لا يزال موضوع الدورة الشهرية محاطًا بالمعلومات الخاطئة والمحرمات والعار على الرغم من كونه أساسي وجوهري. وعلى الرغم من كونها جزءًا لا يتجزأ من حياة ملايين الفتيات والنساء حول العالم، لا يزال عددًا مذهلًا منهن، حتى يومنا هذا، يفتقرن إلى منتجات صحية لإدارة الدورة الشهرية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على صحتهن البدنية، وبالأخص صحة الجهاز التناسلي والصحة العقلية.
يرتبط فقر الدورة الشهرية بعدم القدرة على الوصول إلى منتجات الدورة الشهرية، والنظافة الشخصية، والتعليم، ومرافق الصرف الصحي، وإدارة المخلفات، أو هذه الأمور مجتمعة، ويؤثر على ما يُقدر بنحو 500 مليون شخص حول العالم، حيث تعد الدورة الشهرية ركيزة أساسية في حياة النساء، وبالتالي هي ظاهرة لا يمكن تجاهلها. ففي المتوسط، تمضِ امرأة حوالي 7 سنوات من حياتها في حالة حيض.
تتعدد أبعاد ووجهات النظر فيما يتعلق بالدورة الشهرية والأهمية التي تحملها في المجتمع. يمتد طيف الخطاب حولها من المنظور البيولوجي البحت إلى المنظور السياسي. في حين أن كل منظور يحمل قيمة وأهمية، إلا أن هناك حاجة ملحة واحدة تتعالى على ما سواها بالنسبة لكل فتاة وامرأة، وهي الحاجة إلى بيئة نظيفة لا تُعرّض صحتها للخطر بسبب أي عوائق تعيق عملية طبيعية في أجسادهن.
ورغم أن توفير بيئة نظيفة لتمكين الفتيات والنساء من التعامل مع الدورة الشهرية يبدو وكأنه مطلب بسيط وبديهي، إلا أن الواقع مختلف تمامًا ويبعث على القلق. فعلى مستوى العالم، لا يزال 2.3 مليار شخص يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية، وفي أقل البلدان نموًا، تتوفر مرافق غسل اليدين بالماء والصابون بالمنزل لـ 27% فقط من السكان، مما يؤدي إلى صعوبات ومضايقات لا تصدق بالنسبة للنساء والفتيات المراهقات عند التعامل مع الدورة الشهرية.
كما أنه على الرغم من أن الدورة الشهرية عملية بيولوجية طبيعية تمامًا لا تحمل أي خصائص ضارة، إلا أن التاريخ يظهر نمطًا طويلًا من الاعتقادات الخاطئة في العديد من المجتمعات، حيث كان يُعتقد أن وجود النساء في فترة حيضهن يمكن أن يُضر بالماشية والنباتات والطعام. حتى أن بعض العلماء الغربيين في الثلاثينيات من القرن الماضي افترضوا أن أجسام النساء في فترة الحيض تفرز نوعًا من السم.
تعد الوصمة التي تربط بين الدورة الشهرية وعدم النظافة والاشمئزاز أحد المساهمين الرئيسيين في عدم حصول هذه الأزمة الصحية العامة على الاهتمام اللازم. إن مفهوم ارتباط الدورة الشهرية بالعار يمنع من التحدث بصراحة عنها، ويحد من الحوارات حول منتجات العناية الصحية بالدورة الشهرية.
كشفت دراسة أجرتها المنظمة الدولية لصحة المرأة وجود ما يقرب من 5000 مصطلح عامي للإشارة إلى الدورة الشهرية في 10 لغات مختلفة. حقيقة وجود حاجة لإيجاد طرق بديلة للإشارة إلى الدورة الشهرية تُعدّ انعكاسًا مباشرًا للوصمة الكبيرة التي يحملها هذا الموضوع.
وبسبب المحرمات والقيود المجتمعية المحيطة بالدورة الشهرية، يندر توفر الموارد التعليمية الصحية الكافية في هذا المجال، ويؤدي نقص المعرفة بالدورة الشهرية إلى تعزيز الخرافات والممارسات الخاطئة كما يعزز الإقصاء والإهانة للنساء والفتيات. فعلى سبيل المثال، في بعض مناطق غانا الريفية، تُمنع النساء أثناء دورتهن الشهرية من طهي الطعام أو دخول منزل رجل.
وكشفت دراسة أجرتها عيادة “ماپل” للمشورة النفسية للنساء في بكين أن ما يقرب من 70% من المشاركات اعترفن بأنهن حاولن إخفاء الفوط الصحية التي يحملنها، بينما قالت أكثر من 61% إنهن يستخدمن التعابير المجازية للإشارة إلى دورتهن الشهرية. وفي إثيوبيا، من الشائع أن يعتقد شعب منطقة بنيشنغول–قمز أن دم المرأة ملعون، وأنه خلال دورتها الشهرية، يُتوقع منها مغادرة منزلها. علاوة على ذلك، يتم أحيانًا إعطاؤها طعامها بعصا لتجنب لمسها.
وفي الهند، تعتبر الدورة الشهرية سببا للتمييز، وكثيراً ما يُذكر كسبب يمنع الفتيات والنساء من حضور الفعاليات الاجتماعية والدينية ويمنعهن من دخول المطابخ. فوفقًا لدراسة واحدة، 71% من الفتيات المراهقات في الهند غير مدركات للدورة الشهرية حتى تحدث لهن الدورة الشهرية الأولى.
حتى في البلدان التي تشهد نقاشات أكثر انفتاحًا نسبيًا بشأن الدورة الشهرية، لا تُعد الإعلانات في وسائل الإعلام تمثيلًا دقيقًا لما تبدو عليه الدورة الشهرية وكيفية الشعور بها، وغالبًا ما تُضفي طابعًا رومانسيًا على العملية. علاوة على ذلك، يستخدم العديد منها سائلًا أزرق اللون لإظهار دم الحيض، وهو ما يوحي بأنه من المقزز إظهار دم الدورة الشهرية على التلفزيون على الرغم من أن الدم سمة منتظمة في المسلسلات الطبية وأفلام الرعب.
أيضا، الخطاب القائم إلى حد كبير على نقص المعرفة والمحرمات والوصم يساهم في دائرة الحمل المبكر وزواج الأطفال حيث لا تحصل الفتيات والنساء على المعلومات الكافية حول صحتهن الجنسية والإنجابية، ونتيجة لذلك، لا يشعرن أيضًا بالقدرة الكافية على اتخاذ قرارات شخصية مستنيرة بشأن أجسادهن. وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، تلد حوالي 7.3 مليون فتاة تحت سن 18 عامًا كل عام، ووفقًا لليونيسيف، في عام 2020، تزوجت 21٪ من الشابات قبل سن 18 عامًا.
ويُعدّ نقصُ توفر مستلزمات العناية الصحية بالدورة الشهرية عاملاً رئيسياً في عجز العديد من الفتيات عن الذهاب إلى المدرسة. ففي بنجلاديش، ذكرت أكثر من ثلث الفتيات المستطلعات أنّ مشاكل الدورة الشهرية تؤثر سلبًا على تحصيلهن الدراسي.
كشفت دراسة حديثة في جمهورية مقدونيا الشمالية أن 90% من طالبات المدارس في المناطق الريفية لا يحضرن إلى المدرسة أثناء فترة الحيض والتي تستمر عادةً حتى 5 أيام، بسبب نقص دورات المياه النظيفة والخاصة للفتيات في المدارس، وارتفاع تكلفة منتجات العناية الصحية بالدورة الشهرية.
وفي جنوب أفريقيا، تعاني ما يصل إلى 7 ملايين فتاة من عدم القدرة على الحصول على منتجات صحية للدورة الشهرية أو عدم القدرة على تحمل تكاليفها. وغالبًا ما يواجهن خيارًا قاسيًا بين شراء الطعام أم شراء منتجات صحية، وتختار العديد من الفتيات الطعام لضرورته القصوى.
كما كشفت دراسة في المملكة المتحدة شملت ألف فتاة مراهقة أن “فقر الدورة الشهرية” يمنع قرابة نصفهن من التحصيل الجيد في المدرسة. ومن بين الـ 52% اللواتي يغيّبن عن المدرسة بسبب دورتهن الشهرية، اعترفت واحدة من كل 10 تقريبًا أن السبب الرئيسي هو عدم القدرة على شراء أو الحصول على منتجات صحية للدورة الشهرية. وفي الهند، تترك ما يقرب من 23 مليون فتاة الدراسة سنويًا بعد بدء الحيض. تعود الأسباب الرئيسية وراء ذلك إلى نقص دورات المياه النظيفة في المدارس، وعدم توفر منتجات العناية الصحية بالدورة الشهرية بشكل كافٍ أو بأسعار مناسبة، وعدم قدرة عائلات كثيرة على تحمل تكاليف هذه المنتجات.
وغالبًا ما لا تحصل معظم الفتيات المراهقات من البلدان الأقل نموا على تثقيف حول الدورة الشهرية قبل أن تجربه بأنفسهن، مع حقيقة أن منتجات النظافة الشخصية غالبًا ما تكون غير ميسورة التكلفة. هذا يعني أنهن يستبدلن منتجات الحيض بمواد غير صحية مثل القماش، مما يزيد من خطر الإصابة بعدوى الجهاز التناسلي والجهاز البولي. كما يحمل هذا النقص في الوصول أثرا عاطفيا، والذي يؤدي إلى نتائج سلبية على الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق المرتفع.
https://www.humanium.org/en/the-influence-of-period-poverty-on-the-rights-of-girls-and-women-around-the-world/
شارك: