها. ثالثا: ومن خلال تنظيم حق معين قد نجد تمييزا بين النساء وبعضهن البعض، فمثلا في قانون العمل هناك تمييز بين من تعمل لدى الحكومة وفقا لأحكام قانون الخدمة المدنية، أو لقانون قطاع الأعمال، وبين من تعمل منهن في مجال العمل الخاص فحقوق الأخريات منقوصة بالمقارنة بحقوق الأوليات، من حيث الإجازات ومن حيث الأجر المتساوي عن العمل المتساوي القيمة وغير ذلك ، ويمكن جمع الصورتين الثانية والثالثة من صور التمييز في صورة واحدة. وعلى ذلك تنقسم هذه الدراسة إلي: المطلب الأول: مفهوم التمييز ضد المرأة وأنواعه. المطلب الثاني: التمييز ضد المرأة بموجب نص تشريعي. المطلب الثالث: التمييز ضد المرأة حال تطبيق القانون أو تنفيذه. المطلب الأول: مفهوم التمييز ضد المرأة وأنواعه 1/ مفهوم التمييز التمييز هو كل فعل أو قول أو نص تشريعي أو عرف يتجافى مع مبدأ المساواة. ومن ثم حرصت المواثيق الدولية على إبراز الحق في المساواة كحق مبدئي وأصيل يتمتع به البشر كافة لا فارق بينهما لأي سبب من الأسباب، ومن ثم حظرت التمييز حظرا قطعيا بإعتباره مخالفة للمساواة اللازمة للإنسان كي يعيش حياة كريمة على قدم المساواة مع غيره. والتمييز هو: أي تفرقة أو إستبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الإعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل. وهو كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو إستبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور أو القانون سواء بإنكارها أو تعطيلها أو إنتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها علي قدم المساواة الكاملة من جانب المؤهلين قانونا للإنتفاع بها ، وبوجه خاص علي صعيد الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة. ومناط إعمال مبدأ المساواة هو تماثل المراكز القانونية. 2/ أنواع التمييز ثمة نوعين من التمييز، فالأول منهما هو التمييز غير القانوني ونعني به أية تفرقة بين الجنسين، أو تفضيل لأحدهما على الآخر، أو إستبعاد يؤدي إلى الإنتقاص بصورة تحكمية من ممارسته وتمتعه بحقوقه وحرياته القانونية سواء عن طريق تعطيلها أو إنكار تمتعه بها، شريطة أن يكون الطرفان متماثلين في المراكز القانونية. أما النوع الثاني فقد تواترت التشريعات –الدولية والوطنية– على أن التمييز الإيجابي والذي يقر للمرأة حقوقا هو أمر محبذ ولا غبار عليه، شريطة أن يكون مؤقتا بغرض التعجيل بالمساواة الفعلية بين النساء والرجال. والتمييز الإيجابي هو ما يشرع للتعجيل بالمساواة الفعلية بين النساء والرجال، عبر القانون، بتحديد نسب لمشاركتهن في الحياة العامة إجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا ومدنيا، في محاولة منه لتغيير البيئة الإجتماعية والصورة الذهنية المؤيدة للتمييز ضد المرأة. وقد سبق للمشرع المصري، إصدار القانون رقم 21 لسنة 1979، والقانون رقم 114 لسنة 1983 بشأن تعديل أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب بعد أن أقر تخصيص عدد 30 مقعدا للمرأة في مجلس الشعب وهو القانون الذي إرتفع عدد النساء بموجبه إلى 35 سيدة بنسبة 9% من أعضاء مجلس الشعب. غير أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية الإنتخاب بنظام القائمة وبعدم دستورية تخصيص مقاعد للسيدات في البرلمان لمخالفته لأحكام المادة 40 من الدستور المصري الصادر عام 1971 بما أثر سلبا على نسب تواجد النساء في المجلس النيابي في الانتخابات التالية 1987، 1990. وتلافيا لمطعن مماثل جاءت تعديلات دستور مصر لسنة 2014 والصادرة في عام 2019 في المادة رقم 102 بالنص على تخصيص ربع مقاعد مجلس النواب للنساء في خطوة للتعجيل بالمساواة بين الجنسين في المجال السياسي، ودعما للتمكين السياسي للمرأة في مصر. غير أن هذا التمييز الإيجابي له شروط وقواعد يجب ألا يتعداها، نذكر منها: أ/ أن يكون التمييز الإيجابي مبررا وهادفا، بمعنى أن تكون التفرقة في المعاملة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة مستندة إلى سبب موضوعي مشروع مثل تمكين الفئات الأكثر ضعفا وتهميشا من ممارسة حقوقهم على قدم المساواة مع الآخرين بتشريع مؤقت يضمن لهم هذه الحقوق ويهدف إلى التعجيل الفعلي للمساواة فيما بينهم وبين غيرهم. وفي هذا قضت الدستورية الألمانية (أنه من الممكن خرق مبدأ المساواة من خلال نص قانوني خاص عندما يتم التحقق من وجود أسباب عقلانية متأتية عن طبيعة الأشياء، تأسيسا على مبدأي التناسب والإنصاف، لأنه في النهاية ما يحسم الإقرار بخرق مبدأ المساواة هو التوجهات التي ينتهجها المشرّع في سبيل تحقيق العدالة، وتكون مبنية على تمييز ظاهري جدي يؤخذ بعين الإعتبار من قبل المشرع). وأكدت المعنى ذاته المحكمة الدستورية الفرنسية بقولها: (إن مبدأ المساواة لا يمنع المشرع من أن يعامل بتشريعات مختلفة مواقع مختلفة ضمن الفئة الواحدة، شرط أن يكون التمييز في المعاملة متناسبا مع الهدف الذي رسمه القانون). ب/ أن يكون التمييز الإيجابي مؤقت، بمعنى ألا يكون دائما فهو موقوت لحين تمكين الفئة التي شرع التمييز لصالحها على التواجد والفاعلية بموجب كفاءتها وبعد تغيير وجهة النظر الجمعية نحوها ومن ثم ينحل ويتوارى مفسحا المجال لتطبيق القواعد العامة في مجالي المساواة وتكافؤ الفرص، والشرط مستفاد من نص المادة الرابعة من إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. ونرى هنا أن المادة 102 من الدستور لم توجب قيدا زمنيا مؤقتا أو مشروطا لسريان نصها كأن يكون ذلك لمدة دورة إنتخابية أو إثنتين مثلا. المطلب الثاني: التمييز ضد المرأة بموجب نص تشريعي في المحور الثالث من محاور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026 والمعنون: تعزيز حقوق الإنسان للمرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، رصدت الإستراتيجية النتائج المستهدف تحقيقها من قبل الدولة نقاط الضعف والقوة قبلها وما تهدف إلى تحقيقه من خلال التشريعات والإجراءات المتخذة في هذا الشأن ونرصد من بينها: أ/ الحاجة إلى تفعيل القوانين التي تحمي المرأة العاملة وتضمن حقوقها، والعمل على إجراء مزيد من الإصلاحات التشريعية، مثل النص على مبدأ المساواة في الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية، وتوحيد إجازات الأمومة في القطاعين العام والخاص، وإقتراح إجازة أبوة مدفوعة الأجر، والنص صراحة على منع التمييز القائم على الجنس فيما يتعلق بالوصول إلى القروض والتمويل…. ب/ الحاجة إلى تطوير سياسات وإجراءات لمكافحة التحرش في أماكن العمل، والنص عليها في قانون العمل. ج/ غياب قانون شامل للعنف ضد المرأة. د/ إستمرار إجراء عمليات ختان الإناث. ه/ زيادة معدلات التحرش الجنسي. و/ الحاجة إلى تعزيز الإطارين التشريعي والإجرائي لمنع زواج الأطفال، والزواج القسري، والمؤقت. ز/ الحاجة إلى تعديل القوانين بما يعزز حقوق المرأة، ويضمن المصلحة الفضلى للطفل، وييسر حصول المرأة على كافة حقوقها وحقوق أطفالها كاملة دون تأخير. ح/ إتاحة فرص متساوية للمرأة والرجل في التعيين في الوظائف القضائية بالدولة. ط/ تعديل قانون العقوبات لجعل التحرش بالمرأة في وسائل المواصلات العامة أو في مكان عملها ظرفًا مشددًا للجريمة. أولا في قانون الأحوال الشخصية لا شك أن قانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1920 وما لحقه من تعديلات متعددة عبر ما يزيد عن مائة عام يعد مهلهلا، عصي على التماسك، يحتاج إلى قانون يجمع شتاته وينتظم فلسفته ويحدد أطره العامة بحيث لا يضيع حق أحد المخاطبين بأحكامه. وإذ نحاول أن نرصد بعض نصوصه التمييزية ضد المرأة فإننا لا ندعي رصدها جميعها فهذا مما يخرج عن إطار هذا البحث المقتضب، وإنما نرصد بعضا من نصوصه التي تميز صراحة ضد النساء وذلك على نحو ما يلي: أ/ حق المرأة في العمل غني عن القول أن العمل حق لكل إنسان، لا فرق في ذلك بين نساء ورجال، خاصة في ظل مجتمع تضغطه الظروف الاقتصادية الراهنة، وأن توفير حياة كريمة للأسر–اليوم– يستدعي عمل الرجل كما يستلزم عمل المرأة، وقد أقر الدستور المصري الحق في العمل بالنص في المادة رقم (12) بأنه: العمل حق، وواجب، وشرف تكفله الدولة. ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبراً، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل. والمادة 11 من الدستور أشارت إلي أن الدولة تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف. لكننا والحال كذلك نجد أن نص المادة الأولى في فقرتها الخامسة من القانون رقم 25 لسنة 1920 والمعدلة أحكامه بموجب القانون رقم 100 لسنة 1985، وهي تتحدث عن نفقة الزوجة، تنص على أنه: (ولا يعتبر سببا لسقوط نفقة الزوجة خروجها من مسكن الزوجية– دون إذن زوجها – فى الأحوال التي يباح فيها ذلك بحكم الشرع مما ورد فيه نص أو جرى به عرف أو قضت به ضرورة ، ولا خروجها للعمل المشروط مشوب بإساءة إستعمال الحق ، أو مناف لمصلحة الأسرة وطلب منها الزوج الإمتناع عنه). تقيد هذه الفقرة حق الزوجة–المرأة– في العمل، وتعلقه على رضاء زوجها، وهي بذلك تنتقص من حق دستوري كفلته الدولة للمرأة، وتقيد من إطلاقه وعموميته. وهو حق مشروط في ضوء أحكام هذه الفقرة بشروط هي: 1/ إذا أثبتت حقها في العمل المشروع في عقد الزواج، سواء كانت تعمل قبل الزواج أو كانت سوف تمارس العمل بعد زواجها. 2/ إذا كانت تعمل قبل الزواج وهو عالم بذلك ، فيكون عدم إعتراضه بمثابة الرضاء الضمني منه بخروجها من البيت للعمل. 3/ إذا عملت بعد الزواج، ورضي الزوج بذلك صراحة أو ضمناً، فلا يجوز له منعها من الخروج للعمل. وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه إذا أذن الزوج لزوجته بالعمل، وكان عملها مشروعاً، فإن مضيها فيه يكون حقاً مكفولاً لها، فلا يمنعها زوجها منه، أو يردها عنه، بعد أن رخص لها به. 4/ إذا خرجت للعمل مضطرة لظروف قهرية. ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته عن الخروج للعمل المشروع إلا إذا ظهر أن إستعمالها لهذا الحق مشوب بإساءة إستعمال الحق أو مناف لمصلحة الأسرة. وتختص محكمة الأسرة بنظر الدعاوى المتعلقة بالإذن للزوجة بمباشرة حقها في العمل، ويكون حكمها قابلاً للاستئناف. وفي هذا قضت محكمة النقض بأنه: (وهى أحكام وإن قننها المشرع بمناسبة تنظيمه لأحكام النفقة الزوجية إلا أنها تعد تطبيقًا هامًا لمفهوم حق الزوج فى منع زوجته من العمل المشروع وحدود هذا الحق وضوابطه، بحيث يكون إستعمال الزوج لحقه فى منع زوجته من العمل إستعمالاً مشروعًا إذا ما إدعى أن هذا العمل مناف لمصلحة الأسرة وتربية الأولاد وأثبت ذلك، بإعتبار أن الحرص على مصلحة الأسرة بوصفها اللبنة الأولى فى المجتمع وتربية الأبناء – ورعايتهم والعناية بهم وتنشئتهم على تعاليم الدين وثوابته والخلق القويم وضوابطه وحمايتهم من مخاطر الإنحراف والمفاسد والبعد عن جادة الصواب خاصة فى السنوات الأولى لحياتهم التي تؤثر فى تكوين شخصياتهم ونظرتهم للأمور – مقدم على المصلحة الخاصة للزوجة فى العمل داخل البلاد أو خارجها). خلاصة الأمر وفقا لأحكام قانون الأحوال الشخصية فعمل الزوجة موقوف على رأي الرجل–زوجها– فإذا ما رأى في عملها–من وجهة نظره أو إدعى أن هذا العمل مناف لمصلحة الأسرة وتربية الأبناء فله أن يمنعها عن الخروج للعمل، ومن ثم يقيد حقا أطلقه الدستور، وهو أمر يحتاج تدخلا تشريعي بالنص على حرية النساء في العمل وفق إرادتهن ودون توقف على إرادة أزواجهن. كما أن النص بشكله الحالي يشكل تمييزا بين النساء في مجال نفاذهن إلى العمل حيث يفرق بين المتزوجة من النساء وبين من لم تتزوج منهن، فالأولى حقها مرهون برضاء الزوج والثانية حقها مطلق–ولو من الناحية النظرية والقانونية– فيمكن وفقا للعرف السائد أن يمنع الأب إبنته من العمل أو الأخ أخته ولكنه سيكون مستندا والحال كذلك إلى العرف وليس إلى القانون، أو بمعني آخر أن التمييز في الحالة الثانية يكون مرده العرف والعادات والتقاليد وليس القانون كما في الحالة الأولى. ب/ شهادة النساء في قانون الأحوال الشخصية الشهادة هي إحدى طرق الإثبات، ولها أهمية كبرى في مجال قانون الأحوال الشخصية، خاصة في قضايا الطلاق، والإعتداء على الزوجة بالضرب ونحوه وأيضا في مسائل النفقة وغيرها. على الرغم من إحتفاء الدستور المصري بالمرأة من خلال نصوصه الرامية إلى تحقيق المساواة فيما بينها وبين الرجل في ميادين الحياة كافة، وإلتزاماته الدولية تجاه تلك المساواة من حيث تصديقه وتوقيعه على العديد من الإتفاقيات الدولية ذات الصلة، إلا أن موضوع أحكام شهادة النساء في مسائل الأحوال الشخصية من الموضوعات التي ما زالت تشهد شدا وجذبا وتعريضا في مجال المساواة فهي وفقا للمطبق فعلا أمام المحاكم تعد نصف شهادة الرجل وذلك إستنادا إلى أن: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وكذلك: فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد، فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة. وعلى الرغم من أن القاعدة أمام القضاء الجنائي أن القانون لا يفرق بين الرجل والمرأة في الشهادة أمام القضاء، سواء تعلق الأمر بإثبات الجرائم أو بالمعاملات المدنية. فشهادة المرأة أمام القضاء مساوية لشهادة الرجل، إذا إطمئن القاضي إليها، وليست الذكورة والأنوثة هي معيار الحكم على جواز الشهادة أو صدقها كي يحكم القضاء بناء عليها. بينما يختلف الوضع في قوانين الأحوال الشخصية حيث خلت نصوصها من أحكام خاصة بشهادة المرأة، فإنه يتعين على قضاة محاكم الأسرة الرجوع إلى أحكام شهادة المرأة في الفقه الإسلامي، والجميع يستندون إلى الآية الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فإكتبوه…. وإستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى). ولا ريب أن الآية الكريمة نزلت بشأن الشهادة أو الإشهاد في مجال الديون والتجارة فوجب تقييدها بما نزلت في شأنه. وكذلك هي لا تتعلق بالشهادة أمام القضاء، لكنها تتعلق بالإشهاد الذي يقوم به صاحب الدين للإستيثاق من الحفاظ على دَيْنه، وليست توجيهاً للقاضي الذي يحكم في المنازعات بين الأفراد، لكنه توجيه لصاحب الحق، ليس معناه أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء لا يثبت بها الحق. فهذا التوجيه – كما يقرر الإمام إبن تيمية – سببه أن المرأة في هذا الوقت لم تكن ممن يطلعون على المعاملات ولا يجلسون مجالسها، لكن إذا تطورت الحياة وتغيرت العادات، كانت شهادة المرأة في المعاملات والعقود مساوية تماماً لشهادة الرجل. كما أنه ووفقا للشريعة الإسلامية يجوز قبول شهادة النساء منفردات في الأمور التي لا يطلع عليها عادة إلا النساء مثل الرضاع، والبكارة والولادة والحيض والعيوب المستورة. وخلاصة ما سبق أن الأحكام –في غير العقيدة– تتغير بتغير علتها وتتعلق بها وجودا وعدما، فإستلزام شاهدين رجلين أو رجلا وإمرأتان في الأمور المالية والتجارية وفقا لآية المداينة الواردة في سورة البقرة نزلت في وقت لم تكن فيه للنساء دراية ولا حضور في المعاملات والتجارة–مع وجود بعض الإستثناءات– ومع ذلك قبلت شهادة إثنتين بعلة أن تنسى إحداهما فتذكرها الأخرى لعدم خبرتهن بهذه الأمور في ذلك الوقت، أما في العصر الراهن فقد إختلفت الأمور وصارت كثير من النساء لهن دراية بالأمور المالية والتجارية، ومن ثم فعلَّة الحكم تغيرت، بتغير الظروف ويتعين علي المشرع إعادة النظر فيه مرة أخرى .لم يثر موضوعا جدلا قط أكثر من مسألة تأديب الرجل لزوجته بالضرب وجواز ذلك لدى طائفة من الفقهاء، وإنتشاره وتفشيه بين الناس، جراء تاريخ طويل من ممارسته من قبل ظهور الإسلام.
ومن المعلوم أن التشريع الإسلامي جاء فيما يخص بعض العادات السيئة أو المحرمة التي كانت سائدة في مجتمع الجزيرة العربية ونزل بالتدريج لا بحرمتها أو منعها مرة واحدة، مثل تحريم الخمر والتي أنزل تحريمها على ثلاث درجات، رحمة من الله بعباده ورفقا بهم أن يحملهم الأمر دفعة واحدة قد لا يطيقون تكلفها وطاعتها، كما لم يحرم التشريع عادات أخرى مثل الرق وإن كاد أن يحرمها بالفعل لا بالقول حيث إشترط لكثير من الكفارات تحرير رقبة.
وأظن أن مسألة تأديب الزوجات عن طريق الضرب الوارد في الآية: ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وإهجروهن في المضاجع وإضربوهن)، تأتي في السياق ذاته، فقد كانت مسألة ضرب الزوجات منتشرة في مكة في ذلك العصر بينما لم تكن كذلك في المدينة، فلما حدثت الهجرة بدأت النساء المهاجرات في كراهية هذه المسألة والتأسي بنساء المدينة، والعكس، فنزلت الآية للحد من هذه المشكلة لا لتقريرها، فجعلت الضرب مرحلة ثالثة وحصرته في ضرب لا يؤذي ولا يترك علامة ولا جرحا ويبتعد عن الوجه والرأس.
ويقول الإمام أحمد الطيب: بأن الضرب الرمزي هو الخيار الثالث بعد النصح والهجر، وهو ليس فرضًا ولا واجبًا ولا سنة ولا مندوبًا، بل هو مباح للزوج إذا وجد نفسه أمام زوجة ناشز وتأكد له أن هذه الوسيلة الوحيدة هي التي سترد الزوجة، فيباح له أن يلجأ إلى الضرب الرمزي هنا، وهذا إستثناء من أصل الممنوع، فالضرب كأصل ممنوع في الإسلام، ولأنه إستثناء فقد وضعت له شروط حازمة، فغير الناشز يحرم ضربها حتى لو وقع بين الزوجين خلاف، ويحرم على الخاطب أن يمد يده على خطيبته، وشرط آخر أن يكون ضرب الزوج للزوجة بهدف الإصلاح لا العدوان.
ونتفق مع الإمام في قوله أن الضرب ممنوع كأصل عام في الشريعة الإسلامية، وممنوع على الزوج أن يضرب زوجته بداعي التأديب أو غيره، وذلك في ضوء عدد من الإعتبارات، نوجزها فيما يلي:
أ/ لما كان الرسول قد أوتي القرآن ومثله معه–السنة– ولما كان لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي، وبالنظر إلى قوله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، فإنه صلى الله عليه وسلم كما قالت السيدة عائشة: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا إمرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله…..). فلو كان الضرب أمرا من الله لكان أولى الناس بتنفيذه هو رسول الله.
ب/ وعن أم كلثوم بنت الصديق رضي الله عنهما قالت : كان الرجال نهوا عن ضرب النساء ، ثم شكوهن إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخلى بينهم وبين ضربهن ، ثم قال : ولن يضرب خياركم.
وهذا الحديث قد تكون الإباحة ظاهره، أو أنه رخصة إلا أنها رخصة إلى الحظر.
ج/ وعن عبد الله بن زمعة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ، ثم يجامعها في آخر اليوم ؟.
د/ وعن إِياس بنِ عبدِ اللَّه بنِ أَبي ذُباب قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه: لا تَضْربُوا إِمَاءَ اللَّهِ، فَجاءَ عُمَرُ إِلى رسولِ اللَّه فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّساءُ عَلَى أَزْواجهنَّ، فَرَخَّصَ في ضَرْبهِنَّ، فَأَطاف بِآلِ رسولِ اللَّه نِساءٌ كَثِيرٌ يَشْكونَ أَزْواجهُنَّ، فَقَالَ رَسُول اللَّه لَقَدْ أَطَافَ بآلِ بَيْت مُحمَّدٍ نِساءٌ كَثير يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولئك بخيارِكُمْ.
والحديث فيه لوم وتعريض بمن ضرب زوجته من الصحابة، وأن الأخيار منهم هم من لا يضربون زوجاتهم وإن نشزن.
وبالجملة فإعتداء إنسان على آخر بالضرب ونحوه جريمة، لها عقوبة مقررة في قانون العقوبات.
لكن في ضوء ما نصت عليه المادة رقم 7 من هذا القانون من القول بأنه: لا تخل أحكام هذا القانون في أي حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء.
فضلا عما نصت عليه المادة رقم 60 منه: لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة.
فإن كثيرا من القضاة يستندون إليهما مع آية (واللاتي تخافون نشوزهن….) في أحكامهم بشأن ضرب الزوج لزوجته.
وقد تردد القضاء المصري في الاعتراف بحق الزوج في تأديب زوجته بالضرب وأثره في المسؤولية الجنائية عن جريمة الضرب. فبعض أحكام محكمة النقض أنكرت هذا الحق على الزوج، مقررة في هذا الخصوص أنه لا يوجد في القانون ما يسقط عقوبة الزوج عن ضرب زوجته وإن لم يتجاوز في ضربها حدود حق التأديب. بينما أحكام أخرى قديمة قضت بعكس ذلك، مقررة براءة الأزواج المتهمين بضرب زوجاتهم، مهما بلغت درجة التعدي، وأياً كان السبب الذي حمل المتهم على ضرب زوجته. وبعض الأحكام اتخذت موقفاً وسطاً، بإقرارها حق التأديب بالضرب الواقع من الزوج على زوجته بالقيود المقررة فقهاً، ومقتضاها إباحة الضرب الذي ينتج عنه الإيذاء الخفيف الذي لا يترك أثراً. فإن تجاوز الزوج هذه القيود، كان خارجاً عن حدود حقه في التأديب، ولو كان الأثر الذي حدث بجسم الزوجة لم يزد عن سحجات بسيطة.
د/ أحكام المفقود في القوانين والتمييز ضد المرأة
تنتهي الشخصية القانونية بالوفاة، وقد تكون الوفاة حقيقية وقد تكون حكمية، أي يصدر قرار بها من القاضي أو من غيره بحسب القانون، ونظم القانون رقم 25 لسنة 1929 أحكام المفقود الغائب عن أهله والمنقطعة أخباره عنهم بحيث لم يعد محققا حياته من مماته، والقاعدة العامة في هذا القانون أن القاضي يحكم بموت المفقود بعد أربع سنوات من تاريخ فقده.
ويتثنى من ذلك أفراد القوات المسلحة المفقودين أثناء العمليات الحربية فيكتفى بمرور سنة واحدة، أما من فقد في حوادث سقوط الطائرات أو غرق السفن فيقضى بموته بعد مرور ثلاثين يوما. هذا في الأحوال التي يغلب فيها الهلاك، أما في غيرها فلا يتقيد القاضي بمدة لإعتبار المفقود ميتا، وهذا لا يمنع زوجته من طلب التطليق بعد مرور سنة من فقده، أو غيابه.
وفي هذا قضت محكمة النقض بأنه:
(يدل نص المادة 12 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 على أن المشرع أجاز للزوجة إذا أدعت على زوجها غيابه عنها سنة فأكثر، و تضررت فعلاً من بعده عنها هذه المدة الطويلة أن تطلب الطلاق بسبب هذا الضرر و الطلقة هنا بائنة لأن سببها الضرر فكانت كالفرقة بسبب مضارة الزوج ، و شرط لذلك توافر أمرين: أولهما أن تكون غيبة الزوج المدة المشار إليها فى بلد آخر غير البلد الذي تقيم فيه الزوجة. و الثاني أن تكون غيبة الزوج بغير عذر مقبول، و تقدير العذر أمر متروك لقاضى الموضوع طالما كان إستخلاصه سائغا).
وماذا لو لم تطلب التطليق؟. هنا نبحث في آثار إعتبار المفقود ميتا بحكم القاضي، وفيها أحوال وفروض حددها القانون على نحو ما يلي:
1/ إذا لم تكن زوجة المفقود قد تزوجت من غيره، وفي هذه الحالة تعود إليه كزوجة دون الحاجة إلى عقد زواج جديد.
2/ إذا كانت قد تزوجت من غيره ولم يدخل بها الزوج الثاني، فإن عقد الزواج الثاني إذا ظهر المفقود يعتبر مفسوخا وتعود إلى المفقود.
3/ إذا كانت تزوجت من غيره ودخل الزوج الثاني بها، فهنا فرق المشرع بين حالتين:
- إذا كان الزوج الثاني حسن النية–غير عالم بحياة المفقود– فالزواج الثاني صحيح ولا تعود زوجة المفقود إليه.
- أما إذا كان الزوج الثاني سيء النية فإن عقد الزواج الثاني يعتبر باطلا وتعود الزوجة إلى زوجها الأول.
والمأخذ على هذه الأحكام الخاصة بآثار الفقد على رابطة الزوجية أن المشرع وضع تلك القواعد بصورة تحكمية لم تراع فيها إرادة الزوجة ومدى رغبتها في البقاء مع الزوج الثاني أو العودة إلى الزوج الأول الذي عاد بعد إعتباره ميتا، ولم تراع كذلك ما إذا كان هناك أولاد من الزواج الثاني من عدمه وأثر تلك الأحكام على هؤلاء الأطفال، كما أن هذه القواعد لم تراع حق حرية الزواج، ولم تبين الحكم في حالة ما إذا كانت الزوجة هي المفقودة الغائبة وكان الزوج قد تزوج بأخرى.
ثانيا في قانون العقوبات
لعل أوضح الأمثلة على التمييز التشريعي المعادي للمرأة في مصر هي جريمة الزنا، وهذه الجريمة ساد تنظيمها في قانون العقوبات المصري شبهات لا تستند إلى ثمة مبرر من تشريع أو شريعة أو ضرورة ملحة تدعو إليه، وتهدر الحق في المساواة في التجريم والعقاب إهدار شبه تام.
ففي حين سكت المشرع المصري عن توفير حماية للمرأة من العنف المنزلي وضرب الأزواج تاركا الأمر لمذاهب الفقهاء في آية (واللاتي تخافون نشوزهن ….)، نجد أنه في جريمة الزنا لم يتحرى الشريعة التي ساوت في العقوبة بين الزاني والزانية ولم تفرق بينهما في ذلك بنصوص قطعية الدلالة واضحة المعاني.
وكأن الأمر متعمد، فما كانت فيه النساء متساويات مع الرجال ينتقص من حقوقهن، وما كان فيه للرجال ميزة أو تمييز ضد النساء ترك على حاله وذلك بالطبع في بعض الأمور وليس كلها.
أ/ في جريمة الزنا
فالمادة 273 عقوبات تنص على أنه:
(لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها إلا إنه إذا زنى الزوج في المسكن المقيم فيه مع زوجته كالمبين في المادة ٢٧٧ لا تسمع دعواه عليها)
والمادة 274 تنص على أنه:
(المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت).
والمادة 275 تنص على أنه:
(ويعاقب أيضا الزاني بتلك المرأة بنفس العقوبة).
والمادة 276 تنص على أنه:
(الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو إعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم).
والمادة 277 تنص على أنه:
(كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازى بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور).
وهذه المواد أعلاه تدشن تمييزا متعدد الأوجه ضد النساء:
فأولا: يعتبر القانون بمواده سالفة الذكر أن المرأة المتزوجة إرتكبت جريمة الزنا أي كان مكان وقوع الجريمة، سواء في بيتها أو في بيت غيره أو في نزل، بينما الوضع مختلف تماما بالنسبة للرجل المتزوج فلا يمكن إعتباره مرتكبا لجريمة الزنا إلا إذا كان ذلك في بيت الزوجية خاصته، مع ملاحظة أنه قد تقوم ضده الجريمة المذكورة في غير بيته إذا زنا بامرأة متزوجة ويكون أمر رفع الشكوى في هذه الحالة لزوج الأخيرة وليست لزوجة مرتكب الجريمة.
ثانيا: من حيث العقوبة أقرت المواد السابقة عقوبة ضد المرأة المتزوجة حال إرتكابها جريمة الزنا بالحبس لمدة سنتين، بينما العقوبة المقررة للزوج حال إرتكابه ذات الجريمة لا تجاوز ستة أشهر.
ثالثا: للزوج في حالة إدانة زوجته بالزنا أن يعفو عنها ويوقف عقوبتها إذا رضي بمعاشرتها له كما كانت، بينما هذا الحق غير متوفر للزوجة.
ب/ في جرائم القتل للشرف
أفرد المشرع نصا لمن فاجأ زوجته حال الزنا فقتلها هي وشريكها ، وإصطلح على إطلاق إسم (جرائم الشرف) على مثل هذه الحالات
فنصت المادة 237 من قانون العقوبات بتمييز جديد في هذا الشأن، حيث نصت على أنه:
(من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234، 236).
فالمادة هنا خاصة بالزوج الذي يفاجئ زوجته وآخر في حال تلبسهما بجريمة الزنا فإذا قتلهما في الحال، أُنزلت العقوبة إلى الحبس والذي تبدأ مدته بأربع وعشرين ساعة، بل إن هذه المادة بعذرها القانوني للزوج قد أباحت له قتلها على الشبهة ذاتها وليس رؤيته للفعل (لما كان من المقرر أنه لا يشترط لتوافر التلبس بجريمة الزنا أن يكون المتهم قد شوهد حال إرتكابها بالفعل بل يكفي أن يكون قد شوهد في ظروف تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالا للشك بأن جريمة الزنا قد إرتكبت فعلا).
ولا تطبق على غيره وإن كان مشتركا معه في الجريمة بموجب نص المادة 39 فقرة 3 من قانون العقوبات.
وتتحول الجريمة من وصف جناية إلى جنحة فالقانون أراد أن يجعل من القتل في هذه الحالة جريمة خاصة أقل جسامة ، ثم أنه لما كان قد عرف في المادة 10 عقوبات الجنايات أنها هي المعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو السجن، وفي المادة 11 عقوبات الجنح بأنها المعاقب عليها بالحبس الذي يزيد أقصى مدته على أسبوع أو الغرامة التي تزيد أقصى مقدراها على جنيه مصري فإن الجريمة المنصوص عليها في المادة 237 عقوبات تكون بحكم القانون جنحة لأن عقوبتها الأصلية هي الحبس وجوبا لا جوازا.
لا تثريب على النص هنا إن هو قدر الحالة النفسية والصدمة التي أطاحت برشد الزوج فدفعته دفعا إلى قتل شريكي الزنا وإعتبرت تلك الصدمة من مبررات تخفيف العقوبة، بيد أنها لم تمنح الحق ذاته للزوجة والصدمة ذاتها لحقت بها. ولم تمنح الحق ذاته لأخ أو والد المرأة إذا فاجآها في الوضع ذاته، وإن كان الأخيرين ووفق ما جرت عليه الأحكام القضائية يستفيدون أحيانا من نص المادة 17 من قانون العقوبات “مادة الأعذار القضائية المخففة”.
فغالبا ما تستخدم فى حق المتهمين المدانين فيها أقصى درجات الرأفة بالشكل الذي يري المجتمع معه أن المتهم فيها قد إضطر أو سيقت نفسه إلي إقترافه مثل هذا الجرم دون أن يكون له الحق في الإستفادة بالنص القانوني الذي يعطيه أدنى عقوبة لأنه ليس الزوج، فقد يتفق هذا التخفيف حينها ونظرة المجتمع للجريمة المقترفة ودوافع إرتكابها حيث أن العقاب فى القانون الجنائي يهدف دائما لحماية المجتمع وقيمه وثوابته، وكذلك حماية الإنسان وأمواله وممتلكاته.
وفي كل الأحوال نرى أن المواد العقابية التي نظمت جريمة الزنا تخالف الدستور المصري جملة وتفصيلا من حيث:
–التمييز بين الزوج والزوجة في مكان إرتكاب الجريمة أو في عقوبتها، هو تمييز بين مراكز قانونية متماثلة، تحكميا وبغير سند شرعي أو قانوني مما يوصمها بمخالفة أحكام المادة (53) من الدستور والتي تقضي بأنه: المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الإنتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة بإتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.
–المواد المنظمة لأحكام جريمة الزنا بتمييزها بين الرجل والمرأة، وقعت في حومة المخالفة الدستورية لأحكام المادة (2) والتي تنص على أنه: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وبالنظر إلى النصوص قطعية الدلالة في الشريعة الإسلامية والتي تسوي بين الرجل والمرأة في مجال جريمة الزنا، أو تلك التي تسوي بينهما في العقاب في جرائم الحدود، نلحظ في غير عناء مخالفة المواد القانونية المذكورة لأحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم لأحكام المادة الثانية من الدستور.
–المادة 237 عقوبات والتي منحت الزوج إستثناء منزلا للعقوبة حال قتله لزوجته ومن يزني معها لم تعط الزوجة الحق ذاته، مما يوقعها في المخالفة الدستورية لأحكام المواد الثانية والثالثة والخمسين من الدستور، وذلك دون سند يعتد به أو يعول عليه، وتعد من قبيل القصور التشريعي أو الإغفال التشريعي، وعلى الرغم من الدعاوى الكثيرة التي عرضت على الدستورية العليا في هذا الشأن ورفضتها أو قضت بعدم قبولها فإن مسلكها في كثير من هذه الأحكام كان مستندا على عيوب في المعايير الشكلية كإنتفاء الصفة والمصلحة وما شابه ذلك دون الخوض في غمار الموضوع وصلبه.
العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، والعمل حق لكل إنسان ولكل مواطن مصري ليواجه به ومن خلاله أعباء الحياة، وتكاليفها ويوفر لنفسه ولأسرته/ا ما يكفل لهم حياة كريمة تتضمن من خلالها كفالة حقوقه الأخرى في السكن والتعليم والصحة وغيرها، فالحق في العمل هو مدخل للتمتع بالحقوق الإنسانية الأخرى وممارستها.
في مجال النصوص التشريعية التي قد تشكل تمييزا ضد المرأة في مجال العمل وبمراجعة القوانين والتشريعات المصرية ذات الصلة نكاد لا نرى نصا تشريعيا يميز بشكل واضح وصريح ضد المرأة في التشريعات المنظمة لحق العمل في القطاع العام أو الحكومي، وهذا لا يمنع تعرض المرأة لأشكال أخرى من التمييز في هذا القطاع ليس محلها هذا المطلب.
بينما نجد في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وهو المنظم لحق العمل في القطاع الخاص أن نص المادة (4) منه يجري على أنه:
لا تسري أحكام هذا القانون علي :
أ/ العاملين بأجهزة الدولة بما في ذلك وحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة .
ب/ عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم.
ج/ أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلاً.
وإذا كان الإستثناء الوارد في الفقرتين (أ) و (ج) من نص المادة مفهوما ومنطقيا في الأولى ويحتمل الشبهات في الثانية، ففي الفقرة أ بالنسبة للعاملين بأجهزة الدولة قوانين تحكم علاقة عملهم ، وفي الفقرة ج يمكن قبول الإستثناء ويمكن رفضه وإعتباره تمييزا، بحسبان الإجابة على عدد من الأسئلة مثل: هل يعمل أفراد أسرة العمل لديه أم لا؟ وهل هذه العمالة منتظمة أم لا؟ وهل الأعمال المماثلة التي يقوم بها الغير تستحق أجرا أم لا؟، ونرى أن أسرة صاحب العمل حال عملهم سواء كان يعولهم أم لا فإنما يستحقون الأجر لقاء العمل ومن ثم يكون الإستثناء الوارد هنا تمييزا غير مقبول في مجال العمل ذكورا كانوا أم إناث.
أما الإستثناء من تطبيق قواعد قانون العمل على الواردين في الفقرة (ب) فهو إستثناء تمييزي تحكمي غير مقبول وفق معايير الحق في العمل الدولية ووفق أحكام الدستور، فهذه الفقرة التي ترفع الحد الأدنى من الحماية القانونية عن حق العمل لطائفة عمال الخدمة المنزلية رجالا كانوا أم نساء، فإن المادة (97) من القانون ذاته قد خصت العاملات (النساء) في مجال الزراعة وأخرجتهم من مظلة قانون العمل وبالتالي من الحد الأدنى الواجب توافره لهم خلال القيام بأعمالهم.
وإخراج العاملات الزراعيات أو العاملات في مجال الزراعة البحتة بحسب نص القانون من نطاق قانون العمل وبالتالي إخراجهن من مظلة الضمان الاجتماعي دون العاملين في المجال ذاته يخالف حكم المادة الأولى من الإتفاقية رقم 5 لسنة 1976 بشأن المرأة العاملة، والتي تنص على أنه: يجب العمل على مساواة المرأة والرجل فى كافة تشريعات العمل، كما يجب أن تشتمل هذه التشريعات على الأحكام المنظمة لعمل المرأة، وذلك كافة القطاعات بصفة عامة وعلى الأخص فى قطاع الز راعة.
وفي هذا قضت محكمة النقض بأنه: (مبدأ المساواة أمام القانون يستهدف حماية حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها وهو بذلك يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها فى الدستور، بل ينسحب مجال إعمالها إلى الحقوق التي يقررها القانون العادي ويكون مصدرا لها، ومن ثم فلا يجوز للقانون أن يقيم تمييزا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها فإنه يتعين إهدار النصوص المتضمنة تمييزا غير مبرر في المعاملة التأمينية سالفة البيان).
والمادة 96 من قانون العمل والتي تنص على أنه:
(علي صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ داراً للحضانة أو يعهد إلي دار للحضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص.
كما تلتزم المنشآت التي تستخدم أقل من مائة عاملة في منطقة واحدة أن تشترك في تنفيذ الالتزام المنصوص عليه في الفقرة السابقة بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص).
هذا النص فيه إنتقاص من حق المرأة في العمل وتحميلها بأعباء قد تحول بينها وبين العمل ذاته، أو يمكن القول بأنه تحميل بيئة العمل بشروط تجعل أمر ممارسة العمل عسيرا، فأولا ماذا لو لم تكن المنشأة بها مائة إمرأة عاملة، كأن تكن تسعين مثلا؟. وماذا لو لم تكن في المنطقة الواحدة أكثر من منشأة تعمل بها نساء؟. ماذا يمكن للمرأة أن تفعل بأطفالها والحال كذلك؟. كيف ترعاهم، وكيف توفق بين واجباتها كعاملة وبين واجباتها كأم؟. أليس ذلك مخالفا لنص العبارة الأخيرة من المادة 11 من الدستور (وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد إحتياجاً)؟.
كان حري بالمشرع وهو بصدد تنظيم هذا الأمر وصياغة هذه المادة أن ينزل بعدد النساء عن مائة، وأن يضيف فقرة تلزم صاحب المنشأة إن لم تكن هناك منشأة أخرى في ذات المنطقة يعمل بها نساء أن يوفر أو يتعاقد مع دار حضانة لرعاية أطفال العاملات والموظفات لديه كي يتسق نص القانون مع نص الدستور ويحقق غايته النهائية.
ومثل هذا النص بإعتباره مرهقا لبيئة العمل ومؤثرا على نفسية العاملين يعتبر تمييزا منهيا عنه في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا، والتي عبرت عنه في أحد أحكامها بأنه:
(حيث إن كل تمييز لا يتصل بالشروط الموضوعية التي ينبغي أن يمارس العمل في نطاقها، يعتبر منهياً عنه دستورياً، سواء إنعكس هذا التمييز في شكل آثار إقتصادية، أم كان مرهقا لبيئة العمل ذاتها أو ملوثا لها من خلال صور من التعامل تحيطها، وتتباين أبعادها، إذا كان من شأنها في مجموعها – وعلى إمتداد حلقاتها – الإضرار بقيمة العمل، أو الإخلال بطبيعة الشروط التي تقتضيها. ومن ثم لا يكون التمييز في مجال العمل مقبولا، كلما كان حائلا دون قيام العمال بواجباتهم، سواء من خلال صرفهم عن الأداء الأقوم لها، أو بإثنائهم عن متابعتها، أو حملهم على التخلي عنها بتمامها. بما مؤداه أن بيئة العمل لا يجوز إرهاقها بعوامل تنافي طبيعتها، ولو كان أثرها منحصرا في مشاعر العاملين وصحتهم النفسية، ذلك أن التحامل في شروط العمل والأوضاع التي يتصل بها، يعني عدوانية البيئة التي يمارس فيها أو إنحرافها).
المطلب الثالث: التمييز ضد المرأة حال تطبيق القانون أو تنفيذه
قد يكون التمييز ضد المرأة تشريعيا بموجب نصوص قانونية واضحة لا لبس فيها، منها ما هو قائم ونافذ كما إستعرضناه في المطلب السابق، ومنها ما قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريتة ومن ثم صار كأن لم يكن.
لكن التمييز ضد المرأة أحيانا ما يكون ملتبسا، غير واضح في النص التشريعي، بيد أنه يكون جليا، قبيحا حال تطبيق القاعدة القانونية أو تنفيذها، وهو ما نتناوله في هذا المطلب.
قد يبدو للوهلة الأولى أن قوانين الأحوال الشخصية تصب بجملتها في صالح المرأة، لكن من خلال رصد الإشكاليات التي تتعرض لها النساء أثناء تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم الأسرة لصالحها أو من خلال إجراءات وأمد التقاضي نلحظ كثيرا من التعنت والتمييز ضد النساء في هذا الصدد.
1/ لما كانت المادة رقم 5 من القانون رقم 10 لسنة 2004 بشأن قانون إنشاء محاكم الأسرة تنص على أنه:
(تنشأ بدائرة إختصاص كل محكمة جزئية مكتب أو أكثر لتسوية المنازعات الأسرية، يتبع وزارة العدل ويضم عددًا كافيًا من الإخصائيين القانونيين والإجتماعيين والنفسيين الذين يصدر بقواعد إختيارهم قرار من وزير العدل بعد التشاور مع الوزراء المعنيين.
ويرأس كل مكتب أحد ذوى الخبرة من القانونيين أو من غيرهم من المتخصصين فى شئون الأسرة، المقيدين فى جدول خاص يعد لذلك فى وزارة العدل، ويصدر بقواعد وإجراءات وشروط القيد فى هذا الجدول قرار من وزير العدل).
ويجب اللجوء إلى مكاتب تسوية المنازعات الأسرية قبل ولوج بوابة التقاضي، في كل قضايا الأحوال الشخصية كالطلاق والخلع والنفقة والحضانة ودعاوى الحبس وغيرها، عدا الدعاوى التي لا يجوز فيها الصلح، والدعاوى المستعجلة، ومنازعات التنفيذ، والأوامر الوقتية، ويطلب حضور طرفي المنازعة وفي الغالب لا يحضران أو إذا حضرت الزوجة لا يحضر الزوج المدعى عليه، وقرار مكاتب التسوية ضروري لرفع الدعوى المطلوبة أمام القضاء فبدونه لا تقبل الدعوى ولا تنظر وفي الغالب أصلا لا يمكن رفعها إبتداء.
هذه المكاتب قصد من وراء إنشائها التقليل من أعداد القضايا التي تنظر أمام محكمة الأسرة، ومحاولة الصلح بين الطرفين قبل الوصول إلى ساحات القضاء، غير أنها وفي الواقع العملي لم تحقق الغاية المرجوة منها، ومثلت:
- إرهاق لميزانية المحاكم ووزارة العدل، كان من الأجدى توجيهه نحو توفير مقار لمحاكم الأسرة بعيدا عن المحاكم العادية نظرا لما للقضايا المعروضة أمامها من خصوصية وتتعلق بالنساء والأطفال.
- إرهاق كاهل النساء المدعيات بنفقات ووقت هن في أمس الحاجة إليه، فمثلا إذا تُركت هي وأطفالها دون نفقة وأرادت رفع دعوى نفقة–أي أنها لا تملك مالا للإنفاق على نفسها أو أولادها–فما الداعي لإلزامها بالتوجه لمكاتب التسوية مع ما يستلزمه ذلك من وقت ونفقات إنتقال وغيره دون أن يكون هناك مردود لهذا الإجراء، ومن ثم وبعدها ب15 يوم تلجأ إلى المحكمة وتنتظر شهرا–يزيد أو ينقص– لحين تحديد جلسة؟.
2/ على الرغم من فلسفة قوانين محكمة الأسرة أنها قد (تتأسى بالتشريعات المقارنة فى دول عديدة مثل إستراليا وكندا – فى سبيل إصلاح حال الأسرة وتعزيز إستقرارها وحمايتها من دواعي التصدع أو الإضطراب وحسم ما يثور داخلها من منازعات – منحى تخصيص محكمة تختص بنظر شئونها وعلاج مشكلاتها والقيام فى ذلك بوظيفة إجتماعية خاصة تعجل بإنهاء تلك المنازعات بالتسوية الودية أو بحكم قضائي ناجز .
ولقد سبق أن نادي مجلس الشورى المصري فى تقريره عن تيسير إجراءات التقاضي سنة 1998 بإنشاء محكمة للأسرة تختص بالنظر فى دعاوى التطليق وما يرتبط بها من طلب نفقة للزوجة ومؤخر الصداق ونفقة الصغار وحضانتهم وتوفير مسكن لإيوائهم بحيث تحكم فى هذه المسائل المرتبطة والمترتبة حتما على الحكم بالتطليق دون حاجة إلى إلجاء الزوجة إلى رفع عدة دعاوى منفصلة لكل مسألة من تلك المسائل).
إلا أن الواقع العملي يكشف حتى اليوم أن أيما امرأة أرادت الحصول على نفقة أو حضانة أو غيره لا ترتبط بطلب التطليق فإنها يتعين عليها رفع العديد من القضايا وخوض العديد من الإجراءات المرتبطة بها، ناهيك عن إستئنافها سواء من طرفها او من طرف الزوج (المدعى عليها) في مثل هذه القضايا مما يرهقها ويجعل أمر حصولها على حقوقها القانونية المشروعة هي وأطفالها أمر جد عسير.
3/ (ويعد من أهم إشكاليات القانون هو طلب الزوجة في الطاعة التي أصبحت مدعاة للكيد من الزوجات من قبل الأزواج للهروب من الالتزامات المالية قبلهم، كما أن إعتراض الزوجة علي إنذار الطاعة يجب أن يكون خلال(30) يومًا من تاريخ الإعلان بالإنذار، ويتطلب ذلك عرض الأمر علي مكتب التسوية والذي يبت في الأمر خلال (15) يومًا مما يجعل العديد من الدعاوي معرضة لعدم القبول لرفعها بعد الميعاد، حيث يصل الإعلان للزوجة، وتبحث عن محام، وتلجأ لمكتب التسوية، كل هذا في خلال الثلاثين يومًا، بالإضافة إلي صعوبة إثبات عدم أمانة الزوج علي نفس ومال الزوجة التي ترفض الطاعة ، وصعوبة إثبات عدم ملائمة سكن الطاعة إذا كان قد إستبدل بمنزل الزوجية، وتوجيه الإنذار علي عنوان غير صحيح ليحصل الزوج علي حكم النشوز، والذي يصعب إلغاؤه ، ليتهرب من الإلتزامات المالية).
4/ أما فيما يخص النفقات المحكوم بها لصالح الزوجة وتنفيذها فهو أمر يحتاج إلى أكثر من هذه الورقة، فأولا هناك صعوبة بالغة في تنفيذ هذه الأحكام في بعض الحالات كأن يكون الزوج ممن يعملون في غير القطاعات الحكومية، بمعنى أن يكون من أصحاب المهن الحرة أو من أصحاب الحرف أو الأعمال اليومية، كما أننا نجد أن بنك ناصر قد إستلزم كي ينفذ جزء من مبالغ أحكام النفقات عددا من الطلبات والمستندات قد تعجز صاحبة النفقة والمحكوم لها بها عن الاتيان بها بل وتكبدها هذه المستندات تكاليف كثيرة إضافية ، ومنها مثلا: صيغة تنفيذية لحكم أول درجة وأخرى للحكم الإستئنافي، صورة بطاقة الرقم القومي للمنفذ ضده، العنوان الصحيح للمنفذ ضده، قيد دراسي للأولاد فوق سن الرابعة عشر،الأرقام التأمينية للمنفذ ضده، والمنفذ لصالحها، شهادة تداول جلسات، صورة من التحري الموجود بملف الدعوى….، ومع ذلك فالمبالغ التي يدفعها بنك ناصر لمن قضي لها بالنفقة لا تتجاوز مبلغ (500) جنيه شهريا، أيا ما كان مبلغ النفقة المحكوم به لها ولأولادها.
5/ (على الرغم من أن القانون لم ينص علي سقوط حق الأم فى حضانة أولادها في حالة زواجها، فالأصل في الحضانة هو الأمانة على مصلحة الطفل، غير أن هناك عرفًا عامًا يقول بذلك تشهد بذلك الكثير من الأحكام القضائية المؤيدة لسقوط حق الأم في الحضانة حال زواجها مرة ثانية، ودون إعتبار إذا كان ذلك في مصلحة الطفل، خاصة إذا كان ذا إعاقة أو صغير السن أو إذا كان مريضًا بمرض يحتاج لرعايتها له).
6/ في ظل عدم وجود قانون أو نص تشريعي في قانون يحظر زواج القاصرات في مصر، لا يقدح في ذلك القانون رقم 126 لسنة 2008 والذي أضاف إلى قانون الأحوال المدنية، المادة 31 مكرراً التي تنص على أنه (لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة).
فالمجرم هنا والمحظور هو توثيق عقد الزواج وليس تجريم الزواج ذاته، والذي ما زال منتشرا وفق
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والذي نشر تقريرا في عام 2019 إحصائية حول زواج القاصرات في مصر، أكد من خلالها أن هناك أكثر من 117.2 ألف طفل في عمر من 10 – 17 عامًا، متزوجون ويحملون صفة “زوج أو زوجة”. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل يصل إلى أن من بين هؤلاء الأطفال المتزوجين، أرامل ومطلقين.
ويتم زواج القاصرات عبر طريقين:
أولهما زواج التصادق، ومفاده أن كل مأذون شرعي يتسلم دفتر التصادق فضلا عن الدفتر الخاص بالزواج والطلاق، ويتم إستخدام دفتر التصادق هذا في خمس حالات هي:
- في حالة فقد الزوجين وثيقة الزواج ويعجزون عن الوصول إلى المحكمة الصادر منها وثيقة زواجهما فيضطر الزوجين إلى عمل تصادق علي زواج .
- في حالة تلف أو حرق أو ضياع دفتر الزواج من المحكمة
- في حالة إذا قام مصريين بإبرام عقد زواج لهما خارج مصر بوثيقة زواج صادرة من دولة أجنبية ورغبة منهم في إختصار الوقت والإجراءات فإنهم يقوموا بإبرام وثيقة تصادق علي زواج .
- في حالة زواج الزوجين عرفيا بوثيقة زواج عرفية ويرغبان بتوثيق الزواج رسميا, مع إثبات تاريخ الزواج عرفيا في وثيقة رسمية .
- يتم عمل التصادق ويستخدم لتوثيق عقود الزواج لمن تزوجوا وكان أحد الزوجين دون سن الزواج 18 سنة فيقوم المأذون الشرعي بعمل وثيقة تصادق في حالة رغبة الزوجين تقنين وضعهما قانونا.
والحالة الأخيرة هي التي يتم إستخدامها لزواج القاصرات في مصر بالمخالفة لأحكام القانون.
أما الطريقة الثانية فهي الزواج العرفي المباشر بموجب تعاقد أهل الفتاة مع الراغب فيها، وقبض مبلغ من المال وهي الطريقة التي يتم إستخدامها في الغالب في حالة الأثرياء العرب.
ثانيا في القوانين الجنائية
1/ تنص المادة التاسعة من القانون رقم 10 لسنة 1961 بشأن مكافحة الدعارة بأنه:
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيها ولا تزيد على ثلاثمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين:
أ/….، ب/….
ج/ كل من إعتاد ممارسة الفجور أو الدعارة.
نص التشريع هنا لا يميز–في مجال مكافحة الدعارة بين رجل وإمرأة– فكل من إعتاد–أيا كان جنسه– ممارسة الفجور أو الدعارة يعاقب بالعقوبات المقررة بالمادة المذكورة.
غير أن الواقع العملي كشف إخلاء سبيل الرجل–شريك الجريمة– وإعتباره شاهدا على إعتياد المرأة على ممارسة الدعارة، في تمييز صارخ يخالف النص الصريح للمادة وصياغتها، ويخالف أحكام المساواة الواردة في الدستور، ولعل مرده النظرة الدونية للمرأة في المجتمعات التي تعتبرها مصدر الإغواء .
ويلاحظ أن المادة القانونية لا تعاقب على مجرد ممارسة الدعارة، لكنها تعاقب على إعتياد–أي تكرار– الممارسة في ظروف مختلفة، أما عن تكرارها في مكان واحد فلا يتحقق به الركن المادي للجريمة. وفي هذا قضت محكمة النقض بأنه: («تكرار الفعل ممن تأتى الدعارة في مسرح واحد للإثم لا يكفي لتكوين العادة ولو ضم المجلس أكثر من رجل، ذلك أن الإعتياد إنما يتميز بتكرار المناسبة أو الظرف ولما كان الحكم المطعون فيه قد إتخذ من تكرار الفعل مرتين مع الطاعنة الثانية في مجلس واحد دليل على ثبوت الإعتياد في حقها، وكان ما أورده الحكم من ذلك لا يكفي بهذا القدر لإثبات توافر هذا الركن الذي لا تقوم الجريمة عند تخلفه، فإنه يتعين نقض الحكم والقضاء ببراءة الطاعنة مما أسند إليها).
وقضت بأن الطاعن (الرجل) رغم ممارسته الدعارة لم يأت فعلا يعاقب عليه القانون وذلك على سند من القول:
(وإذ كان البين من تحصيل الحكم الإبتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه لواقعة الدعوى أن الطاعن ضبط مع إمرأة ساقطة المتهمة الثانية في مسكن يدار للدعارة وأقر الطاعن بإرتكاب الفحشاء مع المتهمة لقاء أجر ، وأقرت المتهمة المذكورة بممارستها للدعارة ، وكان ما صدر من الطاعن من نشاط حسبما خلص إليه الحكم المطعون فيه يخرج عن نطاق تطبيق المادة الأولى من القانون رقم 10 لسنة 1961 ما دام أن الطاعن إنما قصد به إرتكاب الفحشاء مع المرأة ولم يقصد به تحريضها أو مساعدتها على ممارسة الدعارة مع الغير بدون تمييز أو تسهيل ذلك لها والذي إستلزم الشارع إنصراف قصد الجاني إلى تحقيقه ، كما لا يتحقق به معنى المعاونة حسبما عرفها نص الفقرة الأولى من المادة السادسة المشار إليها لإقتصار الشارع في تأثيم المعاونة على صورة الإنفاق على البغي وتأمين طريقها إلى الدعارة وما يستلزمه الإنفاق من الإستدامة زمنا طال أو قصر ، فإنه لا يتحقق بمجرد أداء أجر للبغي مقابل ممارسة الفحشاء معها ولو كانت قد إعتادت ممارسة الدعارة).
2/ أما في قانون العقوبات وفيما يخص جرائم الإعتداء الجنسي على النساء كالإغتصاب وهتك العرض والتحرش بأنواعه، فجميعها خلت من التعريف الدقيق للفعل المجرم، أو التعريف الذي يحصرها في أضيق حدودها ولا يبين مظاهرها وأحوالها المختلفة، فنجدها مثلا: قد قصرت تعريف الإغتصاب على أنه: هو الأتصال الجنسي دون رضاء وهو الإتصال الكامل من المكان المحدد لهذا الإتصال، ومن ثم فالإتصال الجنسي من الخلف لا يعد وفقا للقانون إغتصابا وإن تم تحت التهديد والقوة، فمتى وقع فعل الإيلاج إعتبر الركن المادي متوفرا والجريمة تامة، وتحديد الفعل المجرم وفق هذا المدلول–القاصر– يستبعد من نطاقها جميع الأفعال الماسة بالحرية الجنسية للمرأة وذلك أيا كانت درجة الفحش والفجور التي وصلت إليها طالما لم تبلغ حد الإتصال الجنسي الكامل، وكذلك يجب ألا يكون الإتصال مشروعا ومن ثم فلا جريمة إغتصاب بين الزوج وزوجته، وبناء على النص التشريعي فكل ما دون الإيلاج الكامل من المكان المحدد بالغا ما بلغ الفعل من دناءة وقسوة وإجرام فلا يعد إغتصابا بموجب أحكام المادة 267/1 من قانون العقوبات المصري ويمكن إعتباره في هذه الحالة هتك عرض وفق القانون مع الفارق الكبير في العقوبة المقررة لكل منهما.
أما جريمة هتك العرض فقد نظمت أحكامها المادتين 268، 269 عقوبات، حيث نصت الأولى على أنه: (كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالسجن المشدد، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 (من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان خادماً بالأجر عنده أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معاً يُحكم بالسجن المؤبد).
بينما نصت الثانية على أن (كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يُعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز إثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات).
وترك القانون أمر تحديد المقصود هتك العرض للفقه وللإجتهادات القضائية، فهو يبدأ من مجرد لمس عورات جسد الغير، أو كشفها وينتهي بالإيلاج في الدبر، أو إدخال عصي أو أشياء أخرى سواء في الدبر أو القبل.
فهتك العرض هو: كل فعل مخل بالحياء يستطيل إلى جسم المجني عليه وعوراته ويخدش عاطفة الحياء عنده من هذه الناحية ولا يشترط أن يترك الفعل أثرا بجسم المجني عليه.
ومن دواعي الأسف أنه كثيرا ما تستخدم الأعذار القضائية المخففة المنصوص عليها في المادة 17 من قانون العقوبات للنزول بحدود العقوبة وذلك في جرائم هتك العرض مع ما لها من قسوة ووقع سيء وآثار نفسية مدمرة على من وقعت عليها هذه الجريمة.
وإستعمال الرأفة ولئن كان هو من منطلقات وأسس حرية تكوين القاضي لعقيدته، إلا أنها يجب أن تحد بحدود وضوابط سائغة من ظروف الجرائم المنصوص عليها لا أن تكون خالية من كل ضبط أو قيد.
(إن تقدير العقوبة وقيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب ودون أن تسأل حسابا عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته.
لما كان تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع، وهي غير ملزمة بيان الأسباب التي دعتها إلى توقيع العقوبة بالقدر الذي رأته).
ومن ثم أمكن لمحكمة الجنايات أن تنزل بالعقوبة من الأشغال الشاقة المؤبدة في جريمة هتك عرض مقرونة بالظروف المشددة إلى السجن لمدة ثلاث سنوات دون أن تقدم أسبابا لذلك ودون أن ترى محكمة النقض في ذلك المسلك ما يوجب نقضه:
(لما كان البين من الأوراق أن الدعوى الجنائية أقيمت على الطاعن بتهمة هتك عرض المجني عليها حال كونه ممن له سلطة عليها، وبعد أن جرت محاكمته على هذا الأساس، إنتهى الحكم المطعون فيه إلى إدانته بجريمة هتك عرض المجني عليها التي لم تبلغ السادسة عشر من عمرها بالقوة والتهديد حال كونه ممن له سلطة عليها، وكانت الفقرة الثانية من المادة 268 من قانون العقوبات تقضي بتغليظ العقاب في جريمة هتك العرض إذا كان عمر من وقعت عليها الجريمة المذكورة لم يبلغ ستة عشر سنة كاملة أو كان من يرتكبها ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 عقوبات حيث يكون الجاني من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم، فإذا إجتمع الشرطان معا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة، وكانت العقوبة المقررة للجريمة التي إنتهى الحكم إلى إدانة الطاعن بها هي الأشغال الشاقة المؤبدة وكانت المادة 17/2 من قانون العقوبات التي أعملها الحكم المطعون فيه في حق الطاعن تبيح تبديل العقوبة المذكورة إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بالسجن لمدة ثلاث سنوات، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون).
أما فيما يخص جرائم التحرش وعلى الرغم من تعديل قانون العقوبات لتغليظ العقوبات على تلك الجرائم ووضعه تعريفا لها إلا أنه ما زال–من وجهة نظرنا–وفي ضوء الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان–قاصرا عن توفير حماية للنساء من التحرش في أماكن عملهن، ومن ثم يتوجب أن يتم تعديل تشريعي بالنص على تجريم التحرش بالنساء في مقار عملهن وجعل العقوبة مشددة كونها تضر ببيئة العمل فضلا عن إضرارها الجسيم بالمرأة العاملة نفسيا ومعنويا.
وبالجملة فإن ترك بعض المدلولات دون تعريف تشريعي لها مثل مدلول (التعرض للغير الوارد في تعريف جرائم التحرش) في إطار القوانين الجنائية يعد وفقا للمحكمة الدستورية العليا قصور تشريعي يوجب وصمها بعدم الدستورية.
فمن القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجزائية، أن تكون درجة اليقين التي تنظم أحكامها في أعلى مستوياتها، وأظهر في هذه القوانين منها في أية تشريعات أخرى، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثراً، ويتعين بالتالي– ضماناً لهذه الحرية – أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون إلتباسها بغيرها، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو إبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها. كذلك فإن غموض مضمون النص العقابي مؤداه أن يُحَال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة تُعيّن لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها بما لا خفاء فيه.
رأينا في المطلب السابق أن المشرع في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 قد أخرج طائفة من العمالة من الحد الأدنى من الحماية المقررة بموجب أحكامه، خاصة عمال المنازل، والعاملات الزراعيات، هذا الأمر ينعكس على هذه الفئة من خلال القوانين الأخرى كحرمانهن بالتبعية من الضمان الإجتماعي وتأمين الشيخوخة والحق في التأمين الصحي وكلها قوانين خلت من توفير حماية لهاتين الفئتين بموجب إستبعادهما من تطبيق أحكام قانون العمل.
على أن الأمر لا يقتصر على هذا وحده، فحتى في نطاق المشمولين بحماية قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، هناك تمييز بين النساء العاملات بموجب أحكامه وبين النساء العاملات أو الموظفات بموجب قوانين الخدمة المدنية ، فالأخريات يطبق عليهن قاعدة الأجر المتساوي على العمل المتساوي القيمة فيما بينهن وبين الرجال العاملين معهم، بينما من ينطبق عليهن قانون العمل الموحد وعلى الرغم من النص فيه على حظر التمييز في الأجور بسبب إختلاف الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إلا أن واقع رأس المال وعدم فاعلية الرقابة على تطبيق أحكام القانون يشي وفق كثير من البحوث المسحية إلى أن هذه القاعدة تشهد إنتهاكا وتمييزا فيما بين الرجال والنساء وهو ما رصدته الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026، فضلا عن أن المجلس القومي للأجور لا يقوم بدوره الفعال والمنوط به، كما أنه في مجال الضمان الإجتماعي يتم التأمين على العمال وفق أجور متدنية، لا تشمل ما يحصل عليه العامل فعليا من رب العمل، الأمر الذي ينعكس سلبا عليه حال شيخوخته ويؤدي إلى معاشات هزيلة لا تفي بأي من متطلباته ولا تكفي لتوفير حياة كريمة له حين عجزه/ا عن العمل.
ختاما لهذا البحث نوصي بما يلي:
- ضرورة قيام الدولة بسرعة إصدار قانون لمكافحة العنف ضد المرأة، بدلا من شتات المواد المتناثرة في قانون العقوبات، وبديلا للتعديلات المتتالية التي يشوبها لكثرتها الخلط والقصور والتضارب أحيانا.
- العمل على ضبط التعريفات قرين كل جريمة من جرائم العنف بما يزيل كل لبس يثار حول ركنها المادي وأفعالها المجرمة.
- العمل على تعديل تشريعات العمل بما يضمن المساواة الفعلية بين الرجال والنساء في الأجر المتساوي عن العمل المتساوي في القيمة، فضلا عن النص على مكافحة التحرش داخل أماكن العمل.
- تعديل قوانين الأحوال الشخصية وإجراءاتها بما يضمن حصول المرأة وأطفالها على حقوقهم كاملة وفي أقرب الآجال دون مماطلة أو تأخير لا مبرر له.
- تحسين مقار المحاكم والعمل وفق الظروف الاقتصادية على إيجاد مقار ملائمة ومنفصلة عن غيرها من المحاكم لنظر قضايا الأحوال الشخصية.
- تشريع كل ما يلزم–وفق ما ورد بالإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في محورها الخاص بالمرأة والطفل والشباب والمسنين، لضمان عدم التمييز ضدهم وحمايتهم.