الجزء السابع من السنة الأولى

الجزء السابع من السنة الأولى

في 1 حزيران «يونيو» سنة ١٨٩٣

موافق 16 ذي القعدة سنة ١٣١٠

إعلان

من إدارة جريدة الفتاة

عفوًا أيها القراء الكرام فإننا لم نتأخر في الشهر الماضي عن توزيع الجزء السادس من هذه الجريدة في ميعاده، إلَّا بسبب إشغالنا بمسألة عائلية ألا وهي عقد خطبة ابنتي هند «صاحبة الفتاة» إلى جناب الوجيـه حـبـيب أفندي ديانه مندوب قلم قضايا في نظارة المالية الجليلة، وليس كما أشاعه المرجفون وبعض أصحاب الغايات فإظهارًا للحقيقة نعلن لحضرات المشتركين أن الفتاة لثابتة بإذن الله، وهي ستصدر من الآن فصاعدًا اتباعًا وإطرادًا في غرة كل شهر كعادتها الماضية مستمرة على مواصلة قرائها ومشتركيها إلى ما شاء الله، ومتى انتهت سنتها الأولى نعدهما بأحد أمرين إما أننا نبقيها على حجمها الحالي ونصدرها مرتين في كل شهر، وإما إننا نزيدها مادة وحجمًا بحيث نستوفي شروط مواجب الخدمة الأدبية التي اتخذتها الفتاة قاعدة لها منذ نشأتها، حبًا بتقدم المرأة من حسن إلى أحسن ومن يعش يروها أننى أتقدم بالنيابة عن صاحبتها – هند – وأرجـو حـضـرات العقائل والأوائس أن يداومن على مواصلة جريدتهن هذه بنفثات أقلامهن ونفايس درر أفكارهن، لنزداد لهن شكرًا وامتنانًا وعلى الله الإتكال وحسن الختام.

نسیم نوفل

علم ومال وآداب وجمال

الآنسة هلن الأميريكانية

هي ابنة جاي كولد الغني الأميريكي الشهير الذي توفاه الله منذ مدة غير بعيدة عن ابن وبنت وزوجـة وأخت وثروة طائلة تبلغ قيمتها ما ينيف عن ١٣٠ مليوًنا من الريالات الأميريكية، ذلك ما عدا قصره الفاخر الذي وهبه بوصية شرعية مع ما فيه من الجواهر الثمينة والتحف النفيسة والأثاث الجميل، وما يلزمه سنويًا من النفقات إلى ابنته المس هلن المومأ إليها حتى جعلها مع صغر سنها الذي لا يتجاوز السابعة عشر في مركز سام يشار إليه بالبنان، وفضلاً عما أخذته هذه الأنسة من الإرث الشرعي والهيئة المذكورة آنفًا، قد خصصها أبوها براتب شهري وقدره 30ألف ريال تقبضه نقدًا وعدًا ما دامت عزباء مفتخرة بين بنات جنسها باقتران العلم بالمال والآداب بالجمال افتخارًا يتنافس بمثله المتنافسون، ويتعاجب به الوارثون.

سعادة الزوجين

الإحدى عقايل السوريين في الاستانة العلية

تعلموا أيها الزوجين واتخـــذوا …أمثولًة لم تروا يومًا لها مثـلاً

كم أضحك الدهر من زوج ينوح وكم …أبكى عروسًا وكم أحيى وكم قتلا

دع أيها الرجل العظيم قصورًا تحلت بالمفاخر وخدورًا ترصعت بالجواهر، وأترك المجد وعجرفته والمال وغطرسته واسمع قول القائل:

وأعظم منحة ن فضل ربي …على الإنسان امرأة حكيمة

وأعظم منحة من البرايـا…على الإنسان امرأة ذميمة

وإن أردت معرفة الزوجة الحكيمة التي ترقيك إلى منازل الرغد والحبور، وتدر عليك مناهل الخيرات والبركات وتريك طرق الهداية وسبل السعادة، وجب عليك أن تلتفت إلى التي بآدابها وكمالها تصون نفسها وتحفظ عفافها ويحسن تربيتها وعذوبة كلامها تضبط طياشة أولادها، وبعواطف حنينها ووداعتها تطفى نار غيظ قرينها وبلطفها واحتشامها تسوس خادماتها وخادميها، وبحكمتها ترفع علم السلام فوق رؤوس من كان حولها ومحتاط بها.

تلك المرأة التي مـا تدرعت بدرع العلم والآداب إلَّا لتـريك أيهـا الرجل ملذات الحياة وما تسلحت بالطهر والحياء إلا لتسقيك من راحتيها راح المسرة والهناء.

تلك التي تفكر دائمًا بأن أحسن جزاء لها وخير مكافأة لفضلها، هو أن تقدم أيام شبابها مثالاً لبناتها ليقتدين بها يوم يعهد إليهن زمام الإدارة.

تلك التي تبذل ما في وسعها، لتعينك على الزمان وتصرف جهدها سعيًا وراء ترتيب المنزل وإتقان النظافة وتربية الأولاد على نظام الطاعة ومحور الآداب، لينشرح بذلك صدرك ويطيب بنتائجه خاطرك، وهي التي تشتغل أناء الليل وأطراف النهار، ولكن لا بالزينة وبهرجة الأزياء بل بما يجعلك عند ما تدخل البيت مع ضيفك شاهدًا على فضيلتها وفضلها.

تلك التي لا تغفل طرفة عين عن واجبات المرأة نحو رجلها وأولادها وبيتها، ولا تنام إلا القليل قيامًا بخدمتك وحبًا برفاهة أولادك، ولا تطلب أجرًا ومكافأة على أتعابها الدائمة إلَّا الانعطاف إليها بنظرة الولاء والإخلاص ولفتة الحنو المحبة وعين الشكر والرضى.

تلك التي بلطفها واحتشامها تقاسمك العسر، وتجرع معك كؤوس النوائب بقلب طاهر ونية صافية وضمير مخلص، فإن مرضت يومًا صبرت عليك واعتنت بمعالجتك ومداراتك، فتتألم لأوجاعك بلا امتنان وتبكي لبكائك بدون أن تشم منها رائحة الملل والضجر والغرض مهما طالت العلة واستفحل المرض.

تلك التي تلد الاولاد بالآلام والعذاب، وتسهر على أطفالها بكل هدوء وسكينة وصبر، لا سيما إذا مرض أحدهم فإنها تقضي سواد ليلها بجانب سريره طالبة له الصحة والشفاء حالة كونك غارقًا أيها الوالد في بحار الرقاد متمتعًا بلذته على الدوام لا تدرك كل ما في فؤادها الحنون من القلق والشجون

تلك التي تقدر الأشياء قدرها وتعرف كيف تستميل الخدم والحشم إلى احترامها وضبط أشغال بيتها بلا نزاع ولا خصام بزریان بشرفها ويحطان بمقامها حتى إذا خرج أحـدهـم من دائرة خدمتها لا ينقل عنهـا مـا يخدش وجه آدابها ويحجف بعنبر صيتها ومقامها، وهي التي تصم آذانها عن كلما تسمعه من جيرانها وأنسبائها، ولا تلتفت إلى القيل والقال على حد قول من قال لا خير في الإكثار من القلاقل.

هذه هي صفة الزوجة الفاضلة التي يجد معها الرجل الراحة والسعادة، وهي التي تحمل لذويها راية الاتحاد وعلم السلام وتربط الهيئة الاجتماعية برابط الحب والوداد والوئام والوفاق وتجتهد أن تولد في جنان رجلها آمال السعادة يوم يشعر بثقل حمله وتشدد قواه وتنهض عزيمته بحسن الرجاء وجميل العزاء حين تجده معسورًا وتبث في أحشائه روح الهناء والسرور عندما تراه مقبلاً، وهو من الدهر كئيب ومن مكافحة الأيام ومعاركة الأشغال حزين.

وهي التي لا تشغل نفسها بمرآتها، وتشتغل أمامها بصف الشعر وشد الصدر وحزم الخصر وجر الذيل ورادفة الظهر إلى غير ذلك مما يفتخرن به بعض النساء اللواتي لا يهمهن تلك المبادئ الشريفة والأميال المنيفة، فإذا عرفت ذلك أيها الرجل العظيم الشأن وجب عليك بحقوق المحبة الزوجية والواجبات الادبية، أن تعاملها باللطف والحلم ومكارم الاخلاق كما تريد أن تعاملك هي بها فتجتنيان ثمر الهناء والراحة وتقطعان العمر على جسر السعادة والرخاء، جسر لا يتخلل دعائمه نكدٌ ولا يقوض بنائه كدر مهما طال مطال الحياة، واعلم ان المرأة الفاضلة هي شريكة لك في الحياة الدنيا، وهي قاعدة بيتك وأساس راحتك والحكيمة في أمر معيشتك إذ لا تطلب ما كان فوق وسعك ولا تكلفك أكثر من استطاعتك لأنها تعتبر الزواج سرًا مقدسًا وتتخذه مقام فضل وطهر وآداب وكـمـال كما يعتبره الرجل الحكيم الذي لا يخنث بعهده ولا يخل بنظامه بل يحافظ على ناموسه وشرفه بحيث يكون على الدوام بشوشًا ضـحـوكًا لدى دخوله الى بيته ومقابلة حليلته ومكاشفتها بجميع أعماله وأخباره ليكون الاثنان بثقةٍ تامة إزاء بعضهما بعضًا، والحكيم من لا يضرب عليها ستورًا ويجعل الخدور لها قبوراً إذا لم يكن ذلك بشريعته مسطورًا وإن يمنحها سلطانًا مطلقًا على بيته وأولاده وخدمه ويردد على مسامعها أمثال الفضائل وما ينجم عن القبائح من المآثم والفضائح، وأن لا يجعل خضوعها له بحكم الاستبداد والاعتساف بل بروح الحب والولاء والإنصاف ولا يضن عليها بالمال أو يسئ ظنًا بطهرها وعفافها، ولا يستهزئ بحسنها وجمالها ولا يغالطها تجاه الأولاد والخدم، ولا يخفى عنها سرًا ولا يعاتبها جهرًا ولا يشتغل برصد الأفلاك ومراقبة النجوم عن دلالها وجمالها،ولا يولد في فكرها حب الغيرة لأن المحب غيور.

ومتى قلدتها بحكمتك قلائد الشكر والامتنان تجدها كملاك في ثوب إنسان لا تتعب الاَّ لراحتك ولا تسعى إلا لرضاك ولا تهتم إلَّا بمسرتك والعكس بالعكس على حد قول من قال وبضدها تتميز الأشياء.

م ۱۰»

 

اقتراح حسناء

بعض واجبات المرأة

بقلم حضرة الآنسة الفاضلة مريم خالد من دير القمر

اليكِ نزف اليوم أبكار أفكـــارِ …تجري بنا عيسى الخيال أسفارِ

تحط رجال البحث في مربد النهى…فنحن بغير علم لسنا بتجارِ

وراياتنا في تي الدني واجباتـنا …ونحن لمجد الجنس أكبر أنصارِ

إذا قمتِ تبغين الحقوق التي لنـا …علينا لذا اتمام واجب مختارِ

غفلنَ طويلاً غير أن سباتنا…تقضي فإبدلناه نحن بأسهارِ

الموضوع جليل والبحث فيه متسع، والقلم عاجز عن الخوض في مضماره مليًا، ولو لم تكن جريدة الفتاة الغراء قد اقترحت البحث فيه لأحجمت عن ذلك عالمة أن آرائي في هذا الشأن لا تذكر في حسب آراء من يحسب باعى عندهم شبرًا غير أن الحقيقة بنت البحث، والبحث يشحذ الأفكار فيرد منها ما كان كليلاً، ويبقى للعرض ما كان قاطعًا وصقيلاً.

لقد أفاض الكتاب في هذا العصر في البحث في شؤون المرأة من حيث مساوتها للرجل أو عدمها وأكثروا من تعداد فضائلها وحسناتها وترفع مقامها ووزناتها غير أن أكثرهم ضربوا عن ذكر واجباتها المتنوعة وأسلبوا ذيل المعذرة، على ذلك ومنهم وهو النذر القليل من جاهر بتعداد تلك الواجبات معلنًا شدة لزومها خصوصًا وأن النساء قد أفقنَ في هذا العصر إلى ما هنَّ عليه.

ولما كانت المرأة مساوية للرجل من حيث مركزها ومقامها وأهميتها في الهيئة الاجتماعية ومساوتها لهُ (غب الاستئذان من جنس الرجال) في قواها العقلية، وكانت واجباتها مساوية لواجباته ومسؤليتها للعالم كمسؤليته، هذا إذا ضربنا صفحًا عن أن عليها بقايا دين من العصور القديمة حينما كانت قليلة جدًا بالنسبة لها في العصر الحاضر، وهي لا تقوم إلا بإتمام القليل منها فتكون مجموع واجباتها أعظم من مجموع واجباته.

وتختلف كمية واجبات المرأة بالنسبة إلى اختلاف الظروف من حيث الزمان وتقدم شعبها في المدنية وسهولة وسائط امتداد المعارف عندهم، ومخالطة أهل القبيل الواحد ببعضه….. فإن المرأة في القرون القديمة والمظلمة لم تكن لها من الحقوق ما تملكه الآن وعليه فإن واجباتها لم تكن مساوية لواجباتها في العصر الحاضر لأن الواجبات تكون بالنسبة إلى الحقوق كما هو مقرر في عرف علماء الفلسفة الأدبية ودارسيها. فواجبات المرأة في بلاد الهند مثلاً لا تتعدى حدود إعداد الطعام والتزام الخدر، وهي إن كانت أرملة فبليتها طامة ومصيبتها عظيمة، إذ يوجه إليها كل اللوم والشتم والإهانة والاحتقار، فلا يستنظر من نساء تلك البلاد أن يبحثن في أمر واجبات المرأة، وهي دون الطفيف ولكن أين هذا من واجباتها نحو رجلها وأهل بيتها، وكل من مازجهم من خدام وزوار وكذلك نحو أبناء جنسها في بلادها وفي غيرها، وبالإجـمـال فإنها تتناول كل سكان الأرض ولكن على نسب مختلفة.

ولا ريب أن البحث في واجبات المرأة نحو رجلها ونحو أهل بيتها كان حقه أن يترك للعقائل اللواتي اختبرنَ ذلك، فهن يوفين البحث حقه وعليهن مدار الكلام من هذا القبيل غير أنها رمية من غير رام فإن أصابت فعلى غير القياس، وإن لم تصب الغرض فلا يخلو الأمر من تقديم رأي أو إيقاظ فكر أو التنبيه إلى نقصٍ أو الإلماع إلى فضيلة.

وتقسم النساء على هذا النمط إلى قسمين: فالقسم الأول يشمل النساء اللواتي يتممن واجباتهن بغاية الدقة والنظام حسب عرف البلاد التي يقطنها، والقسم الثاني اللواتي أغفلن ذلك أو بعضه لاهيات بأمور لا طائل تحتها بل أنها بالعكس تحط من شأنهن وشأن من جاراهن على تلك الأمور.

ولما كانت المرأة شريكة الرجل في حياته ومكملة النوع الإنساني باتحادها مع زوجها، وكانت واجباتها العظمى مـتـوجـهـة نـحـوه بحيث أن أدني خلل في إتمام تلك الواجبات يحسب ذنبًا لا يغتفر والعكس بالعكس، وعبرة المرأَة في سلوكها هذا إنما هو تأملها جليًا وإدراكها حق الإدراك أن مـعـامـلـتـهـا لزوجها يجب أن تكون نظيـر مـا تستنظره منه إن لم نقل أعظم، فإن فعلت ذلك فنعم المرأة هي فهي ملاكة أو شيطانة فبحسب الاعتبار الأول نراها تجتهد في سبيل إرضاءه إن كان في تعزيته وقت هجوم جيوش الأحزان والمصائب وحلول الأكدار أو مدها إياه بالنصائح عندما يحتاج إليها وكذلك إن تتدبر جهة مسير سلوكه وطبعه فتجاريه عليه إن كان حسنًا وتجتهد بلطفها أن تحسنه إن كان رديئًا، وهي بفعلها هذا لا تطلب راحته فقط بل راحتهما كليهما مع كافة عائلتهما. وللنساء في ذلك سابقات من جنسهنَّ من اللواتي عددن في مصاف أبطال العالم وغدون قدوة لربّات العيال.

ومن المقرر في عرف علماء نظامات الأمم أن العائلة هي ركن الأمة والبلاد، وأن الأمة ليست سوى مجموع عيال، فكما أنها هي مجموعها حسيًا، فكذلك تتألف منها أديبًا بحيث أن آداب الأمة تتوقف على آداب عائلاتها كما أن آداب العائلة في مجموع آداب أفرادها، وهنا تظهر أهمية الزوجة في حسن سلوكها واختبارها في تنظيم بيتها على أسلوب يسر كل من عرفها.

فالرجل بتعرضه للأشغال العظيمة واندماجه في سلك الهيئات التجارية والسياسية وغيرها يتعرض طبعًا لضيق الأخلاق وبكده وبشغله في هذا العالم يبذل جهده لراحة امرأته وأولاده، فعليها إذًا أن تشاركه بكل أتعابه وأطوار حياته، وأن تهاجم جيوش الأحـزان بلطفها وحنوها، فتطردها عنه إذ أن الله خلقها أكثر صبرًا وجلدًا منه، وهي ذات حاسات رقيقة لم يعهدها الرجل في جنسه، فإن رأته متعبًا أو حزينًا، فعليها أن تتروى مزيد التروي في معاملته، وإن تحترز من أن تخاطبه بكلام قاسٍ أو تحدثه بحديث مكدر إذ أن ذلك يزيد في تعبه، ولربما يؤول إلى نتائج أخرى لا يحسن تأتيها.

ومن النساء من يحملن رجالهن أحمالاً شاقة في البيت، ومثلهن في هذا مثل تلك التي جاء ذكرها في جريدة الفتاة الغراء حيث قالت إن من واجبات الرجل أن يخدم المرأة حتى في الخدمة البيتية، فعليه عندما يهب صباحاً من رقاده أن يعد لها الشاي أو القهوة وتكميل تنظيم البيت إلخ، وأن ما يكن ما جاء هناك على سبيل الهزل أو كان في الظاهر رأى واحدة بين النساء غير أنه بالحقيقة يوجد نساء كثيرات ممن يبهظن أعناق أزواجهن بأمثال هذه الأعمال، مفرغات أوقاتهن للزينة والقصف تاركات أمر البيت في خبر كان، صارفات النظر عن المستقبل. فمثل هذا الفريق لا يجب أن يحسب في عداد الهيئة الاجتماعية، إنما هو ثقلٌ يجب طرحه حينما يمكن ذلك، وإنى أرى زيادة البحث في هذا الموضوع تحصيل حاصل بعد أن كان تطفلاً واضحًا، فأتقدم إلى البحث الآخر، وهو كيفية سلوك المرأة نحو خدمها بدون تمييز بينهم إن كانوا رجالاً أو نساء، فأقول:

إنه لمن المعلوم أن النسب بين أفراد البشر قد تحددت بموجب شرائع طبيعية ونواميس أدبية، لا يمكن للإنسان أن يكسرها بدون أن ينال جزاءه، وقد مرَّ على الناس عصور حينما كان الدرهم يبتاع لصاحبه حيوة ابن جنسه، غير أن تلك العوائد انتسخت وبوق الحرية قد رنَّ في كل أنحاء العالم، وأصبح كل ما يمكنا شراءه من غيرنا محصورًا في وقته وتعبه لا غير، بيد أن البعض من السيدات يتوهمن أن الخدام خلقوا لراحتهنَّ بكل الوجوه، ولا فرق عندهنَّ بين أن يعاملن الخادم بلطف أو بقساوة، إذ يملأ رؤوسهن ذلك الفكر الباطل بأنهنَّ لم يبذلنَ دراهمنَّ لغيرهنَّ بقصد إراحته بل بالعكس، وهنا معظم الفرق بين بعض السيدات وبين البعض الآخر بحيث ينقسمن إلى فئتين، فلكتا الفئتين تستأجران الخدام لقضاء الحاجات والخدمة، غير أن الأولى تفعل ذلك فقط أما الثانية فتفعل ذلك وتزيد عليه أن تمسك حاساتهم الأمر الذي لا يقبله العقل، ولا تسلم به الطبيعة خصوصًا، وأن الخدمة لا تفيد العبودية فكل سيدة تفعل ذلك لابد أن ينفر منها خدمها، ولا يطيلون المكث في خدمتها، فتقع في صعوبة من حيث افتقارها إليهم وتجديدهم آونة بعد أخرى، وهي وإن لم تفرط في هذا فإن سلكت فيه مسلكًا لطيفًا فلا يليق بها أن تفرط من الجهة الأخرى بحيث تتناول إلى مساواة خدامها بنفسها، لا من حيث الإنسانية بل يجب عليها أن تبقى لنفسها اعتبارًا عندهم وكرامة بحيث يجرون أمرها سريعًا بملء الطاعة. وعليها كذلك أن تكون مخاطبتها لهم مقرونة باللطف، وأن تبذل وسعها في تهذيبهم خصوصًا في السلوك نحو ممن يأتي بيتها، وكذلك أن تلاحظ آدابهم قبل دخولهم خدمتها وذلك بواسطة الفحص عن ماضي حياتهم والنظر في الشهادات المعطاة لهم إن خطًا وإن شفاهًا. لأنهم إن كانوا سيئ الأخلاق وفـاسـدى الآداب فقد يحدث أنهم باخـتـلاطهم مع أفراد العائلة خصوصًا الصغار منهم قد يفسدون أخلاقهم الأمر الذي يكثر حدوثه في بعض المواضع.

وعلى ربة البيت الفاضلة واجبات نحو خدامها أسمى مما ذكر، وهي أن تبت فيهم روح الشهامة والأمانة والدين، فيعود ذلك بالخير عليها وعليهم، وإني أعلم أن كثيرات من السيدات لا يلتفتن إلى هذا الموضوع بعين الأهمية، غير أن أهميته تظهر جليًا لدى التأمل بها والبحث عن نتائج الإخلال فيه في بعض العيال، ولا ريب أن المرأة مديونة لخدامها لسبين، أولاً كأناس مازجتهم وعاشوا تحت عنايتها وتحت سقف بيتها. وثانيًا كأبناء جنسها أو كما يحدث أنهم يكونون غالبًا أبناء وطنها أيضًا, فواجباتها نحـوهـم عـظيـمـة، وإن لم تكن كذلك في الظاهر، وماذا يضر بالمرأة يا ترى أن تكلم خدمها بلطف أو أن تدعوهم بأسمائهم عوضًا عن استعمال بعض ألفاظ تكره الآذن سمعها مثل ولی. ولكيا بنتويا ولدإلخ

کلام اللطف يفرح كل قلبٍ …ويجعل أرضنا هذي سماءَ

وردة العرب

هي السيدة وردة الشاعرة المشهورة بنت قطب زمانه الشيخ ناصيف اليازجي رحمه الله وشقيقة العلامة الفاضل الشيخ إبراهيم اليازجي، ولدت في بيروت وتلقت العلوم الابتدائية في المدرسة الأميركانية السورية ثم قرأت على المرحوم والدها، وكانت على حداثة سنها ذات ذكاء غريب وفكر متقد قالت الشعر في سن الثالثة عشرة، ولها نوادر كثيرة من بوادر قريحتها التي كانت تدل على مستقبلها دلالة تباشير الصبح على الشمس.

وليس العجيب في الملكة العربية التي كتبت فيها بل في بلوغها، وهي لم تقرأ على مدرس شيئًا من العلوم النهائية التي تقتبسها اليوم إلى الدرجة التي ساعدت فيها همم الكبراء من الشعراء من حيث الأساليب في رصانتها ومتانتها وسلامتها من الشوائب التي تؤخذ على كثير من شعراء هذا الأوان، ومن حيث معانيها التي تقبلها على كل الصور وتبتدعها في كل نوع من أنواع الحكمة والمديح والرثاء، مما يتجدد به قديمها ويعذب في الأذواق والأفهام ويعجب له اللبيب المتفنن.

وقد عزمت في كلامي عن هذه السيدة أن أصفها بما في صورتها الأدبية، أي شعرها من مظاهر أخلاقها التي تنفرد بها عن أكثر النساء، كما انفردت بالنظم عنهن جميعًا متمثلة في ذلك بقولها لإحدى السيدات:

يا من جلت در لفظٍ جاء يخبرنا …عن لطف خلقٍ أتي في الناس بالعجب

وهي طريقة لا أخشى عنها التكذيب، ولا أرمي بالمبالغة والغلو ولا أتهم كما يتهم سواى من المترجمين في زيادة شيء لها من عند نفسي، وهي خلو منه وقد بلغني ممن عرفها واستفاد من أحاديثها حينًا من الزمن بأنها ذات حصافةِ في الرأي وجد في القول ملطف باللين وتهذيب العبارة وبصيرة بالحكمة في أسرارها والانسجام والسهولة في تصوراتها بحيث يأخذها منها السمع كأنها بديهية وهي عين الغرابة.

وتراها مع كبر نفسها وشرف مقامها الأدبي كثيرة الاتضاع حتى لو ذكرت لها حسنة من حسناتها لكنت تظنها جاهلة لها على حد قول المتنبي:

كرمًا فلو حدثته عن نفسهِ …بعظيم ما فعلت لظنك كاذبا

أما تربيتها لأولادها فكاملة جرت بها على ما أرادته سليقتها الصحيحة وعرفته بمجرد ذكائها، فشبوا على دماثة في الأخلاق واتضاع ورصانة في القول والعمل، وأما معيشتها فغاية في البساطة، فتمر الأيام وهي تفتح لكل فجر العين التي ينبغي أن تنظر حوادثه بها، وتجوز طريق العمر دون التفات إلى ما لا يستفاد منه ولها ديوان صغير الحجم لكنه جامع نفائس من درر نظمها غار الدهر أن يحلى بها هذا العصر، قلم يسمح أن يقلد بها جيده، وأنني فيما أرى القارئ من أبياتها الآن لا أريه الأقـول الصبا ومقتبل الشباب، وكنت أتمنى لو أقابل مبلغ شعرها وهي فتية وبين مبلغه الذي كان مقدرًا لها مع التقدم في السن والخبرة والمطالعة، غير أني اكتفى بما في السير دليلاً ما كان في القوة، وأسأل القراء العارفين الذين أطلعوا على ديوانها بم تفوتها الخنساء في الرثاء إلَّا بعدد المراثي وبم يسبقها الشعراء في مقامات المديح والتهنئة وما شاكلها من أغراض الشعر إلَّا بما هو أليق بالرجال، ولا يأتي على لسان المرأة وأي واعظ كان أصيب واعظًا منها في قولها:

يا حاسبًا دنياك دار قــــرار…أقصر عناك فتلك الأم دارٍ

لا تستقر بها النفوس ولا ترى…قلبًا بلا غم ولا أكندارِ

أو في قولها:

زود النفس قبل شد الرجـال….. إن هذه الحياة طيف خـيالٍ

وأصبحن التقى أمامك مصبا …حًا لتجلو ظلام تلك الليـالي

إن فعل الصلاح للناس أولى …ذخره من ذخائر الأموالِ

ليس هذي الدنيا بدار قـرار…إنها دار وقفة وارتحـــــــــــالِ

وانظر إلى مراثيها في ذويها تعلم صحة قول العالم أن القلب بئر لا يدرك غوره الإحساس فيها، فإنك لا تتلو المرئية الأولى حتى تقول لم يبق للقلب ما يقول إذ أناب مصاب ثان، وقد قالت في رثاء أخيها حبيبًا:

يا عين وردة في الأسحار والأصلِ …أبكى لفقد حبيبً عنك مرتحـل

ویا سلو ابتعد عن مهجتي أبـداً …ویا دموع انزلي كالعارض الهطلِ

ثم قالت في رثاء والدها العلامة المرحوم الشيخ ناصيفًا:

تكاثرت الأحزان في كبدى الحـرى…وزادت دموع البين في عيني الشكري

وجارت على ضعفى الليالي وأوقدت …بطى فؤادي من نوائبها جمرًا

فقدت أبي مالي وللعيش بعـــده…فموتي من عيش غدا بعده أحــرى

حياته الحزين القلب موتٌ وموتـه …حياة يلاقي عندها الراحة الكــبرى

ثم قالت ترثى المرحوم أخاها نصارًا:

ويلاه ويلاه كم نشكو وننتحب…وكم علينا صروف الدهر تنقلبُ

وكم تجور الليالي في حوادثها …على فؤاد بنار الحزن يلتهـبُ

قد أشعل البين في قلب الحزين لظـى…يزيده دمع عيني وهو ينسكـبُ

روحي فدى من به أيدي القضا نشبت …سهامها بل بقلبي الهم منتشبُ

ثم قالت ترثى شقيقة لها:

متى تترك الأيام دمعي لا يجـرى ….. وقلبي المعنى لا يبيـت على جمر

وهل تنسين ما مضى من مصائبٍ …يذوب لها الصلد الأصم من الصخرِ

فليتأمل القارئ بعد هذه الأبيات من قصائد شتي كيف كان الحزن لا يطرق قلب هذه الشاعرة إلَّا أودى عنه زنادًا للبلاغة أو أجرى متبعًا للفصاحة في مقام يضل فيه الرشد وينبض القلب نبضًا مشوشًا للحياة، فلا يتمالك معه من الوزن الرجل، فكيف المرأة وأما في المديح الذي نظمته هذه السيدة فلا أصف شيئًا بل اكتفى بما قالت:

تدفق في منازلنا السرور …مساءً حين شرفها الأمـير

وضاعت بهجة كالصبح لما …تجلى فوقها القمر المنيـر

قلي قدرت ربوع حل فيها …لكانت نحو ملقاه تسيـُــر

وقالت:

تجلى وجه مريم يوم عيدٍ …فكان هناك عيدٌ فوق عـيدِ

جميلة منظر قد تم فيهـا …جمال الطبع من لطفً وجودِ

وقالت في الإمبراطورة أوجيني:

في الشرق شمس للنهار نظيرها …في الغرب شمس ليس يغرب نورها

إن لم تزر هذه البلاد فقد أتت…منها مكارمها العظام تزورهــا

وقولها:

إن كنت تبغى الوصف غير مفندٍ…فالهج بأوصاف الأمير محمدِ

علم لقد جمع الفضائل شخصه…فأعجب لجمع حاصلِ في مفردِ

من قولها في الوصف لديوان يسمى حلية الطراز:

هذه حلية الطراز أتت مـن…مصر تزهو باللؤلؤ المنظــوم

حلية للعقول لا حلية الوشي …وكنز المنطوق والمفهوم

وقالت في جواب رسالة:

يا نسمة من أرض وادي النيل …وردت فاطفت بالسلام غلیلی

هي نسمة من روح أكرم روضًة …يحيى شذاها روح كل عليلِ

ومن عجيب ما أتت به قولها تاريخاً لإنشاء جمعية خيرية في سوريا:

وكذاك قال الله في تاريخه…من يرحم المسكين يقرض ربه

ولها من المنظومات والتواريخ كثير وقفت عند هذا الحد من ذكر بعضه، فاسأل للشرق أن يتم عليه نعمته في هذه الأيام بكثيرات يهتدين بنور تلك النجمة اليازجية التي خلدت لها ذكرًا جميلاً وكفاها فخرًا بأنها امرأة فاقت الرجال وبارت الغربيات في أنيل مجال.

لحضرة الكاتبة الفاضلة الأنسة استير ازهري في بيروت

الفتاة

أهلاً بزايرةٍ وافتنا ترفل بحلل أبهي من استبرق خوى وأجمل من ديباج صنعاء وتزدهي بحلی ما ازدهت بمثلها حسناء، وهي الفتاة أتتنا سحرًا تعطر أرجاءنا بعبير أذكى من الورد والخزام، وتنثر علينا من الألفاظ آيات بينات حاكت السحر الحلال رقًة ولطفًا وفاقت عقد الجمان بهاًء وحسنًا، فمن مقالات علمية وفصول تاريخية ونبذ أدبية وشذرات فكاهية صدحت حمائم الفصاحة على أغصان سطورها، وشدت ورقاء البلاغة عليها أن «حى على الفلاحفلم تبق حاجة في نفس يعقوب وعليه فلا بدع أن أقبلت علينا تجر أذيال السؤدد تيهًا وإعجابًا، وتسحب أثواب الفخار تدللاً واختيالاً.

كيف لا وهي فريدة عصرها ويتيمة دهرها جاد علينا الزمان ولطالما كان بها ضنينًا وتكرم، وكم كان بالنفس لها من اشتياق وحنين بل كان مطلعها لدينا مطلع الأعياد، أجل إنها الضالة التي كنا ننشدها، والمنارة التي كنا نبحث عنها لنستضئ بنورها وتأمن شر العناد وغوائل السير في ظلمة طالما أغشيت على أعيننا ومنعت عنا سبل الرشاد والهدى. أما الآن فيحق لنا التباهى بها على من سلفنا من النساء اللواتي ذهبن ولم يتركن إلى الخلف إلى ما هو دون النزر اليسير من الآثار التي تخلد الذكر وتبقيه, هذا ولا عتب عليهن بذلك ولا تثريب إذ لم يكن بينهن من ضاهت هندنا الفاضلة عملاً وإقبالاً عليه وضارعتها نشاطًا وإقدامًا إليه، ولا غرو في ذلك فإن الأغصان على أصولها تنبت، فإن من قرأ فقرة من تأليف والدتها المرحومة الطيبة الذكر لا يلبث أن يقول أن هذا الشبل من ذاك الأسد أو ليست هي من قيل فيها:

كانت لها التقوى كأبهى حلـة …وصنيع أيديها أجل خضابهـا

وروت سماحة وجهها عن قلبها …وبدت معارفها بطي كتابها

فأنعم به أصلاً وأكرم به فرعًا، ولا تعجب إن فاز الصوب بالسبق، فقد فاز به الغيث من قبل وأجمل به من وفي ودود قام بإتمام مشروع قضت به الفقيدة المبرورة الآثر مدة من العمر بين الدفاتر واليراع.

فكيف لا نستقبل فتاة فاضاتنا على الرحب والسعة، ونحلها منا القلوب فضلاً عن الصدور موازرين إياها أدبيًا وماديًا کی تعم في البلاد، وتنتشر في كل من القطرين السوري والمصرى جاعلات رياها مضمارًا نتبارى به، ومقامًا نحث إليه مطايا الأفكار ونسوق إليها خطرات أفكار وسانحات رداح غاديات.

وفي الختام أسديك مولاتي عاطر ثنائي وأمحضاك أخلص التهاني، لما بلغته من المقام الرفيع بين بنات جنسك لا زال بدر طلعتك مشرقًا في مطالع القبـول زاهيًا في سماء الفضل بالغًا من دهره غاية المأمول.

ولحضرتها أيضًا خطاب تلته في جمعية باكورة سوريا في بيروت.

خطبة تنشيط

أيتها السيدات الفاضلات

لقد مر على قلمي حين من الدهر، وهو في زوايا الأحـجـام منزو وفى خـبـايا الإهمال محتجب، اعترافًا بقصوره وإقرارًا بنزر مادته، ولم أكن لأظهره إلى عالم الوجود ولو لم تذكر من بانتدابه لأن يلقى عليكن بضاعـة مـزجـاة لم يروجـهـا سـوى لطفكن الباهر وعليه، فإني استهل كلامي بتأديتكن الثناء الجميل والشكر الجزيل، كيف لا وقد اخترتني لموقف طالما تاقت إليه نفسي وصبت خصوصًا بعد تلك الهدنة التي أرتني عيانًا ما للباكورة من النفع العميم والفضل الشامل عملاً بقول الشاعر:

لا يعرف الصحيح قيمةً لما …كان من الصحة حتى يبتلى

بل معاذ الله أن تبلى الباكورة أو يعتريها تغيير إن لها أنصارًا من أهل الغيرة العلمية والنجدة الأدبية ممن يبذلون في سبيل تقدمها النفس والنفيس، ولا يضنون بكل ما عز لديهم وهان في ذلك القصد علمًا منهم أن يتقدمها رفع شأنهم وإعلاء قدرهم. نعم إننا لا ننكر على الباحث في تاريخها بعض فـتـور أرخى علـيـهـا سـدوله حينًا من الدهر كمـا يرخي الليل المدلهم ظلامه الحالك، ولكن إن هو إلَّا استعداد لإقدام وعمل ينزلانها من النشاط روحًا جديدًا ويقمصانها من الحياة ثوبًا قشيبا، ولنا بحميتكن سیداتي ما يحيى ميت الأمل ويغرس فيه غصن الرجاء رطيبًا. فإنكن طالما علوتن بالباكورة إلى درجة هي منتهى الآمال، وارتقيتن بها إلى الأوج فكيف يكن وهي لا سمح الله كادت أن تتصل بالحضيض إن لم تمددن لها تلك اليد المعهودة وتنشلنها من وهدة التأخير والانحطاط.

هذا وأني أعلم من نفسي عدم الأهلية لأن أظهر لكنَّ حدة طالما اضطرمت نارها في فؤادي عند تأملي بما صارت إليه جمعيتنا، ولكن لى بكرم أخلاق سيداتي شفيعًا يقوم معتذرًا لى بالمثل السائر، وهو لكل مقامٍ مقال.

فما لي وللمقالات العلمية والمواضيع الأدبية، وبين يدي موضوع شامل أهل لأن يشغل معظم أفكار كل منا، ويستغرق أطول أوقاتها الا وهو العمل على إعادة جمعيتنا إلى ما كانت عليه سابقًا، وكأني بكن تعتذرن قائلات، وأنتن أصدق القائلين وأين عددنا الآن منه قبلاً مهلاً سيداتي، إنني لا أنكر عليكن إن حالتنا الآن أشبه بعاصفة قد انقضت على جمعيتنا، فإذا لم نثبت في وسطها تهدمت عمدها، واندكت أركانها إلى الأساس، وكي نتمكن من إتمام ذلك علينا أن نتأمل مليًا بالمشروعات العظيمة التي رفعت منار التمدن وشيدت أركان العمران نرى أنه لابد من أن يتخللها أطوار عسر ويسر وارتقاء وهبوط زاد القائم بها قوًة واقتداراً، ودرجته في مدارج الاختبار إلى من تكللت أعماله بالنجاح، وعليه فلتقدمنا القلوب ولتعتصم بالصبر و الثبات کي يحسب لنا بذلك فضلاً عند تغلبنا على المصاعب المحدقة بنا، عالمات أن من الصغائر تنتج الكبائر اللهم إذا ثابرنا على مداومة العمل والإقدام الأمور التي لو أخل لها الفلاح لم نحصل على ما نسد به الرمق، والملك يتبدد ملكه ولعبت به أيدي العدم وكذا نحن إذا أهملنا الاجتهاد والمواظبة عليه شتتنا شمل جمعيتنا أيدي سبا وفرقنا عصبيتها كبنات نعش، كما وأني لا أخالكن تجهلن الواجبات الموضوعة، على عاتق كل منا تجاه الوطن وبناته وإذا لم تكن سوى بث روح الاجتهاد في أفئدتهن كان ذلك كافيًا لأن جلانا غيرة وحمية کی نقتطف ثمار المعارف من رياض العلم الشهية، ونبذرها في كل مكان مصرحات على رؤوس الأشهار وقائلات:

هذه آثارنا تدل علينا …فانظروا بعدنا إلى الآثار

ولكن يسؤني جدًا أن ألقي عليكن سؤالاً راجية منكن معذرتي عليه سلفًا، وهو وأي اجتهاد يبث في صدر تلك التي تسمع أن أحدنا تدون اسمها في دستور الجمعية ولا تحضر مدار السنة سوى جلسة أو جلستين لعمري أنها بعد أن تكون مملؤة غيرة ونشاطًا للانتظام في سلكها تعود على الأعقاب قائلة لا ناقة لي بها ولا جمل. فلذا أرى أن مركز كل منا بالنسبة للوطن، كمركز ذاك الأمام الذي رماه الله بالحصر على المنبر فلم يلبث إلى أن قال سيجعل الله بعد عسرٍ يسرًا وبعد عيٍ بيانًا، وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال فطارت بخطبته الأخبار وسارت بها الركبان.

فمما مر نرى أن ما من أمر يقدم جمعيتنا الجزيلة النفع سوى مداومة الحضور الأمر الجوهري الذي إذا واظبنا عليه نلنا الفوائد التي تصدر عنه.

ومعلوم لدي كل ذي ذوق سليم أن قـيـمـة الشيء تعلو وتسفل وتنقص وتزيد بحسب ما يتعلق به من المنافع، وإذا لم يكن لجمعيتنا من منفعة سوى الوحدة التي تجمع الداخل تحت لوائها كان ذلك كافيًا لأن يزيد أعضائها وينشرها في كل الأقطار السورية فإنه والحمد لله وبعناية حضرة رئيستنا الفاضلة قد نلنا هذه الأمنية، وصرنا بمعزل عن آفات التحرب التي كثيرًا ما نزلت بجمعيات عديدة وأفنتها بحيث لم تبق منها أثرًا من بعد عين، وهاك دستور جمعيتنا الحاوي على قوانين لم تجعل إلا ما يوافق أهلية كل سيدة مهذبة من سيدات الوطن، وما هو تحت حيز استطاعتها وما سيدات الوطن المهذبات بقلائل، فما بال جمعيتنا مفتقرة لهنَّ، وهن محدقات بها ومعرضات عنها وتناديهن وهن لا يصحن لها سمعًا فكان مثلها:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمي …والماء فوق ظهورها محمول

ولكن لا عتب عليهنَّ بذلك ولا تثريب، إذ لا يمكنهن الرجم بالغيب، فإني على يقين تام أن كثيرات من سيدات الوطن يجهلن أن وطنهن يشتمل على جمعية هذه غايتها وخصوصًا بعد تلك الهدنة التي جعلت المتأمل بها، كالمتأمل بعاد وثمود وطسم وجديس. وما كان أجدرنا بعد افتتاحها ثانية الإتيان على ملخص تاريخها وغايتها، ونشر ذلك في جريدة من جرائد البلاد مثنى وثلاث ورباع كي يطلع على ذلك القاصي والداني، ولا يعود لسيدات البلاد من عذر يتملصن به من الواجبات الواضع على عاتقهن الوطن الشرقي كما وأني على يقين تام بأن كل منا لا تقصر عن أن تمد في مضمار ذكر باكورتنا باًع رحيبًا، وتقوم بفخرها في كل ناد خطيبا مفتخرة بها، وفي الختام اطلب إلى الله عز وجل أن ينشطنا إلى النجاح، ويكلل مساعينا بالفلاح وهو خير مسئول.

افتتاح المعرض الـكـولـومـبـي

«في أول أيار»

افتتح المعرض الكولومبي في مدينة شيكاغو، وقد قدرت مساحته بألف ومائتي فدان، وهو يزيد عن معرض باريز لعام ۱۸۸۹ نحو خمسة أضعاف.

وجلس قبالة قصر إدارة المعرض المستر كلافلند رئيس الجمهورية الأميركية والدوق دي فراکا (نسیب خريستوف كولومب) يحف بهما الوزراء والسفراء ورجال المجالس ووكلاء الجرائد ونحو ألفين من المدعوين، فضلاً عن الألوف المؤلفة التي كانت وقوفًا في فناء القصر.

ثم نهض المستر كلافلند وفاه بخطاب بليغ، وبعد أن انتهى من كلامه ضغط على ذر ذهبی فتحركت به أدوات المعرض كلها، وأطلقت المدافع وانتشرت الألوية وارتفعت الأصوات بالتهليل والدعاء.

وهكذا افتتحت حضرة الفاضلة العظيمة السيدة «برثا هونوري مدام بالمر» حفلة افتتاح القسم النسائي من هذا المعرض بخطاب عظيم أبانت فيه أن الذكاء والحذاقة والنباهة لا تنحصر في جنس دون آخر بل هي مشتركة بينهما بالسواء، ثم افتتحت الخطيبة كلامها بعظيم الشكر لحضرات الملكة فكتوريا وإمبراطورة روسيا وملكة إيطاليا وملكة إسبانيا ولجمعية النساء البلجيكيات اللاتي أقبلنا عليها وعضدن مشروعها ثم تلتها بالخطابة دوقة دى فراكا فخطبة بالنيابة عن نساء أسبانيا، ثم قامت على أثرها الكونتة بياتسا بالنيابة عن نساء إيطاليا ثم البرنسس شاكوسکی بالنيابة عن الروسية فانجلی بهن آثار الأبهة والجمال.

روى كوكب أميركا الأغر بأن نساء الاسكيمو سكان الدائرة الشمالية قرب القطب لا شيء عندهم غير آكام الثلوج وجبال الجليد، ولا يجد عندهم من الحيوانات سوى الدب الأبيض وحيوان آخر يسمى الرنة، وهو على شبه الجاموس وهذا الحيوان (الرنه) يقـوم بإعالة الإسكيمو، فإنهم يأكلون لحمه ويشربون لبنه، ويلبسون جلده ولا شيئًا يأكلون سواه مع بعض الأسماك التي بإمكانهم صيدها.

وإن أعظم عائلة غنية عندهم من يجد عند إحدى نسائها إبرة واحدة للخياطة وبهذه الأبرة كل الغنى، وقد نقلت باخره اسمها ايفيلينا جماعة منهم إلى بوسطن ومنها إلى شيكاغو في أواسط شهر أكتوبر سنة ۱۸٩٢ وبنت لهم في المعرض قرية على شكل قراهم.

(السيدة إليزا بريتوين)

هي من أغنى نساء لندن وأشـهـر نساء الإنكليز بالفصاحة والبلاغة وحسن الإنشاء ومعرفة التاريخ وقوة الذاكرة والتعمق في الفلسفة العقلية والطبيعية، ولها مؤلفات عديدة أعظمها كتابها في التاريخ الطبيعي التي وضعته لانتقاد العلماء وكبار الفلاسفة، فارتد عنه طرف المنتقد كليلا لقوة حججه وغزارة موارده وسهولة مأخذه وحسن نتايجه ولذة السيدة الشريفة الفاضلة قصر من القصور العظيمة في لندن وآخر في مدينة دوفر الأول تأويه في فصل الشتاء والثاني في فصل الصيف، ويقصدها بهما كبار العلماء من الجنسين ولها آراء في السياسة تحترمها أرباب الجرائد السياسية والقابضون على زمام الأحكام، وهي من أعظم النساء اللواتي تجندن للدفاع عن جنسهن النسائي، وطلبن له الحق بإعطائه كراسي القضا ومنصة الأحكام.

ولما رفع لخـدرها المصون العدد الخامس من جريدة الفتاة بواسطة حـضـرة الفاضل سليم أفندى سركيس محرر جريدة لسان الحال ونزيل لندن حالاً اندهشت وليس من الفتاة» بل لعدم علمها أن في الشرق مثل هذه النهضة الأدبية النسائية وكتبت لنا في الحال معربة عن سرورها من جريدتنا المبتكرة تحت سماء الشرق، واعدة بأنها ستتدارك لها أسباب الظهور والجلاء حبًا في الجنس وتعزيز الفضيلة وقيامًا بواجب الإنسانية، وعلاوة على ما ذكر طلبت منا أن تقيد اسمها في مصاف المشتركين، وأن نقترح عليها دوامًا المواضيع التي تسر قارئاتها، وتكون ذات فائدة لهن سواء كانت علمية أدبية أو تاريخية تهذيبية وتعرفها عن حجم الموضوع الذي يمكن للجريدة إثباته في كل عددٍ منها، وأن نرسل لها من كل جزء أكثر من عدد لتوزعه على الفاضلات من نساء الإنكليز ليعرفن ما أثمرت أتعابهن من تشييد مدارس البنات في الشرق العظيم وخصوصًا في سوريا ومصر، وأن الفتاة المحضة بنات جنسها على ائتلاف القلوب رعاية للنهضة الأدبية التي بها تدرك المرأة الشرقية حقوقًا وواجباتها ما هي إلا من أثمار تلك المدارس العظيمة التي نفقت عليها سيدات الإنكليز الألوف المؤلفة لتعزيز الفضيلة وانتشار العلم والآداب، فهكذا الغيرة على محبة الجنس والحمية على العلم والفضل، وإننا لنحمد الله الذي لم نعدم من الغرب نصيرات يقدرن الشيء قدره وهن أجنبيات عن اللغة والوطن، وإذا حصل لنا بإذن الله العظيم ومساعي هذه الفاضلة مجموعة اشتراكات من نساء الإنكليز الفاضلات لا نتأخر عن تدوين مقالاتهن في الفتاة باللغة الإنكليزية، وكل آت قريب إن شاء الله.

هند

الفضل بالأعمال

إن من أعظم دلائل الهمة والاجتهاد ما اطلعنا عليه في هذه الأثناء في جريدة سنت جمس بدجت المصورة، وهو أن امرأة من نساء الإنكليز تعلمت اللغات الشرقية وفي جملتها اللغة العربية، وذهبت إلى دير طور سينا وجعلت تفتش في الكتب القديمة التي في مكتبته، فوجدت بينها كتابًا قديمًا باللغة السريانية كتب سنة ٧٧٨للمسيح أي منذ 1115سنة، وهو سيرة بعض القديسات ولما تأملت فيه رأت على إحدى حواشيه كلمة إنجيل، وقد طمست حتى لا تكاد تقرأ، فقالت في نفسها إنه نسخة قديمة من الإنجيل وقد محيت كتابتها الأولى وكتبت هذه السيرة عليها، وكان معها عقار إذا صب على الرق الذي محيت الكتابة عنه ظهرت تلك الكتابة عليه ثانيًة، فصبت العقار على ورقة منه والمحال ظهرت الكتابة القديمة، وأذن لها الرهبان بصب العقار المذكور على كل الرقوق المؤلف منها هذا الكتاب، فوجدت أنه نسخة قديمة جدًا من الإنجيل باللغة السريانية. وكانت هذه المرأة قد تعلمت اللغة اليونانية، وألفت كتابًا وصفت فيه سياحتها في بلاد اليونان ووصفت الأماكن التي ولد فيها بعض الرهبان الذين في ذلك الدير، وقد ترجم كتابها إلى اللغة اليونانية واطلع عليه أولئك الرهبان، فلما علموا أنها هي التي ألفته رحبوا بها وسهلوا لها وسائط تصوير هذه الرقوق تصويراً شمسيًا، فصورت أكثر من ألف صورة وأخذتها معها إلى بلاد الإنكليز لكي يطلع عليها علماء اللغة السريانية. فبمثل هذ الهمة وهذا الاجتهاد فاقنا الأوربيون في ميدان الحضارة.

(المقطم)

في الأخلاق والـعـوايـد

تابع الخطبة والصداق والأعراس والزغردة والجلوات والمراقص»

عوائد الصينيين في الخطب والزواج

من عوائد الصينيين أن العروس تحتجب عن عريسها مدة الخطوبة، فلا يراها ولا تراه ويحتمل أن لا يعرفان بعضهما إلَّا يوم الزفاف لأن حقوق العقد محفوظة لكبار عائلتيهما، فينجزونه على غير علم منهما رضي العريس أو غضبت العروس وقد يسعى بعضهم أحيانًا في تدبير عروس للطفل، وهو في المهد رضيع وفي بعض الأماكن تتفق الحبلي مع الحبلي الثانية على أنهما إذا ولدتا ذكرًا وأنثى زوجاهما لبعضهما بعد بلوغهما سن الزواج.

أما الفقراء منهم فلكي يتخلصوا من نفقات العرس يسمحون للمرأة إذا كانت أمًا لولٍد وبنتٍ أن تختار لابنها طفلة وتأخذها من أمها بعد أن تعطها بنتها بديلًة وتعتنى بحضانتها وتربيتها حتى إذا بلغت سن الرشد زوجتها لابنها عاجلاً.

على أن الأغنياء فلا يفعلون ما يفعله الفقراء بل يصبرون حتى يبلغ أولادهم سن العشرين، وبناتهن سن السادسة عشر وحينئذ يحتفلون بزفافهم احتفالاً يليق بمقامهم ولا تتم خطبة بينهم إلا بواسطة نساءٍ اتخذن سمسرة الزواج مهنة، وليس بواسطة الوالدين الذين لا يطلب منهم إلَّا تعيين السمسارات المذكورات وإرسالهن، ليجبن البلاد وينتخبن لأحد أولادهـم عـروسًا تناسب الأوصاف التي يرسمها لهن الوالدون، ومتى وجدن عروسًا ورفع الرضي عليها يعقدن عقد الخطبة بموجب ما بأيديهن من التفويض الوالدي، ولا يجوز عندهم شرعًا لأحد العروسين أو آلهما فسخ هذا العقد مطلقًا.

أما تعدد الزوجات عند الصينيين فتحذره عليم الشريعة المدنية لزيادة النفقات إلا أنها تفسخ للأغنياء بأخذ أعداد من المحظيات، ولكن إذا تخلى أحـدهـم عن زوجته الشرعية عاقبته الحكومة بمئة جلدة جزاء له وعبرًة لغيره.

والصينيون من أكثر الأمم اهتمامًا بأمر الزيجة من صغر لأنهم يخافون من انقطاع النسل بحيث لا يبقى في العائلة أحد يقوم بتقديم واجبات العبادة لآلهتهم إذا كبر الإنسان منهم ولم يتزوج، ولذلك قلما ترى بينهم رجلاً أو بنتًا عذباء.

ومن عوائد بنات الأغنياء أن العروس متى قرب الأجل المعين للاقتران، وشعرت بدنو ساعات الفراق وغصات الوداع أظهرت أو تظاهرت بالحزن والكدر، ولها حق يلتمس لها عذرًا إذا نطقت بما يعن لها من عبارات الكآبة والتأسئ المؤثرة، فإن كانت العبارة شعراً تناقلتها الناس عنها وسارت بها الركبان في كل مكان، وإذا كانت العروس من خاملات العقول غير قادرة على إلقاء مثل هذه العبارات لا شعرًا ولا نثرًا تتقدم إحدى كبار نساء عائلتها قبل حلول الأجل المذكور تعلمها ما تعرفه من جمل هذه التقليدات المحترمة في هيئاتهم الاجتماعية.

والبنات قبل خروجهن من بيوت أبائهن بقليل يشرن إلى يوم زفافهن بعبارات من يشير إلى يوم مماته، فتقول إحداهن لأخيها الأصغر لا تتأخر يا حبيبي من أن تأتي يوم يبلغك أنني مت ودفنت وتحرق ما شئت من البخور على قبرى، وتقول الثانية لأخيها الأكبر وامرأته استحلفكما بالآلهة العظام أن لا تقتلا بعد موتى ما تصادفانه من الحشرات الزحافات حول بيتنا لأنه يحتمل أن تكون روحي قد انتقلت إليها تقميصًا وفضلت السكني بجوار البيت عن القبر إلى غير ذلك من العبارات الخرافية الدالة على سوء المبادئ في هاتيك البلاد الواسعة.

ومن عوائدهم أيضًا أنهم في صباح يوم العرس يغسلون العروس بماء معطر بإثني عشر نوعًا من أنواع الزهور العطرية، ويغمسون شعرها بسيال من الصمغ ثم يعقصونه على طرز بديع في قبة الرأس ويزينونه بالريش المذهب، ويلبسون العروس حلة بهية ثمينة ويجلسونها وهي حزينة باكية أو متباكية على كرسي في وسط القاعة حتى يأتي أجل المسير بموكب زفافها إلى بيت عريسها، فيذهبون معها باحتفال عظيم يتقدمهم رجل قصير القامة حاملاً بيده غصن شجرة مورقًا مزهرًا، وذلك للتفاؤل بالكمال ثم يتبعه اثنان متوسطا القامة وفي يد كل منهما مصباح معلق برأس عود من قصب السكر، ومن ورائهما رجل طويل القامة حاملاً على كتفه قطعة من القنا الهندي، وفي آخره لواء أحمر ثم يتبعه حمالة الصناديق الحمراء المشتملة على جهاز العروس ثم العروس ومن يحتطن بها ثم الأهل والأصدقاء والمعارف المدعوين لحفلة العرس.

ولدى وصول العروس إلى بيت عريسها يلاقيها نساء الأهل وفي مقدمتهن إحدى ريبت المجد والسعادة تفاولاً بحسن مستقبل العروس بغاية الاحتفال والاحتفاء، وقبل أن يدخلنها باب الغرفة المعدة لاستقباله تتقدم تلك الوجيهة أو رئيسة الحفلة وترمي على عتبة الباب قشًا محروقًا، وفيه أثر من وميض النار ثم تمسك العروس بيمينها وتزغرد بأعلى صوتها قائلًة:

جوزي الدخان ولا تخافيه أيا …..ذات المحاسن والقوام الناعم

وتهللي في العام هذا وافرحي…واتي بطفل في ابتداء القادم

وبعد دخول العروس إلى غرفتها وجلوسها على سريرها لا ترى أمامها إلا صناديق جهازها، ومن تأتيها بالطعام في أوقات الأكل على أن العريس في مساء اليوم التالي يؤلم وليمة للأصدقاء والمدعويين، ويسمح بعد الفراغ من الأكل بمشاهدة عروسه لمن يقدم لها شعرًا تهنئًة بالزفاف.

وقد يتخلل ليالي الفرح بعض الألعاب والمزحيات والمساخر، فإنهم يأتون بشاب من أصدقاء العريس ويلبسونه ثوبًا رثًا قذرًا ولحية طويلة كثيفة بيضاء، ويضعون على عينيه نظارتين ويمسكه لفيف من لطفاء شبانهم من تحت باطية، ويتقدمون به إلى أمام العروس وهم يقولون هذا رجل قصير النظر يحب أن يرى العروس ولا يستطيع ذلك عن بعد، فتنهض العروس وقوفًا إجلالاً لمقامه وحينئذ يرمى نظارته ولحيته بسرعة عظيمة ويتقهقه ضاحكًا، فتقع العروس في الذهول مرعوبة من تغيير منظره فجأًة، فيضحك الحضور ابتهاجًا واستحسان ثم أنهم يضعون تحت كرسي العروس رزمة من الألعاب النارية ويشعلونها بدون أن تشعر العروس بها إلَّا متى تفرقعت، فتقع بارتباك وخـوف يسببان لها بعض الأحيان الإغماء والغيبوبة، ويحتمل أن يتلف ثوبها الجميل بحروق يتزاحم الشبان على إطفائها ويضج الجمهور بأصوات الضحك، وهكذا حتى تنتهى الوليمة ويتفرق المدعوون.

والعريس عندهم عادة مرعية الإجراء، فإنه يختبئ في أثناء الوليمة حتى يذهب المدعوون جميعًا، وسبب ذلك أن عريسًا أخذه بعض أصحابه بعد وليمة العرس بحيلة مزحية ليعذبوه قليلاً بالبعد عن عروسه إلى محل منفرد، وربطوه بجزع شجرة على طريقة لا يستطيع معها فكاكًا وتركوه برهة ثم عادوا إليه ليطلقوه، فلم يروا من جثته إلا هيكلها العظمى وبعد البحث تحققوا أن نمرًا جاء وافترسه، فندموا على ما فعلوا حيث لا ينفع الندم، وبات الصينيون بعد هذه الحادثة ممسكين بأذيال هذه العادة خوفًا ورهبًة.

وفي صباح اليوم الثالث يدخل العروسان إلى الغرفة المزدانة بصور الآباء ليقدما لها واجب الاحترام ثم يعودان منها ويعترفان بالخضوع لكبار أعضاء العائلة، وعند ظهيرة هذا اليوم يرسل العريس هديًة لبيت حميه مؤلفة من لحوم وأسماك وكعك وبعض الحلويات والمآكل النفيسة، وبعد ذلك يسمح لأي كان بمشاهدة عروسه فتأتي الناس فرادي وأزواجًا إلى بيت العريس لمشاهدة العروس وتهنئتها، وحينئذٍ تتقدم النساء إلى العريس ويزرغدن له بما معناه:

نرى في بيتكم شيئًا قديمًا…الفناه فليس نسر فـيه

وأما الآن نرى شيئًا جديًد …لهذا قد أتينا نبتغـيه

وبعد الفراغ من هذه التقاليد تنهض العروس للنظر في مواجبها البيتية، وأول عمل هو غسل ثيابها وثياب قرينها ثم تأتى مهذبتها إلى الوعاء المعد لطعام الخنازير وتشير إليها أن تعلف الخنازير منه وهي تنشدها:

هذا طعام خنازير بداركمُ…فواظبی طبخه من دون ما كـدر

واعلفيها به حتى تصير وقد …أشبعتها منه تحكى أسمن البقر

ثم تطبخ بعد هذا غداء لأهل البيت تحت سيطرة حماتها وتقدمه لهم بعد أن تخيط لزوجها لباسًا وإلَّا كانت قوامًا ضعيفة وحياتها في المستقبل تعيسة.

أما أهلوها فلا يسمح لهم بزيارتها إلَّا بعدما تلد غير أن أخاها الأصغر له الحق أن يزورها في اليوم الثالث ومعه زجاجة من زيت الشعر يقدمها لها هدية، ويتناول معها ما طبخته بيدها ويعود مع مهذبتها التي لا تمكث عندها أكثر من ثلاثة أيام.

أما هي فلا يجوز لها أن تزور بيت أبيها إلا بعد أربعة أشهر من اقترانها بشرط أن توافقها الأحوال ولا يحدث ما يمنعها عن تلك الزيارة لأن الموانع عندهم كثيرة، فإن ماتت جارتها لزمها الحداد مئة يوم، وإن ماتت حماتها حدت عليها ثلاث سنوات في الأقل وهكذا إلخ، وهذه العوائد جنينها لم تزل محفوظة في البلاد الصينية حتى الآن بدون أن يغير الزمان منها حرفًا واحدًا ولله في خلقه آيات.

عرس أمير البلغار

جاءَ في الجرائد الأخيرة أنه احتفل بعقد زواج البرنس فردينند أمير البلغار على البرنسس ماری لويز في كنيسة الدوي دي بارم الخصوصية في قصر بيانور، وقد قام بصلاة الإكليل نيافة أسقف كوب ثم تلا خطبة وجيزة على العروسين، وقد أخذ الدوق دى بارم قبل الإكليل بذراع العروس كريمته، وأخذت البرنسس كليمنتين بذراع ولدها البرنس فردينند وتقدما إلى الهيكل ثم سار المدعوون على أثرهما من الأمراء والكبراء ووراءهم وزراء البلغار وكبار رجال الحكومة البلغارية، وقد أعطى البرنس فردینند عروسه إكليلاً مرصعًا بالماس والياقوت والزمرد وقرطين مرصعين بالياقوت الأزرق تحيط بهما الأحجار الكريمة، وكانا قبلاً لماري أنطوانيت ملكة فرنسا وعقدًا يحتوى على مئة وتسعين جـوهـرة وتسع وعشرين زمردة وتاجًا من الرياحين والأزهار مرصعًا بالأحجار الكريمة. وأهدى الدوق دي بارم إلى ابنته العروس عقدًا ثمينًا فيه صفان من الجواهر الكبيرة. وأهدت إليها والدتها الدوقة دي بارم حلية في وسطها زمردة كبيرة تحيط بها الأحجار الكريمة. وأهدت إليها البرنسس كليمنتين والدة البرنس فردینند عقدًا فيه ثلاثة صفوف من اللؤلؤ وريشة مرصعة بالياقوت والألماس. وأهدت إليها ملكة الإنكليز كاسًا من الفضة مخططًا بالذهب. وأهدى إليها أخوتها وشقيقاتها ريشة مرصعة بالماس. وأهدى إليها الكونت والكونتس دي باردى سوارًا بديعًا، وأهدى إليها الدون كارلس زراكشًا فاخرًا وقد طرز عليه شعار المملكة الإسبانية والإمارة البلغارية. ثم أدبت مأدبة شائقة قرب الظهر جلس عليها ثمانون نفسًا، فشرب الدوق دي بارم على ذكر العروسين وعائلة كوبورغ والأمة البلغارية والحكومة والجيش ثم وقف البرنس فردینند وشكر الدوق دي بارم بالأصالة عن نفسه والنيابة عن عروسه والأمة البلغارية وقد أعرب عن سروره من اتحاد عائلته بعائلة البوربون، وقال إن دماءَ من دماءِ القديس لويس تجري في عروقه.

ثم شرب الموسيو ستسيولوف على ذكر العروسين، وأعرب عن سرور الأمة البلغارية وابتهاجها بمشاهدتها المرة الأولى أميرة على سرير البلغار بعد أن قضت خمسمئة عام وهي محرومة من ذلك. وقال وإن هذا اليوم إنما هو يوم عظيم لأمته وبلاده ثم أكد امتنان البلغار وإخلاصها. ولما كانت الساعة التاسعة مساءً سافر العروسان إلى سبيزيا حيث يبحران إلى وارنه. وقد عهد حضرة البابا إلى أحد كبار خدمة الدين أن يهنئ العروسين من قبله، وأرسل إلى العروس خاتماً مرصعًا بالِألماس.

وقد رأينا أن نلّم هنا بذكر نسب البرنس فردينند وعروسه إتمامًا للفائدة. فهو فردينند ابن أغسطس سكس كوبورج وأبوه هذا ابن عم البرنس ألبرت ساكس كويورج كليمنتين ابنة الملك لويس فيليب الذي تولي الملك على فرنسا من سنة 1830 إلى 1848.وأما العروس فهي ماري لويز ابنة دوق بارم من عائلة البوربون. وعم البرنس فردينند اثنتان وثلاثون سنة وعمر عروسه ثلاث وعشرون سنة.

المقطم

أهم أخبار الشهر

تشريفات

حضرة صاحبة الدولة والعصمة والدة الجناب العالي

تستبقبل دولتها الزائرات الوطنيات يوم السبت من كل أسبوع في قصر رأس التين العامر من الساعة 9 عربية إلى الساعة 11 والزائرات الأجنبيات في قصر الرمل العامر كل يوم جمعة من الساعة 4 إلى الساعة السادسة بعد الظهر وافق يوم 24 الماضي عيد مولد جلالة الملكة فيكتوريا ملكة الإنكليز وإمبراطورة الهند، وهو اليوم الأول من دخولها في سنة الخامسة والسبعين من عمرها، وسنصدر العدد القادم من الفتاة بصورة جلالتها الأخيرة التي رسمت في أواخر العام الفارط بثوبها العادي.

أنعمت الحضرة السلطانية بوسام الشفقة العالي الشان من الدرجة الأولى على حضرة دولتلو البرنسس حفيدة سمر الخديوي الأسبق إسمعيل باشا وقرينة صاحب الدولة جلال الدين باشا.

بارحت الاسكندرية على وابور توفيق رباني إلى الأستانة العلية دولتو البرنسس حرم سمو البرنس حسين باشا كامل عم الجناب العالي وأسرتها الكريمة تبديلاً للهواء وترويحًا للنفس.

خـطـب وأعراس

روت جريدة الدالينوز أن جلالة القيصر والقيصرة وعدا الملكة ناتالي بأنهما لا يتأخران عن إعطاء ابنتهما الغراندوقة كسينيا إلى نجلها الملك إسكندر ملك السرب وذلك إذا تم الصلح بينها وبين قرينها الملك ميلان، والمرجح أن الملكة لا ترفض ذلك إنقاذًا للإشارة القيصرية المومأ إليها.

يقال أن البرنس فيودورا دي سلاسفيك هولشتن شـقـيـقـة كل من جلالة الإمبراطور غيليوم إمبراطور ألمانيا والإمبراطورة أوغستا فيكتوريا المولودة عام ١٨٧٤ ستعلن خطبتها عما قليل إلى البرنس دى نابولي وريث عهد إيطاليا المولود عام 1869.

أعلنت جريدة التيمس في لندن رسميًا بأن حضرة البرنسس ماري وحيدة دوق دی تاك المولودة في قصر كنسكتون في لندرا عام 1867 من والدتها الدوقة دى تك كريمة أدولف دوق دى كامبريج، وهي ابنة عم الملكة فيكتوريا التي كانت خطيبة المرحوم دوق دی کلارانس فقيد إنكلترا قد أصبحت الآن خطيبة لشقيقه البرنس أوف ولس ولی عـهـد إنكلتـرا جـورج فريدريك أرنست البرت دوق دي يورك كونت ديفرنس وبارون کیلارني المولود في 3 حزيران (يونيو) عام 1865، وقد عينته جلالة الملكة قومندانًا للعمارة البحرية الملكية وياورًا بحريًا لشخص الملكة وقبطانًا لفرقة حرس الدراغون الأولى البروسية، ومن أعضاء ندوة مالبورو المتحدة وريثما بلغ الخبر أهالي بريتشمون (المكان الذي تقيم فيه العروس) احتفلوا احتفالاً عظيمًا حول القصر، وقرعت الأجراس جميعها دلالة على الفرح والسرور.

ومن أخبار النمسا أنه ستعقد قريبًا خطبة البرنسس اليصابات البلغارية حفيدة إمبراطور النمسا والمجر على الأرشيدوق جوزيف ابن الأرشيدوق جوزيف والأرشيدوقة كلوتيلد.

في ليلة الخميس من الأسبوع من شهر مايو زفت حضرة ذات الطهر والعفاف شقيقة سعادة محمد بك شريف نجل المغفور له شريف باشا » سكرتير عموم نظارة الخارجية إلى سعادة محرم باشا شاهين وكان الاحتفال شائقًا، وفي الساعة السادسة ساروا بالعروس إلى منزل سعادة العريس في حلوان على قطار مخصوص بغاية الفرح والاحتفاء.

وزفت كريمة المرحوم إبراهيم أدهم باشا على حضرة عزتلو حسن بك جـلال رئيس محكمة قنا الأهلية.

وزفت كريمـة عطـوفـتلـو فـخـرى باشا رئيس مجلس النظار سابقًا إلى حضرة الفاضل عبدالله بك أدهم من أعضاء النيابة العمومية بمصر.

ومن أخبار حلب أنه زفت حضرة المصونة الأنسة لميا خانم أفندي كريمة دولتلو المشير عثمان باشا وإلى الولاية إلى عزتلو محمود بك من أركان العسكرية.

ومن أخبار بیروت، زفت بها كريمة جناب الوجيه الخواجا إبراهيم غبرائيل إلى حضرة الفاضل الدكتور اسكندر بك بارودي. فمنا لجميعهن التهاني والتبريك.

وورد لنا من حضرة وكيلتنا الأديبة السيدة غره توتونجي في محلة الكبرى بتاريخ ۲۹ أبريل ما كان من الزينة والاحتفال العظيم يوم تشريف الجناب العالي إليها وبما أن الجرائد اليومية قد سبقتنا إلى تفصيل الخبر فاكتفينا منها بما يأتي.

عندما شرف جنابه العالي حفظه الله معرض الصنايع الوطنية المعد من قبل الخواجا نصرى مخائيل توتونجي والسيد أحمد أفندي عبد رب النبي وعرض على أنظاره سـمـو ما كان فيه من الملايات وذرخان الحرير والبشاكير والفوط والستاير والكفيات والمناديل إلى غير ذلك من الأقمشة الحريرية والقطنية التي استحقت مع عارضيها مسرات سموه تقدمت حضرة الفاضلة الأديبة السيدة الكسندره مدام جناب الوجيه الخواجا ملتیادی افيريتوه ورفعت لسموه طاقة من الورد على غاية من الإتقان والانتظام وقالت بلطفٍ وآداب.

لقد شيدتم قصور المكارم بعدما درست وأحييتم حبات القلوب بعد أن يبست فاسأل الله العظيم أن يديم سموكم بحر فضلٍ يفيض بفضله على البحور وشمس عدل تقتبس من نورها البدور. ثم قالت من نظمها البليغ:

يا عزيز البر يا حامي الحمـى…يا لواء العدل فـوق الأروسِ

يا كريم المنتهى والمنتمي…يا كنوز العلم للمقتبس

أزهرت أيامه مثل الربيع…والندا من كفهِ دومًا يصـوب

مجده يسمو على كل رفيع …کم به من منةً على القلـوب

ظله الوارف قد صان الجميع…وغدت تحسدنا كل الشعوب

يدع الاحكام والقسطاس ما …عاقه عن حاجـة الملتمسِ

يمصف المظلوم ممن ظلما…ويجازي كـل بر أو مسی

نورهُ الزاهي أضا اليوم …أفق المحلـة المشرف

وكساها شرفًا في شرفٍ…فهي في أنعامـه مقتطفـة

قبل الأنيال مـنه واهـتفِ…بعبارات الدعاء المستظرفه

يا إله العرش يا رب السما ….. كن لعباس الفتي في حـرسِ

واجعل النصر رفيقًا أينمـا…حلَّ كالمشكاة باهي القبسِ

جائَنا العدد الأول من جريدة عظيمة أدبية إخبارية أسبوعية تصدر في مصر تحت اسم الكمال لحضرة صاحبيها الأديبين بطرس أفندى وتوفيق أفندي عزوز، وهي مدبجة بكثير من المواضيع المفيدة والمقالات الأدبية، فنحت حلفاء الآداب على الاشتراك بها، ونسأل لها رواجًا ونجاحًا.

هدايا وتقاريظ

أهدانا جناب الموسیو ازوباردی نسخة من كراس يحتوى على مرئيتين من نظمه الأولى بالإيتالية والثانية بالإفرنسية يرثى بهما المغفور له محمد توفيق الأول خديوى مصر سابقًا، وهما على غاية من الانسجام وبراعة النظم المؤثر، فتشكره ونثني على قريحته واريحيته الثناء الجميل.

الدر المنثور في تراجـم ريـات الخـدور

کتاب جليل يشتمل على تراجم ربات الخدور تأليف الكاتبة الفاضلة السيدة زينب فواز صاحبة رواية الهوى والوفاء وقد بوشر بطبعه في مطبعة بولاق العامرة تحت عهدة حضرة شقيقها الفاضل الحقوقي محمد أفندي على فواز المحامي، وقد جعلت قيمة للاشتراك فيه في الميعاد الأول ثلاثين قرشًا صاغًا مصريًا، فنحث السيدات الفاضلات ونصراء الآداب على الاشتراك به وقد طالعنا منه بعض تراجم شهيرات العرب وغيرهن فوجدناه كافيًا في موضوعه مستوفيًا في بابه، كيف لا وحضرة مؤلفته من الكاتبات الفاضلات في مصر ومن اللواتي قد تصرفن في الكتابة في أكثر المواضيع العلمية والأدبيـة ومـقـالاتها العديدة المدونة في جريدة الفتاة وغيرها من الجرائد العلمية والسياسية في القطري المصري والسوري، شاهد على فضلها ومعارفها وهي من الأوائس اللواتي زينهن المولى بحسن الخلق والأخلاق ورقة الطبع وعذوبة المنطق وقوة الذاكرة وسامي اللطف ومحاسن الآداب، ومن رأتها وسمعت حديثها لا تخالها إلَّا من تلامذة أعظم كليات المدارس العالية، فنسأل لها نجاحًا وتوفيقاً ولمؤلفها رواجًا وإقبالاً.

لقد بشرتنا جريدة كوكب أميركا الغراء بوصول حضرة الكاتبة الفاضلة السيدة هنا كورانی نيويورك ومنها إلى شيكاغو فنهنتها بسلامة الوصول.

عادت إلينا من بيروت حضرة السيدة المصونة عقيلة الوجيه الخواجا مخائيل قطه مع جناب قرينها المومأ إليه وهما على عزم السفر إلى أميركا لمشاهدة معرض شيكاغو العام.

وكليتنا الفتاة في حلب الشهباء

«السيدتان المصونات مروم شکرالله ثابت ومروم فتح الله الأنطاكي

رواية

الحرب النسائي

لحضرة الكاتبة الفاضلة الأنسبة استير أزهري في بيروت

«تابع ما قبله»

لقد وصل المسيو دي كانول نسخة أخرى منها أما أنا فحفظت الأصلية لأنها ذات

قيمة.

ترى ماذا يزعم عندما يرى مغايرة الخط.

فنظر الغريب كوميناك شذرًا منذهلاً من سرعة خاطره، وأراد أن يخيفه فقال له وهلا تخشى عقاب الحكومة إياك.

بل للمسيو ايبرون مشاغل عديدة تلهيه عن البحث عن أمور طفيفة كهذه، ولم أخبرك ما أخبرتك به إلا بأمل الحصول على هباته وتعطفاته السنية بل يكون ناكر الجميل إذا لم يحمنى. ثم فكر الغريب بنفسه قائلاً: ألا تساعدني الأقدار على إلقاء القبض على هذا الرجل وإكفاء العالم شره.

ماذا تقول یا مولای.. سال كوفيناك

لم أقل شيئًا، ولكن ماذا نقصد العمل بالإمضاء.

اقسم بشـرفي بأني لا أعلم ولكنه لا ريب بأنه سيعود علىَّ بمنافع عديدة، ولابد لي أيضًا من إرجاعه إليك بعد حين، فلا تجزع بسببه فإني أعدك أني لا استعمله فيما يوجب لك الخجل، فهل عدلت عن تسليمي إياه.

بل يجب

ما من راغم يا سيدي لك فإن كنت ترتاب بأمانتي فلتبق إمـضـائك واحـفـظ أنا رسالتی.

الآهات أعطني الرسالة ولا نطل الحديث.

اعطني إذا الإمضاء وأمسك بإحدى يديه الرسالة، بينما استلم الإمضاء بالأخرى.

أي النواحي تقصد.

الناحية اليمنى

وأنا اليسرى

ما العمل ورفاقي تنتظرني في الناحية التي تقصدها.

ما لك إلَّا إرسال رفقائي في قاربك، وأنا أبعث برفقائك في قاربي.

يا لك من نبيه متقد الذهن.

وعند اتفاقهما أخذ الغريب يقرأ الرسالة بكل دقة وإمعان. أما كوفيناك فتمتم قائلاً: ما كان أجدرني بإيقاف هذه الثورة بحيث لا يلزم لذلك سوى حتف الديوك ديبرون ولكن الإمضاء لا يعود علىَّ بفائدة متى قضى الديوك نحبه، فإذا فليحيا الديوك فليحيا.

ولما وصل كل منهما إلى الشاطئ المقصود أرسل رفاق رفيقه في قاربه كما اتفقا قبلاً، ولم يمضى نصف ساعة من زمن حدوث هذه الحادثة حتى فتحت نافذة الفندق التي أغلقت عند قدوم الفارس، وإذا بشاب لا يزيد عمره عن السادسة عشرة مرتدى بلباس أسود ذي أكمام منتفخة عند المعصم تبعا للموده وحامل بيديه النحيفتين الدالتين على كرم محتده وسمو حسبه قفازًا مزركشًا، وعلى رأسه قبعة مكمدة اللوان يعلوها ريش يخفي جانبًا عظيمًا من شعره الذهبي الذي كان بعضه متدليًا على وجهه الجميل ذي اللون الأبيض بحيث كان فتنة للناظرين، أما ملامحه فكانت تشير إلى الغيظ والحنق بينمـا كـان ينظر باهتـمـام عظيم إلى الطريق، فدخل عليه المسيو بيسكاروس وقال:

متى يبتغى سيدي مناولة العشاء فلقد أعد كل شيء.

متى يقدم صديقي لأني أكره مناولة العشاء وحدى.

ترى ما باله تأخر.

لا أدري ما السبب ولذا تراني منشغل البال من جراء ذلك.

أما أنا فأكاد أتميز من الحنق لأن اللحم على وشك الاحتراق.

انشله عن النار – يبرد – زد عليه – يلزم لنضجه وقتًا طويلاً.

فعيل صبر الشاب وقال له: أفعل إذا ما يحسن في عينيك، فإني أكل نفسي أحكمتك

اللقمانية.

حقًا إن حكمة سليمان لم تكن لتهديه إلى ما يحفظ طعامًا حاميًا دون أن يحترق.

وبعـد هنيهة سمع وقع حوافر، وإذا بفارس مقبل فاستبشر به خيرًا وقال «وأخيرًا » ولكنه لما أمعن النظر به قليلاً لم ير سوى رجل مختبئ بين الأشجار الغضة ثم اختفى عن نظره، وبعد هنيهة رأى فارسًا آخر متنكرًا فثار به عامل الفضول، وبقى أمام النافذة ليرى ما غرضه في ذلك المكان الموحد لما رأى آخر متوشحًا كالسابق، وكان كلاهما بين تلك الأشجار، فوجل الغلام: عند هذا المرأى وجلاً عظيمًا وفكر قائلاً للقبض علىَّ وعلى الألف دينار التي لي كمنا ذانك الفـارسـان هنا، ولكن متى أقـبـل ریسو سأواصل سفري وطريقي لا تنهى إلى هذا المكمن» ولم ينته من لفظ هذه الكلمات إلَّا وإذا بشخصين آخرين أحدهما مرتد برداء رمادي وملتف الآخر بعباءة التي عندما رفعها الهواء بانت عن لباس فاخر مزركش، وكان على رأسه قبـعـة جميلة يتلاعب بريشها الهواء.

وعند ذلك فتحت إحدى نوافذ قصر صغير في ذلك الجوار، وبأن منها وجه امرأة جميلة نظرت هنيهة إلى الخارج كأنها تنتظر قدوم أحد، وبأسرع من لمح البرق عادت مرتدة فلاحظ الغلام حالاً إنه المكان الذي كانت تتجه إليه أنظار الفرسان المختبئة بين تلك الأشجار، وأنهم ربما ينتظرون نفس الشخص الذي كانت تنتظره هي، ولكنه حين سمع أن بابه قد فتح ألتفت فرأى المسير بيكاروس فسأله قائلاً – هل لك أن تخبرني لمن هذا القصر الأبيض المكتنف بالصفصاف.

طورًا يقطنه قوة وتارة آخرون.

ولكن من يقطنه الآن.

شابة تدعو نفسها بأرملة، ولكنها تزأر أحيانًا بطيف زوجها الأول ثم الثاني ومما ظهر لي أن روحيهما على غاية من الفهم والفطنة، فلا يزورانها سوية.

هل مضى عليها زمن طويل في هذا المنزل.

كلا بل هي نقطنه منذ شهرين فقط لم يسمع عنها في خلالها إلَّا ما هو دون اليسير،

فما من أحد يعرف صورتها لأنها إن خرجت تخرج متوشحة بقناع يكاد يخفيها عن العيان، وكل صباح تأتيني فتاة جميلة لها تعيين ألوان الطعام التي ترغب بها سيدتها فبعد أن نبعث بها تعرد والثمن بيدها، ولقد أرسلت العشاء منذ هنيهة.

ومن يتناول العشاء عندما هذه الليلة؟

أحد الأشباح بلا ريب.

أو لم ترَ هم قط؟

نظرتهم أحيانًا يمرون إما متأخرين جدًا عند المساء أو باكرًا جدًا عند الصباح.

هل لك من وصفهما لي؟

أحـدهـمـا يبلغ الستين من العمر وما ظهر لي أنه الزوج الأول لأنه يأتي كمن له سلطان، أما الثاني فشاب يبلغ السادسة أو السابعة والعشرين من العمر ودائمًا أراه متحذرًا متيقظًا.

متى تتناول عشائها؟

الساعة الثامنة.

أما الآن فالساعة سبعة ونصف، فليس لك من الوقت ما تصرفه ضياعًا.

ولكنني أعددت كل شيء ولم أت إلا لأخبرك أن طعامك قد احترق، وابتدأت بتجديده

فعليك أن تنتظر مقدار ساعة فقط.

لا تقلق نفسك بعشاتنا لأنه متى يقدم صديقي لي أمورًا كثيرة، فتحدث وإياه بها فإذا

لم يكن الطعام مستعدًا نتكلم مليًا ريثما ينضج جدا.

إنك لطيف جدًا، وعند ذهاب المسيو بيسكاروس عاد الشاب إلى النافذة وفكر بنفسه قائلاً: لقد فقهت الآن بوضوح ما يجرى أمامي – فهذه السيدة تنتظر وفود شخص ما وهؤلاء يكمنون هنا للقبض عليه دون وصوله المنزل، ولكي تتحقق ظنونه رأی شابًا حسن البزة يتقدم نحوه ذا قامة هيفاء، ووجه باهر وفم مبتسم يعلوه شاربان سوداویان یزیدان جـمـال وجـهـه بهاًء، وخلـفـه غـلام لا يقل انشراحًا عن سيـده فارتعدت فرائصه عند تأمله بأن هذا الشاب المنشرح الصدر، تسیر به خطواته نحو تجرع كأس الفناء.

فاحتار بين أن يخلصه أو يتبع حاسة الجين التي كثيرًا ما تسود على من كان حدثًا مثلهُ، ولكنه أقر أخيرًا على إنقاذه فاقترب أكثر فأكثر من النافذة، وصرخ «ألا قف یا مولای فلى أمر هام ساقوله لك تقدم نحو النافذة وتكلم معي كأنك عرفتني».

فتوقف الشاب منذهلاً وتوسمه عن بعد إذ رأى جماله الباهر ورشاقته اقترب منه مبتسمًا ثم خر إجلالاً، وقال له هاكني طوع أوامرك فماذا ترغب منی یا مولای؟

أرجوك أن تقترب منى قليلاً لأني لا أقدر أن أقول ما أريد أن أقوله لك بصوت عال أعد قبعتك إلى رأسك كصديق لي أت لزيارتي.

ولكني لا أفقه لما تقول معنى.

ستفهم فيما بعد تقدم الآن وصافحني وإلَّا فأنت هالك لا محالة.

ولما؟ أراك متجها نحو ذلك المنزل الصغير أوليس كذلك؟ فهناك وراء تلك الأشجار

كمين من أربعة رجال يرغب الوقيعة بك.

أمتأكد أنت؟ أما الرجال فلقد رأيتهم رأي العين يصل الواحد منهم بعد الآخر ويقف هناك ومن شعروا بوقع حوافر حصانك أخذ كل منهم بتهيئة بارودته، ولو لم يرخِ الظلام سدوله لرأيتهم وعرفتهم.

لقد عرفتهم دون أن أراهم أما أنت فمن أخبرك بأني ذاهب إلى ذلك المنزل؟

اتبعت حدسي فكان واقعيًا.

يا لك من ساحر ماهر وكم عدد الرجال التي ترغب بقتلي؟

أربعة بينهم رئيس كما ظهر لي.

هو أقدم سنًا من الآخرين أو ليس كذلك.

نعم وهو أحدب أيضًا.

إنهُ الديوك ديبرنون بعينه. – أهذا هو الديوك ديبرنون؟

أجل ولكن ما أحمقني إلى أقص عليك أسراري وأمـورى، ولكن لا بأس فإني مديون لك بحياتي بل هل لك أن تتكرم علىَّ بمعروف أخر؟

إذا كان تحت حيز استطاعتي فبكل قبول ورضًى أقدمه لك.

هل لك سلاح؟ نعم. ألك خادم؟. نعم ولكني أرسلته لملاقاة صديق لي أنا في انتظاره.

أترغب بمساعدتي؟ في أي عمل؟ بمناضلة هؤلاء الرجال.

أمختل الشعور أنت؟ صرخ الشاب. العفو مولاي لقد سهى عن بالي أنذاك مما لا فايدة لك به ثم التفت نحو خادمه الذي كان خلفه، وقال تقدم ياكستورن

استحلفك بالله يا مولاى صرح الغلام مادًا نحـو ذراعيه ليوقفهُ ألا تعرض بنفسك لخطر كهذا فالأحرى بك أن تدخل هذا الفندق.

«البقية تأتي»

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات