النسوية الإسلامية بين إشكاليات الداخل والخارج

مقدمة:

العلاقة بين وجهة النظر النسوية والمرجعية الإسلامية علاقة مركبة وليس من السهل حسمها إلا بعد تحديد ما المقصود بكل من الرؤية النسوية والمفهوم الإسلامي لحقوق المرأة. تهتم هذه الورقة في الأساس بالمستوى المعرفي الفكري للمسألة بهدف رصد وتحديد الإشكاليات التي تحيط بالمفاهيم والمسميات والأفكار، وتطرح أزمة الصراع الذي يتولد لدى الناشطة النسوية الإسلامية بسبب:

( أ ) رغبة التصدي للقضايا الداخلية في مجال الثقافة المحلية والتحيزات والآراء المغلوطة حول المرأة من ناحية.

(ب) ثم الاختلاف مع تيارات أخرى مضادة ومتطرفة في عدم قبولها أي مرجعية دينية.

(ج) ومؤخراً التحفظ على المجموعات خارج العالم الإسلامي (في الولايات المتحدة بالتحديد) التي تزعم أنها تتبنى منظوراً تقدميًا تجاه قضايا المرأة في الإسلام بينما يشوب أفكارها اتجاهعولميونزعة عنصرية إمبريالية تجاه المسلمين العرب خاصةً.

تتكون الورقة من ثلاثة أجزاء:

(1) يتناول الجزء الأول إشكالية تحرير المصطلح والمفاهيم وسياسات التسميةفي عالم ما بعد الكولونيالية، مع محاولة رسم ملامح أو خصائص النسوية الإسلامية من الناحية المعرفية والمنهجية. كما يناقش هذا الجزء مدى قبول الظاهرة والمسمى أو رفضها، هل هناك تناقض حتمى أم إمكانية للتوافق؟ وما هي التحفظات والمحاذير؟ ولماذا الحاجة أصلاً إلى مثل هذا المجال في البحث والدراسة؟

(2) يعرض الجزء الثاني فكرة أن يتم قراءة النسوية الإسلامية في ضوءالنسويات الدينيةأو حركاتلاهوت التحرير“.

(3) يناقش الجزء الثالث حالة معينة مطروحة أخيرًا على الساحة كتجسيد لمعظم هذه التيارات والخطابات المتشابكة المتنازعة.

       

إن أول إشكالية تواجهنا في هذه القضية هي على المستوى الأول: المصطلح أو المسمى نفسه، ثم على المستوى الثاني المفاهيمي. يلاحظ أن الفكرة يتم رفضها ويأتي النفور من هذا المسمى المركب من قبل الجانبين: الإسلامي، لأن حركة النسوية في الأساس مقرونة بنظريات غربية مستوردة وهي غربية النشأة والتطور والقيم ولذا لا يجوز ربطها أو اقترانها بما هوإسلامي“. كما يتم استبعادها من الجانب الآخر على أنها حركة تلفيقيه فيها مواءمة أو مهادنة سطحية لا تجدي مع المرجعية الإسلامية لأن هناك تناقضًا أساسيًا بين الدين المنظم وحقوق النساء الكاملة. كلاهما رد فعل ينصب ويركز على استخدام الاصطلاح أكثر منه على محتوى القضية ومشروعيتها، وفي واقع الأمر يعكس الخلاف حول الاسم الخلاف علىهويةوخصوصية المعرفة النسوية التي يتم إنتاجها من منظور يأخذ في الاعتبار الثقافة والتاريخ والانتماء الديني. كما أن هناك بعض التحفظات على غموض الفكرة وإلى من تشير النسوية الإسلامية بالضبط: هل هذا سيؤدى إلى استقطاب بين مسلمات مؤمنات ومسلمات غير مؤمنات مثلاً؟ وإلى تأطير المعتقدات الشخصية؟ وما المقصود بالمجالات البحثية لهذا الاتجاه: هل هي الدراسات التخصصية للقرآن والسنة بالتحديد أو أي موضوعات إسلامية أخرى؟ ثم ماذا عن الاستسلاملتسميةيفرضهاالآخرحتى يحتكر لنفسه مهمة وضع ثقافتنا تحت مجهر الفحص والتحليل؟

من حيث الالتفات إلى استخدام لغةالآخر المهيمن المستعمر” – وهي قضية شغلت مجال دراسات ما بعد الكولونيالية فهناك موقفان منها:

( أ ) إما الرفض الكامل لهذه اللغة بمفرداتها ومفاهيمها وقيمها ودلالاتها لأن اللغة وامتلاك سلطةالتسميةمعناه أيضًا احتكار فهم وتفسير الواقع الذي نسميه، ولذا فإن اقتلاع مفهوم أجنبي وزرعه في أرض وبيئة أخرى يتناقض معالتحرروتأسيس هوية خاصةمحرَّرةمستقلة وليستمستعمَرة“. هذا المنظور يخشى تسرب مرة أخرى خصائص الاستيعاب والاحتواء والهيمنة المتضمنة في المشروع الاستعماري.

(ب) الموقف الثاني هو استراتيجيةقلب الطاولةأي أن يتم عكس المعطيات الموجودة وتوظيفها لصالح المقاومة الفكرية وبناء ثقافة أو معرفة مضادة بديلة , وهي العملية المعروفة أيضًابالتهجين“: بمعنى جواز استنبات مفاهيم وأفكار في بيئة محلية بحيث يكون هناك مجال إما لاكتساب هذه المفاهيم أبعاد جديدة أو التخلى عن أخرى فيعاد تصنيعها وتشكيلها وتخصيصها. وقد شغل هذا النقاش جزءًا كبيرًا من دراسات ما بعد الكولونيالية وظهر الحديث حولالهوية المهجنةللشعوب المحرَّرة والتي لا يمكن تفاديها في هذه اللحظة التاريخية لأنها تعبير عناختلافالهوية الثقافية بناًء علىتحويل معاني الميراث الاستعماري إلى رموز تحريرية يتبناها الشعب الحر لنفسه من أجل المستقبل“(1). وهذه مساحة من إنتاج المعرفة والخطابات المستقلة أُطلق عليهاالمساحة الثالثةالبينية حيث يُعاد صياغة إشارات ورموز بل ويُعاد تأريخها أيضًا وقراءتها من جديد. إن هذا الوضع المركب هو نتاج تاريخي حتمي لمرحلة ما بعد الكولونيالية ولا يمكن تفاديه أو القفز عليه على نحو تراجعي ومحاولة العودة إلى وضع ما قبل الاستعمار وكأنه لم يحدث ولم يسبب انقطاعًا ما ولم يفرض سياقًا لازلنا نعيش في ظله. وفكرة التهجين تتيح التأكيد المطلوب على اختلاف الهوية الثقافية المحرَّرة واستقلالها من ناحية وفي نفس الوقت تفعيل عناصر الإبداع فيها والعبور بهذه الهوية إلى مجالاتالآخر“.

والمراد من النقاش النظري السابق هو عرض إمكانية الاستفادة من المنظور ما بعد الكولونيالي في تفادي الاستقطابات والتأكيد على الصوت المسموع للثقافة المحلية وقدرتها على التبادل والتفاعل وليس نجاح المشروع الاستعماري في إسكاتها وتعجيزها وعزلها نهائيًا. من الممكن كذلك الإفادة مما يطلق عليه دراساتسياسات الهويةالتي تطرح تنظيرات حول هوية تكتلات معينة لتحقيق المكاسب والحقوق. ثم أعمال لباحثات نسويات من الهند مثلاً انتقدن بشدة الرؤية النسويةالغربيةالتي سعت إلى فرض الاتساق والتجانس التام على مجموع ما يسمىالمرأة في العالم الثالثباعتبارها تخضع لصورة نمطية واحدة مع تجاهل لتعقيدات وتنوع اختلاف الطبقات الاجتماعية والأديان والثقافات والأجناس، ولذا لا يمكن الحديث عن افتراضأختيةعالمية بناءً على الجنس فقط (أي جنس النساء عامةً) بدون سياقات محددة من الممارسات التاريخية والسياسية والاجتماعية.. . إلى آخره (2)، وبدون اعتبار لاختلال موازين القوى ولعوامل العنصرية والإمبريالية الكامنة فيالنسوية الغربيةفي نظرتها وتعاملها مع امرأة العالم الثالث (التي هي جاهلة وفقيرة وغير متعلمة وتقليدية وضحية ومكبوتة وتحيا فقط داخل نظام العائلة) في مقابل صورة المرأة الغربية البيضاء المتعلمة الحديثة المتحررة المستقلة. خلاصة الأمر أن النسوية لا تستلزم التحالف مع الكولونيالي أو التضحية بالاستقلالية، فالمرجعية الدينية تضمن خصوصية الاختلاف عن أي نسق معیاری موحد تضعه نسوية الغرب، وبالتالي فإن أطروحة التمكين الديني تُمشكل الصورة المصمتة المختزلة التي تُكونها الدراسات النسوية الغربية عن النساء في البلاد الأخرى.

أما ما يجرى حاليًا في مجال دراسات المرأة في الإسلام من قبل باحثات يتبنين وجهة نظر نسائية ورؤية قيمية إسلامية في نفس الوقت، فمنهن من يتفادي المسمىنسوىبحثًا عن اصطلاح آخر مثلمسلمات باحثات ناشطاتأومفكرات مسلمات فعالاتفي مجالالعمل الفكري الفعاليقدمن دراسات في الخطاب الديني والتاريخ الثقافي أو استخدامجهاد الجندرالذي صاغته في البداية أمينة ودود محسن ثم بنت عليه هبة أبو غديري تحليلاً مميزاً عن هاجر كنموذج أورمز إسلامي للتقوى الفعالة أو الفاعلةالتى تدفع أي امرأة مسلمة للمبادرة والكفاح في هذه الحياة (فمن رأى هبة أن إعادة تفسير نموذج الجندر في الإسلام يؤدى إلى إعادة النظر في مفهوم القيادة الإسلامية والمبادرة فيه وبالتالي يؤدى إلى إصلاح وتغيير ننشده في الخطاب الديني بصفة عامة)(3). وهناك من استخدم صراحةًالنسوية الإسلاميةلوصف مشروع تقديممعرفة نسوية إسلامية الشكل والمحتوى“(4) – أي الحرص على تحديدها وتوصيفها – مثل استخدام الباحثة الإيرانية زيبا مير حسيني لمفهومنسوية محلية/ أهليةلوصف نوع أو شكل من أشكال الوعى النسوى الذي يستمد مشروعيته من الإسلام ومن كونه نابعًا من هوية وثقافة ومنظومة قيم معينة (5). وترصد زيبا في تحليلها لنشأة وتطور الخطابات حول المرأة والجندر والإسلام في ایران منذ الثورة تبلور وعىنسائی/ نسوىجديد لدى النساء المتدينات من كافة الأعمار في تقاطعه مع وعى يسير في حركة معاكسة لدى بعض النساء ذوات الخلفية العلمانية غير المتدينة حتى أصبحن يقلن:”لم نعد نلوم الإسلام على كل مشكلات المرأة“.

والجدير بالذكر أن تسميةنسويات إسلاميات“(Islamic Feminists) قد أطلقتها في البداية الباحثة الإيرانية هالة أفشار على هؤلاء النساء اللاتي رفعن أصواتهن بعد الثورة يطالبن بحقوق قانونية وتشريعية خاصة للمرأة قائمة على تسليط الضوء على وتفعيل الفقه الشيعي أو إعادة قراءته لاستخلاص مكاسب تكون في هذا السياق شرعية وإسلامية تمامًا.

كما بدأ في بداية التسعينات إصدار مجلةزنان“(نساء (هيئة التحرير)). الشهيرة التي كانت تضع انتقاداتها للمجتمع والقوانين في إطارالثورة الإسلاميةوالتقصير عن القيم العليا للمعيار الإسلامي العام في الحكم على السلوك القويم وتحقيق العدل والإنصاف. أي أن نشاط هؤلاء النساء المتعلمات والمهنيات اكتسب شرعية ودفعًا وتشجيعًا من اعتباره أحد تداعيات الثورة الإسلامية نفسها أو، كما ترى زيبا، أن من النتائج ذات المفارقة الغريبةأن صعود الإسلام السياسي بدءًا من السبعينيات قد ساعد على إيجاد مساحة ما تستطيع النساء أن يتحركن فيها للتوفيق بين إيمانهن ووعيهن الجديد بقضايا المرأة وأدوار الجنسين“. (أما مارجو بدران فقد اقترحت اصطلاحًا مثلنشاط الجندر” gender activism)(6).

أما عن خصائص أو ملامح هذا الاتجاه من الناحية المعرفية النظرية والحاجة إليه، فالدراسات في هذا الاتجاه تتميز أولاً ومن المنظور المنهجي بعدم ادعاء الموضوعية البحتة أو الحياد في التعامل مع المرجعية والثقافة الإسلامية أو المعتقدات والفروض الأساسية من الدين وبالتالي عدم إخضاعها لهجوم غير مبرر لا يفضي إلى شيء بناء الجرد هدف التفكيك في حد ذاته أو لأغراض أخرى غير معلنة مثل الخروج نهائيًا منسيطرةالدين والتزاماته. أي عدم الاستحياء من اتخاذ منظورإيمانيأوعقائدييلتزم بالمصادر المؤسسة للدين مثل القرآن والسنة الصحيحة، ولا يجب اعتبار ذلك الموقف الإيماني الملتزم

وهذه الرابطة الوجدانية مع الدين دعوة اقتصارية استبعادية أو طاردة ولكن مشروعًا فكريًا مطروحًا على الساحة قد يكون موازيًا لمجهودات وخطابات أخرى تصب في نفس الاتجاه ونفس الأهداف: إنصاف المرأة في مجالات كثيرة وتحقيق العدل والمساواة وتحرير المجتمع من مفاهيم وممارسات غير عادلة وبعيدة عن الحق والكرامة الإنسانية وهوياتنا ومواقفنا وانتماءاتنا، فهي لا تتردد في أن تهتم أساسًا بأعمال الباحثات المسلمات أو اللاتي ارتبطت نشأتهن بالعالم الإسلامي في مقابل أعمال من ينتمين إلى خارج هذا العالم وثقافته ؛ كذلك لا مانع من التحلى ببعضالشك المطلوبتجاه التصويرات الغربية العديدة للدين الإسلامي واستغلال مسألة المرأة فيه كورقة داخل أجندته الخاصة. كما أطلقت أماني صالح على هذا البُعد الهام من المعرفة النسوية الإسلاميةالمكون الميتافيزيقيأو الغيبي (ما وراء الطبيعة المادية) متمثلاًبالخالق المعبود جل شأنهوالوحي الإلهي أو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه المتضمن نسق العقائد والأحكام (7).

ثانيًا: وكنتيجة طبيعية لاتخاذ هذا الإطار الحاكم واعتبار منطلقات التوحيد ورفض العبودية إلا الله وحده، يأتى التحرك على المستوى الثاني وهو انتهاج منظور نقدی تجاه بعض عناصر التراث والمعرفة الإسلامية ولكن بهدف البناء والاجتهاد في طرح بدائل وحلول مستمدة من فهم المقاصد العليا للشريعة – وليس فقط رغبةً في التعبير عن مرارات شخصية أو انعكاس لنية أخرى غير الإصلاح والتقويم للحرص والغيرة على الدين نفسه. في هذا المستوى هناك دوائر عدة متداخلة للإنتاج – إلى جانب الدراسات التحليلية العديدة التي ترصد الظاهرة وتصنفها من أبرزها أعمال مرفت حاتم ثم كتابات لأمثال مارجو بدران وباربرا ستواسر.. . إلخ.

( أ ) أول دائرة هي الاجتهادات الفكرية/ التنظيرية التي تسعى لإنتاج وصياغة مفاهيم إسلامية وخطابات تتميز بوجهة نظر نسائية / نسوية، آخرها كما ذكرت من قبل اجتهاد هبة أبو غديري في صياغة مفهومالتقوى الفاعلةلنموذج السيدة هاجر (وفي الواقع أرى أن ما دعى الباحثة بدايةً إلى هذا التأصيل الإسلامي النسائي يستحق الرصد في حد ذاته). هناك أيضًا أمثلة من أسماء برلس التي قدمت خطابات جديدة حول المعنى الحقيقيللأبويةوعدم ورودها في الإسلام والتساوي بين الرجل والمرأة في مفاهيمالعفةوالاحتشاموالنظرة إلىالجسد“(8). ثم مهجة قحف (9) وأماني صالح وهند مصطفى والاجتهادات الأخرى لمجموعةالمرأة والحضارةفي مصر ومن قبل عزيزة الهبرى وأخريات.

(ب) دائرة التفسير القرآني المحدد والاجتهاد الفقهي التي تتعرض لآيات بعينها وآراء فقهية محددة أيضًا، وفي هذا المجال تذكر أمينة ودود محسن (خاصةً في كتاباتها الأولى (10) ورفعت حسن (11) وميسم الفاروقي (12) وأيضًا أسماء برلس ثم فريدة بناني في المغرب وزينب رضوان في مصر، ثم أميرة سنبل التي قدمت مؤخرًا قراءة أكثر قربًا من مقصد القرآن وإرادة الله سبحانه بالنسبة للجماعات المسلمة لقضيةملك اليمينبناءً على آليات في التفسير تتسم بالاتساق والتجانس، وليس التناقض والتضارب مثلما نجد في تفسيرات أخرى، وذلك في رأيها دليل على أن وجهة نظر المرأة المسلمة قد تفرز منهجيات ونتائج مختلفة (13). من هذه الآليات في التفسير القرآني الالتفات إلى السياقات النصية (وهذا غير السياقات التاريخية المباشرة) بمعنى ربط الآية الواحدة بالفقرة أو الوحدة التي ترد فيها، أو ربط الآيات في سور مختلفة ببعضها ودراسة تواترات كلمة ما ومدى ثبات أو تغير معناها من فقرة إلى أخرى أو من آية إلى أخرى، (وعلى فكرة هناك اجتهاد مثير للدكتور عبد الحميد أحمد أبو سليمان حول المعاني القرآنية المختلفة لكلمةضربوما يترتب على ذلك الآية المعروفة)(14). كذلك هناك آلية الغربلة والمراجعة في النقد النصي لتطورات وتراكمات التفاسير لحصر وتقييم المنهجيات التي قامت عليها وكشف التناقضات، وكذلك الخلط الكثير بين شرح معنى الآية والرأى الشخصي للمفسر المبني على الثقافة المجتمعية والذي قد لا يتجرد من المصلحة والمكاسب الشخصية متمثلة في الاحتفاظ بامتيازات التفوق أو اليد العليا في مقاليد الأمور (15). هذا الاشتباك التفاعلي مع التراث – وليس الرفض أو النبذ الكامل قد يسفر أحيانًا عن إيجابيات قليلة غير متوقعة تجعلنا نتسائل عن سبب اختفائها وعدم تفعيلها عبر العصور، وهو في النهاية منهج في البحث أُطلق عليهتفسير التفسير“. وكل الآليات السابقة في بحث النص القرآني يحكمها أولاً وأخيرًا الاسترشاد بالقيم القرآنية العليا وأساسيات الدين التي تشكل الصورة الكاملة، حتى لا نقع في فخ التفسيرالمجتزأالمبتور (سمة كل من التوجه الاستشراقي الغربي والنظرة الأبوية المسيطرة في نفس الوقت).

(ج) الخطوة الثالثة، وبعد مثل هذه الاجتهادات التفسيرية، هي محاولة بناء حلول فقهية وأحكام – ومن ثم حلول قانونية عمليةتساهم في حل مشكلات الواقع الحياتي لآلاف النساء في مجتمعاتنا. وهنا نهيب بقطاع الفقيهات المتخصصات بذل جهود في هذا المضمار والاهتمام بنشر وترويج آراء فقهية خلّاقة تعيد التوازن المنشود.

(د) هناك أيضًا مجال متواز مع كل ما سبق ويساهم في تعضيده وهو مجال التاريخ: الكشف والتنقيب الوثائقي والتاريخي عن معيشة ومهن النساء في المجتمعات الإسلامية قبل ما يسمى بالعصر الحديث للتدليل على وجود أنماط مغايرة من فهم العلاقات الاجتماعية بين الجنسين ومن تطبيق للفقه وأحكام الأحوال الشخصية، وأهم من ذلك كله تواجد النساء بالمجال العام وسوق العمل ومرونة كبيرة في جوانب حياتهن وفي الاختلاط وعلاقات الزواج والتمكين الاقتصادي والاستقلالية، أي أن الجدالات والتحفظات المعاصرة حولخروجالمرأة من المنزل للعمل والاختلاط، والتخلي عن مهامها الرعائيةالطبيعية، والفصل الحاسم بين الفضاء العام والخاص، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية.. . وغيرها من الموضوعات لا تعبر عن أيعودةإلى ممارسات إسلاميةأصيلةبقدر ما هي تطورات وقيود محدثة جاءت مع نظم وقوانين الدولة الحديثة (انظر أبحاث أميرة سنبل – عفاف لطفي السيد – نيللي حنا، كما لا يفوتنا أن نذكر فاطمة المرنيسي وتشخيصها المبكر لبعض الإشكاليات في التاريخ الثقافي والديني).

ثالثًا: من الموضوعات التي تستحق الدراسة والتأمل لدى الباحثات الإسلاميات النسويات هو النظر في وضع الرجل داخل الخطاب الإسلامي – القرآني ومَشْكَلةهذا الأمر: لماذا يتم في صياغة أي خطاب حداثي ومعاصر حولالمرأة في الإسلامتجاهل الخطاب الإلهى المتكرر إلى الرجل – الزوج خاصةً وكثرة الأوامر والنواهي المباشرة إليه فقط، بينما تحتل المرأة وحدها مركزية الخطاب الوعظى الإرشادي؟ لماذا تخضع المرأة فقط إلىالرمزيةفتصبح أيقونة الأسرة والثقافة والتقاليد فتتحمل وحدها العبء الأكبر في أي إصلاح أسرى ومجتمعي وتكون مناط المحاسبة والمراقبة؟ إن التركيز على دور الرجل الأسرى أيضًا وجعله هدفًا مساويًا لخطاب الوعظ والتقويم والإصلاح هو في الحقيقة أقرب إلى روح الكثير من الآيات القرآنية وعدد من المفسرين القدامى الذين اهتموا بواجبات ومسئوليات الرجل الأسرية والتربوية والأخلاقية داخل المحيط الخاص، بل والحديث عننشوزالزوج وضرورة صبره وتحمله. وفي هذا تبديل للمواقع حيث تحتل المرأة المسلمة الباحثة مكان المحاسب الإيجابي (ولم لا؟) بدلاً منالشيءالسلبي موضوع البحث والدراسة دائمًا، فلماذا لا تتبوأ الآن موقع المسائلة والمراقبة عملاً بالآية الكريمة التي تتحدث عن الولاية المشتركة للمؤمنين والمؤمنات فهم أولياء بعض في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (سورة التوبة، 71) (16).

  • ولكن لماذا الحاجة أصلاً إلى نسوية/ حركة نسائية ذات خاصية وموضوعات إسلامية؟

في ظل التيارات الإسلامية العريضة التي تنتشر في المجتمعات العربية وغير العربية، على الحركات والمطالب النسائية أن تكون جماهيرية، بمعنى مقنعة على مستوى القاعدة ولدى الأغلبية من النساء المتدينات، وذلك حتى تكون مؤثرة فعلاً في الوعى الجمعي للرجال والنساء معًا وحتى تزيح عنها تهمة النخبوية. أي أن النسائية الإسلامية هي ببساطة ضرورة واقعية وليست فقط ضرورة مرحلية استراتيجية لكسب جولات قانونية مؤقتة. وللمرأة المسلمة الحق في الاشتراك في تسيير دفة الإصلاح الديني وأن يكون لها صوت مسموع في النقاش الديني، حتى لا تُترك الساحة للممارسات والأفكار المتزمتة المتشددة المغلوطة أو لرد الفعل الذي ينفر ويتخوف من دور المرجعية الدينية في الأمر.

وفي اعتقادي أن هذا المد الإسلامي العريض واشتراك قطاعات كثيرة من النساء فيه له بُعد إيجابي بالفعل في بناء شخصية المرأة مثل تفعيل الثقة بالنفس ووجود هدف في الحياة والقدرات التنظيمية والتمكين في المجال العام والأنشطة الخيرية والاجتماعية التطوعية.. . إلخ وهذه ظاهرة تم تناولها في بعض الدراسات مؤخرًا التي اقترحت تغيير الأدوات أو النماذج التحليلية (paradigms) المعتادة حول تناقض فكرة التدين أصلاً مع مفاهيم التمكين والتحرر، أذكر منها على سبيل المثال صبا محمود في كتابها (سياسات التقوى) وشيرين حافظ في (صيغ التمكين) ومرفت حاتم في مقال (الاتجاهات الإسلامية في التسعينيات) (17).

 

ليس هناك تناقض حتمى بين النسوية والدين الإسلامي، إذا عرَّفنا الأولى إنها وجهة نظر المرأة فيما يخصها من مشاكل وقضايا معينة وتجارب تتعرض لها كفئة اجتماعية دونًا عن غيرها، ورغبة في التنبيه لهذا الموقف لإيجاد حلول تهدف في نهاية المطاف إلى دمج النساء في الجماعة وتحقيق تسوية عادلة، وفي حين نأخذ في الاعتبار اختلاف الجنسين (بيولوجيًا وجنسيًا) لا نعتبر ذلك ذريعة لتأسيس تراتبية أو أفضلية على المستويات الأخرى أو لترسيخ تنميط غير عادل للأدوار الحياتية للجنسين. أما المنظور الإسلامي فهو يقر العدل والمساواة والتراحم والعبودية لله وحده والاجتهاد المبنى على المعرفة ونية الإصلاح. (النفس الواحدة – فكرةالزوج/ الزوجانوما توحى به من القسمة والمساواة – الولاية الاجتماعية والسياسية المشتركة للمؤمنين والمؤمنات – بيعة النساء – المجادلة – التوحيد – القنوت لله استجابة الله عز وجل لأى عمل عامل منا من ذكر أو أنثىبعضكم من بعض.. .”)، كلها آيات قرآنية يجب أن تتحول إلىمظلات مفاهيميةأومفاهيم كلية” (إلى جانب سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الفعلية بالذات) بحيث نحكم على التفاصيل الأخرى في ضوئها وعلى أساسها، فنعدل مثلاً من فهمنا لـ:”قانتات” -“أطعنكم” -“نشوزالزوجين -“قوامون” -“درجة، إلى آخره.

أما الانتقادات الشديدة والاعتراضات على هذه المساحة البينية فهي كما قلنا تأتى معظمها من الجانبين على طرفي النقيض: فنجد مثلاً الأستاذة صافيناز كاظم ود. هبة رؤوف لا تستطيعان أن تتجاوزا مشكلة النشأة الغربية للقضية في مراحلها الأولى أو أن تتجاهلا عنصري الفردية المطلقة والرؤية المادية الكامنتين فيها، فالإسلام يسد منافذ الوعى النسائي الحقوقي المنفصل والمطالبة العلنية بهذه الحقوق بهذا الشكل هي نوع من الانفصالية وتفكيك للأمة(18). بينما تصر د. دلال البزري على أن هذا المشروع إنما هو تدمير لميراث النسوية الحقيقي الذي عموده الفقري هوالتقدميةفي حين أن كل ما حققته النسوية الإسلامية هوتأطير (بمعنى إخفاء) المسلمات جسدًا وعقلاًعنروح العصروقانون التطور التقدمي“(19). وكذلك د. نوال السعداوي التي تتهم جميع الأديانالإبراهيميةفي تعميم وحسم شديدين بأبوية متأصلة في نظمها الأساسية ولا مجال معها للحديث عن وعي نسوى أو حتى تحسين مكانة المرأة داخل إطار أي منها(20). الملاحظ أن التطرف في الموقفين يجعلهما شبيهين في سمات عديدة منها رد الفعل والاستقطاب الحاد بين الدين أو الإيمان الديني من ناحية ووعي المرأة بحقوقها وكرامتها من ناحية أخرى، ثم بين نظرية التطور الخطى الأُحادي الذي يفرض صيغة واحدة معينة منالحريةوالتطوروبين الثقافة التي تكون عمادها المرجعية الدينية، (وهذا يذكرنا بالفكرة الاستشراقية القديمة وطرح الخيار بين أن نكون مسلمين أو عربًا صامتين مقهورين راضين بدونيتنا أو نتخلى عن هويتنا الثقافية والحضارية حتى نكون تقدميين ومتحررين على غرار الآخر)، وكذلك فكرةالاستثنائية“: أي المبالغة في اعتبار أن كل ما يحدث في مجتمعاتنا يجب أن يظل خارج إطار التجارب التفاعلية الطبيعية التي تصيب سائر المجتمعات البشرية الأخرى أو يكون استثناءًا عنها، وهذا بالطبع يساعد على إلصاق وصمة الجمود والتخلف بمجتمعاتنا.

إن فكرة النسوية الدينية والتنظير لها أو دراسات اللاهوت النسوىليست خاصة بالإسلام وحده ولكن هي تيار ظهر منذ السبعينيات (وله جذور قبل ذلك أيضًا بكثير) تبلور في شكل تساؤلات من قبل نساء مؤمنات مسيحيات ويهوديات وبوذيات.. . إلخ. عن المكانة والصورة السلبية للمرأة في هذه الديانات وبالتالي تهميشها وحرمانها من حقوقها الدينية والحياتية. وقد مر هذا التيار بتطورات ومراحل عدة وانقسم إلى توجهات متباينة داخله (بين إيماني أو رافضي.. ) وكذلك إلى مجالات لدراسة النصوص أو التاريخ الثقافي للأديان أو التصوف أو الطقوس والممارسات.. . إلخ. [ولا مجال هنا لعرض مفصل ولكن ننصح القراء بالبحث في مجال Feminist Theology] بل أن هذهالنسويات الدينيةبأطيافها ودياناتها تعتبر جزءًا من حركة أكبر وأشمل انبثقت بادئ ذي بدء في أمريكا اللاتينية وهي المعروفةبلاهوت التحريرومن المفيد أيضًا أن نتعرف على الملامح العريضة لهذه الحركة(21). ما أريد أن أخلص إليه هو إنه يمكن أن نقرأالنسوية الإسلاميةفي ضوء هذه السياقات والأفكار والحركات حتى نحقق المعادلة الصعبة بين الاحتفاظ بالهوية الثقافية والانتماء الديني الخاص ومقاومة فرض المعيار أو النسق الكولونيالي الغربي من ناحية، ومن ناحية أخرى تجنب فخالاستثنائيةالذي يجعل قيم التحرر والعدل والكرامة حكرًا على الآخر يعلمها لنا وأشياءً أجنبية عنا ولا نستنبطها من أدياننا وثقافاتنا بنفسنا. قد يكون الطريق هو التماهي مع هذه الجماعات والشعوب التي سعت أيضًا إلى الوصول إلى الحرية والمساواة والاستقلال وليس مع العصر المهيمن, ورؤية مشروعنا الفكري في إطار هذه المحاولات.

هناك إذًا فى رأيى عدة تيارات متشابكة في هذا الصدد: النسوية من منظور إسلامي النسويةالحداثيةالتي تدعم قطيعة معرفية وثقافية مع كل ما هوماضویدون تفريق وتمحيص القوى المحافظة المناهضة – ثم أخيرًا تيارعولمةالإصلاح النسوى.

سوف اتخذ من واقع إمامة المرأة لأمينة ودود محسن بالولايات المتحدة مثالاً على تناقض وتطرف وتخبط الخطابات المختلفة حول قضايا المرأة المسلمة المعاصرة مما يوقعنا في حيرة بين خيارات كلها صعبة. إذا تأملنا ردود الأفعال لهذا الحدث على بعض صفحات الجرائد والمجلات العربية سنلحظ ثلاث اتجاهات سآتى إلى ذكرها بعد قليل.

لاشك أن تواجد المرأة بالمساجد للصلاة يصبح في العصر الحديث رمزًا للإشكاليات المطروحة حول تواجد المرأة في المجال العام بصفة عامة ثم تواجدها الفعال والناشط في مجال العمل الديني وفي أماكن العبادة بالتحديد. فإذا كان عقيديًا وتاريخيًا لم يمنع الإسلام أبدًا المرأة من ارتياد المساجد بل شجعها عليه وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم صراحةً بعدم المنع، كما نعرف من تاريخ المحدّثات والصوفيات والفقيهات المفتيات تواجدهن ونشاطهن البارز بالمساجد حتى الفترة العثمانية، إلا أن الملاحظ أن بعض التيارات المتشددة المتزمتة تبالغ في الهوس بالاختلاط ومنعه وتركز على تضييق الخناق ومساحة الحركة على النساء بالمساجد والمبالغة في الفصل بين المساحتين تمامًا. نتذكر أن التنظيم الأصلي للمسجد هو صفوف أمامية وتتبعها صفوف خلفية للنساء ولكن على نفس المستوى مما يتيح للنساء رؤية والاستماع للخطيب بوضوح، كما تشير وقائع التاريخ أن النساء كن يمارسن حق سؤال الخطيب أو الاعتراض على كلامه مباشرة. المفارقة أن وسائل التكنولوجيا الحديثة من ميكروفونات وشاشات ونظم أو شبكات صوتية قد رسّخت لمزيد من انعزال المرأةالفكرىولا أعنىالمادي – الجسمانيفقط. وطبعًا لا يفوتنا أن نذكر ما يحدث من احتكاررجاليلمعظم مساحات الحرمين المكي والنبوي الشريفين.

المفارقة الهائلة أن هذا يحدث في ظل صحوة نسائية دينية؛ بمعنى ازدياد اهتمام النساء بالمعرفة والثقافة الدينية أو النشاط المسجدي المتمثل في أداء الصلوات والنوافل بالمسجد وحضور الدروس وحلقات تحفيظ القرآن وحضور دروس الداعيات لدرجة الازدحام الشديد في بعض هذه المساجد وقت الدروس، تستدعى تخصيص كل المساحة المعتادة في الصلوات الفروض للرجال إلى النساء الحاضرات. ومشهد تجمع مئات النساء على أبواب المسجد انتظارًا لموعد الدرس وخروج آخر رجل مُصلى من صلاة العشاء في تزاحم وتدافع هو مشهد مثير دال على محاولة المرأة استعادة تواجدها المشروع داخل بيوت الله والمساحةأو الفضاء المسلوب منها. [كما نعرف كذلك عن نساء عالمات في أندونيسيا يلقين محاضرات إلى تجمعات من الفتيات الشابات داخل المسجد بحضور إمامه وشيوخ آخرين في نفس الوقت].

أما حملة أمينة ودود وأسرى نعماني وبقية المجموعة، فهي كانت في الأساس رد فعل (عصبی) لممارسات بعض المساجد بالولايات المتحدة خاصة تلك التي يسيطر عليها التفكير السلفي المعاصر اللاتاريخي المغلوط، أي أنها ممارساتمحليةترجع إلى ظروف المسلمين في أمريكا وسياقاتهم الكثيرة المعقدة التي تحكم معيشتهم، ولا يُتعامل معها برد فعل متطرف في الاتجاه العكسي، كما ينقص مثل هذه الحملات اجتهاد مسبق لوضع إطار فكرى تأصيلي أولاً يكون مرجعية مشروعة، بحيث لا تتحول هذه التصرفات إلى فرض معايير عولمية أو رغبات شخصية فتبدو أنها تأتي من فراغ. فهذا أيضًا يؤدى إلى سلسلة من ردود الأفعال العصبية المتطرفة ونظل نتحرك مع بندول الساعة هذا إلى أمد بعيد دون الوصول إلى شيء.

ورغم هذا أحقية الأساس في مطلب رد الاعتبار للمرأة المسلمة في بيوت الله (الفضاء المقدس) ومقاومة الغلو في التضييق على حرية حركتها ومقاومة تهميشها، إلا أن مثل تلك الشطحات والمبالغات الصادمة في اختلاط صفوف الصلاة، وآذان المرأة، والصلاة بدون الزي المناسب.. . في كل هذا روح تحد وثورة وليس روح إصلاح أو مقاومة مشروعة تحافظ وتبنى بدلاً من أن تستفز وتهدم. وليس الأمر مقصوراً على هذا، ولكن عند تحليل كتاب أسرى نعماني (أقف وحيدة في مكة)(22) ومحاضرات أمينة ودود مؤخرًا (23) نلاحظ الرغبة في الصدام والتسييسغير البرئ:

( أ ) تكريس العنصرية ضد العرب المسلمين والعروبة وتبنى نزعة استعلاء إمبريالية.

(ب) التلويح بعنصرية العرب والمسلمين أنفسهم ومعاداتهم للسامية واليهود.

(ج) تبنى مفاهيمعولميةفيتحرير الأديانمن الثوابت ومعاملتها معاملة السلعة التي يتم تغييرها وتبديلها والتفاوض بشأنها لتسويقها وتطويعها لرغبة وسعادة الفرد الواحد، أي إخضاع حتى المقدس للمنظور الاستهلاكي. وكذلك تبنى مفاهيمما بعد الحداثةوتطبيقها على الدين نفسه عندما تجعله فارغًا أجوف بلا مضمون في حد ذاته، بل مجموعةلخطاباتومؤسسات” (بالمعنى الفوكولدي) نصغها كيفما نشاء.

وعودة إلى تعليقات الصحافة التي أتيحت لي خلال هذه الأزمة نجد:

(1) الهبوط بالمسألة إلى مستوى السخرية والسخف واستخدام الرسوم الكارتونية المستفزة مثلهل تصبح المساجد ملتقى للعشاق ؟!” (صوت الأمة 9/ 5/ 2005 ) وفي هذا طبعًا تسطيح للمسألة وتعتيم على أصل المشكلة وأسبابها ومناشدة للرغبة الشعبية في التفكه والتندر كلما طُرح موضوع يخص المرأة.

(2) الهجوم الحاد اللاذع المباشر المدعم بالأسانيد الشرعية لعدم مشروعية ذلك وحرمانية تلك، وهذا الاتجاه يمثل التسابق المحموم على الإبداع في فقه العوائق وتضييق الخناق وإعادة اكتشاف أكبر عدد من الممنوعات. في مقالة دالة بالأهرام (8 أبريل 2005) حرص أحد المستشارين على بيان عدم جواز تولي المرأة رياسة الدولة دستوريًا ثم منصب نائب الرئيس ثم رئاسة الوزارة (التفويضية).. . وهكذا تدريجيًا (حتى خشيت أن يستمر في التحريم على مستويات أخرى فيصل إلى: عدم جواز أن تكون المرأة حرص مسلمة أصلاً).

(3) نظريةتفكيك الإسلام من الداخلوقد كان هذا موضوع المقال الأسبوعي للكاتب الفاضل الأستاذ فهمي هويدي (الأهرام 29/ 3/ 2005) حيث عرض ملابسات عديدة للسياق السياسي الأعم الملئ بالمخططات الدولية، ملابسات تم ربطها ببعض بحيث تبدو فعلاً مريبة، ومن الصعب افتراض البراءة أو الصدفة البحتة بشأنها. ورغم موافقتي على مجمل قراءته وتفسيره للإطار الشامل، إلا أن طرح الموضوع بهذا الشكل فقط والتركيز على بُعد واحد من أبعاده – حتى وإن كان حقًا يؤدى إلى تجاهل أشياء كثيرة وطمس مشكلات حقيقية أو حتى التقليل من شأنها. يجب أن يُستكمل التحليل حتى لا تختلط الأوراق ويُطمسملف المرأةبرمته ويركز الجميع على المخالفة وينسون بعضًا من دلالتها وأسبابها وطرق معالجتها، وينجح علماء المسلمين كل مرة في تحاشى التعامل المباشر مع موضوعات كثيرة مؤجلة ومتراكمة منها موضوع تهميش المرأة المسلمة في مجالات كثيرة، تاركين المساحة في ذلك لآخرين.

وهكذا تقع الكثير من النساء المسلمات الملتزمات الغيورات على الدين في مأزق صعب بين كل هذه الاتجاهات والميول: بين الرغبة في الدفاع عن الدين وعن مكانة المرأة فيه ضد حملات الغرب الاستشراقية الجديدة وآليات التنميط والاستعلاء والعنصرية والتشويه؛ ثم اتخاذ موقف مغاير من شطحات المجموعات خارج العالم الإسلامي التي تتسم بالاستفزار مما يؤذى قضية المرأة في الإسلام ويعود بها إلى الوراء أكثر مما يساعدها؛ ثم الاختلاف مع المنظورالحداثيالتطوري البحت الذي لا يرى أي خير في الدين بالنسبة للنساء؛ وأخيراً معارضة التيار المتشدد المتجني على المرأة الذي لا يزال ينظر إليها نظرة استعلاء (أو في أحسن أحواله) يعاملها بأبوية فوقية رغم أن الله عز وجل الرحمن العدل قد خلقنا سواسية. وفي النهاية نأمل في التوصل إلى منهج منتظم لدراسات المرأة المسلمة المعاصرة أو إلى إنتاج معرفة إسلامية تحمل وجهة نظر المرأة لتطبيق وتفعيل المساواة والعدل والحقوق.

أميمة أبو بكر: أستاذة الأدب الإنجليزي المقارن، كلية الآداب جامعة القاهرة، وعضوة مؤسسة المرأة والذاكرة.

1 – هو می بابا

Bhabha, Homi. (1988).”The Commitment to Theory,” New Formations 5: 5- 23.

2 – تشاندرا موهانتی:

Mohanty, Chandra. (1984).”Under Western Eyes: Feminist Scholarship & Colonial Discourses,” Boundary 212(3) , 13(1) / 333 – 58

3 – هبة أبو غديري:

Abugideiri, Hibba. (2001).”Hagar: A Historical Model for Gender Jahad.” In Daughters of Abraham: Feminist Thought in Judaism. Christianity, and Islam. Eds. Yvonne Haddad & John Esposito. University Press of Florida.

4 – می یمانی:

Yamani, May, ed. (1996). Feminism and Islam. London: Ithaca Press.

5 – زیبا میر حسيني:

Mir-Hosseini, Ziba. (1999) Islam & Gender New Jersey: Princeton University Press.

6 – مارجو بدران:

Badran, Margot. (1994).”Gender Activism: Feminism and Islamists in Egypt”. In Politics and Women. Ed. Valentine Moghadam. Boulder: West view.

7 – أماني صالح:”نحو منظور إسلامي للمعرفة النسوية“. مجلة المرأة والحضارة. العدد الأول (2000).

8 – أسما برلس:

Barlas, Asma. (2002). Believing Women In Islam. Austin: University of Texas Press.

9 – مقالحبك الحكايات: فصاحة النساء في صدر الإسلام“. في دعونا نتكلم: مفكرات أمريكيات يفتحن نوافذ الإيمان. تحرير جيزلدا ويب، الترجمة العربية (2002)

دمشق: دار الفكر.

10 – أمينة ودود:

Wadud, Amina. (1999). Qur’an & Woman. Oxford: Oxford University Press.

11 – رفعت حسن:

Hassan, Riffat. (1982).”On Human Rights: and the Qur’anic prespective.” In Human Rights in Religious Traditions, ed. Arlene Swidler. New York: Pilgrim’s pres.

12 – مقالالهوية الذاتية للمرأة في القرآن والشريعة الإسلاميةفي دعونا نتكلم.

13 – أميرة سنبل :

Sonbol, Amira. (2001).”Rethinking Women and Islam.” In Daughters of Abraham.

14 – عبد الحميد أحمد أبو سليمان: ضرب المرأة (الطبعة الثانية 2003). القاهرة: دار السلام. (المعهد العالمي للفكر الإسلامي).

15 – أميمة أبو بكر.

Abou-Bakr, Omaima. (2006)”A gender sensitive Reading of Qur’anic Exegesis.” In Islamic Feminism & the law, Ed. Qudsia Mirza. London: Cavendish.

16 – أميمة أبو بكر:”صورة الرجل في الكتابات الإسلامية“. (2004). أوراق مؤتمر

عائشة تيمور وتحديات عصر التحول. القاهرة:ملتقى المرأة والذاكرة.

17 – Hatem, Mervat. (200?).”Islamism in the Nineties,” Middle East Report.

18 – عزة كرم :

Karam, Azza. (1998) Women. Islamisms and the State, London. Macmillan Press.

19 – دلال البرزي:”النسوية الإسلامية إرث للحداثة في إطار المرجعية“. جريدة الحياة:

29/ 8/ 2004.

20 – نوال السعداوي، هبة رؤوف: (2000) المرأة والدين والأخلاق. دمشق: دار الفكر.

21 – هناك العديد من الدراسات حول لاهوت التحرير بالانجليزية ومن الممكن معاينة مجموعة مقالات بالعربية في كتاب: لاهوت التحرير: رؤية عربية إسلامية مسيحية (2005)، تحرير وليم سيدهم اليسوعي، القاهرة:دار مصر المحروسة.

22 – أسرى نعماني:

Nomani, Asra, (2005) Standing Alone in Mecca. U. S. A.: Harper San Francisco.

23 – موقع

[www.muslimwakeup.com] وهو موقع يضم آراء ومقالات مجموعةالمسلمين التقدميينبالولايات المتحدة. انظر أيضًا مقالاً عن محاضرة في تورنتو، كندا لأمينة ودود في فبراير 2005.

 

فريدة النقاش

قام الباحث المتخصص في الحركات الإسلاميةعبد الرحيم علىبجمع الفتاوى الخاصة بقضية المرأة التي صدرت عن جماعة الإخوان المسلمين ونشرت في مجلة الدعوة الناطقة باسمهم وذلك في كتابه الأخير الذي صدر قبل أسابيعالإخوان المسلمون: فتاوى في الأقباط والديمقراطية والمرأة والفن“. وصدر الباحث الجزء الخاص بالمرأة بقوله إن النساء يشكلنمادة مهمة وغزيرة في باب الإفتاء الذي تقدمه مجلة الدعوة فهي تفوق في نسبتها العددية كل الفتاوى الأخرى التي تتعلق بالأقباط والسياسة والفن، وهو يميز بين نمطين من الفتاوى أحدها ذو طابع أنثوى – على حد تعبيره يتعلق بقضايا الصحة الإنجابية بالمرأة مثل حكم المشاركة في الرضاعة وتأثيره على الزواج، ويمين الظهار، وأحكام المواريث، والطلاق، وهو يرى أنها قضايا لا تؤثر ولا تتأثر بالشأن العام وإن كان ذلك ليس صحيحًا دائمًا لأنه مادامت هذه القضايا تؤثر على وضعية المرأة ومكانتها وعلاقتها بأسرتها فإنها تنعكس بالضرورة على وضعيتها ومكانتها وأدوارها في المجتمع أى على الشأن العام ويشير الباحث إلى أن الإخوان المسلمين يتفقون في حكم هذه القضايا مع عدد كبير من الحركات الإسلامية أو المجامع الفقهية المعترف بها في العالمين العربي والإسلامي على حد سواء، أي أن هناك ما يمكن وصفه بالإجماع حول هذه القضايا بين كل التيارات والحركات الإسلامية بكل ظلالها.

أما النمط الثاني من القضايا فهو ما يتعلق بوضعية المرأة المعاصرة اجتماعيًا وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات تحتمها متغيرات الحياة وتطور العصر، فضلاً عن الهموم المستجدة في ظل النظام الأسرى الجديد وإقبال المرأة على العمل ومشاركتها السياسية، وتطور حقها في تقلد المناصب الرفيعة ودورها المتزايد في الحياة العامة. ويستخلص الباحث مجموعة ركائز أساسية في فكر الإخوان المسلمين حول المرأة، أولها أن المرأة مسئولة عن الفساد والانهيار الأخلاقي للمجتمع بسبب سفورها واختلاطها بالرجل. والرجل هو ضحية الإغراء الشيطاني الذي تقوم به المرأة والعذاب في الآخرة بسبب هذا الإغراء.

في رد على سؤال لقارئ من السودان حول حق المرأة في الخروج من المنزل إذا كان حكم الإسلام للمرأة ألا تخرج ولا ترى أحدًا ولا يراها أحد، وتأتى إجابة الشيخ محمد الخطيب، وهو مفتى الإخوان المسلمين، من المجمع عليه بين الأمة وفقهائها أن البيت هو المكان الطبيعي للمرأةوقرن في بيوتكنفالبيت هو الأصل والمقر الدائم ولكن ليس معنى هذا الأمر ملازمة البيوت فلا يخرجن منها إطلاقًا. بل هناك استثناءات طارئة، مقيدة بالحاجة والضرورة. أما غير هذه الضرورة فإن خروج المرأة لعنة تدمر كل شيء، ويضيف الشيخ الخطيب أن البخاري ذكر تحت عنوانمداواة النساء الجرحي في الغزوعنالربيع بنت معوذقالتكنا مع النبي نسقى ونداوي الجرحي ونرد القتلى إلى المدينة“, فهذا بعض دور المرأة في الإسلام والغرض من وراء خروجها. أما الخروج للتهتك والابتذال والفوضى فهذه ليست منا، ويقول شاب:”أتأثر حين أرى امرأة سافرة أو أستمع إلى قصص الحب والغرام وأخشى على ديني فماذا أفعل؟وهل تباح العادة السرية؟ وخاصة أن أمثالي كثيرون، ويأتي رد الشيخ الخطيب على هذا النحو:”إن الشباب المتدين المسلم في حيرة حين يخرج إلى الشارع أو الجامعة أو العمل بين سفور فاضح وشعور مرخاة وملابس شفافة كاشفةوهنا نجد أن المرأة هي المسئولة عنإثارةالشباب، وهذا كله سبب غيبة النظام الإسلامي الذي يحمى الفرد والأسرة والأمة ويعلق الباحث قائلاًلأن الإخوان لا يملكون علاجًا حقيقيًا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع المصري، فإنهم يتشبثون بالإدانة القاسية للمرأة والمطالبة بقمعها وترويضها وحجبها عن الأنظار. وفي رد آخر يسوق الشيخ الخطيب حديثًا نبويًا يقولأيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وسوف نجد في هذا الحديث الذي ليس شائعًا تبريرًا للدعوة الرائجة في أوساط نساء كثيرات تقول إن التعطر حرام وقد حرمن على أنفسهن استخدام أي نوع من العطور بما في ذلك مزيلات العرق. ويدعو الشيخ الخطيب كل مسلمة لأن تحذر هذه الأوصاف التي ذكرها الحديث حتى تجد ريح الجنة وتكون من أهلها.

وفي تفسيره لحديث منسوب إلى الرسول يقول:”لن يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة“. يقول الشيخ الخطيب أولا إن الحديث صحيح ومروي في صحيح البخاري وأحمد والنسائي والترمذي. عن أبي بكر رضي الله عنه قال:”لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال:”لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأةويضيف نقلاً عن المودودي إن هذا النص يقصد الحديث إذا قرن بقوله تعالى:”الرجال قوامون على النساءفهما قاطعان بأن المناصب الرئيسية للدولة رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس شورى أو إدارة مختلف المصالح الحكومية لا تفوض إلى النساء.

سوف نلاحظ أن مبادرة الإخوان المسلمين للإصلاح والتي أعلنها المرشد العام محمد مهدي عاكف في عام 2004 قد تزحزحت عن هذا الموقف الصارم قليلا دون أن تتقدم بما يكفي في اتجاه المساواة الشاملة. إذ ترى المبادرة أن من حق المرأة تولى الوظائف العامة عدا الإمامة الكبرى وما في حكمها، وقد حدث هذا التقدم الطفيف خلال ربع قرن لأن مجلة الدعوة التي لجأ إليها الباحث أغلقت سنة 1981.

كذلك دعت المبادرة إلى إحياء نظام الحسبة الذي كانت الحكومة المصرية قد جعلته من اختصاص النيابة العامة وحدها وفق تعديل قانوني بعد ما لحق بسمعتها من أذى إثر قيام محكمة بالفصل في قضية حسبة عام 1995 وإصدار حكم بتطليق أستاذة جامعية هي الدكتورة ابتهال يونس من زوجها د. نصر حامد أبو زيد الأستاذ الجامعي والباحث في علوم القرآن بدعوى أنه مرتد. وهو حكم صدقت عليه محكمة النقض رغم أنه من المقطوع به أنه لا يوجد حد ردة في القرآن الكريم.

ويدافع الشيخ الخطيب في فتواه عن معنى القوامة كما يفسره هو متسائلاً:إذا كان الله عز وجل لم يجعلها قوامة في البيت على عائلة واحدة، فهل يبيح لها أن تصبح قوامة على الدولة، وبها ملايين البيوت؟

وهو يختلف في ذلك مع تفسير الدكتورة زينب رضوان أستاذة الشريعة التي ترى أن القوامة تعنى القيادة المشتركة للأسرة.

وفيما يتعلق بقضية حجاب المرأة التي أثارت عواصف سياسية في كل من أوروبا والعالم الإسلامي يقول الشيخ الخطيب لا يجوز لرجل أن يرى من المرأة الأجنبية التي ليست محرما له إلا ما أباحه الشارع من المرأة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلمكل المرأة عورة إلا وجهها وكفيهاويضيف: أما الصداقة قبل العقد فإن الإسلام يحرم الخلوة بالأجنبية أو الخروج معها دون رقابة أو إشراف من أهلها. والتهاون في هذا الأمر يؤدى إلى ضياع شرف المرأة وإهدار كرامة المسلم. والخير في اتباع ما جاء به الإسلام يقول صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطانرواه أحمد.

أما حقوق المرأة داخل الأسرة باعتبارها طرفا أساسيا فيها فإنها مقيدة بدورها طبقًا للفتاوى فحين تسأل زوجة مسلمة قائلة: زوجي يمنعني من زيارة أهلى ووالدي فهل يجوز أن أخرج لزيارتهم وهو لا يعلم؟.

ويرد الشيخإذا لم تكن هناك أسباب معقولة يعتبرها الزوج في منع الزيارة فهو مخطئ، والذي نفتي فيه الأخت المسلمة أن تمتثل لأمر زوجها حتى لأمر زوجها حتى لا تؤدى مخالفته إلى ضررفلا نقاش مع الزوج ولا نصح له ولا مفاوضة.

ومن سؤال من الجزائر عن ختان الأنثى وحكم الإسلام فيه، يرد الشيخ الخطيب قائلاً:”يرى بعض الأطباء أن عدم ختان الأنثى يؤدى إلى إشعال الغريزة، وقد تندفع إلى ما لا يجوز إذن فالختان واجب وقاية لشرف المؤمنة وحفظا لعرضها وعفافها.. .”، وهو ما سماه الباحث بالفضيلة الإجبارية وفي فتوى عن تحديد النسل يرى الشيخأن تحديد النسل من البدع المستحدثة، وإن له جوانبه وبداعته الصليبية“.

وفي دفاعه عن الحجاب يرى الشيخ أن الاشتغال في عمل الملابس القصيرة والضيفة إذا علم الترزي بأنها ترتدى خارج البيت حرام وهو شريك في الإثم مع مرتدية الملابس. وإذا تمسك الترزي بالحرص على رضا الله فسوف يغنيه من فضله والمطلوب من زي المرأة الذي ترتديه خارج البيت وتغشى به الأماكن العامة أن يكون ساترا لكل محاسنها، ومن المحاسن التي يجب سترها شعر الرأس وأسفل العنق، ويجب ستر الرقبة كلها إن ترتب على كشفها فتنة، وأن يكون زيها ساترًا لكل جسمها ما عدا الوجه والكفين، وأن لا يكون ضيقا يحدد معالم جسمها، وإذا توافرت هذه الصفات في الزي فلا حرج عليها من طريقة تصميمه، ويستوي في ذلك البنطلون والجاكيت مع غيرهما.. .

أما عمل المرأة فهو استثناء وليس قاعدة وما يتطلبه المجتمع الإسلامي من المرأة في بيتها أضعاف ما يتطلبه منها خارج البيت. وما نتذرع به في تبرير عمل المرأة من المشاركة في تخفيف أعباء المعيشة على أسرتها يمكن علاجه برفع قيمة الأجر للذكور أما إذا اضطرت المرأة المسلمة للعمل خارج البيت فلا مانع من ذلك شرعا إذا استمسكت بأخلاق دينها الحنيف. ولتحذر الخلوة بالأجنبي في مكان العمل أو خارجه سواء كان زميلها أو رئيسها، والعمل كسكرتيرة لمدير العمل لاشك أنه يقتضى الخلوة به ولو بين الحين والآخر، فطبيعة هذه الوظيفة تقتضى ذلك. وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. أما حركة تحرير المرأة فيحمل لواءها عبيد الاستعمار في العالم الإسلامي.

هذه هي الأسس التي تبنى عليها التيارات الإسلامية رؤيتها لقضية المرأة من كل جوانبها داخل الأسرة وخارجها، حيث تحتاج المرأة إلى الوصاية وفرض المراقبة عليها وإخفائها عن العيون وعزلها عن الرجال الغرباء حتى لا يندس الشيطان بينهم.

ولا توجد فروق جوهرية بين التيارات المختلفة من الإسلاميين حول هذه الخطوط العامة ولكننا سوف نلاحظ أن في داخل الإسلام السياسي، وبالرغم من قوة هذا الاتجاه الرئيسي الذي تعبر عنه جماعة الإخوان المسلمين ذات النفوذ الواسع هناك أفراد من الباحثين والعلماء يشكلون تيارات محدودة الأثر على الساحة ويقرأون النصوص الدينية الخاصة بالنساء قراءة مختلفة هي أقرب إلى الاستنارة والعصرية وهم يتوسعون في التأويل. ويبرز تأثير هذه التيارات الجديدة في قضية يعتبرها الإسلاميون محورية وفاصلة هي قضية الحجاب، وبوسعنا أن نميز في هذا السياق ثلاثة اتجاهات، الأول يرى أن الحجاب فريضة ينبغي أن تلتزم بها المرأة المسلمة وهو ما يعبر عنه الإخوان المسلمون وتمارسه غالبية النساء المسلمات. والثاني يرى أنه ليس فريضة ومن ثم ليس ملزما وهو تيار أقلية، ويدلل الطرفان على صحة الموقف الذي يدافعان عنه مستخدمين النصوص سواء من القرآن أو السنة، فمن يرى أن الحجاب فريضة يسوق على الفور سورة النور وبعض أحاديث الرسول، وهؤلاء أغلبية كما سبق القول سواء في المؤسسات الدينية مثلالأزهر ومعاهده ومدارسه أو مجمع البحوث الإسلامية أو الشيوخ والوعاظ في الجوامع الذين ينطلقون جميعًا من فكرة مركزية هي أن جسد المرأة عورة. ويتبارون في تحديد ما يجوز لها أن تكشفه منه وما عليها أن تخفيه، بل ويصل بعضهم إلى القول بأن صوت المرأة عورة. وأذكر أنني في إيران انسحبت احتجاجًا من مجلس كان يضم عددًا من أساتذة الجامعات الإيرانيين والعرب وحين انبرى أحد أساتذة الفيزياء وهو إيراني مؤكدا أن صوت المرأة عورة وجدت أنني لن أستطيع أن أعبر عن غضبي بطريقة لائقة فانسحبت. أما الذين يرون أن الحجاب ليس فريضة فيجادلون أن آية الجلابيب في سورة النور لا تتصل إطلاقا بالوجه أو الشعر، ولا توجد في القرآن آية واحدة تتعلق بشعر المرأة أو تعتبره عورة، ولا يوجد عقاب على السفور، وأن غطاء الرأس المسمى بالحجاب كان مقصودًا به نساء النبي فقط.

 

 

أما الحديث الذي روى عن الرسول ويشار إليه كسبب للحجاب أو النقاب فهو حديث آحاد رواه شخص يدعىخالد بن دريكعن عائشة رغم أنه من الثابت أنه لم يعاصرها حتى يسمع منها ويروى عنها، ولم يرد الحديث في صحيح البخاري أو صحيح مسلم وهي أصح كتب الحديث، ومن ثم فهو حديث منحول، ويعرف الباحثون في الإسلاميات جيدا أن عشرات الكتب والدراسات قد كتبت حول الأحاديث المنحولة والموضوعة.

يضاف إلى هذا تساؤل يطرحه الباحث في الإسلاميات الدكتور سعيد العشماوي صاحب كتابحقيقة الحجاب وحجية الحديث: لماذا يصدر عن النبي حديث يستند إليه في إثبات حكم إذا كان هذا الحكم ثابتًا في القرآن الكريم؟

وفضلاً عن هذا كله فقد صدرت فتوى من الأزهر بتاريخ 10 فبراير 1990 بأن أحاديث الآحاد ومنها حديث الحجاب لا تشكل فريضة ولا تنشئ واجبًا وإنما تكون للاستئناس الاسترشاد.

وفي رأي هؤلاء أن الذي فرض الحجاب هو التقاليد الموروثة من ما قبل الإسلام بزمن طويل أو الفكر المغلوط وليس الالتزام الديني ويحتكم هذان الاتجاهان: الذي يرى أن الحجاب فريضة والذي يرى العكس إلى النصوص كما سبق القول ويترجمان معا قول علي بن أبي طالبإن القرآن حمال أوجه“.

أما الاتجاه الثالث وهو اتجاه أقلية وإليه تنتمى الحركة النسائية الجديدة في مصر فيرى أنه قد آن الأوان لكي يحتكم المسلمون إلى المرجعية العالمية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وحينها ستكون مسألة اختيار المرأة للباسها ولحياتها كلها اختيارًا حرًا وشخصيًا وخاصة أن تحديد لباس لها دون أن ينسحب ذلك على الرجل هو نوع من التمييز، والذي ترفضه المواثيق الدولية وخاصة الاتفاقية الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة. وهنا تبرز قضية الاختيار والإجبار فماذا لو اختارت المرأة أن تلبس الحجاب النقاب، أليس هذا حقها وهو من صميم حريتها الشخصية التي تدعو المواثيق الدولية لحرية الإنسان لاحترامها؟ فضلا عن أن المهم في الأمر أن لا يكون الحجاب حجابًا على العقل.

وأرد على ذلك بالقول أن اختيار بعض النساء وربما الغالبية للحجاب ليس في العمق اختيارًا حرًا، ولكنه إجبار في شكل اختيار، وعلامة على التحكم الذكوري فيها باسم الدين. ذلك أنه خلف عملية لجوء النساء للنقاب والحجاب تجرى صنوف من القهر المعنوى والتخويف باسم الدين بلا حصر، من عذاب القبر للنيران التي ستشوى فيها الأجزاء التي تعرت من جسد المرأة في الحياة الدنيا حيث تدفع ثمنها في الآخرة، بل والعقاب الإلهي الذي يمكن أن ينزل بالمرأة السافرة في هذه الدنيا قبل الآخرة، وقد ينزل بأبنائها وبكل من تحبهم لأنها عاصية. لذلك تمارس النساء بارتداء الحجاب والنقاب ما أسميه قهرًا طوعيًا للذات.

يقع صراع الحركة النسائية الجديدة في مصر مع التيارات الإسلامية بكل تنويعاتها في قلب قضية الحداثة والديمقراطية التي يستحيل تحققها على أفضل نحو وأكثر عصرية دون النضال من أجل العلمانية التي تعنى فصل الدين عن السياسية والتشريع فصلاً تامًا لتنمو الديمقراطية ويجرى تأمين كل الحريات العامة وعلى رأسها حريات الفكر والتعبير والتنظيم والحركة والاعتقاد وحريات النساء التي تشكل عصب الفكر والممارسة في قلب الحركات والتيارات الإسلامية التي تفرض وتنظر لوصاية المجتمع الأبوى الطبقي على النساء وقهرهن.

ومن الضروري أن ترتبط الدعوة لتحرر المرأة في فكر الحركة النسائية الجديدة باعتماد المرجعية العالمية لحقوق الإنسان كأساس لتحرير النساء على كل الصور السياسية الدستور والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتصبح الدعوة لإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري مفتاحا أساسيا لكل تعديل دستوري قادم وهي المادة التي تقول إن دين في المصري هو الإسلام ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لأن هذه المادة في الدستور هي التي تجعل كل أشكال التمييز الواقعي والتشريعي ضد المرأة مقبولا وشرعيا، فضلا عن أن تحديد دين للدولة يجعلها دولة دينية رغم نفي ذلك، ويمنح شرعية للقوى التي تكفر المجتمع والدولة وتضطهد النساء. وبديهي أن إلغاء هذه المادة لا يتناقض مع كامل الاحترام للدين ولدوره في الحياة وفي المجتمع والثقافة، ولحرية العبادة كما هو حادث في كل البلدان العلمانية الديمقراطية في العالم. ولأن الدستور التركي هو دستور علماني لا ينص على دين للدولة ثارت ثائرة النساء والأوساط الثقافية المستنيرة ضد رئيس الوزراءرجب طيب أردوغانالذي فاز حزبه الإسلامي بالأغلبية وهو حزب العدالة والتنمية حين صرح قبل أيام أن علماء الدين وحدهم هم الذين يحق لهم التطرق إلى موضوع الحجاب وليس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ومن المعروف أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تنظر في شكوى نساء مسلمات يعشن في فرنسا ضد قرار الدولة الفرنسية بمنع الرموز الدينية ومن بينها الحجاب في المدارس، ولا يستطيعرجب طيب أردوغانرئيس الوزراء التركي أن يحتج على المعترضين بالدستور التركي ذلك أن الدستور التركي هو دستور علماني تخلت تركيا بمقتضاه منذ عقود طويلة عن الاعتماد على فتاوى رجال الدين لتسيير أمور البلاد.

ورغم أن معركة تغيير الدستور في مصر في اتجاه علمانيته هي معركة صعبة وطويلة المدى إلا أن المعركة الأصعب أمام الحركة الوطنية الديمقراطية العلمانية فيما يخص قضايا النساء: أوضاعهن ومكانتهن وأدوارهن هي معركة الثقافة. ذلك أن المجتمع المصرى قد تشبع بالأفكار المحافظة والمعادية للنساء خلال العقود الثلاثة الأخيرة على نحو خاص. فبينما تسجن قوى الإسلام السياسي المرأة في صورة جسدها الذي تراه رمزًا للشرف القومي والشخصي وتعتبرها لذلك عورة، فإن سياسات الليبرالية الجديدة والتكيف الهيكلي وما سمي بالانفتاح الاقتصادي التي كثفت الاستغلال عامة تعتبر المرأة سلعة على أكثر من مستوى سواء حين تستخدمها في الإعلان والترويج للبضائع في العالم التجاري والاستهلاكي الرأسمالي القائم على المنفعة العارية، أو حين تدفع بها إلى سوق العمل كأيد عاملة رخيصة قليلة التعليم والتدريب لا ضمانات لها. وحين تتفاقم البطالة يجرى سحبها من هذا السوق بحكم ضعفها ويكون ذلك مصحوبا بتمجيد الأمومة والبيت كمملكة للمرأة. وتلتقى الليبرالية الجديدة بذلك مع نقيضها الظاهري أي الإسلام السياسي الذي يمدها بدوره بكل التفسيرات الفقهية اللازمة لإعادة المرأة إلى البيت؛ إذ إن النساء هن أول ضحايا بيع المنشآت العامة والخصخصة كأساس أولى لسياسات التكيف الهيكلي، وهكذا تلتقى القوتان السائدتان الإسلام السياسي والليبرالية الجديدة رغم ما بينهما من تناقض ظاهري في استغلالهما للمرأة والحط من شأنها ومكانتها وتأكيد الثقافة المعادية لها وذلك بالرغم من خطاب المديح العالمي للنساء الذي تنتجه كل منهما بطريقتها حيث تمجد فضائل المرأة في الخضوع والطاعة وروح التضحية وقهر الذات.

وتدرك أقسام واسعة من الحركة النسائية الجديدة هذا التشابك بين الخطابين والمصالح الواحدة التي يعبران عنها، وتطمح هذه الحركة النسائية الجديدة لبناء عالم قائم على العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية وتطرح قضايا النساء في كليتها وشمولها باعتبار المرأة مواطنا وإنسانا أهدرت حقوقه وكرامته، وباعتبار قضاياها جزءًا لا يتجزأ من قضايا المهمشين والمستغلّين وهي تقع أيضًا في قلب عملية التحول الديمقراطي.

وهذه الحركة ليست استجابة كما يقول خصومها غير المنصفين لموضة نشأت في الغرب أو صدرها لنا الغرب كما يدعى أصحاب الخصوصية، وإنما هي تعبير عن احتياج أصيل وواقعي ناتج عن حقيقة أن ملايين النساء تعلمن وانخرطن في العمل وحصلن على حق المشاركة السياسية واصطدمن بأوضاعهن المتدنية في المجتمع بحكم الثقافة والعلاقات الاجتماعية السائدة، وفي الأسرة بحكم قوانين الأحوال الشخصية القائمة على الشريعة والتي تميز ضد المرأة وتفرض الوصاية عليها، وحيث يفوض النظام السياسي الطبقي الأسرة والزوج خاصة لقهر وضبط نصف المجتمع نيابة عنه.

وتتقوى هذه الحركة النسائية الجديدة في بلادنا بما يجرى في العالم من نمو هائل للاتجاهات النسائية التقدمية بتياراتها المختلفة وبنقدها لبعضها البعض، واشتداد عود حركة مناهضة العولمة على نحو خاص التي دخلت إليها منظمات النساء بكل قوة ضد سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات عابرة الجنسية التي تنتهك حقوق الشعوب وتستغل الكادحين على امتداد المعمورة وفي القلب منهم النساء والأطفال.

وتؤكد الحركة النسائية على الأهمية القصوى للصراع في ميدان الثقافة حيث تتجذر التصورات القديمة عن المرأة لأن الثقافة السائدة تعيش طويلا حتى بعد أن يتقوض الأساس الاقتصادي الذي كانت تنهض عليه، وتنضج الثقافة الجديدة ببطء وفي قلبها مساواة النوع الاجتماعي، وتواجه في سياق هذا النضج عقبات بلا حصر. ولهذا فإن هذه الحركة النسائية الجديدة هي المستقبل بعدما توسعت آفاقها رغم نخبويتها أوجدت آليات عملها لتضم عشرات الرجال المستنيرين والديمقراطيين، وبعد أن انتقدت بشكل جذري الفكرة التي راجت مع نمو أحد التيارات النسوية التي رأت أن صراع النساء من أجل التحرر هو صراع النساء ضد الرجال وليس ضد الشروط الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية التي الاستغلال والتمييز.

وترى هذه الحركة الجديدة أن وجودها كحركة لتحرير النساء سوف يبقى ضروريا لمدى طويل لأن التمييز الذي تراكم تاريخيا لا يزال موجودًا، وهي تعتبر نفسها جزءًا أصيلاً من حركة ديمقراطية علمانية شاملة لأن التحرير لا يتجزأ.

الصراع إذن بين الإسلام السياسي من جهة وهذه الحركة النسائية الجديدة من جهة أخرى هو في أعمق مستوياته صراع بين رؤيتين متناقضتين للعالم: الرؤية الدينية الميتافيزيقية والرؤية العلمانية الديمقراطية العقلانية التي تدعو لتأسيس الدولة على مبدأ المواطنة. ورغم أن هناك أسسا قوية في الإسلام لتقبل العلمانية وعلى حد قول مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق:إننى مسلم علماني ولم أجد أبدًا تناقضًا بين الاثنين؛ إلا أن نقدًا جذريًا وشجاعًا للمرجعية الدينية بعامة يبقى ضرورة حتى ينضج ويتشكل الإسلام العلماني وذلك عبر إرساء مشروعية للتفكير من خارج الدين تحظى بتقبل مجتمعي سوف يتزايد بالقطع مع مرور الزمن واتساع قاعدة الحريات العامة.

يقول نصر حامد أبو زيد في حوار له: أذكر فتاة في الشام قالت لي لا أرى فرقًا بينك وبين الإسلاميين، إنهم يريدون أن يعيقوا حقوق المرأة بالقرآن الكريم وأنت تريد أن تردها لها بالقرآن الكريم. الكبار بين الموجودين بدا عليهم الضيق لكنني كنت سعيدًا جدًا، وقلت لها عندك حق لأننا ما نزال في ثقافة لها مرجعية لابد من التعامل معها“.

ويقضي التعامل مع هذه المرجعية، إذا كنا نريد أن نتقدم، التسلح بالجرأة على نقدها ودون أن يتوقف أبدا الجهد الفكري والمعرفي لإرساء حقوق الإنسان طبقًا للمرجعية العالمية حتى يكون لها الأولوية على الخصوصية باعتبار أن خصوصية كل شعب هي الإضافة التي قدمها وما يزال يقدمها لقيم الإنسانية المشتركة التي تساوي بين البشر جميعا دون تمييز، رجالاً ونساءً سودًا وبيضا وصفرا، وتعلى من شأن كرامتهم وحقهم في الحياة وفي نصيب عادل من ثروة أوطانهم وإتاحة أوسع الفرص لهم للمشاركة في إدارة الشأن العام والسيطرة على مصيرهم، ويكون الدين لله والوطن للجميع نساءً ورجالاً.

فريدة النقاش: كاتبة وصحفية، رئيسة تحرير مجلة أدب ونقد.

 

 

تعقیب

على ورقتي أميمة أبو بكر وفريدة النقاش

نادية عبد الوهاب

إننا أمام خطابين يتميزان بالجرأة والشجاعة واختيار الطريق الأصعب وتجاوز الخطوط الحمراء (الاجتماعية).

تطرح ورقة د. أميمة عدة أفكار:

  • بروز تیار جديد في الفكر النسوي العالمي والمصرى يسمى بالنسوية الدينية الإسلامية.

  • ما يعانيه هذا التيار من مشكلات جمة خلال سعيه للتبلور منإشكالية المصطلح نفسهحتى بعضالممارسات العلمية المرتبطة بالصراع بين الجمود والتجديد“.

  • أهمية هذا التيار ومدى فاعليته في الواقع سواء من حيث الجهد النظري المشكور أو إعادة قراءة الدين نصًا وفقهًا.

  • سعيه لجذب جمهور النساء اللاتي يتمسكن بالهوية الدينية.

  • تستعرض الورقة اتجاه نسوى ديني بالعالم،لاهوت التحرير، وتناقش حالة محددة کتمرين ذهني وهي قضية إمامة المرأة.

بينما تستعرض ورقة أ. فريدة:

  • بعض المفاهيم والفتاوي السائدة الخاصة بالنساء في فكر جماعة الإخوان المسلمين وهم الجماعة الأكثر بروزًا التي تكاد تحتكر الفكر الديني، وكيف تشكل هذه الأفكار خروجًا شديدًا عن إنصاف النساء وتحقيق العدل والمساواة وتحرير المجتمع من المفاهيم غير العادلة.

  • ترصد وجود تيارات جديدة في الفكر الديني مختلفة عن التيار السائد رغم أنها مازالت جنينية حيث تحاول أنتقرأ النصوص الدينية بشكل أقرب للاستنارة“.

  • تطرح الورقة مطالبة قطاعات من الحركة النسائية بالعلمانيةفصل الدين عن السياسة والتشريعوما يعنيه هذا من عدم استبعاد دور الدين الهام في الحياة والمجتمع والثقافة خلال السعى لتغيير نص دستوري (المادة 2).

  • كما تطرح معركة موازية لابد أن تخوضها الحركة تحاول خلالها كشف المصالح الواحدة لكل من قوى الإسلام السياسي وقوى الليبرالية الجديدة في توجههم لقضايا النساء!.

تشتبك الورقتان في عدة قضايا بالاتفاق والاختلاف:

  • كشفت ورقة أ. فريدة بنقاشها للأفكار الدينية السائدة ليس فقط وعورة طريق القطاع العلماني في الحركة النسائية ولكن أيضًا وعورة الطريق الذي تسلكه د. أميمة وزميلاتها والذي ذكرته د. أميمة نفسها بشكل عارض في ورقتها.

  • أوضحت الورقتان الهموم الناشئة من التفاعل مع التيارات المحلية. ففي حين ركزت د. أميمة على موقفها الصعب بين التيار الديني التقليدي المتخوف من النظريات الغربية المستوردة وما تحمله من فردية ونزعة مادية، والتيار النسوي الذي يرىأن هناك تناقضًا أساسيًا بين الدين وحقوق النساء“. طرحت أ. فريدة الصعوبة التي تواجهها الحركة النسائية أمام التلاقي الحادث بين قوى الإسلام السياسي والليبرالية الجديدة بما يقدمان من أفكار تبدو متعارضة شكليا ولكنها تؤدى في النهاية لنتيجة واحدة هي استغلال النساء والحط من شأنهن.

  • طرحت الورقتان جدل العلاقة الحركة النسائية العالمية سواء من حيث الاختلاف مع الاتجاه النسوي الكولنيالي في رأي د. أميمة، أو إدانة التيارات النسوية العالمية التي تنتقد بعضها البعض عند أ. فريدة. ورغم ذلك كلا الزميلتين تجدان اتفاقا وعناصر قوة داعمة مع بعض الاتجاهات النسائية العالمية مثلالحركة النسوية الإسلامية في آسيا وإيران وأمريكا اللاتينية” (د. أميمة)، الحركة النسوية المناهضة للعولمة (أ. فريدة) على نطاق العالم. أي أن كلا الزميلتين أو الإتجاهين ليس ببعيد عما يحدث بالعالم ويتفاعل معه.

  • كلا من الورقتين طرحتا أهمية وجود حركة نسائية محلية، د. أميمة ترى ذلك من خلال هضم المفهوم العالمي وإخراجه بالصور المحلية التي يمكنها أن تصل لعقول أغلب النساء المتمسكات بالدين. أ. فريدة من خلال الاحتياج الأصيل للنساء الناتج من تعليم وعمل الملايين منهن، اللاتي اصطدمن بأوضاع المجتمع المتدنية ثقافيًا واجتماعيًا.

  • إننا إمام تيارين بينهما مساحات من التقارب رغم الاختلاف الظاهري، وهدف واحد يسعيان إليه هو المساواة والعدل والإنصاف وتحرير الفكر الاجتماعي، ومساحات تقارب علينا توسيعها بالفهم المتبادل للدوافع النبيلة لكل منهما. وبمعرفة الطاقات الذي يمكن أن يضفيها كل منهما لمعركتنا الواحدة من أجل العدل الاجتماعي. هذا الاتفاق لا يتغاضى عن الاختلاف الذي لا تنكره أو نقلل من أثره الذي يتضح في قضية مثل المرجعية وهل تكون دينية أم مدنية، أيحقوق الإنسان؟ وإذا ما اعتبرنا الأديان أحد الروافد الهامة لحقوق الإنسان فهل يساعد هذا على الحل؟ هل سيقبل الاتجاه الديني بأن يكون الدين إحدى المرجعيات وليس المرجعية الوحيدة؟ يظل هذا أحد الاختلافات. وحتى ما نعنيه بالهدف ذاته رغم اتفاقنا على كلمات مثل العدل، الإنصاف، المساواة والتغيير الفكري إلا أننا لو تعمقنا في هذه المفردات سنجد اختلافات أكيدة. إن محاولتي لقراءة التقارب بين الورقتين لا تصادر على الخلاف بالتأكيد وإن كانت تتلهف على نقاط الالتقاء.

  • أن مهمتنا الأساسية هي أن تجد طريقة الحوار الصحيحة التي تتيح توسيع مساحات الاتفاق والعمل المشترك، أن تعبر كل منا عن أفكارها بدون مساومة أو ابتزاز وهو ما يحتاج لبيئة لا ترهب ولا تجرم ولا تلوح بسلاح التكفير. حتى تطرح الأفكار الحقيقية ويمكننا نقاشها واكتشاف الاختلاف والاتفاق وإمكانيات العمل المشترك. أن الأفكار التي تسعى للتغيير قد تبدو متفرقة بلا نهاية ولكنها تتجمع أيضًا بلا نهاية.

 

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات