القرآن والجنس/الجندر والجنسانية
التماثل، الاختلاف، المساواة*
اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة.(1)
قدمت في الفصل الرابع قراءتي للطريقة التي يكشف بها الله عن ذاته، ولسرديات النبيين إبراهيم ومحمد في القرآن، بغرض التدليل على أن الإسلام يعارض البنى التخيلية التي تصوغها الأبوية التقليدية، والتي تقدم صورة الله– الأب، أو النبي على هيئة الأب، أو الأب/ الرجل على هيئة الحاكم. وهنا، أقدم تحليلاً لموقف القرآن تجاه الجنس/ الجندر (النوع)، في سياق تدعيم دعوای بأن الإسلام يعارض النظريات الأبوية الحديثة التي تؤسس للتمايز (differentiation) الجنسي بأن تقدم الرجل في صورة “ذات ديكارتية مؤسِّسة“،(2) في حين تقدم المرأة في صورة آخر الرجل، وذلك بتبني الإسلام فكرة “الفروق الثابتة والتامة بين طبيعتهما“.(3) كما أقوم، وفي سياق ذي صلة، بدراسة تناول القرآن للجنسانية (sexuality)، بغرض إيضاح أن الإسلام – بخلاف “الأخلاقيات والدين للذكوريين” – لا “يضع المرأة والجنس معًا في سلة واحدة وكأن تبعات الخزي والعار (المرتبطة) بالجنس هي مسئولية المرأة وحدها” (ميليت (Millett)، ۱۹۷۰: 51).
وإذا كان التفكير المبني على الثنائيات القطبية هو في ذاته تفكير ذكوري،(4) شأنه في ذلك شأن الميل إلى الخلط بين الجنس والجندر، وربط المرأة بالجنس (والحط من قدر الاثنين في الوقت ذاته)، فإني أرى أن الكشف عن غياب مثل تلك الاتجاهات في القرآن من شأنه تأكيد الطبيعة المعارضة للأبوية في نظرية القرآن المعرفية. وعليه، فهذا ما سأقوم به هنا. وسأقدم في الأساس طرحًا مفاده أن القرآن لا يكتفى بألا ينظر إلى الرجال والنساء في إطار ثنائيات متضادة، ولكنه فوق ذلك لا يقدم النساء في صورة رجال ناقصين أو معيبين، كما لا يقدم الجنسين على أنهما غير متوافقين أو غير متكافئين أو غير متساوين، كما هو مألوف في تراث الفكر الذكوري الغربي/ المتغرب (Western/ized). وعلى نقيض تراث الفكر الذكوري الغربي/ المتغرب، نجد أن القرآن لا يربط حتى بين الجنس والجندر، ولا بين الجنس وتقسيم معين العمل، ولا بين الجنس وخصائص ذكورية وأنثوية (مثل الربط بين الرجال والعقل والمنطق(5) وبين النساء والغريزة والعاطفة). بل على العكس، لا يخلع القرآن على البشر طبيعة ثابتة، ذلك أنهم “يمثلون الكليَّة“.(6) علاوة على ذلك، فإن إشارة القرآن إلى خلق البشر من نفس واحدة، إلى جانب تحديده مفهوم الفاعلية الأخلاقية والذاتية في إطار “الفردية الأخلاقية“،(7) وتأكيده المساواة بين الرجال والنساء في السلوك الأخلاقي أمام الله، لتدل جميعها على أن المعيار الأوحد للتمييز في الإسلام معيار سلوکی وأخلاقي وليس معيارًا جنسيًا، كما تفسح المجال للاعتراف المتبادل بالفردية. (8) وعليه، فإن ما يحدد الذات الإنسانية في الإسلام هو الفعل ذو المنحى الأخلاقي الذي يتطابق مع تعاليم القرآن، لا الهوية الجنسية. وأخيرا، لا يكتفي القرآن بألا يستخدم الجنس /الجندر للتمييز ضد النساء، بل إنه لا يصم الجنس ذاته، ولكن يتعامل معه على أنه أمر طبيعي ومرغوب فيه لكل من النساء والرجال، عبر نهج سلوكي جنسي أخلاقي يبقى في إطار الحدود التي شرعها الله.
ولدعم هذا الطرح، أقدم في الجزء الأول قراءة لموقف القرآن من علم الوجود الإنساني، والخلق، والشخصية الأخلاقية، بينما أقدم في الجزء الثاني قراءة لموقف القرآن من الجنس/انية. كما أقوم بتوضيح الفارق بين المفاهيم القرآنية والأفكار ما قبل الإسلامية والغربية/ المتغرِّبة، وذلك بهدف شرح تلك المفاهيم وتأكيد خصوصيتها في آن واحد. وبينما ينظر الكثيرون من المنظِّرين الغربيين إلى مثل تلك المقارنات نظرة متشككة،(9) فلا توجد طريقة أخرى أو أفضل لإيضاح الفروق بين الاتجاهات والمواقف الدينية أو النظرية.
قبل الشروع في تحليل موقف القرآن من الجنس/انية، أبدأ ببعض الملاحظات حول تمثيل الجنس في التراث الأبوى لكل من اليهودية والمسيحية والغرب.
الصياغة الأبوية للجنس/انية
يری جفرى ويكس (Jeffrey Weeks)( 1985، 16) أن الجنس “قد استخدم لوقت طويل بوصفه سَيرًا دوارًا لتوصيل أشكال أوسع من القلق الاجتماعي، كما أنه طالما شكل بؤرة صراع حول السلطة، أي أنه إحدى الساحات الرئيسة التي تحدد السيادة والتبعية وتعبر عنهما“. وهكذا، فإن الصراعات حول الجنسانية … هي صراعات حول المعنى– حول ما هو لائق وما ليس لائقا“. ويلعب الدين دورًا حيويًا في تحديد المعاني وفي تنظيم ممارسات السلوك الجنسي (35). وفي ذلك السياق، يلاحظ المنظِّرون نزوع الاتجاهات الغربية/ المسيحية نحو النظر إلى الجنس على أنه “قوة طاغية يجب إخضاعها لسيطرة اجتماعية/ أخلاقية/ طبية” (ويكس، 8)، إلى جانب نزوعها نحو الربط بين الجنس والنساء، حيث تثير تلك الاتجاهات “المخاوف من الجانب الجامح في جنسانية الأنثى“، بالإضافة إلى فكرة أنه “بمقدور النساء تهديد البنية الذكورية، وحياة وسلامة عقول الرجال” (بادل (Padel)، ۱۹۹۳، 3-4). وبالطبع، فإن تسبق هذه الأفكارُ التراثَ اليهودي– المسيحي زمنيًا. فعلى سبيل المثال، كان الأثينيون القدامي يربطون بين النساء وكل ما هو مظلم و“لا يمكن الحديث عنه” في الطبيعة الإنسانية، كما كانوا يرون أن النساء (وحتى لبن الأم) من الأشياء ذات القدرة التلويثية(6). وقد كان جسد المرأة، وبخاصة أجزائه الداخلية، يُعَدُّ عرضة لمَسِّ الجن، في الوقت الذي تنوعت فيه وسائل السيطرة على جنسانية النساء ما بين ممارسة العنف ضدهن، وتغطيتهن وعزلهن، وهو ما يشكل نظامًا متكاملاً من التأديب والسيطرة تبرره نظريات حول إنسانية النساء المعيبة الناقصة (أنظري أحمد (Ahmad)، ۱۹۹۲ و کامیرون و کورت (Cameron and Kuhrt) ، ۱۹۹۳ وآيدى (Ide)، ۱۹۸۲). ونرى بعض الأفكار المشابهة في ترك الديانات السماوية (وليس بالضرورة في النصوص المقدسة). فمثلاً، تتعامل المذاهب اليهودية الأرثوذوكسية مع النساء خلال معظم فترات حياتهن بوصفهن كائنات ذات قدرة تلويثية، كما تقصر تحركاتهن أثناء فترة الطمث. تنص التوراة على أن “كل من مس فراشها [المرأة في فترة الحيض] يغسل ثيابه ويستحم بماء، ويكون نجسًا إلى المساء“، (11) بل ويرى البعض أنه إذا ما مرت المرأة بين رجلين أثناء بداية فترة الطمث عندها، سوف تتسبب في مقتل أحدهما. وفيما مضی،
وفيما يتعلق بطقوس القرابين، فقد كانت النساء في التلمود يوضعن مع الكبار والعبيد والأطفال والبلهاء والصم والبكم والأشخاص ذوي الهوية الجنسية المزدوجة أو غير الواضحة، وقد كانوا جميعهم محرومين من المشاركة في أمور العبادة داخل المعبد (آرتشر Aacher)) ۱۹۹۲، ۲۷۹).
ولم تكن النساء تمنع من مجرد دخول المعابد، بل من دراسة التوراة (بينما كان عليهن في الوقت ذاته الخضوع لمحاذير التوراة)، كما كن محرومات من “التعبير العلني عن التدين“. وقد كانت النساء أيضًا معفيات “تقريبا من كل الأوامر التي يرتبط القيام بها بوقت معين من أوقات اليوم أو العام“، كما كن معفيات من الإقرارات اليومية بالإيمان، وذلك جرِّاء عزلهن والادعاءات القاتلة بنجاستهن. ثم إن “العهد الشخصي الذي كانت تقطعه النساء على أنفسهن بتقديس الله كان يُعَدُّ طوال حياتهن مساويًا تقريبًا لنصف العهد الذي يقطعه الرجال“. وقد يفسر لنا كل ما تقدم لماذا كان الرجال من الأرثوذوكس يشكرون الله يوميًا على أن لم يجعل “منى امرأة” (12) (٢٨٤).
ولو أننا أنعمنا النظر لوجدنا أن تقديم المسيحية “النساء في صورة مستودع المبادئ الأخلاقية” ينطوي على مواقف سلبية تجاه النساء والجنس، ذلك أن النساء اللاتي يؤدين أدوار “الزوجة المطيعة والأم الراعية دائمًا” من فقط مَن يُعتقد بحسن أخلاقهن (ترنر (Turner)، 1985 ،٣٢٥). وفيما عدا هذه الأدوار، تُعَدُّ النساء نجسات وخطيرات ومرتبطات بالجنس الذي ينظر إليه على أنه “مصدر القذارة والخطيئة والضعف” (میلت (Millett) ،۱۹۷۰، 51). ومن هنا، نشأت عادة تغطية النساء بهدف حماية عفة الرجال، كما نشأت فكرة الرفض الأبدي للجنس والتبتل والتنسك (أي الخلط بين العفة والعذرية) في المسيحية. لكننا نجد أيضًا إلى جانب تلك النزعة نحو التنسك “نظرة مغرقة في الذكورية نحو الجنسانية” تبرر بغاء النساء بوصفه وسيلة تُمَكّنُ الرجال من تفريغ الكبت الجنسي، بينما تعزو في الوقت ذاته كل مثالب الحياة إلى الجنس (بارندر (Parrinder) ١٩٩٦، ٢٢٦). وكما تقول كيت ميليت(Kate Millett) (45) فإن كلمة “يأكل” في العبرية تعنى أيضًا الجماع، وأن العقاب الذي جاء جرَّاء “أكل” آدم وحواء هو أن يكدح آدم بعرق جبينه وأن يصبح سيدًا على حواء. إن هذا الربط بين النساء والجنس والخطيئة يشكل أنماط الفكر الغربي الأبوي الأساسية الذي تطور لاحقًا.” فبالقدر الذي ينظر به إلى الأنوثة على أنها السبب في الخروج من الجنة، فهناك كذلك “هوة موازية بين الأنوثة والقداسة،” وبالتبعية بين الله والنساء (بوريسن وفوجت ((Borresen and Vogt ، ۱۹۹۳، ۲۷).
ولكن الإسلام يقدم موقفًا واضحًا من تلك النظرة. فكما يشير فرانتس روزينتال(Franz Rosental) (۱۹۷۹، 4)، ثمة “مقولة شائعة بأن الإسلام بوصفه دينًا ومجتمعًا ينظران ‘نظرة إيجابية’ إلى الجنس، بعكس الاتجاهات السلبية التي يشيع ربطها بالمسيحية“. فالجنسانية لا تشكل خطرًا على المسلمين، كما أن “الرغبة الجنسية … تخدم مشيئة الله ومصالح الفرد في آن واحد“، ذلك أنها تساعد على استمرارية المجتمعات الإنسانية (نيكولايسن (Nicolaisen)، ۱۹۸۳،5). كذلك لا يُعُدُّ الإسلام عفة النساء الجنسية أمرًا مركزيًا، مما يشير ضمنيًا إلى أن عفة الرجال الجنسية كذلك أمر عَرَضي (متكاف (Metcalf)، ۱۹۹۰).
وبالرغم من كل ذلك، تمكنت البنى الأبوية الإسلامية من إقحام أفكار على الإسلام كانت في الأصل خاصة باليهودية والمسيحية، نتيجة للطبيعة الخاصة ” ‘ للعوالم’ البينية المشتركة” بين هذه الأديان الثلاثة (فاسرشتروم (Wasserstrom)، ۱۹۹5، ۲۰۹). ومن بين تلك الأفكار الجنوح إلى اعتبار الجنس أمرًا قذرًا وخطرًا، واعتبار النساء فاسدات/ مفسدات جنسيًا، وذوات نهم جنسی لا يشبع. وكما يرى البعض، تُشَكّلُ رغبة الإسلام في كبح جماح “نشاط النساء الجنسي” أساسًا للكثير من “مؤسساته العائلية” (نيكولايسن، 9). وفي الوقت نفسه، يؤمن الكثير من المسلمين بأن الرجال قد وهبوا شهوة جنسية شديدة القوة تجعل من تعدد الزوجات والخليلات ضرورة لإشباعها، وهي الفكرة التي تجعلهم يرون في النساء مجرد أوعية لإشباع رغبات الرجال الجنسية (صبّاح (Sabbah)، 1984).
لكن تلك الأفكار ليست مستمدة من القرآن، وإنما من تفسيره، ومن التراث الوارد عن حياة النبي، أي الحديث. وفي الواقع إن “السلوك الجنسي الإسلامي” له جذوره في الحديث، الذي يقدم، بحسب ما يرى جیمز بیلامی(James Bellamy) (۱۹۷۹، ۲۷) موقفين تجاه الجنس: أحدهما “ساذج وشديد التبسيط، بل ويتميز بالبراءة المفرطة أحيانًا، خال من التعقيد، متحرر من الشكوك وغير واعٍ على الإطلاق بالجوانب المظلمة في الجنسانية الإنسانية“. أما المنظور الثاني –وهو الأقوى تأثيرًا– فينم عن قدر أكبر من الوعي بالعورات (pudendency). وكما يشير بيلامی (۳۹) فإن “قواعد السلوك الجنسي في الإسلام” قد “صاغها الرجال،” وبخاصة المتصوفون، الذين يعزى إليهم الفضل في أخذ “الحكايات المتناثرة التي تتميز في الغالب بالتكرار والجفاف” والتي تدور حول الجنس، وصياغتها في قواعد سلوكية جنسية قابلة للتطبيق في الحياة“. وترى أنماري شيميل (Annemarie Schimmel )، (1979, 124) أن تلك القواعد الأخلاقية تتميز “بالخوف من سلطة الجنس الشيطانية ومخاطره“، وأن ذلك “الخوف من سلطة الجنس الخطيرة التي لا يمكن السيطرة عليها والآسرة في الوقت ذاته… يولد الجنوح نحو رؤية كل أوجه الحياة المخيفة (وبالتالي المكروهة) في المرأة، أي مفهوم النفس، أو الذات الدنيا (وهي مؤنثة في اللغة العربية)”.
تناول القرآن للجنس/انية
لا يتضمن القرآن آراء تعبر عن ازدراء النساء أو الجنس، بل يعارض العداء المتأصل ضد النساء الذي يُنتج تلك الآراء. وكما أذهب في هذا الجزء (وفي الفصل السادس)، يتناول القرآن موضوع جنسانية ((sexuality الإنسان (أي الهويات الجنسية المتشكلة اجتماعيًا) بقدر أقل مما يتناول موضوع الطبائع والسلوك الجنسي الإنساني. وفي صميم نظرته لكلا الموضوعين تكمن فكرة أن للرجال والنساء طبيعة جنسية متماثلة (فكرة التماثل الجنسي). وعليه يتبنى القرآن نظرة لا تمايزية تجاه الجنسانية، أي أنه لا يعزو نمطًا معينًا من الهوية أو الميل الجنسي أو من الدوافع نحو أنماط سلوكية معينة لأىِّ من الجنسين. فمثلاً لا يروج الإسلام لفكرة طبيعة النساء الجنسية الفاسدة أو الشريرة ولا لفكرة الجنسانية الذكورية المتعددة الأوجه التي تتسم بالشذود أو الانحراف. وبعكس ما تدعيه الكثير من النظم الأبوية وأشكال الفكر النسوي، لا تهدف أحكام الإسلام بخصوص تعدد الزوجات إلى إشباع شبق الرجال أو رغباتهم الجنسية. فالقرآن في الواقع يحض على العفة خارج إطار الزواج وداخله على حد سواء، ويوسع من مفهومه للعفة — الذي يرتبط بالأنوثة – ليشمل الرجال أيضًا. فالعفة في القرآن لا تعنى العذرية أو التنسك أو الامتناع عن الجنس، ولكنها تشير إلى سلوك جنسي محكوم في إطار الحدود الأخلاقية التي شرعها الله. وهكذا، فبينما يعترف القرآن بأهمية الرغبة الجنسية والحاجة إلى إشباعها، يرسي أيضًا أطرًا للتعبير عنها. وأخيرًا، فبينما ينم تأكيد القرآن على العفة عن بعض القلق تجاه الجنس، لا يتعامل مع الجنس نفسه على أنه أمر قذر أو خطير. على العكس، ينظر القرآن إلى الجنس على أنه في ذاته أمر صحي ويفضى إلى التحقق، أى بغض النظر عن دوره في التكاثر. وقد تلفت هذه الفكرة نظر هؤلاء الذين يرون أن “الانتصار الأكبر الحداثة” يتمثل في “قبول السلوك الجنسي بوصفه نشاطًا إنسانيًا مبهجًا وصحيًا دون ارتباطه بالحاجة البيولوجية للتكاثر” (راشكا وراشكا Raschke and Raschke، 1995، 7).
السلوك الجنسي: الاحتشام والاشتهاء
تُعَدُّ مقولة أن من “آيات” الله أنه “خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” (سورة الروم، الآية ٢١، ٢٩١) من المقولات المؤسسة في القرآن لمفهوم القرآن عن الجنس/انية والعلاقة بين الرجل والمرأة. وتنطوي كلمة “سكون“، التي غالبًا ما تفسر بالحب، على ألفة أعمق تستمد من التحقق الجنسي والصفاء الذهني (مير (Mir)، ۱۹۸۷). ويُعَدُّ استخدام هذه الكلمة في القرآن دالاً لسببين: أولا، يشير إلى أن الإسلام يتوقع أن تكون العلاقات الجنسية/ الزوجية مبنية على الحب المتبادل، والتآلف، والتحقق، وهي نظرة ثورية للغاية إذا ما أخذنا في الحسبان الزمن الذي قدمها الإسلام فيه (القرن السابع الميلادي). ولأن القرآن يشدد على تبادلية الرغبة الجنسية وإشباعها، فإنه يؤكد أن للرجال والنساء على حد سواء رغبات واحتياجات جنسية، كما أن لديهم ولديهن الحق في إشباعها. ثانيًا، لأن القرآن ينظر إلى الجنس بصورة تنطوي على فكرة التحقق واللذة المتبادلين، فإنه بذلك يؤكد أن الجنس لا يخدم فقط – أو في المقام الأول – أغراض التكاثر، بل إنه في حد ذاته نشاط مبهج وقصدي يفضي إلى السكون.
وتحمل الآية ذاتها دلالات أوسع، وذلك لسببين آخرين. فهي أولاً تنم عن أن القرآن،” بعكس المذاهب الثنائية” لا يضع الجنسانية مقابل الروحانية، ولكنه ينظر إلى الجنسانية “‘بوصفها دلالة’ على رحمة الله ونعمائه للإنسانية“. كما لا يربط القرآن بين الجنسانية والحيوانية أو الجسدية” (حسن Hassan) ۱۹۹۹، 341). وهكذا، لا يرى القرآن ، كما ينم سلوك الكثير من المسلمين، إن “الغريزة الجنسية (هي) ’أعظم نقاط الضعف لدى الجنس البشري’” (مودودی Maududi)، وردت في حسن، 351). على العكس، ينظر القرآن إلى الجنس “على أنه الأداة الربانية لخلق علاقات بين الرجل والمرأة تتصف بالترافق والسكون والحب والرحمة” (حسن، ٣٤١)، وثانيًا، تؤكد تلك الآية، مثل كثير من الآيات الأخرى، أن للنساء والرجال طبائع متماثلة /مشابهة (same/similar)، بما في ذلك الطبائع الجنسية، التي تشكل جانبًا أساسيًا من طبيعة البشر، أو الفطرة. إن ذلك التماثل / التشابه في الطبيعة (الجنسية) هو ما يجعل السكون المتبادل ممكنًا وأثيرًا.
وتتضح مساواة القرآن بين طبيعة النساء وطبيعة الرجال الجنسية أيضًا في ‘أقرانه’ بين الرجال و النساء في العديد من الموضوعات التي توضح التكافؤ / التطابق (equivalence/likeness) بينهما. فعلى سبيل المثال، ينص القرآن على “أن الخبيثات للخبيثين والخبيثون الخبيثات والطبيات للطيبين والطيبون للطيبات“، (سورة النور، الآية ٢٦).
وتؤكد الآية أنه يمكن للرجال والنساء على سواء أن يكونوا طيبين أو خبيثين جنسيًا، وأن المؤمنات لسن أقل من المؤمنين في حقهن في اتخاذ أزواج طيبين. وفي ذلك تتعارض الآية من ناحية مع نظرة الكثير من المسلمين إلى المرأة على أنها فاسدة جنسيًا، في حين تتعارض من ناحية أخرى مع قصر فكرة العفة (التي غالبًا ما تؤخذ بمعنى العذرية) على النساء. ولكن كما توضح الآية السابقة لا يقصر القرآن الحث على العفة على النساء. علاوة على ذلك، لا تتعلق الطهارة والعفة في القرآن بالهوية أو الطبيعة الجنسية بل بالسلوك، ولهذا يساوي القرآن بين الجنسين في تطبيق مفهوم العفة. ويتضح ذلك في آية أخرى: “الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحُرَّم ذلك على المؤمنين” (سورة النور، الآية 3).
ومن ثم، لا يتعلق السلوك الجنسي القويم أو الطهارة بطبيعة البشر أو هويتهم الجنسية بل بالأفعال. ثم إن الطهارة لا تعنى غياب الجنس، بل غياب أنماط معينة من الجنس (الزنا والفسوق)، كما تعني إعلاء شأن الطهارة والعفة وتجنب الشهوات والرذيلة وما إلى ذلك. إن القرآن– في حقيقة الأمر– يجعل حالة العزوف القسري عن الزواج، ومنح الإذن بالزواج، والزواج ذاته مشروطة جميعها بالسلوك العفيفة وتجنب الجنس المهين والعنيف الخارج عن إطار السيطرة (الشهوة والمسافحة) من قبل النساء والرجال على حد سواء (بالرغم من أن القرآن يخاطب الرجال أكثر مما يخاطب النساء في سياق التحذير من السلوك الشهواني). وهكذا، يحرم القرآن الجنس خارج إطار الزواج بأن ينصح من لا يملكون القدرة على الزواج بالآتي: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله” (سورة النور، الآية 33). ومن ناحية أخرى، يحث القرآن من لديهم القدرة على الزواج على البحث عن زوجات، “بأموالكم محصنين غير مسافحين (سورة النساء، آية ٢٤). ويحل للرجال، كما ينص القرآن “المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان” (سورة المائدة، الآية 6)[وردت هكذا في أصل المقالة المنشورة، والصحيح أنها الآية رقم 5 من السورة نفسها. (المترجمة)].
(يحرم القرآن على الرجال الزواج من المشركات حتى يؤمن، ولكنه يبيح لهم الزواج من كتابيات، كما يحرم على النساء الزواج من المشركين، في حين لا ينص على تحريم زواج النساء من كتابيين. أما التراث الديني فيحرم ذلك عليهن.) ويتضح لنا أن القرآن يقصد بالعفة عذرية الرجال والنساء معًا حين نجده يلزم من لا يقدر على الزواج بالامتناع عن الجنس، وينص على ألا يتزوج الطيبون والطبيبات غير بعضهم البعض. كما نرى ذلك حياة النبي. فقد كانت كل زوجاته، كما أشرت في الفصل الرابع، من الأراسل فيما عدا واحدة، فالمثال الذي نستقيه من زيجات النبي هو أن الطيبات لسن مجرد العذاري. كما أن القرآن ذاته لا يعلى شأن عذرية النساء. ثم إن الغاية من الزواج من العفيفات ليس الحث على الحفاظ عليهن، ولكن لكي يتمكن الرجال من الحفاظ على عفتهم داخل إطار الزواج، والذي يهدف في المقام الأول إلى تجنب الشهوات. وفي هذا السياق، يتضح بجلاء القرآن لا يَعُدُّ العفة أمرًا مقصورًا على المسلمات، فغير المسلمات يمكنهن أيضًا أن يكن عفيفات، كما أن لهن الحق في الحصول على الصداق، ويحق لهن أن يُطلبن للزواج، ليس بهدف الانغماس في الشهوات الجنسية. (وهكذا، فإن الرجال الذين “يتزوجون من غير المسلمات بهدف إضفاء الشرعية على علاقاتهم بهن خلال فترة العلاقة يخالفون تعاليم القرآن).
وهكذا، تتعلق العفة في القرآن بسلوك الفرد، أي باختيارات الفرد الأخلاقية والجنسية وليس بطبيعته أو هويته أو دينه أو حتى طبقته الاجتماعية. ويتضح ذلك أيضًا من أمر القرآن المؤمنين “وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم“(13) (سورة النور، الآية ٣٢). ويؤكد القرآن ببعض التفصيل أن العفيفات من العبيد أفضل من المؤمنات الأحرار، حيث يخبر الرجال أن من يود منهم الزواج من الإماء فيجب أن يكن “محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان” عندما يتزوجون (سورة النساء، الآية ٢٥). ويصوغ بكتول (۸۲) هذه الآية في ترجمته على النحو الآتي:
“Ye (proceed) one from another; so wed [slave girls and concubines]… and give Unto them their portions in kindness, they being honest, not debauched nor of Loose conduct”
وقد يقرأ البعض هذه الآية قراءة خاطئة على أنها تبرر الرق؛ وذلك في ضوء تراث ممارسات الأوروبيين البيض للرق والتي كانت قائمة على العرق، والتي تضمنت كذلك الاغتصاب والقتل والتشريد المنظم لملايين الأفارقة، ولكن المبدأ الذي يرسيه القرآن هنا لا يقول بأن الرق أمر عادل في ذاته، بل إن العبيد الذين كانوا موجودين في ذلك الوقت كانوا بشرًا ذوى ذوات أخلاقية وإرادة، ويتضح ذلك من فكرة أن القرآن يفترض قدرة الإماء وحقهن في هجر أخدانهن بعد الزواج. ومن أهمية تلك التعاليم أنها توضح أن العفة أمر متعلق بالاختيار وليس بالهوية أو الطبيعة. وهي أيضًا مهمة لأنها تمنح الإماء، وهن من يضعهن المجتمع في أدنى الدرجات الاجتماعية، الإرادة (الحق في هجر الأخدان عند الزواج)، وهكذا تمنحهن فاعلية أخلاقية وهوية شخصية! وبالرغم من أن الرق في القرن السابع في الجزيرة العربية كان مغايرًا لصورة الرق في العصر الحديث (إذ يحث القرآن على الزواج من العبيد)، فإن الإسلام قد عمل على الحد منه بطرق متعددة، تضمنت بالإضافة إلى الزواج عتق العبيد، وبخاصة في إطار التكفير عن ذنوب متعددة.
وفي ضوء رفض القرآن للفسوق وتأكيده أهمية تأسيس الزواج على الإحصان والتبادلية فإن المرء ليتساءل كيف يتأتى المسلمين أن يفسروا نصوصه التي تتناول تعدد الزوجات (أو زواج النبي من عائشة) على أنها تهدف إلى خدمة شهوات الرجال. فالقرآن، كما أدلل في الفصل السادس، لم يكتف بالتضييق على تعدد الزوجات، وإنما جعله مشروطًا بالعدل بين النساء. ولكننا نجد العديد من المسلمين يستخفون بتعاليم القرآن بأن يمتلكوا حريمًا ويعقدوا عقود زواج لمدة ليلة واحدة. فإلى جانب أن مثل تلك الممارسات لا تختم أغراضًا أخلاقية أو اجتماعية تتطابق مع مبادئ العفة والعدالة في القرآن، فإنها في الوقت ذاته تشوه هذه المبادئ. فبتأكيد الكثير من المسلمين أهمية عذرية النساء وحدهن، واتخاذ ذلك ذريعة لترويج الفتيات قبل سن البلوغ، وبفهمهم الخاطئ للوعد الذي يرد في القرآن بالكواعب الأتراب في الجنة على أنه يعطى رخصة للانغماس المطلق في الملذات، فإنهم بذلك يشوهون مبادئ القرآن المتعلقة بالاعتدال وضبط النفس والفضيلة تشويهًا كبيرًا (في الحقيقة إن مجرد ذكر الكواعب الأتراب يثير في كثير من الرجال خیالات الاغتصاب والتدنيس). وقد استطاع مثل هؤلاء الرجال من خلال خيالاتهم الشهوانية التي تتخذ صورة عربدة طقسية أن يحيلوا حتى تصوير القرآن للجنة إلى ما يصفه أحد منتقدي الإسلام “بيت الدعارة السماوي” (14) (بروكس (Brooks)، 1995، ۳۹)
السلوك الجنسي: من النظرة المحدقة (gaze) إلى الجسد
يمكن لنا في ضوء تعاليم القرآن فيما يتعلق بالعفة أن نفهم النصوص القرآنية التي تدور حول السلوك الجنسي، وبخاصة تلك المتعلقة بالنظرة المحدقة وبالجسد، والتي تنطبق على الرجال والنساء بالقدر نفسه. لقد أخضعت النسويات نظرة الرجال المحدقة، والمتمثلة في النشاط القضيبي/ المتفحص، لنقد مفصل. فنجد بعض المنظِّرات تشددن على “سطوة النظرة المحدقة” التي تبيح للرجل أن “‘يتفحص’ المرأة” (كنج (King)، ۱۹۹۲، ١٣٤)، فيما انتقدت منظِّرات أخريات “الطبيعة المدموغة بالجندر لأن تنظر أو يُنظر إليك (بونر وجودمان Bonner and) (Goodman، ۱۹۹۲، 4). وترى هذه الآراء أن ذلك يعطى الرجال السلطة بوصفهم “متفرجين” بينما “تعيش النساء بوصفهن مرئيات لا رائيات” (كنج، 135 – 36). ولكن القرآن في الواقع يحظر كل النشاطات المتفحصة حين ينهى عن النظرة ذاتها، وهو يفعل ذلك في سياق تناوله موضوع “الحجاب” كما أوضحت في الفصل الثاني، وهكذا، يطلب القرآن من النبي أن يقول
” للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن (15) ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا…”(16) (سورة النور، الآية 30) [ وردت هكذا في أصل المقالة المنشورة، والصحيح أن الأقتباس يأتي من الآية 30 وجزء من الآية 31 من السورة نفسها، (المترجمة)]
ويترجم يوسف على (١٩٨٨، ٩٠٤) كلمة “ظهر منها” إلى“except What (must ordinarily) (appear”) أي ما يظهر (عادة)، وهي ترجمة تبدو أكثر ملائمة حيث إن ما يظهر بالضرورة وكما تجرى العادة” هو أمر يتحدد بالسياق الثقافي المعيش، وأن هدف القرآن هذا هو الحث على الاحتشام في كل السياقات الثقافية وليس فقط في الثقافة العربية، بينما لا يسعى إلى جعل أنماط الزي العربي أنماطًا عالمية.
وقد طرحت سابقًا فكرة وجود مفهومين “للحجاب” في القرآن، أحدهما محدد (specific) والآخر عام (general). وقد ناقشت في الفصل الثاني النموذج المحدد (المتوقف على ضرورات السياق التاريخي). ولهذا، سأقصر تركيزي هنا على النموذج العام الذي نستقيه من الآية السابقة. وفي هذا السياق، يجب أن أشير إلى وجود مفهومين “للحجاب” في هذه الآية أيضًا: أحدهما يتعلق بالعين/ النظرة المحدقة، والثاني يتعلق بالجسد/ الملبس، وهما مفهومان يكثر الخلط بينهما مما ينتج عنه تبعات كارثية على النساء. ولهذا، جنح الكثيرون من المعلقين القدامى الذين فهموا أن تلك الآية تعنى أن النظرة المحدقة هي “رسول الفسوق“،(17) إلى تخفيفها لا بالطريقة التي اتبعها القرآن بأن حث على احتشام الرجال والنساء على حد سواء، ولكن بأن عزلوا النساء وحجبوهن بغية الحفاظ على عفة الرجال الجنسية. (١٨) ولكننا نجد القرآن يرفض السلوك التفحصي عند الرجال والنساء على حد سواء. ثم إن الأمر بغض البصر في القرآن يشير إلى أن الناس في الأساس لديهم حرية النظر إلى بعضهم البعض في الأماكن العامة. فلو كان هناك فصل بين الرجال والنساء، ولو كانت النساء تخفين وجوههن بالحجاب لما كان غض البصر ضروريًا، ولأصبح الأمر القرآني غير ضروري. ولهذا يرسى هذا الأمر القرآني فكرة حرية النساء في التواجد داخل الأماكن العامة (كما ترسيها أيضًا الآية الخاصة بالجلباب التي أشرت إليها في الفصل الثاني)، وهو ما يقوِّض ادعاء المسلمين المحافظين بأن الإسلام يأمر بعزل النساء وإخفائهن.
وبالرغم من أن الحجاب الحقيقي هو حجاب العين/ النظرة المحدقة، كما يتضح من تلك الآية، فإن القرآن يهتم أيضًا بالملبس/ الجسد. وفي هذا السياق، من الضروري ملاحظة أنه أولاً يأمر الرجال والنساء على حد سواء بالاحتشام في الملبس، أي أن القرآن لا يخص النساء فقط بموضوع الاحتشام في الملبس. وثانيًا أن القرآن يصف الاحتشام في الملبس وصفًا مقتصدًا على أنه تغطية العورات. ويكمن الفارق الوحيد في أن القرآن لا يشير إلى زى الرجال و “زينتهم” فيما يشير إلى زى النساء وزينتهن. وثالثًا، من الضروري أن يكون واضحًا لدينا أن وظيفة الخمار (الشال) هو تغطية الصدر لا الوجه، وهو ما يتضح لنا ليس فقط من طبيعة تلك القطعة من الملابس ذاتها، ولكن أيضًا من الآية التي تسهب في الإشارة إلى الصدر والعورات. ولكننا نجد المفسرين المسلمين يتغاضون عن هذه الحقيقة ويركزون بدلاً من ذلك على كلمات مثل “الزينة” التي لا يحدد القرآن معناها، ولكنهم يحددونها بمعنى شديد الاتساع إذ يضم الوجه والشعر. وقد أدي تسلط سيطرة جسد المرأة على عقولهم إلى توليد أنماط من الحجاب لم يشرعها القرآن، كما أدى إلى تشتيت الانتباه عن نصوص القرآن المتعلقة “بحجاب” الرجال، إن عن التعاليم المتعلقة بعرض الرجال لأجسادهن بشكل لائق على مرأى من المؤمنات: “يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض” (سورة النور، الآية 58). فإذا كان يتعين على النساء ألا يكن مصدر إثارة جنسية ولهذا وجب عليهن الاحتشام في الملبس خارج البيت، فإنه يتعين على الرجال كذلك ألا يكونوا مصدر إثارة جنسية بأن يضعوا ثيابهم حتى أمام “نسائهم“. فحتى الرجال لا يحق لهم في كل الأحوال عرض أجسادهم حتى وهم ينعمون بالخصوصية داخل بيوتهم.
ولهذا، من المعقول أن نفترض أن اهتمام القرآن باحتشام الجسد مبنى على نظرته إلى الجسد ذاته على أنه جسد ذو طبيعة جنسية لا نتيجة اهتمام خاص بجسد المرأة. وينطوى موقف القرآن تجاه الجسد ذي الطبيعة الجنسية على عَدَّ ذلك الجسد مثيرًا وليس على عدِّه ملوثًا. فالقرآن لا يتضمن دروسًا مطولة مثل “الدروس الدينية اليهودية – المسيحية التي تتناول خطايا الجسد” (ويكس Weeks))، ۱۹۸5، 65). وهكذا، بينما يحول القرآن بين الجسد والسلوك المتفحص، فإن ذلك لا يعني أن القرآن يمحو طبيعة الجسد الشهوائية أو الجنسية. فحتى الجسد اللا الشهواني (إذا كان بإمكاننا إطلاق هذا الوصف على الجسد المغطى بالملابس) ليس جسدًا لا جنسي. يمكننا إذن القول بأن القرآن يهتم بترشيد الرغبة الجنسية لا بجعل الجسد ذاته جسدًا غير جنسي/ غير شهواني، أو في المقابل جسدًا خبيثًا/ آثمًا. بمعنى آخر، يربط القرآن الرغبة بالجسد، ويرى الجسد– سواء جسد الرجل أو المرأة – شهوانيًا لا خبيثًا.
نحن إذن بحاجة إلى فهم أحكام القرآن المتعلقة “بالحجاب” في سياق نظرته إلى الأجساد الإنسانية على أنها أجساد قادرة على أن تكون فاعلة للرغبة أو موضعًا لها، لا بوصفها عورات. إن القرآن في الحقيقة لا يشير إلى العورة، ولا إلى عورات النساء على وجه الخصوص، كما لا يطرح فكرة أن صلاح المجتمع الإسلامي يعتمد على إخفاء النساء عن الأنظار بأن نحظرهن في بیوتهن أو بأن نغطيهن بأغطية الرأس والجسد. إن ما يوصى به القرآن هو ارتداء الرجال والنساء ملابس محتشمة وألا يعرضوا أجسادهن “بشكل خليع” فيكونون محطًا للأنظار. وتخلو تلك النظرة تمامًا من كل ما يدعم مفهوم المسلمين المحافظين عن أجساد النساء، أو عن طبائع الرجال والنساء الجنسية، أو عن الحجاب.
وإذا كانت تعاليم الإسلام تتعارض تعارضًا جوهريًا مع القراءات المحافظة لها، فانها كذلك تتعارض مع الآراء الغربية والنسوية تجاه الجسد. وهنا يظهر أن بقاء ذلك الجسد الشهواني في القرآن جسدًا مستورًا وليس جسدًا معروضًا أمام أنظار الجميع هو أكثر ما يشكل استفزازًا شديدًا للعديد من الغربيين والنسويات ممن يرفضن الربط بين كشف الجسد وجعله متاحًا جنسيًا (ولكننا نجد هؤلاء النسويات أنفسهن يذهين إلى أن الجسد المختفي وراء الملابس هو جسد غير متاح جنسيًا!)، وهناك من يرفض فكرة أن الغرض من كشف الجسد هو إثارة الرغبة الجنسية، بينما يذهب البعض إلى أن حق النساء في اختيار ما يرتدينه يغلب على أية إثارة يمكن أن يثرنها في الآخرين. بل إن الفكرة الرائجة لا تكتفي فقط بازدراء الاحتشام الجنسي (“مادمت تملكينه فلتتباه به أمام الجميع“)، ولكنه يفترض أن الاحتشام لا ينبع من أسلوب ارتداء الملابس أو خلعها بل من ردود أفعال الآخرين تجاه ذلك. ثم إننا نرى الجسد المكشوف يقدم في صورة الجسد الحر/ المتحرر، مما يوحي للآخرين بأن الأجساد المغطاة بالملابس هي أجساد أسيرة/ سجينة. وبينما تشكل بعض نماذج الحجاب سجونًا بالفعل، فإن اقتراض وجود ارتباط بين العرى، والحرية/ الديموقراطية أو بين الجسد المغطى والرق لهو ضرب من التسطيح الشديد. ففي الواقع، كان العبيد تاريخيًا هن من يمنعن من حق تغطية أجسادهن كما يشير القرآن عندما يحدد وظيفة الحجاب (“الرداء” ) في التمييز بين الأحرار والعبيد من النساء، وكما أوضحت في الفصل الثاني.
النساء بوصفهن ممتلكات جنسية؟
ترى الكثيرات من النسويات المسلمات أن الزواج في الإسلام هو مؤسسة أبوية لأنه “ينقل” الحق في جنسانية المرأة من “قبيلتها إلى الرجال” (۱۹) (أحمد (Ahmad)، ۱۹۹۲، ٦٢)، وترى أخريات ان الإسلام يُشَيِّىء النساء بأن يصنفهن بوصفهن نوعًا من أنواع المقتنيات التي تشكل إغراًء للرجال في الأرض (صبّاح، ١٩٨٤). ولا تنبع القراءات “النسوية” – التي ترى أن الإسلام يعامل النساء بوصفهن ممتلكات الرجال الجنسية– من القرآن بل من تفسير أبوى متحفظ لآيتين محددتين: سورة آل عمران الآية 14، وسورة البقرة الآية 223. وفيما يلى أناقش هاتين الآيتين الواحدة تلو الأخرى.
ترد الآية 14 من سورة آل عمران في ترجمة معاني القرآن لآى جای آربری (A. J. Arberry) وتقول الآية: “زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب“. وبالرغم من أن النساء يردن ضمن “شهوات” الرجال في الأرض، فان الآية تعدد ما يشتهيه الرجال وليس ما يريد لهم الله أن يشتهونه وهو القرب من الله. وفي الحقيقة فإن موقف القرآن جلى من أن شهوات الرجال وما يرغبون في الحصول عليه قد يؤدي إلى خسارتهم لآخرتهم. ولهذا، فإن الغرض الرئيس من تلك الآية تأكيد أن الدار الآخرة تفوق الحياة الدنيا في الأهمية، وليس وضع القواعد المتعلقة بطبيعة الممتلكات أو بالنساء بوصفهن جزءًا من تلك الممتلكات. ولا تعنى الآية كذلك أن النساء ما هن سوى مغريات ليس لهن دور سوى الحول بين الرجال والفوز برضى الله. ولا ينص القرآن في أي سياق على أن الحياة الآخرة متوقفة على ترك حب النساء من أجل حب الله، إذ لا يوجد تنافس بين الله والنساء من أجل الحصول على حب المؤمنين الرجال واهتمامهم، كما تذهب النسويات والمتعصبون ضد المرأة على حد سواء(۲۰). فمثل ذلك الرأي لا ينتهي إلى تشويه فكرتنا عن الذات الإلهية فحسب ولكنه يتنافى كذلك مع تعاليم القرآن القائلة بأن الله قد خلق الرجال والنساء لكي يحيوا معًا على هذه الأرض في مودة وتآلف وتحقق جنسی متبادلين، ولكي يحيوا كذلك في الحياة الأخرى (الجنة) لو كانوا من المؤمنين.
تبقى الآية ٢٢٣ من سورة البقرة التي تشير إلى النساء بوصفهن “حرثًا” والتي يترجمها الكثير من المفسرين على أنها “أرض محروثة” (tilth) (ممتلكات). ولكن قراءة هذه الآية قراءة مستوفية تتطلب قراءة الفقرة التي تسبقها (أي الآية ٢٢٢):
ويستلونك عن المحيض قل هو اذی فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإن تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوة (سورة البقرة الآية 222 – ۲۲۳)
ويفهم الكثير من المسلمين من هذه الآية أن الزوجة هي ملكية زوجها الجنسية وأن من حقه مجامعتها متى شاء وكيفما شاء (دون موافقتها). كما يأخذون الإشارة إلى المحيض بوصفها دليلاً على أن النساء أنفسهن خبيثات. ولأنه من الأسهل دحض ذلك الادعاء الأخير فسوف أتناوله أولاً. إن أصل كلمة “أذى” هو “خسارة، ضرر، إصابة، مشكلة، مضايفة، شكوى” (كوان ((Cowan ١٩٧٦، ١٢). وهكذا، فإن المحيض هو ألم ومرض، إلى آخره، وليس تلوثًا، وحتى لو نظرنا إلى دم الحيض بوصفه ملوثًا فلا يعني ذلك أن النساء وأجسادهن ملوثين بالتبعية، لأن القرآن لا يورد أية مقولة بهذا المعني. ثم أن الحظر المتعلق بالمحيض في القرآن لا يشمل سوى الجماع ولا يمتد إلى الألفة الجنسية ولا يدعو إلى النبذ الاجتماعي أو العزل (بدوى ((Badawi، 1995)، وهناك أحاديث مفادها أنه بإمكان الحائضات الذهاب إلى المساجد والحج والجهاد والدعاء، بل وأن يقرن القرآن في حجورهن متبعات بذلك سنة النبي (صدِّيق ((Siddique، ۱۹۹۰، ۱۷)، وبينما ينصح القرآن بالاغتسال بعد المحيض والجماع، ينصح أيضًا بالاغتسال بعد التبول والتبرز، وهو ما يشير إلى أن الخبث مرتبط ببعض الوظائف الحيوية بعينها لا بالاختلافات الحيوية. وبينما “تؤكد المحاذير المتعلقة بالمحيض على الاختلافات بين الجنسين، ينبغي عدم الربط بين الوجود المحض لتلك المحاذير وغياب المساواة بين الجنسين“، ذلك أن تلك المحاذير موجودة حتى داخل المجتمعات التي تشتهر بالمساواة (بونفيو (Bonvillain)، ۱۹۹5، ۲۰۷). أما فيما يتعلق بالمضمون العام للآيات، فأولاً يقال إن تلك الآيات نزلت ردًا على أسئلة الرجال الخاصة بالتوقيت والأوضاع التي يسمح لهم فيها بالجماع. وقد جاء رد القرآن على التساؤل الخاص “بالتوقيت” بأن نهي عن الجماع أثناء فترة الحيض لأنها فترة أذى وابتلاء للنساء. (ينهي القرآن كذلك عن الجماع أثناء صيام رمضان عندما يمتنع المسلمون عن الطعام والشراب). ثانيًا، تأمر الآيات الرجال بأن يأتوا نسائهم من حيث أمرهم الله، ويمكن أن تؤخذ الإشارة هنا بوصفها إشارة إلى أمور عامة أو أمور محددة. وينهي القرآن بشكل عام عن الاشتهاء (lust) وبالتبعية عن العنف والإكراه. أما ما تأمر به الآيات من حيث الأمور المحددة فيتعلق فيما يبدو بأوضاع الجماع، ولأن الإشارة إلى “من حيث أمركم الله” في الآية السابقة تلغي “الممارسات ‘غير المألوفة’” (٢١) فتبدو الإشارة هنا إلى الجماع المألوف أو المهبلي، وهو ما توحي به أيضًا الاستعارة من الحرث، أي نثر البذور، كما يوحي به الحظر المتعلق بالمحيض. إذن لم يترك السماح للأزواج بإتيان زوجاتهم مفتوحًا كما يبدو من أول وهلة، فمن الواضح أن الرجال ليست لديهم الرخصة لمجامعة زوجاتهم متى شاموا وكيفما شاءوا. وإذا كان الكثيرون من الرجال يقرءون تلك الآيات على أنها تقدم لهم رخصة لاغتصاب زوجاتهم أو إيذائهن فقد يكون ذلك لأن هؤلاء الرجال يؤذون زوجاتهم بالفعل ويبحثون عن مبررات من الدين تبيح تعدياتهم.
على أية حال، لا يقبل القرآن السلوك الجنسي المنطوي على الإهانة أو العنف، كما لا يجعل من المرأة ملكية جنسية لزوجها، على الرغم من استخدامه كلمة “حرث“. وبما أن الأبويين والنسويات على حد سواء مستعدون لتعليق منظومة معرفية كاملة على تلك الكلمة، مغفلين كل الجوانب الأخرى في تعاليم القرآن، فسوف أقصر تحليلي هذا على استخدامها في القرآن، مقدمة طرحًا تاريخيًا ونصيًا يرفض ترجمتها على أنها تعنى ممتلكات.
يري الطرح التاريخي أن الاستعارات لا ترتبط بزمن معين، إذ تحمل معاني مختلفة في سياقات اجتماعية وثقافية وتاريخية مختلفة. فعلى سبيل المثال، لا يمكن تصور أن كلمة “حرث” كانت في القرن السابع تعني الملكية، إذ أن ملكية الأرض لم تكن معروفة بعد. ولذلك لا يمكن أن تكون مستخدمة في القرآن بمعنى الملكية؛ لأنها في تلك الحالة لم تكن لتحمل أي معنى لمن يسمعها. ولو كانت الكلمة، بمفهوم أوسع، تشير إلى الأرض، فإن كلمة الأرض كما ترد في القرآن “ينبغى حمايتها لا تدميرها وتلويثها” (حنفى Hanafi)، ١٩٩٦، ۲۰۹)، ولو كانت الاستعارة تهدف إلى الإشارة إلى الزراعة فإن “استخدام التشبيه بالأرض المزروعة يوضح أن ما يشار إليه هنا هو الجماع الطبيعي“، ذلك أن استعارة الحرث تشير إلى نثر البدور (بل(Bell) ۱۹۹۱، 46). وهكذا، فحتى لو كان الكثير منا يجنح اليوم إلى فهم كلمة “حرث” على أنها تعنى الممتلكات، فإن ذلك المعنى لا يمكن أن يكون معناها المألوف لدى المجتمعات الإسلامية الأولى.
ثانيًا، بينما تتصف الاستعارات، مثلها في ذلك مثل النصوص، بأنها متعددة المعاني، من الممكن أن نحدد المعنى النصي والرمزي الغالب لو أننا بحثنا في سياقات أخرى لاستخدام تلك الاستعارات. وهكذا، فإن الحرث في القرآن يشير أيضًا إلى الجنة: “من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب“. (سورة
الشورى، الآية ٢٠).
أما بيكتول (345) فيترجم تلك الآية على النحو الآتي:
“Whoso desireth the harvest of the Hereafter, We give him increase in its harvest. And Whoso desireth the harvest of the world, We give him thereof, and he hath no portion in the Hereafter”.
وهكذا، يرد الحرث في إحدى الترجمات بمعنى فلاحة الأرض، بينما يرد في ترجمة أخرى بمعنى الحصاد. وترد الكلمة في ترجمة آربري على أنها فلاحة الأرض. وعلى أية حال، لا يمكن فهم أيًّ من هاتين الترجمتين بصورة حرفية بمعنى أن الجنة مملوكة للمؤمنين توهب لهم ليفعلوا بها ما يشاءون! كما لا يمكن فهم الآية بمعنى أن حرث الجنة من نصيب الرجال فقط. ولكن الحرث، نصيًا ولغويًا وتاريخيًا يشي بمعني الفلاحة. ولأن المؤمنين ليسوا جميعًا من ملاك الأراضي، ولأن القرآن لا يُعني بالزراعة بشكل خاص، فإن المعنى المقصود من استخدام القرآن مصطلح الفلاحة يشير إلى أن المقصود به هو زرع المحبة والرحمة، حيث تشغل تلك الموضوعات مكانة مركزية في تعاليم القرآن المتعلقة بالزواج والعلاقة بين الرجال والنساء. وأخيرًا فلو أخذنا في الحسبان أن القرآن لا يشير في أي سياق كان إلى أي إنسان (حتى ولو كان عبدًا) على أنه ملكية لشخص آخر، فسوف يتبين لنا أنه من الخطأ الخلط بين كلمة حرث وفكرة أن النساء ملكية جنسية. وبالطبع، من الممكن فهم الآيات فهمًا خاطئًا يؤدي بنا إلى ذلك المعنى. فلطالما قابلنا آراًء أكثر ضررًا وغرابة تتعلق بخيوط أكثر هشاشة. ولكن مثل هذا الفهم يتعارض مع تأكيد القرآن المساواة والتبادلية، ومع إشارته إلى الأزواج والزوجات على أنهم “لباس” لبعضهم البعض (سورة البقرة، الآية 187). وتتضمن كلمة لباس، بحسب موراتا ((Murata معنی “أنا الإنسان الثانية“. ففي القرآن لا تمثل الملابس مجرد حماية من الشرور، ولكنها أيضًا تخلع ألقا على من يلبسونها، وهو لذلك ينصح المؤمنين بارتداء أحسن ثيابهم عند العبادة، بالرغم من أن “لباس التقوى” هو خير من ذلك كله (سورة الأعراف، الآية ٢٦).
ولو لم نكن نتعامل مع قرون من التمييز الجنسي والتحامل على المرأة، لكان تشديد القرآن على التبادلية كافيًا لصرف الرجال عن فكرة أن زوجاتهم هن ممتلكاتهم أو أن إرادة الزوجة لا تساوي شيئًا (وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى القول بأن الجنس في الزواج لا يتطلب الرضا المتبادل). ولكن تعاليم القرآن وبخاصة إزاء تلك الموضوعات الحساسة قد تعرضت للأسف للتجاهل وإساءة الفهم والتشويه المنظمين. ولهذا، فسوف أختم هذا الجزء بتناول موضوع ما إذا كان القرآن يساند الجنس في إطار الزواج بدون قبول متبادل من الطرفين وان المرأة /الزوجة لا يحق لها إعمال إرادتها في ذلك الشأن.
بالرغم من أن الآيات السابق ذكرها لا تشير إلى إرادة الزوجة أو إلى فكرة الجنس بقبول الطرفين في إطار الزواج (وهو ما لم تتضح لنا قيمته سوي مؤخرًا)، فإن القرآن يثير القضيتين في سياقات أخرى. فبالإضافة إلى أن القرآن يعزو الإرادة الحرة إلى النساء بوصفهن ذواتًا أخلاقية فاعلة، فإنه كذلك يعزو الإرادة الحرة إلى النساء بصفتهن كائنات جنسية في موضعين آخرين على الأقل. أولاً، وكما ذكرت سابقًا، يفترض الإسلام أنه بإمكان حتى الإماء أن يمارسن إرادتهن في ألا يتخذن أخدانًا. وإذا كان ذلك الأمر لا يخضع لاختياراتهن فلن يكون ثمة معنى لتفضيل القرآن الإماء العفيفات على الحرات غير العفيفات. وثانيًا، يخاطب القرآن الرجال قائلاً “لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا“(22) (سورة النساء، الآية ١٩). وبينما تشير الآية هنا إلى العادات التي كان العرب يتبعونها في القرن السابع الميلادي بأن يرثوا زوجات الأب المتوفى بوصفهن جزءًا من تركته، تبقى حقيقة أن القرآن يعزو الإرادة إلى النساء في الأمور المتعلقة بالإتاحة والاختيار في الجنس، كما يفرض على الرجال احترام إرادة النساء. وهكذا، يفترض القرآن أن الرجال سوف يحترمون إرادة النساء حتى الإماء منهن إذا هن رفضن أن يمارسن الجنس مع أخدانهن بعد الزواج (أي أن القرآن يفترض أن الإماء سوف يحجمن عن اتخاذ أخدان بعد الزواج، وأن هؤلاء الأخدان سوف يَعُدُّون هذا الرفض قاطعًا!) فماذا إذن يدعونا إلى افتراض أن المرأة تفقد إرادتها عند الزواج، أو أنها تصبح غير قادرة على التعبير عنها، أو أن الزوج غير ملزم باحترام تلك الإرادة إذا ما عبرت المرأة عنها بأن أعلنت مثلاً رفضها الجماع في وقت معين أو في وضع معين؟ أن الزيجات الإسلامية غالبًا ما يشار إليها بأنها “عقود جنسانية مبرمة بقبول الطرفين“. (۲۳) وبالرغم من أن القرآن لا يتحدث تحديدًا عن الجنس بقبول الطرفين في إطار الزواج، فإن تعاليمه بخصوص ألا يأخذ الرجال النساء بدون إرادتهن، وبتأكيده مفهوم السكون، تفترض وجود الحب والعطف واللياقة المتبادلين بين الأزواج. ولا يمكننا الالتزام بتلك القيم إذا لم نحترم إرادة ورغبات بعضنا البعض. وهكذا، فبالرغم من أن القرآن لا يقدم تلك القضية بلغة مألوفة لدينا، فانه لا يقبل إساءة معاملة الزوجات. ومن اللافت أنه حتى الأحاديث المتحاملة على المرأة لا تدعو إلى أن يجامع الزوج زوجته عنوة.
بناء على التحليل السابق، يبدو أن الجنس كما يقدمه القرآن تصنيف أنطولوجي لا مجرد تصنيف اجتماعي. ولكن القرآن في الوقت نفسه لا يستخدم الجنس بهدف بناء تسلسلات تراتبية ( hierarchies) أنطولوجية أو اجتماعية تفضى إلى التمييز ضد النساء. وهكذا، يعترف القرآن بالاختلافات بين الجنسين ولكنه لا ينادي بالتمييز الجنسي. وبكلمات أخرى، يعترف القرآن بالخصوصية الجنسية ولكنه لا يربطها بأية رموز جنسية.(24) ولأن القرآن لا يخلع محتوى ما أو معنى ما على الجنس بمعناه الحيوي فإن كون الإنسان رجلاً أو امرأة لا يحمل في ذاته معنًى معينًا. وبالقدر نفسه الذي يصعب معه التحدث نظريًا عن تعاليم قرآنية تحدد نهائيًا العلاقة بين الجنس والجندر، يصعب كذلك الربط بين الجنس البيولوجي وبعض تسلسلات الجنس/ الجندر التراتبية أو المجحفة.
ومن الناحية الأخرى، بينما يعترف القرآن بالاختلاف الجنسي لا يضفى صبغة جنسية على ذلك الاختلاف. بعبارة أخرى، لا يصور القرآن النساء في إطار خصائص تتميز بها النساء وحدهن،(25) ولا يقول بأنهن نقيض الرجال أو أنهن يمثلن الجانب الأدنى من الخلق، ولا هو يصور الرجال في إطار خصائص يتميز بها الرجال وحدهم،(26) ولا يقول بأنهم نقيض النساء أو أنهم وحدهم يمثلون الجانب الأعلى من الخلق. وترى آمنة ودود (Amina Wadud) (1999, xxi) إن القرآن لا يتضمن “مفهومًا عن المرأة” لأنه لا يتضمن كذلك مفهومًا عن الرجل “المدموغ بالجندر” (الخط الداكن في العبارة السابقة أضيف بواسطة كاتبة المقالة). وهكذا، فأيًا كانت الاختلافات بين النساء والرجال فهي “لا تشير إلى قيمة متأصلة” وإلا أصبح مفهوم الإرادة الحرة غير ذي معنى” .(٣٥)
وبالرغم من أن القرآن لا يجعل الجنس محلاً لثنائيات الجندر، فإنه يعترف بالخصوصية الجنسية بحسب ما نجد في نظرته إلى أجساد الرجال والنساء على سبيل المثال. ولا تتبع آراء القرآن تجاه الجسد من منطلق “بيولوجي مبني على التفاوات الجنسي” لاكوير(Laqueur)، ۱۹۹۰، ١٩٦) أو من مقولات تتعلق بالتمييز بين الجنسين أو غياب المساواة بينهما. وهكذا، فإنه وقد أصبحت النصوص الواردة في القرآن بخصوص “الحجاب” جزءًا من أشكال الخطاب الإسلامي التي تشير إلى غياب المساواة بين الجنسين، فإن القرآن نفسه لا يضع نظرته إلى جسد المرأة في سياق ذلك الخطاب. وبينما يعترف القرآن بخصوصية جسد المرأة الجنسية، مما يعني أيضًا إمكان تعرضه للأذى بشكل أكبر في المجتمعات الأبوية، لا يهدف بذلك إلى التمييز ضد المرأة. علاوة على ذلك، وكما تعترف النسويات أنفسين في الوقت الراهن، “فإن الاعتراف بتميز جسد المرأة وخصوصيته لا يعني بالضرورة النظر إليها على أنها ‘مختلفة’“. وهكذا، يصبح بإمكاننا تأكيد “الخصوصية الحيوية لجسد المرأة” دون قبول “الظروف التاريخية التي أنتجت شكله الحالي (أیزنشتاین(Eisenstein) ۱۹۸۸، 107، 4). فالقرآن دون شك لا يبارك الصور النمطية لجسد المرأة ولا الظروف التاريخية التي أنتجت أنماطًا معينة لإنتاج تلك الصور. وهكذا، فأيًا كانت الأفكار التي يعبر عنها المسلمون عن النساء وأجسادهن وعن الجنس والاختلافات الجنسية فإن القرآن ذاته لا يرى أن الجنس أو الاختلافات الجنسية تحدد الشخصية الأخلاقية أو أدوار الجندر أو تقضي بغياب المساواة. لا يتجلى لنا ذلك في موقف القرآن من الموضوعات التي ناقشتها هنا فحسب، بل ويتضح كذلك في تناوله الأسرة والزواج، وهي الموضوعات التي أتناولها في الفصل التالي.
أسما برلس Asma Barlas)): باحثة أكاديمية تلقت تعليمها في باكستان والولايات المتحدة الأمريكية، وهي مديرة مركز دراسة قضايا الثقافة والعرق والإثنية التابع لقسم الدراسات السياسية بكلية أيثاكا في مدينة نيويورك. وهي متخصصة في السياسات الدولية والمقارنة، وفي الدراسات الإسلامية وتأويل القرآن، وقضايا النساء والجندر. وقد تركزت أبحاثها في السنوات الأخيرة على تتبع كيفية إنتاج المعرفة وتفسير القرآن، والقراءات النسائية والسوية للقرآن.
*Asma Barlas, Believing Women in Islam: Unreading Patriarchal Interpretations of the Qur’an (Austin: University of Texas Press, 2002).
** تم اقتطاع جزء من المقالة الأصلية في الترجمة تبعًا لرؤية المحررة، ولهذا فقد قمت بتعديل أرقام المقاطع والهوامش في باقي المقالة حتى تبدو متجانسة في الترجمة. (المترجمة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تشير المؤلفة إلى ترجمة عبد الله يوسف على (Abdullah Yusuf Ali ) للقرآن، سورة النساء، الآية 1.
(2) Susan Hekman, Gender and Knowledge: Elements of a Postmodern Feminism (Boston: Northeastern University Press, 1990), 79.
(3)Barbara Stowasser, Women in the Qur’an: Traditions and Interpretations (Now York: Oxford University Press, 1994), 37 .
تشير باربارا شتوفاسر هنا إلى اعتقادات المسلمين، في حين يفتقر هذا الرأي القائل بالفروق النفسية الاجتماعية بين الجنسين إلى أية مرجعية قرآنية، كما يفتقر إليها الرأي القائل بأن المساواة المطلقة في الجنس أو الجندر هي مسألة “هدامة“، وذلك ما تشير إليه باربارا شتوفاسر نفسها.
(4) انظر/ي تناول توريل موي Toril Moi)) لآراء هيلين سيكسو (Helen Cixous) في Sexual/ Textual Politics: Feminist Literary Theory (New York: Methuen, 1985). ولقد تناولت في الفصل الرابع أسباب تعارض أنماط التفكير الثنائية القطبية مع مبدأ التوحيد في الإسلام.
(5) تعد فكرة تخصيص الرجال بالعقل فكرة ملتبسة، إذ ترى تعاليم الكنيسة والكتاب المقدس أن “عقل الرجل فاسد” جرهارد ماير:Gerhard Maier, Biblical Hermeneutics, trans. Robert Yarborough (Wheaton: Ill.: Crossway Books, 1994), 25.
(6) Sachiko Morata, The Tao of Islam: A Saurcebook on Gender Relationships in Islamic Thought (Albany: N.Y.: SUNY Press, 1992), 43;
الخط تحت الكلمة الأخيرة وضع بمعرفة كاتبة المقالة
(7) تستخدم باربارا شتوفاسر هذه العبارة في كتابها Barbara Stowasser, Women in the Qur’an .
(8) لمطالعة طرح لمفهوم الاعتراف المتبادل وأهميته في إطار العلاقات الديموقراطية. أجد هذا المصطلح مفيدًا في تعيين بعض الموضوعات في القرآن. انظر/ي كتاب ألان جلبرت Alan Gilbert, Democrartic Individuality (Cambridge: Cambridge University Press, 1990)
(9) على سبيل المثال ترى جان جارب (Jan Hjarpe) أن الدفاع الإسلامي عن العقيدة (Muslim apologetics) يأخذ واحدًا من أربعة أشكال: مقارنة المعاملة التي تلقتها النساء على أرض الواقع على مدار التاريخ الأوربي /المسيحي بالأفكار المثالية في الإسلام؛ أو بطرح فكرة أن “نموذج الحياة الإسلامي يتيح للنساء موقعًا كريمًا وآمنًا“، وذلك إذا جرى تطبيقه تطبيقًا صحيحًا، أو بالقول بأن “نظرة الإسلام للنساء تتواءم مع طبيعتهن وخصائصهن الحيوية“، أو بالإصرار على تناول “الإسلام الحق” (إسلام القرآن والسنة) وليس على المعاملة التي تتلقاها النساء المسلمات على أرض الواقع. وعليه، يصبح أي تفسير صورة من صور الدفاع عن العقيدة!
Jan Hjarpe, “The Attitude of Islamic Fundamentalism towards the Question of Women in Islam,” in Women in Islamic Societies: Social Attitudes and Historical perspectives, ed. Bo Utas (Copenhagen: Curzon Press, 1983), 15.
(10) بما أن تعاليم القرآن فيما يتعلق بالجنس ترتبط بتعاليمه فيما يتعلق بالزواج، فقد يحتاج القراء إلى مطالعة القسم الثاني (والأول) من الفصل السادس قبل العودة إلى الطرح التالي. ويجب كذلك أن أوضح أنني أقدم هنا طرحًا مبسطًا نسبيًا لقضية بالغة التعقيد، وأن ما أهدف إليه هنا هو تأكيد تعاليم القرآن التي تفضي إلى تنظير فكرة المساواة بين الجنسين، أو تلك التي تتسم باللا أبوية.
(11) وردت في كتاب أنتونيللي: Antonelli, In the Image of God, 227-229. وترد إشارة جودمان في كتابه L.E. Goodman, God of Abraham (New York: Oxford University Press, 1996) ومفادها أن تلك المحاذير في التوراة لا تنبع من فكرة الخبث ولكن من “امتزاج الدم بالرغبة،” والذي “قد يربط بين جنسانيتنا وبعض مظاهر العنف“. وكذلك، وكما يرى جودمان، يعزي الخبث إلى الدورة وليس إلى المرأة.
(12) انظر/ي أنتونيللي، المرجع السابق، للوقوف على قراءة مختلفة لهذا الابتهال نفسه.
(13) ولكننا نجد أن المشرعين المسلمين، وكما يرد في كتاب رويبن ليفی: Reubrn Levy, The Social Structure of Islam (Cambridge: Cambridge University Press, 1962), 79 ، قد “استعملوا الحذر” وأعملوا التضييق حيال ذلك الأمر بالسماح. لقد كان على الرجال والنساء أن يعتقوا عبيدهم/ن قبل أن يتزوجوا بهم/ن. روبرت روبرتس: Robert Roberts, The Social Laws of the Qoran (Atlantic Highlands, N. J.: Humanities Press, 1971), 16.
(14) انظر/ي “Muslim Women” لمطالعة قراءة نقدية لتصوير جيرالدین بروكس (Geraldine Brooks) ل“جنة المسلمين“.
(15) يتضح لنا بجلاء أكبر أن القرآن يقصر اهتمامه على عوراتهن عندما يوضح أن النساء بحاجة إلى إسدال جلابيبهن (Cover up) حتى في حضرة “الأطفال الذين ليست لديهم خبرات بعورات النساء“. كما يمكن للنساء “اللاتي تخطين سن الإنجاب ولا يأملن في الزواج” من “أن يتخففن من ثيابهن دون تبرج أو إظهار للزينة، وإن كان من الأفضل لهن أن يستعففن” (آی جای آربری A. J. Arberry, The Quran Interpreted (New York: Allen and Unwin, 1955), 50, 55.
(16) يعدد القرآن هنا فئات الرجال الذين لا تنطبق عليهن تلك المحاذير، ويشمل ذلك الرجال الذين ليس بالإمكان اتخاذهم شركاء في الجنس (أزواجًا).
(17) صاحب العبارة هو البيضاوي، وورد الاقتباس في مقالة باربارا شتوفاسر: “The Status of Women in Early Islam,” in Muslim Women, ed. Freda Hussain (New York: St. Martin’s Press, 1984), 27.
(18) تكمن إشكالية هذا الرأي في أنه يفترض أن الرجال المسلمين لن يحافظوا على أخلاقهم إلا حينما يمنعون عن مجرد رؤية النساء. وإذا صح هذا الافتراض فلن يصبح من الممكن للرجال المسلمين أن يتحلوا بالأخلاق، إذ إنهم حتى ولو لم يكن بوسعهم رؤية النساء في داخل إطار “بيئتهم الثقافية“، فإن ذلك لن يمنعهم من رؤية النساء ممن ينتمين إلى بيئات ثقافية أخرى.
(19) وكما طرحت في قراءتي النقدية لليلى احمد (Leila Ahmad)، فإن القبائل تضم رجالاً أيضًا. انظري أسما برلس “Texts, Sex, and States: A Critique of North African Discourses on Islam,” The Arab-African and slamic Worlds: Interdisciplinary Studies, eds. Kevin Lacey and Ralph Coury (New York: Peter Lang, 2000)
(20) انظر/ي فاتنة صبّاح (Fatna Sabbah, Women in the Muslim Unconscious (New York: Pergamon Press, 1984) .اأنظري “Texts, Sex, States,” لمطالعة قراءتي النقدية لفاتنة صبّاح، نفس للمرجع.
(21) Montgomery Watt, Companion to the Quran (Oxford: Oneworld, 1994), 41.
(22) يمكننا أيضًا فهم هذه الآية على أنها تفترض أن للرجال القدرة على التحكم في نوازعهم الجنسية، وهم الذين ينهون في آية أخرى عن إساءة معاملة جواريهم جنسيًا. ويأتي ذلك مناقضًا لنظرة المسلمين المتحيزة ضد المرأة التي ترى أن الرجال لا يمكنهم التحكم في نوازعهم الجنسية، وهي النظرة التي يشاركهم فيها كثير من الأحبار في التراث الديني اليهودي، والذين أباحوا اغتصاب سبايا الحرب على أساس أن الرجال لا يمكنهم السيطرة على أنفسهم. ولتبرير هذه النظرة نجدهم يعتقدون أن الملك سليمان أنجب أربعمائة ابن وابنة من سبايا الحرب. أنتونيللي In the Image of God.
(23) Abdelwahab Bouhdiba, Sexuality in Islam, trans. Alan Sheridan (London: Routledge and Kegan Paul, 1985), 187.
(24) إستعرت هذا التعبير من إليزابث جروز :(Elizabeth Grosz, Jaque Lacan: A Feminist Introduction (Now York: Routledge, 1990.
(25) كما أشرت سابقًا، يخلع بعض المفسرين المسلمين على النساء خاصةً “الكيد“، وهو نوع من أنواع المكر أو الذكاء المدمر الذي يرتبط بالأنثى، وذلك استقراء من قصة يوسف. وهكذا، ترى فدوي مالطي– دوجلاس أن “النظرة المتعصبة ضد النساء في الإسلام (وبالتبعية في الوعى الأدبي العربي القروسطي) لها جذورها الأدبية في قصة يوسف في القرآن [التي تتحدث عن] كيد النساء.” (Fadwa Malti-Douglas, Women’s Bodies, Women’s Words: Gender and Discourse in Arab-Islamic Wirting (Princeton, N. J.,: Princeton University Press, 1991) . ۱۹. وتأسيسًا على هذا الرأي، يذهب الكثير من المفسرين كذلك إلى أن
الثنائيات القطبية الثابتة والضمنية بين المرأة و(الله)… هي ضرب من العلاقة الإطارية التضادية القائمة بين المرأة والله، كما لو أن القرب من أحدهما يحول دون القرب من الآخر (المرجع نفسه، 59).
بل إن بعض الفقهاء المسلمين المحدثين قد فهموا القصة على أنها تشير إلى مفهوم ثابت للأنوثة. انظري عبد الوهاب بوحديبة Sexuality in Islam . ولكننا نجد في القرآن أن زوج المرأة التي أرادت إغواء يوسف هو الذي استخدم العبارة التي تشير إلى الكيد. إذن فهي ليست فكرة القرآن عن طبيعة الأنثى. وللمفارقة نجد أن صورة المرأة نفسها (زليخة) تقدم بشكل أكثر تعاطفًا في الفكر الإسلامي القديم بوصفها رمزًا للتوق والحب المحروم. أنماري شيمل: Annemarie Schimmel, “Eros- Heavenly and Not SO Heavenly- in Sufi Literature and Life,” in Society and the Sexes in Medieval Islam., ed. Afaf Lutfi Al-Sayyid Marsot (Malibu: Hawaii: Undena Publications, 1979)
(26) وهناك بالطبع بعض الصفات التي يتفرد بها الرجال فيما يتعلق بكونهم بشرًا لا ملائكة، فهم على سبيل المثال قادرون على التفكير المنطقي وعلي الاختيارات الأخلاقية، ولكن النساء أيضًا لديهن القدرة ذاتها.