تأقلم الإناث البالغات من ضحايا العنف المنزلي (*)
تدرس هذه الورقة الأدبيات المتوافرة حاليًا فيما يتعلق بتأقلم النساء المُعنَّفات وتنظر الورقة في عدد من العوامل السياقية المرتبطة بخيارات المرأة لكيفية التأقلم مع انتهاك الشريك، بما في ذلك العوامل الخاصة بالعلاقة نفسها مثل (وتيرة الإيذاء وحدته، وطول العلاقة، والموارد المتاحة للمرأة، مثل الدعم الاجتماعي والموارد المالية). كذلك نظرت الورقة في العلاقات بين مختلف أشكال التأقلم، والنتائج النفسية لكل منها. ونظرًا لأن البحوث في مجال التأقلم مع العنف المنزلي تفتقر – إلى حد ما – إلى التماسك، فقد تم الاعتماد على نظريات ونماذج مستخدمة في أدبيات التأقلم بوجه عام؛ لتنظيم النتائج التي تم التوصل إليها في مجال العنف المنزلي. وقد تطرقت الورقة أيضًا، إلى المشاغل المنهجية، من قبيل أساليب البحث، ومسائل القياس، والعينات، كما طرحت الورقة اقتراحات للبحوث المستقبلة.
الكلمات المفتاحية: المرأةالمُعنَّفة، التأقلم، العوامل البيئية، الصعوبات النفسية.
وثَّق العديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية (مثل فولينجشتاد وآخرون Follingstad et al, 1991 و جيل، وهاروب Harrop & Gelles 1989 ؛ وجودمان وآخرونGoodman et al.,1993a,pb التبعات السلبية، نفسيًا، وجسديًا، لانتهاكات الشريك الحميم. وقد تبين أن الانتهاكات التي يقترفها الشريك الحميم مصدرٌ لجانب كبير من الإحباط النفسي الذي تعانيه الكثير من النساء، على أن بعضهن استطعن مواصلة الحياة والخروج من تجربة العلاقة التي تنتهك فيها المرأة بنتائج سلبية، أقل بكثير مما خرجت به أخريات؛ وهو ما يشير إلى الحاجة إلى إجراء دراسات تتناول استراتيجيات التأقلم، التي استخدمتها نساء مُعنّفات ليحافظن على أدائهن السيكولوجي، وسلامتهن الجسدية خلال وبعد العلاقات الانتهاكية.
فعلى الرغم من الكثرة الهائلة للبحوث التي أُجريت على التأقلم خلال العقدين الأخيرين، فإن دراسات استراتيجيات التأقلم التي أجريت على عينات من النساء المُعنَّفات كانت قليلة للغاية، وكذلك الحال أيضًا بالنسبة لمحاولات دمج النتائج الخاصة بتلك الشريحة. وكثير من البحوث التي أُجريت على تأقلم النساء المُعنَّفات كان كيفيًا ووصفيًا في طبيعته؛ کما مال الباحثون في هذا المجال إلى عدم الاهتمام بالجوانب السياقية عند تقييم طبيعة حسن/ سوء التأقلم في استراتيجيات التأقلم التي اتبعتها الضحايا. و كانت تجري المقارنة، في بعض الأحيان، بين استراتيجيات النساء المنتهِكات للبقاء على قيد الحياة، والاستراتيجيات التي استخدمتها عينات من المجتمع؛ كرد فعل على ضغوط الحياة العادية، فيكون الاستنتاج الطبيعي هو أن النساء المُعنَّفات يفتقرن إلى مهارات حل المشكلات. سوف تقيم هذه الورقة الحجة على أن العلاقة التي تعنف فيها المرأة تخلق مجموعة خاصة من الظروف التي تقرر المرأة، في ظلها، كيفية رد الفعل، وأن تلك الظروف لا يمكن تجاهلها عند محاولة فهم الأساليب التي اتبعتها للتأقلم مع العنف.
***
سوف نحاول في الاستعراض التالي، أن نتناول تعقيد العلاقات بين السياق، والضغوط، والتأقلم لدى النساء المُعنَّفات. وسوف ننظر أيضًا في مؤشرات التنبؤ السياقية لاستراتيجيات التأقلم، بما فيها عوامل من قبيل حدة الانتهاك ووتيرته، والموارد المتاحة، ونقص المهارات. ونظرًا لقلة التنظير في أدبيات الانتهاك، فسوف نعتمد على نظريات ونماذج من أدبيات التأقلم، الأكثر عموميًة، لتنظيم بحثنا الحالي حول التأقلم بين النساء المُعنَّفات واستعراض العوامل السياقية، سوف نتطرق إلى النتائج السيكولوجية المرتبطة بمختلف استراتيجيات التأقلم، ثم نختتم الورقة بدلالات لذلك بالنسبة للعلاج، وكذلك بالنسبة للبحوث القادمة في هذا المجال.
تشتمل استراتيجيات التأقلم على تنوع هائل في الأفكار والسلوكيات المستخدمة للتعامل مع متطلبات وضع متأزم1984)) ,Lazarus & Folkman. وقد قام عدد من المجموعات البحثية بإجراء تصنيف لاستراتيجيات (وأنماط) التأقلم، فخرجوا لنا بكم هائل من أبعاد التأقلم المتنوعة. بيد أن هناك عاملين وصفيين أوَّليين تكررا في كل الدراسات. أولهما، التمييز بين التأقلم بالمقاربة والتأقلم بالتحاشي (1995 ,Moos)، ويوصف هذا العامل أيضًا بالتأقلم الإيجابي والتأقلم المتحاشي Holahan& Moos, 1987; Mitchell & Hodson, 1983, 1986 al.,1989 وكذلك بالتأقلم بالاشتباك/ فك الاشتباك ( Tobin et al.,1989). أسلوب المقاربة/ التحاشي، كما توحي التسمية، يشير إلى ما إذا كان الفرد يسعى إلى تغيير الوضع، أم إلى النأي بنفسه/ بنفسها عن عامل الضغط، من أجل تقليص المردود السلبي. ومن أمثلة التأقلم بالمقاربة:”تحدثت مع صديقة عن المشكلة” و“وضعت خطة عمل وسرت عليها” (Holahan & Moos, 1987, p 949).وفي المقابل كانت:”رفضت تصديق أن ذلك حدث” و“احتفظت بمشاعري لنفسي” (. Holahan & Moos, 1987, p 949) من أمثلة التأقلم بالتحاشي.
العامل الثاني الذي ظهر في العديد من الدراسات، هو التمييز بين الاستراتيجية المعرفية والاستراتيجية السلوكية (1987 ,De Ridder, 1997; Holahan& Moos). قد يشمل التأقلم السلوكي أفعالاً ملحوظة يتم اتخاذها لتقليص تأثير الضغوط، من قبيل“ابتعدت عن الأمر لفترة” (949. Holahan& Moos, 1987, p). أما التأقلم المعرفي فينطوي على محاولة تغيير أسلوب المرء في رؤية الموضوع (مثلا:”حاولت أن أنظر إلى الجانب الإيجابي في الوضع“) (949. Holahan & Moos, 1987, p).
وقد استخدم بُعدا المقاربة/ التحاشي والمعرفة/ السلوك لتنظيم استراتيجيات التأقلم على المستوى التفصيلي في الدراسات التي تستخدم الاستدلال المنطقي للتصنيفات (Holahan & Moos 1987; Moos,1995 )، بالإضافة إلى أساليب تحليل العناصر ( Tobin et al 1989)، وقد طرح (توبيان وآخرون) ( 1989.Tobin et al) عرضًا بليغًا للبنية التراتيبية للعوامل، مقيسة بقائمة استراتيجيات التأقلم CSI. واتضح من هذه البنية أن ثمانية عناصر أولية أفرزت عناصر ثانوية مُتمحورة حول المشكلة، أو مُتمحورة حول المشاعر، وكذلك عناصر مقاربة أو تحاشي في المرتبة الثالثة. وقد وصف موس (1995 Moos) المقاربة/ التحاشي بأنها“محور” التأقلم، كما وصف التمييز بين السلوكي/ المعرفي بأنه“أسلوب” التأقلم.
وهناك منظوران منهجيان رئيسيان يبدوان عادًة في أدبيات التأقلم. أولهما، المقاربة الفردية – الداخلية، وتصف ردود فعل الفرد على الضغوط من حيث” أنماط” التأقلم التي يتوقع من الفرد اتباعها تجاه مختلف أنواع الضغوط (1987, Cohen). وفي هذا المنهج، عادًة ما يقاس نمط التأقلم بمجرد سؤال المبحوث/ ة عن رد فعله/ ها تجاه طائفة متنوعة من الضغوط. أما المقاربة الثانية لقياس التأقلم، وهي المقاربة الفردية – الخارجية، فتفترض أن الإنسان يغير استراتيجياته تبعًا لنوع الضغط ( Cohen, 1987; Holahan& Moos 1987,Swindle & Moos1992). في هذه المقاربة، يُعتمد على قياسات لكل وضع على حدة؛ لتقييم استراتيجيات التأقلم التي يستخدمها الأفراد كرد فعل على وضع معين.
وقد أيدت الأدلة الإمبيريقية في أدبيات التأقلم المقاربة الخارجية – الفردية، حيث إن الأفراد، رغم تفضيلهم لأساليب معينة في التأقلم مع الضغوط، تختلف ردود أفعالهم الفعلية على الضغوط باختلاف سمات الوضع الضاغط De Ridder 1997 Holahan et al (1996) وبالتالي، فإن الفهم العميق لاستراتيجيات التأقلم يتطلب أخذ تنوع الأوضاع في الاعتبار. وفي سياق العلاقة الإيذائية، قد تفضل امرأة ما استراتيجية تأقلم معينة، ولكنها تجد أنه من الضروري أن تكيف تلك الاستراتيجية؛ لتناسب أوضاعًا معينة. فقد تفضل، على سبيل المثال، استراتيجيات المقاربة في مجال العمل لحل المشكلات، بينما تختار استراتيجيات التحاشي للتأقلم مع زوج حاد في عنفه.
