النساء والإسلام والقانون الدولي
عرض كتاب:
Women Islam and International Law: Within the Context of the Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination against Women. By Ekaterina Yahyaoui Krivenko. Leiden; Boston: Martinus Nijhoff Publishers, 2009.
يعتبر کتاب «النساء الإسلام والقانون الدولي: في سياق إزالة كل أشكال العنصرية ضد المرأة»، ثامن دراسة في سلسلة تتناول قضايا القانون الدولي. وتعتبر كل دراسة محصلة للبحث الأكاديمي الذي أنتج غالبيته أساتذة وخريجون من معهد جنيف للخريجين. ولذلك فهذا العمل يعول على بحث مؤلفته ورسالتها بالمعهد. كُتب الكثير عن النساء في الإسلام بشكل نقدي وبخاصة بالنسبة للمجتمعات ذات الأغلبية المسلمة. وفي هذا العمل، يعد النقد في سياق اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بـ «السيداو».
ومن الجدير بالذكر أن أي بحث نقدى للتعامل مع النساء في إطار أي دين يعتبر ممكناً ضمن اتفاقية السيداو. ولكن، في أيامنا هذه يبدو أن الإسلام أصبح هدفًا رائجًا، لأنه يحلو للمتلقين الغربيين لديهم أن ينظروا للنساء غير الغربيات باعتبار من أناسًا غرباء، وما يستدعيه ذلك من مناقشة لحقوق هؤلاء النساء أو غيابها واقتراح الوسائل لتحسين حالهن باعتبارهن ضحايا (وبالتالي) قدرتنا (في الغرب) على إنقاذهن وتنويرهن ودفع مجتمعاتهن تجاه الديمقراطية. تعترف المؤلفة بهذه الرؤية وأن أدبيات النسوية تصور هؤلاء النسوة على أنهن «ضحايا، وعاجزات عن اتخاذ القرار، ومضطهدات وفي حاجة إلى إرشاد ومساعدة من الخارج». ويعتبر الرأي القائل بأن ممارسات التمييز منبعها مزيج من الدين والثقافة والتقاليد رأيًا عقلانيًا ومقنعًا (1). ولكي تأخذ الحملة التالية منحى: مختلفًا: «وعلى أي حال، بما أن تركيز هذا البحث على الجانب الديني وبالأخص على التبريرات لممارسات التمييز ضد المرأة على أساس إسلامي، فإن مصطلح «إسلام» يرد لغياب إفراد أفضل لتلك الممارسات من القوى المدفوعة والمبررة على أساس إسلامي».
(ص. 6، 13 FN يضاف التأكيد إن القول بأن تلك الممارسات «مدفوعة ومبررة على أساس إسلامي» لهو بالضرورة تفسير آخر خاطئ للإسلام وتعاليمه، كما يتجاهل هذا القول العوامل (الأخرى) الأهم والأكثر تأثيرًا في هذه المعادلة؛ تحديدًا الثقافة والتقاليد.
هذا بالإضافة إلا أن الفكرة المضللة، التي تقول بأنه لا يوجد تبرير أفضل لهذه الممارسات أو القوى، ترسخ أكثر لهذا الفهم الخاطئ للإسلام. وفي الحقيقة، يوجد كثير من المبررات الأخرى التي يمكن أن تكون أكثر دقة، ومنها الذكورية. فالبلاد الموضحة في الفصل الثالث هي نماذج جذرية المجتمعات ذكورية. ولذلك، فإن القول بأن تلك الممارسات «إسلامية الدوافع» رغم كونها في مجتمعات ذكورية تترسخ فيها الثقافة والتقاليد التي تسبق مجيء الإسلام تاريخيًا هو قول مخادع ويتضمن صورًا نمطية للنساء المسلمات وللإسلام بشكل خاص، وتعترف الكاتبة بـ «صعوبة الفصل بين الممارسات المبنية على التقاليد والعادات وبين الممارسات الدينية». وعلى أي حال، يبدو أن هناك مجهودًا رمزيًا في هذا العمل لبيان ذلك الفصل. فكما يوحي العنوان، لا تمثل الثقافة أو العادات موضوعًا للمراجعة في هذا العمل؛ بل الأحرى القول بأن الإسلام و (إساءة) تفسير تعاليمه هي محل المراجعة هنا. ولا تنكر الكاتبة هذا حيث تقول: «ولذلك ينبغي أن يؤخذ في الحسبان أن ذكر واحدة من هذه المفاهيم الثلاثة تعنى في أغلب الأحيان الإشارة إلى اختلاط مفهوم «الثقافة والعادات والدين». وأما غير ذلك فيتم التنويه عنه في محله». (ص 4، ف ن 10). وعلى أي حال، فافتراض أن الممارسات المميزة (ضد المرأة) «دافعها ومبررها الإسلام» مع استبعاد عاملي الثقافة والعادات من التحليل يقلل من قيمة هذا الإنكار الذي تدعيه الكاتبة.
وفي المقابل، هناك بعض المميزات لهذا العمل. ومنها أن الكاتبة حاولت الإشارة إلى دراسات الإسلام النسوي في المراجع رغم أن هذا لم يتم بشكل وافٍ. ومثال ذلك هو عمل ليلي أحمد المبتكر «النساء والجندر في الإسلام» الذي يناقش كيف أن الممارسات المضطهدة للمرأة في الشرق الأوسط تعزى إلى سيادة التفسيرات الذكورية للإسلام بدلاً. من الإسلام نفسه. فهناك الكثير من الباحثين المسلمين الذين قدموا تفسيرات للتعاليم الإسلامية التي تراعي حقوق المرأة. وعلى أي حال، فمن المخيب للآمال أن هذه الآراء لم يتناولها التحليل أيضًا مثلما فعل مع الممارسات المضطهدة الناتجة من التفسيرات الذكورية والتي أدت إلى وجود تحفظات إزاء اتفاقية السيداو. فإنه كان سيفيد القارئ/ ة أكثر لو كان التحليل تناول کیف ولماذا أتت تلك التحفظات، أو ناقش هذه الأسباب داخل سياقها الثقافي والتاريخي، أما الكاتبة فتؤيد أن:
«الحاجة تستدعى ان يقوم المجددون الإسلاميون أنفسهم بإقناع أو تذكير عوام المسلمين بأن تنوع الآراء والتفسيرات الجديدة والتغير المستمر لهو ركن أصيل من الثقافة الإسلامية؛ وطبقًا لذلك فإن الرؤى الجديدة لمكانة المرأة لا تأتي فحسب من الخارج (2)، ولكنها أيضًا تنبع من الثقافة الإسلامية نفسها. (ص 212 )».
وحقًا هناك حاجة ماسة في المجتمع الإسلامي والعالم أجمع إلى التعرف على تعددية الآراء و الاعتراف بالتفسيرات الجديدة لحقوق المرأة. وتعرف الكاتبة بعض الباحثين والدراسات الإسلامية المعاصرة؛ ليس بشكل مباشر خلال المناقشة، ولكن من خلال المراجع الشاملة والحواشي.
وبالمناسبة، فمحاولة الكاتبة توفير نقد بناء وتعزيز الحوار على الأقل على مستوى النطاق الأكاديمي قد نجحت. ودراسة نظام التحفظات لاتفاقية السيداو وردود أفعال الأحزاب الحاكمة لهي زاوية مثيرة للاهتمام. بالإضافة إلى ذلك، فهذا العمل يثير بعض القضايا المحورية التي يمكن التنقيب عنها في المستقبل والتي من شأنها تعزيز الحوار. وهناك مثالان على ذلك، أولهما هو «العوامل الداخلية (للحكومات والسياسات في الدول الإسلامية) التي تشكل عائقًا في وجه انتشار وتطوير وقبول رؤى جديدة لمكانة المرأة في الإسلام، والثاني هو المقدار الضروري للتدخل على الصعيد الشخصي «لتحقيق عدالة واقعية بين الرجال والنساء». وفي النهاية، فهذا العمل يحتاج أن يكمل بدراسات أخرى كثيرة ومتنوعة في هذا المجال حتى يعزز حقًا حوارًا وفهمًا موضوعيين، ويحقق في نهاية المطاف تغيرًا إيجابيًا من خلال القانون الدولي.
ولهذا، فالمراجع المتكاملة هي واحدة من أهم الجوانب ذات الفائدة للعمل. فلقد جمعت كريفنكو قائمة مدهشة من المصادر مما يضيف إلى أهمية المصادر بالكتاب. ويمكنني أن أرشح هذا العمل كعمل تكميلي لمكتبة أكاديمية تتضمن جانبًا عن حقوق الإنسان الدولية.
ياسمين محفوظ: معيدة بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة.
(*) العرض من مجلة
International Journal of Legal Information, Vol. 38, No 2. 2010.
(1) ينبغي هنا القول بأن ممارسات التمييز ليس منبعها الدين وإنما هو الفهم أو التفسير الخاطئ له، فهناك فرق بين دين يميز ضد المرأة وبين تأويل ديني يستخدم للتمييز.
(2) رغم أن هناك تشابهات بين المجتمعات الذكورية في كل أنحاء العالم، فإن الحلول لهذه الممارسات المضطهدة تستقى غالبا تبعًا لثقافة المجتمعات والمراحل التي مر بها كل مجتمع. ولهذا يستنفر أغلـب المسلمين أن يستمدوا حلولاً من الخارج خوفًا من أن تكون مخالفة لثقافة مجتمعهم أو المبادئ الدينية التي يقوم عليها.