بحثًا عن النظرية
تاريخ النشر:
2016
اعداد بواسطة:
بحثًا عن النظرية:
فرويد، دورا، والمحللات النفسيات*
حقيبة يد، أم صندوق مجوهرات، أم قوقعة فينوس، أم قضيب ـــ ماذا تريد النساء؟
تطرح هذه الدراسة منظورًا تاريخيًا لبحث فرويد عن “المفتاح” الذي سوف “يفتح الباب” (انظر/ي Freud 1905a, 67) لفهم جنسانية (sexuality) النساء وأعراضهن الهستيرية واكتئابهن وشعورهن بالأذى. الجزء الأول من الدراسة يركز على تنظير فرويد حين كان يعالج دورًا من أعراضها الهستيرية أثناء فترة انتقالية من “الارتباك” حين اضطر إلى الاعتراف بأن نظرية الإغواء التي طرحها بالنسبة للهستيريا كانت “خاطئة” (Freud 1914, 1925a) الجزء الثاني من الدراسة، التالي على علاج دورا المجهض، يركز على بحث فرويد الطويل عن “عقدة إخصاء أنثوية طبيعية” وإيجاده “الدليل” الذي كان يبحث عنه في التفسيرات، وإعادة التشكيل التي قدمها للمحللات النفسيات الطموحات أثناء فترات تدريبهن معه. على وجه التحديد أكدت مريضاته أنّا فروید Anna Freud وهيلين دويتش Helen Deutsch وجيان لامبل دي جروت Jeanne Lampl-de Groot وروث ماك برونزويك Ruth Mack Brunswick إعادة تشكيله لمرحلة ما قبل الأوديبية الطويلة في تطورهن، بما في ذلك العداء نحو أمهاتهن اللاتي اعتبرنها مسئولة عن إخصائهن، وخزيهن النرجسي وشعورهن بالنقص، وتمني القضيب والجنوح نحو الأب بحثا عن الطفل القضيب 1933,130 Freud ؛ إضافة إلى مواقف التأييد التي جاءت من “تجمع زملائه المتحمسين” Freud 1925b, 249 ودارسي التحليل النفسي والزملاء والأصدقاء، وعلى وجه الخصوص كارل أبراهام Karl Abraham وماريا بونابارت Maria Bonaparte ولو أندرياس سالوسيLou Andreas Salome الذين أضافوا مساهماتهم الخاصة إلى نظريته.
حين كان فرويد يعالج دورًا في عام 1900 وحين قام بنشر جزء من تحليله لها بعد ذلك بخمس سنوات، كان في بداية جهوده لتصحيح السببية الإغوائية “الخاطئة” بنظرية مبتسرة معتمدة على التكوين التشريحي الفعلي للنساء. أي أنه استند إلى التكوين التشريحي، مستثنيًا منه جزءًا هام إلا وهو البظر1. إذا تركنا هذا التجاهل الصارخ للبظر جانبًا، نجد فرويد يقدم وصفًا للرمزية الغنية للتكوين التشريحي للنساء التي وجدها في أحلام وتداعي أفكار دورا وسلوكياتها الرمزية. على سبيل المثال، كانت صورة الحوريات وهن يلعبن في الغابة التي تراءت لدورا رمزا لحورياتها (شفرتيها الصغرتين)، وقد استكن بين شعر عانتها. وعلى نفس النهج، فإن “صندوق المجوهرات” الذي تراءى لها في الحلم، و“الكيس” الذي كانت ترتديه حول خاصرتها، و“الحجرة” التي كانت تريد إغلاقها بالمفتاح أثناء الليل كلها كانت ترمز إلى مهبلها. كذلك فإن تداعياتها حول الباب “المغلق” لـ“حجرتها” كان يمثل انغلاقها أمام الجماع الجنسي، على حين أن الباب الذي “يفتح” بالمفتاح كان يعني الانفتاح على القضيب في عملية الجماع. في خطاب وجهه إلى فليس Fliess) ) في 14 أكتوبر ( Freud، 1900، 325) يعبر فرويد عن ثقته بأن “مجموع ملاحظاته” (نظريته الخاصة بالرغبات المتناقضة في اللاوعي بشأن الجماع الجنسي) بدأت “تفتح الباب بسلاسة” أمام مزيد من فهم مريضته ذات الثمانية عشر عاما” 2 وبعد أن أحبطته دورا من خلال انقطاعها عن العلاج بدون إنذار “نسي” فرويد نظريته الوليدة عن خبرة النساء اللاشعورية بأعضائهن الجنسية، تمامًا مثلما “نسي” فيما بعد “وظيفة” البظر في إثارة النساء وشعورهن بالنشوة، وهي الوظيفة التي كان قد وصفها خلال تلك المرحلة في “ثلاث مقالات حول نظرية الجنسانية” Freud 1950b) ): “مهمة… نقل الإثارة إلى الأجزاء الأنثوية المجاورة، تمامًا مثلما… يمكن ايقاد قشارة شجر الأناناس… لإشعال النار في قطعة صلبة من الخشب” (ص۲۲۱).
لم يعد فرويد إلى ما كان يمكن أن يصبح إطارًا مبدئيًا لنظرية تطورية جديرة بالانتباه “للتبعات النفسية” للتكوين التشريحي للفتيات. لكنه بدلا من أن يفعل، قام بعد ذلك بعشرة سنوات من العمل الإكلينيكي بنشر “فكرة” مختلفة تمام الاختلاف حول التطور الطبيعي للنساء، كانت أشبه بنسخة جنينية من عقدة الإخصاء لدى الفتيات وحالات عدم الرضا لدى النساء. هنا أسند فرويد نظريته إلى التكوين التشريحي الذكوري الذي لا تمتلكه النساء، كما أرجع معاناة النساء النفسية إلى شعورهن بالألم نتيجة عدم امتلاكهن للقضيب وامتلاكهن بدلا من ذلك لبديل مبتسر – البظر (العضو الذي اعتبره قبل ذلك عاملاً جوهريًا في الاستثارة والنشوة الأنثوية، المنطقة الشبقية “الذكورية” التي تناولها في “المقالات الثلاث“). في مقاله “بعض أنواع الطباع التي نقابلها في خلال التحليل النفسي” (Freud 1916 ) نشر فرويد لأول مرة “فكرته” وإن كان بشكل جزئي: تنتمي النساء إلى “مجموعة تتميز بالطابع الاستثنائي.” إنهن يطالبن:
بالامتيازات… والإعفاء من الكثير من متطلبات الحياة… (لأنهن) يعتبرن أنهن قد تعرضن للأذى في طفولتهن، حيث حرمن ظلمًا من شيء ما وعوملن بطريقة تفتقد إلى العدالة؛ كذلك فإن المرارة التي تشعر بها الكثير من الفتيات نحو أمهاتهن مصدرها في النهاية لومهن على الأمهات لأنهن جئن بهن إلى الحياة كنساء وليس كرجال. (ص٣١٥)
إن الفكرة التي طرأت عليه في عام 1916 ستصبح يقينًا سوف “يثبته” لابنته أنّا (Anna)، وهيلين دويتش، وروث ماك برونزويك وجيان لامبل دو جروت: الأنوثة تعتمد على قدرة النساء على التخلص من وتحويل الرغبات الذكورية المرتبطة بلا أدنى شك بالعدوانية العميقة التي يستشعرنها نحو الأم التي يعتبرنها مسئولة عن إخصائهن. وقبل أن نصل إلى نظرية فرويد النهائية و“الدليل التحليلي” الذي حصل عليه من المحللات النفسيات، سوف نبدأ من عند المرحلة الانتقالية من تنظير فرويد، والتي تلت نظرية الإغواء. أي أننا سوف نبدأ عند مرحلة علاج دورا وعند حقيبة اليد التي فسرها فرويد على أنها التمثيل الرمزي للتكوين التشريحي للأنثى، خاصة المهبل، وعلى أنها تمثل ما قالت دورا أنها ترغب فيه.
