كيف حدث التغيير؟
عناصر لمقاربة التطور الذي عرفه وضع النساء المغربيات
ربيعة الناصري* – أمينة لمريني**
مقدمة:
يمكن القيام بعدة قراءات للتطور الذي عرفه وضع النساء المغربيات خلال السنوات الأخيرة في مجالين رئيسييون هما: الفضاء الخاص مع إصلاح مدونة الأحوال الشخصية والفضاء العام مع رفع مشاركة النساء في البرلمان.
نحاول في هذه الورقة تقديم عناصر إجابة عن ثلاثة أسئلة:
– فيها تتجلى التغيرات المشار إليها ؟
– كيف حدثت تلك التغيرات ؟
– ما الحدود والتحديات على المدى القريب والمتوسط؟
نود، منذ البداية، التأكيد على صعوبة المهمة بالنظر لاعتبارين على الأقل. يتمثل الاعتبار الأول في الحاجة إلى تقييم شامل يحلل التطور الحاصل في سياقه، ومن مختلف جوانبه، الأمر إذا لا يخلو من تعقيد. أما الاعتبار الثاني فيتعلق بالمسافة الضرورية مع الأحداث وذلك لا يتأتى بالكامل بالنظر لموقعنا كطرف في التعبئة التي قادت لتلك التغيرات.
1 – تجليات التغيير
1 – 1- إقرار مدونة الأسرة
في فبراير 2004 أقر البرلمان المغربي مدونة الأسرة محل مدونة الأحوال الشخصية التي أطرت منذ صدورها في نهاية الخمسينيات، غداة استقلال البلاد، لوضع دوني للنساء في إطار العلاقات الأسرية. يمكن اختزال مستجدات القانون الجديد في ثلاثة مكونات:
– اعتاد فلسفة جديدة بإلغاء الولاية في الزواج، والانتقال من مبدأ “الإنفاق مقابل الطاعة” إلى المسئولية المشتركة للزوجين.
– إقرار المساواة بين الرجل والمرأة في عدة مجالات: سن الزواج (18 سنة) والحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين.
– توخي عدل أكبر بتقييد التعدد وجعله شبه مستحيل، وإقرار مسطرة “صيغة” جديدة في مجال حل ميثاق الزوجية لصالح النساء ( الطلاق للشقاق)…
– التخلى، على مستوى اللغة، عن تعابير مهينة كتعويض “النكاح” بـ “الزواج” والانتقال من نص لا يفهمه إلا الفقهاء إلى نص مبسط.
1- 2 – دخول البرلمان
قبل ذلك بسنتين، أي في 2002 دخلت 35 امرأة إلى الغرفة الأولى من البرلمان (حوالى 10 بالمائة) بعدما كانت النسبة، منذ عقود، لا تتعدى الصفر إلا ببعض الجزيئات. وقد تم تسجيل هذا التقدم بفضل ما يعرف باللائحة الوطنية التي أتت لوحدها بغالبية البرلمانيات (30 امرأة) (1)، واللائحة الوطنية ليست كوتا بالمعنى المتعارف بل هي نتاج توافق سیاسی – قانوني بحيث سنت اللائحة الوطنية كآلية من آليات نظام الاقتراع (بدون إشارة للنساء)، وتم تخصيصها عمليًا للنساء وفق إرادة عبرت عنها الأحزاب السياسية بعد جدل طويل.
2 – كيف حدثت تلك التغييرات؟
تثير كلمة ” تغيير ” تعليقا على مستويين: من جهة دلالة الانتقال من وضع لوضع وهو أمر يصعب قياسه بالنظر لخصوصية السياقات، ومن جهة ثانية زمن ذلك الانتقال بحيث من البديهى القول بأنه لا يحدث بين عشية وضحاها بل هو نتاج مسارات طويلة ومعقدة، من المؤكد أن التطور الذي حدث خلال السنوات الأخيرة يمكن أن يشكل موضوعًا لبحث أكاديمي تستعمل فيه المنهجيات والأدوات المتعارفة. مع ذلك يمكن تقديم إضاءات تختزل في نظرنا أهم العوامل التي، في تفاعلها، ساهمت في حدوث التغيير.
2 – 1 – النقاش الاجتماعي
شكل موضوع مدونة الأحوال الشخصية والمشاركة السياسية للنساء مطلبًا ملحًا للحركة النسائية طيلة عقود. وبدون الرجوع إلى الماضى، يمكن اعتبار الحركية التي رافقت وضع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي أنجزت خلال السنة الأولى من حكومة التناوب (1998 -1999) (2) تطبيقًا لإحدى مقررات مؤتمر بيكين (1995) عنصرًا أساسيًا في الدفع بموضوع المساواة.
