نساء في مواجهة نساء
يتصدر كتاب نساء في مواجهة نساء – النساء والحركات الإسلامية والدولة قائمة الكتب التي تهتم بالتوجهات النسوية في علاقتها بالدولة والنظم الإسلامية، وتغير تلك العلاقة طبقًا لتغير ديناميات علاقات القوة بين الأطراف الثلاثة .
والكتاب في حقيقة الأمر بحث قامت بإجرائه د/ عزة كرم وهي باحثة وناشطة في مجال حقوق النساء تعيش بهولندا، وتشغل مناصب عديدة في مجال دراسة النوع الاجتماعي والتنمية.
قامت بترجمة الكتاب من الإنجليزية للعربية د/ شهرت العالم، وصدر باللغة الإنجليزية عام 1998، وتم تقديمه بالعربية عام 2001 عن دار نشر سطور، يقع الكتاب في حوالي 312 صفحة من القطع المتوسط.
تتكون النسخة العربية من مقدمة أعدها د/ محمد نور فرحات، وثمانية فصول، بالإضافة إلى خاتمة تمثل نتائج البحث، هذا بالإضافة إلى قائمة بالمراجعة العربية والإنجليزية.
يشير دكتور نور فرحات في مقدمته أن بين يدي القارئ بحثًا فريدًا، كتبته باحثة مصرية تعيش بالخارج، ثم يقوم بعد ذلك بعرض موجز لأطروحة البحث.
في نهاية تقديم أطروحة البحث، يحذر د/ نور فرحات القارىء من أن ما تقدمه الباحثة ليست وجهة نظر مصرية بقدر ما هي دراسة اثنوجرافية عن العلاقة بين السياسة والثقافة والقيم، وانعكاسها على واقع المرأة المصرية وعلى الحركات النسوية، ويعرف الإثنوجرافيا بأنها (علم الأجناس) غير أن الإثنوجرافيا هي أنها دراسة وصفية لأسلوب الحياة ومجموعة التقاليد والعادات والفنون والمأثورات الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة.أما على الأجناس فهو ما يطلق عليه الإثنولوجيا، وتعرف بأنها دراسة تحليلية ومقارنة للمادة الإثنولوجية بهدف التوصل إلى نظرية أو تعميمات، بصدد مختلف النظم الاجتماعية من حيث أصولها وتطورها وتنوعها(1) .
ثم يقوم د/ فرحات بعرض الإشكاليات التي تقع فيها الدراسة الإثنوجرافية والأنثروبولوجية؛ حيث يصفها قائلا “محددة المنهج، تستهدف الملاحظة أكثر من استهدافها الشرح والتفسير“.
ويزعم أن الباحثة وقعت في هذه الإشكاليات أثناء إجرائها الدراسة، حيث يرى أنها انتقائية، ومتحيزة للتيار النسوى العلماني، ودخيلة على المجتمع المبحوث، وأنها نزعت نحو العجائبية حتى تحتسب مشروعيتها كباحثة وفقًا للأكاديميات العلمية في الغرب .
وفي موضع آخر يدافع د/ فرحات عن “مؤسسة الرئاسة” – على حد تعبيره – بأنها لم تكن مضطرة إلى إصدار قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1979، أو دعمها لقانون إجراءات رقم 1 لسنة 2000، الذي يخول للنساء إمكانة إنهاء عقد الزواج – الخلع -, ويضيف بأن استنتاج الباحثة حول وقوف الدولة إلى جانب حقوق المرأة نظرا للضغوط والتأثيرات الدولية، أنه قول – وإن كان قابلا للتصديق – إلا أنه يتسم بالبساطة والسطحية.ثم يصل في النهاية إلى تأكيد أن “جدية انتقاداته” الموجهة للعمل البحثى لا تجرده من كل قيمة علمية !!
ويختم المقدمة برسالة للقارئ، الذي عليه بعد قراءة كل هذه الانتقادات الموجهة للبحث، أن يحكم بنفسه على مدى أهمية وجدية الدراسة ؟!
تبدأ الدراسة بذكر واقعة عام 1985 تصفها الباحثة بأنها غريبة، وهي قيام مجموعة من النساء المنتميات أو المتعاطفات مع التيار الإسلامي بالتظاهر ضد قانون الأسرة، الذي طرح عام 1979، ومنحت المرأة بموجبه حقوقًا لم يمنحها إياها أي قانون آخر للأسرة.
تقدم الباحثة أطروحتها التي تحاول من خلالها تفسير تلك الحادثة وحوادث أخرى مشابهة من خلال تحليلها لعلاقات القوة والمقاومة بين النسويات والإسلاميين والدولة .
اعتمدت الباحثة في جزء كبير من دراستها على منهجية الكتابة الاثنوجرافية (فقد أجرت عددًا من المقابلات المتعمقة مع النسويات، اللاتي تمثلن التوجهات النسوية الثلاثة)، وما تتضمنه من إشكاليات منهجية منها ما يتعلق بوعي الباحث بموقعه من جهة، وما يرتبط بوعي المبحوثين من جهة أخرى أثناء القيام بالبحث الميداني .
كذلك استندت في تحليلها إلى فهمها الخاص لمفاهيم الهيمنة عند جرامشي، والسلطة عند فوكو، وتحاول تطبيقها لتحليل مختلف أشكال النشاط النسوي في مواجهة قوانين والدولة، واتجاهات الفكر الإسلامي مع إلقاء الضوء على الأيديولوجيات والتقنيات الإسلامية الأساسية، فضلا عن تحليل لتصورات الإسلاميين / تحليل لتصورات المعاصرين / تحليل لتصورات لأدوار النساء، وتحليل للتصورات الذكورية المهيمنة في لتحظة تاريخية محددة وأدوات ضبطها، ودور المقاومة التي تصبح في لحظة من اللحظات سلطة لأنها شكل من أشكال القوة؛ لذا يحاول البحث في جزء كبير منه الإجابة عن موقف الحكومة، الذي يبدو متناقضًا إزاء قضايا النساء والتحالفات، التي تقوم بين الحكومة والقوى الإسلامية التي من شأنها التأثير على تلك القضايا.
تضع الباحثة في الفصل الأول من الدراسة عددا من الاعتبارات النظرية والتعريفات الإجرائية للمفاهيم التي يستند إليها البحث؛ فهي تستهل الفصل بوضع تعريف إجرائي للتوجه النسوى، وتحدده بأنه “وعي فردي أو جمعي بأن المرأة كانت وما تزال تتعرض للقهر بمختلف الطرق ولأسباب متنوعة، وأن المحاولات الرامية إلى التحرر من هذا القهر تضم السعي نحو إقامة مجتمع أكثر عدالة ومساواة، تتحسن فيه العلاقات القائمة بين المرأة والرجل “ص 30″، لتحديد إطار مرجعى تستند إليه الباحثة في إجراء المقابلات، وعقد المقارنات بين مختلف التوجهات النسوية؛ لذا فهي تعتمد على التعريف الذي وضعه للإشارة إلى الفرق بين النشاط النسائي، الذي يعتمد على تقديم خدمات وأعمال الخير، وبين النشاط النسوي الذي يسعى إلى بلورة خطاب للارتقاء بوضع النساء في المجتمع، وبذلك تبرر الباحثة استخدامها للمصطلح، رغم رفض النسويات الإسلاميات استخدامه کتعريف ذاتي لهن؛ نظراً لنشأته الغربية واقترانه في المجتمعات الإسلامية بمرحلة ما بعد الكولونيالية .
وفي موضع آخر من الفصل، تبرر الباحثة أسباب استخدامها للمصطلح وهو لوجود حاجة ملحة إلى مصطلح جديد، يتناسب مع مشروع حقوق المرأة.. لذا فمن المهم جدا تحديد تعريف إجرائي للنشاط التي تقوم به الناشطات النسويات لأنه إذا كان المصطلح مرفوضاً، فهذا لا يعني على الإطلاق غاياب الوعى النسوى والبرنامج النسوى .
ثم تعود وتؤكد أن النساء اللاتي اختارتهن لتشير إليهن بمصطلح التوجه النسوى إما ينتمين لأحزاب سياسية أو لديهن برنامج اجتماعی سیاسی.وتشير إلى أنها ستراعي الفروق بين تلك المجموعات.. لذا فهي تحدد ثلاثة أنماط أساسية من الفكر النسوى والممارسات النسوية في مصر، وهي التوجه النسوى العلماني، والتوجه المسلم، والتوجه النسوي الإسلامي، وتضع تعريفًا إجرائيًا لكل توجه، مع تأكيدها عدم وجود حدود واضحة فاصلة بين مختلف المجموعات، وأن التمايزات القائمة بينهم هي في حالة تغير مستمر .
وتعرف التوجه النسوى العلماني بأنه خطاب يتأسس داخل خطاب حقوق الإنسان الدولية، ويبعد عن أي مرجعية دينية، فالنساء العلمانيات يحترمن الدين باعتباره أمرًا شخصيًا يخص كل فرد، ويرفضن اتخاذه أساسًا لصناعة أي برنامج حول تحرير المرأة.أما بالنسبة للتوجه الإسلامي.. فتقول الباحثة إنها استخدمت مصطلح “نسوى” لوصف هؤلاء الناشطات؛ لأن المقابلات التي أجرتها مع الناشطات الإسلاميات كشفت عن وعى لديهن بأشكال معينة للقهر، الذي تعاني منه المرأة، بالإضافة إلى سعيهن لمعالجة هذا القهر عن طريق اللجوء إلى المباديء الإسلامية.وتتحدد رؤيتهن للقهر طالما تسعى النساء إلى تحقيق “المساواة” مع الرجل، ومن ثم توضع حسب وجهة نظرهن في سياق غير طبيعي مما يشوهها ويذهب كرامتها كأمراة (كخروجها من المنزل وتعرضها لحوادث غير لائقة في وسائل المواصلات).وبشكل عام تعد النسويات الإسلامية جزءًا من حركة سياسية، تعمل بنشاط في محاولة للحصول على الدعم لهدفهن النهائي، والمتمثل في السيطرة على سلطة الدولة والتشريع .
يقف التوجه النسوى المسلم بحسب رؤية الباحثة – موقفًا وسطًا بين التفسيرات الاجتماعية – السياسية والثقافية للواقع وفقا للإسلام وبين خطابات حقوق الإنسان؛ والناشطات المنتميات لهذا التوجه تؤكدن أن محاولة فصل الخطابات الإسلامية عن الخطايات الراهنة، سواء كانت غربية أو لا، من شأن جعل الخطاب الإسلامي هو الصوت الوحيد الذي يكتسب شعبية على الساحة الاجتماعية الثقافية .
ويكمن هدف التوجه النسوى المسلم في توضيح أن خطاب المساواة بين الرجل والمرأة صحيح في إطار الإسلام وتعاليمه، كما يقوم بوضع التعاليم الدينية في سياقاتها؛ مما يتيح إعادة تفسير النص بشكل أكثر مرونة وتقدمية، فالنسويات المسلمات يتعاملن مع بعض القضايا كالحجاب بشكل أكثر تقدمية من تعامل النسويات الإسلاميات؛ حيث يعتبرنه أمرًا خاصًا بالمرأة، في الوقت الذي ترى فيه النسويات الإسلاميات أن الحجاب ضرورة جوهرية لتحديد هوية المرأة.بعد تحديد الباحثة للمفاهيم والاعتبارات النظرية للدراسة، على امتداد فصلين من الكتاب.. تنتقل لوصف المشهد التاريخي السياسي المحلي، والنضال من أجل امتلاك خيوط السلطة والهيمنة الأيديولوجية بين الإسلاميين والدولة؛ لتوضيح الخلفية السياسية للنشاط النسوى المصرى.
وتبدأ هذا الوصف منذ لحظة تولى عبد الناصر مقاليد الحكم، ثم عهد السادات وأخيرا عهد مبارك ويتضح من سردها أن السلطة تمتلك استراتيجية العقاب والإبعاد نفسها؛ لإضفاء شرعية على وجودها، أيًا كان موقعها أو مجالها، من خلال تتبعها لفترات التصالح والتوتر بين الحكومة والقوى الإسلامية وأدوات الضبط والهيمنة، التي تمتلكها كل قوة وإمكانات استخدامها للسيطرة على الآخر؛ فأدوات الضبط التي تستخدمها الأولى تتمثل في إصدار القوانين المقيدة، والتي تجيز تنظيم ومراقبة كل التنظيمات الموجودة بما فيها التنظيمات النسوية والإسلامية، هذا.. بالإضافة إلى امتلاكها لأساليب العنف من خلال سيطرتها على المؤسسات العقابية الضابطة (الشرطة، الجيش ؛ السجون)، فضلا عن الاعتراف الدولي بها كدولة شرعية. بينما تمتلك القوى الإسلامية مصادر للقوة البديلة، والتي تتمثل في تقديم مشروع سیاسی واجتماعي بديل عن مشروع الحكومة، الذي فقد مصداقيته، هذا بالإضافة إلى قدرتها على خلق مؤسسات اجتماعية خدمية كالمؤسسات العلاجية، وامتلاكها لخطاب مستقل، يستند إلى مرجعية دينية، تكتسب بها شرعية وجودها في الواقع المصرى .
كذلك تمتلك القوى الإسلامية أساليب ضبط، تتمثل في عملية العزل التي تستند إلى خلق ثنائيات قطبية خير / شرير، صحيح / خاطىء، قوی / ضعيف، مؤمن / كافر لهذا يصبح لكل قوى سواء الدولة أو الإسلاميين) الوضعية نفسها. ويعمل كلاهما جاهداً أجل توسيع أراضيه وممارسة نفوذه على قطاعات أخرى من المجتمعات، ويمكن وصف العلاقة بين الإسلاميين والدولة على أنها علاقة اعتماد عدائي، حيث يحاول كل طرف الاستيلاء على وظائف أو مؤسسات بعينها من الآخر، أو بأنها عملية مشاركة متصارعة من حيث ينشأ الصراع في عملية المشاركة ذاتها .
وفي الفصل الرابع، تقوم الباحثة بعرض موجز للكتابات الأولى وخطابات بعض أئمة النظم الإسلامية المعاصرة، بدءًا من كتابات سيد قطب، مثال كتابه معالم على الطريق الذي يعتبر دليلاً مرشد لبعض النظم الإسلامية في تحديد استراتيجيتها لبناء دولة إسلامية، مروراً بجماعة التكفير والهجرة (شكرى مصطفى وعبد السلام فرج)، ومجموعة الفنية العسكرية (صالح سرية) انتهاًء بجماعة الجهاد (خالد الإسلامبولى وكرم زهدي وعبود الزمر).
وترى الباحثة أن جميع هذه المجموعات تعتبر نظمًا دينية، سواء من زاوية تشكيل بنيتها أو من زاوية تكوينها.فقد جرى إنشاء كيان من المعرفة داخل كل مجموعة، يرتكز على شكل من أشكال التعاليم الإسلامية، ويستخدم كممارسة ضابطة لغرض السيطرة – الطاعة على الأفراد فهذه الجماعات والكتابات تقوم بصك قوانين اجتماعية خاصة بها، ولممارسة الضبط والعزل .
وفي فصل آخر، السابع، تواصل الباحثة تقديم الأصوات الإسلامية الحديثة وتحليل بنيتها، وتتناول كتابات الشيخ محمد الغزالي، ومحمد متولى الشعراوي والشيخ القرضاوي وعادل حسين، وتبرر اختيارها لهذه الأصوات؛ لأن هذه الشخصيات الإسلامية شكلت الخلفية المعرفية للناشطات الإسلاميات المبحوثات .
وتوضح أنها لم تعرض كل ما طرحته كتابات هذه الشخصيات الإسلامية، وإنما ألقت الضوء فقط حول القضايا الخلافية مثل: الحجاب، عمل المرأة، التوجه النسوى، حق الطلاق، المساواة، الختان. ويتضح من استعراض الباحثة لهذه الأصوات الإسلامية أنهم يتفقون حول معظم هذه القضايا، إلا أنها تولى اهتمامًا خاصًا بالشيخ الشعراوي والشيخ الغزالي؛ باعتبارهما صوت الإسلام الرسمي، الذي يساهم في تشكيل وعى أفراد المجتمع، رجالا ونساًء، داخل المجتمع .
تنتقل بعد ذلك الباحثة في تناول خطابات التوجهات النسوية، على امتداد أربعة فصول (الخامس، والسادس، والثامن)، وترى أن التوجهات النسوية تقف في مواجهة الدولة والإسلاميين متأثرة أحيانًا، وقد تكون مؤثرة أحيانًا، وتقرر أنها متفرقة رغم تجمعها – سواء كانت حزبية أو غير حكومية، فالنسوية العلمانية تختلف في استراتيجيتها عن المسلمة.. عن التوجهات النسوية الإسلامية كما يوجد أيضًا اختلافات بين الأفراد داخل المجموعة الواحدة أو التوجه الواحد، وهذا من شأنه تفريق جهودهن؛ فقد اتضح مدى الاختلاف بين التوجهات النسوية المختلفة من خلال المقابلات المعمقة التي أجرتها الباحثة مع ممثلى كل اتجاه على حدة، فزينب الغزالي وصافيناز كاظم وهبه رؤوف برغم من انتمائهن للتوجه النسوي الإسلامي، واتفاقهن حول معظم القضايا الخلافية كالختان وحق المرأة في التعليم والطلاق، إلا أن لكل واحدة منهن رؤيتها ووجهة نظرها المختلفة عن الأخرى؛ نظرًا لاختلاف أعمارهن (حيث يمثلن ثلاثة أجيال مختلفة)، كما أنهن مختلفات تماما عن رؤية وفلسفة التوجه، النسوي العلماني، كما اتضح من مقابلة الباحثة لبعض ممثلات هذا التوجه، سواء على صعيد المنظمات غير الحكومية (مثال المقابلة التي أجرتها مع د. عايدة سيف الدولة من مركز دراسات المرأة الجديدة) أو على صعيد الأحزاب (مثال ليلى الشال من حزب التجمع)، ففي الوقت التي تؤكد فيه ممثلات التوجه النسوى الإسلامي رفض مؤسسات حقوق الإنسان والتوجه النسوى، واعتبار الأخير “شقيقاً للأيديولوجيا الصهيونية وجزءًا من تخطيط أوروأمريصهيوني” على حد تعبير صافيناز كاظم، ونفى خصوصية قضايا النساء.. نجد أن التوجه النسوى العلمانى يؤكد ضرورة منظمات المجتمع المدني باعتبارها قوة ضغط في وجه الحكومة، وكذلك يؤكدن خصوصية قضايا النساء .
يقف التوجه النسوى المسلم (والذي تمثله أمل محمود – حزب التجمع، وجيهان أبو زيد – مجموعة بنت الأرض) موقفًا وسطًا بين التوجه الإسلامي والعلماني، وتصف الباحثة ممثلات هذا التوجه بأنهن “متفرج مذنب، وأحيانًا شريك ضالع في التصورات الإسلامية” (ص 279)، ففي الوقت الذي يدافعن فيه عن مبدأ الدين لله والسياسية للجميع, نجدهن يؤكدن على أن أي أطروحة حول قضايا المرأة لن تفوز بالدعم الشعبي مادامت خارج إطار الدين؛ لأن مصر بلد يؤسس الإسلام فيه حياة الناس ويؤثر فيها.كذلك يؤكدن أهمية تطوير خطاب إسلامي نسوى بديل لخطاب الإسلاميين، ذلك التطوير الذي يكتسب شعبية كبيرة.وهكذا نجد أن لكل توجه استراتيجية خاصة به يحاول فرضها، مما يوقع معظم النسويات في تطبيق سياسة “الآخرية” – السياسة التي ينتهجها الإسلاميين – حيث “الآخر” هو من يفكر على نحو مختلف عنى، وهذا ما يفرق قوتهن في مواجهة قوة الإسلاميين والدولة، ويدخلهن في المنطقة الرمادية التي تصفها الباحثة بأنها لحظة الاتفاق – المشروط – بين الإسلاميين والدولة.
هذا بالإضافة إلى أن مختلف النسويات تسعين – فيما عدا فرخنده حسن باعتبارها ممثلة الحكومة – نحو امتلاك القدرة على تغيير العلاقات القائمة في المجتمع عن طريق تغيير القوانين، التي تنظم العلاقة بين الرجل المرأة بإحلال قوانين أخرى من الشريعة الإسلامية أو من صنع الإنسان – بغض النظر عن استراتيجية كل منهن – هنا تكمن القوة من وجهة نظرهن، في حين أن هذه القوة – كما تؤكد الباحثة – أو ما يعتقدن أنها قوة طالما ما تقترن بالدولة والإسلاميين (الرجال)، وبالتالي فالنسويات مازلن يقعن تحت سيطرتهما .
على الرغم من ذلك، فالباحثة ترى أن التوجهات النسوية المعاصرة، في وجودها ذاته على الساحة السياسية الاجتماعية اليوم، قد أنجزت الكثير، فالتوجهات الإسلامية قد أثرت، في واقع الأمر، على الحركة النسوية المعاصرة.فمن خلال مقاومة الأخيرة للأيديولوجيات الإسلامية في مجال النوع – سواء التي تروجها الدولة، أو تلك التي يروجها الإسلاميون، إضافة إلى مقاومتها للأيديولوجيات العلمانية المنافسة – تتخذ وتطور أشكالا جديدة ومتنوعة من علاقات القوى، فهن يمتلكن سلطة بفعل مقاومتهن للسلطة، طبقًا لتحليل فوكو، وهو الأمر الذي يمكنهن من تقوية فضاءات للبدائل المستقبلية، وتصل الباحثة في نهاية دراستها إلى توصية، مفادها ضرورة فتح حوار بين مختلف التوجهات النسوية حول الأهداف المشتركة؛ لأن ذلك يمثل ضرورة اجتماعية وسياسية وثقافية .
في ختام هذا العرض الموجز، يمكن تقديم بعض الملاحظات أولها يتعلق بتقديم د. نور فرحات للدراسة، فرغم تقديمه الدراسة بشكل مختلف عما جرت العادة عليه، فمقدم الدراسة عادة ما يشيد بالمؤلف، إلا أن د. نور فرحات خالف هذه العادة، فقد قام بتقديم البحث برؤية نقدية.. إلا أنه لم يحالفه الصواب في رأينا عندما ناقش إشكالية العلاقة بين ذات الباحث بما يحمله من تراث ثقافي، والموضوع أي المجتمع المبحوث والقاريء، فدكتور نور يؤكد أنه إذا انتمى الذات (الباحث) إلى المجتمع المبحوث سيكون أقرب إلى الموضوعية والعكس صحيح ؛ استنادًا إلى أن قرب الباحث من المجتمع المبحوث سيجعله مدركًا للجوانب الداخلية غير المرئية والمدركة وجدانيًّا لثقافة المبحوثين .
إلا أن الأمر – من وجهة نظرى – ليس بهذا الشكل، فهناك أدوات بحثية تمكن الباحث من إدراك الجوانب الثقافية للمبحوثين، حتى لو كان الباحث خارجًا أو آخر بالنسبة للمجتمع المبحوث.الأمر الآخر عندما يرى أن الأنثروبولوجيا تفتقد لتراكم نظري، يمكن عبره قراءة وتفسير وتحليل ظواهر اجتماعية وثقافية محددة؛ فكل إخفاق من وجهة نظره في الدراسة التي نحن بصددها يرجع إلى اختيار الباحث للمنهج الأنثروبولوجي، وهذا ليس صحيحًا؛ فالأنثروبولوجيا تستند إلى تراث نظري واسع ومتشعب، سواء الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي …. إلخ، هذا.. بالإضافة إلى الطرق المنهجية المختلفة داخل الانثروبولوجيا كأي فرع علمي ضمن فروع العلوم الإنسانية ؛ فمرجريت ميد، وهي أنثروبولوجية أمريكية (1901 – 1979) تصف الأنثروبولوجيا بأنها تقوم على وصف الخصائص الإنسانية، البيولوجية والثقافية للنوع البشرى عبر الأزمان وفي سائر الأماكن، وتحليل هذه الصفات كأنساق مترابطة ومتغيرة وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطورة، كما تهتم الانثروبولوجيا بوصف وتحليل النظم الاجتماعية والتكنولوجية، وتعنى أيضًا. ببحث الإدراك العقلي للإنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالات“(2) ؛ وبذلك نجد أن الانثروبولوجيا كعلم معنى بتحليل الأنساق الاجتماعية والثقافية المبحوث، وليس مجرد أداة وصفية .
وربما يرجع نقد د. فرحات للأنثروبولوجيا إلى أصول نشأتها الاستعمارية، ولكن النشأة لا تحكم مسار تطور العلم؛ فالأنثروبولوجيا الاستعمارية توشك على الانتهاء تقريباً في كل المحافل الدولية بفعل قيام أنثروبولوجيين محليين. كذلك اختلف مع د. فرحات في رفضه رأى الباحثة، حول تقديم الدولة تنازلات للاتجاه النسوى تحت ضغط دولي؛ حيث إن لعبة موازين القوى بين الدولة والتوجه النسوى تجعل الأولى تقدم على ذلك، ليس بدافع الخوف ولكن بدافع الالتزام بقواعد اللعبة، فلأن الدولة هي المسيطرة على القوة القمعية، فهي في وضع يسمح لها بتغيير تحالفاتها بما يتوافق ومصالحها الآتية والمستقبلية؛ لذا يمكن اعتبارها هذا التنازل شكلاً من اشكال التحالف المؤقت بين الدولة والتوجهات النسوية لكسب تأیید دولی .
أما فيما يتعلق بالبحث، فيمكن تلخيص ملاحظتنا فيما يلي:
لقد تعاملت الباحثة أثناء بحثها الميداني وإجراء المقابلات مع لحظة ثابتة لدى المبحوث ولم ترى مبحوثها في تطوره وتغيره المستمرين .
ورأت الباحثة أن الخطابات الإسلامية جزء لا يتجزأ من خطابات ما بعد الحداثة ؛ لأنها تمثل إمكانة تصفية مركزية الغرب وقدرتها على التفكير بشكل وأسلوب مختلف، إلا أن هذا الطرح يعد إشكالية منهجية، فالخطابات الإسلامية تؤسس مركزية أخرى في مقابل المركزية الأوروبية، بإدعائها امتلاك حق التمثيل والمشروعية، وتمتلك أيضًا خطابًا شارحًا هذه الأشكال من الخطابات، تشكل تيارات ما بعد الحداثة في صحتها، فليست كل معارضة للمركز هي تصفية له، بل ربما تدعيمًا لمركزيته أو لمركزية بديلة.
(1) شارلوت سمیت: موسوعة علم الأنساب، المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجية، ت: مجموعة من أساتذة علم الاجتماع تحت إشراف د. محمد الجوهري، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1998، ص 233 .
(2) حسين فهيم: قصة الأنثرولولوجية، عالم المعرفة, الكويت، فبراير 1986، ص 13- 14.