هناك بطاقة معايدة مازحة تقول الكثير عن علاج فرويد لدورا وتشير إلى سؤاله الشهير – ما الذي تريده النساء؟ – وإلى إجابته على هذا السؤال التي طالما أثارت الجدل: تريد النساء القضيب الذي ينقصهن. الصورة على واجهة البطاقة تظهر امرأة تحمل كتابًا مفتوحًا بعنوان “فرويد“. إنها تشير بإصبعها قائلة: “فرويد يسأل، ما الذي تريده النساء؟” ثم تستطرد: “كان يمكن أن نعطيه الإجابة ” أما الإجابة فهي داخل البطاقة: “حقيبة يد بسيطة سوداء، ما بين المربعة والمستديرة، يمكن استخدامها في السهرات وكذلك أثناء اليوم، ذات يد طويلة لتعليقها على الكتف، لا تبدو رخيصة وغير منتشرة.” والأرجح أن المحللين سوف يتفقون على أن حقيبة المرأة هي واحدة من رموز كثيرة للمهبل في شكله ووظيفته. بل إن البعض قد يذهب إلى القول نظريًا بأن الجزء يرمز إلى الكل. وفي الخطاب النسوي المعاصر تمثل الحقيبة “جسدي، وأعضائي الجنسية، ونفسي“. (إن أحلام النساء المتكررة حول الحقائب تبدو وكأنها تدلل على ذلك). من هنا فإن المعنى المزدوج للبطاقة المذكورة أعلاه (أي الحقيبة الرمزية التي تريدها النساء) تسخر وفي نفس الوقت تتناقض مع رأي فرويد بأن النساء يرغبن في قضيب. ومع ذلك فهناك وجه آخر للسخرية في إجابة “نحن نريد حقيبة“، قد لا يكون مصمم البطاقة نفسه قد فطن إليها.
واقع الأمر هو أن فرويد قد حاول في عام 1900 أن يضع نظرية تحليل نفسي تستند إلى فرضية أن “حقيبة“ دورا التي كانت تحملها حول وسطها كانت مهبلاً رمزيًا وأنها كانت على مستوى اللاوعي تريد وتخشى “فض البكارة” والاختراق المهبلي. لذا، فإنه حين حاول أن يعالج مريضته غير المتعاونة من الاكتئاب والأعراض الهستيرية، قال لها إن “حقيبتها” هي تمثيل رمزي لمهبلها وإن ملاعبتها لها وهي ترقد على الأريكة وتتحدث ما هي إلا “فعل رمزي” لممارسة العادة السرية كما أنها تعبير عن رغبتها في أن تخترق. (“استمرت دورا تلعب بها، تفتحها، تضع إصبعها داخلها، تغلقها ثانية، وهكذا” ص76). الحقيبة الرمزية المرسومة على البطاقة تنسجم إذا مع حقيبة دورا ومع ما ارتأى فرويد في أعوام ١٩٠٠–١٩٠٥ إنها تريده. كذلك فإن حقيبة البطاقة تنسجم مع ما وصفه فرويد كتمثيل رمزي إضافي للأعضاء الجنسية للأنثى، أي “صندوق الجواهر” المعرض للخطر في حلم دورا الأول حيث يحترق البيت (إن صندوق المجوهرات الباهظ الثمن كان واحدًا من هدايا كثيرة أهداها إياها رفيقها، السيد ك)، و“الصندوق” في حلم آخر، والحقيبة حول خاصرتها. كل تلك الأشياء، قال فرويد، هي “مرة أخرى مجرد بديل عن قوقعة فينوس، عن الأعضاء الجنسية الأنثوية” (77 Freud, 1905a). أي رمز أقدر وأقوى في تمثيله للجمال والرغبة الأنثوية (عامة) أو التكوين التشريحي الأنثوي (على وجه الخصوص) كان يمكن لفرويد أن يستدعيه من لوحة بوتشيللي الشهيرة “مولد فينوس” حيث تعتلي فينوس عرش القوقعة المصقولة بعد أن ولدت من البحر؟ وأي تأكيد أقوى من ذلك يمكن لأية نظرية في التحليل النفسي أن تقدمه “لتعكس” وتؤكد تكوين المرأة وجنوستها؟ إنه ليس بالأمر المفاجئ أن تحجب تلك الأفكار الأولى بواسطة “بحث” فرويد “القاسي” في جنسانية دورا (1990 Marcus وما نتج عنه من تفسيرات “غير دقيقة” لحقيبتها وصندوق مجوهراتها ورغبتها في الجماع (انظر/ي: جلوفر، حيث يميز بين التفسير “غير الدقيق” و“غير المكتمل“، ( Glover 1955. الواقع هو أن تفسيرات فرويد غير الدقيقة لرغبات دورا هي السبب الأرجح وراء دمج نقاده بين نظريته الإخصائية بشأن جرح النساء التناسلي وشعورهن بالخزي، وتمني القضيب، والعدوانية وبين نظريته المبكرة بشأن الحقيبة كرمز للتناسلي الأنثوي والرغبة في الجماع مع السيد ك. التي رفضتها دورا بكثير من الغضب.
لكي نوضح هذه النقطة الهامة بطريقة أخرى: لقد أصر فرويد دائما على أنه أثبت نظريته بشأن النساء، سواء فيما يتعلق “بفكرته الخاطئة” “التي تكاد أن تكون قاتلة” عن دور الإغواء كأحد أسباب الهستيريا (Freud 1914, 17)، أو فكرته عن رغبات ومخاوف دورا الجنسية في المرحلة التالية من تطوير نظريته، أو نظريته بشأن التبعات النفسية للفروق التشريحية بين الجنسين ثم عقدة الإخصاء لدى الفتيات في المرحلة ما قبل الأوديبية، وذلك في المرحلة الأخيرة من بناء نظريته. في حالة دورا اقترب فرويد من نظرية جديرة بالتأمل بشأن “الجغرافيا الرمزية” للجسد النسائي، وكان اقترابه منها أكثر بكثير مما تصوره هو أو المحللات النفسيات اللاتي أكدن بل وطورن من فكرة عقدة الإخصاء التي بلورها فيما بعد. مع ذلك، فقد كان فرويد مدفوعًا بأن يجد نظرية “بديلة” لكي يؤسس للمجال الجديد المسمى “التحليل النفسي“. وتحت الضغط الشديد لتحقيق هذا الهدف “نسي” فرويد الصورة المجازية التي ابتكرها – مقابلته “الحادة” بين الأعضاء الجنسية الأنثوية وبين الحافظة والمقتنيات باهظة الثمن التي يمكن أن تكون مصدرًا للفخر. (إن دلالة “النسيان” في بناء نظرية التحليل النفسي هي أمر يستحق قدرًا أكبر من المناقشة). مع الوضع في الاعتبار الضغط الذي عاشه فروید ليثبت نفسه والمجال الذي بدأه، أود هنا أن أتابع هذا التطور التاريخي من خلال محاجاة سؤال فرويد بشأن النساء، والذي تم اقتباسه في بطاقة المعايدة، فأطرح سلسلة من الأسئلة المترابطة الخاصة بي: ما الذي كان فرويد يريده من دورا؟ ما الذي كان فرويد يريده من النساء اللاتي قام بتحليلهن واللاتي كن يطمحن إلى أن يصبحن محللات؟ وماذا أردن هن منه، خاصة أنّا فرويد وهيلين دويتش؟ (إن المصدر الأساسي الذي استند إليه في مناقشتي لتحليلاتهن وتأكيدهن على نظرية فرويد هو ما توفر لي من معلومات عن تاريخهن الشخصي والصعوبات النفسية التي مررن بها.)
كما أشرنا سابقًا، كانت فترة علاج دورا، التي استمرت لثلاثة شهور، في تلك السنوات التي تلت وصف فرويد لذاته (Freud 1914) بأنه في حالة من “الارتباك العاجز“. إنها تلك السنوات التي شهدت انهيار ثقته في كون الإغواء الجنسي السلبي هو السبب وراء الهستيريا نتيجة لتناقضات وعدم احتمالية الفكرة… ذهبت أرضية الواقع الصلبة… في ذلك الوقت كنت أميل إلى ترك العمل برمته…. وقد أكون ثابرت فقط لمجرد أنني لم أملك خيارًا وما كان لي عندئذ أن أبدأ مرة أخرى في تناول شيء مختلف” (ص۱۷). لقد أقر فرويد، (Freud 1925b)، بأنه “اضطر” للقبول بأن الإغواءات التي اقترحها لم تحدث أبدًا. بل إنه فكر في احتمال (سرعان ما نحاه جانبا) “بأن يكون هو من فرض خيالات الإغواء على مرضاه” (ص٣٤). في جميع الأحوال لقد شعر فرويد بأنه قد “خدع في توقعاه” وأن عليه “أن يراجعها“. وقد وجد فرصته لمراجعة تلك التوقعات حين قام والد دورا “بتسليمه إياها ليزيحها عن طريقه“. لقد كان فرويد على علم بعلاقاته المتعددة السابقة وأنه يرغب في الاستمرار في علاقته الحالية بالسيدة ك. كذلك كان فرويد يدرك أن الأعراض المرهقة والمتكررة التي تصيب الابنة ــ غضبها وتهديدها بالانتحار، إضافة إلى فقدانها الهستيري لصوتها وصعوبة التنفس والسعال العصبي الذي كان يصيبهاـــ كلها عقبات أمام خطط الأب مع السيدة ك. كذلك فان فرويد كان على علم بالتاريخ الجنسي لوالد دورا. فحين كانت دورا في الرابعة عشر من عمرها كان والدها يعاني من مرض مزمن، وقد قام فرويد بفحصه حيث كان يعاني من حالة حادة من الاختلاط والشلل. وقد فسر فرويد هذه الأعراض على أنها نتيجة لمرض الزهري فوصف له علاجًا استجاب له والد دورا. في نفس الوقت، وبناء على طلب الأب، قام فرويد بمناظرة دورا بسبب أعراضها الهستيرية، ثم ناظرها مرة أخرى وهي في السادسة عشرة من عمرها، لكنها في تلك الفترة رفضت عرضه بالعلاج. كانت دورا في الثامنة عشرة من عمرها حين وافقت رغمًا عنها، وبناء على أوامر والدها، أن تلتقي فرويد من أجل العلاج.
هذا هو إذا ما أراده فرويد من دورا، أن تؤكد له صحة نظريته عن الهستيريا التي يمكن أن تحل محل نظريته عن الإغواء، “لو أن الأشخاص المصابين بالهستيريا تمكنوا من تتبع أصول أعراضهم إلى صدمات خيالية في الماضي، فذلك لأن الحقيقة الجديدة التي تبرز هنا هي بالتحديد أنهم يختلقون تلك الصدمات في خيالهم…. إنها خیالات تستهدف التغطية على أفعال الإثارة الذاتية التي مارسوها في السنوات الأولى من طفولتهم” (Freud 1905a, 18 ). لقد أراد منها تعزيزًا لفكرته الجديدة بأن أعراضها ما هي إلا “بدائل” عن “شعورها بالإشباع الجنسي الذاتي” في الطفولة، والذي تتبرأ منه ( (Freud 1905a, 79 ، وأن الأعراض تعكس جنوستها المتناقضة وتنبع من رغبتها غير الواعية في مجامعة السيد ك. لكن دورا كان تريد من فرويد تأكيدًا على واقعها – وهو “واقع نفسي” (Freud 1914, 17) مختلف كلية عن ذاك الذي كان فرويد يفكر فيه. لقد أرادت من فرويد أن يؤكد لها ما كانت تعرفه: أن والديها وأصدقائهم، السيد والسيدة ك. كانوا يخدعونها من خلال علاقاتهم الغرامية فيما بينهم، وأنهم رفضوا تصديق اتهامها للسيد ك. بأنه كان يحاول إغوائها حين كانت تجالس أطفاله، وأنه أخيرًا عبر عن نواياه بوضوح حين تحرض بها وقال لها “إنه لا يحصل على شيء من زوجته“.
لقد كانت احتياجات ورغبات المعالج والمريضة هنا في مفترق طرق: ولا عجب أنه لم يكن من الممكن “ملائمة” رغبات كل من فرويد ودورا معًا. لقد كان فرويد في تلك الفترة (1925a Freud ) يعيش عملية تجميع شتات نفسه، كما وصفها هو شخصيًا (ص٣٤) لكي يصلح خطأه (ص٣٥) من خلال البرهان على أن الأعراض الهستيرية هي من صنع المريض ذاته، وأنها تعكس “خيالات جنسية مرغوب فيها” (ص٣٤). لقد كانت دورا غاضبة وكانت تشعر بالاكتئاب، كما أنها هي أيضًا كانت ترغب في أن تلملم شتات نفسها – لقد أرادت من فرويد أن يقر ويؤيد شعورها العميق الخيانة وخيبة أملها في والدها وأسرة ك. الأسرة الصديقة لأسرتها على مدى سنوات طويلة والتي كانت تحبها منذ كانت طفلة. على حين كانت دورا تبحث عن تأكيد لواقعها (لذاتها)، كان فرويد يبحث عن البرهان لتفسيراته وأحدث نظرياته واعتبر أنه لا أساس ولا مصداقية لشكاوى دورا، ومن ثم سعي إلى محاولة الكشف عن دوافعها اللاشعورية. منذ تفسيره لحلمها الأول يتضح بالفعل بداية الافتراق بين أهداف المحلل وأهداف المريض. لقد حلمت دورا إن بيتًا يحترق. والدتها تريد التوقف وإنقاذ صندوق مجوهراتها، لكن الأب يقول، “إنني أرفض أن أترك نفسي وطفلي نحترق بسبب صندوق مجوهراتك” (, 64 (Freud 1905a. بعد التأمل في تداعيات دورا، بما في ذلك كون السيد ك. “قد أهداها صندوق مجوهرات باهظ الثمن قبل ذلك بوقت قصير“، يبدأ فرويد في التفسير. انه يقول لدورا إن صندوق المجوهرات، مثل حقيبة اليد، “هو التعبير المفضل عن الأعضاء الجنسية الأنثوية“. إن “صندوق مجوهراتها” في خطر (ص69) بسبب رغبتها المكبوتة وخوفها المكبوت من فض بكارتها واختراقها من قبل السيد ك. إن إصرار فرويد على البرهان على “تفسيراته الخاصة” أعمت بصيرته عن معاناة دورا وعن إمكانية ولو ذرة صدق في احتجاجها. مع ذلك، فانه في حاشية تعليقه على الحال يتمسك فرويد باعتقاده الحازم بأن العلاج قد فشل –أي أن دورا تركت العلاج ــ لأنه “لم يكتشف في الوقت المناسب… ولم يخبر المريضة أن حبها ورغبتها الجنسية (المثلية) في السيدة ك. هي أقوى عنصر لا شعوري مؤثر في حياتها الذهنية” (ص۱۲۰). (من خلال تلك الفكرة، أي حب دورا اللاشعوري والمثلي، يبدأ فرويد إرهاصات نظريته ما قبل الأوديبية بشأن الأم كأول موضوع للحب الجنسي لدى الفتاة.)
لم تتوقف أفكار فرويد عن التشريح الأنثوي عند صندوق المجوهرات، بل أنه استخدم تعبيرًا شعريًا في وصف الرموز التي اقترحها بأنها “جغرافيا رمزية للجنس. ورغم شاعريته في إدراك “جغرافيا رمزية” للجسد الأنثوي، على أقل تقدير، إلا أنه فشل تمامًا في إدراك تأثير محاولاته لإجبار دورا على قبول تفسيره لرغباتها اللاشعورية. مع ذلك، فإن حاجة فرويد لبرهان على صدق تفسيراته المحددة، البرهان الذي رفضت دورا أن تعطيه إياه، يمكن أن تكون قد أعمته عن حقيقة أنه كان على مشارف الوصول إلى نظرية بشأن المعاني اللاشعورية و“التبعات النفسية” للتشريح النسائي. ورغم أن هدفه المعلن هو استبدال نظرية الإغواء “بالاستماع إلى نظرية جديدة وليدة” Freud 1925b) ) إلا أنه كان قليل الصبر عند الاستماع إلى دورا. حين بدأت دورا العلاج، رغم كونها غير راغبة فيه، كان فرويد قد بلور نظريته الجديدة الخاصة بالأعراض الهستيرية كبدائل عن إشباع الرغبة عن طريق الإثارة الذاتية والخيالات الجنسية في الطفولة. ورغم كل احتجاجات دورا إلا أنه كان واثقًا من “مجموعة المفاتيح التي عثر عليها“.
سوف يحتاج الأمر إلى ثلاثين عامًا أخرى من الاستماع التحليلي قبل أن يصدر نقد إريك إريكسون (1962 Eric Erickson ) لعلاج فرويد لدورا ولأسلوب فهمه “العميق والحاد” لواقع دورا النفسي وكذلك لصحة ومشروعية أن تبحث هي عند فرويد على برهان على صدق واقعها. في كتابه، المعنون بدقة “الحقيقة والواقع” يقدم إريكسون تفسيرات حادة “لأفكار فرويد الخاطئة“. إنه يدرك أن نظرية فرويد الجديدة عن الهستيريا والجنسانية الأنثوية (خيال الرغبة في الإغواء بواسطة بديل الأب ــ السيد ك) تقلل من شأن حقيقة وواقعية شكاوى دورا الغاضبة وعتابها المرير لوالدتها ووالدها وعشيقته السيدة ك. والزوج المزدرى السيد ك، الذي سوف يحاول بدوره إغوائها. إن تأكيد إريكسون على “أن الأب ليس دائمًا على حق” وأن نظرية فرويد Freud 1905a) ) قد تجاهلت واقع المريضة عن عمد، ينبع من فرويد نفسه حين يكتب شارحًا:
“كان من السهل إدراك أن غضب دورا له ما يبرره… (إن السيد ك. ووالد دورا) لم يعقدا بالطبع أبدًا اتفاقًا رسميًا على أن تعامل هي كموضوع للمقايضة بينهما… لكن والدها كان واحدًا من هؤلاء الرجال الذين يعرفون كيف يتجنبون المشاكل من خلال تزييف تقديرها حجمها… لقد كان من الممكن للسيد ك. أن يرسل الزهور لدورا يوميًا على مدى عام كامل… وأن ينتهز كل فرصة ليعطيها هدايا ثمينة (مثل صندوق المجوهرات) وأن يمضي كل وقت فراغه في صحبتها دون أن يلحظ والداها في سلوكه أي أمر قد يشير إلى ممارسة الحب. (ص٣٤–٣٥، تشديد المؤلفة).
كذلك أدرك إريكسون أن موقف فرويد من اعتراض دورًا على تفسيره كان يقوض من صراعها بحثًا عن هويتها. إن فرويد لم يأخذ اعتراضات دورا مأخذ الجد لان الاعتراضات “تبرهن” على وجود رغبات جنسية لاشعورية ورفض لمواجهتها. مرة أخرى يقدم فرويد نفسه Freud 1905a) ) الدليل على ما يؤكده إريكسون دون لبس من أن أفكار دورا عن والدها وكافة الأطراف الأخرى هي أفكار صحيحة وصادقة تمامًا. رغم أن “التحليل لا يستطيع أن يهاجم” أفكارها، إلا أن المريضة “تستخدم أفكارًا من هذا النوع… بغرض حجب” أفكارها ورغباتها اللاشعورية (ص35، تشديد المؤلفة). فيما يتجاوز الرمزية الجنسية والرغبات الأوديبية المكبوتة والمخاوف المتضمنة في نظرية فرويد التي أصر على أن يثبتها من خلال دورا، تمكن إريكسون من رؤية ذات دورا المهددة، حقيقتها الداخلية التي أخطأ فرويد حين تجاهلها. من خلال حديث دورا عن نفسها لفرويد، من خلال أحلامها وتداعياتها، تعرف إريكسون (1962 Erickson )على مثال صارخ لـ“جزء من الهوية“، منتهك ومهدد (ص٤٥٩). كما أنه رأى في تفسير فرويد الجنسي لدورا – أن أحلامها بمثابة البرهان على رغباتها الجنسية اللاشعورية التي “تخفيها” من خلال لوم أبيها– مثالاً على هيمنة طموح وأهداف فرويد وإصراره على إثبات نظريته الجديدة وتفسيراته للأعراض الهستيرية.
إن قراءة إريكسون لحالة دورا، تلك القراءة التي أعادت تشكيل التحليل النفسي، تطرح التالي:
في فترة الخمس سنوات الفاصلة بين ترك دورا للعلاج وبين نشر الحالة في عام 1905، كان فرويد أكثر حرقة وأكثر تهديدًا وأكثر إصرارًا على تأسيس التحليل النفسي من أن يتساءل بشأن تفسيره لنفسية دورا على وجه الخصوص أو اضطرابات النساء الهستيرية بشكل عام. (من الإنصاف أن نستنتج أنه كان عن حق مستغرقًا في اكتشافه للطرح – الاكتشاف الجوهري الذي حفزته خبرته مع دورا). حين عادت دورا لمقابلته، آملة في فرصة ثانية للحصول على المساعدة بشأن جراحها واكتئابها المزمن، استقبلها فرويد بنفس التبرير الذي استخدمه عند تفسيره لأسباب تركها العلاج: لقد أكد لنفسه أنها ما عادت إلا لفرصة ثانية للانتقام لنفسها منه، الأب الأوديبي الرافض لرغبتها، ومن ثم فقد برر لنفسه رفضه أن يقابلها. إن هذا الأمر – استخدام فرويد لنظرية رغبة دورا في الانتقام كحماية لنفسه من مزيد من الجرح وكمبرر للانتقام– ليس أمرًا مستبعدًا. فقد قال فرويد شيئًا شبيها بذلك في عام ١٩٢٠ حين رفض المريضة المجروحة، ذات الثمانية عشر ربيعًا والميول الانتحارية، والتي وصفها في “النشوء النفسي في حالة جنسية مثلية في امرأة“. لم يكن في حاجة إلى الاستماع إليها ليعرف أنها، مثلها مثل دورا، كانت مدفوعة بالحقد والرغبة في الانتقام؛ وكان “يعلم“، مثلما كان يعلم في حالة دورا، إن رغباتها اللاشعورية في الانتقام سوف تنقل ولا شك إليه، لو أنه أعطاها الفرصة لذلك. إن فرويد لم يعط مريضته الفرصة التي كان “يعلم” أنها تبحث عنها حيث انه كان مصممًا على حماية نفسه من جرح آخر، كما كان مصممًا، وهو الأهم، على أن يبرهن على انه على حق. لقد كان فرويد لا يزال تحت تأثير نظريته الخاصة برغبة دورا في الانتقام ومن ثم لم يجد مشكلة في أن يقنع نفسه بأن مشاعر المرأة تجاه النساء كانت تعكس رغبات ذكورية في الطفولة وان أحلامها، التي تصور أملها في الحب من قبل رجل، والزواج والأطفال، إنما هي أحلام “كاذبة” و“زائفة” (ص65) وتستهدف “خداعه” (ص١٦٦). من هنا، فإن نظرية فرويد عن كذب أحلام المرضى الكاذبة والزائفة والمضللة ـــ رغبات الانتقام المتنكرة في ثوب الأمل– سمحت له بأن يبرئ نفسه وأن يثبت نظريته من جديد. ومثلما أعمى بصيرته بشأن اعتراضات دورا واعتبرها “حجب” لإخفاء اللاشعور، فرفض مقابلتها حين عادت آملة في مساعدته، كذلك رفض علاج امرأة “مثلية الجنسية” ذات أحلام كاذبة في اللاشعور بهدف تضليله بشكل أفضل. (لقد اقترح عليها أن تذهب إلى امرأة معالجة بحيث تكون أقل عرضه لطرح مشاعر الانتقام الموجهة للأب).
بعد أن أصبح فرويد مقتنعًا بذكورة النساء في المرحلة ما قبل الأوديبية ورغباتهن في الانتقام، لم يعد قادرًا على “تذكر” فكرة الرغبات الأنثوية الجوهرية التي حاول إثباتها لدورا. رغم عدم اكتمالها إلا أن فكرته بشأن رغبة المرأة في الجماع وخوفها منه، ورغبتها في طفل، والمخاوف المرتبطة بذلك هي، رغم كل شيء، بداية نظرية عن نوع من “الأنوثة الأولية (كان هورني Horney) ) أول من استخدم المصطلح في عام ١٩٢٦) تنسجم مع التشريح والفسيولوجيا الأنثوية. في كل الأحوال فإن فرويد، في أثناء بحثه المستمر عن نظرية للحقيقة النفسية للأنوثة، استمر في تجاهله المتعالي لأمال ورغبات مريضاته. أي انه بالتوازي مع مراجعته لتوقعاته النظرية بشأن الجنسانية الطفولية، قام فرويد بنبذ آمال مريضته المثلية ذات الثمانية عشر عامًا تحت دعوى أنها زائفة، كما قام بنبذ آمال واحتياجات دورا ذات الثمانية عشر عامًا إلى أن تثبت “هويتها” على أنها عدوان مرضي وحاد ورغبة في الانتقام من كل من والدها الأوديبي ووالدتها الماقبل أوديبية. إن “نسيان” فرويد لآمال مريضاته في التقدم ونبذه للمعنى الذي يحمله تكوينهن التشريحي بالنسبة لهن يأتي بنا إلى النظرية النهائية بشأن النساء والتبعات النفسية للتكوين التشريحي الذي لا يملكنه.
لقد سنحت فرصة فرويد للوصول إلى برهان على حدسه في عام 1916 بأن النساء يعانين من “ظلم” الإخصاء وأنهن يشعرن “بحقهن” في معاملة خاصة حين بدا في التدريب على التحليل بداية من عام 1918. لقد بدأت هيلين دويتش تدريبها على التحليل معه (1988, 115 Young-Bruehl )، كما وصف ست جلسات تحليلية في الأسبوع معه لابنته أنّا ذات الثلاثة والعشرين عامًا – غير واثقة من خطط المستقبل، تعاني من الكبت المزمن، مليئة بالشعور بالخجل، وانعدام الثقة في النفس والاكتئاب.3 (لقد استمر تحليلها، وهو أطول تحليل قام به فروید، استمر لأربعة سنوات، تخلله انقطاع بسبب إصابة “بابا” بالسرطان وعلاجه). لقد وجد فرويد في شعور الاثنتين بالعدوانية تجاه أمهاتهن وفي ميولهن السادية المازوخية، وجد تأكيدًا على نظريته الجديدة بشأن الخبرات التطورية الطبيعية للفتيات حيث يشعرن بالجرح والعار نتيجة لتعرضهن للإخصاء بواسطة أمهاتهن. أي انه وجد الدليل على أن الإخصاء هو أساس اكتئاب ابنته وشعورها بالعار وخيالاتها عن الإثارة الذاتية العنيفة التي تشبه الإدمان وكذلك أحلام يقظتها. (انظر/ي: 1988 Young-Bruehl )، وخاصة فيما يتعلق بأشعار المراهقة والرسائل التي كتبتها أنّا فرويد عن اكتئابها وممارستها للعادة السرية والعار؛ وفي تحليلها المقنع إن أنا فرويد هي واحدة من الحالات التي يصفها فرويد في كتابه “إن طفلاً يتعرض للضرب” (1919 Freud )؛ واستنتاجه المقنع أيضًا أن مقال أنّا الأول “علاقة خيالات الضرب بحلم يقظة” (1923 A. Freud ) يستند إلى خبراتها الخاصة في الطفولة والمراهقة وكذلك في حياتها البالغة). كما وجد فرويد دليلاً على عدوانية الفتيات نحو أمهاتهن بسبب إخصائهن لهن في عدوانية هيلين دويتش (المبررة) نحو والدتها، وفي سادية ومازوخية حياتها العاطفية، وفي خبرات الألم التي كانت تستمتع بها.4
رغم الاختلاف الكبير بينهما، إلا أن أنّا فرويد وهيلين دويتش قد مررن بمعاناة شديدة بسبب آلام ومظالم الطفولة التي منحتهن أسبابًا وفيرة للشعور بالعدوانية نحو أمهاتهن، وللإعراض عنهن والميل للآباء الذين أسبغن عليهم صفة المثالية (لقد كن كثيرات الشبه في هذا الشأن بالمرأة “المثلية” التي نبذت آمالها على أساس أنها زائفة). ورغم اختلافهما إلا أن نظرية فرويد بشأن الألم نتيجة انعدام القضيب والشفاء من خلال العلاقة بالأب (قضيبه– الطفل) بدت لهن نظرية جديرة بالثقة. لقد عانت كل واحدة منهن من صدمات عميقة لشعورهن بالاعتزاز والثقة بالنفس بسبب نبذ أمهاتهن لهن، وسعت كل واحدة منهن إلى استجماع شتات نفسها والشفاء من جروحها واستعادة كبريائها من خلال اللجوء القصدي إلى الأب والى عالم من الخيال الشبقي، لجأن إليه لإثارة ودعم أنفسهن. طوال فترة مراهقتها كانت أنا فرويد تعاني من شعور شديد من النبذ والعار لأنها أغضبت “بابا” نتيجة لأنها لم تكن على درجة كافية من “الأنوثة” في نظره. كما أن دويتش في مراهقتها لم تجد راحة أو استجابة كافية من والدها لكي تعادل فظاعة عدوانية أمها الصريحة والمستمرة وشعورها بالنبذ وسوء المعاملة.
من حيث التفاصيل فإن نظرية الجرح والأذى التناسلي وتمني القضيب والعدوانية تجاه الأم (الأم القضيبية” والرغبة في الحصول على قضيب من الأب ما هي إلا نسخة جنسية من “الطفلة المضروبة” من قبل أمها، المجروحة والغاضبة، التي تحاول البحث عن شكل بديل من الاعتراف والتقدير من والدها. في النسخة الشبقية تسعى الطفلة، التي فقدت شعورها بالاعتبار (أو المرأة البالغة، حسبما يكون الحال) تسعى إلى الامتلاء، إلى “أن تخترق” (بضم التاء)، إذا شئتم، من خلال قوة وسلطة رجل مثالي بأن تلفظ “أهدافها القضيبية” و“موضوعها القضيبي” (موضوع الحب الأول، الأم)، وأن تمتلك الأب (وقضيبه/الطفل) من خلال السلبية والخضوع. إنها تحاول أن تستعيد شعورها المفقود بذاتها. إن إضفاء الصفة الشبقية على ألم النبذ في أحلام اليقظة التي تدور حول الضرب في حالة أنّا فرويد – الأحلام التي تلت تخيلها للضرب كوسيلة للإثارة الذاتية– تمدنا بالأفكار لفهم المتعة في الخضوع المازوخي. السيد القوي الذي يعذب “الشاب النبيل” حد الموت يلين حين يشاهد عظمة ضحيته ويرعاه حتى يعود إلى الحياة من جديد. إن خيالها يعكس الألم من خلال تخيل استعادة كبرياءها وشعورها بقيمة نفسها. إن مساهمات أنا فرويد التالية لم تكن بالأساس تركز على الجنسانية الأنثوية، مع استثناء واحد، هو على الأرجح وصف لنفسها، متمثل في وصفها الدقيق “للاستسلام الاستشهادي” في هدية عيد الميلاد البارعة التي كتبتها “لبابا“A. Freud 1946) ) (انظر/ي: (Young-Bruehl 1989 لتجد دليلاً مقنعًا على أن فهمها لمربيتها، التي ترنو لتقدير لم تحصل عليها، هو على الأرجح نتيجة تحليلها بواسطة فرويد (انظر أيضًا برهان يونج بروهل الذي يرجح أن مقال أنا الأول الذي كتبته عام ١٩٢٣ بمساعدة لو أندرياس سالومي Lo Andreas Salome) ) كان يستند إلى خيالها وأحلام يقظتها التي كانت تدور حول ممارستها للعادة السرية).
بدلاً من أن تصبح طرفًا في الجدال الدائر حول نظرية والدها عن الأنوثة، كرست أنّا فرويد نفسها لفهمها هو طبيعي ومرضي في تطور الأطفال (مثلها) الذين “يفقدون” (بفتح الياء) و“يفقدون” (بضم الياء). (إنها تعتبر نفسها “خاسرة“، دائمًا تشعر بالخجل، “تنظر إلى نفسها من خلال عيون الآخرين“، إنها الناسكة الوحيدة، إنها لا تمثل محورًا لأي دائرة“، “دائمًا تنظر إلى الآخرين بإعجاب” وتقلل من شأن نفسها). أما فيما يتعلق بحياتها الخاصة فإنها لم تعشها وفقًا لنظرية “بابا” عن الأنوثة، فقد رغبت في “مسار تطور آخر” يحقق الشعور بالإشباع وتحقيق الذات، لقد وجدت نفسها، كما وجدت مسارًا تطوريًا مثمرًا استمر طوال فترة حياتها، في ارتباطها الوثيق بدوروثي بورلينجهام Dorothy Burlingham) ) وأطفالها (عن هيكل أنا فرويد التعويضي، انظر/ي:1997, 7-14 Tolpin).
في مؤلفها الخيالي الذي كتبته أثناء فترة مراهقتها قامت هيلين دويتش بإضفاء طبيعة شبقية على ما تعرضت له من سوء المعاملة، ومن ثم استمدت المتعة من الألم الذي كتبت عنه في سردها الخيالي لحياتها. لقد اخترعت، في واقع الأمر، شكلاً بديلاً لرغبتها في تأكيد ذاتها في حياتها – يمكن القول إنها عكست صورة نفسها بنفسها من خلال الكتابة عن علاقتها المازوخية مع حبيب سادي من اختراعها. لقد وجدت في تحليل فرويد لعقدة إخصائها مصدرًا آخر للمتعة في الألم، ولقد بدأت من عند نفسها ثم عممت على جميع النساء في كتابها المكون من مجلدين، بل أنها احتفت بالمتعة في الألم كأعلى نقطة في التطور الطبيعي للأنثى. في أنشودتها التي تبجل المتعة الجنسية المستمدة من الشعور بالأذى، استمرت دويتش في الكتابة ثم إعادة الكتابة عن نفسها. بل أنها في اعتناقها لفرويد ونظريته تقدمت عنه خطوة: حيث طغت على فكرته بشأن ألم الإخصاء النفسي القاتل بنظريتها الخاصة بالمتعة الشبقية الأسمى المتمثلة في ألم الولادة.
لقد “أثبت” فرويد تفسيره للطرح، “بفضل… العديد من الزميلات الرائعات اللاتي دخلن إلى التحليل النفسي و(اللاتي) بدأن البحث في هذا الأمر” (ص116). من خلال “العمل التحليلي المفصل معهن” أدرك فرويد أنه النسخة الجديدة لطرح أمهاتهن في مرحلة ما قبل الأوديبية، وأنهن في مرحلة “سابقة على التاريخ” في علاقتهن مع “أمهن القضيبية” عشن مرحلة قضيبية طبيعية خاصة بهن وكانت لديهن أغراضًا قضيبية نحوها وأنهن، لدهشته، كن يكرهن أمهاتهن (ص۱۲۱)، ذلك “أنهن يعتبرنها مسئولة عن عدم امتلاكهن للقضيب؛ ولا يغفرن لها كونها وضعتهن بذلك في موقف ضعيف” (ص١٢٤). أما النساء اللاتي قام فرويد بتحليلهن، فقد تعلمن منه أن أمامهن مهمة ارتقائية مزدوجة إذا أردن أن يصبحن “أنثويات“: أن ينبذن أغراضهن القضيبية المستمرة وكذلك الأم “القضيبية” التي كانت بمثابة الموضوع لهن، كما أن عليهن أن يقبلن درجة أعلى من السلبية لكي يتحولن نحو أبيهن، أن يدخلن إلى المرحلة الأوديبية، وأن يحولن توقعاتهن من اكتساب قضيب منه إلى الرغبة في الحصول على طفل منه. “بهذه الطريقة تبقى الرغبة الذكورية القديمة في امتلاك قضيب خافتة من خلال الأنوثة التي حققنها” (ص۱۲۸). هنا أضاف فرويد أن:
الرغبة في الحصول على القضيب المرغوب فيه رغم كل شيء قد يساهم في تكوين الحوافز التي تدفع امرأة ناضجة إلى التحليل، وما قد تتوقعه بشكل معقول من التحليل –على سبيل المثال القدرة على القيام بمهنة فكرية قد يبدو في كثير من الأحيان وكأنه تعديل متسام لتلك الرغبة المكبوتة. (ص۱۲۳)
النساء اللاتي أكدن فكرة فرويد عما تعرضن له من “ظلم” “الإخصاء في المرحلة ما قبل الأوديبية “استحققن إطراءه بسبب تشكيلهن وتطويرهن لعلم نفس النساء على نهجه. لقد كان فرويد ساخرًا في رفضه لاعتراضات زميلاته، وكذلك بعض زملائه، الذين “أظهروا ميلاً نحو التشكك” في مصداقية عقدة الإخصاء (ص١٢٥). هؤلاء النساء، ومعهن لو أندريه سالومي والأميرة ماري بونابرت (التي يشير إليها فرويد بأميرتي) كن جزءا من “جموع الزملاء المتحمسين” (1925b, 249 Freud ) الذين أحاطوا بفرويد وبنظريته في الثلاثينات، حين كان الحفاظ على تماسك التخصص أكثر أهمية من استمرار الجدال حول النظرية (أنظر/ي مناقشة فليجل الثاقبة بشأن الحاجة إلى تماسك لب المجموعة كدافع محفز وراء قبول نظرية أخرى من نظريات فرويد “بعيدة الاحتمال“: 1973, 405, 406-407 Fliegel ). وقد وافقت “الفرقة الشابة” على ذلك: فالتحليل النفسي مجال شاب لم يتأسس بالدرجة الكافية، كما أن فرويد كان متقدمًا في السن مما يصعب الاستمرار في الجدال الانقسامي الذي أثارته النظرية – كذلك تم “نسیان” اعتراضات كارين هورني عالية الصوت (لقد خص فرويد كارين هورني بالنقد في كتابه “الجنسانية الأنثوية” ۱۹۳۱؛ كما انتقد كلاين، وإن كان لأسباب مختلفة تمامًا). إن فكرة فرويد الأساسية، بأن إخصاء الفتيات في مرحلة ما قبل الأوديبية، والذي هو “حقيقة مثبتة” في اللاوعي، هو العقدة المركزية في صيرورة تطور الفتيات وتناقضات الأنوثة، تحولت من فكرة إلى “النظرية الرسمية” للتحليل النفسي.
لقد أحبط فرويد بداية بسبب “فكرته الخاطئة” عن الإغواء والهستيريا، ثم مرة ثانية برفض دورا له ولنظريته الانتقالية. وحيث أن فرويد كان مقتنعًا بأنه سوف يحبط مرة أخرى أيضًا بواسطة المرأة الشابة التي اعتبر أن أحلامها المشحونة بالأمل هي أحلام “منافقة“، فقد تخلى عن جهوده من أجل سبر أغوار “التبعات النفسية” للتكوين التشريحي الأنثوي – لكونهن فتيات يكبرن ليصبحن نساء. وبدلاً من ذلك أسرع في تثبيت أسس التحليل النفسي قبل الانتهاء من عمله التحليلي وقام بطرح “حدسه” بشأن “تمني القضيب” ومن ثم راح يبحث له عن دليل إكلينيكي. إنه مما يدعو إلى السخرية أن يكون فرويد شخصيًا مسئولاً عن التحول الذي هيمن على المرحلة الأخيرة من التحليل النفسي: التحول من مركزية نظريته الأوديبية المتمحورة حول الأب – العلامة المسجلة للتحليل النفسي – إلى نظريات اليوم المتكاثرة باطراد والتي تتمحور حول الأم في مراحل ارتقاء ما قبل الأوديبية. أما “الدليل” الذي احتاجه لتحويل “الحدس” إلى نظرية جديدة حول النساء، فقد نبع من تحليله لنساء يطمحن إلى أن يصبحن هن أنفسهن محللات، وكذلك من نساء (ورجال) من بين طلابه وأصدقائه ومساعديه. (أنّا فرويد وهيلين دويتش ولامبل دو جروت وروث ماك برونزويك، جميعهن طمحن لأن يصبحن محللات، وكن يتدربن مع فرويد على التحليل منذ عام 1918. وقد كانت “أميرتي” ماريا بونابارت ولو أندرياس سالومي وكارل أبراهام من أبرز طلاب فروید الذين ساهموا في تطوير نظرية الإخصاء.)
تلخيصًا لما سبق، فإن بعضًا من النساء اللاتي قام فرويد بتحليلهن واللاتي طمحن إلى أن يصبحن محللات قد أضفين صفة المثالية عليه، كما على آخر ما توصل إليه من نظريات. لقد دعمنه بلا شروط في الوقت الذي كن يتصارعن فيه مع احتياجهن الشديد للدعم– نتيجة لجروح طفولتهن التي فسرها فرويد بغياب القضيب– في شكل اكتئاب وميول سادية مازوخية وفقدان لتقدير الذات (وللتمييز بين الطرح في حالات الصحة والمرضية، انظر/ي: 1997, 2002 Tolpin ). إن نظريته بشأن طبيعة تطورهن في الطفولة، التي قبلتها منه كل من هيلين دويتش ولامبل دو جروت وروث ماك برونزويك، بل وأضفن عليها، كانت في جوهرها نسخة مجنسنة من شعور الفتاة بالرفض والجرح النرجسي الشديد الذي أصابها على يد الأم، ومحاولاتها الفرار من “الانعكاس” السلبي والمحط من الذات لصورة الأم بمساعدة عالمها الخيالي الشبقي المنشغل بالجرح والظلم والإصلاح والترميم؛ وكذلك الآمال المنعقدة على اللجوء إلى الأب في صورته المثالية بحثًا عن الدعم مما قد يمدها بمصدر للطاقة القدرة يعنيها على الحياة ويصلح من تقديرها لذاتها. إن نساء مثل دويتش قد “اخترقن” و“امتلان” (بالمعنى المجازي للكلمة) بفرويد وأغراضه وأهدافه. وبالمعنى المجازي للكلمة أيضًا فقد استنشقن واستبطن نظريته بشأن تطورهن الطويل في مرحلة ما قبل الأوديبية بما في ذلك “إخصائهن” وتبعاته – التخلي عن الطموحات والبواعث القضيبية للأربع سنوات الأولى من الحياة والتعويض عن ذلك من خلال الأب الأوديبي وقضيبه–الطفل. حين قامت هؤلاء النساء باعتناق نظرية فرويد، أصبحت نظريته، التي أضفين عليها صفة المثالية، ومع كل ما اعتراها من “عدم دقة“، إضافة إلى بواعثه –المثالية أيضًا– من أجل إثبات نفسه، أصبحت وكأنها نظريتهن الخاصة. لقد كان تطوير نظرية فرويد عن النساء والبناء عليها بمثابة المحور الذي انتظمن من حوله، والطريق الذي سلكنه لتحقيق هدفهن في أن يبنين لأنفسهن مستقبلاً واعدًا في التحليل النفسي.5
ما زال هناك الكثير الذي يمكن أن يقال بشأن التأثير الخطير للحسم غير المدعوم بالدليل وإضفاء صفة المثالية بدون تشكك، والشعور بالحاجة إلى تماسك الجماعة على تكوين نظريات التحليل النفسي. كذلك هناك الكثير مما يمكن أن يقال حول التوتر الكائن بين البواعث المثالية للمحللين النفسيين بأن لا “يتسببون في الأذى” وبين التوسع في مجال علم النفس المتعمق والكفاءة الإكلينيكية. مع ذلك، قد يكون من الكافي في الوقت الحالي أن نقول إن ذلك المنظور التاريخي لجهود التحليل النفسي في فهم النساء وتطورهن وجنوستهن يمكن أن يخدم المجال من حيث يطرح نموذجًا للنظريات “غير الدقيقة” ودورها في الحفاظ على تماسك الجماعة. إن نظرية عقدة الإخصاء لدى الإناث تشير إلى ضرورة أن يتعامل المجال برفق مع ما هو نظري وأن يبني في اتجاه أشكال البحث الأقل حسمًا والأكثر رغبة في الاكتشاف والبحث وكذلك الأكثر تشككًا، وذلك للاحتفاظ بحماس الجماعة لمزيد من الاكتشاف في التحليل النفسي.
*Marian Tolpin, “In Search of Theory: Freud, Dora, and Women Analysts”. The Annual of Psychoanalysis: Psychoanalysis and Women, ed. Jerome A. Winer, James William Anderson, and Christine C. Kieffer, Vol. XXXII, 169-184.
1. من ناحية لم يدرج فرويد البظر في عرضه لحالة دورا Freud 1905a) ) ومناقشته لتمثل الأعضاء التناسلية الأنثوية في اللاوعي؛ من ناحية أخرى كان هذا الفرويد نفسه واضحًا بشأن وظيفة ومهمة البظر في الإثارة والانتباه والنشوة الجنسية الأنثوية(Freud 1905b). أعتقد ان هذا التناقش يوضح الصعوبات في تكوين النظرية حين كان فرويد يسعى جاهدًا لفهم دورا إكلينيكيًا، آملاً في أن يستبدل فرضية الإغواء غير المرضي بها.
2. فيما يتعلق بالصورة المجازية التي استخدمها بشأن “فتح الباب” يعلق فرويد( Freud 1900) إن ذلك المفتاح والقضيب لهما نفس المعنى ـ فكلاهما يفتح الباب “لشقة” المرأة. قالت دورا لفرويد إن مفتاح حجرة نومها الذي أرادت أن تستخدمه لتمنع السيد ك. من الدخول كان مفقودًا. ويفسر فرويد أن “الحجرة” في الأحلام كثيرًا ما ترمز إلى “المرأة” أو بمعنى أدق “شقة المرأة” (وهو مصطلح مهين بعض الشيء للنساء وأعضائهن التناسلية). لكي تكتسب هذه المحاولة طابعًا عليمًا، نجد فرويد واضحًا بشأن تفسيراته الجنسية الخاصة حين يشير إلى القضيب باعتباره مفتاح الجماع. “أن كون المرأة “مفتوحة” أو “مغلقة” لا يمكن أن يكون أمرًا غير ذي أهمية. كمـا أنـه مـن المعروف أي نوع من “المفاتيح” يؤدي إلى الفتح في مثل هذه الحالة” (ص67).
3 – الاضطرابات التي تذكرها كل من أنا فرويد وهيلين دويتش لا تنسجم مع التعليق العابر لكارل أبراهام حول “الاكتئاب الأولي” (1924, 469-470 Karl Abraham ) كان ذلك المقال أساسًا لنظريات لاحقة. وفي تفسير لاحق، مبني على تطور في البصيرة الإكلينيكية، يصف أبراهام اكتئاب الطفولة “الأولي” بأنه ينبع من خيبة أمل شديدة ومزدوجة: بداية يشعر الطفل بخيبة أمل في أمه ثم يلجأ إلى والده كبديل لها فيخيب أمله فيه مرة أخرى.
4 – كانت والدة هيلين دويتش تكرهها وكانت تسيء معاملتها جسديًا ونفسيًا. وكانت لديها الشجاعة والقدرة على محاولة إنقاذ نفسها من أمها السادية واللجوء إلى أبيها (وكانت تلقى معاملة حنونة أيضا من اختها الكبرى). رغم أن أباها لم يحمها من سادية أمها إلا أنها كانت تستمثله استمثال سوف تكرره في طرحها الراضي على فرويد، وتتمسك بذلك الاستمثال حتى بعد توقفه عن تحليلها ليخلي مكانًا لمريضة ثانية). كانت هيلين دويتش في مراهقتها تحتاج إلى سند يفوق ما تمكنت من الحصول عليـه مـن الاستمثال فلجأت إلـى آليـة دفاعية بائسة، وصفتها لاحقًا في كتاباتهـا Pseudologia Fantastica) )، وهو شكل شبه ضلالي من تعظيم الذات. لقد اخترعت لنفسها حبيبًا وهميًا و“ألفت” رواية تفصيلية ويومية لعلاقتهما السادية المازوخية في مذكراتها التي ظلت تدونها طوال فترة دراستها الثانوية. وكانت رواية دويتش تلك مقنعة بالدرجة التي جعلت كل من يعرفها يعتقد في صدق علاقتها ووجود حبيبها. أي أنهم شاركوها وكانوا بمثابة مرأة “لواقعها” الخيالي. بعد التحليل والزواج عاشت دويتش علاقة حقيقية وطويلة مع حبيب ذي شخصية أخاذة، ألهم شغفها الاجتماعي (وعدها بأن يترك زوجته، الأمر الذي لم يحدث أبدًا). إن صراعات دويتش ذاتها والقرارات التي اتخذتها بالاشتراك مع محلليها الاثنين (أرسلها فرويد إلى أبراهام) ساعدتها في إثراء كتاباتها فيما بعد (المعلومات ذات الصلة بسيرتها الذاتية مأخوذة عـن أندرسون: Anderson 2003).
5 – من المهم أن نؤكد على أن استمثال النساء المحللات لفرويد ومشكلاتهن الشخصية في مجالات الأنوثة والجنوسة ليست سببًا كافيًا سواء لدعمهن أو رفضهن لنظرية فرويد. لقد كانت كارين هورني تستمثل التحليل النفسي وفرويد ومحللها، كارل أبراهام، الذي مدحه فرويد بسبب وصفه الذي ليس له مثيل لعقدة الإخصاء (Freud 1931, 241 ). لقد قبلت هورني بل وحاولت ان تستخدم تفسيرات أبراهام، حتى أنها رفضت الاستمناء البظري كشرط للوصول إلى النضج الانثوي. لقد جعلتها تلك التفسيرات في هذا الصدد تشعر بالخجل (انظر/ي رسالتها غير المنشورة، ص163، المذكورة في: Quinn 1988, 34-36)، لأنها لم تساعدها في صراعها ضد الاكتئاب والشعور بالإجهاد المتكرر الذي أرجعه أبراهام إلى ممارستها للاستمناء. رغم أن هورني رأت في د. ألف مصدرًا هامًا للتأكيد الذي كانت ترنو اليه (على سبيل المثال، رغبتها في أن تكون في مركز اهتمامه، انظر/ي:1980, 245 Horney)، إلا أنها بدأت من جديد تشعر بخيبة الأمل أثناء تحليلها. لقد استمرت في عدم اخلاصها وانحرافها واكتئابها وكانت عدم قدرتها على الكتابة خلال نوبات اكتئابها المتكررة مصدرًا لقلقها الشديد. مع ذلك لم تؤد خيبة أملها إلى أن تصبح “متمردة“. لقد استمر حماسها للعمل التحليلي بعد الانتهاء من تحليلها1988, 168) Quinn). وبحلول عام ۱۹۱۲ أصبحت هورني طرف متحمس في حلقة ابراهام الدراسية. كما أنها لم تكن وحدها بعد ذلك بأكثر من عقد حين طرحت أن تمني القضيب ليس أساسيًا في التطور الطبيعي للأنثى والجنوسة الأنثوية (1926 Horney). (انظر/ي نقد فرويد 1931, 243 Freud، ورفضه لاعتراضها البسيط. كذلك عبر أتباع فرويد المخلصين إرنست جونز وأوتو فينيكل عن نقد شبيه لنظرية فرويد. بمعنى آخر، لا يمكن التغاضـي عـن اعتراضـات هؤلاء المنتسبين بشدة للتحليل النفسي أو اعتبارهـا نتيجـة لاضطرابات في شخصيتهما أو للنسوية أو خيبة الأمل في فرويد. لا شك أن استقلالية أفكـار هورني لعبت دورًا في تشكيل فكرها، فهي مثلها مثل دورا قد أصرت في النهاية على فهم واقعها النفسي ذاته وواقع مريضاتها.
Abraham, K. (1924). A Short History of the Development of the Libido. Selected Papers. London: Hogarth Press, 1927.
Anderson, J. (2003). The Making of Helene Deutsch, The Author of The Psychology of Women. Unpublished manuscript. Presented at Conference of Women Who Shaped Psychoanalysis, February, Chicago. Erikson, E.H. (1962). Reality and Actuality. J. Amer. Psychoanal. Assn., 10: 451- 474.
Fliegel, Z.O. (1973). Feminine Psychosexual Development in Freudian Theory. Psychoanal. Quart., 42:385-409.
Freud, A. (1923). The Relation of Beating Fantasies to a Day Dream. Internat. J. Psycho-Anal., 4:89-102.
…..(1946). The Ego and the Mechanisms of Defense. New York: International Universities Press.
Freud, S. (1900). Letter to Wilhelm Fliess, October 14, 1900. The Origins of Psychoanalysis. New York: Basic Books, 1954.
….. (1905a). Fragment of an Analysis of a Case of Hysteria. Standard Edition, 7:7- 122. London: Hogarth Press, 1953.
….. (1905b). Three Essays on the Theory of Sexuality. Standard Edition, 7:130-243. London: Hogarth Press, 1953.
…… (1914). On the History of the Psychoanalytic Movement. Standard Edition, 14:7-66. London: Hogarth Press, 1957.
….. (1916). Some Character Types Met With in Psycho-Analytic Work. Standard Edition, 14:311-333. London: Hogarth Press, 1957.
…… (1919). “A Child is Being Beaten”: a Contribution to the Study of the Origins of Sexual Perversions. Standard Edition, 17: 179-204. London: Hogarth Press, 1955.
…… (1920). The Psychogenesis of a Case of Homosexuality in a Woman. Standard Edition, 18:145-172. London Hogarth Press, 1955.
….. (1925a). An Autobiographical Study. Standard Edition, 20:7-74. London: Hogarth Press, 1959.
….. (1925b). Some Psychical Consequences of the Anatomical Distinction between the Sexes. Standard Edition, 19: 248-258, London: Hogarth Press, 1961.
Freud, S. (1931). Female Sexuality. Standard Edition, 21:225-243. London: Hogarth Press, 1961.
….. (1933). New Introductory Lectures on Psychoanalysis: Femininity. Standard Edition, 22:112-135. London Hogarth Press, 1955.
Glover, E. (1955). The Technique of Psycho-Analysis. New York: International Universities Press.
Horney, K. (1926). The Flight from Womanhood. Feminine Psychology, ed. H. Kelman. New York: Norton, 1967.
…..(1980). The Adolescent Diaries of Karen Horney. New York: Basic Books.
Marcus, S. (1990). In Dora’s Case: Freud Hysteria-Feminism (2nd ed.). ed. C. Berheimer & C. Kahane. New York: Columbia University Press.
Quinn, S. (1988). A Mind of Her Own: The Life of Karen Horney. New York: Addison-Wesley.
Tolpin, M. (1997). Compensatory Structures: Paths to the Restoration of the Self. Conversations in Self Psychology: Progress in Self Psychology, Vol. 3. Hallisdale, NJ: the Analytic Press, pp. 3-19.
….. (2002). Doing Psychoanalysis of Normal Development: Forward Edge Transferences. Postmodern Self Psychology: Progress in Self Psychology, Vol. 18, ed. A. Goldberg. Hillsdale, NJ: The Analytic Press, pp. 167-190.
Young-Bruehl, E. (1988). Anna Freud: A Biography. New York: Summit Books.