من مميزات تلك الخطة – التي وضعتها الحكومة بتشارك مع الجمعيات – كونها شكلت من حيث التصور والإجراءات المقترحة قطيعة مع الماضي الذي كان يختزل حاجيات النساء في المساعدة الاجتماعية ويعزل قضاياهن عن باقي القضايا الجوهرية للمجتمع.
– على المستوى السياسي: تمثلت القطيعة في اعتماد مقاربة شمولية تغطى كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالبلاد، مع إبراز تموقع النساء، كما تم الربط مع المصالح الاستراتيجية للنساء وحاجياتهن العملية من خلال مفهومي القدرات والنوع الاجتماعي.
– على المستوى المنهجي: أنت الوثيقة بمستجدات مقارنة بالتجارب السابقة من حيث المقاربة المعتمدة ومسلسل الإعداد وطبيعة التشخيص والإجراءات المقترحة.
وإذا كانت الحكومة قد تراجعت عنها تحت تأثير المد المحافظ السياسي والديني، فإن الحركة النسائية بادرت لخلق تحالفات واسعة مع جمعيات مدنية في إطار “شبكة دعم الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية” التي ضمت ما يزيد على 200 جمعية، وفعاليات سياسية ونقابية في إطار شبكة ثانية تحت اسم “جبهة حقوق المرأة“.
صادف هذا السياق الديناميكية الدولية التي واكبت المسيرة العالمية للنساء ضد الفقر والعنف التي انضم إليها المغرب بحيث تشكلت لجنة عريضة التمثيلية قامت بتحضير وتنظيم مسيرة الرباط في 12 مارس 2000 التي عبئت مئات الآلاف من النساء والرجال حول مطلب المساواة، مثيرة رد فعل معارض مؤطر بالإسلام السياسي من خلال ما عرف بمسيرة الدار البيضاء. وعرف المغرب في هذه الفترة نقاشا منقطع النظير على المستويات السياسية والاجتماعية والإعلامية حول موضوع حقوق النساء ورهاناتها المجتمعية.
بين 2000 و2003 خاضت الحركة النسائية معركة على الواجهتين المذكورتين: الأولى، في أفق إجراء الانتخابات التشريعيية لسنة 2002، والثانية إثر تشكيل الملك للجنة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية (2001). إن المعركتين مترابطتان بشكل وثيق إذ انطلقت النسويات المغربيات من كون الأحزاب السياسية، وممثليها في البرلمان هم في غالبتهم الساحقة من الرجال، وأن حظوظ تحقيق مطالبهن هي أضعف مما يمكن أن يحدث إذا تواجدت النساء، خاصة المناضلات منهن، في تلك الهيئات. يتعلق الأمر إذن باستراتيجية تهدف إلى ضمان دعم “الأخوات من الداخل“.
2 – 2 – القوة الترافعية من أجل توسيع تمثيلية النساء في البرلمان
استفادت الحركة النسائية من السياق المشار اليه ومن النقاش الدولي حول آليات معالجة الخصاص التاريخي في تواجد النساء في مواقع القرار. واستطاعت طرحه وإغناءه وممارسة الضغط على القوى السياسية من أجل اتخاذ تدابير تشجيعية لفائدة النساء سواء على مستوى هيئاتها القيادية أو إبان الانتخابات التشريعية. يمكن اختزال المحطات المهمة في هذه التعبئة فيما يلي:
– تشكیل “مجموعة العشرين من أجل إصلاح القانون الانتخابي“
– إنجاز دراسات، منها دراسات مقارنة، واستطلاع رأى.
– وضع مقترحات لتعديل القانون.
– الترافع لدى المنظمات السياسية والفرق النيابية في البرلمان.
– حشد الدعم الإعلامي.
استهدفت الاستراتيجية الترافعية (المناصرة) للمنظمات النسائية من أجل تقوية المشاركة السياسية للنساء تفعيل هدف أساسي يتعلق بالمشاركة، لكنها توخت أيضًا، كما تم تسجيله أعلاه، تقوية موقعهن داخل المؤسسات السياسية والبرلمانية من خلال حليفات من الداخل. إن هذه الاستراتيجية تحقق عمومًا النتائج المتوخاة منها عندما يتعلق الأمر بخوض المعارك الكبرى التي تمس الإصلاحات التشريعية مثلاً، لكنها ليست شديدة الفعالية عندما يتعلق الأمر بالمشاركة السياسية للنساء، وذلك بارتباط مع الصراعات الناتجة عن المنافسة بين الانتماءات الحزبية المختلفة، وأيضًا مع الانضباط الحزبي المفروض على النساء الحزبيات.
مع ذلك، فقد تم تحقيق تقدم تمثل في اعتماد نظام الكوتا داخل الأحزاب السياسية، كما أن قانون الأحزاب نص على ضرورة تمثيل النساء في الهيئات القيادية للأحزاب السياسية، بالإضافة إلى أن مراجعة الميثاق الجماعي تضع حاليا مسألة مشاركة النساء في قلب تطوير الحكامة المحلية.
2 – 3 – التعبئة من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية
في مارس 2001 تشكل تحالف “ربيع المساواة” من 9 جمعيات نسائية (بعد ذلك حوالي 30 جمعية) ممن كانت النواة الصلبة للتحالفين الكبيرين المشار إليهما في المرحلة السالفة الذكر، لبعث ديناميكية جديدة في التعبئة من أجل تشريع أسرى يضمن المساواة بين الجنسين، مستفيدة في ذلك من كل التراكمات التي سبقتها. وتجدر الإشارة إلى كون اختيار تحالف أضيق من سابقيه يرجع لضرورة تكييف التعبئة مع المستجدات المتمثلة في تدخل الملك بتكوين اللجنة المكلفة بمراجعة المدونة وما صار يتطلبه ذلك من ضرورة خوض حملة للتأثير على القرار.
وقد عملت المجموعة خلال ثلاث سنوات تقريبا بشكل ممنهج كقوة اقتراح وترافع وتوعية تجاه اللجنة المكلفة بمراجعة المدونة وتجاه القوى المؤثرة في الدولة والحياة السياسية والرأي العام. في هذا الإطار، تم:
– الانطلاق من تصور مشترك بين منظمات متقاربة من حيث المرجعيات والأهداف الأمر الذي يساعد على تكوين نواة صلبة للتحالفات اللاحقة. مكن التصور المشترك لوضع النساء وآليات إقصائهن من زاوية نظر نسوية من صياغة مذكرة مشتركة شكلت القاسم المشترك بينها.
المرجعية السوسيولوجية |
تحولات المجتمع المغربي ووضع النساء والمفارقات بين الواقع والقانون وما يرتبط بوظيفة القانون. |
المرجعية القانونية |
التناقض بين نصوص قانونية مثل الدستور الذي يساوى بين المواطنين لأمام القانون، والمدونة التي تميز بينهم. |
المرجعية الحقوقية |
الالتزامات الناتجة عن التصديق على الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل. |
المرجعية الفقهية |
المقاصد التي تنص على تكريم الإنسان، والفقه باعتباره تأويلاً بشريًا للقرآن فضلاً عن كونه لا يشكل إطارًا كافيًا لتقديم أجوبة شاملة لإشكالات ووضعيات معقدة، |
فضلاً عن هذه البرهنة المتكاملة، تم اختيار مدخلين أساسيين للحملة الموجهة للرأى العام من خلال الإعلام بصفة خاصة:
– مدخل الواقع والمشاكل اليومية والملموسة الناتجة عن مدونة الأحوال الشخصية كما تعيشها النساء وكما ترد على سائر مراكز الإرشاد القانوني التابعة للجمعيات النسائية، مع تقديم حالات مؤثرة.
– مدخل التناقضات السائدة في المجتمع بين التطلع لبناء الديمقراطة (عشية الانتخابات) وكون النساء لا يتمتعن بأبسط حقوق المواطنة.
وقد شكل الترافع أمام اللجنة لحظات مهمة في المسلسل برمته، بحيث دافعت الجمعيات عن مطالبها بشكل فردي لكن بصوت جماعي. وأرفقت ذلك بحملة إعلامية ممتدة في الزمن من خلال الصحافة والإعلان الخارجي بالمدن الكبرى والتليفزيون. واستغلت مناسبات مثل 8 مارس، وفاتح مايو، و10 ديسمبر، لتنظيم وقفات ومسيرات عكست سواء من حيث رمزيتها أو عدد المساهمات والمساهمين فيها، بالمدن الكبرى كما الصغرى، صورة إيجابية عن دينامية الحركة النسائية.
بالنظر للقواسم المشتركة في مجال التعبئة التي همت المجالين المذكورين، على غرار معارك أخرى (التعبئة لتعديل القانون الجنائي، قانون الشغل، قانون الجنسية…) يمكن التأكيد على أن أهم نقاط قوة الحركة النسائية تتمثل في القدرة على التشبيك وعلى الجمع بين القوة المطلبية والقوة الاقتراحية/ الترافعية.
– المستوى الأول يتعلق بكون هذه الحركة التي تلتقى عموما في أهدافها، هي حركة تعددية من حيث مجالات عملها ومقارباتها وأشكال تدخلها، وإن كانت هذه التعددية مقبولة ومعترف بها نظريًا، فإنها ليست سهلة التدبير في الميدان خاصة عندما يتعلق الأمر بـ “القيادة“. الأمر الذي يقتضى بذل مجهود كبير من أجل الحفاظ على وحدة المجموعة.
– المستوى الثاني يهم م طبيعة وحجم العمل المطلوب ليكون للحركة وقع فعلى على الأحداث والأطراف المعنية، يكفي الإحالة على ما يتطلبه مسلسل الترافع من قدرة على التفاعل الذكي مع المحيط السياسي والاجتماعي وعلى تصور وتنفيذ مجموعة من العمليات المنهجية للتأثير بشكل ناجع وفعال في الاتجاه المرغوب فيه.
– المستوى الثالث يستدعى الإشارة لكون الجمعيات المعنية تعمل بشكل كبير بناء على التطوع، أي أن قدراتها المؤسساتية غالبًا ما تكون متواضعة مقارنة بما يتطلبه الترافع من مهنية عالية خاصة عندما يمتد في الزمن.
وبغض النظر عن مضمون الإصلاحات التي تمت، يمكن استخلاص بعض الدروس من التجربتين:
– المسارات التي تم إرساؤها والديناميات الاجتماعية التي رافقت هذه الإصلاحات كانت جد إيجابية وأثرها يتجاوز أحيانًا الإصلاحات التشريعية في حد ذاتها ( النقاش الواسع، رفع الوعى…). يمكن توضيح تلك الأهمية من خلال ما لاحظناه غداة صدور مدونة الأسرة مثلاً من جهة، من معرفة الجمهور الواسع بالإصلاح ( دون الدخول طبعا في التفاصيل) ومن جهة ثانية توجه العديد من الفاعلين ” لتملك الإصلاح وتبنيه باعتباره نتاجًا لمساهمتهم، الأمر الذي لا يخلو من إيجابية.
– مسلسل إصلاح المدونة كما جرى في المغرب كان مفيدًا على المستوى البيداجوجي لكونه برهن على أن للقوانين دورًا مهمًا في التغيير الاجتماعي وأنها ليست فحسب انعكاسًا لمجتمع بل يمكن أن تشكل محركًا لتغيير العقليات. فعلى سبيل المثال، ومباشرة بعد اعتماد البرلمان للمدونة طورت مواقف القطاعات الحكومية وصارت تسعى لإنجاز مشاريع في مجال النهوض بأوضاع النساء ومناهضة العنف وإدراج بعد النوع الاجتماعي في السياسات العمومية ووضع ميزانية الدولة، والانفتاح على إدراج مفاهيم الإنصاف والمساواة في البرامج التعليمية إلخ. إن الوضع الراهن ليس مثاليًا على هذه المستويات لكن الإصلاح والمسار الذي رافقه مكنا من زعزعة المقاومات وإخراج حقوق النساء من العزلة التي كانت فيها قبل نهاية التسعينيات حيث كانت تعالج بشكل مطلق في إطار ” الشئون الاجتماعية“.
– التعبئة لفائدة المساواة القانونية فتح المجال أمام أوراش جديدة وديناميات تمس قضايا ظلت طويلاً من قبيل التابو، أو المسكوت عنه، مثل المساواة في الإرث وحرية النساء في التصرف في جسدهن (موضوع الإجهاض) والنفاذ لملكية الأرض (أراضي الجموع) في إطار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
– مسلسل الإصلاح أفرز أيضًا ضمن النتائج النوعية المباشرة تطور الحركة النسائية مع بروز جيل ثانٍ من الجمعيات النسوية وتنوع هذه الجمعيات وتخصصها في مجالات عدة وتغطيتها الجغرافية لمجموع التراب الوطني. قبل عقد من الزمن، كانت الجمعيات العاملة في مجال النهوض بالحقوق الإنسانية للنساء تعد على رؤوس الأصابع وتتمركز بين مدينتين كبيرتين هما الرباط والدار البيضاء. منذ سنة 2000 نما وتزايد عدد الجمعيات في المراكز المتوسطة والصغيرة. وبالنظر للنقاش والتعبئة من أجل إصلاح مدونة الأحوال الشخصية والمشاركة في الحياة العامة والسياسية (3) صارت جمعيات تنموية تدرج أكثر فأكثر مقاربة النوع الاجتماعي في استراتيجياتها ومشاريعها.
– من الآثار الإيجابية للإصلاحات، والتي لا تقل أهمية عما سبق، أداة بروز وعى نسائي أو بعبارة أخرى رأى نسائي مستقل لفائدة النهوض بحقوق النساء، ما هو جد مهم، بالنظر لآفاق المستقبل، يتمثل في كون آراء النساء تختلف في الغالب وبصفة دالة عن آراء الرجال حول قضايا تمس وضعهن وحقوقهن في الفضاء الخاص والفضاء العام على السواء. ففي بحث للمندوبية السامية للتخطيط، وبصدد التأكيد التالي ” يجب على المرأة طاعة زوجها” عبر 65.5 بالمائة من الرجال عن موافقتهم في حين لم تتعد النسبة 26.9 بالمائة من النساء (4). وفي دراسة حول التمثلات والمارسات القضائية عبر 37.44 بالمائة من الرجال عن قبول الاقتسام الكلى للمسئوليات والمهام في حين بلغت النسبة عند النساء 62.56 بالمائة (5).
تقدم التجربة المغربية في المجالات المذكورة باعتبارها تجربة رائدة، لكن هذه الريادة نسبية لأن المقارنة تتم، في الزمن، بالنسبة لفترة سابقة، وفي المجال بالنسبة لبلدان أخرى بالمنطقة الجغرافية التي ينتمى إليها المغرب، إن التطور الذي حدث يظل محدودًا ويشهد على ذلك ما يلي:
– قانون الأسرة الجديد لم يسجل قطيعة مع التصور الأبوي. ويكفى للاستدلال على ذلك ملاحظة أن النص الجديد، بالرغم من مستجداته، أبقى مثلاً على مبدأ تعدد الزوجات وعلى التمييز في الإرث وفى الولاية القانونية على الأبناء… لصالح الرجال.
– دخول النساء إلى البرلمان لم يتم بناء على سياسة إرادية للدولة من خلال مأسسة إجراءات تأكيدية، كما تنص على ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) إذ عاد المغرب خلال الانتخابات الجماعية (المحلية) التي جرت في السنة الموالية لاعتماد اللائحة الوطنية في البرلمان إلى النسبة نفسها التي تقل عن واحد في المائة.
– لقد حصل تقدم؛ ما في ذلك شك. لكن هذا التقدم ظل مراقبًا ومؤطرًا ليعكس في نهاية المطاف كون المغرب يتجاذبه توجهان:
– توجه يسعى لترسيخ صورة بلد يسير بشكل حثيث نحو الديمقراطية وما تقتضيه من قيم الحداثة بما في ذلك قيم المساواة،
– توجه يدعو لحماية الهوية من المؤثرات الخارجية، ويعتبر مطلب المساواة بين الجنسين خطرًا على القيم الأسرية وعلى المرأة، “حامية الهوية“.
إن المكتسبات تظل هشة في إطار هذا الوضع، الأمر الذي يستدعى المزيد من الجهد من الحركة النسوية لمواصلة فعلها في اتجاهين مترابطين: الدفع بمطلب المساواة مستفيدة من تراكماتها واحتلال موقعها كطرف أساسي في معركة البناء الديمقراطي.
* خبيرة في الجندر والتنمية المؤسساتية.
**خبيرة في الجندر وحقوق الإنسان وتقنيات المناصرة.
(1) الخمسة الباقيات فزن من خلال الاقتراع المباشر في دوائرهن.
(2) إشارة لوصول أحزاب يسار ووسط إلى الحكومة بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، كوزير أول، في إطار توافق بين المعارضة السابقة والملك.
(3) تعبئة حالية في إطار ” الحركة من أجل الثلث في أفق المناصفة” التي تضم ما يقرب من 1000 جمعية على الصعيد الوطني من أجل رفع تمثيلية النساء في المجالس المنتخبة محليًا استعدادًا لانتخابات يونيو 2009.
(4) بحث المندوبية السامية للتخطيط: المرأة المغربية في محيطها الاجتماعي 2006 – انظر التقرير التركيبي للبحث حول القيم في ” المغرب الممكن” تقرير 50 سنة من التنمية البشرية وآفاق 2025.
(5) دراسة مؤسسة فريدريك ابرت، مدونة الأسرة: تمثلات وممارسات قضائية، 2007.