ربما يكون من نقاط الضعف في أدبيات التأقلم التي تعالج العنف المنزلي، مسألة العينات. فكما يجري في البحوث الإكلينيكية عادًة، قد يعتمد على عينة من طالبات المساعدة. وفي حالة الناجيات من العنف المنزلي، كثيرًا ما تأخذ العينات من دور الرعاية، أو الوكالات التي تخدم النساء المُعنَّفات؛ وهؤلاء قد لا يمثلن كل الناجيات من العنف المنزلي، فقد تختلف المُعنَّفات من حيث مستوى العنف الذي واجهنه أو الموارد المتاحة لهن.
وقد يحد من فاعلية أدبيات العنف المنزلي المتاحة، كذلك، اعتمادها على الخطط البحثية العابرة للقطاعات. فعلى الرغم من وجود بعض الدلائل التي تشي باستخدام آليات التغذية العكسية في دراسات التأقلم (مثلاMitchell & Hodson, 1983: Moos ,1995 )، فإن بحوث التأقلم عادًة ما تجرى بحيث يتم التقييم في لحظة زمنية واحدة، أو بمخططات بحثية ارتجاعية (1997.Wheaton et al)، قد تغطي فترات زمنية طويلة نسبيًا. ولكننا، حتى نستطيع التوصل إلى فهم أكثر عمقًا ودقة للعملية نفسها، وللعلاقات السببية في الضغوط والتأقلم، علينا أن نجمع بيانات طولية بدرجة أكبر، وفي نقاط زمنية متعددة.
وقد طرحت أدبيات الضغط الناتج عن صدمة traumatic stress بعض الخطوط الإرشادية حول تقييم عوامل الضغط. ومن ذلك، ما اقترحه ويتون وآخرون Wheaton et al 1997)) من ضبط الضغط التراكمي المسبق ومستوى التعرض للصدمة. وقد ذهبوا إلى أن أنواعًا معينة من الضغوط، مثل الإيذاء، قد تخلق سياقا فريدًا يجب أخذه في الاعتبار عند النظر في آثار الضغوط الأخرى. وقد وضعوا“مصفوفة المساوىء“. (Wheaton et al., 1997, p 70) في البيئات الانتهاكية، والتي تقابلها عوامل الضغط الأخرى. فالإيذاء قد يكون جزءًا من مجموعة مشاكل مرتبطة فيما بينها، وقد ينشأ من مجموعة المشاكل هذه. Wheaton et al (1997). وفي هذه الحالة، قد يكون لظروف الحياة الأخرى، وللضغوط الأخرى، أهمية في فهم استجابة التأقلم مع الضاغط محل الدراسة. فعلى سبيل المثال، قد يحدث ضاغط، مثل الإيذاء المنزلي، في سياق عزلة اجتماعية وإدمان الشريك على الكحوليات. هذا فضلاً عن أن هناك جمهرة من الأدلة الإمبيريقية التي اختبرت التاريخ السابق على الصدمة بين النساء المُعنَّفات، فتوصلت إلى أن الانتهاك الجنسي والجسدي في الطفولة، ووجود تاريخ من الانتهاك الجنسي بعد البلوغ، وغيرها من العلاقات الحميمية الانتهاكية، تَقترن كلها بكون المرأة ضحية فيما بعد (على سبيل المثال،Koss et al., Hilberman& Munson 1977-78 1994). هذه النتيجة تؤكد على ضرورة ضبط التاريخ السابق في بحوث التأقلم التي تجرى على النساء المُعنَّفات فكل صدمة جديدة قد تكون أشد وطأة بسبب تراكم الضغوط. وقد يحدث العكس، فيصبح كل ضاغط جديد أقل وطأة نتيجة تحسن التأقلم، أو الإضعاف التدريجي لتأثيره.
هناك تنوع هائل في استخدام قياسات التأقلم عبر مختلف الدراسات؛ مما يزيد من صعوبة إجراء مقارنة حقيقية للنتائج (Follingstad et al.,1988 ). وكما أشرنا في السابق، نظرًا لتنوع بنى التأقلم، سوف يركز نقاشنا هنا على البنيتين الأكثر شيوعًا في الدراسات: المقاربة في مقابل التحاشي، والتأقلم بالمعرفة في مقابل التأقلم بالسلوك (Cohen, 1987; De Ridder,1997). ويبدو أنه، حتى الآن، لم يطرح سوى (توبين وآخرون (Tohen et al. 1989) القياس الإمبيريقي الوحيد الذي تم التحقق منه، ويجمع بين بنيتي التأقلم هاتين.
الأدبيات التي درست التأقلم عند النساء اللاتي عانين انتهاكًا جسديًا من الزوج، أو الشريك الحميم – محدودة نسبيًا. وهو ما حدا بنا، في عرضنا السابق، إلى الاعتماد في معظم البنية النظرية والتنظيم على بحوث التأقلم العامة. هذه البحوث، الأوسع في نطاقها، تتوفر على التأقلم كرد فعل لضغوط الحياة والمنغصات اليومية، التي تشيع بين السكان بوجه عام. ورغم أن العنف المنزلي ليس بغير الشائع، بحال من الأحوال، فإنه يمثل، كما ذهبنا في السابق، مجموعة خاصة من الظروف التي يحدث في إطارها التأقلم (Gondolf & Fisher, 1988).
نظًرا لأهمية السياق، بالنسبة لاختيار استراتيجيات التأقلم (Mattlinet al., 1990 ,Moos & Swindle,1990)،فمن الأهمية بمكان أن نأخذ في الاعتبار العوامل التي قد تقترن بالكيفية التي تنتهجها المرأة للتعامل مع الانتهاك وآثاره الضارة (Dutton, 1993). وقد تناول (لازار، وسوفولكlان) (1984) Lazarus& Folkman القيود التي قد تؤثر على اختيار استراتيجيات التأقلم ومدى فاعليتها؛ وقسموا تلك القيود إلى ثلاثة أنواع: قيود بيئية، وقيود شخصية، وتهديد حاد. وفي حالة المرأة المُعنَّفة، هناك العديد من أمثلة القيود التي نستطيع ذكرها. فهناك، على سبيل المثال، افتقاد العلاقات الاجتماعية، والذي يمكن اعتباره قيدًا بيئيًا. ومن القيود الشخصية يمكننا ذكر احتياجات الاعتمادية العالية. كذلك، يمكن اعتبار كثافة (حدة ووتيرة) الانتهاك العاطفي أو الجسدي مؤشرًا على وجود تهديد حاد. ونظرًا لتعدد القيود التي تفرضها البيئة الانتهاكية على التأقلم،،فليس بوسعنا فهم سلوكيات التأقلم بين المُعنَّفات بشكل عميق خارج سياق الانتهاك الجسدي والعاطفي المزمن. (Dutton, 1993; Gondolf& Fisher, 1988)
أبرز سمتين تتضحان عند دراسة العنف المنزلي كمشكلة بحثية هما: وتيرة العنف، وحدته. وهناك بعض الأدلة التي تؤيد وجود علاقة بين وتيرة العنف واختيار المرأة لاستراتيجية التأقلم. وقد درس هربت وآخرون (1991. Herbert et al) استراتيجيات التأقلم بالمعرفة التي استخدمتها نساء بقين مع الشريك المنتهِك وأولئك اللاتي تركنه. وقد شملت استراتيجيات التأقلم بالمعرفة حجم التركيز على الجوانب الإيجابية في العلاقة، والتغيرات السلبية في العلاقة، ومدى إجراء مقارنات مع الفئات الاجتماعية الأدنى، والتنسيب الشخصي للانتهاكHerbert et al 1991). وقد اتضح وجود تَمايز من حيث تلك المتغيرات المعرفية بين من بقين في العلاقة الانتهاكية ومن خرجن منها.
فقد أوضحت النتائج، أن من بقين في العلاقة الانتهاكية (34.4% من العينة الأصلية البالغة 130 امرأة) لم يُعربن عن وجود علاقة بين وتيرة الانتهاك الجسدي، ونوعيات الاستراتيجيات المعرفية التي استخدمنها. بيد أن علاقة سلبية واضحة ظهرت بين وتيرة الانتهاك اللفظي، واستخدام المقارنة مع الفئات الاجتماعية الأدنى. وقد ذكر المؤلفون أن تلك النتائج جاءت متشابهة في العينة بأسرها. غير أنهم ركزوا على من بقين في العلاقة الانتهاكية، وأعطين معاملات ارتباط محددة لهذه المجموعة فقط.
كذلك تمت دراسة وتيرة الانتهاك في علاقته بالتأقلم بالمقاربة. فقد قارن جوندولف وفيشر Gondolf and Fisher 1988)) بين المقيمات في دور الرعاية وغير المقيمات، فوجد أن من قررن اللجوء إلى دور الرعاية كن قد واجهن انتهاكات بوتيرة أعلى ممن لم يلجأن إلى تلك الدور. وهو ما قد يوحي بأن استخدام بعض أشكال التأقلم بالمقاربة يميل للارتفاع مع تزايد وتيرة الانتهاك. ودرس ميتشل وهدسون (1983 Mitchell and Hodson) العلاقة بين وتيرة الانتهاك من جانب، ومختلف أشكال التأقلم السلوكي الإيجابي، والتأقلم المعرفي الإيجابي، والتأقلم بالتحاشي من جانب آخر. ووجدوا في العينية التي بلغت 60 امرأة، أن استخدام التأقلم بالتحاشي يزداد مع ارتفاع وتيرة العنف الجسدي الذي تلقاه المرأة. ولكنهم لم يتوصلوا إلى وجود ارتباط مهم بين وتيرة الإيذاء وحجم التأقلم المعرفي الإيجابي، أو التأقلم السلوكي. ويبدو أن هناك تناقضًا بين تلك النتائج والنتائج التي توصل إليها جوندولف وفيشر Gondolf and Fisher (1988). على أن الاستراتيجيات الإيجابية الرامية إلى الهروب من الانتهاك مثل:اللجوء إلى دور الرعاية، أو الهجر، أو التقاضي ربما تكون مرتبطة بسياقات ومؤشرات تنبؤية مختلفة عن تلك التي ترتبط بها الاستراتيجيات الإيجابية المستخدمة أثناء الوجود في العلاقة مثل: النقاش مع المنتهِك، أو الاتصال بالشرطة، أو التحدث إلى صديقة.
ومن المهم أن نشير إلى أن تلك الدراسات Gondolf& Fisher, 1988; Herbert et al.,(1991) توصلت إلى أن الأشكال الإيجابية من التأقلم المرتبطة ارتباطًا كبيرًا بوتيرة الانتهاك كانت هي التي خرجت بالمرأة من العلاقة التي تمثل خطرًا عليها مثل: الخروج التام من العلاقة، أو المكوث في دار رعاية. ولكن عندما اختُبرت أشكال أخرى من التأقلم الإيجابي مثل: التحدث إلى صديقة، أو محاولة معرفة المزيد عن الوضع لم يتم التوصل إلى وجود علاقة ذات بال مع وتيرة العنف (1983) Mitchell & Hodson. ربما كان لوتيرة الإيذاء التأثير الأكبر على استراتيجيات التأقلم، حينما تتجلي الحاجة للخروج من الوضع الانتهاكي. غير أن هذا التفسير للنمط الذي توصلت إليه النتائج يجب النظر إليه باحتراز، حيث إن أحدًا من الباحثين لم يختبر هذه الفرضية بشكل مباشر.
تعتبر حدة الإيذاء البدني مؤشرًا آخر على كثافة الانتهاك، يمكن أن ينبئ باستراتيجيات التأقلم المستخدمة. فقد توصل ميتشل، وهدسون (1986) Mitchell and Hodson إلى ارتباط المستويات الأكثر ارتفاعًا من العنف بالاستراتيجيات التي تميل بشكل أكبر إلى التحاشي. كذلك فإن النساء اللاتي تلقين إيذاًء أكثر حدة عادة ما يلقين أقل الدعم من الصديقات عند محاولة التحدث عن الإيذاء. وتلك نتائج تشير إلى احتمال وجود علاقة بين مختلف أنواع التأقلم. فربما تميل النساء اللاتي يلقين ردود فعل سلبية على استراتيجياتهن الإيجابية مثل طلب الدعم الاجتماعي إلى أن يصبحن أكثر ميلاً للانخراط في رد فعل متحاشي.
وقد استخدم ميتشل، وهدسون (1986) Mitchell and Hodson كذلك المنظور الإيكولوجي لاختبار نموذج للعوامل المرتبطة فيما بينها في جهود التأقلم لدى المُعنَّفات وقد جاءت النتائج متسقة مع ما توصلوا إليه في دراسة سابقة، حيث ثبت لديهم وجود علاقة بين حدة الإيذاء ومتغيرات الدعم الاجتماعي، وذهبوا إلى أن الإيذاء كلما زادت حدته، زادت العزلة الاجتماعية القهرية لدى المرأة. كذلك كانت هناك علاقة عكسية بين حدة العنف، وعدد أعضاء شبكة الدعم الاجتماعي، وكذلك عدد العلاقات الاجتماعية التي تكونت بشكل مستقل عن الشريك المنتهِك. ومصداقًا لنتائج بحثهم السابقة كذلك، وجدوا أن حدة الإيذاء مرتبطة بزيادة احتمالات تحاشي صديقات المرأة لها عند طلبها للدعم منهن. تكشف تلك النتائج إذن، عن أن العنف الأكثر حدة يخلق، بِسُبل مباشرة وغير مباشرة، صعوبات أكبر أمام استفادة المرأة من الدعم الاجتماعي بوصفه مصدرًا للتأقلم. وذلك أن النساء اللاتي تعرضن لإيذاء حاد إما أن تنعزلن بمحض إرادتهن عن المعارف، أو تصبح صديقاتهن أقل رغبة أو قدرة على مساعدتهن.
ووصف ميتشل، وهدسون (1986) Mitchell and Hodson، كذلك، العلاقة بين حدة العنف وبين ثلاثة أنواع من سلوك التأقلم: المعرفة الإيجابية، والسلوك الإيجابي، والتحاشي. وقد اختبرا التعرض للعنف في الطفولة، والموقف من الأدوار الاجتماعية للمرأة بوصفها عاملين مؤثرين في العلاقة بين حدة العنف ونوعيات استراتيجيات التأقلم المتبعة. وأظهرت النتائج أن المرأة التي لم تشهد عنفًا في أسرتها الأصلية أكثر ميلاً لاستخدام استراتيجيات التأقلم الإيجابية مع زيادة حدة العنف؛ ولم تظهر علاقة ذات بال بين حدة العنف والتأقلم بالتحاشي في هذه العينة الفرعية. أما النساء اللاتي شهدن عنفًا في أسرهن الأصلية، فقد ملن لاستخدام استراتيجية التحاشي بدرجة أكبر من استخدامهن للتأقلم الإيجابي في الاستجابة للعنف الجسدي المتزايد في حدته. وتوصل ميتشل وهدسون Mitchell and Hodson (1986)، كذلك، إلى وجود نمط مشابه عند اختبارهن للمواقف من أدوار النساء بوصفها عاملاً مؤثرًا. فقد وجدا أن المرأة المُعنَّفة المحاطة بمواقف أقل تقليدية تجاه أدوار النساء في المجتمع تميل إلى استخدام استراتيجيات التأقلم السلوكية الإيجابية؛ كرد فعل على العنف الحاد، بينما تميل المرأة التي تعيش وسط مواقف أكثر تقليدية إلى استخدام السلوكيات الإيجابية بدرجة أقل، عندما تزداد حدة العنف. وبناء على ذلك، فإن التعرض للعنف في البيت في مرحلة الطفولة ومدى المواقف التقليدية تجاه النساء، كلاهما يؤثر في العلاقة بين حدة العنف ونوعيات استراتيجيات التأقلم التي تتبناها المرأة.
وخَلُص الباحثان إلى أن التعرض لبيئة عنيفة في الطفولة، ولمواقف أكثر تقليدية تجاه أدوار النساء، كلاهما يساهم في تبنيها لسُبل تأقلم أقل فاعلية عندما تواجه مستويات متزايدة العنف. هذه الدراسة تطرح خطة رصينة لدراسة دور حدة العنف في تحديد استراتيجيات التأقلم؛ لأنها اختبرت عوامل تأثير مهمة. فلو لم يختبر الباحثان الآثار التفاعلية لحدة العنف وغيرها من مؤشرات التنبؤ– لربما خُلصا إلى أن حدة العنف لا دور لها في استراتيجيات التأقلم التي تتبناها المرأة للتعامل مع العنف. لذلك، فربما وفرت لنا دراسة العوامل الشخصية والسياقية معًا (1990,Moos & Swindle) بیانات مفيدة فيما يتعلق بالتأقلم مع العنف المنزلي.
وقد توفر بحث هربرت، وآخرون Herbert et al.,1991 على دراسة عامل حدة الإيذاء، مع التركيز على الاستراتيجيات المعرفية التي تتبناها المرأة عندما تظل في العلاقة الانتهاكية، والعوامل المقترنة بقرارها الرحيل عن تلك العلاقة. وتوصل الباحثون إلى أن الإيذاء الجسدي المتوسط أو الحاد، ليس لأي منهما علاقة ذات بال باستراتيجيات التأقلم المعرفية. بيد أن هذه الدراسة أوضحت أن حدة العنف كانت تنبئ بانتهاج استراتيجية سلوكية إيجابية متمثلة في الخروج من العلاقة. على أن نتائج هذه الدراسة تتناقض مع النتائج التي توصلت إليها دراسة طولية على الأزواج الذين يعيشون علاقة انتهاكية، حيث أظهرت نتائج هذه الدراسة الأخيرة أن حدة إيذاء الزوج للزوجة جسديا في اللحظة 1 لم تنبيء بما إذا كان الزوجان سيظلا معا أو ينفصلا بعد سنتين (.Jacobson et al.,1996). بيد أن حدة العنف لم يجر تقييمها، للأسف الشديد، إلا في البداية فقط، وبالتالي، لم يمكن اختبار أنماط تزايد أو تراجع مستويات العنف وعلاقتها بوضع العلاقة عند المتابعة بعد سنتين.
ويبدو أن التغير في حدة الإيذاء مرتبط بتغير مقاربة المرأة للتأقلم مع العنف. فقد أورد میلدروبورتر (1983 Millder and porter) أدلة على إلقاء المرأة المُعنَّفة باللائمة على زوجها عن إيذائه لها، بأكثر مما تلوم نفسها على تزايد حد العنف. وفي دراسة كيفية على عينة صغيرة من نزيلات الدور (ن=15)، توصل فيرارو، وجونسون (Ferraro and Johnson 1983) إلى أن التحول المفاجئ في حدة الإيذاء اقترن بتحول المرأة من استراتيجيات التأقلم المعرفية إلى استراتيجيات سلوكية أكثر إيجابيًة، مثل هجر العلاقة كرد فعل على العنف. ويبدو أن هؤلاء النساء تحولن إلى الاستراتيجية السلوكية الإيجابية عندما أدركن فجأة أن الإيذاء قد يودي بحياتهن (Ferraro & Johnson,1983).
وأيدت تلك الدراسة دراسة أخرى اعتمدت على عينة أكبر بكثير (ن = 100) وعلى التحليلات الكمية (Rusbult& Martz 1995). وتشي هذه الدراسة بأن الإيذاء الجسدي عندما يتزايد، تتراجع احتمالات عودة المرأة إلى الشريك المنتهِك. كذلك، توصل فولينجشتاد، وآخرون Follingstad et al. 1991)) إلى أن الاستقرار النسبي في حدة الانتهاك ينبئ بسلوكيات التأقلم. فالنساء اللائي شهدن مستويات مستقرة من الانتهاك كن أكثر ميلاً للجوء إلى الخدمات النفسية الخاصة بالانتهاك تحديدًا، أكثر من أولئك اللائي كان العنف الذي يتعرضن له يشهد تزايدًا أو تراجعًا. على أن مَن عانين من إيذاء أقل حدة عبر فترة من الزمن لجأن إلى الخدمات النفسية من أجل مشكلات أخرى بوتيرة أعلى من نظرائهن اللاتي عانين من حدة متزايدة، أو متذبذبة من الإيذاء. تطرح علينا تلك النتائج صورة شديدة الاختلاط حول كيفية تأثير حدة الإيذاء على طلب المرأة للمساعدة، ولكن يبدو أن تغير مستويات الإيذاء يفضي إلى تغير استراتيجيات التأقلم.
ويبدو أن حدة العنف والتغير في الحدة مرتبطان بشكل متباين مع اختلاف أشكال سلوك التأقلم. فربما اقترن تزايد الحدة بالأشكال الأكثر إيجابية للتأقلم السلوكي، ولكن ذلك ينطبق فقط على السلوكيات التي يرجح أن تنهي الإيذاء، مثل: هجر العلاقة، أو اللجوء إلى القضاء الجنائي. أما مساعي التأقلم“الإيجابي” الأخرى، من قبيل التحدث إلى الصديقات، أو اللجوء إلى الخدمات النفسية، فلا يرجح أن تفيد في أوضاع الانتهاك ذات الخطورة المتزايدة. فربما أدى تزايد العنف إلى تثبيط المرأة عن أساليب التأقلم التي تساعدها على البقاء في العلاقة والتعامل مع العنف بدلاً من إخراج نفسها أو شريكها المنتهِك من العلاقة.
من المعقول طبعًا أن تكون حدة العنف، ووتيرته – العاملان اللذان حظيا بنصيب الأسد من الاختبار في الأدبيات التي تناولت المرأة المُعنَّفة. ولكن طول العلاقة الانتهاكية بوصفه عاملاً طوليًا مهمًا، عادة ما كان يحظى بعناية أقل في دراسة جهود المرأة للتأقلم. فطول العلاقة الانتهاكية يمكن أن يغير من استجابات تأقلم المرأة مع مرور الزمن. وقد اختبر بعض الباحثين طول مدة العلاقة بوصفها مؤشرًا على الاستثمار (Rusbult& Martz,1995). وذهب هذا المفهوم إلى أن المرأة كلما طالت المدة التي قضتها في العلاقة، شعرت بإصرار أكبر على إنجاحها، خاصًة إذا لم يظهر الإيذاء إلا في فترة متأخرة من العلاقة.
وقد اهتم روزبلت ومارتزRusbult& Martz,1995 في رؤيتها لطول مدة العلاقة بوصفها مؤشرًا على مستوى الاستثمار، بتوقع مستوى الالتزام بالعلاقة، وما إذا كانت المرأة ستظل مع الشريك المنتهِك، أم تهجره. وقد أوضحت نتائج هذه الدراسة الطولية أن العلاقة الأطول أمدًا تنبئ بمستوى أعلى من الالتزام بها (أي توجه أقل للانفصال، وأعلى للعودة إلى الشريك). ووجدا أن هناك اتجاهًا غير ذي بال لارتباط العلاقة طويلة الأمد بالعودة الأسرع للشريك المنتهِك.
من التبعات المهمة الحاسمة للعديد من العلاقات الحميمية الانتهاكية، تقليص تواصل المرأة مع الموارد التي قد تساعدها على التأقلم مع العنف، كما ذكرنا في السابق. فعلى سبيل المثال، قد يمنع الشريك المنتهِك المرأة من العمل خارج المنزل، وهو ما قد يؤدي إلى الحد من علاقاتها الاجتماعية، ومواردها المالية الشخصية. وقد ثبت أن الدعم الاجتماعي، والموارد المالية وغيرها من موارد ملموسة؛ يمكن أن تساهم في اختيار المرأة المُعنَّفة لاستراتيجيات التأُقلم (Moos,1995). ويعتبر المال من أشكال الموارد الملموسة الأكثر وضوحًا، فكم المال المتاح للمرأة يؤثر في الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع العلاقة الانتهاكية. وقد توصلت دراسة ذكرناها آنفًا (Rusbuilt & Martz,1995) إلى أن توافر دخل مستقل، وأعلى، ومبالغ مالية أكبر، مرتبطة كلها بعودة المرأة لشريكها في خلال سنة من التقييم الأول، أو استغراق الأمر فترة أطول. كذلك فقد توصلت دراسة ستراب وباربور (1983 Strubeand and Barbour)، إلى أن اعتماد المرأة اقتصاديًا على الشريك المنتهِك،مقيسًا بالوضع الوظيفي والتاريخ الوظيفي، مرتبط باتخاذها قرار ترك العلاقة أو عدم تركها. على أن جاكوبسون، وآخرون Jacobson et al 1996).) لم يتوصلوا إلى اختلافات ذات بال فيما يتعلق بدخل المرأة، بين الأزواج الذين واصلوا العلاقة وأولئك الذين انفصلوا أو طلقوا عند تقييم المتابعة بعد سنتين. ولكن، ربما لم يتوافر لهؤلاء الباحثين قوة إحصائية كافية لملاحظة التباينات في البيانات التي جمعوها. وعندما قارن جوندولف وفيشر1988) Gondolf and Fisher) بين نزيلات دور الرعاية وغير النزيلات، توصلا إلى أن من لم يقمن في دور رعاية النساء المُعنَّفات كن يتمتعن بدخول أعلى في المتوسط. فربما وفر النفاذ الأكبر للمال خيارات أوسع في ترتيبات المعيشة أمام المرأة عندما تترك شريكها.
وفي النموذج الإيكولوجي للتأقلم، الذي وضعه ميتشل وهدسون ( Mitchell and ,Hodson,1983, 1986)، اعتبرت الموارد الشخصية (بما فيها دخل الفرد) أحد محددات الحصول على موارد الدعم المؤسسية (مثل الشرطة)، والموارد الحميمية الأخرى. وقد قاما بقياس الموارد الشخصية بإعطائها درجة مركبة من الدخل، والتعليم، والوضع الوظيفي تمثل جميعًا مؤشرًا على الوضع الاجتماعي – الاقتصادي. وتوقعا أن تحدد الموارد الشخصية، والدعم الاجتماعي، والاستجابة المؤسسية بشكل مباشر خيار التأقلم الذي قد تستخدمه المرأة المُعنَّفة. وكما توقعا، فقد اقترنت الموارد الشخصية الأكبر المتوافرة لدى المرأة بتمتعها بعدد أكبر من علاقات الدعم الاجتماعي، وبعدد أكبر من المعارف خارج نطاق معارف الشريك المنتهِك. تشي هذه البيانات بأن المرأة المتمتعة بوضع وظيفي أعلى و/ أو دخل أكبر يرجح أن تتمتع، كذلك، بمعارف خارج نطاق المنزل. ولا يخفى أن وجود معارف أكثر يزيد من احتمالات وجود موارد دعم متاحة للتعامل مع الانتهاك. ومن نقاط القوة في هذه الدراسة، أنها اختبرت نوعية الدعم الاجتماعي الذي تتلقاه المرأة المُعنَّفة عندما تختار استغلال موارد الدعم المحتملة المتاحة لها. وهنا أيضًا، كان للمرأة المتمتعة بموارد شخصية أكبر مزية في التمتع بتعاطف أكبر، وتحاشٍ أقل، من الصديقات عند اللجوء إليهن طلبًا للمساندة. وكما سنناقش في القسم التالي، ترتبط استجابة الصديقات بما إذا كانت المرأة تنتهج التأقلم الإيجابي أم المتحاشي في رد فعلها على العنف (Mitchell &Hodson,1983).
الدعم الاجتماعي متغيرٌ تم اعتباره وسيلة للتأقلم، وكذلك موردًا يساهم في توافر أشكال أخرى من التأقلم. (Aspinwall & Taylor,1997). وقد أدى اختلاف سُبل تصور دور الدعم الاجتماعي في عملية التأقلم، والنقص النسبي في الدراسات التي تختبر العلاقات المتبادلة بين عناصر التأقلم، إلى خلق بعض التشويش حول الأدوار التي يمكن أن يلعبها الدعم الاجتماعي في مساعدة المرأة على التعامل مع العنف المنزلي. وفي أدبيات التأقلم التي توفرت على دراسة عوامل الضغط العامة، والأحداث السلبية في الحياة، عادًة ما يجري تناول الدعم الاجتماعي بوصفه وسيلة يكتسب بها الفرد نفاذَا إلى الدعم العاطفي، وكذلك وسيلة لاكتساب معلومات متزايدة وقدرة على الفرز الدقيق لعوامل الضغط & Aspinwall
Taylor, (1997)
وقد درس ميتشل وهدسون (1983 Mitchell and Hodson)، كميًا وكيفيًا, الدعم الاجتماعي المتصور وعلاقته باستجابات التأقلم لدى المرأة. وطلبوا من مجموعة من النساء الإفصاح عن الإجابات التي يتلقونها فعليًا من الصديقات عند محاولة الحديث عن الانتهاك في حد ذاته. وقد وجدوا أنها كلما قلت ردود الفعل المتحاشية التي تتلقاها المرأة من الصديقات، كان من الأرجح أن تنخرط في تأقلم إيجابي: سلوكيا كان أو معرفيًا. ولكنهم لم يعثروا على علاقة ذات بالٍ بين الردود المتحاشية من الصديقات، والتأقلم بالتحاشي لدى المرأة، ويبدو أن الأرجح هو أن المرأة التي تنتهج تأقلمًا أكثر تحاشيًا لا تفضل، في العادة، التحدث إلى الصديقات عن الانتهاك. غير أن انتهاج استراتيجيات التأقلم التي تميل أكثر إلى التحاشي – ارتبطت سلبيًا بعدد الداعمين، وبعدد العلاقات من الأصدقاء، وأفراد العائلة، ممن هم خارج دائرة علاقات الشريك المنتهِك. ومن المثير للاهتمام، أن كم ردود الفعل المتعاطفة من الصديقات لم يكن له ارتباط مهم بأشكال التأقلم التي تمت دراستها.
ولكن، نظرًا لأن البيانات في تلك الدراسة كانت مرتبطة فيما بينها، فليس من الواضح ما إذا كانت أساليب التأقلم التي اتبعتها النساء هي التي أثرت في شبكاتهن الاجتماعية وردود أفعال الصديقات، أم أن العكس هو الذي حدث. فمن المحتمل أن المرأة المُعنَّفة عندما تراها صديقاتها تنتهج استجابة إيجابية للتأقلم يملن إلى دعمها، وعندما ترى الصديقات أن المرأة تميل إلى التأقلم بالتحاشي، ينأين عنها شيئًا ما، فيقل دعمها. وفي المقابل، إذا كان الدعم الاجتماعي يزيد من التأقلم الإيجابي، فإن المرأة التي تميل صديقاتها لمناقشة الانتهاك معها قد تتشجع على التأقلم على نحو أكثر إيجابية. وهناك احتمال ثالث، وهو أن تتأثر ردود أفعال الصديقات واستراتيجية المرأة في التأقلم، كلاهما بمتغير ثالث، مثل حدة الانتهاك، أو مستوى السيطرة الذي يمارسه الشريك.
وقد درس داتون وآخرون (1994. Dutton et al) ظروف نساء حاولن قتل الشريك المنتهِك. وافترضوا أن هؤلاء النساء يشعرن بانعزال أكثر من المُعنَّفات الأخريات، ثم قاموا بدراسة عينتين من النساء المُعنَّفات، إحداهن عينة قضائية، والأخرى إكلينيكية، فتوصلا إلا أن المتهمات بقتل أو الشروع في قتل الشريك المنتهِك أعربن عن مستويات منخفضة من الدعم الاجتماعي، مقارنة بالمستويات التي ذكرتها العينة الإكلينيكية. واتضح أن النساء في العينة الإكلينيكية كن يشعرن أكثر بالانتماء إلى شبكة اجتماعية، وبتوافر أخريات يقدمن الدعم العاطفي، بيد أن المجموعتين لم تختلفا على نحو ملحوظ في درجة الدعم الاجتماعي المادي الذي تلقينه (مثل المساعدة في الانتقال أو المساعدة بالمال). وفسر الباحثون النتائج على أنها تدل على درجة أعلى من الانعزال الاجتماعي، وما يواكبها من افتقار إلى البدائل المتوقعة لدى النساء اللاتي تحولن، في نهاية المطاف، إلى أقصى درجات العنف بوصفه وسيلة للتأقلم مع الانتهاك الذي كن يعانينه.
وفي دراسة اعتمدت بشكل أكبر على الجانب الكيفي، اختيرت ميلز (1985 Mills) دور الدعم الاجتماعي في تغيير نظرة المرأة إلى الانتهاك. ففي عينة صغيرة من نزيلات الدورة, أعربت معظم النساء عن أنهن بدأن يُعدن تقييم الانتهاك في ضوء الرسائل التي تلقينها من أخريات بأن الانتهاك أمر سيء. ومن لجأن إلى التهوين من العنف، أو البحث عن منطق له، بدأن يغيرن من أساليب تفكيرهن بعد سماعهن آراء أخريات داعيات. هذا النوع من الدعم عادًة ما يطلق عليه“الدعم الفارز” (على سبيل المثال Aspinwall & Taylor,1997). في هذه العينة، أتاح هذا الشكل من الدعم للسيدات الانخراط في الخيار الإيجابي المتمثل في الخروج من العلاقة الانتهاكية. وقد خرجت فيرارو وجونسون Ferraro and Johnson (1983) بنتائج مشابهة في دراستها الكيفية لنساء نزيلات دار للمُعنَّفات. وذكرت سوليفان، وآخرون (Sullivan et al.1992) أن أكثر من 75% من النساء اللاتي شملتهن دراستهم قالوا إنهن يحتجن إلى دعم اجتماعي أكبر، حيث كان هذا الدعم يمثل أعلى احتياج لديهن بعد السلع المادية. من الواضح، إذن، أن هؤلاء النساء كن على اقتناع بأن الدعم الاجتماعي مورد ثمين في جهودهن للتأقلم مع العنف الذي يعانينه.
كما ذكرنا في السابق، لم تتم دراسة العلاقة السببية بين الدعم الاجتماعي والتأقلم، إمبيريقيًا. ولكن، على الرغم من نقص البيانات المتعلقة بالسببية، فإن توافر الدعم الاجتماعي ونوعيته عادة ما تفسران على أنهما من المؤثرات التي تؤثر في استراتيجيات التأقلم التي تتبناها النساء على سبيل رد الفعل تجاه العنف المنزلي. فكلما توافر بصورة أكبر ما تراه النساء من دعم اجتماعي وردود أفعال متعاطفة (في مقابل التحاشي) ممن يقدمون ذلك الدعم؛ كلما يسر ذلك المزيد من التأقلم الإيجابي، ورؤية خيارات أوسع أمام المرأة المُعنَّفة. وقد يكون للدعم الاجتماعي أهمية خاصة في زيادة قدرة المرأة المُعنَّفة على هجر شريكها المنتهِك بنجاح. كذلك فإن الدعم الذي تقدمه الأخريات، من قبيل إعادة تقييم العنف والدعم المادي الملموس، يمكن أن يلعب دورًا فيما إذا كانت المرأة ستشعر أنها عالقة في العلاقة العنيفة. Dutton et al (1994). تلك كلها تفسيرات ممكنة للبيانات. ولكن، على الرغم من ميل العديد من الباحثين إلى تفسير البيانات على هذا النحو، فمن المحتمل أيضًا أن يكون لكيفية تأقلم المرأة مع العنف تأثير على العلاقات الداعمة المحتمل أن تتاح لها. فعلى سبيل المثال، قد تدير العديد من الداعيات ظهورهن إذا شَعرن أن المرأة لا تحاول انتشال نفسها من العلاقة الانتهاكية، كما أن المرأة التي تعتمد أسلوب التأقلم بالتحاشي قد تخلق مسافة بينها وبين الأخريات. في ظل كل تلك البدائل الممكنة للتفسير، يتعين على البحوث في المستقبل أن تتوصل إلى استنتاجات سببية.
اعتماد النساء على استراتيجيات تأقلم معينة إنما يعكس، في حقيقة الأمر، مسباقات وعوامل شخصية، وكذلك النتائج المتوقعة من استخدام هذه الاستراتيجية أو تلك. وبالتالي، فمن محددات اختيار المرأة لاستراتيجية تأقلم معينة النتائج التي حققتها هي من استخدام تلك الاستراتيجية في الماضي (Bowker,1983). وقد نبعت البحوث في مجال الفاعلية السابقة للتأقلم، جزئيًا، من أدبيات استجابة مصادر المساعدة الرسمية وغير الرسمية. فاستجابات مصادر الدعم مثل: الشرطة، وأعضاء الأسرة، لطلب المرأة المساعدة كان إشكاليًا في بعض الأحيان، حيث ذكرت بعض النساء حالات رفضت فيها الأسرة والأصدقاء تقديم المساعدة عند تعرضهن للعنف (Ferraro & Johnson,1983)، أو رفضت الشرطة توقيف زوج منتهك (Dutton,1993).
وقد طرح بعض الباحثين نموذج تعلم، لشرح كيفية تأثير نتائج استراتيجيات التأقلم السابقة على جهود التأقلم المستقبلية. وذهبت ووكر 1997) Walker) في كتابها الكلاسيكي حول هذا الموضوع إلى أن المرأة التي تبذل محاولات متكررة وفاشلة لإنهاء العنف في علاقتها ينشأ لديها، بالتعلم، شعور بالعجز فتتوقف عن محاولات اتباع الاستراتيجيات التي اتبعتها في السابق. كذلك طرحت داتون(1993 Dutton) نوعًا من نماذج التعلم، أوردت فيها استراتيجيات تأقلم فاشلة (مثل الاتصال بالشرطة)، بوصفها تجارب تعلمت منها المرأة أن استراتيجية معينة ليست بالناجعة، وبالتالي يتراجع استخدامها لها.
وفي نموذجهما الإيكولوجي لاستجابات التأقلم، نظر ميتشل وهدسون Mitchell and Hodson(1986) في الاستجابات المؤسسية، واستجابات الداعمين الاجتماعيين بوصفها عوامل مهمة مرتبطة باستراتيجيات التأقلم التي تنتهجها المرأة المُعنَّفة. وطُلب ممن أجريت عليهن الدراسة أن تمنحن درجة لمدى المساعدة التي تلقينها من الشرطة، والمحامين، والمحللين النفسيين، بناًء على خبراتهن السابقة، وتبين أن من ذَكرن أنهن قد تلقين مساعدة أكبر من المصادر المؤسسية انتهجن أساليب تأقلم معرفية وسلوكية أكثر إيجابية. أما من تلقين استجابات أكثر تحاشيًا من الصديقات فقد لجأن بدرجة أقل إلى استجابات التأقلم المعرفية والسلوكية الإيجابية. هذه الأدلة يمكن تفسيرها على أنها تعني أن استجابات التأقلم من المرأة أثرت في استجابات المحيطين بها للانتهاك، أو أن المرأة غيرت مقاربتها للتأقلم بعد الاستجابات الأقل إفادة من المصادر الخارجية.
وقد درس بعض الباحثين (Bowker, 1983; Pagelow ,1984) الاستجابات المؤسسية في سياق وصف جهود المرأة في طلب المساعدة. واستشهد بيجلو Pagelow (1984) بالعديد من الدراسات التي توصل فيها باحثون إلى الشيوع النسبي لتلقي القليل جدًا من المساعدة من الشرطة عند اتصال المرأة بها، أو حتى عدم تلقي أي مساعدة على الإطلاق. وطلب بوكر Bowker 1983)) من النساء اللاتي شملتهن دراسته أن تقيِّمن مستوى نجاح مختلف مصادر المساعدة في مساعدتهن فعليًا على التعامل مع الشريك العنيف. ووجد أنهن قد منحن الشرطة تقييم“ناجح جدًا” أو“ناجح إلى حد معقول” في 34% من الحالات، و“غير ناجح إلى حد ما“، أو“غير ناجح تمامًا” في 33% من الحالات. وتم كذلك تقييم وكالات الخدمات الاجتماعية في هذه الدراسة، من حيث مستوى إفادتها؛ حيث حصلت على تقييم“ناجحة إلى حد معقول” على الأقل في 59% من الحالات، و“غير ناجحة إلى حد ما“، أو“غير ناجحة إطلاقاً” في 19٪ من الحالات. أما المحامون ووكلاء النيابة، فقد قيمت المرأة إفادتهم بأنها“ناجحة بدرجة معقولة“، على الأقل، في 59% من الحالات، و“غير ناجحة إلى حد ما“، أو إطلاقًا في 20% من الحالات. وقيمت النساء رجال الدين بأنهم“ناجحون بدرجة معقولة على الأقل“، في 55% من الحالات، و“غير ناجحين إلى حد ما، أو إطلاقًا” في 24٪ من الحالات. وبالنسبة لمصادر المساعدة غير الرسمية، قيمت النساء الأسرة تقييمًا مرتفعًا،حيث حصلت على تقييم“ناجحة بدرجة معقولة على الأقل“، في 80% من الحالات، والتقييم نفسه حصل عليه الأنسباء في 53% من الحالات. أما الجيران والأصدقاء فقد حصلوا على تقييم“مفيد للغاية” و“ناجح” في 75% و84٪ من الحالات على الترتيب. وعندما بحثت المرأة عن مأوى مؤقت لدى الأصدقاء، أو الأسرة، أو مراكز المرأة، كان تقييمها أن 96% من هذه الحالات كانت“ناجحة بدرجة معقولة” على الأقل.
من المحتمل أن تكون المرأة المُعنَّفة قد اتجهت، في كل مصادر المساعدة التي ذكرناها، إلى من توسمت فيهم حسن استقبالها (Bowker,1983). وربما اختلفت توقعاتها باختلاف مصدر المساعدة، حتى قبل أن تقوم بأي مسعى شخصي للجوء إليه. فقد تتوقع النساء المُعنَّفات، على سبيل المثال، مساعدة من الشرطة أكبر من تلك التي قد يقدمها رجال الدين.
وبالتالي قد تميل في اختيارها لمصدر المساعدة في المستقبل على درجة وفاء هذا المصدر أو ذاك بتوقعاتها في الماضي. وقد كان هناك ميل عام من النساء للجوء إلى مصادر المساعدة الرسمية بأعداد متزايدة مع استمرار تعرضهن للإيذاء (Bowker,1983). ولكن، للأسف، لم توفر البيانات معلومات عن مختلف أنماط المصادر الخارجية التي لجأت كل امرأة لاستخدامها. بيد أن البيانات التي تم جمعها حول وتيرة لجوء المرأة إلى مختلف مصادر المساعدة – جاءت متسقة مع تقييمات مدى الإفادة. و كان المصدر الأكثر شيوعًا من المصادر غير الرسمية هو الأصدقاء وأعضاء الأسرة، والمصادر الرسمية الأكثر شيوعًا هي الخدمات الاجتماعية، والمساعدة القانونية، والشرطة (Bowker,1983).
اختبرت بحوث التأقلم، بشكل مكثف، العلاقة بين استراتيجيات التأقلم والنتائج النفسية. بيد أن البحوث التي أجريت على شريحة النساء المُعنَّفات مالت، في العادة، إلى الجانب الوصفي، مع التركيز على نوعيات الاستراتيجيات المستخدمة والآثار النفسية للانتهاك، ولكنها قلما درست العلاقة بين الاثنين. وكما ناقشنا في السابق، فإن النساء اللاتي يعانين الانتهاك في علاقات حميمية، معرضات إلى العديد من التبعات النفسية السلبية (Gleason, 1983). وقد يلجأن، على الأرجح، إلى العديد من استراتيجيات التأقلم. يبقين على قيد الحياة، أو يوقفن الانتهاك في العلاقة، أو يهجرنها (Bowker, 1983). وهناك بعض الأدلة الإمبيريقية المحدودة التي اختبرت، تحديدًا، الارتباط بين التبعات النفسية وكل أسلوب من أساليب التأقلم التي انتهجتها النساء المُعنَّفات وهناك ثلاث حالات نفسية هي الأكثر دراسة فيما يتعلق بالعنف الأسري وهي: الاكتئاب، واضطراب ضغط ما بعد الصدمة، وتقدير الذات.
ترتفع معدلات الاكتئاب بين النساء المُعنَّفات، كما يشهد على ذلك أحد عروض أدبيات البحث ( ,1997.Holzworth-Munroe et al)، والذي كشف عن أن المعدل الشائع للاكتئاب بين المُعنَّفات يزيد عن 50٪، ويرتفع في بعض الأحيان، إلى 83% كما تشير بعض التقارير. واكتشفت جليسون (1993 Gleason)، باستخدام المقابلات التشخيصية المنظمة، إصابة 63% من عينة النساء نزيلات الدور، و 81% من المُعنَّفات اللاتي يعشن في المجتمع بالاكتئاب الرئيسي. وتوصلت الدراسة نفسها إلى أن 17٪ من نزيلات الدور و35% من يعشن في المجتمع من المُعنَّفات تنطبق عليهن أعراض الاكتئاب الجزئي. وأشارت الباحثة إلى أن بعض الحالات قد يتم تشخيصها بأنها مصابة بالاكتئاب الرئيسي والاكتئاب الجزئي معًا، ولكنها لم تورد معدلات للاعتلال المشترك. وتوصل كاسكاردي وأوليري Cascardi and O, Leary(1992) إلى أن 52% من النساء اللاتي شملتهن دراستهما، وهن من طالبات العلاج، تنطبق عليهن أعراض المراحل الحادة من الاكتئاب، استنادًا إلى قياس التقرير الذاتي. وفي عينة أوسع من النساء اللاتي أجبن على إعلان خاص بدراسة لمشكلات العلاقات الجادة، كانت 28% من المُعنَّفات مصابات باكتئاب من متوسط إلى حاد، و11% بالاكتئاب الحاد، استنادًا إلى قياس التقرير الذاتي (1997.Campbell et al).
وقد توفر عدد محدود من الدراسات على موضوع العلاقة بين مختلف استراتيجيات التأقلم والاكتئاب. ومنها دراسة كامبل، وآخرين (1997.Campbell et al) التي توصلت إلى أن“الاعتماد على الرعاية الذاتية” يتنبأ سلبيًا بالاكتئاب. وقد تم قياس الاعتماد على الرعاية الذاتية في تلك الدراسة عن طريق استبيان يتم منح المجيبة عليه درجة مركبة تعكس قدرة المرأة على رعاية صحتها العقلية والجسدية بنفسها. ولم تقتصر عناصر الاستبيان على ما يتصل بحل المشكلات واتخاذ القرار فقط، بل شملت أيضًا ما يتصل برؤية الذات ومستويات الطاقة البدنية، وهما من العناصر التي يمكن اعتبارها مؤشرات على الاكتئاب. وعلى ذلك، فيبدو أن هناك بعض التداخل في التصور الذي طرحته تلك الدراسة للتأقلم وللاكتئاب. هذا التداخل يفرض صعوبة على الخروج بتفسيرات للارتباط بين التأقلم (الاعتماد على الرعاية الذاتية) والاكتئاب. ومن منظور يميل أكثر إلى الجانب المعرفي، توصل ساتو وهايبي Sato and Heiby(1992) إلى أن التقييم“الواقعي” للمسؤولية عن الانتهاك، والوتيرة المنخفضة للتدعيم الذاتي الإيجابي مقترنان بالمستويات المرتفعة من الاكتئاب. وعلى خلاف ما توقعاه، لم يمثل ضعف إثبات الذات، وانخفاض الدعم الاجتماعي، ولوم الذات سلبيًا، مؤشرات ذات بال على حدوث الاكتئاب، وقد فسرا ذلك بأن تلك النتائج ربما كان سببها التداخل بين متغيرات التنبؤ.
وقد قارنت إحدى الدراسات الطولية وضع الأزواج في العلاقة الانتهاكية بعد ثلاث سنوات من المقابلة الأولى (Quigley & Leonard,1996). وأظهرت نتائج الدراسة أن النساء اللاتي تبين في مقابلة المتابعة أن أزواجهن قد توقفوا عن ممارسة العنف تجاههن، كان متوسط درجة الاكتئاب لديهن منخفضًا. أما من واصل أزواجهن ممارسة العنف تجاههن، فكانت مستويات الاكتئاب لديهن أكثر ارتفاعًا. تشي تلك البيانات بأن المرأة قد تستطيع التعافي، نوعًا ما، من الآثار النفسية السلبية للانتهاك إذا ما أحدث شريكها تغييرًا حقيقيًا في سلوكه.
تذهب أدبيات التأقلم العامة إلى وجود ارتباط بين المستويات الأعلى من الاكتئاب والمستويات المرتفعة من التأقلم بالتحاشي (Billings & Moos,1981). ولكن، ليس من الواضح إلى أي مدى توجد علاقة متبادلة بين الاكتئاب وبين التأقلم بالتحاشي. ويبدو أنه من المرجح أن يؤدي التأقلم بالتحاشي إلى المزيد من الاكتئاب، وأن وجود أعراض أكثر للاكتئاب قد تفضي بالمرء إلى زيادة اللجوء إلى التأقلم بالتحاشي. ويزيد من تعقيد المشهد لدى النساء المُعنَّفات وجود العنف أو التهديد به، والذي يقترن بالسلوك الانسحابي (Walker,1991). وهناك كذلك إمكانية الاقتران باضطراب ضغط ما بعد الصدمة، والذي قد ينطوي على عنصر التحاشي.
يعتبر اضطراب ضغط ما بعد الصدمة من التشخيصات الشائعة بين النساء المُعنَّفات، مثله في ذلك مثل الاكتئاب Holzworth-Munoroeet al., 1997; Saunders (1994). فصدمة حادثة عنف واحدة أو الانتهاك المزمن من قبل الشريك؛ يمكن أن يؤدي إلى إصابة المرأة بأي من مجموعة الأعراض المتمثلة في استعادة التجربة، أو الاستثارة المفرطة، أو التحاشي. وقد اختلفت تقديرات الباحثين لمدى شيوع اضطراب ضغط ما بعد الصدمة بين النساء المُعنَّفات فجليسون (1993 Gleason) وجد أن 40٪ من عينة نزيلات الدور التي أجريت عليها الدراسة، و 31% من عينة من يعشن في المجتمع تنطبق عليهن معايير تشخيص الإصابة باضطراب ضغط ما بعد الصدمة. أما سوندرز (1994 Saunders) فتوصل إلى أن 60%عينة النساء طالبات المساعدة بوكالات العنف المنزلي، ووكالات أخرى، مصابات بهذا الاضطراب. وفي دراسة اعتمدت على مصادر أكثر تنوعًا للمشاركات، وصلت نسبة الإصابة باضطراب ضغط ما بعد الصدمة إلى 81% بين المنتهِكات جسديًا، و63% بين من عانين من الانتهاك العاطفي (1995.Kemp et al). وقد كانت نسبة لا بأس بها من العينة التي اعتمدت عليها هذه الدراسة من طالبات العلاج، وهو ما يفسر، جزئياً، الارتفاع الواضح في معدلات الإصابة بهذا الاضطراب في العينة.
كما ذكرنا آنفاً، فإن وجود أعراض التحاشي المتعلقة بالإصابة باضطراب ضغط ما بعد الصدمة، قد يؤدي بالمرأة إلى انتهاج سلوكيات تأقلم تعتبرها الأدبيات الإكلينيكية والبحثية – عادًة سوء تكيف (Walker,1991). وقد جرى الربط بين التأقلم بفك الاشتباك وبين المستويات المرتفعة من أعراض اضطراب ضغط ما بعد الصدمة لدى النساء المُعنَّفات (,1995.Kemp et al) ولدى مجموعات صدمة أخرى كذلك ,Jones & Barlow (1990). واقترنت أعراض التحاشي، على وجه الخصوص، بالتأقلم بفك الاشتباك. بيد أن كون معامل الارتباط في إحدى الدراسات هو 39% يعني على ما يبدو أن التحاشي في اضطراب ضغط ما بعد الصدمة والتأقلم بفك الاشتباك أمران متمايزان ,.Kemp et al., (1995)
هناك أبحاث محددة اختبرت علاقة تأقلم المرأة بأعراض اضطراب ضغط ما بعد الصدمة. فقد أجرت سوندرز (1994 Saunders) دراسة على المُعنَّفات طالبات المساعدة من الوكالات الحكومية، وهو شكل يعتبر أكثر إيجابية للتأقلم، فوجدت أن معدلات الإصابة باضطراب ضغط ما بعد الصدمة أكثر ارتفاعًا بين طالبات المساعدة من الوكالات المتخصصة في خدمات المرأة المُعنَّفة؛ بيد أن تلك العلاقة اختفت بعد ضبط درجة العنف التي مرت بها المرأة. كذلك ارتبط الشعور بضعف الدعم الاجتماعي بالمستويات المرتفعة من أعراض اضطراب ضغط ما بعد الصدمة (,1995.Kemp et al). على أن تلك الدراسة قيمت حجم الدعم الاجتماعي الذي تشعر به المرأة فقط، وليس نوعية هذا الدعم.
يعتبر تقدير الذات من الجوانب الأخرى للصحة النفسية التي تتأثر بالإيذاء، وعادًة ما يقترن الاكتئاب وتقدير الذات كل منهما بالآخر، بيد أن كاسكاردي وأوليري Cascardi and O’Leary(1992) وجدا أن تقدير الذات أكثر اقترانًا بالانتهاك من اقتران أعراض الاكتئاب به. فلكل من المتغيرين تنويع فريد مع الانتهاك الجسدي. وذهب الباحثان إلى أن تقدير الذات ربما يكون المكون الأكثر استقرارًا، بينما تجنح أعراض الاكتئاب إلى التغير نسبيًا بمرور الوقت (Cascardi & O’Leary, 1992)
وقد قارنت إحدى الدراسات بين نساء مُعنَّفات بوتيرة مزمنة، وأخريات كن مُعنَّفات في فترة سابقة من حيواتهن، فوجدت أن من لا يزلن في علاقة انتهاكية ينخفض لديهن متوسط مستوى تقدير الذات مقارنة بمن كن منتهكات في السابق Frisch & MacKenzie (1991). وذهب الباحثان إلى إمكانية وجود ارتباط بين المستوى المتدني من تقدير الذات وتعلم العجز، وبالتالي انتهاج أشكال من التأقلم أقل إيجابية ,Frisch & MacKenzie (1991). هذه الصورة توحي بأن تقدير الذات يمكن أن يدخل المرأة في دائرة تشعر فيها بأنها أقل قدرة على الانخراط في تأقلم إيجابي، فيزداد استياؤها من نفسها، وبالتالي تقل أكثر قدرتها على التصرف بنفسها بشكل حازم. على أن هذه الصورة تتناقض نوعًا ما مع الأدلة التي طرحها كامبل، وآخرون (1994).Campbellet al والتي لم يظهر فيها ارتباطٌ بين تقدير المرأة المُعنَّفة لذاتها ووضع علاقتها عند المتابعة بعد سنتين. وقد خلص الباحثون في هذه الدراسة إلى أن تلك البيانات لا تدعم نموذج تعلم العجز لدى المرأة المُعنَّفة.
تتيح البيانات المتوافرة، حتى الآن، حول استراتيجيات التأقلم التي تستخدمها المرأة المُعنَّفة،العديد من الاستنتاجات. فيبدو أن النساء يستخدمن استراتيجيات تميل أكثر إلى التحاشي عندما يكنَّ مستمرات في العلاقة الانتهاكية، ويسعين للتأقلم مع العنف المتواصل فيها. بيد أنه كلما زادت حدة ووتيرة الانتهاك، مالت المرأة المُعنَّفة أكثر إلى محاولة اتحاذ خطوات إيجابية والخروج من العلاقة. ومن العوامل التي قد تفرض قيودًا على تلك الجهود، من حجم الالتزام بالحفاظ على العلاقة، والموارد المتاحة لمساعدة المرأة على التأقلم مع الانتهاك على نحو إيجابي ومباشر. وهناك عامل آخر مهم، وهو كيفية استجابة مصادر المساعدة المحتملة، مثل الأصدقاء، والأسرة، والشرطة، والمحكمة. فمن المرجح أن يتولد لدى المرأة التي تتلقى استجابات إيجابية بدرجة أكبر من مصادر المساعدة، شعورٌ أكبر بالثقة في قدرتها على تغيير الوضع، وقد يزداد احتمال لجوئها إلى خدمات الدعم في المستقبل. ومن المهم، بالطبع، أن نعي أن البيانات كانت ستغدو مختلفة نوعًا ما، لو لم تكن قد تمت مقارنة المشتركات في هذه الدراسة بمن خرجن من العلاقات الانتهاكية على هذه النحو المكثف.
ومن الأهمية بمكان، كذلك، أن نتذكر أن معظم البيانات في هذا الميدان مترابطة فيما بينها. ولكن، على الرغم من تلك الحقيقة، فسر العديد من الباحثين بياناتهم على أنها تحمل استنتاجات سببية. بيد أن اتجاه العلاقة بين المنبئات المقترحة، واستراتيجيات التأقلم لا يمكن إلا افتراضها فقط حتى الآن؛ إذ أنها تحتاج إلى الاختبار ببحوث تجريبية وطولية. وترتبط بذلك، قضية صعوبة اختبار التأقلم كعملية. وقد جرى في السابق تأكيد أن التأقلم، ربما كان مرنًا، ودائم التغير بسبب التغذية المرتدة وتأثير المتغيرات السياقية الأخرى. وقد اتضحت هذه النقطة بجلاء في البحوث التي أُجريت على العنف المنزلي على وجه الخصوص، حيث تساهم ديناميات العلاقة الانتهاكية المزمنة في تعقيد عملية التأقلم. وإلى أن يتمكن الباحثون من صياغة أسلوب لمراقبة عملية التأقلم، ليس أمامنا إلا الاستمرار في الاعتماد على التقارير الذاتية حول كيفية تغير التأقلم بمرور الوقت وأسباب هذا التغير. وهو ما يحد من الاستنتاجات التي نستطيع الخروج بها حول عملية التأقلم. وهناك، كذلك، مكبلات أخرى متعلقة بالأدبيات الحالية، وتشمل العينات المنحازة من وكالات تقديم المساعدات، وشيوع البحوث البينية، والكم الهائل من التنوع في القياسات المستخدمة في الدراسات المختلفة. كل تلك المشكلات تعوق تطوير نظريات متماسكة ونماذج تفسيرية في مجال بحوث التأقلم مع العنف المنزلي.
ولكن، على الرغم من نقاط الضعف التي تعتري البحوث، فإننا نستطيع الخروج ببعض المعلومات المهمة من النتائج المتوافرة؛ لتساعدنا في التخطيط للعلاج على أسس علمية. فالأدلة المتاحة تثبت أهمية السياقات في اختيار المرأة لاستراتيجيات التأقلم مع العنف في العلاقات الحميمية. فعادة ما تجرب المرأة التي تمر بعلاقة انتهاكية عدة استراتيجيات تأقلم للتعامل مع الانتهاك، بعضها أكثر فاعلية من البعض الآخر (Bowker,1983). وكما اقترحت كارلسون Carlson (1997)، يتعين على مقدمي العلاج أن ينظروا إلى محاولات المرأة الفاشلة للتأقلم، أوسوء تكيفها، على أنها مساعٍ للتعامل مع وضع مهدد ومرعب. وقد اقترحت التركيز على العلاقة التعاونية مع المرأة المُعنَّفة، بحيث تستطيع من خلال تلك العلاقة أن تبدأ في تطوير إحساسها الخاص بالفاعلية الذاتية في التأقلم مع آثار الإيذاء.
واقترح موس 1995) Moos)، فيما يتعلق بالتدخلات الرامية إلى تقليص الآثار السلبية لعوامل الضغط في الحياة أن تركز تلك التدخلات على الشخص، وعلى سياق حياته/ حياتها في الوقت نفسه. وفي السياق ذاته، ذهبت البحوث التي أُجريت على العوامل السياقية للتأقلم إلى أن توفير التدريب للمرأة في مجالات من قبيل مهارات حل المشكلات قد لا يكون ذا فاعلية مهمة إذا ما غابت عوامل الدعم الأخرى التي تساعدها على تقليص العنف أو ترك العلاقة كليًة. فمن المهم مساعدة المرأة على بناء سبل الدعم التي تحتاجها، حتى تتسع أمامها الخيارات عندما تتخذ القرار حول كيفية التعامل مع الإيذاء. وهناك جوانب أكثر إفادة بالنسبة للتدخلات، وتشمل مساعدة المرأة على زيادة الدعم الاجتماعي ومهارات العمل والنفاذ إلى الخدمات الاجتماعية، مثل: المساعدة القانونية، واستصدار أمر بالحماية (1992.Sulivan et al). وكثيرًا ما يكون من الضروري، كذلك، أن يساعد مقدمي الخدمات المرأة على تقليص الأعراض النفسية الناجمة عن إيذائها. وقد اقترحت كارلسون 1997) Carlson) في هذا الصدد أن تشتمل مرحلة التقييم على أسئلة تساعد المعالج النفسي على فهم حجم التهديد الذي تواجهه المرأة في العلاقة الانتهاكية، وكذلك أي مشوشات معرفية قد تعوق العلاج.
هناك مجالات في بحوث التأقلم لدى المرأة المُعنَّفة يمكن تحسينها لتوفير معلومات أفضل تساعد على فهم العلاقات المتبادلة بين التأقلم والمتغيرات السياقية، كما تساعد كذلك، في التدخلات. لقد كانت البحوث التي أُجريت على التأقلم لدى النساء المُعنَّفات وصفية في طبيعتها، إلى حد بعيد. لذلك، يتعين على الباحثين في هذا المجال، في المستقبل، أن يعتمدوا على نماذج التأقلم القائمة، أو ينشئوا نماذج جديدة، بوصفها وسائل للفهم، ولإدماج النتائج التي يتوصلون إليها. وقد تتمثل نقطة الانطلاق المفيدة في مواصلة جمع المزيد من البيانات باستخدام بنيتي التأقلم بالمقاربة في مقابل التأقلم بالتحاشي، والتأقلم السلوكي في مقابل التأقلم المعرفي. وقد ساهم جهد توبين، وآخرون (,1989.Tobin et al) في هذا الصدد في دمج النتائج التي توصل إليها العديد من الباحثين والنظريات في مجال التأقلم. ويمكن مواصلة جهودهم بتطبيق الإجراء الذي اتبعوه، وهو“قائمة استراتيجيات التأقلم” في المزيد من المشروعات البحثية. ولا شك، أننا ما زلنا نحتاج إلى المزيد من الأبحاث الطولية، بما أننا لم نستطع، حتى الآن، تحديد اتجاه العلاقات بين التأقلم والمتغيرات السياقية بشكل محدد. كذلك يجب إجراء المزيد من البحوث لاختبار آليات التغذية المرتدة في التأقلم إمبيريقيًا (على سبيل المثال: ,Aspinwall& Taylor, 1997; Mitchell &Hodson, 1986;Moos 1995)، وبدراسة المرأة في مراحل مختلفة العلاقة الانتهاكية، قد نبدأ في فهم كيفية تغير التأقلم على امتداد العلاقة.
عثمان مصطفى عثمان: مترجم.
(*) Angela E. Waldrop and Patricia A. Resick.”Coping Among Adult Female Victims of Domestic Violence.” In Journal of Family Violence, Vol. 19, No. 5, October 2004
Aspinwall. L. G., and Taylor, S. E. (1997). A stitch in time: Selfregulation and proactive coping, psychol. Bull. 121: 417-436.
Billings, A. G., and Moos. R. H. (1981). The role of coping responses and social resources in attenuating the stress of life events. J. Bahav. Med. 4: 139-157.
Bowker, L. H. (1983). Beating Wife-Beating, Lexingtion Press, Lexington,MA.
Campbell, J. C., Kub, J., Belknap, R. A., and Templin, T. N. (1997). Predictors of depression in battered women, Violence Against Women, 3 (3): 271-293.
Campbell, J.C., Miller, P., Cardwell, M. M., and Belknap, R. A. (1994). Relationship status of battered women, over time. Journal of Family Violence 9 (2): 99-111.
Carlson, B. E. (1997). A stress and coping approach to intervention with abused women. Fam. Relat. 46: 291-298.
Cascardi, M., and O’Leary, K. D. (1992). Depressive symptomatology,self-esteem, and self-blame in battered women. J. Fam. Violence 7: 249-259.
Cohen, F. C. (1987). Measurement of coping. In Kasl, S. V., and Cooper, C. L. (eds.), Stress and Health: Issues in Research Methodology, Wiley, New York, pp. 283-305.
De Ridder, D. (1997). What in wrong with coping assessment ? A review of conceptual and methodological issues. Psychol. Health 12: 417-431.
Dutton, M. A. (1993). Understanding women’s responses to domestic violence: A redefinition of battered women syndrome. Hofstra Law Rev. 21: 1191-1242.
Dutton, M. A., Hohnecker, L. C., Halle, P. M., and Burghardt, K. J. (1994). Traumatic responsws among battered women who Kill. J. Trauma. Stress 7: 549-564.
Ferraro, K. J., and Johson. J. A. (1983). How women experience Battering: The Process of victimization. Soc. Probl. 30: 325-339.
Follingstad, D. R., Brennan, A. F., Hause, E. S., Polek, D. S., and Rutledge, L. L. (1991). Factors moderating physical and psychological symptoms of battered women. J. Fam. Violence 6: 81-95.
Follingstad, D. R., Neckerman, A. P., and Vormbrock, J. (1988). Reactions to victimization and coping strategies of battered women: The ties that bind. Clin. Psychol. Rev. 8: 373-390.
Frisch, M. B., an Mackenzie, C. J. (1991). A comparison of formerly and chronically battered women on cognitive and situational dimensions. Psychotherapy 28: 339-344.
Gelles, R. J., and Harrop, J. W. (1989). Violence, Battering, and psychological distress among women. J. Interpres. Violence 4: 400-420.
Gleason, E. J. (1993). Mental disorders in batteredwomen: An empirical study. Violence Vict. 8: 53-68.
Gondolf, E. w., and Fisher, E. R. (1988). Battered Women as Survivors: An Alternative to Treating Learned Helplessness, Lexington Books, Lexington, MA.
Goodman, L. A., Koss. A. P., and Russo, N. F. (1993a). Violence against women: Mental health effests. Part II. Conceptualizations of pisttraumatic stress. Appl. Prev. Psychol. 2: 123-130.
Goodman, L. A., Koss, A. P., and Russo, N. F. (1993b), Violence against women: Physical and mental health effects. Part I. Research fondings. Appl. Prev. Psychol. 2: 79-89.
Herbert, T. B., Silver, R. C., and Ellsrd, J. H. (1991). Coping with an abusive relationship I. How why do women stay ? J. Marriage Fam. 53: 311-325.
Hillberman, E., and Munson, M. (1977-78). Dijxty battered women. Victimol.: Int. J. 2: 460-471.
Holahan, C. J., and Moos, R. H. (1987). Personal and contextual determinats of coping strategies. J. Pres. Soc. Psychol. 52: 946-955.
Holahan, C. J., Moos, R. H., and Schaefer, J. A. (1996). Coping, stress resistance, and growth: conceptualizing adaptive functioning. In M. Zeidner & N. S. Endler (eds.), Handbook of coping: Theory, research, applocations New York: Wiley, pp. 24043.
Holzworth-Munrol, A., Smutzler, N., and Sandin, E. (1997). A brief review of the research on husband violence: Part II: The psychological effects of husband violence of battered women and their childern, Aggression and Violent Behavior 2(2): 179-213.
Jacobson, J. S., Gottman, J. M., Gortner, E., Berns, S., and Shortt, J. w. (1996). psychological factors in the longitudinal course of battfering: When do the couples split up? When does the abuse decrease? Violence Vict. 11: 371-392.
Jones, J. C., and Barlow, D. H. (1990). The etiology of posttraumatic sterss desorder. Clin. Psychol. Rev 10: 299-328.
Kemp, A., Green, B. L., Hovantoz, C., and Rawlings, E. I. (1995). Incidence and corrlelates of posttraumatic stress desorder in battered women. J. Interpers. Violence 10: 43-55.
Koss, M. P., Goodman, L. A., Browne, A., Fitzgerald, L. F., Keita, G. P., and Russo, N. F. (1994). No Safe Haven: Male Violence Against Women at Home, at Work, and in the Community, American Psychological
Association, Washington, DC. Lazarus, R. S., and Flkman. S. (1984). Stress, Appraisal, and Coping, Springer, New York.
Mattlin, J. A., Wethington, E., and Kessler, R. C. (1990). Situational Determinants of coping and coping effectiveness. J. Health Soc. Behav. 31: 103-122. Miller, D. T., and porter, C. A. (1983). Self-blame in victims of violence J. Soc. Issues 39: 139-152.
Mills, T. (1985). The assault on the self. Stages in coping with battering husbands. Qual. Sociol. 8: 103-123.
Mitchell, R. E., and Hodson, C. A. (1983), Coping with domestic violence: Social support and psychological health among battered women. Am. J. Commun. Psychjol. 11:629-654.
Mitchell, r. E., and Hodson, C. A. (1986). Coping and social among batteredwomen: An ecological perspective. InHobfoll, S. E. (ed.), Stress, Social Support, and Women, The Series in Clinical and Community Psychology, Hemisphere, New York, pp. 153-169.
Moos, R. H. (1995). Development and applications of new measures of life stressors, social resources, and coping responses, and responses. Eur. J. Psychol. Assess. 11:1-13.
Moos, R. H., and Swindle, R. W., Jr. (1990). Person-environment transactions and the stressor-appraisal-coping process. Psychol. Inq. 1: