النقد الأدبـي النسـوي والترجمة النسوية
تنطلق هذه المقدمة من داخل النظرية النسوية وتقاطعاتها مع النظرية الأدبية ودراسات الترجمة، وتستند إلى قناعة بأهمية التعبير عن موقف المترجمة كوسيط بين النص النسوي وجمهور القارئات والقراء. ومن هنا تأتي هذه المقدمة لتسلط الضوء على النقد الأدبي النسوي كموضوع لهذا الكتاب وعلى الترجمة النسوية كمنهج اتبعته في ترجمة المقالات الواردة هنا، وبالتالي تنقسم المقدمة إلى ثلاثة أقسام، أولاً، أتناول أهم المفاهيم المتعلقة بالنقد الأدبي النسوي، وأطرح مقاربة لتحليل النص الأدبي من منظور نسـوي/ جندري، ثم أقدم عرضًا موجزًا لتاريخ النقد الأدبي النسوي الغربي، يعقبه تأمل في واقع النقد النسوي في مصر. ثانيًا، أستعرض المقالات المدرجة في هذا الكتاب، مع التعليق على مضمونها ومبررات ضمها إلى محتويات الكتاب. ثالثًا، أطرح مفهوم الترجمة النسوية باعتبارها المنهجية التي اتبعتها في ترجمة هذا الكتاب، فأقدم بعض المفاهيم الأساسية في دراسات الترجمة وأتأملها في سياق ممارسة الترجمة من منظور نسوي، ويعقب ذلك توضيح لأهم إشكاليات واستراتيجيات ترجمة النص النسوي إلى اللغة العربية والتي استعنت بها في ترجمة محتويات الكتاب. وجدير بالذكر أنني أحرص هنا على تأطير النص المترجم بهذه المقدمة وبمعجم لأهم المصطلحات النسوية التي استخدمتها و/أو صغتها باللغة العربية للتعبير عن مصطلحات راسخة في النقد الأدبي النسوي الغربي.
ولدت مدرسة النقد الأدبي النسوي الغربية من رحم الحركة النسوية الغربية، والتي مرت بثلاث موجات عبر تاريخها الموثق منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا. وقد ارتبطت نشأة النقد الأدبي النسوي بالموجة الثانية من الحركة النسوية والتي كانت قد انتقلت من مرحلة المطالبة بالحقوق السياسية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلى مساحة التضامن النسوي العالمي والعمل المنظم لتأكيد العدل والمساواة بين الجنسين في إطار الاتفاقيات الدولية منذ سبعينيات القرن العشرين. وقد واصلت مدرسة النقد الأدبي النسوي تطورها ونقدها الذاتي لتتماشى مع تطور الحركة النسوية التي أخذت منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات في توسيع نطاق اهتمامها لتتلاقى، بل وتتجاوز، المناهج النقدية المتنوعة، كالبنيوية والتفكيكية والنقد الأدبي الماركسي، والنقد الأدبي الأسود، والنقد الأدبي مابعد الكولونيالي، وغيرها من المدارس النقدية التي يتقاطع فيها النقد الأدبي، نظرية وتطبيقًا، مع قضايا الانتماء الطبقي والعرقي والثقافي والقومي … وهلم جرا.
وقد حرصت الحركة الثقافية المصرية على متابعة التطور الكبير الذي شهدته العقود الثلاثة الماضية في الإنتاج المعرفي الغربي في مجال النظرية الأدبية والنقد الأدبي، في ظل واقع ثقافي وتكنولوجي عام يجعل من شعوبنا العربية مستهلكين للمعرفة والتقنية غير منتجين لها بالقدر الذي شهدته عصور سابقة من تاريخنا، وهو واقع يحاول الخروج من سلبية الجهل والاستهلاك بجهود نحو المعرفة والفهم من خلال الترجمة والنقل، لا باعتبارها أداة لمزيد من الاستهلاك للفكر والإبداع الغربي، وإنما سبيلاً للتعرف على تلك المعرفة والتفاعل معها بمزيج من النقد والرفض والمحاكاة والتطبيق والتجاوز وغيرها من أوجه التفاعل الفني والفكري الإيجابي الخلاق، وإيمانًا بهذا الدور المعرفي يأتي تسليط الضوء هنا على النقد الأدبي النسوي باعتباره مدرسة نقدية تبلورت ملامحها داخل النظرية الأدبية النسوية، وما زالت آخذة في التطور منذ بداياتها في سبعينيات القرن العشرين وما سبقها من إرهاصات تعود إلى بدايات القرن العشرين ممثلة في نصوص أدبية ونقدية نسائية ونسوية.
المقصود بالكتابة النسائية كل الكتابات التي تتم بأقلام النساء بصرف النظر عن نوعها الأدبي وشكلها ومحتواها، في حين يعتمد تعريف الحركة “النسائية” في الأساس على جنس القائمات بالحركة وارتباط المصطلح بحركة تحرر النساء. ونحن حين ننطلق من مضمون الحركة والنص، والذي يعبر عن صوت وفعل يتعلق بقضايا النساء مرتكزًا إلى منطق حقوقي أساسه العدالة والمساواة بين الجنسين، فإننا هنا نتحدث عن نص “نسوي” وحركة “نسوية“، فعلى سبيل المثال، حين تتحرك مجموعة من النساء من أجل إنهاء الاحتلال أو إسقاط الحاكم، يكون هذا حراكًا نسائيًا في أساسه لأن المطالب هنا تساير مطالب فئات أخرى في المجتمع دون أن تأتي فقط دفاعًا عن مصالح النساء باعتبارهن فئة مستضعفة. كذلك فإن النص الذي تكتبه امرأة ويأتي ملتزمًا ومحاكيًا لمضمون وأسلوب الكتابات السائدة وغير معبر عن وعي نسوي يكون نصًا نسائيًا، ولكنه ليس بالضرورة نصًا نسويًا، هكذا فإن السمة المميزة هنا هي المضمون، مضمون الحراك ومضمون النص.
وكثيرًا ما نجد أنفسنا أمام اعتراضات على تمييز النص الأدبي بناء على الجنس الممثل في المنطق السائد بأن النص الأدبي إما أن يكون نصًا أدبيًا أو لا يكون نصًا أدبيًا، بناء على معايير الكتابة الأدبية لا قياسًا على جنس مؤلفه أو مؤلفته، وإلا وقعنا في ثنائية الأدب النسائي والأدب الرجالي، وهو منطق يتسم بقدر كبير من الصحة، ولكنه إنما يعبر عن خلط بين مفهوم الكتابة النسائية والكتابة النسوية. فمثلما نجد داخل الكتابة الأدبية تصنيفات فرعية معبرة عن المدرسة الأدبية أو التيار الأدبي الذي ينتمي إليه النص، مثل تعريفنا مجموعة من النصوص باعتبارها تنتمي إلى الكتابة الرومانسية أو المدرسة الواقعية، أو أدب المقاومة، أو أدب الثورة، أو أدب السيرة الذاتية، أو تيار الوعي، وغيرها من التصنيفات المنطقية ذات المرجعية التاريخية أو الأسلوبية أو السياقية، كذلك تتسم الكتابة النسوية بملامح تنعكس خصوصيتها على النص شكلاً ومضمونًا، والكتابة النسائية بالتالي ليست مرادفًا للكتابة النسوية التي تنتج نصًا يتبنى منظورًا نسويًا يعبر عن وعي نسوي تعرفه المؤرخة النسوية جيردا ليرنر فيما يلي:
إن تعريفي للوعي النسوي يعني وعي النساء بأنهن ينتمين إلى فئة ثانوية، وأنهن تعرضن للظلم باعتبارهن نساء، وأن وضعهن الثانوي الخاضع ليس وضعًا طبيعيًا وإنما هو مفروض اجتماعيًا، وأنه يجب عليهن التحالف مع نساء أخريات للتخلص من أشكال الظلم الواقع عليهن، وأخيرًا أنه يجب عليهن تقديم رؤية بديلة للنظام الاجتماعي، بحيث تتمتع فيه النساء مثلهن مثل الرجال بالاستقلالية وحق تقرير مصيرهن.1
فالوعي النسوي هنا لا يكتفي بالبعد الفكري وإنما يتضمن جانبين وهما الإدراك والفعل. فهو يشير إلى إدراك النساء لوضعهن الثانوي في المجتمع باعتباره وضعًا ظالمًا مفروضًا عليهن في السياق الأبوي السائد. ولا يقف الوعي النسوي عند مرحلة الإدراك والرفض، وإنما يتجاوز ذلك إلى مرحلة الفعل الإيجابي المتمثل في التضامن والتحالف مع النساء اللاتي يشاركهن هذا الإدراك، والسعي لتغيير الواقع الظالم بطرح رؤية بديلة أساسها العدل والعمل على تحقيقها. وهو تعريف بالتالي يوضح أساس الحراك النسوي المستند إلى الفكر والفعل، ويبلور مفهوم العمل النسوي باعتباره عملاً سياسيًا ساعيًا لإحداث تغيير على أرض الواقع.
وعند تأمل تجليات الوعي النسوي في الإبداع الأدبي يمكنني طرح تعريف مشتق من تعريف جيردا ليرنر فحواه أن الوعي النسوي في العمل الأدبي يعني وعي الكاتبات بأنهن يقعن في حيز ثانوي داخل التراث والإبداع الأدبي بسبب انتمائهن إلى جنس النساء، وأن وضعهن هذا مفروض عليهن في إطار المعايير والسلطة الأدبية السائدة، وأنه من الضروري لهن التنقيب عن الكاتبات اللاتي انتزعن حق الكتابة عبر التاريخ واستخراجهن من هامش تاريخ الأدب، وتسليط الضوء النقدي على كتاباتهن. والبحث عن المشترك في الكتابة النسائية عبر الأجيال وتحليل مواضع الاختلاف، والتحالف مع الكاتبات اللاتي يشاركنهن الوعي النسوي، والسعي معًا لتأسيس تيار للكتابة النسائية النسوية التي تتجاوز حدود الأدب السائد وتطرح صورًا إبداعية بديلة للنظام الاجتماعي أساسها العدل والقيم النسوية وتنطلق محلقة دون التقيد بالضرورة بما هو سائد في الإبداع الأدبي شكلاً ومضمونًا.
تقوم الباحثة النسوية ماجي همّ (Maggie Humm) بتعريف “الجندر” (gender)2 باعتباره “مجموعة من الخصائص والسلوكيات التي تشكلت ثقافيًا ويتم إضفاؤها على الإناث والذكور. والنظرية النسوية المعاصرة حريصة على التمييز بين الجنس والنوع.”3 كما توضح بام ليسك أن مفہوم الجندر يشير إلى انتقال “الجنس” من مجال الطبيعة إلى مجال الثقافة، حيث يتم اعتباره بناء اجتماعيًا وموضوعًا بحثيًا مرتبطًا بالسياق التاريخي، له تداعياته المؤثرة في النظرية الأدبية النسوية جنبًا إلى جنب الأفرع المعرفية الأخرى كالتاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا وعلم النفس، وغيرها من التخصصات العلمية، كما تضيف مؤكدة على أهمية مفهوم الجندر في فهم البشر لموقعهم داخل منظومة علاقات القوى تلك، وأثرها في تشكيل هوياتهم وكيفية تغلغل علاقات القوى الجندرية داخل التخصصات والخطابات على تنوعها4.
فالمعنى المتعارف عليه لمفهوم الجندر يتبدى في الأدوار الاجتماعية التي يتم تشكيلها ثقافيًا في إطار مجتمع ما وفرضها تلقائيًا على كل جنس بعينه، فيتوقع المجتمع بالتالي التزام كل فرد منه، تبعًا لجنسه، بتلك الأدوار وما تحمله من مشاعر وقيم مع التعبير عنها في السلوك اليومي. فعلى سبيل المثال، يتم في تربية الأولاد التأكيد على قيم الشجاعة بينما يتم تربية البنات على قيم الحياء، فيصبح السلوك الشجاع لدى الفتاة مبررًا لوصفها بـ“الرجولة” (بنت بألف راجل)، بينما يكون التعبير عن الحياء لدى الولد ممجوجًا ومدعاة للسخرية منه باعتباره يتصرف كالبنات (ما تتكسفش زي البنات. خليك راجل). هذا فيما يتصل بقيم كالشجاعة والحياء، والتي لا تحمل هي في حد ذاتها أية معايير للأنوثة والذكورة وإنما يتم إضفاؤها (والتلاعب بها أحيانا تبعًا للمصالح) على سلوك أفراد من الجنسين. ويتخذ ذلك الأمر منحى واضحًا أيضًا في القيود التي يفرضها المجتمع على السلوك المعبر عن العاطفة والمشاعر، فالبكاء كتعبير الحزن أو الألم مرفوض بالنسبة للصبي ومقبول بالنسبة للصبية في الموقف الواحد، وذلك دون أي منطق يرتبط ببنيتنا البيولوجية كنساء ورجال، وإنما يتصل بالأدوار الاجتماعية التي يفرضها علينا المجتمع البشري بناء على انتمائنا إلى جنس دون آخر، في إطار عام يعلي قيم ومشاعر وسلوكيات الذكورة على الأنوثة. ومن هنا نشأت دراسات الجندر (Gender Studies) لدراسة الأدوار الاجتماعية القائمة واختلافاتها بين الجنسين،5 ممثلة في السلوك والقيم والمشاعر وانعكاساتها على أسلوب الحياة والقوانين المنظمة لها وما يترتب عليها من علاقات قوى بين الجنسين.
وفي الوقت الذي تهتم به دراسات الجندر بعلاقات القوى بين الجنسين ومظاهرها وانعكاساتها انطلاقًا من مفاهيم الأنوثة والذكورة، نجد أن النظرية النسوية تنطلق من قناعتها بوجود خلل في ميزان القوى الجندري، فتركز على أوضاع النساء في تلك المنظومة التي تفتقد إلى العدالة، كما تسعى النسويات إلى كشف أوجه هذا الخلل، ونقد وتحليل مظاهره، والدعوة إلى المقاومة والتغيير في سبيل تحقيق العدالة بين الجنسين في الحقوق الواجبات، وهو ما تعبر عنه الباحثة ماجي هم في تعريفها للنسوية (feminism) باعتبارها مفهومًا “يتضمن قاعدة المساواة في الحقوق (بوجود حركة منظمة نحو ضمان حقوق النساء)، كما تتضمن توجهًا فكريًا يسعى لتحقيق تحول اجتماعي بهدف خلق النساء دون الاكتفاء بمجرد المساواة“6، بمعنى أخذ الاختلاف بين الجنسين في الاعتبار لتحقيق العدالة للنساء باعتبارهن فئة تعرضت تاريخيًا وثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا للاستضعاف والتهميش، وحيث يقع على النساء عبء مضاعف في حال انتمائهن لطبقة أو فئة تعاني أصلاً من الاستضعاف أو التهميش سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو ثقافيًا، وهلم جرا.
ويمكن القول بأن مصطلح الجندر هو مفهوم أقرب إلى مجال الدراسات الاجتماعية والثقافية التي تسعى إلى تتبع علاقات القوى الجندرية في سياقاتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتحليل مظاهره وأسبابه، ومن هنا تتضمن دراسات الجندر مقارنات، وتفسح المجال أمام دراسات الذكورة والأنوثة وما ترتبط بها من سلوكيات وخصائص وتصورات وأشكال للتعبير يتم صياغتها في ظل أوضاع اجتماعية وثقافية معينة تنعكس بالتالي على الأعراف الاجتماعية والحقوق والواجبات الواردة في التشريعات. أما الفكر النسوي فيرتبط أكثر بالعمل النسوي كحركة سياسية هدفها الكشف عن مواطن التمييز ضد النساء، سعيًا لإحداث تغيير على مستوى الوعي المجتمعي والثقافة الرائجة والتشريعات، بما يحقق للنساء العدالة والمساواة. وبالتالي يشكل مفهوم الجندر منهجًا فكريا وأداة تحليلية، بينما يعتبر الفكر النسوي أساسًا للعمل النسوي باعتباره فعلاً سياسيًا يسعى إلى تحسين أوضاع النساء على أرض الواقع، فإذا كان المنظور الجندري في أساسه أداة للتحليل، فإن الفكر النسوي في جوهره أداة للتمكين.
وتتمثل أهمية النظرية الأدبية بالنسبة للفكر النسوي في التفات النظرية الأدبية إلى قضايا كالتمثيل (representation) والمنظور (perspective) والصوت voice)) وغيرها. وهي مسائل ذات أهمية خاصة بالنسبة للنظرية النسوية، من حيث التوقف أمام سلطة التمثيل ودورها في ترسيخ التنميط وتشكيل الهويات، والمنظور المهيمن في النص بما يحمله من جوانب نعكس علاقات القوى في صياغة الموقف من الحدث وتوجيه القارئة والقارئ نحو تبني موقف من الشخوص والأحداث والصراع، باعتبارها عناصر فنية في النص الأدبي الذي يعتبر مرآة للمجتمع الذي أنتجه. أما أهمية الصوت كعنصر أدبي، بما يشتمل عليه من أحادية أو تعددية، وما يحمله من مصداقية، فتتمثل في تقنيات السرد ودور الراوية/ الراوي في النص الأدبي. وهو جانب جوهري في النظرية النسوية التي تسعى إلى إعلاء الصوت النسائي/ النسوي في النص الأدبي بالكشف عن مواطن الصمت والمسكوت عنه، وإعلاء الأصوات الخافتة والمهمشة، مع الكشف عن مواقع القهر والتمييز وتبني موقف داعم للنساء والعدالة والمساواة.
وكما هو الحال في النظرية الأدبية، تتطرق النظرية الأدبية النسوية إلى جانبين في دراسة الأدب من منظور نسوي و/أو جندري، وهما تاريخ الأدب، والنقد الأدبي. وتستند النظرية في ذلك إلى عدة مفاهيم، منها مفهوم “الاختلاف” (difference) في الفكر النسوي، إذ تسعى مدرسة النقد النسوي إلى التأريخ للكاتبات من ناحية وتأسيس مدرسة للكتابة النسائية تركز على السمات المميزة و“المختلفة” عما هو سائد من حيث الخصائص الأسلوبية واللغوية والتصويرية.7 إلا أنها تجمع في ذلك بين كشف وفضح وانتقاد غياب الكاتبات أو تهميشهن في تاريخ الأدب، وقلة الالتفات إلى الإبداع النسائي بالنقد والتحليل، وتهميش كتابات النساء أو تسلمها بسبب عدم مواءمتها للبنى التقدية أو المدارس الأدبية المتعارف عليها. وهو ما يتبدى جليًا في ندرة تضمين الأعمال الأدبية النسائية، ناهيك عن النسوية ، ضمن المقررات الدراسية المعتمدة، أو ما يعرف بالأدب المعتمد (the literary canon)، إلا أن الأمر لا يقتصر على كشف ذلك التمييز والتهميش، وإنما يستتبعه جهد نقدي يسعى إلى تسليط الضوء النقدي على الكتابات النسائية/ النسوية وإفراد دراسات أكاديمية لها وخلق مقررات دراسية تلتفت إلى الكتابة النسائية بالدراسة والتحليل والنقد، والكشف عن خصائصها والتجربة التي تعكسها باعتبار الأدب مرآة للحياة، وترتبط مسألة “الاختلاف” هذا بمسألة أخرى لها أهميتها في النظرية الأدبية النسوية والدراسات الجندرية، وهي مسألة التمثيل وارتباطها بإفساح المجال أمام المرأة للتعبير عن ذاتها فلا تتعرض للتهميش ولا للنشويه، وهو ما عبرت عنه جوديث بتلر في كتابها الذي اهتمت فيه بتناول النسوية والهوية، حين أكدت على مفهوم التمثيل باعتباره مصطلحًا سياسيًا يشير إلى منح النساء كذوات شرعية التواجد، كما تحدثت عن التمثيل باعتباره وظيفة لغوية تلعب دورًا في الكشف عما يعتبر حقيقيًا بشأن النساء أو تشويهه، وتضيف جوديث بتلر قائلة إن النظرية النسوية رأت ضرورة تطوير لغة تمثل النساء تمثيلاً كاملاً ودقيقًا بما يعزز ظهور النساء، وخاصة نتيجة للأوضاع الثقافية السائدة التي تشوه تمثيلها لحيوات النساء أو تتجاهلها تماما.8
ولعل من الدراسات المفيدة في فهم الكتابة والمنظور النسوي هو كتاب روبرتا سیلنجر ترايتس الذي تتناول فيه أبرز خصائص كتابة القصص من وجهة نظر نسائية والمعبرة عن “أصوات نسوية” (feminist voices) على مستوى البنية السردية،9 والتي تتمثل أبرز أساليب تعبيرها فيما يلي. أولاً: قلب الصور النمطية للأدوار الاجتماعية المرتبطة بكلا الجنسين، بحيث يتم التعبير عن الصوت النسوي من خلال قيام الشخصيات النسائية بأدوار محورية في النص، مع منحهن أدوارًا تقوم على الانطلاق وإثبات الذات، ومن هنا تحتوي تلك النصوص على بطلة تقوم برحلة أو تخوض مغامرة سعيًا وراء تحقيق هدف معين، وذلك كبديل للصور التقليدية السائدة للمرأة والتي تقوم فيها الشخصية بدور هامشي وسلبي. وهكذا تقوم الحكايات النسوية على قلب الصور النمطية للأدوار الاجتماعية وتحديدًا أدوار النساء، فتدور هذه النصوص الجديدة حول شخصية فتاة أو امرأة تقوم بالدور الرئيسي على مستوى الحدث. ثانيًا: إفراد نصوص لتتبع تطور الشخصية النسائية المحورية فيها مع التأكيد على استقلالية البطلة لا باعتبارها تابعة لبطل يرتبط وجودها به كشخصية الأب أو الأخ أو الزوج أو فارس الأحلام وهلم جرا. فنجد الشخصيات النسائية متمردة على القيود المفروضة عليها ساعية إلى صنع مصيرها بيديها، ثالثًا: توظيف الصمت لا باعتباره نتاجًا لمحاولات إسكات المرأة في النص التقليدي، بل يتم منح الشخصية النسائية صوتًا خاصًا بها، لا يعكس بالضرورة الصوت السائد في المجتمع. أما لجوء الشخصية النسائية إلى الصمت فيكون في حد ذاته بمثابة تعبير عن الرفض أو التحدي لا الخضوع والخنوع. كما تركز الحكايات النسوية على قيم التواصل والتعاون والتضامن بين النساء بدلاً من المنافسة والعداوة والمبارزة والقتال. وأخيرًا تتسم الكتابة النسوية بأسلوب القص داخل القص أو ما يطلق عليه البناء الأمومي، حيث تحتوي قصة ما بداخلها على قصة أخرى، ولعل أوضح الأمثلة عليها بنية ألف ليلة وليلة.
إن تناول النص الأدبي من منظور نسوي يستدعي التركيز على وضع النساء في النص كذوات وموضوعات وراويات ومؤلفات، فالقراءة النسوية تنصت إلى الصوت السائد والأصوات الخفية، كما تتأمل سمات هوية الراوية والبطلة والمؤلفة، ومدى تمتع المرأة بسلطة السرد وتمثيل الذات، أي مدى ظهور المرأة في النص وتعبيرها عن حياة النساء والموقف الأيديولوجي الذي يعكسه النص بشأن علاقات القوى الجندرية. كما يتطرق النقد النسوي إلى طبيعة علاقات القوى الجندرية وسياقاتها الثقافية والتاريخية وتقاطعاتها مع علاقات القوى القائمة على أسس عنصرية أو طبقية أو سلطوية بأي شكل من الأشكال، ويتجاوز التحليل النسوي النص فيتأمله في إطار سياق النظام الأبوي والنظام السياسي الذي يحتوي ويتجلي في مختلف البنى التراتبية السلطوية. وفي هذا الإطار العام يسلط النقد النسوي الضوء على تجارب النساء وحيواتهن والسمات المشتركة التي تخلق مساحات للتواجد النسوي في مواجهة التهميش والتشويه والصمت والإسكات، وهي مساحات تخلق من حيوات النساء وتجاربهن ثقافة مشتركة أشبه بثقافة هامشية أو فرعية (subculture) في إطار الثقافة السائدة، وبمعنى آخر ثقافة النساء في المجتمع الأبوي. كذلك يهتم النقد الأدبي النسوي بتحليل السمات اللغوية في كتابة النساء من حيث أسلوب التعبير وخصائص اللغة والتصوير المجازي، لتتبع انعكاسات تجارب النساء في الحياة على كتاباتهن شكلاً ومضمونًا، وهو ما ينطبق بالمثل على علاقة النساء بالأنواع الأدبية، من حيث مدى التزامهن/ خروجهن على الأنواء الأدبية السائدة، ومدى ميلهن إلى استخدام أنواع وأدوات بعينها دون الأخرى، ومن هنا تتضح علاقة النساء الكاتبات بالمجتمع المعني بالكتابة، أي المؤسسة النقدية ومؤسسات النشر والوسط الثقافي والأدبي وجماهير القراء والقارئات.
وهكذا فحين أقترب من نص ما، أي نص، لقراءته من منظور نسوي، أرى أن المقاربة النسوية تستدعي الجمع بين الآتي: أولاً، النظرية الأدبية التي تمنحنا أدوات تحليل من منطلق عناصره الأدبية والفنية وسياقه التاريخي والاجتماعي؛ وثانيًا، النظرية النسوية التي توجه أنظارنا إلى موقع النساء في منظومة علاقات القوى بين الجنسين، فتجعلنا نبحث عن دور المرأة داخل النص بمعنى تجليات علاقات القوى بين الجنسين على مستوى عناصر النص الأدبية وسياقه التاريخي والاجتماعي. وهكذا تتجلى القراءة النسوية للنص الأدبي في طرح أسئلة منها ما يلي: من يقوم بدور البطولة؟ ما هو دور الشخصيات النسائية في النص؟ وهل هي أدوار فاعلة أم ثانوية مساعدة؟ كيف يتم تصوير الشخصيات النسائية؟ هل يتم تصوير الجنسين في أدوار نمطية؟ كيف يتم تصوير تنميط/ الأنوثة والذكورة في النص؟ هل يحدث تطور للشخصيات النسائية؟ وفي أي اتجاه؟ ما هي سمات الهوية وسياساتها في النص؟ من صاحب الصوت المهيمن على النص؟ من يقوم برواية النص – راوي أم راوية؟ هل توجد تعددية في الأصوات ووجهات النظر؟ ومن يتحكم في وجهة النظر السائدة في النص، وفي السرد؟ هل تقوم الشخصيات النسائية بالتعبير عن تجاربها من منظور نسائي؟ أم أن المنظور السائد يعكس الهيمنة الذكورية وقيم المجتمع الأبوي؟ وكيف يتم تصوير الصراع في النص الأدبي؟ هل هو صراع داخلي – أي داخل الشخصية النسائية؟ وما هي أوجه هذا الصراع؟ أم هل هو صراع خارجي بين الشخصية النسائية وشخصيات أخرى تمثل أنماطًا مجتمعية؟ كيف ينتهي هذا الصراع؟ هل تخضع الشخصية النسائية للقيم السائدة، أم تنجح في إيجاد طريق بديل؟ ما أوجه الصراع بين الرجل والمرأة في النص؟ هل يتقاطع الصراع بين الجنسين مع علاقات قوى أخرى كالانتماء الطبقي أو العرقي أو سياق سياسي أو تاريخي معين؟ ما هي أوجه الفعل والنشاط والعمل التي تقوم بها الشخصيات النسائية في النص؟ وكيف تختلف عن الأدوار والأفعال التي تقوم بها الشخصيات الذكورية في النص؟ ما هي خصائص الزمان والمكان في علاقتها بالجنسين؟ وما هي المساحات والأماكن التي تتحرك فيها الشخصيات النسائية – في الحيز العام والخاص ؟ وكيف يعكس الزمان والمكان في النص زمانًا ومكانًا (وبالتالي مجتمعًا) واقعيًا؟ وإلى أي مدى يعبر عن تقييد أو إفساح لحركة وحرية النساء؟ هل ترتبط الشخصيات النسائية بأماكن مغلقة، مفتوحة. واضحة، غامضة … وما هي دلالات ذلك؟ وهل توجد علاقة مباشرة أو رمزية بين المكان والشخصيات؟ ما هي الخصائص اللغوية الظاهرة في النص؟ وهل توجد ملامح معينة تتسم بها لغة الشخصيات النسائية في النص – من حيث تكرار بعض المفردات، أو استخدام صور مجازية معينة، أو مستوى ما من اللغة؟ وما هي أهم السمات الأسلوبية المستخدمة في النص مثل مساحات الصوت والصمت والمسكوت عنه؟ ول يحمل النص نبرة استضعافية، أو استعلائية، أو تحريضية، وما دلالتها؟ ما هي علاقة النص بالنوع الأدبي الذي ينتمي إليه؟ وهل توجد ملامح مميزة للنص كنوع أدبي؟ إلى أي مدى يلتزم النص بما هو سائد في عصره من خصائص الكتابة، وما هي أوجه الاختلاف؟ ما هي الرسالة التي يحملها النص فيما يتصل بعلاقات القوى بين الجنسين؟ وما هو السياق التاريخي والاجتماعي الذي ظهر النص في إطاره؟ ما هي القيمة التي يعلمها النص؟ ومن هو الجمهور المستهدف؟ ما هو السياق الذي تم نشره فيه؟ ما هي ردود الأفعال النقدية والجماهيرية للنص؟ وأخيرًا هل يمكن تصنيف النص داخل منظومة تاريخ الأدب والأنواع الأدبية؟ أين يقع النص في إطار “الأدب المعتمد“؟ وهل ينتمي إلى تيار شبيه له في الكتابة؟ ومتى يمكن اعتبار النص النسائي نصًا نسويًا؟ هل يسعى النص إلى الكشف عن منظومات من القهر فحسب أم يطرح ضمنيًا أوجها للمقاومة ورؤية بديلة للمجتمع؟
لعل الإرهاصات الأولى لمدرسة النقد الأدبي النسوي تعود إلى كتابات الرائدتين الأديبتين النسويتين البريطانية فرجينيا وولف (١٨٨٢– ١٩٤١) والأمريكية شارلوت جيلمان (1860- 1935)، وهو ما يتجلى في كتاباتهما الروائية ومقالاتهما النسوية. فإلى جانب روايات فرجينيا وولف (Virginia Woolf) النسوية وأبرزها رواية السيدة دالاواي (١٩٢٥) ورواية أورلاندو (۱۹۲۸)، جاء كتابها حجرة خاصة (۱۹۲۹) جامعا لمجموعة من المحاضرات التي ألقتها على طالبات في كليات للبنات في بريطانيا جمعت فيها بين المراجعة التاريخية لدور النساء في الإبداع وبين تحريض النساء على الاستقلال المادي والإبداع الأدبي، وهو كتاب يحتل حتى اليوم مكانة متميزة لا باعتباره وثيقة نسوية أدبية تاريخية فحسب، بل لما يحمله من قيمة ملهمة اشتقت منه النسويات عبر العقود جوانب متعددة صارت أقرب إلى العمود الفقري للنظرية الأدبية النسوية المعاصرة، أما شارلوت جيلمان ( Charlotte Perkins Gilman) فإلى جانب كتاباتها حول النساء والاقتصاد والأسرة والمجتمع والإبداع، تظل روايتها عن أرض النساء (1915) من كلاسيكيات الأدب الطوباوي عامة والكتابة النسوية على وجه الخصوص،10 كما تعتبر قصتها القصيرة “ورق الحائط الأصفر” (۱۸۹۲) من أولى النصوص التي تناولت علاقة النساء بالكتابة والجنون. ذلك إلى جانب مقالاتها النقدية المنشورة في بدايات القرن العشرين حول قضايا النساء والمجتمع، ومنها مقالة عن “الأدب الذكوري” (١٩١١) فريدة في تناولها كتابة النساء وكتابة الرجال بالمقارنة والتحليل.
ومن المتفق عليه بين النسويات أن مدرسة النقد الأدبي النسوي أخذت تتشكل في نهايات ستينيات القرن العشرين ورسخت اقدامها على مدار السبعينيات وصاعدا باعتبارها مدرسة فكرية نقدية مولودة من رحم الحركة النسوية الغربية في موجتها الثانية، وتجدر الإشارة إلى أنه من المتفق عليه أيضًا أن الحركة النسوية مرت بثلاث موجات متتابعة ومتداخلة، جاءت أولها في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وتركزت حول قضية حق النساء في المشاركة السياسية والتمثيل النيابي بالترشح والانتخاب. أما الموجة الثانية فقد تبلورت ملامحها في سبعينيات القرن العشرين متزامنة ومتأثرة بالحراك الطلابي العالمي بسماته الماركسية وحركة الحقوق المدنية ومناهضة العنصرية، فخرجت من إطار مطالب النساء البيض من الطبقة الوسطى لتتقاطع قضايا العدالة الجندرية مع النضال ضد الطبقية والعنصرية. بينما تمتد مطالب الموجة الثالثة لتركز على مزيد من الإصلاحات والتغييرات القانونية في قضايا عديدة تمس النساء كحقوق العاملات، والعنف المنزلي والجنسي، والحقوق الصحية والإنجابية والجنسية، والمناصفة في التمثيل النيابي وفي شغل النساء للمناصب القيادية، وغيرها من المطالب، مع اتسامها ببعد تحليلي وتنظيري ومعرفي أكثر عمقًا واتساعًا مع تقارب الحركة النسوية كحركة سياسية مع الفكر النسوي كنظرية فلسفية. وقد شهدت السنوات الأخيرة إرهاصات حدوث تحول في الحركة النسوية بما دعا البعض إلى توصيفه بالموجة الرابعة للنسوية في لجوئها إلى التعبير عن الذات وتعبئة الجماهير بالاستعانة بالتطورات التكنولوجية في صياغة ونشر المطالب والحشد عن طريق فيسبوك وتويتر والمدونات، مع استخدام أدوات الضغط الجماهيري كالمظاهرات والمسيرات والحملات. وهي موجة ترتبط بفئة الشباب من المراهقات والمراهقين والشباب بشكل عام وشباب الجامعات على وجه الخصوص، وتشمل قضايا التمييز ضد النساء والمهمشين عمومًا، كما تتسم بالجماهيرية واللامركزية لاعتمادها الكبير على شبكات التواصل الاجتماعي.11
فإذا عدنا إلى نشأة النقد الأدبي النسوي في السبعينيات فسنجد أنه ارتبط ارتباطًا وثيقًا بإدراك النساء لأهمية التضامن والتحالف ونشر الوعي النسوي على المستوى المجتمعي والأكاديمي، وقد اتسمت السبعينيات ببداية حرص الباحثات النسويات على تبني منظور نسوي عبر التخصصات المختلفة، فتعددت مناهج البحث النسوية بتنوع التخصصات والأفرع المعرفية، ما بين تقاطع المنظور النسوي مع التحليل الماركسي على سبيل المثال، أو استخدام المنظور النسوي في الدراسات اللغوية أو علم النفس والعلوم الاجتماعية والإنسانية بشكل عام، بالإضافة إلى ما شهدته النظرية النسوية عمومًا من تعددية وتنوع لنجد أنفسنا اليوم أمام مناهج للبحث النسوي لا مدرسة واحدة، وأنواع من النسوية تجعلنا في عصر النسويات (feminisms) بصيغة الجمع. وتتعدد مناهج تأريخ النسويات لمدرسة النقد النسوي، ولكنها في العموم تتبع التطور التاريخي منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى بدايات الألفية الجديدة، مع تسليط الضوء في نفس الوقت على التنوع في المضمون والموضوعات التي ارتكزت عليها كل مرحلة. فعلى سبيل المثال، تورد الباحثة النسوية ماجي همّ (Maggie Humm) في مقالتها عن النظرية الأدبية النسوية (المنشورة عام 1998 والمدرجة في القسم الأول من هذا الكتاب) السمات الأساسية لمدرسة النقد النسوي منذ السبعينيات موضحة أن السمة الأساسية التي ميزت تلك الفترة هي عدم اقتصار اهتمام النقد النسوي بصورة المرأة في الأدب، بل بالسعي إلى التنقيب عن الكاتبات وطرح مفهوم النقد النسائي (gynocriticism) بمعنى اهتمام الناقدة بالمرأة الكاتبة. أما الثمانينات فقد شهدت مزيدًا من الاهتمام بكتابة النساء وتحليل لغة الكتابة فيما عرف بالكتابة الأنثوية (écriture feminine) خاصة في أوساط النسويات الفرنسيات، في الوقت نفسه الذي شهدت فيه الولايات المتحدة نشأة النسوية السوداء (black feminism) والنسوية المثلية (lesbian feminism)، بينما اتسمت التسعينيات بتقاطع النقد الأدبي النسوي مع مدرسة مابعد الكولونيالية فظهرت النظرية الأدبية النسوية مابعد الكولونيالية ( post-colonial feminist literary theory). أما بدايات القرن الواحد والعشرين فتتسم بتوجهات نحو النقد السياسي (political criticism) الذي يتسم بقوة التواجد والتعبير عن الذات وتبني موقف أيديولوجي واضح مع استمرار الاستناد إلى سياسات الاختلاف جنبًا إلى جنب تأمل الذات، بالإضافة إلى الاهتمام بمسألة الموقعية (positionality) .۱۲
ومن جهة أخرى، تتناول ناقدات أخريات مراحل تطور النظرية الأدبية النسوية في الغرب بالتركيز على علاقة النقد الأدبي النسوي بالمدارس النقدية المعاصرة. إذ ترى شاري بانستوك وسوزان فيريس وسوزان وودز أن النقد الأدبي النسوي ظهر في الستينيات واتسم في مرحلته الأولى (1963 –۱۹۷۱) بالتركيز على صور النساء (images of women) في الأدب والثقافة الدارجة (popular culture) بينما ركزت الناقدات على مدار السبعينيات (1972 – 1980) على التأصيل للكتابة النسائية (creating a female tradition)، وهي فترة تزامنت أيضا مع نشأة الأصوات المقاومة لهيمنة نساء الطبقة العليا والوسطى من البيض على تمثيل النساء عامة على اختلاف خلفياتهن الطبقية والعرقية وميولهن الجنسية، فظهرت في نهايات السبعينيات أصوات مقاومة داخل مدرسة النقد الأدبي النسوي الناشئة. هذا وقد شهدت بداية الثمانينيات جهودًا تنظيرية وتحليلاً لغويًا واستخدام أدوات المدرسة التفكيكية (deconstruction) والتحليل النفسي (psychoanalysis) في تطوير النقد النسوي وطرح مفاهيم مثل “الكتابة الأنثوية” (écriture feminine) و“فن الكتابة النسوية” (feminist poetics). وقد شهدت الثمانينيات اهتمام النسويات، وخاصة مدرسة النقد النسوي الفرنسية، بما بعد البنيوية (poststructuralism) في التركيز على الجوانب اللغوية ووضع الذات المتكلمة في النص، فتبلور البحث في مساحات الصمت والصوت والمسكوت عنه. كما كان للالتفات إلى وضع الذات المتكلمة في النص دوره في توجيه أنظار الناقدات النسويات صوب كتابات السيرة الذاتية، بما تتضمنه من ممارسة لسلطة تمثيل الذات في سياق يجمع بين مفاهيم الأنوثة والذكورة والانتماء الطبقي والعرقي. وهكذا منذ منتصف الثمانينيات وصاعدًا كانت النظرية الأدبية النسوية قد أخذت في ترسيخ أقدامها كنظرية نقدية داخل النظرية الأدبية بل وتتجاوزها، خاصة مع تماسها مع نظرية ما بعد الحداثة (postmodernism)، فاستندت النسويات إلى مفاهيم مثل “السرديات العليا” (metanarratives) لتفكيك الهيمنة الأبوية في تاريخ الأدب والنقد، كما دعمت مابعد الحداثة الاختلاف والتعددية والتنوع باعتبارها قيما أصيلة في التحليل النسوي.13
ومن جانب آخر انشغل بعض الباحثين والباحثات العرب بالكتابة النسائية العربية والأدب الروائي من منظور نسوي وجندري، وذلك في دراسات موجهة في الأساس إلى الباحثات والباحثين الغربيين المهتمين بالإبداع النسائي العربي، فصدرت باللغة الإنجليزية ثلاثة كتب تحتل موقعًا متميزًا عند تقاطع الدراسات الأدبية مع الدراسات النسوية ودراسات العالم العربي والشرق الأوسط. وأشير هنا تحديدًا إلى كتاب جوزيف زيدان “الروائيات العربيات: سنوات النشأة وما بعدها” (١٩٩٥)14، والذي تناول فيه أوضاع النساء في المجتمع العربي، ثم أفرد مساحة للجيل الأول من الكاتبات الرائدات دون أن يقتصر على الروائيات وإنما التفت كذلك إلى الشاعرات والصحفيات والمثقفات، أعقبها بتتبع للجيل التالي مركزًا على ملامح البحث عن الهوية الذاتية لدى كاتبات من جيل الخمسينيات والستينيات، ثم انتقل إلى تناول البحث عن الهوية الوطنية في أعمال كاتبات أخريات في إطار السياق السياسي وتحديدًا نكسة 1967. ومن الجدير بالذكر أن جوزيف زيدان يتوقف أمام مدرسة النقد الأدبي النسوي الغربية ويطرح تساؤلات بشأن مدى إمكانية تطبيقها على أعمال نسائية عربية، ويخلص إلى إمكانية الاستعانة ببعض المفاهيم النقدية النسوية في تحليل الأدب النسائي العربي.15
ومن اللافت أن تلك المسألة لا تستوقف الناقدتين الأكاديميتين العربيتين بثينة شعبان وهدى الصدة، فقد صدر لهما في السنوات القليلة الماضية باللغة الإنجليزية كتابان يمثلان إضافة مهمة في دراسات الأدب النسائي والنقد النسوي والتحليل الجندري، ففي كتاب بثينة شعبان الصادر عام ۲۰۰۹، “الكشف عن الأصوات: الروائيات العربيات (۱۸۹۸– ۲۰۰۰)”،16 يتم الكشف عن أصوات الروايات العربيات في النصوص الروائية مع ربطها بالسياق الثقافي والاجتماعي الذي نشأت فيه وتنطلق الكاتبة من موقف يكشف عن تهميش النساء في النقد الأدبي، والذي تعزوه في الأساس إلى عدم توفر الكتابات النسائية على مدار العقود الماضية، لا ضعف قيمتها، ومؤكدة على سعيها إلى تسليط الضوء على الإبداع الروائي النسائي كما وكيفا، والعمل على دمج كتابات النساء والرجال في كيان واحد لا الفصل بينها أو إثبات تفوق كتابات النساء.17 ومن هنا تعود إلى إرهاصات الإبداع الروائي النسائي ممثلة في الراوية الأدبية الأولى شهرزاد ثم متتبعة بدايات الكتابة النسائية المنشورة منذ نهايات القرن التاسع عشر، مع توضيحها عدم انطباق حدود الدول العربية الحالية على تلك الأجيال الأولى من الكاتبات اللآتي عشن في عالم عربي ذي حدود مرنة وحركة تنقل متواصلة. كما تتطرق المؤلفة على مدار الكتاب إلى قضايا كالمساواة بين الجنسين ونموذج المرأة الجديدة والعلاقة بين النساء والأوطان وروايات الحروب. وتنهي فصول كتابها بتحليل عدد من الروايات النسائية الصادرة خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين.
أما كتاب هدى الصدة عن “قضايا الجندر والوطن والرواية العربية في مصر، ۱۸۹۲– ۲۰۰۸ الصادر عام (۲۰۱۲)،18 فيتجاوز مرحلة التاريخ لكتابات النساء العربيات (ربما لانتماء المؤلفة إلى فريق العمل الذي كان قد أصدر موسوعة الكاتبة العربية الوارد ذكرها لاحقا)، وإنما يستند الكتاب إلى منظور جندري، يجمع بين تحليل خطابات كل من الذكورة والأنوثة في إطار الحداثة وما بعدها في الأدب الروائي المصري، فتتتبع تمثيل الذكورة وصورة “الرجل الجديد” في روايات رواد الرواية العربية الحديثة مثل محمد حسين هيكل وعبد القادر المازني ومصطفى صادق الرافعي، ثم تقدم تحليلاً يجمع بين قضايا الوطن والجندر في كتابات لطيفة الزيات وربطها بين القهر الطبقي والجنسي، كما تتناول نماذج المرأة والرجل التقليدي من ناحية ومثال “رجل عصر النهضة” من ناحية أخرى في ثلاثية نجيب محفوظ، والرجولة المهزومة في روايات صنع الله إبراهيم منذ الستينيات فصاعدا، وتنتقل أخيرًا إلى روايات التسعينيات التي ارتبطت بظهور كتابات نسائية جديدة، بالإضافة إلى نماذج روايات مابعد حداثية، ولعل من أهم النقاط التي تنتظم حولها هذه الدراسة هي قضية نشأة الأنواع الأدبية وما يتم إدراجه ضمن “الأدب المعتمد” (the literary canon) وموقع الكتابة النسائية منه، ومسألة ما يحيط بعملية صياغة وبناء الهوية الوطنية وصورها وانعكاساتها في الإبداع الروائي.
وهكذا يمكن أن ترى في هذه الكتب الثلاثة جهودًا نقدية مغايرة لما هو سائد في دراسة الأدب العربي، إذ يتم التركيز على التاريخ الروائي النسائي العربي كما هو الحال في كتاب جوزيف زيدان وبثينة شعبان، بينما تلتفت دراسة هدى الصدة إلى كتابات النساء والرجال من منظور نسوي/ جندري مع التركيز على نشأة وتطور الرواية في مصر. ومن الملاحظ أيضًا أن جوزيف زيدان لم ينطلق في دراسته من تاريخ محدد، مثلما فعلت بثينة شعبان وهدى الصدة، وإنما أشار إلى الأديبات العربيات منذ الجاهلية وحتى النهضة إشارة عابرة مؤكدًا على انطلاقه في قراءته لتاريخ الرواية النسائية العربية من العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر لما شهدته من تصاعد أصوات النساء وتزايد نشاطهن الأدبي والثقافي في إطار الصحافة والجمعيات والصالونات الأدبية. بينما اختارت بثينة شعبان أن تبدأ التأريخ للرواية العربية النسائية بعام ١٨٩٨ وتستند في ذلك إلى زينب فواز (1846- 1914) باعتبارها رائدة الرواية العربية بفضل روايتها حسن العواقب أو غادة الزاهرة (۱۸۹۹)، بينما تنطلق هدى الصدة في التاريخ للرواية المصرية من عام ١٨٩٢، وهي تشرح ذلك في مقدمة كتابها قائلة أن عام ١٨٩٢ كانت له أهميته في تبلور صياغة صور الأنوثة الذكورة لدى عديد من الكاتبات والكتاب، وهي صور ما لبثت وأن سادت نهايات القرن واستمر تأثيرها على مدار القرن العشرين،19 كما من الملاحظ أنه هو العام الذي يتزامن أيضًا على سبيل المثال مع صدور كتاب عائشة تيمور مرآة التأمل في الأمور (١٨٩٢) وإصدار أول مجلة نسائية وهي مجلة الفتاة لصاحبتها هند نوفل، وهو عام يسبق كتب قاسم أمين التي احتلت مكانة الصدارة على حساب ما تعرضت له الكاتبات من تهميش في إطار “النصوص المعتمدة” على مدار العقود اللاحقة، وبذلك تقدم هذه الكتب الثلاثة إضافة مهمة إلى تاريخ الأدب العربي بشكل عام ومكانة الكتابة النسائية في إطاره على وجه التحديد. وفضلاً عن ذلك، فلعل من أهم ما يميز كتابي هدى الصدة وبثينة شعبان عن سابقهما هو كون المؤلفتين تنتميان إلى جامعتين عربيتين. فبثينة شعبان هي أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق في سوريا، وهدى الصدة هي أستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة القاهرة في مصر. وهما بإصدار كتابهما باللغة الإنجليزية تؤثران في مسار الدراسات النسائية ودراسات الأدب العربي في المؤسسات الأكاديمية الغربية في الوقت الذي يساهم انتماؤهما إلى المؤسسات الجامعية العربية في نشر مناهج البحث النسوي في الدراسات الأدبية على المستوى المحلي، وخاصة عند نشر هذه المنهجيات وإصدار مثل تلك الكتب في نسخ باللغة العربية. 20
أما عن تطور النقد النسوي في مصر، فلا يمكن القول بوجود مدرسة للنقد الأدبي النسوي المصري أو العربي، ولكن يمكننا أن نتوقف أمام بعض الأصوات النسوية في النقد الأدبي على مدار ما يقرب من قرن من تاريخ الكتابات النقدية النسائية/ النسوية في مصر، وسأحاول فيما يلي تقديم عرض لأبرز تلك الأصوات، ولعل أول هذه الأصوات هو صوت مي زيادة (1886- 1941) التي ألفت ثلاثة كتب نقدية عن ثلاث أديبات عربيات: باحثة البادية: بحث انتقادي (١٩٢٠)، وردة اليازجي (١٩٢٤)، عائشة تيمور: شاعرة الطليعة (١٩٢٦)، وهي كتب وإن كانت قد صنفت تحت كتب التراجم، إلا أنها تتسم بالجمع بين التعريف بالأديبات وسياقهن الثقافي والاجتماعي والقراءة النقدية لأعمالهن الأدبية. وتشير مي زيادة إلى قيمة ملك حفني ناصف (باحثة البادية، ١٨٨٦ –١٩١٨) کروح ملهمة لها في الفكر والكتابة، فتقول: “فلتحضر الروح العزيزة جلسات أكون فيها وحدي منفردة للبحث في آرائها واستخلاص معانها. ولتقد يدها يدي الجسدية الحائرة“، 21 أما كتابها عن وردة اليازجي (١٨٣٨– ١٩٢٤)، فقد بدأ كمحاضرة ألقتها في جمعية الشابات المسيحية، فأثارت فيها نقطة أساسية وهي دور الرائدات اللآتي “فتحن الطريق” ودفعت بالأجيال التالية نحو ترسيخ تواجد النساء والنهضة بأوضاعهن في المجتمع قائلة: “فبقي علينا نحن أن نستكشف طبيعة المرأة الشرقية لنسجلها في الوجود، ونسعى بعدئذ لإنمائها وصقلها فنبرزها كما هي في جوهرها تحفة وينبوعًا وذخيرة.”22 وفي كتابها اللاحق عن عائشة تيمور (١٨٤٠– ١٩٠٢)، تشرح لنا مي زيادة مسارها البحثي في تتبع كتابات عائشة تيمور وتحليلها بدوافع عديدة تلخصها في خمس نقاط وهي: أن عائشة تيمور “طليعة اليقظة النسوية في هذه البلاد“، ولأن الناس يعرفون عنها ومن يسمع عنها يعرفها “دون أن يلم بما تتكون منه شاعريتها“، ولما تتمتع به من مكانة في الأدب العربي “ليس من الجانب النسوي بل بوجه عام“، ولأن شعرها يعكس ما كان سائدًا في عصرها والعصور التالية لها “لأنه رأي جمهور كبير من الشرقيين والشرقيات“، وأخيرًا لأن البحث في حياة شخصية حقيقية لا أبطال أعمال روائية هو بحث “يرافقه سرور متضاعف” لأنه في حالة عائشة تيمور يتناول شخصية متميزة ممن “توفرت لهم شروط اليقظة أيام كان الجمهور منا في سبات واستكانة!”23 وهكذا جاء صوت مي زيادة مؤسسًا للأدب النسائي ومسلطًا الضوء على أهم سمات ومميزات تلك الكتابة في إطار الأدب العربي. ومن الملاحظ أن مي زيادة مثلها هنا مثل فرجينيا وولف التي أفردت فصلاً مطولاً من كتابها حجرة خاصة (١٩٢٩) للتنقيب عن الكاتبات في الأدب الإنجليزي مسلطة الضوء على حيواتهن ومعلقة على كتاباتهن بالتحليل والنقد، والمدهش أنهما قامتا بذلك التأصيل النقدي للكتابة النسائية –كل في لغتها وثقافتها– في نفس الفترة التاريخية تقريبًا، أي العشرينيات من القرن العشرين.
ومثلما غابت الأصوات النقدية النسوية في الغرب على مدار العقود التالية كذلك لا نجد في النقد العربي مساحة للنقد النسوي. ولعل الصوت النقدي النسوي التالي لمي زيادة لم يأت إلا في أعمال الأديبة والناقدة الأكاديمية والناشطة السياسية لطيفة الزيات (١٩٢۳– ١٩٩٦)، حين اهتمت بتتبع تصوير النساء في الأدب الروائي والقصصي العربي، وذلك في كتابها من صور المرأة في القصص والروايات العربية (١٩٨٩) والذي تكشف فيه عن تنميط النساء في أعمال كبار الأدباء المصريين والعرب، مستندة في تحليلها إلى عدة نماذج نمطية للنساء في تلك الأعمال الأدبية أوجزها فيما يلي أولاً، المرأة باعتبارها ملكا للرجل وأداة للمتعة والإنجاب، إذ تشير إلى صورة للمرأة وهي “ملكية فردية للرجل، وفي ظل المؤسسة الزوجية ملكية فردية للزوج“24 وأداة لإنجاب الأطفال وانتقال الثروة والأملاك عبر الأجبال، ثانيًا، “المرأة/ الشيء“، وهي صورة متكررة للنساء في الأعمال الروائية تبدو فيها إما مسلوبة الإرادة أو خارقة، وفي كلتا الحالتين لا يتحقق وجودها إلا من خلال الرجل، وهي ازدواجية تكشف عنها قائلة: “تعاني صورة المرأة في القصص العربي من الثنائيات المتعارضة … ولا نستطيع أن نزعم أن هذه الثنائيات القصصية تصدر عن فراغ أو أنها تفتقر إلى الأساس في الواقع الموضوعي. فهذه الثنائيات تعبر أولاً عن المنظور الذكوري للمرأة لا كما هي عليه فعلاً، بل كما ينبغي أن تكون عليه” في مجتمع تسوده القيم الأبوية ويقوم على القهر والاستغلال25. ثالثًا، “المرأة كبش فداء“، ففي مجتمع تسوده الأزمات الاقتصادية وتهدده المطامع الاستعمارية تقع النساء في قاع هرم السلطة بل خارجه، فهي الطرف الأكثر تعرضًا للقهر يفرغ المجتمع المأزوم فيها إحباطاته وغضبه وعنفه.26 رابعًا: “الصور المشرقة للمرأة” وهما نموذجان يضفي عليهما المجتمع سمات الاحترام والتقدير. فتأتي صورة الأم المضحية والمتفانية في خدمة أسرتها، وصورة المرأة الوطنية التي تحتضن هموم شعبها “بل لعل تلك الهموم تعلو في كيانها على ما عداها.”۲۷
ومن الجدير بالذكر أن لطيفة الزيات تشرح في مقدمة الكتاب أسباب اهتمامها يتتبع صورة المرأة في الأعمال الأدبية، وتركيزها في ذلك على كتابات الرجال، فهي تؤكد من جهة غياب الاهتمام النقدي بصورة المرأة العربية في الأدب القصصي والروائي، كما تفسر تركيزها على “منظور الكاتب العربي دون الكاتبة العربية” لما يعكسه منظور الكاتب الرجل من قيم وتحيزات مجتمعية وأيديولوجيا ذكورية سائدة.28 وهكذا يتضح لنا أن لطيفة الزيات اختارت أن توجه عملها النقدي نحو كشف تصورات المجتمع الأبوي وتنميطه للنساء، بينما سعت في أعمالها الروائية إلى تقديم نماذج نسائية غير نمطية بديلة لما هو سائد في الإبداع الأدبي والثقافة المجتمعية.
هذا وقد شهدت نهاية الثمانينات صدور كتاب سوسن ناجي المرأة في المرآة: دراسة نقدية للرواية النسائية المصرية (١٩٨٩)29 تتبعت فيه صورة المرأة في الأدب المصري قبل ثورة ١٩٥٢ وبعدها، وتحديدًا في الفترة الزمنية ما بين عام ١٨٨٨ وعام 1985، مع الربط بين الشكل الروائي وتصوير النساء في الأدب والقضايا النسائية المطروحة، ثم تطرقت إلى القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والجسدية الواردة في الرواية النسائية، كما تناولت صور النساء في المجال العام ما بين امرأة ريفية وعاملة وعاهرة، والمرأة داخل إطار الأسرة، زوجة ومطلقة وأمًا وابنة، ثم انتقلت إلى تحليل جماليات الكتابة النسائية من بناء الحدث والزمن والذات والنوع الأدبي، وهي دراسة رائدة في النقد النسائي المصري لما تكشف عنه من وعي مؤلفتها بخصوصية الكتابة النسائية مع استنادها إلى مدرسة النقد العربي في تحليل النصوص الأدبية، ولعل من أهم ما يميز هذه الدراسة من وجهة نظري هو أنها جاءت من خارج القاهرة، إذ أن مؤلفتها أستاذة في كلية دار العلوم بجامعة المنيا في صعيد مصر، بما يضمن وصول صوتها وتردد صداه في صعيد مصر، بما يكسر ارتباط الإبداع والنقد النسائي بالقاهرة ودور نشرها ومؤسساتها الجامعية على مدار العقود الماضية، هذا وقد واصلت سوسن ناجي اهتمامها بالكتابة النسائية فأصدرت كتابا عن صورة الرجل في القصص النسائي (٢٠٠٦)، طبقت فيه نفس منهجها المستخدم مسبقا مع تتبع صورة الرجل في القصة القصيرة لدى الكاتبات المصريات من منطلق أن “الوعي بماهية صورة الرجل – من منظور الكاتبة/ المرأة– إنما هو امتداد للوعي بالذات“. 30
أما الصوت الأعلى والأقرب في قراءة الأدب العربي من منظور نسوي فيتمثل في كتابات ألفت الروبي والتي نشرت مجمعة في بعض فصول كتاب بلاغة التوصيل وتأسيس النوع والذي صدر بعد وفاتها. وقد جاء الفصل الرابع من الكتاب معنونا “عن الكتابات النسوية“، وتضمن دراسة موجزة عن زينب فواز ولبيبة هاشم بعنوان “بداية أنثوية للرواية العربية” ،31 ودراسة نقدية لكتاب في زيادة عن عائشة تيمور بعنوان “مي زيادة والنقد النسائي: قراءة في كتابها عن عائشة تيمور“،32 ودراسة أخرى لكتاب مي زيادة عن ملك حفني ناصف بعنوان “بحثًا عن بلاغة نسائية في كتابة النساء على كتابة النساء: مي زيادة وباحثة البادية“.33 وتتمثل أهمية هذه الدراسات الثلاثة في دورها المزدوج في إعادة قراءة تاريخ الأدب العربي من ناحية، والالتفات النقدي إلى أعمال أديبات رائدات بالتحليل والنقد من منظور نسوي جديد، وهي في التفاتها إلى نقد النساء لكتابات النساء قد قدمت نفسها بوصفها امتدادًا لذلك التيار النقدي، فإذا كانت مي زيادة قد كتبت عن ملك حفني ناصف وعائشة تيمور، فها هي ذي ألفت الروبي تواصل ذلك المسار الخاص بكتابة النساء عن النساء أو كما أسمتها هي “كتابة النساء على كتابة النساء“.
هذا ولم يقتصر اهتمام ألفت الروبي على ذلك الجيل من الكاتبات الرائدات الممتد من نهايات القرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين، وإنما يتضمن كتاب بلاغة التوصيل وتأسيس النوع في فصله الأخير مقالتين نقديتين لكتابات نسائية معاصرة، وهي رواية مي التلمساني دنيازاد (۱۹۹۷)، ومجموعة نورا أمين القصصية حالات التعاطف (۱۹۹۸). ففي مقالتها “دنيازاد: رواية مي التلمساني وكتابة النساء“34 تقدم تحليلاً نسويًا يضع مي التلمساني ضمن مدرسة الكتابة النسائية الواعية الممتدة من لبيبة هاشم، مرورًا بمي زيادة، فصاعدا، وتهتم ألفت الروبي هنا بتحليل الشخصية النسائية فتتلمس حسها الأنثوي وتجربتها كامرأة تعيش الحمل والولادة والفقد، كما نسلط الضوء على العلاقة المركبة التي تربط الراوية بالبطلة بفعل الكتابة. كذلك تتوقف ألفت الروبي هنا أمام قضية النوع الأدبي فتراه لا يندرج ضمن الأنواع السائدة، بل تعتبره أقرب إلى “نوع لما يزل يتشكل على أيدي أصحاب هذه الكتابة الجديدة” 35 أما مقالتها “حالات التعاطف وكتابة التحرر عند نورا أمين“، 36 تركز ألفت الروبي مفهوم التحرر وتجلياته في كتابة نورا أمين، مع تسليط الضوء على التناقض بين مشاعر المرأة المثالية وواقعها المرير، ورحلة الوعي بمجتمع يقهر الجنسين. كما تلتفت إلى أسلوب السرد فتسلط الضوء على هيمنة صوت الراوية على النص واستعانتها بضمير المخاطب: الحاضر الغائب، الفرد المجتمع. وهكذا تترك دراسات ألفت الروبي، على قلتها، بصمتها البارزة في النقد الأدبي النسوي، لتظل صوتًا مسموعًا تتردد أصداؤه بمرور الزمن.
ومع تزايد الاهتمام بالكتابة النسائية والأدب النسوي منذ التسعينيات فصاعدًا، يمكنني أن ألمس بلورة تيارين أساسيين في النقد الأدبي النسوي في مصر يتنوعان من حيث الإطار النقدي المستخدم في دراسة وتحليل نصوص الكاتبات المصريات. أولاً، ينطلق التيار الأول في النقد الأدبي النسوي في مصر من داخل مدرسة النقد الأدبي العربي وبجهود ناقدات أكاديميات مصريات. وربما تكون قد خطت أولى خطواته، بعد مي زيادة، سهير القلماوي (۱۹۱۱– ۱۹۹۷) في رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه في الأدب العربي عن ألف ليلة وليلة (1943)، إذ أفردت فصلاً من فصول الرسالة لتحليل صورة المرأة في ألف ليلة وليلة. ومن بعدها قامت نبيلة إبراهيم في دراستها للأدب الشعبي العربي بالتركيز على سيرة الأميرة ذات الهمة،37 لتسلط الضوء على السيرة الشعبية الوحيدة لامرأة وسط سير عديدة لأبطال مثل عنترة بن شداد، والظاهر بيبرس، وعلي الزيبق، وأبو زيد الهلالي في السيرة الهلالية، وغيرها من السير في الأدب الشعبي العربي، وهو التيار الذي أسست له في رأيي لطيفة الزيات في كتاباتها النقدية، وتحديدًا في كتابها الرائد من صور المرأة في القصص والروايات العربية (۱۹۸۹). وكذلك ضمنيًا في كتاباتها الإبداعية بدءًا من رواية الباب المفتوح، ومرورًا بمجموعتها القصصية الشيخوخة، ثم رواية صاحب البيت وشهادتها المرفقة بالرواية، وانتهاء بكتابها حملة تفتيش: أوراق شخصية. كذلك نرى كيف ركزت سوسن ناجي جهودها النقدية على الكتابة النسائية عبر عقود متتابعة مع الإصرار على طرح منظومة تحليلية واحدة كررتها في تطبيقاتها على صور النساء والرجال لدى الروائيات وكاتبات القصة القصيرة المصريات، أما ألفت الروبي فقد ساهمت بلا جدال في إرساء منهج نقدي لدراسة الكتابة النسائية المصرية، وخاصة من خلال طرحها مفهوم “كتابة النساء على كتابة النساء” الذي لا يكتفي بتتبع الكتابة الإبداعية النسائية، بل ويتجاوزها ملتفتا كذلك إلى الكتابة النقدية النسائية، فهي بالإضافة إلى تقديم قراءات في أعمال الكاتبات المصريات المعاصرات (جيل التسعينيات تحديدًا)، التفتت إلى كتابات مي زيادة النقدية عن كاتبات سبقنها، وطرحت أفكارًا حول “الكتابة الأنثوية” و“البلاغة النسائية” و“كتابة النساء على كتابة النساء“. وأنا أرى في هذا الاتجاه ملامح منهج للنقد النسائي في إطار مدرسة النقد الأدبي في مصر.
ثانيًا، ينطلق التيار الثاني في النقد الأدبي النسوي في مصر من داخل النظرية الأدبية النسوية الغربية في إطار دراسات الأدب النسوي المقارن. ولعل من أول الكتب التي صدرت في مصر مستنده إلى النظرية النسوية الغربية هو كتاب شيرين أبو النجا عاطفة الاختلاف (١٩٩٨) الذي افتتحه بطرح إشكالية علاقة المعرفة النسوية الغربية بما أسمته “الخصوصية الشديدة للمرأة العربية” الناجمة عن سياقها التاريخي والاجتماعي والثقافي، وبالتالي سعيها في كتابها للوصول إلى “الرؤية الذاتية لكل كاتبة كما عرضتها في أعمالها” 38 وتتناول الناقدة في كتابها رواية مرايا الروح لبهيجة حسين، ودنيازاد لي التلمساني، وفميص وردي فارغ لنورا أمين، والسيقان الرفيعة للكذب لعفاف السيد، والخباء لميرال الطحاوي، فتخلص إلى وجود اختلاف أكيد، بين كتابة الرجل وكتابة المرأة متمثل في “الرؤية المغايرة” والسعي نحو التحرر و“خلخلة الهيمنة الذكورية أو المؤسسة السلطوية النمطية التي تؤطر المعرفة في قوالب جاهزة“.39 وتنتصر شيرين أبو النجا للأدب النسوي مسلطة الضوء على جيل معاصر من الكاتبات يشار اليوم إليهن باعتبارهن كاتبات جيل التسعينيات وفي كتابها التالي، نسائي أم نسوي؟ (۲۰۰۲)، تجمع شيرين أبو النجا مجموعة من مقالاتها التي تتناول فها موضوعات وأعمالاً أدبية وفنية متباينة، تقدم لها جميعًا بمقدمة تطرح فيها مفهوم النص النسوي للنقاش منطلقة من عدة أسئلة تحاول الإجابة، نظريًا، استنادًا إلى تيار النقد النسوي الفرنسي ممثلاً في الناقدة النسوية هيلين سيكسو، وتيار النقد النسوي الأمريكي ممثلاً في الناقدة النسوية إيلين شوولتر. كما تحاول لاحقًا الإجابة على تلك الأسئلة، ضمنيًا، على صفحات الكتاب، ثم تحملها معها في كتابها التالي مفهوم الوطن في فكر الكاتبة العربية (۲۰۰۳) حيث توسع مساحة بحثها لتشمل روايات لكاتبات عربيات معاصرات تتبع فيها صورة الوطن في أعمالهن. وتنطلق الناقدة هنا من خصوصية مفهوم الوطن وعلاقة المواطنة في الرواية النسائية العربية، وذلك في إطار اهتمامها بدراسة “موقع النص النسوي” في الخطاب الأبوي المهيمن على الخطاب النقدي العربي. 40
ويأتي كتاب زينب العسال، النقد النسائي للأدب القصصي في مصر (۲۰۰۸)، ليقدم مثالاً آخر على دراسة تستعين بأدوات النقد الأدبي النسوي الغربي في تحليل القصص العربي. وتفتتح المؤلفة الكتاب بأسئلة البحث ممثلة في تعريف النقد النسائي ونشأته واتجاهاته عالميًا، ثم تتبع تجلياته في السياق العربي. وهي بالتالي تنطلق من تيارات مدرسة النقد الأدبي النسوي الغربية، الفرنسية منها والأمريكية، ثم تقبع بدايات الكتابة النسائية في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر مرورًا بمنتصف القرن العشرين وصولاً إلى القصص النسائي عند منعطف القرن كما تتطرق الدراسة إلى قضايا مهمة منها: صورة المرأة في أدب الرجل، وقضية النوع الأدبي في الكتابة النسائية، وتخلص إلى وجود اتجاهين سائدين في النقد النسائي في مصر، وهما النقد النسائي اللغوي، والنقد الثقافي، ولعل من أهم مزايا هذا العمل قوائم المصادر التي تشير إلها المؤلفة، والتي تجمع ما بين مصادر في النظرية الأدبية وفي النقد الأدبي النسوي، بالإضافة إلى المصادر العربية التي تشتمل على أهم ما صدر عن الإبداع والنقد النسائي في مصر من كتب ودراسات، ذلك إلى جانب الإشارات إلى أبرز الأعمال الأدبية التي كتبها أجيال الكاتبات المصريات على مدار قرن ویزید.
وختامًا، وقد عرضت أعلاه أهم الأصوات النقدية النسوية وأبرز الكتابات النقدية التي التفتت إلى الكتابة النسائية وساهمت في تسليط الضوء عليها بما يجعلنا نأمل في تبلور مدرسة مصرية/ عربية للنقد الأدبي النسوي، أود أن أتوقف هنا أمام جهد يجمع بين مناهج البحث الغربية والعربية، وبين النقد والتأريخ، ممثلاً في موسوعة الكاتبة العربية بمجلداتها الثلاثة، الصادرة عام ٢٠٠٣، والمشتملة على تاريخ نقدي للكتابة النسائية في المنطقة العربية مصحوبًا بقوائم ببليوغرافية لإصدارات الأديبات العربيات منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين، ويستعرض المجلد الأول “الكاتبة في لبنان” و“الكتابة الإبداعية في مصر“، بينما يقدم المجلد الثاني “الرواية النسوية في سورية” و“المرأة العراقية أديبة في القرن العشرين” و“الكاتبة في فلسطين والأردن“. أما المجلد الثالث والأخير فيتناول “الكاتبة في المغرب العربي” و“أدب المرأة في الجزيرة والخليج” و“المرأة السودانية والإبداع” و“قراءة في إبداع المرأة اليمنية“، كما يضم المجلد الثالث ببليوغرافيا الكاتبات العربيات باللغة الإنجليزية، وقائمة أخرى للكاتبات باللغة الفرنسية في المغرب العربي ولبنان. وقد كان لأهمية هذا الكتاب ما أدى إلى صدور نسخة موجزة – وإن حافظت على قيمتها الموسوعية – باللغة الإنجليزية،41 مما لا يقصر دوره في التاريخ للكاتبات العربيات وإفادة القارئات والقراء العرب، بل بتجاوز ذلك باقتحام المؤسسات الغربية المهتمة والمتخصصة في دراسة الأدب العربي والنساء العربيات.
يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة “ترجمات نسوية” التي تصدرها مؤسسة المرأة والذاكرة على سبيل إتاحة المعرفة التي يتم إنتاجها بلغات أجنبية للباحثات والباحثين المهتمين بمناهج البحث النسوي عبر التخصصات المختلفة. وينطلق هذا الكتاب من قناعة بوجود نقص في المصادر والمعارف في الدراسات النسوية والجندرية عبر التخصصات. وقد لاحظنا مدى ما حققته ترجمة عدد من الكتب عن تاريخ الفكر والنقد النسوي، وخاصة عند منعطف القرن العشرين، ضمن المشروع القومي للترجمة ثم المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية، 42 فقد انعكست ترجمة تلك المصادر المؤسسة للفكر النسوي ومناهج بحثه إلى اللغة العربية على الحركة النقدية بشكل عام وجهود البحث النسوي بشكل خاص. وهي خطوة بالغة الأهمية في التعريف بتطورات البحث النسوي في الغرب وبلورة موقف مصري عربي في هذا الصدد، إن استنادنا إلى تاريخنا النسوي يجب أن تسايره معرفة بالحركة النسوية العالمية المعاصرة وتداعياتها على الفكر والبحث والإبداع. وهي مسألة تزداد أهميتها للباحثات والباحثين في مجال الدراسات الثقافية والمقارنة من ناحية، والمتخصصات والمتخصصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية من جانب آخر.
وتأتي أهمية هذا الكتاب الشخصية لي من منطلق تجربتي الذاتية إذ بدأ اهتمامي بالكتابات النسائية منذ سنوات دراستي الجامعية في نهاية الثمانينيات، ومع إجادتي للغتين العربية والإنجليزية، اقتصرت قراءاتي على كتابات النساء المصريات والعربيات المتاحة حينذاك مثل في زيادة ولطيفة الزيات ورضوى عاشور ونوال السعداوي وجيل التسعينيات، بينما لم يتح لي التعرف حينها على مدرسة النقد الأدبي النسوي فكان أول دراسة أقرأها في النقد الأدبي النسوي هي دراسة صدرت في مصر باللغة الإنجليزية عام ١٩٨٦ ، كتبتها د. هدي جندي، أستاذني في كلية الآداب، بعنوان “النقد الأدبي النسوي” (Feminist Literary Criticism)، 43 وكنت قد وقعت عليها بالمصادفة إذ لم تكن مقررة علينا ضمن المناهج الدراسية، ولم تكن أي من مصادرها الواردة في الهوامش أو قائمة المصادر متاحة في مصر. ولم تنفتح أمام عيني أبواب النقد الأدبي النسوي إلا عندما أتيح لي السفر إلى بريطانيا في منحة لدراسة الماجستير في منتصف التسعينيات، وإذا كان الوضع قد تغير على مدار العقدين الأخيرين من حيث توفر منافذ الوصول إلى مصادر في النقد الأدبي النسوي، الورقية منها والرقمية، إلا أن مدرسة النقد الأدبي النسوي بمناهج بحثها وتنويعاتها وتعدديتها تتسم بالتطور المستمر وبلغات أجنبية بشكل عام. ومن هنا يصعب على الباحثات والباحثين غير المجيدين للغات أجنبية، ومنها الإنجليزية، التعرف على النظريات والمنهجيات والموضوعات الراسخة منها والمتغيرة داخل مدرسة النقد الأدبي النسوي، خاصة وأن الكتابات النظرية والتطبيقية على حد سواء تتطلب فهمًا دقيقًا لما تستند إليه وما ترمي إليه، وهي مسألة تمثل تحديًا لقرائها في لغاتهم وبلغاتها الأصلية، فما بالنا بقراءتها بلغاتها الأجنبية.
ومن هنا يتوجه هذا الكتاب إلى كل الباحثات والباحثين المهتمين بمدرسة النقد الأدبي النسوي. وقد قمت باختيار الدراسات والمقالات التي يضمها هذا الكتاب في محاولة لتتبع الفكر النقدي النسوي من حيث تسليط الضوء على أهم مراحل تطور النقد الأدبي النسوي في الغرب وتداعياته على الحركة النقدية العالمية ونقاط تلاقيه مع الفعل النسوي. ويأتي الكتاب في ثلاثة أجزاء، يتضمن الجزء الأول مقالات تقدم عرضًا عامًا لتطور مدرسة النقد النسوي وأهم تياراتها، بينما يشتمل الجزء الثاني على مقالات تتناول مفاهيم متنوعة داخل النقد الأدبي النسوي، بينما يركز الجزء الثالث على العلاقة بين النقد النسوي والنوع الأدبي.
يبدأ الكتاب بمقالة آنيت كولودني بعنوان “الرقص عبر حقل الألغام: ملاحظات في النقد الأدبي النسوي” (١٩٨٠)، والتي تقدم واحدة من أولى الدراسات الشاملة لنظرية النقد الأدبي النسوي وتطبيقاتها على مدار سبعينيات القرن العشرين. إذ توضح في مقالتها مفهوم الصياغة الاجتماعية للنص الأدبي من حيث كون النص والقارئة/ القارئ والناقدة/ الناقد أطرافًا في السياق الثقافي والاجتماعي للنص الأدبي. كما تؤكد آنيت كولودني على أنه لا يمكن قصر النسوية على مجال البحث وإنما يجب أن تجمع بين البحث الأكاديمي والعمل النسوي في المجتمع، وقد جاء اختياري لهذه الدراسة لأنها تمثل نموذجًا للنقد الأدبي النسوي في مراحله الأولى يستعرض الساحة النقدية والتحديات التي يواجهها.
ثم أنتقل إلى دراسة إيلين شوولتر “نحو كتابة نسوية” (١٩٧٩) لما أحدثته من تأثير في تأسيس مدرسة النقد الأدبي النسوي، وهو تأثير وصلنا في مصر إذ تتكرر الإشارة إلى هذه الدراسات في الكتابات النقدية المصرية، وتعتبر إيلين شوولتر من رائدات النقد الأدبي النسوي في المؤسسة الأكاديمية الأنجلو– أمريكية، وخاصة بفضل كتابها المؤسس لتاريخ الأدب النسائي الإنجليزي وعنوانه أديب خاص: الروائيات البريطانيات من برونتي إلى ليسينج” (۱۹۷۷).44 أما مقالتها المترجمة هنا فتتبع تاريخ الأدب النسائي الإنجليزي، وتطرح فيه مفهوم “النقد النسائي” (gynacrtics)، أي نقد النساء لأعمال النساء باعتباره إطارًا نقديًا نسويًا.
هذا وقد كان للنسويات السود والملونات موقف من هيمنة النسويات البيض على النقد النسوي واتهمنهن بإعادة إنتاج منظومة التهميش بتجاهل تجارب النساء من خلفيات طبقية وعرقية مختلفة ومن هنا نشأت مدرسة النقد الأدبي النسوي تيارات متنوعة، منها ما عبرت عنه باربرا سميث في مقالتها “نحو نقد نسوي أسود” (١٩٧٧)، والتي فتحت بها المجال أمام نشأة وتطور أدب ونقد نسوي أسود تتقاطع فيه عناصر العرق والطبقة والجنسانية (sexuality) والجندر. وقد أدرجت هذه المقالة هنا لتوضيح كيفية نقد باربرا سميث لغياب النساء السود في النظرية الأدبية النسوية الناشئة، مع تأكيدها على خصوصية التجربة الحياتية للنساء السود وانعكاساتها على كتاباتهن. وقد نجحت باربرا سميث من خلال مقالتها تلك في خلق تيار للنقد الأدبي النسوي الأسود.
كذلك رأيت أن أرفق تنويعة أخرى لاحقة ممثلة في مقالة ديبرا كاستيللو “النسوية في سياقات أمريكا اللاتينية” (۱۹۹۷)، حيث تقدم دراسة لنصوص أدبية نسوية أمريكية لاتينية، فتؤسس بالتالي لتيار آخر في النقد الأدبي النسوي وذلك في سياق الفكر النسوي والنقد الأدبي المنتمي إلى ثقافة أمريكا اللاتينية. وكنت قد تواصلت مع المؤلفة للحصول على موافقتها على ترجمة مقدمة كتابها عن النقد الأدبي النسوي في أمريكا اللاتينية،45 فاقترحت هي علي مقالتها المدرجة هذا بدلا عن مقدمة فاخترت الاستجابة لاقتراحها لتوافق موضوع المقالة مع مقدمة الكتاب التي كنت اخترتها. ولقناعتي بأن المقالة بطبيعتها تكون متكاملة ومحكمة في ذاتها، بينما تستند مقدمات الكتب إلى محتوى الكتاب بشكل عام، وقد تطرح أسئلة تتبلور إجاباتها على مدار صفحات وفصول الكتاب.
أما المقالة التالية فهي دراسة تكشف عن تقاطعات أخرى داخل النظرية الأدبية، وأقصد هنا تحديدًا تقاطع النقد النسوي مع النقد مابعد الكولونيالي، ممثلاً في مقالة ساره ميلز “النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية” (۱۹۸۹)، حيث توضح أن النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية جاءت نتيجة لغياب الاهتمام بالبعد الجندري من ناحية وبسبب تركيز النظرية النسوية الغربية على نموذج المرأة البيضاء من الطبقة الوسطى ذات الميول الجنسية الغيرية، فتسعى النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية إلى خلخلة التعميمات القائمة في كل من النظرية ما بعد الكولونيالية والنسوية السائدة. وقد اخترت هذه المقالة لتسليطها الضوء على التقاطعات المنهجية في النظريات ودورها في نشأة تيارات فكرية جديدة.
وأنهي هذا الجزء من الكتاب بمقالة ماجي همّ “النظرية الأدبية النسوية” (١٩٩٨)، والتي تستعرض فيها التطور التاريخي والسمات الأساسية المميزة لمسيرة النظرية الأدبية النسوية منذ نشأتها في السبعينيات وحتى نهاية القرن العشرين، كما تستشرف مساحات المراجعات النسوية في الألفية الجديدة وتتمثل أهمية هذه المقالة في تتبعها للنقد النسوي على مدار ثلاثة عقود مع الإشارة إلى أبرز المفاهيم والأعمال المؤسسة لمدرسة النقد الأدبي النسوي التي يرد ذكرها على مدار صفحات هذا الكتاب.
وفي الجزء الثاني من الكتاب أنتقل من التركيز على التطور التاريخي للنقد الأدبي النسوي، وما أنتجه تقاطع الفكر النسوي مع غيره من النظريات، وما نجم عن ذلك التلاقي من تعدد في التيارات النقدية داخل المدرسة النسوية، فرأيت أن أدرج عددًا من الدراسات المهمة التي تتعمق في المقاربات المتنوعة داخل النقد الأدبي النسوي. فإذا كان الجزء الأول من الكتاب يستعرض مساحات بانورامية من النقد الأدبي النسوي، فإن هذا الجزء يستهدف تسليط الضوء على بعض الممارسات النقدية والتعمق في مختارات من المفاهيم والعناصر التحليلية وتطبيقاتها على مستوى نصوص أدبية بعينها. فأعود ثانية إلى الثمانينيات بمقالة توريل موي “النسوي، الأنثوي، المؤنث” (١٩٨٦) والتي جاءت في عنوانها کرد فعل لمفهوم طرحته الناقدة إيلين شوولتر بشأن تطور الأدب النسائي عبر مراحل ثلاث: المؤنث، النسوي، الأنثوي، وقد اخترت هذه المقالة لما تتناوله من تعريفات لمصطلحات يستند إلها الفكر النسوي، وكذلك لكونها من ضمن أشهر الدراسات التي يتكرر نشرها منذ صدورها، كما أنها تشير إلى ملمح مهم في النقد الأدبي النسوي وهو سمة الحوار الدائر بين الناقدات النسويات في صياغة المعرفة عبر التخصصات.
ثم تليها مقالة تتناول مفهوم “كتابة الجسد” بما يتسم به هذا المفهوم النقدي من أهمية، وما تعرض له من سوء الفهم بل والتشويه، بما في ذلك في ثقافتنا العربية، وفي مقالة آن روزالیند جونز “كتابة الجسد: نحو فهم للكتابة الأنثوية” (١٩٨١). حيث تتناول فيها المؤلفة مفهوم “الكتابة الأنثوية” الذي خرج من المدرسة الفرنسية في النقد الأدبي النسوي، والذي كثيرًا ما يشار إليه بمسمى “كتابة الجسد الأنثوي“. وتوضح آن روزالیند جونز في مقالتها هذه الفارق بين مدرسة النقد الأدبي النسوي الأنجلو–أمريكية التي تميل إلى تحليل كتابة النساء من منظور ثقافي، وبين مدرسة النقد الأدبي النسوي الفرنسية التي تميل إلى تحليل الكتابة النسائية من منظور لغوي، وقد رأيت أهمية تضمين هذه المقالة هنا في محاولة لتوضيح مفهوم “كتابة الجسد” الذي كثيرًا ما يتم تفسيره باعتباره نزعة لدى النساء للكتابة عن أجسادهن وتجاربهن الجنسية، لا بمعناه الأصلي الذي يشير إلى وجود خصائص لغوية وأسلوبية في الكتابة النسائية تعكس تجاربهن الحياتية كنساء داخل المجتمع الأبوي.
وتعقبها مقالة سوزان لانسر “نحو علم سرد نسـوي” (١٩٨٦) التي ترى فيها المؤلفة إمكانية الجمع بين النظرية النسوية ونظرية السرد، مع غياب المنظور الجندري في مجال الدراسات السردية. وترى الناقدة هنا وجود إمكانية حدوث تفاعل بين النقد النسوي ومناهج البحث السردي، فتسعى في هذه المقالة إلى مراجعة علم السرد من منظور نسوي، من حيث الصوت والسياق والحبكة. وقد رأيت أهمية إدراج هذه المقالة لأنها تكشف عن كيفية مراجعة التخصصات الراسخة كعلم السرد، وإمكانيات إعادة صياغة وتشكيل بعض التخصصات باستخدام منظور نقدي نسوي. كما توحي المقالة أيضًا بالعلاقة التبادلية بين التخصصات وتقاطعاتها بما يثري النقد الأدبي النسوي بمناهج تحليل النص في علم السرد على سبيل المثال. ويعود هذا المقال ليؤكد ما يتمتع به النقد الأدبي النسوي، نظرية وتطبيقًا، من إمكانيات لتوظيف مناهج بحث ودراسات بيئية.
وفي الجزء الثالث من الكتاب أقدم عددًا من المقالات تتناول علاقة النقد الأدبي النسوي بقضية النوع الأدبي، فأبدا بمقالة كارين كابلان “السيرة الذاتية المقاومة: الأنواع الأدبية الخارجة على القانون والذوات النسوية عبر القومية” (١٩٩٢)، والتي تستعرض فيها المؤلفة عددا من التيارات في إطار كتابات السيرة الذاتية النسائية، كمذكرات السجون والشهادات وغيرها من الكتابات التي تعتبرها أشكالاً مقاومة لقواعد وقوالب السيرة الذاتية التقليدية. وفي ختام مقالتها تدعو الناقدة النسويات الغربيات إلى الانطلاق إلى مجال الدراسات النسوية عبر القومية، بما يساهم في استحداث نظريات ومنهجيات ثقافية جديدة.
وتليها مقالة تبلور فيها إندربال جريوال وكارين كابلان مفهوم النسوية العابرة للدول عنوانها “الدراسات ما بعد الكولونيالية والممارسات النسوية عبر القومية” (٢٠٠٧)، وهي مقالة يصعب تصنيفها، فمع كونها صادرة عن باحثتين أكاديميتين نسويتين مرموقتين، إلا أن هذه المقالة لا تندرج تحت الكتابة الأكاديمية التقليدية، ولا الشهادة الذاتية المباشرة، وإنما هي أقرب إلى تعبير شخصي في شكل بيان سياسي، أو مانيفستو شخصي نسوي. حيث تسرد الباحثتان في عشرة نقاط انخراطهما في الدراسات ما بعد الكولونيالية النسوية، مع توضيح أصل استخدامهن لمفهوم الانتماء عبر القومي بدلاً من الأممي أو الدولي، في محاولة منهما لخلخلة الحدود الدولية والعرقية والجندرية. وقد اخترت هذا النص لعدم تقليديته وصياغته في شكل أشبه بالمانيفستو الذي يجمع بين التنظير للتجربة الذاتية وتقاطعات الأيديولوجيا الوطنية بالأيديولوجيا النسوية.
وتلي ذلك مقالة باربرا هارلو “من سجن النساء: روايات السجن لدى نساء العالم الثالث” (١٩٨٦)، والتي تتناول فيها الناقدة عددًا من مذكرات السجون النسائية، مركزة على قضايا النوع الأدبي والبعد الجندري والنزعة الوطنية في علاقتها بتجارب نساء العالم الثالث الاجتماعية والسياسية. وقد اخترت هذه المقالة لما فيها من تحليل لتلك المرويات الذاتية وتحديها للنظرية الأدبية الغربية الساعية إلى التعامل الموحد مع تجارب النساء وأساليبهن التعبيرية دون التفات إلى ما بها من تعددية وتنوع، كما حرصت على ضم هذه المقالة لأنها تتناول ضمن من تتناوله إحدى روايات الكاتبة النسوية المصرية نوال السعداوي.
ويأتي مسك الختام بمقالة الباحثة والكاتبة والأكاديمية اللبنانية جين سعيد المقدسي عن “كتابة حيوات النساء العربيات” (٢٠٠٥/ 2006)، والمنشورة في بيروت، لما تحمله من قيمة لا تخلخل السيرة الذاتية التقليدية فحسب، وإنما تطرح نموذجًا للكتابة الأكاديمية النسوية، فالمقالة هي أقرب إلى نظرية شخصية في السيرة الذاتية النسائية، إذ تتحدث جين سعيد المقدسي من منظور الناقدة المتأملة لتجربتها الإبداعية في كتابة سيرة حياة ثلاثة أجيال من نساء عائلتها نشرتها في كتابها “تيتا وأمي وأنا“.46 وتسعى المقالة إلى الإجابة على عدة أسئلة حول أهمية كتابة حيوات النساء، والمصادر المستخدمة في ذلك، كما تتطرق إلى قضايا تقع في القلب من الهمّ النسوي مثل العام والخاص، والأسرة، والموقعية، واللغة، والمنهجية، ولعل أكثر ما دفعني إلى إدراج هذه المقالة هنا هو ما وجدته فيها من تنظير للتجربة الذاتية بما يقدم نموذجًا يحتذى به في النقد النسوي العربي نحو بناء نظرية نقدية نسوية عربية.
إن مفهوم الترجمة النسوية كما أراه وأطرحه هنا يشير إلى مساحة معرفية وممارسة تطبيقية تتلاقى عندها النظرية النسوية بدراسات الترجمة، وهي مساحة آخذة في التبلور حاليًا في إطار دراسات الترجمة تحت مسمى قضايا الجندر في الترجمة” و“علاقة الترجمة بالجندر“، ضمن جهود بحثية انطلقت شرارتها الأولى في ثمانينيات القرن العشرين، وتحديدًا على يد لوري تشامبرلين في مقالتها عن الجندر والمجاز في الترجمة” (۱۹۸۸)، حيث ركزت على عدد من الصور المجازية المستخدمة في الإشارة إلى الترجمة تتسم بملامح جندرية وكأن علاقة النص المترجم بالأصل هي علاقة امرأة برجل وقد برهنت على ذلك بتحليل بعض التوصيفات النظرية المتصلة بفعل الترجمة وعلاقة النص الأصلي بالمترجم، ومنها: الخيانة والإخلاص، واللغة الأم، والترجمة باعتبارها غزوًا نصيًّا واختراقًا ثقافيًا، وما إلى غير ذلك من تعبيرات مجازية. ثم شهدت التسعينيات طفرة ملحوظة في دمج المنظور الجندري في دراسات الترجمة، وذلك بصدور كتاب شيري سايمون عن “الجندر في الترجمة: الهوية الثقافية وسياسات الإرسال” (١٩٩٦)، ثم كتاب لويز فون فلوتو عن “الترجمة والجندر: الترجمة في عصر النسوية” (١٩٩٧) والذي التفتت فيه المؤلفتان إلى مسألة الموقف الجندري في الترجمة. نظرية وممارسة، وتسليط الضوء على بعض النساء المترجمات منذ العصور الوسطى فصاعدا، مع الربط بين قضايا اللغة والترجمة والثقافة والنسوية. ولعل من آخر وأهم الكتب الصادرة في هذا المجال هو كتاب يضم عددًا من الدراسات بعنوان “ترجمة النساء” (۲۰۱۱)، تتطرق إلى قضايا الصوت والوساطة والتأويل والذاتية، مع تطبيقات على ترجمات وكتابات نسائية متنوعة.47
وأود فيما يلي أن أوضح ما أقصده بالترجمة النسوية، وهو مصطلح تبلور في ذهني من واقع انتمائي للفكر النسوي وممارستي للترجمة، 48 فأتوقف أمام العلاقة بين النظرية النسوية ودراسات الترجمة، وأتأملها في سياق ترجمة النص النسوي إلى اللغة العربية، وهو فعل يستدعي في رأبي عدة شروط أساسية لضمان دقة الترجمة لغويًا وصحة نقل الفكر معرفيًا، وهي شروط يمكن إيجازها في الآتي: لا يكفي لترجمة النص النسوي امتلاك زمام اللغتين المعنيتين، وإنما يتطلب الأمر إدراكًا للمفاهيم الفكرية الواردة والكامنة في النص النسوي بل ولتطور النظرية النسوية ومصطلحاتها، وما قد تتضمنه الترجمة من ضرورة صياغة مصطلحات جديدة، ولابد من وجود وعي بعلاقات القوى الكامنة في فعل الترجمة، والترجمة باعتبارها فعلاً تأويلها تقوم فيه المترجمة أو المترجم بدور الوساطة بين النص الأصلي والنص المترجم، وتداعيات الموقف من النص على ترجمة النص. كما يجب إدراك خصوصية الخطاب النسوي من حيث كونه في الأساس خطابًا سياسًا يستهدف تمكين النساء معرفيًا، وهو خطاب وإن لم يكن موجهًا إلى النساء فحسب، إلا أنه يخاطب القارئات بشكل خاص ضمن عموم القراء، وأخيرًا، التعامل مع ترجمة النص النسوي باعتبارها فعلاً سياسيًا لا يقتصر على نقل المعرفة والثقافة والفكر، بل يسعى إلى بناء معرفة جديدة نسوية باللغة العربية، بما يساهم على المدى البعيد في إحداث تغيير اجتماعي من خلال رفع الوعي وتمكين النساء معرفيًا. ومن هنا سأتناول فيما يلي بعض المفاهيم الراسخة في نظرية الترجمة وأتأمل تجلياتها عند ممارسة الترجمة من منظور نسوي.
أولا: الترويض أم التغريب
يرى لورنس فينوتي أن أي عمل مترجم إنما هو نتاج استراتيجيتين اثنتين أساسيتين في الترجمة، وهما الترويض والتغريب، والمقصود بترويض النص (domestication) هو تعامل المترجمة والمترجم مع النص بهدف تقريب النص من جمهور القراء، أي عدم الاكتفاء بالنقل من لغة إلى أخرى وإنما السعي إلى إضفاء سمة الطلاقة التامة على النص المترجم لغويًا وأسلوبيًا بما يجعل النص بعد ترجمته يبدو وكأنه كتاب مؤلف غير مترجم، مكتوب باللغة المترجم إليها ونابع من الثقافة المترجم إليها، وهي كما توضح لنا فينوتي، أقرب إلى النموذج المثالي في ممارسات الترجمة التقليدية التي استندت إلى قاعدة غياب المترجم (invisibility) وشفافية النص (transparency) وطلاقة الترجمة (fluency). ويمتد منطق الترويض ليؤثر في معايير اختيار النصوص القابلة للترجمة لقربها أو على الأقل عدم تنافرها مع الأنواع الأدبية والسمات الأسلوبية بل ونماذج الأدب المعتمد ( the literary canon) في اللغة المترجم إليها، وهي الاستراتيجية التقليدية السائدة لدى معظم المترجمين.49 أما التغريب (foreignization) كاستراتيجية في الترجمة فيشير إلى نقل النص من لغة إلى لغة مع الحفاظ على ملامحه اللغوية والأسلوبية والثقافية عند ترجمته، دون تطويعه وترويضه بما يسابر اللغة والثقافة المنقول إليها. وتقوم على فكرة نقل القارئ إلى النص، أي الحفاظ على خصائص النص الأصلي وإتاحتها لغويًا للقراء من خلال الترجمة، مع تطويع اللغة المترجم إلها وقواعدها الأسلوبية بما يتناسب مع النص الأصلي وسياقه اللغوي وتاريخه الثقافي، ويرى فينوتي أن التغريب في الترجمة يتضمن قدرًا من “المقاومة” (resistancy) لما في الترويض من “عنف” تجاه النص الأصلي. 50 وفي سياق ترجمة النصوص إلى اللغة الإنجليزية، يكتسب التعريب قيمة إضافية ممثلة في عدم إخضاع السياقات اللغوية والثقافية للنص المترجم إلى اللغة الإنجليزية بما تتمتع به من سيادة وهيمنة لغوية وثقافية في عصرنا الحالي، بل يذهب فينوتي إلى أن “التغريب عند الترجمة إلى اللغة الإنجليزية يمكن أن يكون شكلاً من أشكال مقاومة الاستعلاء العرقي والعنصرية والنرجسية الثقافية والإمبريالية“51
وعند تأمل مفهومي الترويض والتغريب في سياق الترجمة النسوية، أجد أن الفكر النسوي بشكل عام يميل إلى تأكيد الخصوصية والتعددية ويقاوم أشكال الهيمنة على تنوعها. وبالتالي فإن الترجمة النسوية هي بالضرورة أقرب إلى اتباع استراتيجية التغريب، لما فيها من عدم محو للسمات اللغوية والأسلوبية والثقافية للنص المنقول، وعدم إخضاع النص المترجم إلى منظومة اللغة المترجم إليها حتى بعيدًا عن سياق الهيمنة، فإذا كانت الترجمة تتم أساسًا بين نصين ينتميان إلى منظومة تحتل فيها علاقات القوى، فإن الترجمة النسوية باستنادها إلى الفكر النسوي تستدعي منح الطرف المهمش صوتًا، ومقاومة كافة أشكال العنف والتمييز والهيمنة على مستوى الفعل – أي عند ممارسة الترجمة، ولكن اللافت للنظر أنه في حالة الترجمة النسوية يصبح التغريب مضاعفًا، إذ لا يقتصر الأمر على الجوانب اللغوية والأسلوبية والأنواع الأدبية والنصوص المعتمدة، وإنما يتمثل التغريب أيضًا في الموضوع والمضمون، إذ لا تكتفي الترجمة النسوية بالتعامل مع إشكاليات الترجمة بتفاصيلها وأبعادها، وإنما تمثل ترجمة النص النسوي تحديًا على مستوى غربة وغرابة المضمون. فعند ترجمة النص النسوي ترجمة نسوية إلى اللغة العربية تواجه المترجمة والمترجم إشكالية الاختيار بين الترويض والتغريب، بما قد يحققه الترويض من طلاقة وتقريب لمضمون النص النسوي من جانب، وبين التغريب المنسق منهجيًا مع الفكر النسوي وإن كان قد يؤدي اتباعه كاستراتيجية في الترجمة إلى مزيد من إبعاد القارئة والقارئ عن الفكر والنص النسوي، وهي مسألة تتفاقم مع عدم إلمام المترجم بسياق النص النسوي وتاريخ الفكر النسوي محليًا وعالميًا، وربما تتجسد أكثر ما تتجسد عند ترجمة المصطلحات المنتمية إلى مجال الدراسات النسوية والجندرية، بما يتطلبه الأمر هنا من قدر من المعرفة والتخصص في الترجمة بل وفي القدرة على صياغة مصطلحات جديدة.
ثانيًا: الترجمة الحميمية والمتخصصة
إن الفرق بين ترجمة النص النسوي ومفهوم الترجمة النسوية كما أراه يتمثل كذلك في الموقف من النص المترجم، إذ تتطلب الترجمة النسوية من المترجمة/ المترجم اتخاذ موقف داعم للفكر النسوي وعارف بالنظرية النسوية وتفاصيلها الواردة في الكتاب الخاضع للترجمة، وأنا أستدعي هنا مفهومين من نظرية الترجمة، وهما مفهوم “المترجم المتخصص” كما طرحه إيمانويل واليرستين ومفہوم علاقة التوافق (simpatico) لدى لورنس فينوتي.52 إذ يرى إيمانويل واليرستين أن المشاكل المتعلقة بترجمة المصطلحات في العلوم الاجتماعية تنتج في كثير من الأحوال عن غياب التخصص في الترجمة، إذ يقتصر الاهتمام بمعرفة المترجم باللغتين المعنيتين في عملية الترجمة دون الالتفات أو الاهتمام بالتخصص العلمي والمعرفي لدى المترجم: “يتعين على المترجم أن لا تقتصر مهارته في الترجمة وأدواتها وإنما أن يكون ملمًا بالأدبيات المتصلة بالمجال المعرفي على مدار فترة زمنية طويلة، ويستحسن أن يكون مهتمًا اهتمامًا مباشرًا بالموضوع الذي يتم تناوله في النص.”53 وهو أمر يراه يتطلب جهدًا لتدريب المترجمين في ترجمة العلوم الاجتماعية ممن يتمتعون بمهارات الترجمة والمعرفة بالعلوم الاجتماعية. ومن ناحيته طرح لورنس فينوتي مفهوم التعاطف والتوافق أي التقارب الفكري بين المترجم والمؤلف، إذ يرى أن العلاقة بين الطرفين قد لا تقتصر على وجود توافق و“استلطاف” بين المترجم والمؤلف بل من وجود “هوية مشتركة” تجمعهما. 54 إلا أن الإشكالية التي قد يحملها هذا التماهي بين موقف المؤلف والمترجم في رأيه تتمثل في هيمنة صوت المؤلف على النص وتغييب موقف المترجم، وهو ما يرتبط بالتالي بمسألة شفافية الترجمة وغياب المترجم، ولكن فينوتي يذهب إلى أبعد من ذلك إذ يوضح من خلال تجربته الشخصية في الترجمة إلى أن “الحميمية” بين الطرفين لا تؤدي بالضرورة إلى تغييب صوت المترجم، بل على العكس في مساحة تجعل المترجم أحيانا يلجأ إلى “المقاومة” وعدم “ترويض” النص لتماهيه مع المؤلف فكريًا ومشاركته كطرف في إعادة إنتاج النص بلغة مغايرة، بما لا يخلخل “أمانة” الترجمة التي قد تعتبر محسومة في إطار “الحميمية“. 55
وهكذا تطرح نظرية الترجمة نموذج التخصص والتوافق الفكري بين المؤلف والمترجم، وهي أمر يثير تساؤلات عند تطبيقه على مجال ترجمة النصوص النسوية، فلا يقتصر الأمر على إشكاليات الحميمية بين المؤلفة والمترجمة النسويتين، أو مشكلة تشويه النص النسوي عند ترجمته من قبل مترجم معاد للفكر النسوي، وهما حالتان نتبين فيهما صوت المترجم في عملية الترجمة، ولكن الأزمة الحقيقية في رأيي تكمن في عدم التخصص حين تأتي الترجمة “موضوعية” ولكن مغلوطة لا بسبب عداء للفكر النسوي بقدر عدم المعرفة بأعماقه وأبعاده، فتكون المحصلة نص منقول حرفيًا أكثر من كونه مترجمًا من لغة إلى أخرى. فلا أثر فيه لمترجم حميمي ولا معادٍ يترك كل منهما بصمته على النص، بما ينعكس على فهم القراء للنص النسوي وبالتالي يؤثر في تقييمهم للنص النسوي المترجم، بل والفكر النسوي عامة. ففي مصلحة النص النسوي أن يكون الطرف القائم بالترجمة مرئيًا وصوته مسموعًا.
ثالثًا: المترجم المرئي والمترجمة المرئية
تعتبر مسألة تواجد و/ أو غياب المترجم أو المترجمة في النص من القضايا المهمة التي عبر عنها لورنس فينوتي بمفهوم “المترجم الخفي” (invisible translator)، وقد جاء بالتالي ليقلب القاعدة التقليدية للترجمة السليمة التي تقوم على “الشفافية” (transparency) أي الإيحاء بأن لغة النص المترجم هي لغته الأصلية وعدم وجود أية مؤشرات على كون النص مترجمًا. فقد أشار فينوتي إلى ما أسماه “الشفافية” الذي يخفي وراءه دور المترجم كوسيط يتدخل في نقل المعنى.56 وذلك على هم اعتبار أن الترجمة ليست فعلاً موضوعيًا وإنما هي محصلة تأويل المترجم للنص الذي يترجمه، وبالتالي فكلما كان المترجم مرئيًا في النص كلما ازدادت موضوعية النص الفعلية. أما من المنظور النسوي، فإن “المترجمة الخفية” تتناقض منهجيًا مع الفكر النسوي المعترف بأهمية الاعتراف بالذاتية كأساس للموضوعية، وعلى جعل المخفي مرئيًا والمسكوت عنه مسموعًا، وبالتالي فإن الترجمة النسوية تنفق مع نظريات الترجمة الكاشفة لما تحمله شفافية النص من أوهام إنما تشوه الواقع بتجاهل دور المترجمة أو المترجمة في تأويل النص عند نقله من لغة إلى أخرى، ولا يقتصر الأمر هنا على نقد ممارسات “المترجم الخص” فحسب، وإنما تتقاطع نظرية الترجمة هنا مع النظرية النسوية في جوانبها التفكيكية ونظرية التلقي، والتي تنظر إلى الكتابة باعتبارها تأويلاً، وإلى الترجمة بالتالي بوصفها إعادة كتابة (rewriting) وتمثيلاً (representation) لنص لا نقلا له، وهو ما يؤكده على سبيل المثال ديفيد روس حين يشير إلى سلطة المترجم في الحكم على المعنى المقصود والاختيار بين المترادفات خلال عملية الترجمة، وما تشير إليه ماريا تيموتشكو في تحليلها لدور الترجمة كعملية تأويلية تتأثر بجوانب ذاتية وأيديولوجية لدى المترجم أو المترجمة، مما يجعل عملية الترجمة أقرب إلى تأويل للنص وتمثيل له لا صيغة مطابقة شفافة في صيغته المترجمة. 57 ومن هنا فإن الترجمة النسوية تحرص على عدم ادعاء موضوعية الترجمة، والكشف عن المترجمة أو المترجم بالاهتمام بهوامش المترجمة وكلمة الترجمة وأي عتبة أخرى من عتبات النص. بل وتتجاوز تلك النقطة فتسعى إلى تسليط الضوء على الوجود الأنثوي في النص من خلال تأنيث اللغة على سبيل المثال بما يعكس تواجد المرأة في النص مؤلفة ومترجمة وذاتا وقارئة.
رابعا: ترجمة الخطاب النسوي
توضح سوزان باسنيت في كتابها عن “دراسات الترجمة“، أن الترجمة من منظور النظرية الأدبية (Literary Theory) تجمع بين علم اللغويات (Linguistics)، وبين نظرية التلقي ( Reception Theory)، وبين نظريات التأويل والتمثيل (interpretation and representation).58 وأود أن أضيف هنا أن ترجمة النص النسوي تجمع بين كل هذا وذاك بالإضافة إلى النظرية النسوية ( Feminist Theory). وسأتوقف هنا أمام نقطة تتقاطع عندها النظرية الأدبية مع الدراسات الثقافية مع النظرية النسوية ودراسات الترجمة، فأتناول فيما يلي الترجمة النسوية باعتبارها فعل قراءة، وفعل إعادة كتابة. فعلى سبيل المثال، نجد جاياتري سبيفاك في مقالتها “سياسات الترجمة” (۱۹۹۳)59 تطرح فكرة “استسلام المترجمة للنص” بمعنى انصياعها للنص الأصلي بما فيه من سمات لغوية وجوانب بلاغية، وذلك من منطلق كون “الترجمة هي أكثر أفعال القراءة حميمية“، وبالتالي “طالما لم تنل المترجمة الحق في أن تصبح قارئة حميمة للنص. فلا يمكنها الاستسلام للنص، ولا تستطيع الاستجابة لنداء النص“. 60 إن مهمة الاستسلام هنا هي السبيل لنقل النص بأكبر قدر من الحساسية والوعي بخصائصه اللغوية والأسلوبية، ولكنها مهمة يجب أن يصاحبها وعي المترجمة بالسياق الذي تترجم منه، وهكذا توجه جاياتري سبيفاك أنظارها ومداركها وأدواتها كمترجمة صوب النص في لغته الأصلية وسياقه الثقافي. وهي حين تتوصل هنا إلى تلك المنظومة التنظيرية فإنما تستخلصهما بناء على تجربتها الشخصية في ترجمة نصوص لكاتبات هنديات إلى اللغة الإنجليزية، وتنطلق في صياغة أفكار حول علاقات القوى التي يتضمنها فعل الترجمة، جامعة بين علاقات القوى الكامنة في فعل الترجمة (بين المؤلفة والمترجمة والقارئة)، وعلاقات القوى في إطار ما بعد الكولونيالية (بين المؤلفة والمترجمة الهندية وجمهور القراء باللغة الإنجليزية في الغرب)، وعلاقات القوى بين النساء والنسويات (نساء الشرق والغرب). وبالتالي فهي حين تتحدث عن الطرف القائم بالترجمة فهي تتحدث أحيانا عن المترجمة مستخدمة صيغة التأنيث غير المألوفة (“translates”) وأحيانا تصف المترجم بصفة ما بعد الكولونيالية (postcolonial translator).
وإذا كانت جاياتري سبيفاك قد انطلقت من موقعية المترجمة كفارئة، فإننا نجد باربارا جودارد في دراستها الرائدة في “التنظير للخطاب النسوي/ الترجمة النسوية“،61 وقد استندت إلى مفهوم الترجمة باعتبارها إعادة كتابة للنص الأصلي (rewriting)، بما يجعل فعل الترجمة بمثابة إنتاج للنص لا محاكاة وتكرار له في لغة أخرى، ومن ناحية أخرى، فمثلما يقوم الفكر النسوي على “الاختلاف” بين الجنسين كأساس فكري للالتفات إلى التجربة النسائية وعدم تقييمها تبعًا لمنظومة معيارية واحدة سائدة، كذلك تلتفت الترجمة النسوية إلى مواطن الاختلاف لا التطابق بين النص الأصلي والنص المترجم . وتضيف باربارا جودارد قائلة إن المترجمة النسوية إذ تسعى إلى تأكيد اختلاف موقفها النقدي عما هو سائد والإعراب عن سعادتها بممارسة القراءة وإعادة القراءة، والكتابة وإعادة الكتابة، فإنها تعمد قاصدة إلى ترك بصماتها على النص المترجم باستخدام الحروف المائلة أحيانًا على سبيل التعليق في المتن، وكذلك فيما تكتبه في الهوامش، أو حرصها على كتابة مقدمة للعمل المترجم.62 ولكن إعادة الكتابة لا تقتصر على المفهوم النظري المتأثر بالنظرية الأدبية، وتحديدًا المتمثل في نظرية التلقي والنظرية التفكيكية، بل تلتفت الباحثات النسويات إلى تعدد الترجمات للنص الواحد وبالاستناد إلى ما بينها من اختلافات يؤكدن أن الترجمة تتضمن إعادة كتابة للنص ومن هذا نجد بعض الباحثات المتخصصات في الترجمة والمنظور الجندري، مثل لويز فون فلوتو التي تشير إلى أهمية مراجعة ما تم ترجمته من كتابات نسائية أو نصوص مقابلات مع شخصيات نسوية للكشف عن مواطن سوء الترجمة و/ أو التشويه، كاشفة على سبيل المثال عما تعرضت له إحدى المقابلات المنشورة مع الرائدة النسوية سيمون دي بوفوار من حذف وتعديل في النسخة المترجمة من المقابلة، وهي تغييرات استهدفت خطاب سيمون دي بوفوار النسوي.63
أما شيري سايمون فتذهب إلى أبعد من فرض التواجد النسوي على النص المترجم أو ترجمة الخطاب النسوي بوصفه قراءة أو إعادة كتابة، كما أنها لا تكتفي بالتركيز على محورية النص الأصلي أو النص المترجم، بل تنطلق من مفهوم “الأمانة” في الترجمة، فتتجاوز به حدود الترجمة الحرفية أو ترويض النص، ليشير إلى الالتزام بمشروع كتابة يشترك فيه الطرفان، أي المؤلفة أو المؤلف من ناحية والمترجمة أو المترجم من ناحية أخرى.64 ولكن شيري سيمون تثير إشكالية مهمة وهي المتمثلة في موقف المترجمة من ترجمة نص لا تتوافق معه فكريًا بل وتعاديه أيديولوجيا، فتطرح السؤال الآتي: ماذا عسى المترجمة النسوية أن تفعله إذا وجدت نفسها تتعامل مع نص تعارضه على مستواه الأيديولوجي أو الجمالي؟ وهو سؤال يعود فيحيلنا إلى مسألة “الحميمية” ونقيضها العداوة، وتجيب عليه بما يتطلبه ذلك الأمر من التزام بترجمة النص مع “مقاومته“65 من خلال الالتزام باستقلالية المترجمة وإعلاء صوتها والتعبير عن موقفها في الهوامش والمقدمات.
وهكذا تتبلور أمامنا سمات الترجمة النسوية من خلال تأمل الإضافات التي أثرت بها النظرية النسوية دراسات الترجمة، إذ نجد الباحثات المتخصصات في دراسات الترجمة من منظور جندري وقد انطلقن من داخل نظرية الترجمة فقمن بتفكيك بعض المفاهيم كالأمانة والحميمية والتخصص والترويض والتغريب والتواجد المرئي وإعادة الكتابة، مع الجمع بينها وبين بعض المفاهيم الأساسية في الفكر النسوي كالاختلاف والفاعلية والصوت والمقاومة، ونقلها إلى سياقات ثقافية متنوعة، هذا ولا توجد سوى دراسات معدودة عن الترجمة بين اللغتين العربية والإنجليزية من منظور نسوي و/ أو جندري، وهي على ندرتها تكون منشورة باللغة الإنجليزية. وكلي أمل أن يثير هذا الكتاب الاهتمام بالكتابة النسائية والنقد الأدبي النسوي وكذلك الترجمة النسوية.
أولاً: الإطار النظري
إنني أرى أن أية ممارسة جادة للترجمة تتطلب قدرًا من المعرفة النظرية بإشكاليات الترجمة واستراتيجياتها وممارساتها، وهو الأمر الذي تتضاعف أهميته عند التعامل مع نص معرفي متخصص وتحديدًا عند ترجمة دراسات ذات طابع أكاديمي. ومن هنا فقد انطلقت في ترجمتي لهذا الكتاب من عدة مواقع معرفية تجمع بين الدراسات الأدبية والنظرية النسوية (والتي تمثل السياق العام لمحتوى الكتاب أي موضوع الترجمة) وبين دراسات الترجمة (التي تجمع بين نظرية الترجمة وممارساتها التطبيقية). وقد قررت منذ البداية أن أتوقف أمام مقولات مؤسسة في نظرية الترجمة مثل ما حدده يوجين نايدا على سبيل المثال بشأن العوامل الأساسية المتعلقة بالترجمة، وهي: طبيعة الرسالة التي يتم نقلها، وغرض المؤلفة أو المؤلف، وبالتبعية المترجمة أو المترجم من نقل تلك الرسالة، وأخيرًا نوعية الجمهور المتلقي للترجمة.66 ومما سهل الأمر هو اضطلاعي بمهمة اختيار المقالات ثم ترجمتها مما يعكس فهما للرسالة التي أهدف إلى إيصالها من هذا الكتاب، وهي التعريف بمدرسة النقد الأدبي النسوي الغربية وتقديم نماذج تطبيقية للنقد الأدبي النسوي مع محاولة الترويج لهذه المدرسة النقدية التي أعتبر نفسي منتمية إليها منهجيًا. وفي هذا المنطلق توافق بين الرسالة التي تحملها المؤلفات في مقالاتهن وبين ما أهدف إليه من ترجمة تلك النصوص إلى العربية، إذ يجمعنا السعي إلى بلورة منهج نقدي أدبي نسوي.
كما كنت واعية منذ شروعي في اختيار المقالات بنوعية الجمهور المتلقي للترجمة، فهذا كتاب صادر ضمن سلسلة “ترجمات نسوية” التي تهدف إلى التعريف بمناهج البحث النسوي/ الجندري عبر التخصصات، وتستهدف الباحثات والباحثين المصريين والعرب ممن يجدون صعوبة في الوصول إلى مصادر المعرفة النسوية بسبب عوائق لغوية وعراقيل بحثية خاصة بسياقنا الجامعي والأكاديمي المصري وندرة المصادر إن لم يكن غيابها التام عن أرفف المكتبات الجامعية المصرية، وخاصة في مجال كالدراسات النسوية والجندرية، ولا يقتصر الأمر هنا على الباحثات والباحثين الأكاديميين المتخصصين، بل أتوجه بهذا الكتاب أيضًا إلى عموم القارئات والقراء المهتمين بالنقد الأدبي عامة فيمكنهم هنا التعرف على إحدى مدارسه، أو من المهتمين بالدراسات النسوية والجندرية فيجدون في متن هذا الكتاب إضاءة على تجليات النظرية النسوي على النقد الأدبي، وأخيرًا فإنني أتوجه هنا أيضًا إلى المبدعات والمبدعين المهتمين بالتعرف على تاريخ النقد الأدبي النسوي ومعاييره وأدواته المستخدمة عند قراءة النص الأدبي.
وفيما يتعلق بمنهجيتي الأساسية في الترجمة، فاستنادًا إلى النظرية النسوية ودراسات الترجمة أجدني أميل إلى استراتيجية التغريب لا الترويض في التعامل مع النص عند ترجمته، وهي الإستراتيجية التي تمنعني من تطويع النص الأصلي في خدمة السياق اللغوي والثقافي العربي، بل تدعمي في رغبتي في الحفاظ على ما قد يبدو في المقالات من عرابة، لأن المقالات التي يحتويها الكتاب هنا في مقالات جاءت غير مسايرة لسياقها الثقافي بل واللغوي في أحيان كثيرة، طارحة فكرًا ومنهجًا مختلفًا عما هو سائد في مدارس الفكر ومناهج البحث الغربية، وبالتالي فمن المنطقي أن تحمل غرابة في صيغتها العربية، ومن ناحية أخرى، ونظرًا للطبيعة الأكاديمية للمقالات المترجمة هنا، والتي تتضمن في أصولها هوامش شارحة، فقد اكتفيت بكتابة مقدمة مطولة شارحة للسياق بدلا من إضافة هوامش المترجمة فتختلط بهوامش المؤلفة، مما قد يؤدي إلى إحداث بعض اللبس لدى القارئات والقراء فحافظت بقدر المستطاع على صوت المؤلفة في كل مقالة رغم وعيي بدوري كوسيط في عملية الترجمة. وإلى جانب التواجد المباشر في هذه المقدمة، حرصت أيضًا على التواجد غير المباشر في الترجمة بتأكيد كونها نصًا مترجمًا لا نصًا مؤلفًا فأعقبت بعض المصطلحات الواردة باللغة العربية بصيغها الأصلية في لغتها الإنجليزية، بين قوسين، كإشارة ضمنية في متن الترجمة إلى وجودي كمترجمة لتلك المصطلحات.
ثانيًا: ترجمة المصطلح
إن ترجمة النص النسوي تتضمن ترجمة منهج فكري وخطاب ثقافي أخذ في التطور منذ نهايات القرن التاسع عشر، وفرع معرفي له نظرياته المتنوعة والمتنامية منذ سبعينيات القرن العشرين، وبالتالي لا تقتصر الترجمة على نقل نص من لغة إلى أخرى، بل تمتد لتشمل نقل الفكر النسوي ضمن سياقات عديدة. فلا تقتصر الترجمة هنا على معناها المباشر أي النقل بين لغتين أو ثقافتين فحسب، بل تتجاوز كذلك الخطابات السائدة، فأجد نفسي كمترجمة مضطرة في كثير من الأحيان إلى تقديم ترجمة شارحة للمفاهيم وتعريف المصطلحات، بل وربما صياغة بعض المصطلحات المقابلة للمصطلح أو المفهوم المستخدم في اللغة الأصلية لغيابها في اللغة المستهدفة. وتتطلب ترجمة المصطلح النسوي إلمامًا تامًا بتاريخه وتطوره ودلالاته ومعناه، ولا يقتصر الأمر على البحث عن المقابل الدقيق (equivalence) في اللغة العربية، بل كثيرًا ما لا نجد للمصطلح النسوي مقابلاً مناسبًا في اللغة العربية، إما لأن المقابل يحمل تاريخًا ودلالات مغايرة، أو لأن المصطلح نفسه تم اشتقاقه وصياغته في اللغة الأجنبية في إطار النظرية النسوية وبالتالي لا يوجد له مقابل دقيق في اللغة العربية، وبالتالي تتطلب الترجمة النسوية الرجوع إلى قواميس المصطلحات في لغاتها الأصلية (فاعتمدت في ترجمة كثير من المصطلحات على “قاموس النظرية النسوية” لصاحبته ماجي هم على سبيل المثال). بالإضافة إلى الرجوع إلى القواميس ما بين اللغتين العربية والإنجليزية، وقد حرصت على وضع المصطلحات في أصلها الأجنبي بين قوسين عند استخدامها أول مرة في كل مقالة لتأكيد انتماء المصطلح إلى لغة أخرى وإشراك القارنات والقراء معي في ترجمته
وفيما يتعلق بترجمة المصطلح وإشكالياتها سأتوقف عند مثال واحد أساسي في الدراسات النسوية والجندرية، ما زال يثير إشكاليات عند ترجمته منذ تكرار استخدامه في تسعينيات القرن العشرين، وأقصد هنا مصطلح “جندر” (gender) على تعدد ترجماته إلى اللغة العربية. وتتطلب ترجمة هذا المصطلح البدء من معرفة نشأته في الغرب، إذ بدأ استخدامه في ثمانينيات القرن العشرين كتطور للنظرية النسوية يتناول التشكيل الثقافي للأنوثة والذكورة، وفي سبيل ذلك تم حينها استقدام مصطلح لغوي يشير إلى “جنس/ نوع” المفردات من حيث التأنيث والتذكير، على اعتبار أن الأنوثة والذكورة هما صيغتان ثقافيتان مثلما يكون التأنيث والتذكير صيغتين لغويتين. وقد كان هذا هو المنطق الذي استعانت به هيئة تحرير مجلة ألف عند صياغتهم لمصطلح “الجنوسة” على سبيل ترجمة “جندر” باشتقاقه من الجذر الثلاثي “ج ن س” وقياسًا على وزن “الفعولة” (“أن ث“: الأنوثة. “ذكر“: الذكورة، “ج ن س“: الجنوسة). 67. وكانت سامية محرز هي أول من فتح النقاش حول ترجمة مصطلح “جندر” موضحة مسار تحرير المصطلح من التأثير الكولونيالي من ناحية واللجوء إلى حلول تنتج مصطلحًا هجينًا، ممثلاً في رأيها في مصطلح “الجنوسة” الذي يجمع بين جذر مشترك بين اللغة العربية واللغة اليونانية القديمة من ناحية وبين وزن للمصطلح مشتق من قواعد الصرف في اللغة العربية.68
ولكن لم يتمتع لفظ “الجنوسة” بالقبول العام ولم يتحقق له الانتشار رغم طرحه في سياق الدراسات الثقافية حيث كانت الصيغة المستخدمة هي ترجمة شارحة مفصلة، وهي صيغة “التشكيل الثقافي والاجتماعي للجنس” التي استخدمتها أكاديميات نسويات في كتاباتهن. وقد جاء طرح مصطلح “الجنوسة” في فترة كان المصطلح الأكثر شيوعًا حينها مصطلح “النوع الاجتماعي” الذي يتخذ صيغة ترجمة شارحة موجزة، لتصبح هي الترجمة السائدة للمصطلح في الأدبيات التنموية والعلوم الاجتماعية، مع اختصارها بمرور الوقت في صيغة مختصرة وهي مصطلح “النوع” ، وهو المصطلح الأكثر شيوعًا حاليًا في العلوم الاجتماعية، ومن جانب آخر تزايد استخدام “الجندر” كترجمة للمصطلح الأجنبي، وخاصة مع ما تتمتع به كلمة الجندر من مرونة في الاشتقاق والتصريف نظرًا لإمكانية التعامل معها باعتبارها كلمة رباعية “ج ن د ر“.69 وأنا شخصيًا أميل إلى استخدام مصطلح “الجندر ” لأن مصطلح “النوع” في مجال تخصصي العام (النظرية الأدبية) يشير أولاً وقبل أي شيء إلى “النوع الأدبي” مما قد يسبب خلطًا ولبسًا في المعنى عند استخدامه للتعبير عن مفهومين مختلفين تمامًا، وخاصة عند الجمع بينهما لدراسة العلاقة بين النوع الأدبي والجندر (علاقة النوع بالنوع؟!) كما أنني لا أجد غضاضة في استخدام مصطلح أعجمي تبلور في ظل النظرية النسوية، مثلما لا نجد غضاضة في استخدام مصطلحات أعجمية أخرى كمصطلح الديمقراطية أو الليبرالية أو الراديكالية والتي تبلورت في ظل النظرية السياسية، وإن كانت قد صيغت كمصطلحات حديثة معبرة عن قضايا إنسانية قديمة ومستمرة.
ثالثًا: تأنيث اللغة
إن تأنيث اللغة يعني لي التأكيد على التواجد النسائي في النص وعدم إدراجه ضمنيًا تحت صيغ لغوية مذكرة يفترض فيها الإشارة إلى الجنسين مع هيمنة صيغ التذكير واستخدام جمع التذكير، وتحديدًا صيغ جمع المذكر السالم للإشارة إلى جمع يتضمن أفرادًا من الجنسين حتى عند وجود أغلبية من النساء وفرد من الرجال. وهو ما ينطبق كذلك في قواعد اللغة العربية على صيغ والأسماء والضمائر والصفات وغيرها من عناصر اللغة التي يغلب فيها التذكير على التأنيث وتهيمن صيغ التذكير في حالات الجمع. وفيما يتعلق تحديدًا بالترجمة من الإنجليزية إلى العربية فمن المعروف في اللغة الإنجليزية أن الأسماء لا تأتي إلا على شاكلة واحدة، وهو ما لا ينطبق على اللغة العربية التي تكون الأسماء فيها إما مؤنثة أو مذكرة. وبالتالي فإن كلمة مثل “translator” باللغة الإنجليزية لا تشير إلى جنس بعينه وإنما هي اسم محايد ينطبق على المترجمة أو المترجم. وقد لاحظت في فصول الكتاب أن بعض المؤلفات يشرن تحديدًا إلى نساء وأحيانًا يوجهن خطابهن إلى النساء، وهو ما لا يرد في صيغة الاسم وحدها وإنما يتضح عند استخدام صيغة ضمير الغائبة. ومن هنا حرصت على ترجمة الاسم إلى صيغة المؤنث في اللغة العربية حين يكون من الواضح أن الاسم يشير إلى المؤنث، وفيما عدا ذلك اخترت أن استخدم صبغة تجمع بين المؤنث والمذكر: المترجمة أو المترجم، الباحثة أو الباحث كترجمة الصيغة المفرد translator أو researcher أما في صيغة الجمع، فقد رأيت تأكيد التواجد النسائي وعدم الاكتفاء بصيغة جمع المذكر السالم كمؤشر على جمع من الإناث والذكور، ومن هنا استخدمت صيغة “المترجمات والمترجمين” و“الباحثات والباحثين” كترجمة لصيغة الجمع المحايدة في اللغة الإنجليزية: translators أو rsearchers، وهو تأثيث للغة طبقته كمنهج في ترجمة الأسماء عبر صفحات الكتاب تأكيدًا على تواجد النساء كطرف أساسي تتحدث عنه المؤلفات وتخاطبه المقالات، وبالتالي لا يجوز في رأيي تجاهل النساء أو تغييبهن أو تهميشهن لغويًا باستخدام صيغ مذكرة تحتويهن ضمنيًا وإن كانت تخفيهن لغويًا مثل جمع المذكر السالم على سبيل المثال.
رابعًا: الصوت النسوي
حين أتحدث عن الصوت النسوي فإننا أشير هنا إلى ثلاثة مستويات للصوت النسوي: الصوت النسوي في النص الأصلي، والصوت النسوي في النص المترجم (وهي نقاط تم تناولها بشكل غير مباشر في النقاط السابقة أعلاه)، وصوت المؤلفة مع صوت المترجمة، وهو ما سأركز عليه في حديثي هنا فمسألة إعلاء الصوت النسوي هي مسألة حاضرة ضمنيًا في كافة النقاط السابقة، ولا أقصد بها تأكيد تفوق الصوت النسوي على غيره، وإنما إعلاءه بمعنى إتاحة الفرصة لسماعه، منطلقة في ذلك من قناعة بخفوت الصوت النسوي إن لم يكن إسكاته في إطار قيم الثقافة والنقد والإبداع السائدة وهكذا حرصت على الحفاظ على الصوت النسوي الكامن في النص الأصلي، بل والتأكيد عليه في الصياغة العربية، ولكني مع ذلك لا أنفي أن صوتي كمحررة ومترجمة للكتاب يتضح هو الآخر ربما بشكل غير مباشر من خلال أولوية اختياري للمقالات، إذ حرصت على إدراج الدراسات التي كتبتها ناقدات نسويات، وعلى مدار فترات مختلفة، وبما يرسخ الصوت النسوي في النقد والإبداع لا باعتباره “موسمًا” أو “حالة مؤقتة” أو مجرد “صيحة” في النقد الأدبي، وإنما باعتباره تعبيرًا عن فكر متواصل ومنهج متطور وصوت مسموع. كذلك كان لتسليطي الضوء على إرهاصات النقد الأدبي منذ بدايات القرن العشرين ما يؤكد أن الصوت النسوي موجود منذ عقود ولكنه ظل خافتًا، وعلى النسويات إعلاؤه وتسليط الضوء على صاحباته.
ولكن ترجمة النص النسوي تحمل لي شخصيًا، باعتباري نسوية، إشكالية ترسيم الحدود بين صوتي النسوي وصوت المؤلفة في النص. وقد توقفت مرارًا أمام اختيارات التزمت بها وقرارات اتخذتها واستراتيجيات اتبعتها كي لا يعلو صوتي على صوت النص. وقد كان من ضمن تلك القرارات هو عدم الاستعانة بهوامش تحمل تعليقًا أو تعقيبًا أو توضيحًا مني مرفقة بالمقالات (سواء أسفل صفحاتها أو في آخرها)، وإنما قررت أن أفرد لصوتي مساحة مشروعة في هذه المقدمة، فلا يتداخل صوتي مباشرة مع صوت المؤلفة على صفحات مقالتها، وإنما في مقدمة الكتاب، فلم أكتف بتواجد صوتي من خلال اختيار موضوع الكتاب وما يحتويه من مقالات بل والقيام على ترجمتها فحسب، وإنما حرصت كذلك على إعلاء هذا الصوت في مقدمة الكتاب حيث أفردت مساحة أقوم من خلالها بتسليط الضوء على السياق التاريخي والثقافي والأدبي الذي أدى إلى نشأة وتطور النقد الأدبي النسوي كمدرسة نقدية عربية، وسعيت إلى الإشارة إلى نماذج للنقد النسوي في مصر بحيث لا يبدو الكتاب وكأنه مجرد ساحة لنقل ما أنتجه النقد النسوي الغربي، بل محاولة خلق حوار ضمني بين التجربة الغربية والتجربة المصرية في الإبداع النسائي والنقد النسوي، ومن هنا رأيت ألا أكتفي بنقل أصوات الناقدات النسويات الغربيات فقمت بمنح ناقدات مصريات صوتًا وحيزًا للتعبير عن مناهجهن النقدية. ليفسح الكتاب بالتالي المجال أمام تعددية الرؤى وتنوعها، ويشير إلى أصوات خافتة في النقد الأدبي العربي. كذلك حاولت أن يحمل هذا الكتاب رسالة سياسية إلى جنب قيمته المعرفية، وأقصد بالرسالة السياسية الجمع بين النظرية والتطبيق، وبين السياق الأكاديمي والحراك المجتمعي. وهي سمة أساسية في الفكر النسوي الذي يستند إلى مقولة “التجربة الشخصية هي تجربة سياسية“. التي إذا وضعناها في سياق هذا الكتاب أضفينا عليها بعدًا جديدًا، بمعنى أن الكتابة والإبداع والنقد (وبالتالي الترجمة) ليست مجرد ممارسة فردية ذاتية وإنما هي فعل سياسي – أي نشاط يهدف إلى إحداث تغيير مجتمعي. وهو ما أتمنى أن يكون قد حدث في صفحات هذا الكتاب من خلال تجاور وتحاور الأصوات النسوية التي تجمع ما بين الرؤى الفردية والقضية المشتركة.
وختامًا: الترجمة كفعل سياسي
إن ترجمة النص النسوي في رأيي هي في حد ذاتها فعل سياسي. فترجمة الفكر النسوي الغربي إلى اللغة العربية تتضمن عملية تمكين معرفي إذ تتيح ترجمة نماذج من النقد الأدبي النسوي الغربي للباحثات والباحثين العرب التعرف على ملامح من الفكر والتنظير والبحث والتطبيق في العالم، بما يحقق لنا، نساء ورجالاً، قدرًا من التمكين المعرفي والقدرة على المقارنة والاختيار والنقد والخلق والإبداع. كذلك فإن ترجمة النص النسوي هي فعل سياسي لما توفره من بناء معرفي نسوي باللغة العربية يساهم في نشر مزيد من الوعي وامتلاك أدوات التحليل والتعبير والتعرف على أنماط المقاومة والفعل نحو التغيير. وقد اتضح لي من خلال ملاحظتي لما يتم من جهود لترجمة نصوص نسوية إلى اللغة العربية مدى ما تساهم فيه تلك الأعمال المترجمة من نشاط فكري يسهم في بلورة خطاب نسوي مصري وعربي، فإذا كانت مدارس النقد الأدبي العربية لا تتضمن مدرسة للنقد الأدبي النسوي العربي، إلا أن التعرف على ما قامت به النسويات من جهد لتأسيس مدرسة للنقد الأدبي النسوي، بما فيها من تعددية وتنوع، يدعونا إلى الالتفات إلى تاريخنا النقدي والتنقيب فيه عن كاتبات وناقدات خفقت أصواتهن فسقطن بمرور الزمن من تاريخ الأدب والنقد، وهكذا لا تكون الترجمة هنا بهدف المحاكاة وإنما تصبح دافعًا لمزيد من الفهم والنقد والمواجهة والاقتباس والرفض. وكافة أشكال التفاعل البناء، فليس الهدف من ذلك تحويل الأنظار إلى الغرب بقدر اكتساب أدوات البحث تعيننا على البحث في تاريخنا واستخراج النساء منه وصياغة المصطلحات المعبرة عن واقع قائم غير مسمی.
وإنني إذ أرى في ترجمة النص النسوي فعلاً سياسيًا، فإنما يعود ذلك إلى ما تتضمنه ترجمة هذا الفرع المعرفي تحديدًا من زيادة في الوعي بقضايا النساء والعمل على إحداث تغيير اجتماعي أساسه العدالة على كافة المستويات، في تقاطعاتها ونقاط التلاقي بين النوع والطبقة والأصل وغيرها من عناصر التمييز بين البشر، وبالتالي فإن ترجمة نص نسوي وإتاحته للقارئات والقراء هي في حد ذاتها ليست مجرد نشاط لغوي ينقل النص من لغة إلى لغة ومن ثقافة إلى ثقافة ومن جمهور إلى جمهور وإنما هي نشاط سياسي يتوجه إلى قارئاته وقرائه بهدف رفع الوعي النسوي وتمكين النساء معرفيا وبلورة رؤية بديلة لمجتمع تسوده العدالة الاجتماعية على كافة المستويات. وباعتباري مترجمة نسوية لا يقتصر همي على ترجمة نص ترجمة دقيقة وأمينة، وإنما ترجمة نص نسوي ترجمة نسوية، وعلى المدى الأبعد فإنني أطمح من خلال ترجمة هذا الكتاب والتعريف باتجاهات النقد الأدبي النسوي إلى التحريض على بلورة نقد أدبي نسوي عربي، بما فيه من إعلاء لقيمة وأصوات النساء، لا على مستوى مناهج البحث الأكاديمية فحسب، وإنما على الساحة الإبداعية، بل وفي الممارسات النقدية اليومية.
هالة كمال، أستاذة مساعدة في دراسات الجندر بقسم اللغة الإنجليزية، كلية الآداب، جامعة القاهرة مهتمة بالحركة النسائية والنقد الأدبي النسوي ودراسات الترجمة لها دراسات منشورة عن الحركة النسائية المصرية ودراسات نقدية مقارنة في الأدب النسائي. متخصصة في ترجمة الفكر النسوي، فقامت بترجمة عدة كتب منها: كتاب ليلى أحمد المرأة والجنوسة في الإسلام (بالاشتراك مع منى إبراهيم، ۱۹۹۹)، كتاب أصوات بديلة (تحرير هدى الصدة، ۲۰۰۲). کتاب جودیث ناکر نساء مصر في القرن التاسع عشر (۲۰۰۸)، وكتاب شارلين ناجي هيسي–بايبر وباتريشا لينا ليفي مدخل إلى البحث النسوي نظرية وتطبيقا (٢٠١٥).
1 – Gerda Lerner, The Creation of Feminist Consciousness, p.14.
2 – سأتناول قضية ترجمة مصطلح “الجندر” إلى اللغة العربية لاحقًا في القسم الثالث من هذه المقدمة.
3 – Maggie Humm, “Gender” in The Dictionary of Feminist Theory, p. 84.
4 – Pam Lieske, “Gender” in Encyclopedia of Feminist Literary Theory, p. 179.
5- للمزيد عن الجندر ووجوده كمفهوم في الثقافة العربية قبل استقدامه كمصطلح غربي، يمكن الرجوع إلى: هدى الصدة، “المرأة والذاكرة (مقابلة)”، النسوية والدراسات التاريخية، ص. ۲۷۸– ۲۸۲. وقد نشرت المقابلة أول مرة في مجلة ألف 19 “الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير“، ص۲۱۰– ۰۲۳۰
6- Maggie Humm, “Gender” in The Dictionary of Feminist Theory, p. 74.
7 – Susan Taylor, “Difference” in Encyclopedia of Feminist Literary Theory, pp. 116-117.
8 – Judith Butler, Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity, pp. 29-30.
9 – Roberta Seelinger Trites, Waking Sleeping Beaury: Feminist Voices in Children’s Novels, p.47ff.”
10 – للمزيد عن علاقة الكتابة النسائية بالنوع الأدبي، يمكن الرجوع إلى دراسة مقارنة بين رواية عائشة تيمور نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال ورواية شارلوت جيلمان “أرض النساء” من منطلق الاستعانة بالنوع الأدبي السائد في سياق كل منهما لإيصال رسالة نسوية ثورية في سياقها الاجتماعي:
Hala Kamal, “Towards a Feminist Literary Pedagogy: Aisha Taymur and Charlotte Perkins Gilman”, pp. 389-407.
11 – على سبيل المثال:
https://www.feminist.com/resources/artspeech/genwom/baumgardner2011.html https://www.hercampus.com/school/bryant/fourth-wave-feminism-what-it-means-you https://www.theguardian.com/world/2013/dec/10/fourth-wave-feminism-rebel-women /https://dailyfeministblog.wordpress.com/2014/12/14/is-it-time-for-the-fourth-wave-of-feminism
12.Maggie Humm, “Feminist Literary Theory”, Contemporary Feminist Theories, pp. 194-212, “
13 – Shari Benstock, Suzanne Ferris and Susanne Woods, “Feminist Literary Criticism and Theory”, A Handbook of Literary Feminisms, pp. 153-178.
14 – Joseph Zeidan, Arab Women Novelists: The Formative Years, State University of New York Press,1995.
15 – Joseph Zeidan, Arab Women Novelists, p. 3. 1
16 – Bouthaina Shaaban, Voices Revealed: Arab Women Novelists, 1898-2000, London” Lynne Rienner “Publishers, 2009.
17 – Bouthaina Shaaban, Voices Revealed, p. 3.
18 – Hoda Elsadda, Gender, Nation, and the Arabic Novel: Egypt 1892-2008, Edinburgh University Press and Syracuse University Press, 2012.
19 – Hoda Elsadda, Gender, Nation, and the Arabic Novel, “Introduction”, pp. xxxvii-xxxviii.
20 – كتاب هدى الصدة عن قضايا الجندروالوطن والرواية العربية هو قيد الترجمة والنشر حاليًا في المركز القومي للترجمة بالقاهرة.
21- مي زيادة، باحثة البادية: دراسة نقدية، بيروت: دار نوفل، ۱۹۸۳، ص۲۲. وقد صدر الكتاب في طبعته الأولى في القاهرة عام ۱۹۲۰ بعنوان باحثة البادية بحث انتقادي.
22- مي زيادة، وردة اليازجي، بيروت: دار نوفل، ۱۹۸۰، ص ١٠، وقد صدر في طبعته الأولى في القاهرة عام ١٩٢٤.
23- مي زيادة، عائشة تيمور: شاعرة الطليعة، بيروت: دار نوفل، 1983، ص14-15، وصدر في طبعته الأولى في القاهرة في عام ١٩٢٦.
24- لطيفة الزيات، من صور المرأة في القصص والروايات العربية، ص15.
25- لطيفة الزيات، من صور المرأة في القصص والروايات العربية، ص60-61.
26- لطيفة الزيات، من صور المرأة في القصص والروايات العربية، ص۷۹.
27- لطيفة الزيات، من صور المرأة في القصص والروايات العربية، ص98، 104.
28- لطيفة الزيات، من صورة المرأة في القصص والروايات العربية ، ص9.
29 – سوسن ناجي، المرأة في المرآة: دراسة نقدية للرواية النسائية في مصر (١٨٨٨– ١٩٨٥)، القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، ١٩٨٩. ثم صدر هذا الكتاب في نسخة جديدة مزيدة بعنوان المرأة المصرية والثورة: دراسات تطبيقية في أدب المرأة، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ۲۰۰۲.
30- سوسن ناجي، صورة الرجل في القصص النساني، ص۷.
31- ألفت الروبي، بلاغة التوصيل وتأسيس النوع، ص٣٩٥ –٣٩٧. وهو ملخص نشر ضمن ملخصات الأبحاث لندوة “محمد حسنين هيكل وجهود الاستنارة المصرية“، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 1996.
32 – ألفت الروبي، بلاغة التوصيل وتأسيس النوع، ص٣٩٩–٤٤٤، وقد نشرت مسبقا في مجلة ألف 15. “الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير“، الجامعة الأمريكية بالقاهرة ١٩٩٩، ص١٤٤–١٦٩.
33 – ألفت الروبي، بلاغة التوصيل وتأسيس النوع، ص٤٤٥– 476، وقد نشرت مسبقا في مجلة كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، العدد ٢٦، ۱۹۹۹.
34 – ألفت الروبي، بلاغة التوصيل وتأسيس النوع، ص479-490، وقد سبق نشرها في مجلة الهلال، عدد يولیو1998.
35 – ألفت الروبي، بلاغة التوصيل وتأسيس النوع، ص٤٨١.
36 – ألفت الروبي، بلاغة التوصيل وتأسيس النوع، ص٥٠١٠٤٩١، وقد سبق نشره في مجلة سطور، نوفمبر ۱۹۹۹.
37 – كانت الدراسة موضوعًا لرسالة الدكتوراه، ثم صدرت في كتاب: نبيلة إبراهيم، سيرة الأميرة ذات الهمة: دراسة مقارنة، القاهرة: دار الكاتب العربي.
38 – شيرين أبو النجا، عاطفة الاختلاف: قراءة في كتابات نسوية، ص16، 45.
39 – شيرين أبو النجا، عاطفة الاختلاف، ص١٤٩.
40 – شيرين أبو النجاء “المقدمة: أين يقع الوطن؟“، مفهوم الوطن في فكر الكاتبة العربية، ص 9 – 30.
41 – صدر الكتاب باللغة العربية بعنوان ذاكرة للمستقبل: موسوعة الكاتبة العربية، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة ومؤسسة نور، ٢٠٠٣ ، وذلك ليتزامن مع مؤتمر المرأة والإبداع الذي عقد بالمجلس الأعلى للثقافة، ثم صدر بعدها بعدة سنوات في نسخته باللغة الإنجليزية عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة:
Radwa Ashour, Ferial Ghazoul and Hasna Reda-Mekdashi, eds., Arab Women Writers: A Critical Reference Guide, 1873-1999, Cairo and New York: The American University in Cairo Press, 2008.
42 – وتتضمن قائمة إصدارات المشروع القومي للترجمة مجموعة من الكتب المترجمة حول قضايا النساء والجندر جاءت بدايتها في مجموعة من الكتب صدرت متتابعة في عام ١٩٩٩، ومنها ما بني: كتاب فرجينيا وولف غرفة تخص المرء وحده ، ترجمة سمية رمضان (۱۹۹۹)، کتاب سینٹیا نلسون امرأة مختلفة: درية شفيق، ترجمة نهاد سالم (۱۹۹۹)، کتاب ليلى أحمد المرأة الجنوسة في الإسلام، ترجمة منى إبراهيم وهالة كمال (۱۹۹۹)، کتاب بث بارون النهضة النسائية في مصر، ترجمة لميس النقاش (۱۹۹۹)، كتاب أميرة سنبل النساء والأسرة وقوانين الطلاق في التاريخ الإسلامي، الترجمة بإشراف رؤوف عباس (۱۹۹۹). كتاب ليلى أبولغد الحركة النسائية والتطور في الشرق الأوسط (1999). أعقبتها كتب متفرقة منها على سبيل المثال لا الحصر: كتاب مارجو بدران رائدات الحركة النسوية في مصر، ترجمة على بدران (۲۰۰۱)، کتاب ساره جامبل النسوية ومابعد النسوية. ترجمة أحمد الشامي (٢٠٠٢)، وكتاب نادية العلي العلمانية والنوع والدولة، ترجمة مصطفى رياض (۲۰۰۲). وكتاب بام موريس الأدب والنسوية، ترجمة سهام عبد السلام (۲۰۰۲)، وكتاب جوديث تأکر نساء مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة هالة كمال (۲۰۰۸)، وكتاب ماريلين بوث شہيرات النساء، ترجمة سحر توفیق (۲۰۰۸)، وكتاب أصوات بديلة، تحرير هدى الصدة وترجمة هالة كمال (۲۰۰۸)، والقائمة تطول حتى تصل إلى أحدث هذه الإصدارات وهو كتاب شارلين ناجي هيسي بايبر وباتريشا لينا ليفي مدخل إلى البحث النسوي، ترجمة هالة كمال (2015).
43 – Hoda Gindi, Feminist Literary Criticism, Cairo: The Anglo-Egyptian Bookshop, 1986.
44- وكما هو واضح فقد استلهمت إيلين شوولتر عنوان کتابها من عنوان کتاب فرجينيا وولف حجرة خاصة (Virginia Woolf, A Room of Ones Own) الذي سبقها بحوالي نصف قرن وأشرت إليه أعلاه، فجاء عنوان کتابها كالآتي
(Elaine Showalter, A Literature of their Own: British Women Novelists from Bronte to Lessing)
45 – عنوان مقدمة الكتاب هو “نحو ممارسة أدبية نسوية أمريكية لاتينية“:
Debra Castillo, “Toward a Latin American Feminist Literary Practice”. pp. 1070.
46 – صدرت باللغة الإنجليزية عن دار الساقي:
Jean Said Makdisi, Teta, Mother and Me, London: Saqi Books, 2004.
47 – تضم قائمة الدراسات التي ركزت على المنظور النسوي/ الجندري في دراسات الترجمة ما يلي:
Lori Chamberlain, “Gender and the Metaphorics of Translation”; Sherry Simon, Gender in Translation: Cultural Identity and the Politics of Transmission, Luise von Flotow, Translation and Gender: Translating in the Era of Feminism Luise von Flotow (ed.), Translating Women.
48 – لقد تبلور مصطلح الترجمة النسوية في ذهني خلال ترجمتي لكتاب في مناهج البحث النسوي، فطرحته لأول مرة في مقدمة الكتاب: هالة كمال، “البحث النسوي والترجمة النسوية“، مدخل إلى البحث النسوي نظرية وتطبيقًا، تأليف شارلين ناجي هيمي بايبر وباتريشا لينا ليفي، ترجمة هالة كمال، ص7- 16.
49 – Lawrence Venuti, The Translator’s Invisibility, pp. 16-20, 225
50 – Lawrence Venuti, The Translator’s Invisibility, pp. 19-20, 305- 506
وللمزيد عن “الترويض والتغريب” ، يمكن الرجوع إلى:
Jeremy Munday, Introducing Translation Studies: Theories and Applications, pp. 144 -146
51 – Lawrence Venuti, The Translator’s Invisibility, p. 20.
52 – رأيت أن أستخدم هنا صيغة المذكر لأنه لا يوجد في مقالة والبرستين أو فينوتي ما يكشف عن وعي جندري، وبالتالي استخدم الصيغة الشائعة في العربية (المذكر) للتعبير عن الصيغة المحايدة في اللغة الإنجليزية.
53 – Immanuel Wallerstein, “Concepts in the Social Sciences: Problems of Translation, p. 89.
54 – Lawrence Venuti, The Translator’s Invisibility, pp. 273-275.
55 – Lawrence Venuti, “Simpatico”, The Translator’s Invisibility, pp. 273-306.
56 – Lawrence Venuti, The Translator’s Invisibility, pp. 1-2.
57 – David Ross, “Translation and Similarity, pp. 14-18; Maria Tymoczko, “Post-colonial Writing and Literary Translation”, p. 24.
58 – Susan Bassnett, Translation Studies, p. 80.
59 – Gayatri Chakravorty Spivak, “The Politics of Translation”, pp. 200 – 225
60 – Gayatri Chakravorty Spivak, “The Politics of Translation”. p. 205,
61- Barbara Godard, “Theorizing Feminist Discourse/Translation, pp. 87- 96,
62- Barbara Godard, “Theorizing Feminist Discourse/ Translation, pp. 92- 94.
63 – Luise von Flotow, Translation and Gender, pp. 49- 52.
64 – Sherry Simon, Gender in Translation, p.2.
65 – Sherry Simon, Gender in Translation, p. 30.
66 – Eugene Nida, “Principles of Correspondence”, p. 154.
67 – مجلة ألف 19 “الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير“، ص6 – 7.
68 – تستخدم سامية محرز هنا مفهوم تحرير المفهوم من وطأة الكولونيالية (decolonizing the concept) مع طرح بدائل تعبر في الأساس عن مصطلح هجين (hybridizing solutions):
Samia Mehrez, Translating Gender”, pp. 111- 112
69 – للمزيد حول بدائل ترجمة مصطلح جندر، ومنطق استخدام الكلمة الأعجمية الجندر كمقابل للمصطلح الأجنبي، يمكن الرجوع إلى حديثي عن تجربة الإشراف على ترجمة موسوعة النساء في الثقافات الإسلامية، ومشاركتي فيها أيضًا بالترجمة، وذلك في المقالة التالية:
268 -254 .Hala Kamal, Translating Women and Gender”, pp
ألفت الروبي، بلاغة التوصيل وتأسيس النوع، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، ۲۰۰۱.
أميرة سنبل، النساء والأسرة وقوانين الطلاق في التاريخ الإسلامي، الترجمة بإشراف رؤوف عباس، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ١٩٩٩.
بام موريس، الأدب والنسوية، ترجمة سهام عبد السلام، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠٢.
بث بارون، النهضة النسائية في مصر، ترجمة لميس النقاش، القاهرة المجلس الأعلى للثقافة، 1999.
جودیث ناکر، نساء مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة هالة كمال، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠٨.
ذاكرة للمستقبل: موسوعة الكاتبة العربية، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة ومؤسسة نور، ۲۰۰۳.
زينب العسال، النقد النسائي للأدب القصصي في مصر القاهرة الدولة المصرية العامة للكتاب، ۲۰۰۸
ساره جاميل، النسوية وما بعد النسوية، ترجمة أحمد الشامي القاهرة المجلس الأعلى للثقافة، ۲۰۰۲.
سوسن ناجي، المرأة في المرآة دراسة نقدية للرواية النسائية في مصر (۱۸۸۸ –١٩٨٥)، القاهرة العربي للنشر والتوزيع، ۱۹۸۹.
المرأة المصرية والثورة: دراسات تطبيقية في أدب المرأة. القاهرة المجلس الأعلى للثقافة، ۲۰۰۲.
صورة الرجل في القصص النسائي، القاهرة المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠٦.
سينثيها نلسون، امرأة مختلفة: درية شفيق، ترجمة نهاد سالم، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 1999.
شارلين ناجي هيسي – بايير وباتريشا لينا ليفي، مدخل إلى البحث النسوي ، ترجمة هالة كمال، القاهرة المركز القومي للترجمة، ٢٠١٥.
شيرين أبو النجا، عاطفة الاختلاف: قراءة في كتابات نسوية، القاهرة الهيئة المصرية العامة للكتاب، ۱۹۹۸.
مفهوم الوطن في فكر الكاتبة العربية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ٢٠٠٣.
نسائي أم نسوي؟، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ۲۰۰۲.
فرجينيا وولف، غرفة تخص المرء وحده، ترجمة سمية رمضان، القاهرة: المجلي الأعلى للثقافة، ١٩٩٩.
لطيفة الزيات، من صور المرأة في القصص والروايات العربية، القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 1989.
ليلى أبو لغد، الحركة النسائية والتطور في الشرق الأوسط. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ١٩٩٩.
ليلى أحمد، المرأة الجنوسة في الإسلام، ترجمة منى إبراهيم وهالة كمال، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ١٩٩٩.
مارجو بدران، رائدات الحركة النسوية في مصر، ترجمة على بدران، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠١.
مارلين بوت، شهيرات النساء، ترجمة سحر توفيق، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠٨.
مجلة ألف 19 “الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير“، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ١٩٩٩.
مي زيادة، باحثة البادية: دراسة نقدية، بيروت: دار نوفل، ۱۹۸۳، ص۲۲، وقد صدر الكتاب في طبعته الأولى عام ۱۹۲۰ بعنوان باحثة البادية بحث انتقادي
عائشة تيمور: شاعرة الطليعة، بيروت: دار نوفل، ۱۹۸۳.
وردة اليازجي، بيروت: دار نوفل، ۱۹۸۰.
نادية العلي، العلمانية والنوع والدولة، ترجمة مصطفى رياض، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠٢.
نبيلة إبراهيم، سيرة الأميرة ذات الهمة: دراسة مقارنة. القاهرة: دار الكاتب العربي.
هالة كمال. “البحث النسوي والترجمة النسوية“، مدخل إلى البحث النسوي نظرية وتطبيقًا، تأليف شارلين ناجي
هيسي بايبر وباتريشا لينا ليفي، ترجمة هالة كمال، القاهرة: المركز القومي للترجمة، ٢٠١٥.
هدى الصدة (تحرير)، أصوات بديلة، ترجمة هالة كمال، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، ٢٠٠٨.
(تحرير)، النسوية والدراسات التاريخية، ترجمة عبير عباس، القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة، ٢٠١٥.
Ashour, Radwa, Ferial Ghazoul and Hasna Reda-Mekdashi, eds., Arab Women Writers: A Critical Reference Guide, 1873-1999 Cairo and New York: The American University in Cairo Press, 2008. Bassnett. Susan. Translation Studies, Routledge, 1980.
Benstock, Shari, Suzanne Ferris and Susanne Woods, “Feminist Literary Criticism and Theory”, A
Handbook of Literary Feminisms (Oxford University Press, 2002), 153-178. Butler, Judith. Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity, Routledge 2007.
Castillo, Debra. Talking Back: Toward a Latin American Feminist Literary Criticism, Cornell University Press, 1992.
Chamberlain, Lori. “Gender and the Metaphorics of Translation,” Signs 13:454-472. Elsadda, Hoda. Gender, Nation, and the Arabic Novel: Egypt 1892-2008, Edinburgh University Press
and Syracuse University Press, 2012.
Gindi, Hoda. Feminist Literary Criticism, Cairo: The Anglo-Egyptian Bookshop, 1986.
Godard, Barbara. “Theorizing Feminist Discourse/Translation, Translation, History & Culture, eds. Susan Bassnett and Andre Lefevere, London and New York: Cassell, 1990, pp. 87-96. https://www.feminist.com/resources/artspeech/genwom/baumgardner2011.html
Fourth Wave Feminism- What it Means For You
https://www.theguardian.com/world/2013/dec/10/fourth-wave-feminism-rebel-women https://dailyfeministblog.wordpress.com/2014/12/14/is-it-time-for-the-fourth-wave-of-feminism
Humm, Maggie. “Feminist Literary Theory”, Contemporary Feminist Theories, eds. Stevi Jackson and Jackie Jones, Edinburgh University Press, 1998.
“Gender” in The Dictionary of Feminist Theory (Ohio State University Press, 1990). Kamal, Hala. “Towards a Feminist Literary Pedagogy: Aisha Taymur and Charlotte Perkins Gilman”, The Marginalised: Proceedings of the 10th International Symposium on Comparative Literature, Cairo University: Department of English, 2011, pp. 389- 407.
“Translating Women and Gender”, WSQ: Women’s Studies Quarterly, 36: 3&4, Fall/Winter 2008, Pp. 254-268.
Lerner, Gerda. The Creation of Feminist Consciousness: From the Middle Ages to Eighteen-seventy (New York and Oxford: Oxford University Press, 1993(.
Lieske, Pam. “Gender” in Encyclopedia of Feminist Literary Theory, ed. Elizabeth Kowaleski Wallace, Routledge, 2009
Mehrez, Samia, Translating Gender”, Journal of Middle East Women’s Studies, 3:1, Winter 2007, pp. 106-127.
Munday, Jeremy. Introducing Translation Studies: Theories and Applications, Routledge, 2001.
Nida, Eugene. “Principles of Correspondence.” The Translation Studies Reader, ed. Lawrence Venuti, Routledge, 2000, c. 1964, p. 154.
Ross, David. “Translation and Similarity, Translation Spectrum: Essays in Theory and Practice, ed. Marilyn Gaddis Rose, State University of New York, 1981, pp. 14- 18;
Said Makdisi, Jean. Teta, Mother and Me, London: Saqi Books, 2004.
Seelinger Trites, Roberta. Waking Sleeping Beauty: Feminist Voices in Children’s Novels, University of lowa Press, 1997.
Shaaban, Bouthaina. Voices Revealed: Arab Women Novelists, 1898-2000, London” Lynne Rienner Publishers, 2009.
Showalter, Elaine. A Literature of their Own: British Women Novelists from Bronte to Lessing, Princeton University Press, 1977.
Simon, Sherry. Gender in Translation: Cultural Identity and the Politics of Transmission, Routledge, 1996.
Spivak, Gayatri Chakravorty. “The Politics of Translation” in Outside in the Teaching Machine, Routledge, 2009, c. 1993, pp. 200 -225.
Taylor, Susan. “Difference” in Encyclopedia of Feminist Literary Theory, Routledge 2009.
Tymoczko, Maria. “Post-colonial Writing and Literary Translation,” Postcolonial Translation: Theory and Practice, ed. Susan Bassnett and Harish Trivedi, Routledge, 1999, pp. 24-40.
Venuti, Lawrence. The Translator’s Invisibility: A History of Translation, Routledge, 1995. von Flotow, Luise (ed.), Translating Women, University of Ottawa Press, 2011.
Translation and Gender: Translating in the ‘Era of Feminism, St. Jerome Publishing and University of Ottawa Press, 1997.
Wallerstein, Immanuel. “Concepts in the Social Sciences: Problems of Translation, Translation
Spectrum: Essays in Theory and Practice, ed. Marilyn Gaddis Rose. Albany: State University of New York Press, 1981, p. 89.
Zeidan, Joseph. Arab Women Novelists: The Formative Years, State University of New York Press, 1995.