القطاع العام، صاحب العمل المُفضل لدى النساء الشابات في مصر:
فهم دور النوع الاجتماعي ومؤسسات سوق العمل في دوافع العمل بالقطاع العام
(Public Service Motivation)
ملخص
يرغب شباب مصر، لا سيما الشابات، في العمل بالقطاع العام، حتى إذا كان الأجر أقل مما يمكنهم الحصول عليه في القطاع الخاص. تسعى هذه الورقة البحثية إلى شرح جاذبية وظائف القطاع العام بالنسبة إلى هذه المجموعة، مع ربط هذه التجربة بالأدبيات والتنظير حول دوافع العمل في الخدمة العامة (القطاع العام) ومناقشة أهميتها. تعتمد الورقة على بيانات مقابلات نوعية، وتحليل إحصائي لبيانات حديثة مستقاة من مسح وطني للعمالة في مصر. يلقي التحليل الضوء على زيادة تفضيل وظائف القطاع العام، وتفسير ذلك بالاختلاف في الخصائص الوظيفية بين هذا القطاع من العمالة والقطاعات الأخرى، جنبًا إلى جنب عوامل ملموسة بدرجة أقل تتعلق بالثقة والاحترام والمكانة الاجتماعية، وتنعكس في خطاب الشابات اللاتي أجريت معهن مقابلات حول هذا التفضيل الوظيفي. كما أن التقدير الممتد منذ أجيال، ومتأصل ثقافيًا بين المتعلمين للعمل في القطاع العام، يسهم أيضًا في تفضيل هذا القطاع. توضح كل من البيانات النوعية والكمية أن المنافع الاستثنائية، المتعلقة بالأمن والاستقرار الوظيفي، تُعد محورية أيضًا في هذا التفضيل. يطرح التحليل الوارد في هذه الورقة قراءة شاملة للعوامل المحفزة للانضمام إلى القطاع العام، في سياق ندرة فرص العمل وفائض العمالة.
استهدف عدد قليل جدًا من الدراسات معالجة بُعد النوع الاجتماعي في دوافع العمل بالخدمة العامة (DeHart- Davis et al. 2006). لكن هذا البُعد لا يزال غير مدروس بدرجة كبيرة في سياق أدوار الجنسين الجامدة، كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من البلدان الشرقية. لقد تناولت بحوث دوافع العمل بالخدمة العامة public service motivation، منذ فترة طويلة، إشكالية دفع الشباب والخريجين الجدد للانضمام إلى الخدمة المدنية (على سبيل المثال: Vandenabeele, 2008; Vandenabeele, Hondeghem and Steen, 2004). وتمثل النساء الشابات في مصر حالة مثيرة للاهتمام في مجال دوافع العمل بالقطاع العام. توضح البيانات المعروضة في هذه الورقة أن هؤلاء النساء الشابات يرغبن في العمل بالقطاع العام، مع الإشارة إلى أنهن قد يقبلن أجورًا أقل مما يمكنهن الحصول عليه عند العمل في القطاع الخاص(1). إن تفضيل العمل في القطاع العام، وسلوك البحث عن الوظيفة الذي يستهدف هذا القطاع بدرجة ملحوظة، يزداد مع تعليم النساء الشابات المصريات، فضلاً عن أن خريجات التعليم العالي يظهرن أكبر ميل للحصول على عمل في القطاع العام. وتجدر الإشارة إلى أن مصر لديها أحد أدنى معدلات مشاركة النساء في القوة العاملة بالعالم، وفقًا لتصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي(Hausmann, Tyson and Zahidi, 2011). تحتل مصر المرتبة 123 من أصل 135 بلدًا من حيث الفجوة بين الجنسين. وتعكس حالة عمل النساء في مصر تقدمًا هائلاً في مجال الحصول على التعليم، دون أن يقابلها مشاركة في قوة العمل (المرجع نفسه). كيف يمكن أن يساعدنا تزايد البحث في دوافع العمل بالقطاع العام على فهم هذه الظاهرة، وهل يمكن أن يكون هذا البحث أي صلة بالبيانات المأخوذة من مصر؟
تسعى هذه الورقة إلى الإسهام في التنظير حول دوافع العمل بالقطاع العام، وذلك بتوسيع دور المؤسسات الاجتماعية – التاريخية في دوافع العمل بالقطاع العام كما حددها بيري Perry (2000) لتشمل مؤسسات سوق العمل. ترتبط هذه المؤسسات بالسياسات والممارسات التي تحدد فرص العمل داخل سوق عمل محددة جنبًا إلى جنب المسائل المتعلقة بظروف العمل ومزاياه وأجورهBetcherman, 2012) ). تسعى هذه الورقة البحثية، بالاعتماد على البيانات التوعية والكمية، إلى تقديم قراءة لزيادة تفضيل الشابات في مصر لوظائف الخدمة العامة. يوفر التحليل الكمي أدلة دامغة على تفضيل وظائف القطاع العام بين الوافدين الجدد إلى سوق العمل من النساء الشابات في مصر، لا سيما المتعلمات. ويتضح ذلك من خلال بيانات مسح حول سلوك البحث عن عمل بين الشابات اللاتي ينتقلن إلى سوق العمل، وحول الحد الأدنى من الراتب المقبول بالنسبة لهن في مختلف القطاعات. أما البيانات النوعية، فهي توفر المزيد من التفاصيل حول أسباب تسليم الشابات بهذا التفضيل.
يرتبط التحليل المقدم في هذه الورقة بالأدبيات الدولية حول دوافع العمل بالخدمة العامة، بثلاث طرق محددة. أولاً، تتناول الورقة الفجوة الموجودة في البحوث فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي كبُعد من أبعاد دوافع العمل بالخدمة العامة في بلدان الجنوب. وتوفر البيانات المستقاة من مصر فرصة فريدة لفهم دوافع العمل بالخدمة العامة في البلدان التي تشهد أدوارًا جامدة للنوع الاجتماعي، وفائض عمالة، واقتصاد غير رسمي كبير. توفر الخدمة العامة، على غرار بلدان منطقة الشرق الأوسط الأخرى، منافع عمل يتعذر الدفاع عنها لدى باقي العمال(Assaad, 2014). وهذا هو الوضع الذي يتعارض مع التركيز العام لأدبيات دوافع العمل بالخدمة العامة التي تستند إلى بيانات من بلدان الشمال، حيث يجري تحليل دوافع العمل بالخدمة العامة في ظل خلفية تطرح أن الخدمة العامة توفر بشكل عام حوافز عمل أقل جاذبية مما يوفره القطاع الخاص. ثانيًا، تطرح الورقة تحليلاً لدوافع العمل بالخدمة العامة يستند إلى النوع الاجتماعي في إطار منطقة الشرق الأوسط. فهي منطقة تضم بعض أدنى معدلات مشاركة النساء في العمل بالعالم. وتقدم أصوات النساء التي تتضمنها هذه الورقة فرصة نادرة لفهم ضغوط محدودية فرص العمل بالنسبة لهذه المجموعة. ثالثًا، هناك فجوة رئيسية في الأدبيات الحالية التي تتناول دوافع العمل بالخدمة العامة، وهي أنها لا تضع في الحسبان البيئات الاجتماعية – السياسية وديناميات سوق العمل. إن الميراث الحكومي الذي كان يضمن التوظيف في مصر – وهي سمة مشتركة أيضًا في أجزاء كثيرة من العالم، لا سيما فيما كان يُسمى سابقًا “الكتلة الشرقية” – يؤدي إلى خلق ثقافة وطنية تحترم العمل في الحكومة لتأمين استقرار الدخل والضمان الاجتماعي. تخاطب هذه المنافع الاحتياجات الإنسانية الأساسية التي تشغل بال الباحثين عن عمل في الخدمة المدنية، على نحو يخلق تيارًا لتحفيز العمل بالخدمة العامة. وتسعى البيانات والتحليل بهذه الورقة البحثية إلى توضيح هذه القضايا.
يجري تنظيم هذه الورقة على النحو التالي. يناقش القسم الأول الإطار النظري للنوع الاجتماعي في دوافع العمل بالخدمة العامة، والمساهمة النظرية لتحليل البيانات المتعلقة بتفضيل النساء الشابات للعمل في الحكومة في مصر. يلي ذلك تحليل لبيانات المسح تقدم أدلة على تثمين العمل في الحكومة في مصر. يوضح هذا القسم زيادة انتشار انتظار العاطلين عن العمل لوظيفة حكومية والتقارير الواردة عن قبولهم لدخل من الخدمة العامة أقل مما كان يمكنهم الحصول عليه إذا عملوا في وظائف القطاع الخاص. يلي ذلك بيانات نوعية تناقش أسباب تفضيل هذا القطاع، كما شرحتها النساء الشابات. تنتهي الورقة بتوضيح لخصائص الوظائف المختلفة في القطاعين الخاص والعام للشباب العاملين فيهما، ويعقبه نقاش حول الآثار المترتبة على التحليل.
يرجع الفضل إلى بيري ووايزPerry and Wise 1990)) في إضفاء الطابع الرسمي على الخط البحثي المتعلق بدوافع العمل بالخدمة العامة. على أن هذا المفهوم لم يكن جديدًا في مجال الإدارة العامة، ويمكن اقتفاء أثره في مقال وودرو ويلسون Woodrow Wilson (1887: xviii) الرائد حول دراسة الميدان. قدم بيري ووايزPerry and Wise (1990: 368) تعريفًا للمفهوم باعتباره “نزوعًا فرديًا للاستجابة إلى الدوافع التي توجد بشكل أساسي أو فريد في المؤسسات العامة“. فئات الدوافع الثلاث الرئيسية المحددة هي: العاطفية، والعقلانية، والمعيارية. تُحرك العاطفة الدوافع العاطفية، ويُحرك تعظيم المنفعة الفردية الدوافع العقلانية، وتُحرك الرغبة في الوفاء بالتوقعات المجتمعية الدوافع المستندة إلى المعايير. وفي وقت لاحق، أنشأ بيري Perry (1996) مقياسًا لدافع الخدمة العامة، بانيًا دليلاً من ستة أبعاد رئيسية عبر هذه الخطوط. وقد كانت هذه الأبعاد على النحو التالي: الانجذاب إلى صنع السياسة العامة، والالتزام بالمصلحة العامة، والشعور بالواجب المدني، والسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، والشعور بالتعاطف، وروح التضحية بالنفس. توافقت هذه الأبعاد الستة (باستثناء التضحية بالنفس) مع الفئات الثلاث التي حددها بيري ووايز في عام 1990 على النحو التالي: توافق الانجذاب إلى صنع السياسة مع فئة العقلانية؛ والالتزام بالمصلحة العامة، والواجب المدني، والعدالة الاجتماعية مع فئة الاستناد إلى المعايير؛ والرحمة مع فئة العاطفية.
انتقدت الباحثات النسويات في مجال الإدارة العامة منذ فترة طويلة تركيز الذكور على أدبيات دوافع العمل بالخدمة العامةDeHart- Davis et al, 2006)). يجادل دو هارت – ديفيس وآخرون (المرجع السابق) أن الفئات الثلاث التي طرحها بيري ووايز لا تتيح تقدير قيمة القيود التاريخية لحدود النساء المادية والاجتماعية، والتدني بها إلى المجال الخاص. وفي المقابل، يجادلون أن دوافع العمل بالخدمة العامة تحتوي على أبعاد النوع الاجتماعي التي يجب الإقرار بها. بيد أن حجتهم ركزت على المسائل المتعلقة بالرحمة، والانجذاب إلى صنع السياسة، والالتزام بالخدمة العامة. كما أنهم لا يخوضون في القضايا المتعلقة باختيار وظائف الخدمة العامة في المقام الأول.
يرتبط الفهم القائم على النوع الاجتماعي لدوافع العمل بالخدمة العامة بحقيقة ارتكاز هذا المفهوم بقوة على تقدير قيمة دور المؤسسات الاجتماعية – الثقافية في حفر الأفراد على السعي للعمل في الخدمة العامة. كان تصور دوافع العمل بالخدمة العامة يعتبرها قضية اجتماعية تتجاوز المستوى الفردي Vandenabeele, 2007)). وتركز الدراسات المهيمنة للمؤسسات في دوافع العمل بالخدمة العامة على مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي يستوعب من خلالها الأفراد مفاهيم “ملاءمة” السلوك لخدمة الجمهور. يجادل بيري (Perry 2000) أن دوافع العمل بالخدمة العامة تتوقف على كيفية اختلاط الأفراد اجتماعيَّا من خلال المؤسسات الاجتماعية – التاريخية كالعلاقات بالوالدين، والدين، والتعلُم القائم على الملاحظة والنمذجة في مجرى حياتهم، والتعليم، والتدريب المهني.
اكتسبت خصائص المؤسسات التنظيمية، في الآونة الأخيرة، اعترافًا بها في الدراسات المتعلقة بدوافع العمل بالخدمة العامة. يجادل موينيهان وبندي (Moynihan and Pandey 2007) من أجل توسيع نطاق فهم المؤسسات التي تشكل دوافع العمل بالخدمة العامة لتشمل المؤسسات التنظيمية. فهما يعتبران القواعد والمعايير المرتبطة بالعمل بمثابة مؤسسات تنظيمية لا تحدد شكل السلوك الإداري لموظفي الخدمة العامة فقط، بل أيضًا المواقف الأساسية التي يعتنقها هؤلاء الفاعلون حول قيمة الخدمة العامة. وبالمثل، يجادل بيري وهونديجيم (Perry and Hondeghem 2008: 9) حول أهمية “التصميم المؤسسي الرشيد“، مسلطين الضوء على التوازن بين البيروقراطية والنزعة الإدارية في هويات المؤسسات العامة. أما كيلاسين (Kjeldsen 2012) ، فتستند إلى بيانات نوعية في جدالها أن الصفة المهنية، ودرجة الاحترافية، تُعد مؤشرًا قويًا على المواقف تجاه دافع العمل بالخدمة العامة كما ورد في دراسة عن المهنيين في مجال الرعاية الصحية الدانمركية.
إن هذه المقاربة المؤسسية لدافع العمل بالخدمة العامة تفتقر إلى تقدير قيمة دور مؤسسات وسياسات سوق العمل، وكيفية تأثيرها على الخيارات الفردية، يقدم بتشرمان(Betcherman 2012) تعريفًا لهذه المؤسسات على النحو التالي:
القوانين والممارسات، والسياسات، والاتفاقيات التي تندرج تحت مظلة “مؤسسات سوق العمل” تحدد من بين جملة أمور أخرى نوع عقود العمل المسموح بها؛ وتضع حدود الأجور والاستحقاقات وساعات وظروف العمل؛ وتُعرّف قواعد التمثيل الجماعي والمساومة الجماعية؛ وتُحرّم ممارسات عمل بعينها؛ وتوفر الحماية الاجتماعية للعمال.
يُعد التركيز على مؤسسات سوق العمل أساسيًا للفهم القائم على النوع الاجتماعي لدافع العمل في الخدمة العامة، استنادًا إلى البيانات المستقاة من مصر ومعروضة في هذه الورقة البحثية. يتسم سوق العمل المصري بنقص في الوظائف، يرجع إلى النمو الاقتصادي الهزيل جنبًا إلى جنب العدد كبير من السكان الشباب. لم تُترجم الخطوات الكبيرة في مجال تعليم النساء، مع الإغلاق المحدود للفجوة بين الجنسين في التعليم العالي، إلى مشاركة النساء في سوق العمل. وقد طرحت برسوم (Barsoum 2004) حجة تتمثل في أن روح اللياقة القائمة على النوع الاجتماعي في المنطقة العربية تجعل أماكن العمل صغيرة النطاق في القطاع الخاص غير ملائمة للنساء (Barsoum 2004) ، وتسعى العديد من النساء إلى العمل في الخدمة العامة لملائمة مكان العمل (المرجع نفسه). علاوة على ذلك، يشير أسعد (Assaad 2014) إلى أن إحدى السمات الرئيسية لأسواق العمل العربية تكمن في الثنائية العميقة والمستمرة التي سادت طوال فترة ما بعد الاستقلال. کما يشير إلى أن هذه الثنائية تنشأ من اتباع القطاع العام لنظام دفع تعويضات (بما يتضمن الجوانب غير المالية للوظيفة) أعلى من القطاع الخاص. وهذا الوضع يُشجع على انتظار عدد محدود من الوظائف الحكومية، والسعي بكل وسيلة ممكنة للحصول على مثل هذه الوظائف الثمينة بما في ذلك استخدام المحاباة والمحسوبية. لقد أصبح العمل في الخدمة العامة استحقاقًا يطالب به الباحثون عن عمل لينقذهم من عدم استقرار العمل وظروفه المحفوفة بالمخاطر في القطاع الخاص.
يمكن أن يصطف التركيز على دور مؤسسات سوق العمل بجانب الفئة العقلانية للعوامل المحفزة التي حددها بيري ووايز (Perry and Wise 1990). في هذه الحالة، وبالإضافة إلى الانجذاب نحو صنع السياسة، فإنني أجادل أنه يُعد، في حالة النساء المتعلمات في مصر، انجذابًا للانضمام إلى المجال العام، والمشاركة كعضوات منتجات في مجتمعهن.
تظل المقاربة النظرية التي تركز على مؤسسات التنشئة الاجتماعية، في ما يتعلق بدافع العمل بالخدمة العامة، ذات صلة بفهم بُعد النوع الاجتماعي في دافع العمل بالخدمة العامة في مصر. فأدوار النوع الاجتماعي الجامدة تُعتبر بمثابة تكليف لأن تنفق النساء المزيد من الوقت في المنزل لرعاية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية. ترى النساء المتعلمات، اللاتي يطمحن إلى الانضمام إلى المجال العام، أن الخدمة العامة هي مكان العمل الوحيد الذي يتيح لهن الجمع بين أدوارهن الإنتاجية والإنجابية. ذلك أن ساعات العمل الأقصر في الخدمة العامة، وعبء العمل الخفيف نسبيًا والدخل المضمون، تبقى الخدمة العامة في مصر ملاذًا لعمل النساء. تتجلى مقاربة التنشئة الاجتماعية في احترام العمل، الممتد لأجيال عديدة، في القطاع العام. لقد كان تفضيل العمل بالخدمة العامة جزءًا من الثقافة الوطنية، باستعارة المصطلح من ليبو وهارينجتونLebo and Harrington (1995)، ويستوعبه ذاتيًا الوافدون الجدد إلى سوق العمل الذين يواصلون السعي إلى العمل بهذا القطاع. يرجع احترام الوظيفة الحكومية في الأساس إلى التنشئة الاجتماعية، وهو مُفضل على تنظيم المشاريع أو العمل في القطاع الخاص. فقد أدت ضمانات العمل في القطاع العام، وفقًا لأسعد (Assaad 1997 :85) ، إلى زيادة الطلب على الوظائف الحكومية، لكن تأثيرها امتد أيضًا ليشمل انخفاض فرص العمل المماثلة في القطاع الخاص، وخلق ثقافة التبعية. ولا يزال نموذج دافع هرزبيرج Herzberg، الذي يحتل موقعًا مركزيًا للإدارة التنظيمية، مناسبًا. يرتبط تثمين التوظيف في القطاع العام بالخصائص الجوهرية للوظيفة التي يقدمها القطاع العام في مواجهة قطاعات التوظيف الأخرى. وهو ما يشمل في المقام الأول تأمين التثبيت في العمل، والوصول إلى نظم المعاشات التقاعدية، وقِصر يوم العمل بشكل عام.
يعتمد التحليل الوارد في هذه الورقة مقاربة منهجية مركبة، تستفيد من تحليل البيانات النوعية والكمية على حد سواء. كنقطة انطلاق للنقاش حول تثمين الشباب لوظائف القطاع العام، فإنني أعرض البيانات الكمية التي تبين مدى انتشار هذه القيم بين عدد كبير من المبحوثين الذين شملهم المسح التمثيلي على الصعيد الوطني. يستند التحليل الوارد في هذا القسم على بيانات المسح الميداني مؤخرًا: جولة عام 2012 لفريق مسح سوق العمل في مصر. شمل المسح عينة تمثيلية على الصعيد الوطني تضم 12.060 أسرة معيشية، بعدد إجمالي للأفراد يبلغ 49.186(Assaad and Kraft, 2013). تُعد جولة 2012 مسحًا واسع النطاق، جَمَع بيانات حول مجموعة متنوعة من القضايا، ويقدم تفاصيل وافرة عن القضايا المتعلقة بخصائص العمالة والبطالة والوظائف من بين أشياء أخرى. تقدم هذه الورقة نتائجها بأسلوب محدد يستند إلى تحليل بيانات المسح المذكور. ركّز التحليل على أساليب بحث الشباب عن فرص عمل، وأشار إلى الحد الأدنى للأجور المتوقعة من قطاع العمل، مع التفرقة بين خصائص العمل في الحكومة والقطاع العام. يقوم التحليل في أغلبه على جداول احتمالية. أجريت أيضًا تحليل كرنيل للكثافة كجزء من مناقشة الحد الأدنى المتوقع للأجور المقبولة من جانب قطاع العمل.
نعرض بعد ذلك البيانات النوعية التي تم جمعها كجزء من دراسة أكبر مستمرة حول عمالة الشباب. تستند البيانات النوعية إلى مقابلات فضفاضة وشبه هيكلية مع عينة من 25 من الشباب، أربعة عشر من الذكور وإحدى عشرة من الإناث. ثم جمع البيانات النوعية المستخدمة في هذه الورقة على مدى الفترة الممتدة من نوفمبر 2012 إلى مارس 2013. حصلت جميع الشابات اللاتي تواصلنا معهن، كجزء من هذا المُكون النوعي، على تعليم ما بعد الثانوي، وكانت أعمارهن تقل عن ثلاثين سنة، ويعشن في المناطق الحضرية، وكُن يعملن أو لا يعملن في فترة المقابلات. وكانت لدى الفتيات اللاتي لم يكن لديهن عمل في فترة المقابلة خبرة عمل سابقة أو بحثن عن عمل، حتى وإن لم يجدن، ركزت المقابلات على خبرة عمل هؤلاء الشابات وقضايا الطموحات الوظيفية والرضا الوظيفي، تتيح البيانات النوعية فهم وجهات نظر الأفراد، ورؤاهم، وخبراتهم المُعاشة Rossman and Rallis 2003)).
يتبع التحليل النوعي في هذه الدراسة تراث العلوم الاجتماعية التفسيرية. يعود هذا التراث إلى تقدير ماكس فيبر لقيمة الفهم Verstehen، أو خبرة الناس في الحياة اليومية المُعاشةWeber, 1981) ). ويُعد تراث الاستدلال الاستقرائي مفتاح هذه العملية، بعد مقاربة الأسس النظرية التي تُشتق فيها النظرية من البياناتGlaser and Strauss, 1967). يسعى التحليل في هذه الورقة إلى تنوير الإطار النظري المتعلق بدافع العمل في الخدمة العامة، والذي يقوم على ما تم تعلُمه في الميدان، بدلاً من البدء بإطار نظري بديهي. تساعد البيانات الكمية الواردة في هذه الورقة على تثليث البيانات النوعية، وذلك من خلال إظهار أن الأفكار والمفاهيم التي شرحها الشباب الذين أجرينا معهم مقابلات كانت مدعومة بأدلة من بيانات المسح.
أوضحت بيانات جولة مسح 2012 الأخيرة وجود أسلوب بحث رئيسي بين الشباب (15 – 29 سنة) العاطل عن العمل، ويرغب في العمل بوظيفة حكومية. يتّبع الشباب ثلاث مقاربات رئيسية للعثور على عمل في الخدمة العامة. تتمثل الطريقة التقليدية للحصول على وظيفة حكومية في التسجيل بمكتب العمل الحكومي. هذه المكاتب مركزية، ويجري توزيع الطلبات فيما بعد إلى الهيئات الحكومية المختلفة. على أن هذه الأساليب هي الأقل استخدامًا، كما يبين الجدول. يرتبط انخفاض استخدام هذه المكاتب بتباطؤ الخطط، والاعتقاد السائد بأن هذه المكاتب لديها فائض من طلبات المتقدمين ولم تنجح في إيجاد أماكن لهم. يُعد خوض منافسة في الحكومة، والتقدم بالطلب مباشرة إلى وزارة أو هيئة حكومية بعينها، أسلوبًا للبحث عن وظيفة يعتمده غالبية المتعلمين من الشباب العاطل عن العمل. لقد أصبحت لامركزية التوظيف تغييرًا رئيسيًا في مجال الخدمة العامة في مصر. تستوعب هذه العملية الخريجين الذين يتبعون مثال التقدم بالطلبات مباشرة إلى مؤسسات بعينها للخدمة العامة.
يبين الجدول (1) أيضًا أنه على الرغم من أن جميع مجموعات التعليم تتقاسم البحث عن وظيفة حكومية، فهي تتزايد مع التحصيل التعليمي. وقد لوحظ، بالنسبة لطرق البحث الثلاث جميعًا، أن أعلى معدل يوجد بين الحاصلين على تعليم أعلى من المتوسط. ويقل الأمل في إيجاد فرص عمل في الحكومة بين الأقل تعليمًا، كما يوضح الجدول.
يظهر ارتفاع أعداد النساء الشابات، أكثر من شباب الرجال، في تقديم طلبات عمل إلى هيئة حكومية محددة، وهي أكثر الطرق فعالية للحصول على وظيفة حكومية. يتقاسم أيضًا جميع العاطلين عن العمل، من شباب الرجال والنساء، الاصطفاف في قائمة الانتظار لوظيفة حكومية.
جدول (1)
سعي الشباب العاطل عن العمل إلى الوظائف الحكومية – بطالة الشباب (15 – 29)
وسيلة البحث عن عمل بالحكومة |
بطالة الشباب الحاصل على تعليم أقل من المتوسط |
بطالة الشباب الحاصل على تعليم متوسط |
بطالة الشباب الحاصل على تعليم جامعي أو أعلى من المتوسط |
% |
% |
% |
|
التسجيل بمكتب العمل |
|||
ذكور |
6.8 |
33.2 |
47.1 |
إناث |
23.8 |
35.4 |
40.5 |
المجموع |
11.8 |
34.6 |
42.7 |
الاشتراك في مسابقة حكومية للتعين |
|||
ذكور |
6.2 |
34.5 |
51.1 |
إناث |
22.9 |
36.9 |
48.1 |
المجموع |
11.1 |
36.0 |
49.1 |
التقدم بطلب إلى وزارة بعينها |
|||
ذكور |
48.1 |
77.2 |
78.6 |
إناث |
65.5 |
84.8 |
90.0 |
المجموع |
53.2 |
82.0 |
86.2 |
المصدر: حسابات الكاتبة، جولة عام 2012 لفريق مسح سوق العمل في مصر
إذا كان الشباب يسعى بشدة إلى العمل في القطاع العام، فما مدى استعداده لقبول أجر أقل للعمل هناك؟ سألت أداة المسح المجيبين عن الحد الأدنى للأجر الذي يمكنهم قبوله في وظيفة بالحكومة/ القطاع العام، أو في القطاع الخاص الرسمي، أو القطاع الخاص غير الرسمي. توضح بيانات جولة مسح 2012 أن النساب الشابات العاطلات عن العمل يمكن أن يقبلن وظيفة في الحكومة/ القطاع العام حتى وإن كانت بأجر أقل من وظيفة في القطاع الخاص. ومع ذلك، كان أعلى حد أدنى لمعدل الأجر الالتحاق بالقطاع الخاص غير الرسمي، المعروف بطول ساعات العمل، وأماكن العمل صغيرة النطاق، والافتقار إلى تدابير الحماية الاجتماعية.
وكما يبين الشكل (1)، تقبل الشابات العاطلات عن العمل، في جميع مستويات التعليم، أجرًا أقل في وظيفة حكومة من نظيرتها في القطاع الخاص الرسمي، وعلى التوالي أقل من أجر وظيفة في القطاع الخاص غير الرسمي. وهذا يبين المكانة المرموقة التي يضع فيها الشباب الوظائف الحكومية، وهو ما توضحه أيضًا البيانات النوعية التي سنتناولها بالنقاش في القسم التالي.
الشكل (1)
كثافة كيرنل للحد الأدنى المقبول لصافي الدخل الشهري بين الشابات العاطلات عن العمل (15 – 29 سنة) للعمل في الحكومة/ القطاع العام، والقطاع الخاص الرسمي، والقطاع الخاص غير الرسمي
المصدر: جولة عام 2012 لفريق مسح سوق العمل في مصر
إذا كان الشباب العاطل عن العمل يسعى بشدة إلى العمل في الحكومة/ القطاع العام، فما الأسباب التي يطرحها الشباب لهذا التثمين؟ هل وظائف الخدمة المدنية هي أفضل وظائف في سوق العمل في مصر؟ في نقاش بمجموعة بؤرية مع الشابات العاملات في القطاع الخاص، طُرحت التعليقات التالية فيما يتعلق بقيمة الوظيفة الحكومية:
[توفر الوظيفة الحكومية] معاشًا تقاعديًا.
يحترمك الناس عندما تعملين في الحكومة. تتمتعين بالهيبة كموظفة حكومية.
الوظيفة الحكومية دائمة، بينما في القطاع الخاص يتخلون عنك في أي وقت.
[في الوظيفة الحكومية] هناك شعور بالأمان، ولا تقلقين من يوم الغد.
الراتب أفضل في القطاع العام من القطاع الخاص، ويمكنك الاستمرار في العمل بعد الزواج.
لقد اخترت الجزء أعلاه من نقاش المجموعة البؤرية لتلخيص المنافع التي تراها هؤلاء الشابات في العمل بالحكومة. وهذه المنافع نفسها لا يمكنهن، ولا يمكن للعديد من الشابات الأخريات، الدفاع عنها، كما أوضح باستخدام بيانات المسح.
تتمثل المنفعة الأولى والرئيسية، التي تجذب هؤلاء النساء إلى الوظيفة الحكومية، في وجود خطة للمعاشات التقاعدية بالوظائف الحكومية. أما بالنسبة للعاملات في القطاع الخاص غير الرسمي في أغلبه، لا يجري اتباع نظام التأمينات الاجتماعية، بينما تحصل 84% من الشابات العاملات في الخدمة العامة على منافع التأمين الاجتماعي، يحصل معدل منخفض من النساء، يبلغ 11%، في الفئة العمرية نفسها ويعملن بالقطاع الخاص على هذه المنفعة.
يُعد الأمن الوظيفي منفعة رئيسية أخرى للعمل في الحكومة/ القطاع العام. تصف النساء الوظائف الحكومية كوظائف دائمة، وهو الوضع الحالي في قانون الخدمة المدنية(2). وهذا الشعور بالأمان والضمان مكفول من خلال توفير عقود عمل مفتوحة. هذا في مقابل الوضع بالقطاع الخاص، الذي وُصف في المقابلات كالتالي: “في حين يمكن لصاحب العمل أن يفصلك عندما يريد“.
في الاقتباس الثاني أعلاه، تحدثت النساء خلال المقابلات عن قيم “الاحترام” و“الهيبة” عند العمل بالحكومة، ترتبط هذه المسألة بالثقافة العامة في مصر، حيث تُعتبر الوظيفة الحكومية أفضل من أي وظيفة وضيعة في مكان آخر. كما أن علاقات القوة مريحة نسبيًا في مجال الخدمة المدنية، حيث المشرف هو موظف آخر داخل تسلسل هرمي كبير. وهذا على نقيض الوضع عند توظيف شخص في شركة صغيرة ذات ملكية خاصة. وكما أشارت امرأة شابه في نقاش المجموعة البؤرية، أنه لا يوجد في الحكومة من يتلاعب بك أو يستغلك (يتحكم فيكي).
يلخص الجدول (2) الاختلاف في المنافع بين وظائف القطاع الخاص والقطاع العام/ الحكومة. يتناول الجدول الخصائص الوظيفية للموظفات الشابات بالعينة البحثية. ويقتصر التحليل الوارد في الجدول على الشابات الحاصلات على تعليم ثانوي وأعلى، وذلك لأغراض المقارنة عبر قطاعات العمل، وخاصة لأن القطاع العام يتطلب هذا المستوى التعليمي كعتبة للتوظيف. يوضح الجدول أن الخدمة العامة توفر حتى الآن المزيد من المنافع الوظيفية لعامليها. يوفر القطاع الخاص التأمين الاجتماعي لـ 18% فقط من الشابات العاملات في هذا القطاع. وهذه الأرقام مقارنة بنسبة 83% من الشابات العاملات في الحكومة، ويحصلن على هذه المنفعة. توضح أيضًا البيانات المتعلقة بالحصول على إجازات مدفوعة الأجر وإجازات مَرَضية اختلاف الحصول على مزايا بين العاملين في القطاع الخاص والعاملين في القطاع العام. هناك معوقات كبيرة أيضًا في القطاع الخاص بشأن الحصول على إجازات مدفوعة الأجر، مثل إجازات الأمومة.
الجدول (2)
خصائص عمل النساء العاملات الحاصلات على تعليم ثانوي وأعلى
قطاع العمل |
الحصول على تأمين اجتماعي |
الحصول على إجازات مدفوعة |
الحصول على تأمين طبي |
الحصول على إجازة مرضية مدفوعة |
الحكومة |
83% |
90% |
83% |
89% |
القطاع العام |
79% |
77% |
77% |
77% |
القطاع الخاص |
18% |
32% |
16% |
25% |
قطاع الاستثمار |
59% |
75% |
28% |
27% |
قطاعات أخرى |
42% |
42% |
38% |
42% |
المجموع |
53% |
69% |
52% |
65% |
توضح هذه البيانات أن العمل في الحكومة لا يزال ملاذًا في سوق مضطربة غير مواتية للوافدين الجدد. ترى العديد من النساء الشابات أن الوظائف الجيدة التي توفر الاستقرار المالي والأمن الوظيفي والحماية الاجتماعية لا توجد إلا في الخدمة العامة. ولهذا السبب، كما أوضحت المقابلات التي عرضنا لها في هذه الورقة، لا تزال الحكومة صاحبة العمل المُفضل لدى العديد من الشباب، لا سيما النساء. فالوظيفة الحكومية هي الوظيفة الوحيدة التي توفر منافع لموظفيها وسط ظروف العمل المحفوفة بالمخاطر في القطاع الخاص غير الرسمي.
تجدر الإشارة إلى أن الإطار القانوني الناظم لتوفير الضمان الاجتماعي يسهم في تزايد الطابع غير الرسمي بين الوافدين الجدد إلى سوق العمل في مصر. ويخضع نظام التأمين الاجتماعي القائم على الاشتراكات في مصر لقانون 79 لسنة 1975، الذي لا يسمح بالاشتراك في نظام المعاشات التقاعدية إلا للعاملين في القطاع العام، والحكومة، والقطاع الخاص الرسمي. ويستبعد هذا القانون كل من ليس لديه عقد عمل من مؤسسة مسجلة من الحصول على الحماية الاجتماعية. وهو ما ينطبق أيضًا على العمالة المأجورة بالمؤسسات غير الرسمية غير المسجلة. ينص قانون العمل المصري (2003) على أن الضمان الاجتماعي هو برنامج عام يستهدف حماية الأفراد وأسرهم من خسائر الدخل نتيجة للبطالة، أو الشيخوخة، أو المرض، أو الموت؛ فضلاً عن تحسين رفاههم من خلال الخدمات العامة. أما اشتراكات القطاع الخاص بموجب أنظمة الضمان الاجتماعي، فهي مقدمة لمن يعملون بدوام كامل. ووفقًا لقانون الضمان الاجتماعي، يجب أن يمثل الاشتراك 26% من الراتب الأساسي الذي يدفعه صاحب العمل، و14% يدفعها الموظف. تشمل المنافع الأساسية التي يمنحها القانون معاشًا، ومدفوعات للإعاقة، ومدفوعات للمرض، وبدلات الأمومة والموت، وتأمين ضد البطالة. أما في حالة عدم وجود عقد عمل، يجري التنازل عن هذه الحقوق.
تتناول الأدبيات التي تدور حول دوافع العمل في الخدمة العامة هذه القضية منذ زمن طويل دون توجيه الكثير من الاهتمام لدور مؤسسات سوق العمل في جعل الخدمة العامة صاحب عمل يتسم بالجاذبية. وتُعد البيانات المتعلقة بالنساء الشابات في مصر مهمة لإلقاء الضوء على النقاش حول دوافع العمل في الخدمة العامة ببلدان الجنوب. إن تقدير قيمة دور مؤسسات سوق العمل في حفز دافع العمل بالخدمة العامة يمثل مساهمة نظرية رئيسية في تحليل هذه البيانات. في حالة توفير الخدمة العامة لمزايا أفضل بدرجة كبيرة مما يوفره القطاع الخاص، تنشأ عندئذ وتستمر ثقافة تُقدر قيمة العمل في الخدمة العامة. ويسهم ميراث الأجيال السابقة حول العمل المضمون في هذا التقدير أيضًا.
توضح بيانات المقابلات، المدعومة بإحصاءات وصفية حول الحصول على مزايا العمل، أن وظائف القطاع العام لا تزال ملاذًا لتحقيق استقرار العمل في ظل سوق عمل مجزأة للغاية. يوفر القطاع الخاص وظائف تفتقر إلى الاستقرار والحصول على الضمان الاجتماعي. أما وظائف الخدمة العامة، فتوفر الأمن الوظيفي والدخل، اللذين يثمنهما بدرجة كبيرة الوافدون الجدد إلى سوق العمل.
لا توجد في مصر مشكلة تحفيز الوافدين الجدد لسوق العمل للعمل في الخدمة العامة. وهذه ليست كل الأخبار الجيدة بالنسبة للبيروقراطية في مصر، هناك توصية طويلة الأجل لقطاع الخدمة المدنية في مصر للعمل على ترشيد أو تحديد الحجم الصحيح المطلوب لنظام الإدارة العامة. ذلك أن زيادة عدد الموظفين، كما يقال، يحول دون قدرة النظام على الأداء. وتضم الإجراءات الأساسية الموصى باتخاذها في مصر، منذ فترة طويلة: تجميد التعيينات الحكومية، والاستعانة بمصادر خارجية، والتعاقد الخارجي، وخطط للمعاشات التقاعدية المبكرة، والتدريب التحويلي، وإعادة تخصيص وتوزيع الموارد البشرية المتاحة، وقبل كل شيء اعتماد استراتيجية تركز على تخطيط الموارد البشرية في الحكومةEl Baradei 2004, 25- 39) ).
مع ذلك، يُعتبر القطاع العام في مصر في موقع ممتاز لاجتذاب أفضل المرشحين، والاختيار الفعلي من مجموعة كبيرة من المتقدمين للوظائف الذين يتمتعون بأعلى الإمكانات. ويكمن التحدي الرئيسي الذي يواجه صناع السياسة بمصر في التأكد من أن الموظفين العموميين يعملون بالفعل في الخدمة العامة لخدمة الجمهور. إذا كانت الخدمة العامة تقدم أفضل الوظائف في السوق، هناك حاجة إذن لأدوات من شأنها التأكد من أن هؤلاء الموظفين يقدمون أفضل أداء لخدمة الجمهور حقًا.
يتوقف التحليل الوارد في هذه الورقة خارج مربع الخدمة العامة. فهو لا يخوض في “المسائل العملية” المتعلقة بعمل هؤلاء الشباب عند التحاقهم بالعمل في الخدمة العامة، أو ما إذا كانت دوافعهم للالتحاق بالخدمة العامة تُترجم إلى دافع لـ “الخدمة” فعليًّا في الخدمة العامة. إن الخدمة العامة – على حد تعبير بيري ووايز في ورقتهما البحثية الرائدة في مجال دوافع العمل في الخدمة العامة (368: 1990) – تدل أكثر بكثير عن مجرد موقع عمل لموظف“. ومن المناسب، وبما يتفق مع جونسون(Johnson 2012)، أن نخلُص إلى أن مجرد أن شخص ما يعمل (أو يرغب في العمل) في القطاع العام لا يعني تفانيه/ تفانيها في الخدمة العامة. هناك حاجة إلى المزيد من البحوث لتناول كيفية أداء هؤلاء الشباب في الخدمة العامة، وعما إذا كان حماس البحث عن عمل في الخدمة العامة يؤدي إلى المزيد من إنتاجية العمل والخدمة العامة الفعلية.
1 تستخدم الورقة مصطلحات الخدمة العامة، والقطاع العام، والحكومة بالتبادل وبنفس المعنى. يشمل القطاع العام في مصر العاملين في الخدمة المدنية، إلى جانب العاملين في المؤسسات الإنتاجية المملوكة للحكومة. يحكمهم جميعًا نفس الإطار القانوني للتوظيف والمنافع. على أن تنفيذ هذه الاستحقاقات وحزم الأجور الفعلية يختلف باختلاف المؤسسة.
2 كانت هناك مناقشات، في وقت كتابة هذه الورقة البحثية، حول تغيير قانون الخدمة المدنية.
* Assaad, R., 2013 Making Sense of Arab Labor Markets: The Enduring Legacy of Dualism.IZA Discussion Paper No.7573. August 2013
* Assaad, R., and Krafft, C.. 2013 The Egyptian Labor Market Panel Survey: Introducinin the 2012 Round. Econimic Research Forum Working Paper No.758.
* Barsoum, G. 2004. The Employment Crisis of Female Graduates in Egypt. An Ethnographic Account. The Emerican University in Cairo. Cairo Papers Series.
* El. Baradei, L. 2004 Toward rightsizing the public administration (in Arabic). Papers of the administrative component of the joint research project: Al Dawla Fi AlamMoutagheir, No.4. Cairo University: Public Administration Research and Consultation Center.
* Claser, B and Struss, A. 1967. The Discovery of Grounded Theory: Strategies for Qualitative Research. Chicago: Aldine Pub. Co.,1967.
* Guy, Mary Ellen, and Meredith A. Newman. 2004, Women’s Jobs, Men’s Jobs: Sex Segregation and Emotional Labor. Public Administration Review 64 (3): 289-98.
* Hausmann, R., Tyson, L. D., & Zahidi, S. (2012). The global gender gap index 2012. The Global Gender Gap Report, 3-27
* Horton. Sylvia. 2008 History and the Persistence of an Idea and an Ideal. In James Perry and Anniehondeghem (ed.). 2008. Motivation in Public Management : The Call of Public Service. Oxford University Press.
* Johnson, B. 2012. Public Service Motivation and the Technical , Political, and Facilitator Roles of City Planners. International Journal of Public Administration, 35:30-45, 2012.
* Keldesen, Anne Mette 2012. Sector and Occupational Differences in Public Service Motivation: A Qualitative Study, International Journal of Public Administration, 35:1, 58-69.
* Knoop, (1994). Work Values and job satisfaction. Journal of Psychology, 128 (6), 863-690.
* Lebo, R. B., & Harrington, T. F. (1995). Work values similarities among students from six countries. Career Development Quarterly, 43 (4), 350-362.
* Loo, R. (2001). Motivational orientations toward work: An evaluation of the work preference inventory. Measurement and Evaluation in Counseling and Development, 33 (4), 222-233.
* Moynihan, D. P. and Pandey, S. k. (2007) The Role of Organizations in Fostering Public Service Motivation. Public Administration Review. 67: 1 pp. 40-53.
* Pelled, L. H., & Xin, K. R. (1997), Work values and their human resource management implications : A theoretical comparison of China, Mexico, and the United States, Journal of Applied Management Studies, 6 (2), 185-198.
* Perry, J. L (2000) Bringing Society In : Toward a Theory of Publie Service Motivation, Journalnof Public Administration Research & Theory. 10:2 PP. 471-198.
*Perry, J. L., (1996). Measuring Public service motivation: An assessment of construct reliability and validity . Journal of Public Administration Research and Theory, 6(1), 5-22.
* Perry, J. L., &Hondeghem, A. (2008). Directions for future theory and research. In Perry, J. L., &hondeghem, A. (Eds.), Motivation in public Management: The call of Public service (PP. 294-314). Oxford: Oxford University Press.
*Perry, J, L., &Wise, L, R. (1990). The motivation bases of Public service . Public Administration Review, 50(3), 367-373.
*Perry, James and Hondegham, Annie. 2008. Editors’ Note, Motivation in Public Management :The call of Public Serviec, Oxford University Press.
*Population Council. 2011. Survey of young People in Egypt. Final Report. Populotion Council. Cairo, