النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية
ساره میلز*
قبل محاولة الإحاطة بالنظرية النسوية ما بعد الكولونيالية (post-colonial feminist theory) . من الضروري أولاً وصف النظرية ما بعد الكولونيالية السائدة، لقد نشأت النظرية ما بعد الكولونيالية post-colonial theory)) في جوهرها وتطورت من أعمال إدوارد سعيد، منظر الخطاب الكولونيالي الاستعماري، وتحديدًا من كتابيه “الاستشراق” الصادر عام 1978 و“الثقافة والإمبريالية” الصادر عام 1993 Edward Said, Orientalism, Culture and Imperialism)). فقد قام إدوارد سعيد بتحليل الطريقة التي كانت أوروبا في القرن التاسع عشر تستخدمها في تمثيل العديد من الثقافات التي احتكت بها من خلال التوسع الإمبريالي. وكانت فكرته الأساسية قائمة على أن “الغرب” كان ينتج ذلك الثقافات باعتبارها “الآخر” بالنسبة للنموذج الغربي المتعارف عليه. فعلى سبيل المثال، قام الرحالة والباحثون بتمثيل تلك الثقافات الأخرى لا باعتبارها مختلفة فقط عن الثقافة البريطانية بل يوصفها مختلفة عنها سلبيا. وهكذا، رأى إدوارد سعيد أن الشعوب الأخرى كانت توصف بأنها شعوب كسولة ومنحلة وغير متحضرة وهمجية – أي باعتبارها تمثل “الآخر” بالنسبة إلى الشعب البريطاني المتحضر والمجتهد. وقد تطورت النظرية ما بعد الكولونيالية خلال العقد الأخير على قاعدة من كتابات إدوارد سعيد وكرد فعل لبعض التوجهات نحو العولمة (أنظر/ي: 1993 Ahmad)، وتهتم بتحليل والتنظير للتأثير المتواصل للحركة الكولونيالية الاستعمارية الأوروبية في القرن التاسع عشر، في كل من البلدان التي تعرضت للاستعمار مثل الهند وبلاد قارة أفريقيا، وكذلك في الدول الاستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا. ويعتقد منظرو ما بعد الكولونيالية في وجود مدى متسع من العلاقات الكولونيالية والإمبريالية المختلفة خلال القرن التاسع عشر ما زالت ذات تأثير بالغ على نظرة الثقافات إلى نفسها.1 إن هذا الاهتمام في الحاضر بتراث الإمبريالية يمثل بؤرة التركيز الأساسية للنظرية ما بعد الكولونيالية. وبينما تتناول النظرية ما بعد الكولونيالية مدى واسعًا الهموم النظرية، نجدها تركز عمومًا لا على تحليل الين الاقتصادية والسياسية فحسب، بل على فحص ودراسة بعض البنى الخاصة بالتفكير والسلوك.
ولا تمثل منظّرات النسوية ما بعد الكولونيالية مجموعة واحدة موحدة، بل يمكن القول بأنهن مجموعة من النسويات تبنين رد فعل في مواجهة غياب تناول قضايا الجندر (gender) في النظرية ما بعد الكولونيالية السائدة، وكذلك في مواجهة التوجهات التعليمية داخل الفكر النسوي الغربي. وقد لعبت النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية دورًا بالغ الفعالية والتأثير بالطرق التالية: أولا أدت إلى مد النظرية النسوية السادة “على مستوى العالم“. فقد انتقلت النظرية النسوية من اهتمام ضيق نسبيًا بنساء الطبقة الوسطى البيضاء الناطقة بالإنجليزية إلى التركيز على النساء في سياقات قومية وثقافية مختلفة. كما فرضت أزمة إنتاجية في الفكر النسوي الأبيض السائد، دافعة النسويات الغربيات تحديدًا إلى التفكير في الطرف الذي يتحدث باسمه عند الحديث عن “المرأة” أو “النساء” كما جعلتهن يدققن في تناول فعل “الحديث بلسان” شخص آخر ثانيًا، أجبرت النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية المتخصصين في التنظير للنظرية ما بعد الكولونيالية على تناول مسألة الجندر، فعلى الرغم من أن العديد من التحليلات المثمرة تناولت قضايا “العرق والاختلاف، إلا أن مسألة الجندر تعرضت لتجاهل نسبي في النظرية ما بعد الكولونيالية السائدة. ثالثًا ، وربما الأهم من هذا وذاك، بدأت النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية في ترسيخ كيانها باعتبارها شكلاً مستقلاً من أشكال التحليل، فبدلاً من اعتبارها كمجرد مراجعة نقدية للنسوية الغربية أو النظرية ما بعد الكولونيالية، أخذت تتطور من حيث الموقف الذي تتحدث منه، ومن حيث مجموعة القضايا الجديرة بالتناول.
وإنني أهدف في هذا الفصل إلى مناقشة بعض جوانب النظرية النسوية التي ظهرت مؤخرًا والتي تم تطويرها داخل مجال النظرية ما بعد الكولونيالية، وأقصد بالتحديد أعمال جاياترى سبيفاك (Gayatri Spivak)، آن مكلينتوك (Anne McClintock)، جيني شارپ ((Jenry Sharpe وتشيلا ساندوفال (Cheyla Sandoval)، وسأركز على نطاقين رئيسيين وهما: أولاً، تقييم طبيعة الحركة الكولونيالية الاستعمارية من حيث علاقات القوى بين الجنسين، وتأثيرها على الأشكال الحاضرة من الفكر والسلوك، وثانيًا، بؤرة الاهتمام العالمية التي تفرض قيام دراسة وتمعن لطبيعة “المرأة” والمقولات “العمومية” (universal) بشأن ما تريده النساء.
إن النظرية ما بعد الكولونيالية هي مجال ذكوري نوعًا ما، حيث تتناول بالدراسة النصوص التي السياق الكولونيالي/ الإمبريالي، وخاصة تلك النصوص المكتوبة في القرن التاسع عشر بأقلام رجال بريطانيين. وكتابات القرن التاسع عشر تلك في كتابات ذكورية إلى أقصى درجة، أي أن الشكل الأيديولوجي للنزعة الذكورية أو “الذكورة” (masculinity) التي نشأت وتطورت داخل السياق الكولونيالي يمكن اعتبارها نزعة متطرفة ومتشددة – وبالتالي تميل النصوص إلى تمثيل المستكشفين والإداريين البريطانيين الرجال على أنهم مغامرون وغير عاطفيين وشجعان ومجتهدون ووطنيون وصامدون. وقد نشأ هذا النوع من الكيان الذكوري وتطور داخل السياق الكولونيالي الاستعماري بسبب الحاجة إلى اتخاذهم مظهر رعايا النظام الاستعماري وأعضاء العرق الحاكم، وتمت صياغة تلك الذكورة على أساس تعارضها مع أشكال أخرى من الذكورة “المحلية” التي تتخذ مظهرًا أكثر ضعفًا، مثل الرجل البنجابي “المؤنث” (feminine Punjabi)، وكذلك في علاقة تلك الذكورة بأشكال من الأنوثة المتاحة للنساء البريطانيات داخل السياق اللكولونيالي الاستعماري (1995 Sinha). وقد تفرقت النظرية ما بعد الكولونيالية تماما تقريبا لرسم ملامح تلك الذكورة دون الرجوع إلا قليلا إلى أنواع موقع الذات المحددة للنساء البريطانيات و“المحليات” 2 ومن المثير للانتباه أن النظرية ما بعد الكولونيالية قد أرست دعائمها أيضا باعتبارها موضوعا “للرجل” (رغم حضور أكاديميات نسويات اوزات مثل جاياتري سپيغاك وأن مكلتينتوك)، حيث أصبح هذا المجال في السنوات الأخيرة ساحة لزيادة التأملات النظرية كثافة وشدة، وهي خاصية “الجدية” التي كثيرا ما يتم ربطها بالجهود النظرية التي يقوم بها الرجال (1993 Bhabha 1994; Young 1995; Ahmad، وللحصول على عرض عام انظر/ي: 1996 Williams)، وبمعنى ما نجد أن النظرية ما بعد الكولونيالية قد فاقت التفكيكة من حيث تقديم نفسها باعتبارها موضوعا “جادا” و“صعبا” داخل النظرية النقدية. ولكن الكثير من المنظرات النسويات عارضن وضع النظرية ما بعد الكولونيالية كموضوع ذكوري، وعارضن أيضا الفرضية القائلة بإمكانية توصيف الذاتية الكولونيالية (colonial subjectivity) من مجرد تحليل بسيط الموضوعات الرجل (كما لو أن “الذكورة” ليست فئة متأثرة بعلاقات القوى بين الجنسين)، وكما تقول أن مكلينتوك: “لا يمكن فهم الإمبريالية دون وجود نظرية لعلاقات القوى بين الجنسين إن القوة السلطة الجندرية (gender power) لم تكن مجرد علامة ظاهرية للإمبريالية ومسألة ذات وجود عابر بالنسبة لأليات الطبقة والعرق الأكثر تأثيرا وفاعلية، بل كانت العلاقات الديناميكية بين الجنسين منذ بدايتها عاملا أساسيا في تأمين واستمرارية المشروع الإمبريالي” ( 7-6 :1995 McClintock )، وهكذا تحرص نسويات ما بعد الكولونيالية على تسليط الضوء على طبيعة الذكورة التي نشأت لتلائم الرجال البريطانيين في السياق الكولونيالي/ الإمبريالي، بدلا من الافتراض أنها كانت أمرا طبيعيا نوعا ما أو ضروريا أو قاعدة متعارفا عليها.
كان السياق الكولونيالي الاستعماري والإمبريالي محملا بالشفرات والمعاني الجنسية، حيث يأتي مفهوم العالم “الغريب العجيب” مثالا جليا على الطريقة التي يمتلى بها السياق الكولونيالي بالمجيلة الجنسية ففي القرن التاسع عشر امثلات لوحات وروايات عديدة بصور تمثل الحريم الخاضع والمحمل بمعاني جنسسية والذي يحتوي نساء عاريات أو شبه عاريات. وقد تم تحديد أماكن هؤلاء النساء في موقع غريب عجیب (تركيا والهند) مع تمثيل هؤلاء النساء عموما في صورة نساء قوقازيات إن تلك المخيلة التي تحمل صورة النساء الخاضعات والمغريات هي إحدى الأساليب التي قامت بها مخيلة الرجل بالتحكم في تمثيل “الشرق” (أنظر/ي: 1996 Lewis)، وقد كان النطاق الكولونيالي الاستعماري في الواقع نطاقا يعتبره الرجال البريطانيون مجالا يمكنهم فيه التعبير عن خيالاتهم الجنسية بطريقة لم تكن ممكنة دائما داخل حدود القيود الأخلاقية الفيكتورية في بريطانيا، وكما نجد في دراسة رونالد هايم، وبأسلوب يخلو تماما من النظرة النقدية، قام الرجال من رعايا النظام البريطاني الاستعماري باستغلال الفرص المتاحة للاحتاك الجنسي الذي تحقق لهم بفضل موقعهم داخل تراتبية السلطة (1990 Ronald Hyam)، فكثيرا ما اتخذوا من بين النساء المحليات “محظيات أو عاهرات، كما أقام بعضهم علاقات جنسية مثلية مع الرجال والصبيان المحليين. وقد وجدت السلطات الاستعمارية من الضروري تنظيم بل وفرض القيود على إضفاء الطابع الجنسي على السياق الإمبريالي، وذلك للأسباب التالية: اعتبرت السلطات الاستعمارية أن قيام علاقات جنسية مع “السكان المحليين” ستؤدي إلى الانحلال العرقي للشعب البريطاني، نظرا إلى أن عملية خلط “الدماء” كانت تعتبر عاملا ملوثا “للأصل” البريطاني (1995 Young)، كما أن الاتصال الجنسي بين أصحاب الأعراق كان يعتبر مثالا سيئا للسلوك البريطاني الاستعماري ويؤدي إلى تهديد وربما إضعاف صورة المستعمرين.
وتشكل المسائل الجنسية خلفية لكثير من البني الفكرية المؤثرة على الفترة الاستعمارية، بل إن المناظر الطبيعية للمناطق الاستعمارية كانت تقدم في صورة تتماشى مع جسد المرأة – الأرض البكر التي تتفتح أمام التوغل الإمبريالي (1995 McClintock). وهكذا ففي العصر الفيكتوري “أصبحت أفريقيا والأمريكتان ما يمكن أن نطلق عليه مسمى المناطق الاستوائية الإباحية بالنسبة للخيال الأوروبي – أي مصباحا سحريا عجيبا أسقطت أوروبا عليه رغباتها ومخاوفها الجنسية المحرمة“2 1955 McClintock) وربما يتعين القول بوضوح أكبر أن النطاق الإمبريالي كان نطاقا شهد تعبیر يتم تصوير النساء البريطانيات باعتبارهن يمثلن مصدر دعم خالص وبريء لهذا النظام كما كانت الخيال الجنسي للرجل البريطاني عن نفسه فيه سياق سمحت لهم فيه تراتبيات السلطة بذلك، وكان النساء المحليات موضوعا لتلك الخيالات الجنسية.
وقد لاحظ نقاد كثيرون أنه على الرغم من الغياب الظاهر للنساء البريطانيات في المرويات التاريخية عن الامبراطورية إلا أنه يبدو حضورهن في الإنتاج الرمزي للدعم الأبديولوجي الأمر الى، إلا أنهن يلعبن دورا مهما في الطريقة التي كان يتم بها الإبقاء على الإمبراطورية وضمان الإمبراطورية، وأعني بذلك أنه على الرغم من عدم ظهور النساء كعناصر عاملة أو فاعلة في المشروع استمرارها على المستوى الأيديولوجي، وكما أوضح إدوارد سعيد، فإن الرويات المكتوبة عن البلاد الخاضعة للاستعمار البريطاني لعبت دورا مهما في الإبقاء على الحكم الاستعماري وتبريره، ونجد أن الصورة الرمزية للمرأة البريطانية الطاهرة جنسيا اتخذت دلالات متزايدة داخل السياق الاستعماري. وبدت ولكنها تعلب دورا في تبرير أفعال السلطات الإمبريالية، وقد ركزت جيني شارب تحديدا على صورة المرأة البيضاء “المهددة بالاغتصاب“، وفي تحليلها للروايات التاريخية عن حركة التمرد الانتفاضة الهندية في عام 1857 توضح أنه خلال ذلك الحدث السياسي الذي تمرد فيه جنود الهنود على أسيادهم المستعمرين وأخرجوهم من بيوتهم وقتلوا أعدادا كبيرة من الجنود والمدنيين، قام البريطانيون بتصوير ذلك الحدث من منطلق كونه مصدر تهديد بإهانة نسائهم وأطفالهم، وقد تم تصوير ما يتهدد النساء من تعرض للاغتصاب بواسطة شخص “محلي” باعتباره مصيرا أسوأ من الموت، ولكن التأكيد على هذا الاغتصاب المحتمل وقوعه كان له أثره في ترسيخ الجوانب البربرية الهمجية وربطها بالطرف “المحلي” لا على الطرف الآخر القائم بالاستعمار. وهو تيار مهم في التاريخ الاستعماري وله أصداؤه في الشعور بالتهديد لدى النساء البيضاوات على أيدي الرجال “السود” في أفريقيا، وهو الشعور الذي كان يظهر على السطح من آن لآخر في أوقات القلائل والتوتر السياسي. وتبين لنا جيني شارپ استخدام صورة المرأة البيضاء المهددة بالأخطار في إخفاء بل وربما حتى تبرير العنف الذي تم إنزاله بالمتمردين في السياق الاستعماري، حيث تعلق قائلة: “إن البقايا المنتهكة (من النساء البريطانيات) تعرض صورة متخيلة عن وحشية الرجل المحلي التي تخفي وراءها همجية الاستعمار” (233 :1993 Jenny Sharp). وتوضح فرون وير أنه كان يتم فرض القوانين التعسفية على السكان المحليين في الهند وغيرها من البلدان مثل بابوا غينيا الجديدة، وذلك بحجة حماية المرأة البيضاء من هذا الخطر الذي يهددهن، وتضيف مبينة أن هذا الخوف من وقوع المرأة ضحية اغتصاب من رجل “محلي” لعب دورا كبيرا أيضا في بناء بعض أشكال الفكر العنصري السائد في بريطانيا ما بعد الاستعمار (1992:5 Vron Wate)
وقد تناولت آن مكلينتوك طبيعة التداخل بين النقاء “العرقي” والجنسي والدائر حول صورة المرأة البيضاء، وكما ذكرت أعلاه، فبسبب النظريات “العلمية” بشان اللون والعرق، شهد العصر الفيكتوري مخاوف كبرى من الحلال الجلس البريطاني بسبب التزاوج أو التناسل فيما بين الأجناس المختلفة، والذي كان يعتبر خلطا وتلويثا لـ“الدماء” (1995 young)، وكانت الصورة النمطية للماء البيضاء المتسمة بالنقاء والأمومة صورة مهمة بوصفها المعيار الذي يتم على أساسه الحكم على المرأة المحلية أو المختلطة، وباعتبارها أيضا معيارا لقياس درجة “تقدم” الحضارة البريطانية، وهو ما تعبر عن أن مكلونتيك قائلة: “إن التحكم في الحياة الجنسية للمرأة وفرض الأمومة عليها وإنجاب جنس من بناة الإمبراطورية ذوي الفحولة كان بمثابة الوسيلة العظمى للتحكم في صحة وثراء السياسة الإمبريالية الذكورية العامة، بحيث نجد أنه بحلول نهاية القرن ظهر النقاء الجنسي كصورة مجازية سائدة عن القوة العرقية والاقتصادية والسياسية” (47 :1995 McClintock)، وقد أوضحت قرون أنه عندما نشأت وتطورت نظريات العرق وتحسين النسل لتدعيم الفكرة القائلة يكون الجنس الأبيض هو الأسمى فطريا، نجد أن النساء البريطانيات “لم يصبحن فقط رمزا لحماة الجنس الأبيض بفعل قدراتهن الإنجابية، بل قدمن أيضا – طالما انتمين إلى الطبقة والأصل السليم – ضمانا بالالتزام بالأخلاق والمبادئ البريطانية في مجتمع الاستيطان، مع نقل تلك الأخلاق والمبادئ إلى الجيل التالي (38 :1992 Ware). وهكذا تمت صياغة المرأة البيضاء على أنها جزء لا يتجزأ من عملية التبرير الأيديولوجي للمشروع الاستعماري، كما لعبت هؤلاء النساء دورا محوريا في الحفاظ على الحكم ویر الاستعماري.
وتعتبر لين أينيس (Lyn Innes) مثالا آخر على المنظرات المهتمات بالطريقة التي تنعكس بها الصراعات السياسية على موقع التمثيل الأيديولوجي لصورة النساء على المستوى الرمزي، فقد بحثت في حقيقة كون تلك العملية الخاصة بالتمثيل الرمزي لا تظهر فقط داخل النصوص الاستعمارية البيضاء بل في النصوص المناهضة للاستعمار والمكتوبة في سياق حركات الاستقلال، حيث توضح أن السعي من أجل الوصول إلى هوية وطنية ما بعد الاستعمار يتم تحقيقه عبر تقديم الأمة في صورة “الأم“، والمثال الأبرز على ذلك يتضح في أيرلندا وأفريقيا. ولكن سمات تلك الصورة الوطنية “للمرأة” تتنوع بشدة من سياق إلى آخر، حيث يتم أحيانا تقديم المرأة التي تجسد المفهوم ما بعد الكولونيالي في صورة الآخر المتسم بروح الرعاية والعناية وكذلك المعاناة في أحيان كثيرة، وذلك في محاولتها رعاية أطفالها وحمايتهم، كما تبدو أحيانا امرأة قوية ومستقلة تنبذ بشكل ما أنوثتها في سبيل النضال السياسي، وتبدو أحيانا أخرى بوصفها عاهرة نظرا إلى أن “التحول الذي يحدث بفعل النظام الإمبريال ممثلا في التغور من الثقافة الإقطاعية التقليدية أو الجماعية إلى الاقتصاد الرأسمالي القائم على العمل المأجور يتم تصويره (بافلام بعض الكتاب) في تحويل العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة إلى شكل تجاري” (11 1000 (lyn Immes.
والى جانب صورة المرأة البيضاء بما لها من وظائف رمزية مهمة في الحفاظ على الحكم الاستعماري، يبدو من الواضح أن النطاق المنزلي، وهو النطاق الخاص المرتبط بعمل المرأة والمتصف بكونه نطاقا أنثويا، كان داعما حيويا للحفاظ على السيادة الاستعمارية، وقد أكدت أن مكلينتوك على أن إنتاج الأيديولوجيا المنزلية (domesticity) في العصر الفيكتوري لم تكن أمرا ظهر ببساطة في نفس فترة المد الأكبر للإمبريالية، بل لعبت الإمبريالية دورا أساسيا في إنتاجها. وترى أن مكلينتوك أن البوس بالنظافة لدى الفيكتوريين، والذي ارتكز على إدارة عمل المرأة داخل البيت، أدى إلى إنتاج نوع معين من النزعة المنزلية التي كانت ترتكز بشدة على العمل، وفي العصر الفيكتوري تزايدت أعداد المهام المنزلية بسبب هذا الحرص على النظافة. كما تمثل دور المرأة البريطانية داخل المجال الاستعماري في إدارة شؤون العديد من الخدم الذين تم توظيفهم للمحافظة على البيت الاستعماري کمثال أعلى لهذا النوع من الإدارة المنزلية “المتحضرة“، وهكذا استطاعت أن مكلينتوك الربط بين أيديولوجيات الجندر وتراتبيات السلطة وبين أيديولوجيا وتراتبيات الإمبريالية، وترى أن الإمبريالية كانت “مواجهة عنيفة مع تراتبيات السلطة المسبقة والتي تشكلت لا كتطور منسق مع مسارها المصيري بل باعتبارها تدخلا انتهازيا غير منضبط في أنظمة أخرى للسلطة” (6 :1995 McClintock) وقد كان تفاعل الإمبريالية داخل سياق “البيت” واحدا من تراتبيات السلطة المسيقة تلك، وقد كان ما تطلق عليه أن مكلينتوك مسمى “العقيدة المنزلية” ملمحا محوريا في تأكيد الحكم الاستعماري المفروض على البلدان الأخرى، بل وأصبحت الإدارة المنزلية الخاصة بالاستعمار البريطاني في الواقع جزءا رئيسيا في “تعليم” الرعايا “المحليين” داخل النظام التبشيري: “أصبح المركز التبشيري مؤسسة أولية في تحويل النزعة المنزلية المتأصلة في أدوار الطبقة والجندر الأوروبية ونقلها إلى مجال السيطرة والتحكم في الشعب الخاضع للاستعمار” (35 :1995 McClintock). وقد تم اعتبار طريقة إدارة البيوت بأيدي البريطانيات في السياق الاستعماري مثالا يحتذى بالنسبة للسكان “المحليين” ، وكثرت الكتب التعليمية حول السلوك والأدلة الإرشادية في إدارة شؤون البيت وذلك للمساعدة في تحقيق هذا الوضع المثالي. وقد كانت تلك النصوص مؤثرة في التعرف على النساء البريطانيات وتقييدهن بنفس القدر تقريبا الذي أثرت به في تقديم إرشادات حول كيفية السيطرة والتحكم في الخدم (أنظر/ي: 1996 Mills). وتلفت تلك النصوص الاهتمام في صراحة إلى أنه في حالة حسن إدارة البيت الاستعماري وفي حالة القديمة لنفسه في صورة منظمة ونظيفة، فإن ذلك سينعكس على بقية الإمبراطورية ، وهكذا كان العمل المنزل النسائي (الخاص بكل من المرأة البريطانية والخدم الذي تحكمت فهم، رجالا ونساء) جزءا لا يتجزأ من دعائم الحكم الإمبريالي.
وقد ساهمت راجيسواري ستار راجان في هذا الجدل الدائر بشان دور تصوير النساء داخل السياق الاستعماري، وذلك في تركيزها على صورة النساء الهنديات داخل السيافين الكولونيالي الاستعماري وما بعد الكولونيالي، وبطريقة مشابهة لما ورد في مجموعة المقالات المنشورة لعديد من الناقدات والنقاد في كتاب سانجاري وفايد (1996 Sangari and Vaid)، نجد ان راجیسواري راجان قامت في كتابها عن “إعادة صياعة النساء مقالات في التاريخ الاستعماري ( Rajeswari Sunder Rajan, Re-casting Women: Essays in Colonial History) بالتأكيد على أن معالم ذاتية المرأة ما بعد الكولونيالية محددة تماما بواسطة كل من القوى الاستعمارية والمناهضة للاستعمار، وأن الحدود الخاصة بالأنوثة ومضمونها، على المستوى الرمزي، كثيرا ما تجدها في الموقع الذي يشهد التعبير عن المسائل المتعلقة بالهوية الوطنية، وهكذا فعندما يحدث نقاش بشأن الكيفية التي تعامل يها النساء الهنديات كثيرا ما تصبح تلك النقطة مسألة ذات أهمية وطنية فيما يخص علاقة الثقافات الحاضرة بالتراث وبالمؤثرات الغربية، ولكن بدلا من رؤية ذلك الأمر باعتباره عملية مفيدة كما رأها نقاد عديدون، نجد أن راجيسواري راجان ترى أنه من خلال توصيف حالة اللافاعلية التي توجت ها النساء المحليات يصبح من الممكن “استكشاف … الضحايا المضطهدات تاريخيا … الرعايا من النساء باعتبارهن موقعا لتكوين ذوات بديلة” (11 :1993 Rajan)، وبدلا من الاعتماد غير النقدي على التمثيلات الكولونيالية الاستعمارية للنساء الهنديات بوصفهن ضحايا سلبيات يفتقدن إلى الفعل، تجدها تسعى إلى “تحويل البناء التقليدي الخاص بممارسة الـ“ساتي” (أي الأرملة التي تموت مع جثمان زوجها في طقس الحرق الجنائزي) من منطلق المرأة التي تختار الموت/تجبر على الموت، فتنقل هذا البناء التقلديدي اولا إلى نطاق مسائل الذات المتجسدة (الذات المتألمة) ثم إلى مجال التمثيلات التاريخية والأدبية (ما قبل الكولونيالية) في تصويرها للأرملة التي تختار أن تحيا ” ( Rajan 11 1993). ولا يعني ذلك تمجيدها لعملية حرق الأرامل، بل هي تتناول من وجهات نظر متنوعة الإمكانات المتصلة بموقع الذات والمحددة أمام هؤلاء النساء، والتي يمكنهن فيما بعد مناقشتها والتفاوض معها، وبالتالي فإن راجيسواري راجان مهمومة بإعادة التفكير في الفاعلية وخاصة في علاقتها بالنساء المحليات، مثلها في ذلك مثل كتابات جاياتري سبيفاك الأحدث ( Gayatri Spivak 19936)، ومن هنا فبينما انصب الكثير من حرص النظرية النسوية الغربية على نقد الجوهرية (أي المفهوم القائل بوجود جوهر لـ“المرأة” لدى كل النساء بصرف النظر عن الجنسية والثقافة)، إلا أن النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية أخذت في التحرك في الماء أكثر فائدة. وقد أدت المراجعة النقدية للجوهرية إلى الخراط النسويات الغربيات في لبني موقف يصعب عليهن منه افتراض امتلاكين فاعلية أو صونا يعكين من الحديث إلى/ عن النساء الأخريات في حالة ما إذا تم تناول مفهوم “المرأة” بالنقاش والتشكيك، عندها يبدو وكأنما القاعدة الأساسية التي تقوم عليها النسوية لتعرض للاهتزار، وتسبب حرص النسوية ما بعد الكولونيالية على الابتعاد عن التحليل الفردي الغربي المبسط لمفهوم الفاعلية والذي لا “يلائم” نماذج سلوك المرأة المحلية، حاولت التسوية ما بعد الكولونيالية تطوير أساليب جديدة لتوصيف الفاعلية والتنظير لها كما تهتم هؤلاء النسويات أيضا بمحاولة الابتعاد عن المفهوم المتضمن في كثير من الكتابات النسوية الغربية والقائل بأن نساء أنهن يشتركن في جوهر ما. وقد دعت جايتري سپيناك إلى تبني جوهرية العالم الثالث” متماثلات. استراتيجية، أي بدلا من افتراض أن المرء يكون نوعا محددا من الذات وبالتالي نوعا محددا من الجوهر ترى جايتري سبيفاك احتمالية وجود ظروف معينة، وخاصة في حركات المقاومة، يصبح من الضروري فيها تبني نمط أو دور معين وبالتالي تبني موقع للذات من منطلق استراتيجي، وعلى الرغم من التناقضات الكامنة في هذا الموقع إلا انه يتضمن موقعا للفاعلية، فطبقا لجايتري سبيفاك “أنا لا أريد نظرية لجوهر وآخر” – بل إن ما تريده هو نظرية للفاعلية والاستراتيجية ( (Spivak 1993b: 15
لقد دار جدل كبير داخل النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية بشأن كيفية تأويل أفعال النساء البريطانيات في ظل الاستعمار، وكما ذكرت أعلاه، فإن النظرية ما بعد الكولونيالية تضفي على الفترة الاستعمارية السمة التي تجعل من الرجال البريطانيين الفاعلين الأساسيين ولا تلعب النساء البريطانيات سوى دورا فرعيا. ونجد في الروايات التاريخية عن الإمبراطورية أنه كثيرا ما كان يتم تصوير النساء البريطانيات كسبب مؤد إلى سقوط الإمبراطورية عن طريق خلق فجوة بين الحكام الاستعماريين ورعاياهم المستعمرين. فعلى سبيل المثال تم التيقن من أن الزوجات البريطانيات (memsahibs) في الهند تسيين في فترة من الفجوة الكبيرة بين رعايا الاستعمار وحكامهم، وذلك لما فرضنه من نهاية لقيام علاقات جنسية سهلة بين الرجال وخليلاتهن الهنديات، وقد أخذت الكتابات النسوية المبكرة في هذا المجال على عاتقها إعادة كتابة هذا التاريخ، حيث ركزت على استرجاع واستعادة تاريخ النساء داخل الإمبراطورية البريطانية، مع تصويرهن في شكل إيجابي. وكونهن غير مشاركات في الممارسات القهرية للاستعمار، بل وتصويرهن على أنهن قمن في حالات كثيرة بمحاولة مقاومة الحكم الاستعماري، وقد تناولت جين هاجيس بعض تلك الأعمال بقدر كبير من النقد، مؤكدة على أن التركيز على النساء البيضاوات إنما يعمل على إسكات النساء الخاضعات للاستعمار وإلى تقديم الشعوب الخاضعة للاستعمار دون أخذ التمايز بين الجنسين في الاعتبار (1990 Jane Haggis)، ولكننا نجد أن كتابات أخرى أحدث مما سبق حاولت الابتعاد عن الميل إلى الإفراط في الإشادة بالنساء البريطانيات والتركيز على السعي لتحليل مدى التعقيد الكامن في مواقعهن بوصفهن جزءا من البني السلطوية الخاصة بالدولة الاستعمارية وبعيدات عنها في نفس الوقت (1992 Ware 1992: Mills 1991: Chaudhuri and Strobel). وقد تضمن الأمر تطوير شكل للتأويل على أساس نظري أكبر لا يركز على القيمة وإصدار الأحكام. ونجد أن كتاب نشودوري وستروبيل، الذي يضم مجموعة من المقالات عن “النساء الغربيات والإمبريالية: التواطؤ والمقاومة (Chaudhuri and Strobel, Western Women and Imperialism: Complicity and Resistance) على وجه الخصوص، يركز على الحاجة إلى دراسة الطريقة التي قامت بها النساء البريطانيات في الهند وأفريقيا بتكوين وتشكيل أنفسهن كذوات، على سبيل المثال خلال مسيرة الحملة من أجل “الحقوق المتساوية” بالنسبة للنساء اللاتي اعتبرنهن مقهورات بفعل ممارسات مثل ختان الإناث وحرق الأرامل (ساتي) وزواج الأطفال ووجود الحريم/ تعدد الزوجات، فأثناء الحملة التي شاركن فيها من أجل النساء اللاتي رأينهن أكثر تعرضا لسوء المعاملة منهن قامت النساء البريطانيات بصياغة صوت سياسي لأنفسهن وموقع يمكنهن من رؤية أنفسهن باعتبارهن أكثر تمتعا بالمزايا نسبيا. وقد انخرطت النساء البريطانيات بشدة في الحملات من أجل حقوق النساء في السياق الاستعماري، حيث شاركن على سبيل المثال في حملة ضد “قوانين الأمراض المعدية” في الهند، وفي حملات من أجل العفة على مستوى العالم، وضد العبودية والرق، وضد قتل التوائم، وهي ممارسات كثيرا ما كانت تركز كلها صراحة على رفع المعاناة عن النساء “المحليات“. ولكن كان لتلك الحملات دور أكبر في كونها عنصرا أساسيا لتوصل النساء البريطانيات إلى صوت نسائي معبر عن أنفسهن، وهو ما أدى بالنساء في بلدان أخرى إلى أن يتحولن إلى وسائل تمكن النساء الغربيات عبرهن من التوصل إلى موقع للذات لأنفسهن، وهو ما كان يتم بكثرة على حساب موقع الذات الخاص بالنساء المحليات وإحساسهن بالفاعلية. وقد اتخذت جايتري سبيفاك موقفا تقديا محددا تجاه تلك العملية التي تجعل النساء الغربيات يتحدثن بالنيابة عن ذات عالمية عامة للمرأة، في الوقت الذي يتم فيه فعليا إسكات أصوات الذوات النسائية “الأخرى” على تنوع وتعدد تلك الأصوات، إن المقالات الواردة في كتابة تشـودوري وستروبيل تقوم بوصف مفصل لمدى الأنشطة التي اندمجت فيها النساء البريطانيات داخل المجال الاستعماري، في مواجهة المفهوم القائل بأن ذلك المجال كان نطاقا خاصة بالرجل، كما تقوم المقالات أيضا بدراسة الطرق التي قامت بها النساء البريطانيات بمقاومة الأيديولوجيات الاستعمارية والحكم الاستعماري وكذلك التواطؤ معها وهكذا يصبح من الممكن حاليا تحليل أنشطة النساء البريطانيات دون الشعور بضرورة استرجاعها وإعادة تقييمها.
لقد لعبت تشاندرا تالبيد موهانتي دورا محوريا في طرح التساؤلات حول عملية إنتاج “امرأة العالم الثالث” كفتة متجانسة في النصوص النسوية الغربية، وتوقفت أمام الطرق التي تقوم بها بعض النصوص النسوية بإنتاج امرأة “العالم الثالث” بوصفها “تحيا حياة مبتورة في جوهرها وقائمة على جنسها الأنثوي (أي المقيد بقيود جنسية) وعلى كونها تنتمي إلى “العالم الثالث” (أي جاهلة وفقيرة وغير متعلمة ومقيدة بالتقاليد وذات طبيعة منزلية ومتمحورة حول الأسرة وضحية مقهورة، إلخ)” (337 -1984 Chandra Talpade Mohanty). وعلى غرار ما قامت به النساء البريطانيات في القرن التاسع عشر، واللاتي تم تناولهن أعلاه، من صياغة صوت سياسي خاص بهن عبر تركيزهن على كيفية رؤيتهن ل“معاناة” النساء في الهند وأفريقيا، كذلك نجد النسويات الغربيات اليوم كثيرا ما يقدمن أنفسهن في صورة من الحداثة والتعليم والتحكم في حياتهن الجنسية وأجسادهن، وذلك في تناقض جلي مع صورة امرأة “العالم الثالث“. ولا يقتصر الأمر على كونه مجرد مسألة تمثيل، بل هي مسألة الأجندات السياسية التي يتم تبنها، حيث تؤكد تشاندرا موهانتي على أن بعض النسويات الغربيات ركزن في كتاباتهن النظرية على “الأولوية (المتفق عليها ضمنيا) بشأن القضايا التي يبدو وكأنما تنتظم حولها كافة النساء” Mohanty 1984: 334) ، كما تعترض على نوعية التعميم التي أدخلتها بعض النسويات الغربيات على فرضية مفادها أن النساء “مجموعة متجانسة مسبقة التكوين ذات اهتمامات ورغبات متماثلة بصرف النظر عن الموقع أو التناقضات على أساس الطبقة أو الانتماء الإثني أو العرق أو اللون” وهو أمر “يتضمن مفهوما خاصة بالجندر أو الاختلاف الجنسي أو حتى الأبوية … والذي يمكن تطبيقه على مستوى عالمي وعبر الثقافات” (337 :1984 Mohanty). إن هذا النوع من التنظير الذي يركز على قهر النساء عالميا له تأثيره في تكوين النساء باعتبارهن عديمات القوة والسلطة، مع الخلط بين “التجانس المتفق عليه خطابيا بشأن “النساء كمجموعة … وبين الواقع المادي المحدد تاريخيا بالنسبة لمجموعات النساء” (338 :1984 Mohanty). وقد كانت المراجعة النقدية التي قدمتها تشاندرا موهانتي للنسوية الغربية نقطة محورية في إعادة التفكير في القواعد الجوهرية للفكر النسوي، من حيث ما يشير إليه مصطلحا “المرأة” أو “النساء“، وما إلى ذلك. فقد قامت النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية، جنبا إلى جنب المراجعات النقدية للفكر الجوهري والتي عرضتها أعلاه، بطرح أسئلة حول من يتحدث نيابة عن من ولأي غرض، لتصبح أسئلة مطروحة في صدارة المناقشات الجارية (1990 Fuss 1989; Butler)
كما قامت جاباتري سپيفاك بتطوير مراجعة نقدية لذلك الميل نحو التجانس داخل الخطاب الغربي عند تناول “العالم الثالث“، ولكنها تحاول فرض عزلة على التركيز القائم لدى المنظرات الغربيات على أنواع بعينها من الذوات الخاضعة للاستعمار دون غيرها (Gayatri Spivak 1993a) وهي تتناول مدى تواطؤ بعض الدوات المحلية في الفترة الاستعمارية مع السلطات الاستعمارية، وتعتبر تلك الذات هي الذات الأشد قربا من المفاهيم الاستعمارية عن ماهية “العالم الثالث“. وعلى النقيض من ذلك نجد أن الذات التابعة (subaltern subject) أي الذات الاستعمارية غير النخبوية تتسم بكونها “متجانسة بشكل لا يمكن تلافيه” (79 :Spivak 1993a)، وتؤكد سبيفاك على أن القوات التابعة كثيرا ما انخرطت في أعمال عصيان مناهضة للسلطات الاستعمارية، ولكن لا يتعين اعتبارها خارج تيار المحددات الاستعمارية وبالتالي لا تكون “شكلا خالصا للوعي” (81 :Spivak 1993a)، وعند تناول الذات الأنثى التابعة، تشير جايتري سبيشاك إلى أنه باعتبارها “موضوعا للتأريخ الكولونيالي وذانا في العصيان، نجد أن البناء الأيديولوجي للجندر يبقي الرجل متمتعا بالسيادة، وفي سياق الإنتاج الكولونيالي، إذا كان التابع بلا تاريخ وغير قادر على الحديث، فإن المرأة التابعة تبقى في عمق الظل” (83 :Spivak 1993a)، وفي سبيل الحديث عن تلك الذات الأنثوية التابعة تجد الناقدة النسوية الغربية نفسها بالتالي مضطرة إلى “نسيان ما تعلمته عن امتيازات الأنوثة” (91 Spivak 1993a) بمعنى أنه يجب عليها التفكير في تاريخ موقعها في علاقتها بالذات التابعة.
وفي مقالتها عن “ثلاث نصوص نسائية ومراجعة نقدية للإمبريالية” تقوم جايتري سبيشاك بإعادة توجيه دفة النقد النسوي ما بعد الكولونيالي إذ تفرض عملية إعادة دراسة لبعض النصوص الأدبية الأساسية في مجال الدراسات النسائية (women’s studies)، فبدلا من تحليلها على أنها “سيرة نفسية لذات امرأة مناضلة” على غرار ما فعلته نسويات غربيات عديدات، وبدلا من تتبع تطور حياة نفسية لامرأة مستقلة، نجد أنفسنا مجبرين على “انتزاع أنفسنا من التسمر أمام “تكوين الذات لدى امرأة صاحبة شخصية فردية” (245 :1985 Spivak). فإذا كان تركيز النسويات ينصب على الشخصيات النسائية البيضاء المحورية في نصوص مثل “جين إير” و“بحر سارجاسو الواسع“، فإنهن يقعن بمعنى ما في شرك المنطق السائد في النصوص والذي خضع لظروف إنتاجه داخل السياق الاستعماري، وهكذا نجد في هذا النوع من القراءة الفردية أن النسويات يصبحن غير قادرات على فحص إنتاج مواقع الذات الأخرى، أو وربما هو الأهم، نجدهن يعجزن عن دراسة تهميش مواقع الذات الأخرى، وفي تحليلها لرواية جين ريس “بحر سارجاسو الواسع” (lean Rhys, Wide Sargasso Sea) تبين جايتري سپيفاك أن التحليل النصي الدقيق يمكن من تتبع الطريقة التي يتم بها تهميش بعض الشخصيات بالنسبة للنص نفسه. ففي هذا النص تحمل الخادمة كريستوفين، التي ترجع أصولها إلى المارتينيك، مكانا فرعيا بالنسبة للرواية السردية حيث “لا يمكن احتواؤها في رواية تعيد كتابة نص إنجليزي معتمد داخل التراث الروائي الأوروبي وذلك في صالح البيض المخلطين بدلا من السكان المحليين” (253 :1985 Sprvnk). وهكذا فعلى الرغم من أن نص جين ريس بعيد كتابة رواية حين إير” بحيث “لا تتم التضحية بامرأة المستعمرات كحيوان مجنون من أجل دعم أختها” (Spivak 251 :1985)، إلا أنه من الضروري إدراك أن هذه الرواية تظل مكتوبة من منظور القائم بالاستعمار، إن شكل الرواية في حد ذاته، بما فيه من تركيز على ذات بالغة الفردية، لا يمكن مراجعته وتعديله شدة كي يتكيف مع التعددية والتنوع ومواقع الذات الأخرى، وقد وجدت فردوس عظيم هذا الأمر ذا أهمية خاصة في وصفها لتطور شكل الرواية في علاقته بالكولونيالية، وهي مثلها مثل سبيشاك على قناعة بأن الرواية شكل كولونيالي استعماري من حيث أن تطوير أشكال مفرطة من الفردية جاء في خدمة الأهداف الاستعمارية في تقديمه نمطا معينا من الذاتية التي تناقضت ضمنيا مع الذوات المحلية” غير المتباينة ( Firdous Azim 1993)، ولا تقتصر أهمية ذلك الأمر على نشأة وتطور أنواع معينة من الإنتاج الثقافي، بل تتمثل أهميتها أيضا في أنواع الإحساس التي يتم إنتاجها ضمن ثقافة ما، والتي تعتبر واضحة جلية.
وقد أطلقت تشيلا ساندوفال مسمى “نسوية العالم الثالث الأمريكية” ( US Third World Feminist) على نوع معين من التنظير في هذا المجال، وذلك في وصفها لشكل من النظرية النسوية يضع نفسه في موقع تعارض مع نسوية الطبقة الوسطى البيضاء الأنجلو أمريكية السائدة أو المهيمنة. وهي تؤكد على أنه يتم بمعنى ما تطوير نوع ثالث من الجندر في كتابات نسوية العالم الثالث الأمريكية وذلك في إصرارها على عجزها عن الاندماج داخل تصنيف الجندر الذي صاغته النسويات الغربيات، كما ترى أن “النساء الملونات موجودات بشكل ما في التشعبات المتداخلة بين الفئات المشروعة للنظام الاجتماعي” (4 :1991 Chela Sandoval). كما تعتقد أنه بدلا من الاستجابة لذلك “الوعي المتباين” الخاص بنسوية العالم الثالث الأمريكية، قامت “النسويات المہیمنات” (hegemonic feminists) أو النسويات الغربيات ضمن التيار السائد بتحديد معالمه في الواقع باعتباره مشكلة قابلة للحل عن طريق نظريات الاختلاف. وهي تركز تحديدا على تاريخ النسوية المكتوب بأقلام نسوبات بيضاوات، “وسرعان ما أصبحت تلك النماذج المبنية هي الحكايات الرسمية التي تفهم بها حركة النساء البيضاوات نفسها وتدخلاتها في التاريخ” ( Sandoval 1991:5)، ولكنها مع ذلك تبين في الواقع أنهن يقدمن أنفسهن على أنهن يحتوين ويتناولن كافة عناصر الممارسة والتطبيق النسوي، وأنهن “يقلصن بصورة متتابعة منظمة أشكال التعبير التجريبي والنظري الخاصة بتسوية العالم الثالث الأمريكية” وذلك خلال عملية ذلك الإدماج الظاهري (6 :1991 Sandoval). وهكذا نجدهن يمحون أنشطة المنظرات النسويات الأمريكيات السوداوات التي امتدت على مدار الثلاثين عاما الماضية، باستثناء أعمال المراجعة النقدية للفكر النسوي الأبيض.
وفي تحليل نصي دقيق لبعض أعمال المنظرات النسويات البيضاوات توضح تشيلا ساندوفال الطريقة التي تعتبر النسويات الأمريكيات السوداوات وكان قد أجبرن” النسويات البيضاوات على تأمل قضايا اللون والعرق، مع التقليل من أنشطتين في المجالات الأخرى، ولكنها على النقيض من ذلك تعيد كتابة تاريخ تطور “الوعي المعارض في الولايات المتحدة، وهو المكان الذي تحدد فيه موقع نظرية نسوية العالم الثالث الأمريكية، وبالتالي نجد أن هؤلاء المفكرات من نسويات العالم الثالث لعين دورا نشطا في كل من الحركة النسائية ككل والتي قيمتها على أنها حركة النساء البيضاوات، وكذلك تشطي ورسما بقدر أكبر وأعمق في الحركات التي تناولت قضايا الحقوق المدنية، وتعرف تشيلا ساندوفال هذا التنقل بين الحركات المختلفة بوصفة وعيا “متباينا” (differential) وهو “يمثل العنصر المتغير الناشئ من علاقات الترابط والمواقف العصبية ونقاط التلاقي والأزمات” (14 :1991 Sandoval) ونجدها تستفيد بمقولة أيدا هورتادو المنظرة التشيكانا (الأمريكية المكسيكية: Chicana). القائلة بأن كثيرا ما تتعرض القدرات القتالية للنساء الملونات لعدم الفهم من قبل نسويات الطبقة الوسطى والناشطات البساريات عموما، وحتى الآن لم يتم جمع وتصنيف تلك القدرات القتالية كي يتعلمنيا” (اقتباس ورد في Sandoval 1991: 15)، ولا تعتبر نسويات العالم الثالث الأمريكيات أنفسين مجموعة متجانسة ولكنهن لا يرون اختلافاتهن على أنها متعارضة فيما بينها، ويتيح تحليل تشيلا سان وقال للوعي المتباين نشأة موقع جديد للهويات المرنة:
إن الوعي المتباين يتطلب اللياقة والمرونة والقوة، أي قدرا من القوة للالتزام الواثق ببنية للهوية محددة بدقة تصلح لمدة ساعة أو يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة، وقدرا من المرونة لإحداث تحول واع في تلك الهوية طبقا لمتطلبات تكتيك أيديولوجي معارض آخر إذا ما تطلبته قراءة تشكيل السلطة، وقدرا من اللباقة للاعتراف بالتحالف مع الآخرين الملتزمين بعلاقات اجتماعية عادلة، وعدالة على مستوى اللون والجندر والطبقة، وذلك عندما تستدعي قراءاتهم للسلطة قيام مواقف معارضة، (Sandoval 1991: 15)
وهكذا فلا يجب أن ينظر إلى الوعي المتباين على أنه مصدر ضغط “يجبر” النسويات البيضاوات على الاعتراف بما لديون من عنصرية ضمنية، فهو أسلوب مثمر للتفكير في التغيرات الضرورية للمزيد من الاعتراف بالاختلاف، دون فرض الاختلاف على تصنيف ساكن ومعارض ونجد في أعمال ترينه مينه ها إضافة إلى موقف المنظرة النسوية “من العالم الثالث” والتي ترفض أن تلعب الدور الهامشي الخاص بالمراجعة النقدية وغير الراغبة في أن يقتصر دورها على أن تكون موضوعا لـ “عدد خاص” يصدر من الدوريات النسوية، وتعبر عن ذلك صراحة فيما يلي: كما لو أننا نصيح. في كل مكان تذهب إليه، حديقة حيوان خاصة بشخص ما” (Trinh T. Minh-ha 1989 :80) كما تعلق مينسوي يامادا على الموقف الذي يتم وضع المرء فيه في موقع الأقلية قائلة: “من الغريب مؤكدا أن/ يكون المرء أقلية كما قال نظرت حولي ولم أر آيا / فقلت/أجل/ لابد وأن الأمر هكذا” (اقتباس ورد في Trinh 79 1989)، وبهذا المعنى نجد أن النسوية ما بعد الكولونيالية قد نجحت في تحديد موقع للتنظير بحيث لا يتضمن مجرد المراجعة النقدية، بل يضم داخله مجموعة ضمنية من المفاهيم والمنهجيات الرئيسية والتي ستتيح لها رسم خريطة للمواقع البديلة الخاصة بالذاتية.
على الأقل بمعنى ما، نجد أن الكثير من النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية اهتمت بالضرورة في الماضي بالمراجعة النقدية، ويبدو واضحا أن النظرية النسوية ما بعد الكولونيالية سوف تقوم في المستقبل بناء على نوعية العمل المثمر المذكور أعلاه، والمهتم بتطوير أشكال جديدة من التحليل. فعلى سبيل المثال، وعند دراسة دور النساء البيضاوات في السياق الكولونيالي الاستعماري، ربما يكون من الممكن وبدقة أكبر تحديد الطرق التي لعبت بها تلك الصور النمطية دورا في صياغة خصائص مواقع الذات الموجودة في بريطانيا في الوقت الحالي، وبينما تم تناول هذا النوع من النشاط من منطلق تحليل الهوية ما بعد الكولونيالية في المستعمرات السابقة مثل الهند وأستراليا، إلا أنه لم يتم استكشاف كافة معالمها فيما يتعلق ببريطانيا، وربما يكون من الممكن أيضا تناول العوامل الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والتي تؤدي إلى التعامل مع المسائل المتعلقة بالهوية الوطنية من خلال رمزية تمثيل النساء. ولكن لعل أهم مجال يمكن أن تشهد النسوية ما بعد الكولونيالية تطورا فيه هو تنظير الاختلاف، حيث يمكن للنساء الحديث عبر حدود وطنية وثقافية، وعدم افتراض أن سياقاتهن أو همومهن متماثلة، بل لتطوير مجموعة من المبادئ النظرية لـ“الترجمة“، بحيث يمكن تشكيل تحالفات رغما عن وربما بسبب الاختلافات القائمة في السلطة والاختلافات في الثقافة. ولا يعني هذا إعادة تأكيد وترسيخ لمفهوم مبسط للأختية (sisterhood)، بل لتناول مفهوم آخر أكثر تعقيدا والذي نشأ وتطور داخل فكر الاستثمان (affidamento) النسوي الإيطالي، والذي تصيه النساء بمقتضاه واعيات وعيا دقيقا بما لديين من امتيازات اقتصادية اجتماعية وثقافية في علاقائین بعضهن ببعض (أنظر/ي: 1994 de lauretis). وسوف يؤدي ذلك إلى اندماج نسويات ما بعد الكولونيالية الغربيات في مزيد من الأعمال التحليلية حول ماضين وحاضرهن الاجتماعي والثقافي. كما سيتضمن مزيدا من العمل النقدي حول القضايا المتعلقة بأنواع النسوية التي قمن بتطويرها.
ساره ميلز، أستاذة باحثة في الدراسات الثقافية بجامعة شيفيلد هالام البريطانية من المتخصصات في خطابات النسوية والكولونيالية وما بعد الكولونيالية، وذلك في كتابها الأول الصادر عام ١٩٩١ عن خطابات الاختلاف. كما كتبت عن النظرية النسوية في عدة مؤلفات وكذلك عن اللغويات النسوية في كتابها عن علم الأسلوبية النسوي وكتابها عن اللغة والجندر الصادرين عام 1995. وتعمل حاليا على كتاب يتناول الخطايات المباشرة وغير المباشرة والأسلوب المهذب وغير المهذب من حيث علاقة آداب الحديث بالجندر عبر الثقافات.
*Sara Mills, “Post-colonial Feminist Theory”. Contemporary Feminist Theories. Stevi Jackson and Jackie Jones (eds). Washington Square, New York: New York UP, 1998. pp. 98-112.
1- يقال عن البلاد التي تعرضت للغزو والاستيطان الأوروبي أنها تعرضت للاستعمار (مثل البلد، وكذلك ما يعرف بالمستعمرات “البيضاء” مثل كندا وأستراليا) ولكن وجدت مع ذلك اشكالا عديدة من علاقات السيطرة والسيادة الأخرى التي قامت بها أوروبا، ومنها على سبيل المثال علاقات السيطرة عبر التجارة أو عن طريق فرض المسيحية – وفي علاقات يطلق عليها عامة مصطلح العلاقات الإمبريالية. ولكن الفارق الفاصل بين العلاقات الإمبريالية والاستعمارية ليس واضحا لأن كل العلاقات الإمبريالية تغيرت بمرور الزمن يفعل عوامل اقتصادية وسياسية ولهذا السبب سوف أستخدم المصطلحين في هذا الفصل بشكل متبادل تقريبا، مع توضيح مفصلي عند إشارتي إلى سياق بعينه.
2- أستخدم مصطلح موقع الذات (subject-position) للإشارة إلى أن الذاتية (subjectivity) أو حتى الفردية (individuality) في مسألة مؤقتة وكثيرا ما يندر تحققها، فنحن نتخذ عديدا من مواقع الذات التي تتحول وتتعدل بمرور الوقت، ونظرا للتغيرات التي تطرأ على السياق تعمل تلك مواقع الذات معا على خلق معنى لمن تكون في لحظة بعينها، ولكنها محددة يقدر كبير تبعا لعوامل خارجية، ففي حالتنا هذه مثلا تتحدد تبعا لما إذا كان المرء ممثلا للاستعمار وبالتالي ما إذا كان يملك سلطة على الآخرين.
Ahmad, Aijaz (1993) In Theory Classes, Nations, Literatures, London: Verso.
Azim, Firdous (1993) The Rise of the Novel, London: Routledge. Bhabha, Homi (1994) The Location of Culture, London: Routledge. Butler, Judith (1990) Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity, London: Routledge. Chaudhuri, Nupur and Margaret Strobel (eds) (1992) Western Women and Imperialism: Complicity and Resistance, Bloomington and Indianapolis: Indiana University Press.
de Lauretis, Teresa (1994) “The essence of the triangle, or taking the risk of essentialism seriously: feminist theory in Italy, the US and Britain”, in Naomi Schor and Elizabeth Weed (eds), The Essential
Difference, Bloomington and Indianapolis: Indiana University Press.
Fuss, Diana (1989) Essentially Speaking: Feminism, Nature and Difference, London: Routledge.
Haggis, Jane (1990) “Gendering colonialism or colonising gender: recent women’s studies approaches to white women and the history of British colonialism”, in Women’s Studies International Forum, vol. 13, no. 1/ 2
Hyam, Ronald (1990) Empire and Sexuality The British Experience, Manchester: Manchester University Press.
Innes, Lyn (1994) “Virgin territories and motherlands: colonial and nationalist representations of Africa and Ireland”, in Feminist Review, no. 47: 1-14.
Lewis, Reina (1996) Gendering Orientalism: Race, Femininity and Representation, London: Routledge. McClintock, Anne (1995) Imperial Leather: Race, Gender and Sexuality in the Colonial Contest, London: Routledge.
Mills, Sara (1991) Discourses of Difference: Women’s Travel Writing and Colonialism, London: Routledge.
Mills, Sara (1996) “Colonial domestic space”, in Resistance and Modern Studies, special issue on space, vol. 39:46-61. Mohanty, Chandra Talpade (1985) “Under Western eyes: feminist scholarship and colonial discourses”, Boundary 2, vol. 3: 333-58.
Rajan, Rajeswari Sunder (1993) Real and Imagined Women: Gender, Culture and Postcolonialism, London: Routledge.
Said, Edward (1978) Orientalism, Harmondsworth: Penguin.
Said, Edward (1993). Culture and Imperialism, London: Chatto and Windus.
Sandoval, Chela (1991) “US third world feminism: the theory and method of oppositional consciousness in the postmodern world”, Genders, no. 10, Spring: 1-24.
Sangari, Kumkum and Sudesh Vaid (eds) Recasting Women: Essays in Colonial History, New Delhi, Kali for Women.
Sharpe, Jenny (1993) Allegories of Empire: The Figure of Woman in Colonial Text, Minneapolis: University of Minnesota Press.
Sinha, Mrinalini (1995) Colonial Masculinity: The “Manly Englishman” and the “Effeminate Bengali” in the late Nineteenth Century, Manchester: Manchester University Press
Spivak Gayatri Chacravorty (19985) “Three women’s texts and a critique of imperialism”, in Critical Inquiry 12, Autuma: 243-62.
Sprvak, Gayatri Chakravorty (1987) In Other Worlds: Essays in Cultural Politics, London: Routledge. Spivak, Gayatri Chakravorty (1993a) “Can the subaltern speak?”, reprinted in Patrick Williams and Laura Chrisman (eds) Colonial Discourse and Post-colonial Theory, Hemel Hempstead: Harvester Wheatsheaf.
Spivak, Gayatri Chakravorty (1993b) Outside in the Teaching Machine, London: Routledge.
Stoler, Ann Laura (1989) “Rethinking colonial categories: European communities and the boundaries of rule”, in Comparative Studies in Society and History, vol. 31: 134-61.
Trinh T. Minh-ha (1989) Woman Native Other Writing Postcoloniality and Feminism, Bloomington and Indianapolis: Indiana University Press.
Ware Vron (1992) Beyond the Pale: White Women, Racism and History, London: Verso,
Williams, Patrick (1996) “Colonial discourse and post-colonial theory”, Year’s Work in Critical and Cultural Theory, no. 2, English Association/Blackwell: 138-53.
Young, Robert (1995) Colonial Desire: Hybridity in Theory, Culture and Race, London: Routledge
Ashcroft, Bill, Gareth Griffiths and Helen Tiffin (1994) The Post-Colonial Studies Reader, London: Routledge.
Brah, Aviar (1996) Cartographies of Diaspora, London: Routledge.
Donaldson, Laura (1993) Decolonizing Feminisms, London: Routledge.
Frankenberg, Ruth (1993) White Women, Race Matters, London: Routledge.
Mills, Sara (1996) “Post-colonial feminist theory”, chapter 8 in Sara Mills and Lynne Pearce (eds(
Feminist Readings/Feminists Reading, 2nd edition, Hemel Hempstead: Harvester Wheatsheaf.
Mohanty, Chandra Talpade, Ann Russo and Lourdes Torres (eds) (1991) Third World Women and the Politics of Feminism, Bloomington: Indiana University Press.
Parker, Andrew, Mary Russo, Doris Sommer and Patricia Yaeger (eds) (1992) Nationalisms and Sexualities, London: Routledge.
Trinh T. Minh-ha (1988) “Not you, like you: post-colonial women and the interlocking questions of identity and difference”, in Inscriptions: Feminism and the Critique of Colonial Discourse, University of California at Santa Cruz, no. 3/4:71-9,