عودة إلى لغز الجنس

تاريخ النشر:

2016

اعداد بواسطة:

عودة إلى لغز الجنس:

نظرة بين شخصية الرجولة والأنوثة*

في هذا الفصل استهدف أن أوضح التبعات المترتبة على طريق طرح وحل فرويد (1933a Freud) “لمعضلة طبيعة الأنوثةبالنسبة لنظرتنا إلى كل من الجنوسة والجندر. إنني أبحث في كيف أن مشكلة الفائضتولد انفصامًا بين الإيجابية والسلبية والتي اعتبرها فرويد نقاطًا محورية رغم كل تحذيراته من مساواتهما مع مواقع الجندر. هنا أتابع بعض أفكاري (Benjamin, 1988, 1995, 1996) لكيفية أن تكامل الجندر هو نتيجة للانفصام. سوف أوضح كيف أنه بإمكاننا قراءة تفسير فرويد للأنوثة باعتباره تحولاً في اتجاه موقف سلبي في علاقته بالأب كتعبير عن الموقف الأوديبي للصبي. هذه النظرة للأنوثة تعبر عن الاحتياج الأوديبي للصبي بأن يخلق موضوعًا اسقاطيًا قادر على احتواء الإثارة وشغل محل السلبية.

تعبر هذه النظرة للأنوثة عن احتياج الصبي الأوديبي لأن يخلق عن طريق الإسقاط موضوعًا يمكن أن يحتوي إثارته وأن يكون بالتالي مكمن السلبية. يكشف هذا الإسقاط، خاصة على شخص الابنة، عن كيفية تحول فرويد عن كتاباته الأولى عن البنات الهستيريات في علاقتهن بالأب الذي يسيء معاملتهم أو يكثر من التدخل في شئونهن، إلى كتابات لاحقة يصف فيها الأهداف السلبية في علاقتها بالأب باعتبارها لب الأنوثة.

سوف أتفق مع أن الأنوثة ليست شيئًاسابق الوجود أو جوهريًامرفوضًا من قبل النفس الذكورية، بل هي تتشكل بواسطته. حيث يساعد موقف الابنة، حين تقوم بدور الوعاء، في تشكيل ذات ذكورية تشعر بتهديد جراء الفقد الأوديبي أو الإقصاء أو فرط الإثارة. يمكننا القول إن موقف الابنة يحمل بشكل ما معنى مزدوجًا في حل مشكلة السلبية الجنسية كما نجدها مطروحة لدى فرويد، وبالتالي منعكسة في النفس الذكورية. قد تكون هذه طريقة أخرى لتوضيح كيف أنه من المستحيل الحديث عن الأنوثة باعتبارها شيءمنفصل عن الذكورة، حيث أن الاثنين تكوينان ينشآن في نفس اللحظة ولنفس الغرض. أخيرًا، أختم هذا الفصل باقتراح تناول محتمل آخر لمفهوم السلبية في اقتصاد الذاتية المشتركة يعتمد على العمل من خلال خبرات الفائض بدلاً من رفضها.

الفرضية التي تستند إليها حجتي هي أن السلبية في حد ذاتها ليست غير محتملة، بل على العكس تمامًا. إنها في كثير من الأحيان ممتعة، لكنها تصبح كذلك حين تعجز عن تنظيم نفسها بسبب ضعف استجابات الآخر تلك الاستجابات التي تتخذ أشكالاً مثل الاحتضان والاحتواء والعقلنة. هذا العجز الذي يبدأ بالذاتية المشتركة يولد خبرة الفائض. ما أقصده بالفائض هو بداية الشعور بدرجة أكبر من التوتر بحيث لا يصبح ممتعًا أو حتى يصبح غير محتمل، خاصة في التكوين النفسي غير الناضج. أحد أهداف هذا النقاش يكمن في إعادة النظر في خبرة السلبية بهدف إلقاء الضوء على حلول الذاتية المشتركة لمشكلة الفائض التي لم تلق تناولاً كافيًا.

 

تصور فرويد عن المتعة الجنسية والألم ركز على كيفية محاولاتنا التحكم في التوتر. لقد تخيل اقتصادًا فرديًا أحاديًا، حيث يعرف الألم بأنه درجة أعلى من اللازم من التوتر. لكن ما الذي يحدد ما هو زائد عن اللازم؟ من منظور الذاتية المشتركة، تحدث المتعة والألم في علاقة بين شخصين. إنها خبرات نفسية ذات علاقة بكيفية استقبالنا لردود فعل الآخر واستقبال الآخر لنا. يرتبط الألم النفسي من منظور الذاتية المشتركة بالفشل في الاعتراف به وتنظيمه وبفرط الانتباه الذي ينجم عن ردود فعل غير ملائمة أو صادمة، إضافة إلى غياب العقلنة (Fonagy& Target, 1996 ). ركز ايجن (1993 ( Eigen, في طرحه الموازي لطرحي على إغراق النفسي في رد فعلها على إثارة الآخرين.

بدون الآخر الخارجي لا تستطيع الذات العاجزة أصلاً أن تتعامل مع التوتر الداخلي أو الإثارة الخارجية. ودون احتواء الأم للألم والإثارة لا يستطيع الطفل تنظيم ذاته. لكنها عملية ذات اتجاهين: ذلك أن التنظيم الذاتي للانتباه والمشاعر وعملية التنظيم المتبادل تعتمد إحداهما على الأخرى(.(Beebe and Lachmann, 2002وبالتالي فإن حالة التوتر الداخلي للفرد ترتبط بشدة بدرجة توتر الذاتية المشتركة في التعارف المتبادل بين الذات والآخر. هذه الاعتراف لا يقتصر على تفاعلات المتعة فحسب وإنما يشمل أيضًا التفاعلات المحملة بالمعنى التي تحكم الوجدان إضافة إلى إضفاء المعنى على احتياجات ونوايا وأفعال الذات. وفي رأيي أن الفضل في تنظيم التوتر الفائض – يؤدي بشكل عام إلى الفشل في استقبال الاعتراف والتقدير. ساهست دراسات لابلانش في تشكل الجدال المعاصر خول قضية الفائض من خلال التأكيد على تأثير فرط الاثارة والحضور الغامض على السلوك الجنسي للبالغين وذلك في مقالة الرسالة الغامضة” ( 1987, 1992, 1995 Laplanche ). مع ذلك أود أن استكمل طرح لابلانش بمنظور الذاتية المشتركة عن الجنوسة الذي يتناول كيفية حدوث الفائض نتيجة سوء تقدير محدد وهيكلي. أي عن غياب تقدير مباشر لخبرات الطفل الجنسية (Davies, 2001 ) إضافة إلى فرط الإثارة والغموض العام لدى لابلانش.

بحسب إعادة تأطير لابلانش لمقاربة الإغراء، دائمًا ما يبدأ فائض الجنسانية بتواصل في اللاوعي مع آخر يمثله جنسانية الأهل التي لم يستوعبها الطفل بعد. ويطرح لابلانش أن فرويد كان مجردًا للغاية في اعتقاده أن الاغراء لابد وان يكون اما حقيقيًا أو متخيلاً، وتجاهل إمكانية أن يكون ضمنيًاأي منقولاً عبر شعور أو اثارة دون اغراء بالمعنى الحرفي للكلمة. وتشير أعمال لابلانش إلى أن الرسالة المبهمة أساسية في تشكل لأوعي الطفل. الجنسانية غامضة بطبيعتها ذلك لأن الطفل لا يستطيع أن يفهم ما يريده البالغ منه. وقد أسهب شتاين (Stein, 1998 ) في كيف أن الرسالة المبهمة تولد الإثارة الجنسية وكيف أن الفائض ينقلنا عبر التمثيل إلى خبرة الآخر والغموض.

إن القراءات للرسالة المبهمة هنا تختلف بعض الشئ عن قراءة شتاين لأنني أود أن أميز بدقة أكثر بين الآخر الغامض والآخر المحير: في الجانب المحير منه يظهر التوتر الوجداني الذي تعثر فهنه أو تمثيله أو ربطه بخبرة حوارية يظهر في مرحلة لاحقة كما لو صادرًا عن الذات، كما لو كان خيال فرد واحد (وجود حقيقي). لذلك يمكن تحليل وضع السلبية باعتباره نتيجة علاقة معينة مع آخر وليس موقفًا غريزيًا داخليا.

على سبيل المثال، إيزابل، ابنة تعلمت أن تكون وعاء لوالتها، وتتحدث عن الطبيعة المفرطة لاستثارة والدتها وهي ترقص حول الغرفة في حين تتدرب ابنتها على عزف البيانو. هذه الرسالة بشأن الحالة الداخلية لوالدتها والتي عادت إلى الظهور في مخيلات إیزابل عن نفسها، جعلت رغباتها هي ذاتها أكثر إرباكًا – هل كانت تلك رغباتها أم رغبات والدتها؟ هذه التقلبات في الإثارة والقدرة على احتواء الانتباه يرتبطان بشكل معقد مع الجوانب الواعية وغير الواعية للتواصل مع الآخر المحدد. هذا الجانب العلاقاتي، كما يشير شتاين، غائب في مقاربة لابلانش عن جنوسة الأهل باعتباره الآخر العام“.

في العقود الأخيرة طور التحليل النفسي فهمًا أكثر ثراء للخبرات المحددة بين الذات والآخر. منذ صدر كتابات شتولر (1975, 1980 Stoller ) وماكدوجال (1989, 1995 McDougall ) الكاشفة أصبحنا ندرك كيف يمكن استخدام الخيال الجنسي للتعبير عن الفقدان والألم، والرغبات في الإنصاف والانتقام، والمخاوف من التفتت والتدمير. لقد وسعت تلك الأعمال من إدراكنا أن الطبيعة الحاسمة لما هو جنسي يمكن تفسيرها بفداحة الفقدان وليس نتيجة التأثير الجامح للدوافع.

أصبحنا الآن نبحث في دور الوظائف الجنسية في احتواء خبرات تفتقد إلى التمثيل والعقلنة مع آخرين ذوي شأن، أو كيف يمكن مساواة التلامس الجسدي مجازيًا في الخيال بالدخول إلى عقل الآخر، وخبرة أن نكون محل تقدير أو احتواء، محل اختراق أو استبعاد. أصبحنا نتأمل في تدرج الرغبة في الوصول إلى الآخر، في اليأس المحبط في الانتماء مصحوبًا بالحاجة الشديدة إلى التفريغ، في أشكال التصريف المختلفة لرغبة أن نَخترِق أو نُخترَق: من الرغبة في أن نحتوي في أمان إلى الرغبة في أن نقتحم بقوة؛ من الرغبة في أن نعرَف إلى الرغبة في أن ننفتح. يمكننا أن نعتبر الجنسانية وسيلة تعبير عن الحاجة إلى الدخول فيك، أو دخولك في؛ وعلى العكس يمكننا الاعتقاد أن خبرة الإثارة تولد أو تكثف الحاجة إلى الولوج، بمعنى ساعدني على احتواء هذا التوتر؛ دعني أضع هذا التوتر بداخلك.” ومن ثم لدينا قاموس كامل من الخبرات التي تشمل الأسباب والنتائج للإثارة الجنسية التي لم يتم احتوائها والانتباه الذي لم تتم إدارته، حيث ننظر إلى الجنسانية باعتبارها دافعًا أحيانًا ووسيلة تعبير في أحيان أخرى.

في نفس الاتجاه اقترح شتاين (۱۹۹۸) أن نبحث عن جنسانية ملائمة لأن تكون أحد أقوى المبادلات في التبادل الذهني بين المستويات والمضامين المختلفة” (ص 54). ويعمل المحللون الآن في كلا الاتجاهين، ليس فقط في اكتشاف الموضوعات والدوافع الجنسية وراء ما هو غير جنسي” (ص٢٥٤) وإنما أيضًا بحثًا عن دوافع أخرى ضمن ما هو جنسي.

بالتالي فإن تقديم اعتبارات المشاركة الذاتية لا يلغي فكرة المنظور النفسي الداخلي: فكلاهما ذو قيمة بالتبادل. إلا أن إضافة المشاركة الذاتية يزيل الحدود الخاصة بالنفسي الداخلي. فالوجدان الخام الذي لم يتم التعامل معه يمكن، في غياب آخر قادر على تحويله وتنظيمه، أن يعالج في النفس الداخلية من خلال أشكال من الإثارة الجنسية، المنفصلة بدرجة أو بأخرى عن الخبرة الوجدانية. كذلك يمكن إعادة معالجة وترجمة الفشل في الاحتواء الوجداني في توتر جنسي – قد يعكس وقد لا يعكس الانتقال الشخصي لبعض المضمون الجنسي في اللاوعي. يقول شتاين يبدو أن المخلوق الإنساني لديه القدرة على استخدام الجنسنة في التعامل مع الفائضبمعني آخر، الجنسنة مقدرة، انجاز إيجابي…” (ص٢٦٦). من هذا المنظور يخدم الخيال الجنسي احتياجات الإنسان في الابداع والتعبير. وكثيرًا ما تحل محل الآخر الخارجي؛ بل تصبح الآخر الداخلي. قد نتساءل إلى أي درجة تخدم الجنسانية هذه الوظيفة على وجه الدقة، حيث أن جنسانية الطفل، بحسب ديفيس (Davies, 2001)، الكامنة في ذكريات إجرائية عن الأمان الشخصي والاحتواء، تظل إلى حد كبير في عوالم مبهمة وفي كثير من الأحوال عوالم منفصلة.. دون معالجة أو تفسير” (ص٧٦٤).

إذا كانت الجنسانية توفر ملاذًا بديلاً لمعالجة التوتر وإدارة الفائض، فإنها، حين تعمل في غياب الآخر الخارجي، لا تقدر على انجاز ذلك سوى بقدر ولو قليل من انقسام الذات. بشكل عام، عن طريق انفصام العقل عن الجسد، يمكن للذات أن تلعب دورين، حيث الجسد هو الوعاء الذي يحتوي الخبرة التي لا يقدر العقل على التعامل معها رمزيًا. يمكن توظيف الجسد باعتباره جزءًا بديلاً من الذات لاحتواء وتفريغ التوتر الناجم عن الخبرة مع الآخرين ذوي الشأن. الوجدان المؤلم والإثارة الجامحة المتروكان دون تمثيل أو معالجة في حوار التواصل يمكن أن يمثلا في الخيال الجنسي ومن ثم يتم تفريغهما جسديا.

بهذا المعنى، استخدمت إيزابل، التي ذكرتها للتو والتي ورد ذكرها في أماكن أخرى (1995 Benjamin)، استخدمت أفعالاً وخيالات يائسة لتحقيق الإثارة الذاتية بداية من الطفولة المبكرة للتعامل مع الرسالة الغامضةالتي كانت تصلها من والدتها.

أرسلت إيزابل للتحليل النفسي بواسطة طبيب كانت لجأت اليه لأنها كانت تخشى أن تكون ممارساتها الجنسية – إيلاج أشياء صلبة داخلها – قد أضرت بمهبلها. كانت تشعر بأن والدتها مفرطة الإثارة وأنها تبث درجة عالية من الإثارة والقلق وتستخدم إيزابل كوعاء لاحتواء فائضها. في البداية كانت إیزابل تقول إنها تتمني لو كنت أكثر تحفيزًا لها وكانت تشكو من أنها لا تفهم لماذا لا أعطها توجيهات. في إحدى الجلسات تمنت لو أنني قلت شيئًا واحدًا يدل على فهميأو أن أكون مثل الطبيب المعالج الذي حولها والذي كانت تعليقاته ثاقبة للغاية.. وعميقة.. وتضرب على العصب.” هدأ توترها بعض الشيء حين عبرت لها عن خوفها من أن لا أكون بالقوة الكافية لاقتحامها والتعامل مع جنوستها، من أن تغلبني جنوستها.

في واقع الأمر شعرت إيزابل بأنها لن تكون في أمان إلا إذا اخترقتها وشكلتها بذهني، محتوية التوتر الذي سيطر على ذهنها. لكن رغم أنها عبرت عن ذلك بما يفيد اختراقها، بدا لي أنها في حاجة لأن تحتضن وأن آخذها إلى داخل ذهني بنفس درجة احتياجها إلى الإيلاج. قدرتي على التواصل مع هذا الاحتياج جاءت متأثرة بمقارناتها وإحباطها نتيجة شفافية رغبتها في الاعتراف بها من قبلي، وهي الرغبة التي كنت مستعدة للتعرف عليها.

في الجلسة التالية بدأت في وصف ممارساتها في الإثارة الجنسية الذاتية التي اتخذت شكلاً قهريًا والتي بدأت في طفولتها المبكرة. ومع تقدمها في السن شعرت أنها تقمصت دور والدتها في خيالها الجنسي، مدرجة توبيخ والدتها ضمن خبراتها الجنسية. تقول إنها حاولت الحديث مع والدتها لكن حين كنت أنفتح أمامها كانت تهاجمني، فأشعر بالذنب، كما لو أنني تسببت في ذلك لأنني رغبت في أن أتحدث معها.. حين كنت أنفتح أكثر من اللازم، كانت تهاجمني. قد أكون تقمصت دور والدتي وهي تدفعني بعيدًا. في الحقيقة حين كنت أمارس العادة السرية، وحتى الآن، لكن أقصد حينها، يأتيني صوت السلطة ليقول لي أنه يجب أن أفعل ذلك، ثم أصل إلى حالة النشوة: “سوف تفعلين ذلك“.. كنت مثل السيد والعبدهناك شق عميق بين الجانبين، صوت قوي لا يوصف له السيطرة الكاملة مقابل آخر لم تتجاوز قدرته أنه يريد. لم أتمكن من الانفتاح سوى أمام صوتي الداخلي. لم أتمكن من ذلك مع أي شخص آخر. وأنتِ في معسكر واحد مع هذا الآخر.”

تصف ايزابل في الواقع كيف أنها خلقت انفصامًا تكامليًا بين العقل والجسد في داخلها: حيث الفاعل الإيجابي متحالف مع العقل المراقب والجسد السلبي يحتوي حالة الإثارة، ما يؤدي إلى ذوبان الذات. السيد الإيجابي بلا جسد والذات المجسدة تخدمه أو تستسلم له. كل ذلك تحت هيمنة ذهنها الذي لا يجسر على السماح بدخول الآخر. الآخر خطر، يستبعدها (كما كانت والدتها تفعل حين ولد شقيقها) وفي نفس الوقت يتدخل بعنف (مثلما كانت هي، إیزابل، ترغب في غضبها من الاستبعاد). في غياب تنظيم المشاركة الذاتية بواسطة الآخر، تحول الجسد الجنسي المثار إلى وعاء جانبي للألم غير الممثل والعدوان: سواء كان عدوان والدتها أو عدوانها – إضافة إلى الغضب العارم الذي شعرت بها في مراهقتها المبكرة والذي كانت ممنوعة من توجيهه ضد والدتها. فقط بعد هذا الاعتراف بحالات قلقها الداخلي تمكنت إيزابل للمرة الأولى من تحمل لحظة صمت في بداية الجلسة التالية، مساحة، أو وجود غير مخترَق. أي أنها أصبح بإمكانها تتخيل أن تُحتضن في أمان في ذهن الآخر دون أن تخترقه أو يخترقها، وبطريقة تسمح بتنظيم توترها الداخلي.

قصة إيزابل توضح ثنائية الأمالطفل حيث يتم معالجة الفائض عن طريق الجنسنة، والخيال الذي يتخذ الجسد بشكل واضح كوعاء لما هو غير محتمل. هذه الجنسنة تتخذ الشكل المعروف جيدًا من التكامل بين الفاعل والمفعول به، ممثلة في العالم الخيالي الداخلي، بل يمكننا القول في داخل منظومة الاقتصاد الجنسي. الحركة الأساسية في تلك المنظومة ليست تبادل الاعتراف أو التواصل الوجداني بين الأشخاص وإنما تأرجح خيالي بين الإيجابية والسلبية. لا يوجد اختراق متبادل للعقول، وإنما تخيل لفاعل قوي والطرف المستسلم له“.

يحدث تنظيم التوتر من خلال تفريغ الجسد له. وأحيانًا يتخذ ذلك شكلاً قهريًا مثلما في حالة إيزابل. اقترح ديمان ( Dimen 2003) أن التفريغ نظرية تناسب نموذج الشخص الفرد. ارتبط تصور فرويد عن الطاقة الجنسية – على عكس فكرة المتعة (الغربة) – بنوع من الصحة الجنسية، حيث التفريغ يمثل جسرًا بين الجنسانية والصحة العقلية“. إنني أميز بين التفريغ وبين التفاعل بين شخصين من حيث أن الغرض هو تنظيم التوتر الذاتي فحسب، وليس الاستمتاع بالآخر أو التواصل مع عقل آخر. حين ينفصل التفريغ عن هذه الأغراض ويصبح استخدامًا للجسد في حل مشكلة الفائض العقلي الذي لا تتمكن المساحة العقلية للفرد في احتوائه.

أعتقد أن هذه الصياغات بشأن كيفية تنظيمنا للتوتر قد تكون بداية مساهمة في طرح تصور للطاقة من منظور التحليل النفسي، من خلال نقلها إلى خارج الاقتصاد الغريزي للفرد المنعزل وإعادة طرحها من منظور اقتصار الذاتية المشتركة. من خلال طرحي لمصطلح الطاقةأحاول أن أتقدم خطوة جدلية تتجاوز العكوسية العلاقاتية (على سبيل المثال Mitchell 1988) الذي يدعي أن الجنسانية تعبر عن منظومة ذات طبيعة علاقاتية. أود أن أبلور فكرة اقتصادية، بأننا في إطار التراتبية العلاقاتية نخلق توترًا جسديًا/وجدانيًا، أي طاقة، تتحول (تتجسد) في شكل الجنوسة. الأعمال التي تناولت نظرية الارتباط وأبحاث الطفولة أشارت إلى فكرة تشارك المخلوقات في المعلومات والإشارات كأساس للتواصل، كما لنوع ما من تحول الطاقة داخل الذات (على سبيل المثال Sanders, 2002).

إنني أطرح أن مفهوم الطاقة كظاهرة عقلية قد يعمق من فهمنا في مجال التحليل النفسي بأن تنظيم التوتر داخل الفرد يشمل نقل التوتر وتنظيمه أو الاعتراف به من خلال التواصل بين الأفراد (أنظر/ي: 2002 Beebe & Lachmann). إذا تتبعنا منطق ساندر بأن مزيد من التعرف المحدد يسمح لنظام التكامل الثنائي أن يحتوي مزيدًا من التعقيدات، يمكننا أن نستنتج أنه كلما زادت دقة التعرف (التفهم) كلما أمكن احتواء قدر أكبر من التوتر ومعالجته. من منظور الطاقة يمكننا مقارنة نظم التكامل الثنائي بالاستناد إلى الاقتصاديات الداخلية للنفس والذاتية المشتركة في تفاعلهما الواحدة مع الأخرى. لكنني أطرح أن الظواهر التي تبدو وكأنها نتاج للنفس الداخلية للفرد وحدها يجب أن تُفهم باعتبارها فشل الذاتية المشتركة في التعامل مع الثنائية التكاملية الأصلية مما أدى إلى خبرة الفائض. على سبيل المثال، حيث يغيب الآخر أو يكون مفقودًا على مستوى الإدراك، قد يؤدي ذلك إلى فائض من الألم أو الفقدان أو الإفراط.

كذلك أطرح أن الفعل تجاه التفريغ من جانب أحد الأطراف (أحد الوالدين) – مثلما رأينا في حالة والدة إيزابل – يفاقم من الفائض، حيث يؤول بسهولة إلى النظر إلى الطفل باعتباره الآخر القائم بالاحتواء، أو الوعاء السلبي. مثل هذا الفعل يمثل شكلاً من أشكال التفريغ بغض النظر عما إذا كان أو لم يكن جنسيًا بشكل واضح. هذا الفعل، مثل أن يجند شخص بالغ طفلاً لاحتواء طاقته أو توتره الجنسي، يبدو لي عنصرًا هامًا فيما وصفه لابلانش بالرسالة الغامضة، والتي يجب، بحسب لابلانش، أن نميزها عن الإغراء المباشر.

ما هي نتيجة ضم مثل تلك الأفكار الاقتصادية عن التوتر والإفراط في إطار الذاتية المشتركة على التفاعل في اللاوعي؟ ما تطرحه تلك الأفكار هو أن التكامل بين قطبي الفاعلية والسلبية هو وظيفة اقتصاد الذاتية المشتركة في التفريغ إما أن تفرغه بداخلي أو أفرغه بداخلك. كما تفترض بعضًا من الفشل في التعامل الداخلي مع تنظيم الاعتراف والتنظيم المتبادل. بالتالي فإن المرجعيات التي نستخدمها لتوصيف الذكري والأنثوي وترجمة مرادفاتهما في حوافز تجاه الفاعلية والسلبية يمكن إرجاعها إلى كيفية التعامل مع نقل والتعامل مع الفائض. الفاعلية والسلبية فيما يخص الفائض يمكن أن يخلقا دائرة شريرة حيث يستشعر الآخر بأنه مستبعد أو محروم من الاحتواء أو مستثنى منه فيقوم بدوره بتحفيز أو إثارة الاختراق.

إنني أطرح أن مقاربات الجندر التقليدية المطروحة لمشكلة الفائض تكرس هذه الدائرة الشريرة. منذ وقت قريب كنت أتأمل تمثال برنيني الرائع الذي يجسد أبوللو ودافني، ولفت نظري قوة ويأس كل من تمثالي الذكر والأنثى وهما حبيسا دائرة شريرة أبدية. الإله الذكر بقبضته الممتدة العنيفة على حين تتفاداه المرأة الشابة المنتهكة من خلال تصلب جسدها في شكل جذع شجرة على حين يمتد ذراعاها بعيدًا وإلى أعلى متحولتين إلى فروع. ما أعمق ما تتشكل أساطيرنا الجنسية في الحاضر والماضي وقوالبنا عن الذكورة والأنوثة بهذه العملية الثنائية من الاختراق والصد، من الطرد والسعي إلى الإيلاج؟

في ضوء ذلك دعونا نواجه تصور فرويد عن الإغراء باعتباره خبره صادمة من العجز في مواجهة فرط الاستثارة أو الاستبعاد بواسطة آخر. إنني أطرح أن خبرة الفائض هذه تؤدي إلى انفصام بين جزء فاعل في الذات (قضيبي، عقلي) وجزء سلبي منها (الوعاء، الجسدي). يمكننا أن نرى كيف أن تكوين ما اعتبره فرويد الأنوثةيعكس في الواقع رفضًا تامًا للتناول الذكري لمشكلة الفائض.

بداية دعونا نتأمل في كيف أن تفريغ التوتر أصبح يرتبط بالفاعلية أو الإيجابية ومن ثم اكتسب صفة الذكورة. مثلما كتبت في موقع آخر (Benjamin 1988a, 1998b) أدركت بعضًا من هذه العملية أثناء مناقشة مقال فرويد (1896b Freud) “مزيد من الملاحظات حول الذهان العصابي كآلية دفاعية” ( Further Remarks on the Neuropsychosis of Defense). هنا لاحظ فرويد أن الطبيعة القهرية للنشاط الدفاعي هي الأسلوب المميز للذكور في تعاملهم مع فرط الإثارة. إنه ينقذ الطفل من موقف السلبية الأنثوي والذي يصعب احتماله.. اقترح كريستيانسن (Christiansen, 1993) أن ما نفهمه من ذلك هو أن الذكورة لا تؤدي إلى رفض السلبية لصالح النشاط الدفاعي، بل هي نتيجة له. وفي نفس العملية الدفاعية إذ ترفض النفس الذكورية أن تكون سلبية، تخلق من خلال عملية انفصام ما يطلق عليه اسم الأنوثة باعتبارها كائنًا افتراضيًا يمتص ما تلفظه أو تقذفه.

هذا التحرك الدفاعي جوهري في حل لغز جوهر الخيال الذي يتخلل تنظيم علاقات الجندر في عقدة أوديب كما وصفها فرويد (1924d, 1926d) وبدرجة أقل في المختلفين مع نظريته من أمثال كلاين (Klein). في الموقف الأوديبي يتعرض الصبي لشعور بفرط الاستثارة جراء جنسانية والدته، جراء رسالتها الضمنية واستجابته الرمزية. في نفس الوقت يجد الصبي نفسه في مأزق عدم توحد والدته معه، الأمر الذي غالبًا ما تكون له عواقب شديدة من الشعور بالعار والإهانة التي تلحق بالفتيان الذين يرغبون في الالتصاق بأمهاتهم. عوامل عديدة، بما فيها احتياجه الذاتي للانفصال، تثير اشتياقه لها، لكنها في نفس الوقت تجعل من المستحيل له أن يلجأ إليها طلبًا للاحتواء. يبدو أن الشعور بالفقدان هو المهيمن هنا، إلا أن مشاعر أخرى مثل العجز والشعور بالعار والارتباك قد تلعب دورًا أيضًا. يمكن تفسير خبرة الفصل بين ثنائي الأمالابن بواسطة الأب بأنها خوف من الاختراق بواسطة الأب (Elise 2001). من هنا فإن خبرة الارتباك والصد تحتاج إلى رد فعل دفاعي من خلال الإسقاط والتوحد مع الأبالمعتدي. هكذا يؤسس الصبي فاعليته الخاصة من خلال إسقاط خبرة سلبيته على الآخر، فيخلق بذلك التكاملية المنقسمة. إنه يقول لنفسه: ليس أنا، بل أختي الصغيرةالفتاة، من يجب أن تكون الطرف السلبي. أعتقد أن هذه الحالة من الاستثارة السلبية المرتبطة الآن بالوليد الذي كانه في الماضي تتحول تقليديًا من خلال ذهن الصبي الأوديبي إلى صورة إدراكه للموضوع الأنثوي. في رواية ديفيد جروسمان (David Grossman 2001) الرسائلية كن خنجري يتجسد هذا المأزق في كتابات شخصية الرواية البائسة يير (Yair). في رسائله التي تبدو وكأنها حوارًا مع الذات يتحدث يير عن رغبته اليائسة في أن يفهمه الآخرون، وخوفه من أن لا يكون أكثر من وليد يصرخ، وحمار صغير ينهق، أو مسخ وليد“. يحذر يير مريم حبيبته التي يراسلها، من العودة إليه (لاحظ تصوير الجسد الأنثوي) لأن أنهارا مقززة تسيل من كل فتحات جسدي.. طبقات تسقط من روحي المستثارة بعض الشيء….” حين يتحدث عن اشتياقه إلى أن يلمس الهدف، يلمس، يلمس روحًا واحدة مغتربة، ولو لمرة واحدة“. ينظر إلى نفسه وقد أصبح المستغيث الذي يصرخ بصوته المتقطع، الرفيع، الذي لا يتوقف عن التبدل على مدى حياته“. من الكاشف أن استدعاءه للهستيريا الأنثوية يشمل اعتبار نفسه الوعاء، أي الطرف الذي استقبل هذه الصرخة ليس بواسطة أذني وإنما بواسطة معدتي، نبضي، رحمي…” يكاد يبدو الأمر وكأنه مجبر على أن يكون الوعاء الذي يستوعب الآخرين، لكنه يستشعر هذه الخبرة باعتبارها إخصاء لذكورته – مثل وصف (Coates, Fridman and Wolfe 1991 ) الصبي المتحول جنسيًا (Coates) الذي يصور في رسمه قطة تصرخ لأنها تجبر على أن تتحول إلى سيدة. كان يجب عليه، يقول يير، أن يحتوي ذاته قضيبيًا. “كان أبي يقول لي، الجسد بأكمله يشعر بالرغبة في التبول، لكنك تعلم ماذا عليك أن تُخرج لتفعل ذلك“. في ذروة الرواية، حين يشتد الصراع مع ابنه الصغير، يحاول يير أن يلعب دور الأب القضيبي الذي ظهر صوته سابقًا سوف تعود إلي، زاحفًا، كما هي العادةيقولها بجفاء. إنه يصد ابنه الصغير الطفل الصغير بداخله خارج المنزل (الوعاء الأمومي) إلى أن يستسلم. في النهاية يحتاج يير إلى تدخل مريم (العنصر المتفهم، الوعاء الأمومي الطيب) لإنقاذه من التأرجح الموجع بين عجز الصبي المخصي وتحكم الأب القاسي.

ما تطرحه رواية جروسمان هو أن شعور الصبي بالفقدان في علاقته بأمه يحول دون شعوره بالاحتواء، ذلك أنه مضاعف بحاجته إلى عدم التماثل مع عنصري ثنائية الأمالوليد: رحم الأم الذي نصت ويضم الوليد الذي يصرخ بدوره طلبًا للعون. هذا التخلي عن التماثل مع الأم والوليد يشوه، مثلما رأينا في شكوى يير، التماثل السابق مع الأعضاء التي تجسد الوعاء الداخلي. إنها علاقة ضعف تلك التي يتماثل فيها مع الرحم المنصت والستقبل لصرخة الطفل مستدعيًا أمه، صرخة من لا يجد من يسمعه. رفض هذا التماثل يفرضه الخوف من قلة الشأن، من الإخصاء، من صورة الطفل المدلل الباكي في عيون الأب. هذا الرفض للتماثل يمكن أن يعيق إدماج كل ما استقر ضمن الوظيفة الاستيعابية للأم: التفتح والاحتضان والمسئولية عن تنظيم الذات – ومن ثم يترك الصبي الصغير دون احتواء، مستثارًا وعديم السيطرة. ولا يمكن مواجهة ذلك، بحسب ما يقول الأب، سوى من خلال جعل القضيب هو الوعاء الوحيد والقوي المسئول عن التفريغ. مع اضطراره لقبول ذلك النموذج القضيبي غير القابل للتحقيق باعتباره مؤشرًا لأوجه النقص فيه، شعر الطفل بالدونية والاخصاء فيصبح منبوذًا بسبب عاره وقد ألقي به في عزلة كارثية، مشتاقًا، وإن كان غير قادر على لمس الآخر. بالتالي فإن احتياجه إلى أن ينصت إليه وأن يحتضن وأن يحتوي فائضه الذاتي يترجم من خلال خصال جندرية، باعتبارها انعكس لمشكلات خاصة بالتماثل مع النموذج الذكوري أو الأنثوي.

في رواية جروسمان نرى كيف تصبح علاقة الرجل في صد الأنوثة أمرًا معقدًا. لقد اقترحت أن تعريف الأنوثة صيغ بحيث يشمل خبرات الضعف والعجز غير المرغوب فيه، وأن ذلك يحدث من خلال الفصل الدفاعي بين الفعالية والسلبية. هذه النظرة لما هو أنثوي تتطابق مع الصورة الكلاسيكية للابنة التي – يصر فرويد – أنها لابد وأن تتحول وتميل نحو الأب. هنا نجد منطق فروي (1931b, 1933a) الذي يصر على أن هذا الميل هو ما يحدد ماهية الأنوثة. بالطبع كان هورني (Honey, 1926) قد أشار فيما قبل إلى أن نظرية فوريد عن الحسد القضيبي وشعور الفتاة بالدونية يؤديان تمامًا إلى نمط تفكير الفتى الأوديبي. هذه الطريقة في التفكير تحمل منطقًا مزدوجًا: القناة باعتبارها موضوع أنثوي سلبي تصبح – رمزيًا – وعاء يستقبل التفريغ الإيجابي للذات (من خلال التماثل الإسقاطي) فتتكون بذلك الذات المازوخية التي توجه دوافعها الجنسية نحو الداخل. سوف تلعب الفتاة دور المتكيف والممتص للتوتر العصي على التنظيم – مثل الأم المحتوية – مع فارق أنها أكثر قابلية للسيطرة عليها والتحكم فيها. السمة الأخرى لهذا المنطق هي الفصام الأم، بحيث تكتسب الابنة جانبها المتكيف المتأقلم على حين ينتقل جانبها التنظيمي الفاعل إلى الذكر، الأب (استخدم قضيبك للقيام بالفعل). هذا الجانب الفاعل في الأم – على سبيل المثال تحكمها الشرجي الذي كثيرًا ما يوصف بانه قضيبي – هو ما يتماثل معه الصبي ويستوعبه باعتباره ذكوري. ما يشيئه الصبي في كثير من الأحوال هو جنسانيتها، وأعضاؤها ومن هنا يأتي إنكاره ورفضه للمهبل والذي اعتبره فرويد أمرًا طبيعيًا.

يتكون مفهوم الأنوثة وموقع الابنة في ذهن الصبي الأوديبيعن طريق الثقافة ويتأسس ويتطور عبر التأريخ الطويل للأبوية. لا أدعى أنني قادرة على وصف كيفية تبلوره وانتقاله بدقة لكنني أعتقد اننا نرى آثار تلك العملية في تاريخ التحليل النفسي وفي الكثير من الاحالات الاكلينيكية المتكررة. لقد أطلقت على عملية تشكل الأنوثة هذه مصطلح موقع الابنةلأنه نقل رمزيًا في نظرية التحول نحو الأب ودور الوعاء السلبي والقائم بالرعاية، وفي ضحايا زنا المحارم كما رأينا في حالات فرويد الشهيرة من الفتيات المصابات بالهستيريا. ثقافيًا تلعب هذه الصورة دورًا في تكريس صورًا عدة من الأبوية. مع ذلك يمكن أن نطلق عليها أيضًا اسم موقع الأختحين نبحث في دور الأخت الصغرى في علاقتها بالصبي الأوديبي.

يجب أن نفهم أهمية موقع الابنة، ليس من حيث رفضها للأم فحسب، بل كمرجعية لتحول الفتاة الفعلي نحو الأببما يسمح للفتيات بالانفصال عن أمهاتهن. هذا هو مضمون نظرية فرويد بأن العلاقة التكاملية مع الأب، وليس التماثل مع الأم، هو ما يشكل الأنوثة. ولا يعني هذا أن ذلك يتجاوز تماثل القتاة مع أنها وحبها لها، مثلما طرح فرويد في حديثه عن تحول موضوع التعلق. لقد دار الكثير من النقاش ( Chodorow 1987 Ogden ;1976) حول حتمية هذا الانقطاع مع الأم، بل اعتبره البعض أمرًا مرضيًا. مع ذلك فإن إدراك الفتاة لعلاقتها بأمها سوف يختلف تفسير حين/لو تخلت الفتاة نفسها أو أمها عن اعتبارها الموضوع السلبي للأب في كثير من الحالات يبدو أن اعتناق الأنوثة يحدد مسار الفتاة في عالم الرجال. بالطبع، كما أشار دنرشتاین (1977 Dinnerstein) الهروب الأنثوي مما هو أمومي قد يحول التحرر إلى شكل آخر من أشكال العبودية.

يمكن للموقع الأنثوي أن يشمل مواقف متناقضة لا أستطيع تناولها بالتفصيل هنا، مثل الفتاة المسترجلة، والمتمردة والمغرية وبديلة الأم. هذه الباقة من الأنثوية تؤدي أيضًا إلى الكثير من التشفير للإثارة الجنسية الذي قد يبدو متناقضًا مثل القناة قليلة الحيلة أو الفتاة المتماثلة مع الصبي والتي بالكاد تخفي تقمصها لصورة الصبي الأوديبي، ذلك الطفل العاجز، عديم الحيلة. جل ما أفعله هنا هو أنني أبرز كيف أن نموذج الابنة الأنثوية يؤدي، وبمعنى ما ينشأ، مما تفرضه الذات الذكورية لامتصاص حالة الوليد العاجز، المثار، وللحفاظ على وظيفة الاحتواء الموكلة للأمالوعاء. للأسف، وبقدر ما تجسد الفتاة انفصال الذكر عن الجانب العاجز في جنسانيته، بقدر ما يمكن أن تكون شديدة الإثارة للرجل البالغ، لوالدها. وبالتالي فإن الأطروحة تعيد خلق الإشكالية الخاصة بالأب الذي يستثار من ابنته. ولكن ماذا عن الفتاة التي تختار أن تخفي فقدانها واشتياقها للأم إضافة إلى احتياجها ان ترضي والدها من خلال تقمص دور الموضوع الجنسي سيء السمعة.

إيزابل، التي كانت تشعر بافتقاد حب أمها لها وسيطرتها عليها، وفي نفس الوقت كانت تعبد والدها الغائب، لجأت، في سنوات مراهقتها المبكرة، إلى ممارسة الجنس مع الأولاد. حين تسعى فتاة، خاصة إذا كانت تفتقد إلى التماثل مع أم محتضنة، حين تسعى إلى الرجال طلبًا للاحتواء ونيل الإعجاب، تنضح صيغ متباينة من المازوخية الأنثوية“.

دیردر” (Deirdre ) امرأة أخرى هربت في مراهقتها نحو أنوثة على درجة من الاختلال والوصم – خاصة في نظر والدها، حتى أنها أصبحت غير قادرة تمامًا على إدماج شخصيتها في فترة الطفولة – الفتاة المسترجلة المفضلة لدى والدها – ضمن حياتها البالغة كامرأة. تخلت عن طموحاتها كفنانة ومعلمة واستبدلتها بدور الأم الراعية لتمنح أطفالها الاهتمام الذي طالما حرمتها منه أمها. لجأت في كل الأحوال إلى زوجها الفنان الذي لجأ بشكل متزايد إلى طالباته الأصغر، قليلات الخبرة لإشباع حياته الجنسية. رغبتها في استعادة جنسانيتها والتنافس على جائزة الأنوثة دفع بها إلى علاقات جنسية مع رجال مخيفين، غير ملائمين تمامًا. نتيجة لذلك تفاقم شعورها بفقدان ذاتها بعد فترة طويلة كانت فيها ترعى والدها في مرضه الذي انتهى بوفاته.

ذكريات ديردر عن والدها تضمنت ذكرى كانت بمثابة نقطة تحول درامية في علاقتها به حيث انتقلت من كونها الابنة المقربة منه إلى كونها موضوعه الجنسي. حتى سن العاشرة كانت الابنة فتاة مسترجلة، جريئة ومغامرة مثل أقاربها من الذكور من نفس عمرها. كانوا يذهبون معًا للصيد وصيد السمك في صحبة والدها. فجأة في أحد أيام الصيف احتد عليها والدها وصدها وقال له أنها أصبحت أكبر من أن تلعب مع الأولاد وأن عليه أن ترتدي قميصًا. في تلك اللحظة مالت ديردر في اتجاه جانبها الأنثوي وبدأ والدها في التعامل معها باعتبارها مخلوقًا منحطًا، فبدأ يطيل النظر إلى ثدييها الناميين ويعلق على حجمهما. والأكثر إيلامًا من ذلك، كان يجذبها من وسط سروالها متسببًا في ألم فيما بين ساقيها وخلال ذلك يطلب منها أن ترقص على أطراف قدميهامثل الراقصة الإسبانية“. من بين الذكريات المخجلة لتلك الفترة أن سمحت دیردر لنفسها بأن يلمسها أحد أصدقاء والدها في إحدى الحفلات. أثناء العلاج أصبحت دیردر تحلم بأن رجلاً مثير جنسيًا لكنه خطر يتجول في الحي. إنه يأتي إلى بابها ورغم أنها تعلم أنه لا يجب عليها أن تفعل ذلك تسمح له بالدخول. في أثناء ما تحاول الهرب من المنزل تدرك ديردر أن عليها أن تنقذ قطة صغيرة مختبئة هناك. لسبب ما هي قطة من نوع كاليكو. ثم تنتبه إلى أن اسم والدها هو كال. وفي ارتباكها تتساءل عما إذا كانت القطة الصغيرة ترمز إليها أم إلى والدها. من الأولى في الواقع أن يكون محل رعايتها؟

مع الوقت تمكننا من فهم العلاقة بين الطفل المفتقد أمه بداخلها وبين والدها، الطرفان المشتركان في تعرضهما للصد من جانب الأم. انها تسمح بالاختراق من قبل والدها لكي تعوض وترمم ثنائي الأمالطفل، حيث هي أم والدها. ثم بدأنا البحث في كيفية امتصاصها لكل جوانب العجز المخجل الذي فرغه والدها بداخلها. هذا الرابط بين الأب والابنة، حيث دور الفتاة أن تكون بمثابة الأم للطفل المختبئ في الأب يتعاقب مع ذلك الذي تلعب في الفتاة دور الذات الطفولية المفقودة لدى الأب. إلى جانب الخوف من الإيذاء بسبب العدوان الجنسي والخوف التقليدي من انكشاف التماثل الأنثوي باعتباره إخصاء، نجد صيغة أخرى من الخيال الذكوري تشمل تماثلاً مع الفتاة باعتبارها الطفل قليل الحيلة، حين تستدعي الحاجة جنسنة هذا التماثل يتخذ الشكل الذي طالما شاهدناه في حالات سوء المعاملة، لكننا نلتقي أيضًا حالات لا حصر لها أقل درامية من ذلك.

يتضح التماثل مع السلبية المحيرة للفتاة والتماثل معها على سبيل المثال في فيلم الجمال الأمريكي” (American Beauty) حيث يرى الطفل المنبوذ في شخصية الرجل حلمًا متكررًا عن فتاة أحلامه. زوجة الرجل الذي يدعى لستر سيدة مغلقة غير قابلة للاختراق، مثل الطلاء اللامع على جدران منزلها المثالي. إنه غير قادر على الولوج إلى عقلها أو إلى جسدها. رغبته في إيلاجها تبدو وكأنها اعتداء أو قذارة أو اختراق مقزز. طوال الفيلم يسيطر على لستر خيال قهري يدور حول صديقة ابنته، مشجعة فريق الكرة، أنثى غامضة. إلا أن هذه الإثارة العصية على الاحتواء تتحول فجأة لحظة يكتشف أنها ما زالت عذراء وأنها طفلة تفتقد اهتمام والديها. فجأة، كما لو كان استيقظ من حلم، يدرك لستر أن هذه الفتاة كيان له مشاعره الخاصة به ويجد نفسه في حاجة إلى أن يطعمها ويرعاها كما لو كانت هي الطفل الصغير وهو الأم. تنطفئ أنوار الإثارة الباهرة ويحل محلها الشعور بالهجر والحزن مستدعية رابطة تماثل مع الفتاة باعتبارها إنسان.

تعرُّف لستر على نفسه في الفتاة كان بمثابة نهاية غير نمطية لأفلام هوليود. فالأكثر شيوعًا أن يجسد الدور الأنثوي الخبرة المتعة غير المرغوبة والبدائية للشهوة العاجزة وتصويرها باعتبارها دعوة مثيرة – دعوة يستجيب لها القضيب ويسيطر عليها ويشكلها بما يرضي كل من الرجال والنساء. الهيكلة القضيبية هي وظيفة السيد في خيال ايزابل حين تثير نفسها بنفسها، فيتحكم فيما قد ينتصر على الذات إن لم يفعل. إلا أن هذا الدور القضيبي لا يخلو من التناقضات، حيث يصبح التفريغ في الآخر، رغم كونه فعلاً إيجابيًا، يصبح رد فعل وليس فعلاً. على سبيل المثال، يعبر القذف المبكر عن التوتر الناجم والمتجسد في موضوع الخوف الذي هو نفسه موضوع الرغبة. احتواء الإثارة من خلال التحكم في القضيب يمكن أن يكون أمرًا صعبًا بالنسبة للرجل. وبدون هذا التحكم يصبح التفريغ دليلاً على الضعف الأنثوي: التسريب من الذات الوعائية للصبي الصغير غير القادر على التحكم في قضيبه مثل الأب. هذه الكارثة المركبة من عدم الاحتواء وفرط الإثارة أصبح لها مدلول جندري: إنها تشير إلى الإخصاء.

تجلت هذه الأمور كلها بدرجة ملفتة للنظر في حالة مريض تماثل بشدة مع شخصية لستر. أعتقد هذا المريض، الذي كان أيضًا ممثلاً، أنني لم أتعرف بدرجة كافية على الطابع العدواني والمنحرف أو المدمر لخيالاته عن النساء. وكان رد فعله قويًا إزاء تفسيري للفيلم والذي عبرت عنه بالتعليق على ملاحظاته على الفيلم، مثلما فعلت أعلاه: أن لستر في النهاية كشف عن تماثله مع الطفل المنبوذ داخل الفتاة. احتج المريض وقال إنني متملقةلنهايات هوليود ووصفي بالسذاجة وسهولة الانخداع، وأنه أقدر مني بكثير على توجيه نظرة ثاقبة على شخصية لستر: الحقيقة أنه جعلني أفكر ما إذا كنت متساهلةمع العدوانية، خائفة من مواجهة مريضي الذي أوشك على الغضب. إنني وأنا أستمع إلى الاحتقار الذي تخلل احتجاجه علي، ذكرت نفسي أن تلك كانت الجلسة الأخيرة قبل أسبوع واحد من غيابي لارتباط سابق. بدأت أتأمل مشاعر الطفل الذي يصرخ باحتياجه. وتساءلت: هل أنا من لا تستطيع مواجهة غضب الرجل – في هذه الحالة والد مريضي شديد الاحتقار للرجال المعتمدين على النساء؟ اقترحت على مريضي أننا في هذه الجدال نجسد الموضوع الذي نحن بصدده على وجه التحديد: قد يكون شعر بأنه من علامات الذكورة والقوة أن يكون هو المدرك والمتفهم أكثر الشخصية لستر. في نفس الوقت، ومع استمراره في التماثل مع الأب القوي، حتى ولو كان منحرفًا، الذي يحتقر الطفل بداخله وآخرين، قد يكون ساعيًا إلى التأكد من أن أكون أنا هذا الطفل المتملقالذي ما زال يحتاج إلى أم، التابع، الساذج. أما هو ، برؤيته الواضحة الثاقبة، فإنه بالتأكيد لا يحتاج لي لأكون بمثابة أمه. إنه لا يشعر بالهجر. على العكس يمكنه أن يؤثر عليّ بذكوريته من خلال تحكمه في مشاعره بالفقدان وقلة حيلته إزاء غيابي المرتقب؛ يستطيع مريضي أن يثير اعجابي بجانب الطفل المشاغبمنه بما يحمله من استقلال وعدوانية.

رغم استعداد النساء للعب الدور السلبي إلا ان الذكورة المتمركزة حول رفض التبعية والخوف من السلبية دائمًا ما تشعر بالتهديد. ورغم أن تشيء يجسد الفتاة يجسد خبرة قلة الحيلة ومن ثم السلبية، مثلما يوضح جروسمان ويطرح برنان (Brennan 1992)، إلا أن ابن أبيه المدلل يمكن أيضًا أن يحتوي الفائض بسبب ثباته في موقع الأب المتماسك القوي. الأم، مثل الأب، يمكن أن تحتل الموقع المهيمن وذلك باستخدام الطفل من الجنسين. على سبيل المثال كانت إيزابل بمثابة الوعاء الذي يحتوي إفراط أمها ذات الصوت الذي اعتبرته الفتاة صوت السيد. كذلك أصبح يير الكائن الضعيف المهان محل احتقار والده. من ثم، فإن فرويد يذكرنا أن نتعامل مع الذكورة والأنوثة باعتبارهما أدوارًا يمكن للرجال أو النساء إما أن يتقبلوها أو يهربوا منها. الظواهر التي قمت بتحليلها هنا تظهر أن الهوية المسماة بالذكورية ترتبط بموقع الفاعلية الدفاعية، للتخلص من القلق والتحكم في المحفزات وخلق الآخر القائم بالاحتواء، على حين يرتبط موقع الأنوثة بالتكيف والتلقي وعكس صورة الآخر.

مع ذلك، فإن هذه المواقع المختلفة، التي تجاهد تصريحات فرويد المتضاربة في التعبير عنها، لا تروي القصة كاملة عن الفاعلية (الإيجابية) والسلبية. في كثير من الأحيان تبدو أعمال فرويد وكأنها تفترض أن الفاعلية الدفاعية والسلبية العاجزة هي الأشكال الحتمية للتعامل مع المؤثرات والتحفيز والإثارة. في كثير من الأحوال تفتقد هذه المقاربة – مثلما ذكرت في موقع آخر (Benjamin 1998a 1998b) إلى جانب المتعة في التلقي، وتجعل الأمر يبدو وكأن تلقي الإثارة واحتواء التوتر أو توجيهه إلى الداخل هي بالضرورة أمور غير ممتعة، وأن الأمر الممتع هو فقط طرد التوتر والإفراغ من خلال التفريغ بدلاً من استبطانه. بدون قصد تفترض هذه المقاربة أن التوتر لا يمكن اعتباره سوى فائض غير مرغوب فيه وأنه غير قابل للعقلنة أو التقبل أو أن يكون عنصرًا تبادليًا في علاقة الذاتية المشتركة. يبدو لي أن هذا الرأي هو وليد خبرة من السلبية أو العجز في مواجهة صدمة أو إغراء أو هجر. ما أطرحه هو أن الصدمة هي في الواقع الوجه الخفي والمجهول للدفاع الذكوري ضد السلبية (انظر/ي أدناه).

أهدف هنا إلى طرح أننا حين نعيد صياغة فهمنا لمواقع الجندر، سوف نرى أنها نجمت عن محاولة لحل مسألة الفائض. إن دحض هذه الرؤية يساوي دحض فكرة أنه لا يوجد أمام البشر من سبيل آخر في التعامل مع التوتر. إذا، من ناحية يمكننا القول إن ثنائية الذكوريالأنثوي لعبت أدوارًا هامة في إدارة الفائض والتعامل معه، إلا أن التحليل النفسي، من ناحية أخرى، يكشف باستمرار فشل تلك الثنائية في تحقيق ذلك، أي أنها هي ذاتها نتيجة الانفصام والمعاناة والألم والتناقض الداخلي الذي يتولد جراء تلك الآليات الدفاعية، ومن ثم تبرز أسئلة لا أستطيع طرحها سوى هنا: على سبيل المثال، السؤال الخاص بما يفترضه التحليل النفسي بشأن الدور الحتمي لرفض الأنوثة أو لفظ التماثل مع الأم خلال تطور الذكر.** إنني أطرح أن التعامل مع تلك الأسئلة يختلف حين نضع في اعتبارنا أن التعامل مع التوتر والتنظيم الذاتي للانتباه والوجدان يعتمد على سياق الذاتية المشتركة فيما يخص التنظيم والتعرف المتبادل.

لقد سبق أن افترضت أن اقتصاد الذاتية المشتركة يحتاج إلى مفهوم التملك، الذي ننجزه من خلال عملية واعية تعكس وتستعيد امتلاك الأنوثة أو وظائف الأمومة بما تعنيه من احتواء. هذا الاحتواء أو الاحتضان الذي يوكل تقليديًا للذات الأمومية أو الأنثوية، وكذلك تملك الذات يجب أن يستعاد دون أن يدرج مرة أخرى في تناول التحليل النفسي للكائن الجنسي. إن تملك السلبية، بما تحمله من أوجه المتعة والضعف، لا يعني بالضرورة فرض السلبية على الآخر. بل أن هذا الكائن يمكن أن يمتلك الرغبة في كائن آخر دون أن يختصر ذلك الآخر في موضوع مسلوب الإرادة أو مخيف، أو الآخر بدوره يجعل الأول يشعر بالعجز تجاه دوافعه/ها. فطالما كان الشخص مقيدًا بجنسانية أبوللو المقتحمة، الدفاعية فإنه لا يصبح كائنًا بالمرة كما رأينا. إن الوجه الآخر الشائع للتحكم القضيبي هو شكل من أشكال الجنسانية الذكورية، الذي يفتقد إلى الاحتواء، ويظل رهن سيطرة موضوع رغبته، مفتقدًا لملكيته للرغبة. في هذا الشكل من الذكورية تتخذ الإثارة الجنسية طبيعة فصامية، حيث يعلن الفاعل أن المفعول به على درجة من الإلحاح والحيرة حتى أنه لا يستطيع مجرد أن يتذكر – ناهيك عن أن يكون مسئولاً – عن أفعاله. إن ذلك هو المنطق الذي تصدر الولايات المتحدة الأمريكية للأسف عند تناول قصة كلينتون/لوينسكي. فالفاعلية والنشاط يذوبان حين يصبح الفاعل هو المفعول به، المغلوب على أمره. يجب أن نميز بين خبرة أنا أرغب بك، حيث الرغبة ملك للشخص وبين أنت مثيرة للرغبةوبالتأكيد يجب التمييز بين تلك وبين الانسحاق القهري أمام موضوع الرغبة. ولا أقصد هنا أن أفكارًا مثل أنت شديدة الجاذبية حتى أنني بالكاد أسيطر على نفسي، مجرد رؤيتك تثيرنيلا يمكن أن تكون مصدرًا للمتعة في علاقة تبادلية بين طرفين. إلا أن الاستمتاع المتبادل بالخيال أو الفكرة يشترط تملك الرغبة والاحتفاظ بالإثارة داخل الشخص، إنها القدرة التي كثيرًا ما يقلل من شأنها تحديدًا لأنها تتناقض مع فكرة التلقي الأنثوي السلبي. تملك مشاعرنا في نفس الوقت الذي تتلقى فيه مشاعر شخص آخر أمران قابلان للتحقيق معًا.

يفترض التملك إمكانية الاحتفاظ بالتوتر عوضًا عن التخلص منه – احتواء التفريغ، الاستسلام بدلاً من التحكم. إن ذلك ليس بالضرورة مرادفًا للاحتواء، الذي هو شعور تجاه الآخر، والذي قد نشعر به دون تملكه لذواتنا. بل هو شعور يتولد من خلال تبادل الطاقة حين تكون متناغمة مع فعل التنظيم الذاتي والتنظيم المتبادل على خلفية التعرف (“المرة واحدة، أود أن أصل الهدف، أن ألمس روحًا تائهةهكذا يتحدث يير في رواية جروسمان). في هذا النوع من المبادلة يتحول التوتر بين شخصين من خلال التعرف إلى مصدر للمتعة. يمكننا أن تلعب التكاملية والتفريغ دون التمسك الجامد بأدوار الجندر المحددة. يمكننا أن نتحمل الإثارة والمشاعر من خلال التلقي والاستقبال والمشاهدة والاحتواء دون أن نفعلشيئًا. إنها خبرة مختلفة من السلبية. في وحدة العلاقة المتبادلة يكون كلا الطرفين متلقيًا ومانحًا في نفس الوقت.

كذلك، حين تتمكن من التنقل بحرية بين موقعي الإيجابية والسلبية، اللذين يكمل أحدهما الآخر، نستطيع أن ندخل ونخرج بحرية خلال المواقع والأدوار المحددة سلفًا، نصبح قادرين على خلق حالة ثالثة، رقصة اخترعناها معًا وتعرفنا عليها معًا (1999, 2002 Benjamin). هذه التوجه نحو الثالث يبدل نمط العلاقة. لقد طرح ایمانویل جنت (1990 Emmanuel Ghent) صياغة لتلك الحالة الثالثة في علاقتها بالإيجابية والسلبية تمثلت في فكرة الاستسلام. إنها شكل من أشكال التخلي عن السيطرة والتحكم، تخلي لا يتنازل فيه شخص لشخص آخر وإنما مع الآخر. لقد اقترح جنت أن التسليم يشبه الاستسلام. يمكننا في الواقع أن نقول إن التسليم هو شكل من أشكال الشوق إلى الاستسلام للتفاعل في وجود الآخر. لا يتخذ التعرف شكل التسليم والهيمنة إلا في حال توفرت علاقة تكاملية بين طرفين.

في شأن الحالة الثالثة أطرح أنه حين يختلف الاحتواء والتعامل مع الفائض يتحول ما نطلق عليه عادة السلبية إلى استسلام. من خلال استعادة تملك السلبية تتحول الخبرة الداخلية من التسليم لآخر مكمل لي إلى الاستسلام لعملية من الاستكشاف والتعرف. هذه العملية تتجاوز كونها مجرد قلب لأدوار الجندر، رغم أنها قد تشمل ذلك، مثلما سوف نرى. ماذا يحدث حين يتم احتواء خبرة السلبية الصادمة أو التمتع بها وتمثلها حين لا نستشعرها باعتبارها استسلامًا للآخر، وإنما عملية في ذاتها وصولاً للحالة الثالثة؟ وكيف يتبدل تصورنا عن الفعل الجنسي حين نمد فهمنا الجديد لما كنا نعتبره سلبية؟ إنني أطرح أن استبدال التكامل الإيجابي/السلبي ينقلنا من منطقة علاقات القوى إلى حالة من الاستسلام لعملية التعرف المتبادل.

يمكننا تمييز هذا الاستسلام عما نطلق عليه اسم السلبية، لكنه في الواقع سمة من سمات خبرات الصدمة نتيجة الانعزال أو فرط الإثارة.

إن السعي إلى الربط أو التحكم أو تمثيل مثل تلك الخبرات الصادمة هو ما يشكل تصورنا عن الذكورة والأنوثة. في مجال الشهوة، مثلما في التحليل النفسي، نفتح أنفسنا للخيالات الشهوانية والمشاعر المصاحبة لتلك الخيالات. حين نكشف أعماقها وحدودها المؤلمة تتوصل إلى أن التعرف المتبادل لا يحذف تلك الخبرات وإنما يطرح إمكانية التعبير عنها والتواصل بشأنها. من هنا يكشف يير في رواية جروسمان عن الفراغ في نفسه، عن ذاته التي يشبهها بالحمار، حين يحاول أن يبحث وأن يتجاوز آثار الشعور بالعار التي تسببت في عزلة يائسة لذاته. صرخاته وانهياره وخروقاته، بما تحمله من إيحاءات جنسية، مليئة بالاشتياق المجروح للتعرف أو الاعتراف به، والذي لا يمكن استعادته سوى من خلال تغيير علاقته بالآخر. وفي رسالة الحب التي يعنونها العلاجيسعي يير إلى استخدام الشهوة سبيلاً للتعويض.

عودة إلى تحليل الفائض وعلاقته بالسلبية يمكننا أن نرى كيف أن الشهوة يمكن أن تكون علاجية حين تندمج السلبية والألم النفسي في العلاقة بين الذات والآخر. لقد طرحت كاتيا سلفرمان (1990 Katja Silverman) طرحًا مثيرًا للاهتمام في هذا الشأن. كانت تبحث في سؤال: ماذا يحدث حين تتعرى الدفاعات أمام الصدمة، حين تعجز الذكورية القضيبية عن حماية الرجال والنساء من اقتراب الموت؟ سلفرمان التي حصلت على تدريبها في النقد الأدبي تناولت موضوع الصدمة كما طرحه فرويد (1920g Freud) في مقاله ما وراء مبدأ اللذة” (Beyond the Pleasure Principle) واستخدمته في تحليل انهيار الذكورية القضيبية في الأفلام التي تناولت الحرب العالمية الثانية، مثل أفضل أيام حياتنا” (The Best Years of our Lives). قد تتذكرون أن فرويد يصور الحماية من الصدمة وكأنها تتم من خلال درع داخلي، حاجز نفسي وفسيولوجي، عوضًا عن شخص أو أشخاص آخرين. من وجهة نظر سلفرمان تتحول فكرة درع الحماية هذا مجازيًا إلى دروع ذكورية تضم الذاتي القضيبي.. ثم تقارن بين انهيار أو تحكم هذا الدرع بانهيار الهياكل المنظمة للجندر أو ما نسميه بالأساطير السائد. يصور الفيلم صدمة مزدوجة: الرجال، فرادي، يعودون من الحرب بعد أن تعرضوا للصدمات، دون أن تنجح الصورة الثقافية للذكورة في حمايتهم منها.. اهترأ نسيج الأسطورة القضيبيةوخذلتهم. إنهم يفتقدون إلى أي تمثيل جماعي يحتوي معاناتهم.

يصور الفيلم كيف أن إصاباتهم وإخصائهم الرمزي يؤدي إلى نوع من قلب أدوار الجندر، حيث أصبحت النساء شاهدة على غياب الذكورة، وهو مشهد يصوره الفيلم بأسلوب مثير جنسيًا دون تحقير أو إنكار زائف. وبدون تزييف للصدمة أو إنكار الجرح ينجح الفيلم رغم ذلك في التقاط تلك الإثارة الجنسية رغم تبدل أدوار الجندر، حين تقول المرأة بخلع ملابس المحارب هارولد راسل الذي فقد ذراعيه في الحرب. وبعد خلعه للأطراف الصناعية تشعر المرأة بالإثارة وترغب في ممارسة الحب معه. لكن الطيار السابق الذي يعاني من ارتجاعات زمنية وكوابيس يتبادل نظرة من الفهم المتبادل مع المرأة التي تدرك التغيير في مساحته الاجتماعية.

تنقل سلفرمان عن ناقد معاصر للفيلم أن الرجل يستطيع الآن أن يكون سلبيًا دون أن يشعر بالذنب. وأن الفيلم هو إسقاطلحلم هوليود (الحلم الأمريكي) بالسلبية الذكورية. يبدو أن الناقد فاته أن يلحظ أن المرأة يمكنها أن تتمتع بالفاعلية أو الإيجابية دون شعور بالذنب – ليس حلمًا وإنما إمكانية حقيقية. يمكننا تصور أن مشهد تبدل أدوار الجندر قد يكتسب طبيعة مثيرة جنسيًا من خلال عملية ذاتية مشتركة. التعرف على الألم والضعف، واهتزاز الصيغة القضيبية للذكورة قد تمثل لنا مخرجًا: التخلي عن الوهم وإنكار الوهم القضيبي المدمر الذي يخلق وحدة من نوع جديد في الفيلم حين يواجه الطرفان قاع الانهيار معًا، ويكسران معا الدائرة الشرية للفاعلية الدفاعية والسلبية المرضية. الجرح هنا يؤدي وظيفة عكسية للجمود، إنه يرمز إلى إمكانية تجاوز الانهيار والضعف والألم والمعاناة في لحظة ذاتية مشتركة من الاستسلام.

يطرح الفيلم الصدمة وقد تحولت إلى عنصر علاجي، حيث الطاقة الناجمة على ذلك لا تقتصر على تبادل أدوار الجندر فحسب، بل تشمل أيضًا استعادة ما سبق التضحية به. تبدأ الشهوة بالحداد على فقدان الجسد السليم والشكل المثالي للرجولة الذي استدعى الكثير من التضحيات. إنه الحزن والحداد في وجود الآخر، الحل الاكتنابي، قبول السلبية والفقدان والموت.

انهيار الأسطورة القضيبية يحدث الشروخ في صرح جدار التنميط السهل، فيصبح من الممكن مشاهدة المعاناة ومن ثم تحمل الحداد وتملك الغربة والتمتع بالسلبية. بهذه الطريقة يصبح الفقدان، حين نتقاسمه ونتمثله، يصبح تلك الحالة الثالثة التي يستسلم لها الطرفان، وفي إطار هذا الاستسلام يتمكن الطرفان من تجاوز المعاناة. يمكن القول إن تقبل السلبية في إطار عملية الذاتية المشتركة يمثل عنصرًا هامًا فيما وصف بأنه الحالة الاكتئابية، حيث تتعوض السلبية وتتحول إلى حالة من الاستسلام والضعف في إطار علاقة علاجية. لا يمكن التمييز بين السلبية والاستسلام دون التخلص من الخوف من السلبية. هذا بدوره يعتمد على القدرة على خلق مساحة مشتركة آمنة، حيث يقوم كل طرف بالاحتضان والتفهم مع ضمان ألا يؤدي تفريغ الشعور بالضعف إلى صدمة جديدة. إن تحقيق ذلك يتطلب وعيًا بأن القوة لا تنبع من الانكار وإنما من الاعتراف بالعجز والضرر والمعاناة.

تكتسب هذه الرؤية أهمية خالصة في فهمنا الأوسع لما هو علاجي وما هو تحولي في الحياة الجنسية. إن إدماج السلبية في الاستسلام من أجل الثالث المليء بالنشوة – رقصة الحب تلك – تسمح لنا بالترميز للألم النفسي بدلاً من التعبير عنه في أشكال سادية ومازوخية. حين يتمكن طرفا العلاقة الجنسية من تجاوز الأدوار المحددة سلفًا للجندر، حيث تصبح السلبية خبرة نسعى اليها وندمجها في الجنسين، لن تعد لنا حاجة لاستخدام الآليات الدفاعية المستندة إلى أنماط الجندر. بل أن الرغبة في تلك الحالة الثالثة يمكن أن تنتقل بين دوائر الألم والسلبية وأن تخلق مساحات جديدة لتبادل الطاقة بين الذات والآخر.

قدمت نسخة مبكرة من هذا الفصل في مؤتمر العيد الخمسين لاتحاد التحليل النفسي الألماني في شهر نوفمبر ۲۰۰۰ بمدينة فرانكفورت.

*Jessica Benjamin, “Revisiting the Riddle of Sex: An Intersubjective View of Masculinity and Feminity”, Dialogues on Sexuality, Gender, and Psychoanalysis, ed. Irene Mattis. London: Karnac Books, 2004, pp. 145-172.

** لقد ساد القبول بأن عدم التماثل مع الأم شرط ضروري لتكوين شخصية الذكر. لكن حين تبحث في تأثير المسارات التقليدية للصبي نحو تحقيق ذلك قد نتساءل ما إذا كان ذلك يحدث مبكرًا مثلما اقترح جرينسون (1968 Greenson) وما إذا لم يكن ذلك مرضيًا أكثر منه ضروري ( 1996 Benjamin 1996, Corbett ). في مواقع أخرى طرحت بالاشتراك مع آرون (1995 Aron ) وباسن ( Bassin 1996) وماي (1986 May) أن رفض التماثل مع الأعضاء الجنسية وسلوكيات الجنس الآخر (مثلما يقترح فاوست 1984 Faust) ليس ضروريًا في تكوين واستقرار الهوية، بل أنه لا يمنحنا أساسًا جيدًا لإدماج ذواتنا في الفاعلية الجنسية. بل إن الذات الجنسية يعززها التماثل الخبرات الجسدية للآخر، إن القدرة على الاحتفاظ بالتوتر بدلاً من فصم أهداف ومواقف متكاملة يسمح لنا أن نلعب وأن نتفاعل مع ثوابت الأدوار الجنسية باعتبارها رموزًا. إن افتقاد هذه المقدرة فيما يتجاوز الرفض الأوديبي للجانب الأنثوي السلبي للجندر يمثل أساس الخوف من الاتصال الجنسي القادر على إيقاظ الرغبات المكبوتة في التماثل والاستسلام. وعلى عكس ما هو شائع بشأن الذكورة، فإن تماثلاً إيجابيًا مع الأم المحتضنة أو مع التلقي الجسدي في كثير من الأحوال ما يخفف قلق الغيرية الجنسية لدى الذكور.

Aron, L. (1995). The Internalized Primal Scene. In: Psychoanalytic Dialogues, 5: 195-237.

Bassin, D. (1996). Beyond the He and She: Toward the Reconciliation of Masculinity and Femininity in the Postoedipal Female Mind. In: Journal of the American Psychoanalytic Association, 44 (supplement): 157-191.

Beebe, B., & Lachmann, F. M. (1994). Representation and Internalization in Infancy: Three Principles of Salience. In Psychoanalytic Psychology, 5: 305-337.

Beebe, B., &Lachmann, F. M. (2002). Infant Research & Adult Treatment, Co-constructing Interactions. Hillsdale, NJ: Analytic Press.

Benjamin, J. (1988). The Bonds of Love: Psychoanalysis/Feminism & the Problem of Domination. New York: Pantheon.

Benjamin, J. (1995). What Angel Would Hear Me? In: Like Subjects, Love Objects: Essays on Recognition and Sexual Difference. New Haven, CT & London: Yale University Press.

Benjamin, J. (1996). In Defense of Gender Ambiguity, Gender and Psychoanalysis, 1:27-43.

Benjamin, J. (1988a). Shadow of the Other: Intersubjectivity and Gender in Psychoanalysis. New York and London: Routledge

Benjamin, J. (1998b). “The marriage of heaven and hell: Intersubjectivity and sexuality.” Keynote Address, Division 39 on Psychoanalysis of the American Psychological Association, Boston, April 1998.

Benjamin, J. (1999). Afterword: Recognition and Destruction. In: S.A. Mitchell and L. Aron (Eds.) Relational Psychoanalysis: The Emergence of a Tradition. Hillsdale, NJ: The Analytic Press

Benjamin, J. (2002). The rhythm of recognition: Comments on the work of Louis Sander. Psychoanalytic Dialogues, 12: 43-54.

Brennan, T. (1992). The Interpretation of the Flesh. New York and London: Routledge.

Chodorow, N. (1976). The Reproduction of Mothering. Berkeley, CA: University of California Press.

Christiansen, A. (1993). “Masculinity and its vicissitudes.” Paper delivered at Seminar on Psychoanalysis and Sexual Difference, N.Y. Institute of Humanities, NYU

Coaes, S., Fridman, R., and Wolfe S. (1991). The etiology of boyhood gender disorder. Psychoanalytic Dialogues 1:481-524.

Corbett, K. (1996). Homosexual boyhood: Notes on girlyboys. Gender and Psychoanalysis 1: 429:462

Davies, J.M. (2001). Erotic over-stimulation and the co-construction of sexual meanings in transference-countertransference experience. Psychoanalytic Quarterly, 70: 757-788

Dimen, M. (2003), Sexuality, Intimacy and Power. Hillsdale NJ: The Analytic Press.

Dinneerstein, D. (1977). The Mermaid and the Minotaur. New York: Other Books, 2000.

Eigen, M. (1993). The Electrified Tightrope. Northvale, NH: Aronson. Elise, D. (2001). Unlawful entry: Male fears of psychic penetration. Psychoanalytic Dialogues, 11: 499-531.

Fast, I. (1984). Gender Identity: A Differentiation Model. Hillsdale, NJ: Analytic Press

Fonagy, P., and Target, M. (1996). Playing with reality: International Journal of Psychoanalysis, 77: 217-233

Freud, S. (1896b). Further remarks on the neuro-psychoses of defence. S.E., 3

…..(1920g). Beyond the Pleasure Principle, S.E., 18

…… (1924d). The dissolution of the Oedipus complex. S.E., 19

…..(1926d). Inhibitions, symptoms and anxiety. S.E., 20.

…..(1931b). Female sexuality. S.E., 21.

…… (1933a). New Introductory Lectures on Psychoanalysis: Femininity. S.E., 22.

Ghent, E. (1990). Masochism, submission, surrender. Contemporary

Psychoanalysis, 25: 169-211.

Greenson, R. (1968). Dis-identifying from mother: Its special importance for the boy. International Journal of Psychoanalysis, 49: 370-374

Grossman, D. (2001). Be My Knife. New York: Farrar, Strauss and Giroux. Horney, K. (1926). The flight from womanhood. In: Feminine Psychology. New York: Norton, 1967.

Laplanche, J. (1987). New foundations for Psychoanalysis (trans. D. Maccy). Oxford and Cambridge, MA: Basil Blackwell, 1989.

…..(1992). Seduction, Translation, Drives, ed. J. fletcher and M. Stanton. London: Institute of Contemporary Arts.

….(1995). Seduction, persecution and revelation. International Journal of Psychanalysis, 76: 663-682.

May, R. (1986). Concerning a psychoanalytic view of maleness. In: Psychoanalytic Review, 73: 175-193

McDougall, J. (1989). Theaters of the Body. New York: Norton

…..(1995). The Many Faces of Eros: A Psychoanalytic Exploration of Human Sexuality. New York: Norton.

Mitchell, S. (1988). Relational Concepts in Psychoanalysis. Cambridge, MA: Harvard University Press.

Ogden, T. (1978). The transitional oedipal relationship in female development. International Journal of Psychoanalysis, 68: 485-498.

Silverman, K. (1990). Historical trauma and male subjectivity. In: E.A. Kaplan (Ed.), Psychoanalysis and Cinema. New York; Routledge.

Sander, L. (2002. Thinking differently: Principles of process in living systems and the specificity of being known. In: Psychoanalytic Dialogues, 12: 11-42.

Stein, R. (1998). The poignant, the excessive and the enigmatic in sexuality. International Journal of Psychoanalysis, 79: 253-268.

Stoller, R. (1975). Perversion: The Erotic: Form of Hatred. New York: Pantheon.

Stoller, R. (1980). Sexual Excitement. New York: Simon and Schuster.

اصدارات متعلقة

الاتجار بالاطفال
مرصد الاختطاف 2017-2018
مرصد وقائع الانتحار في مصر
استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم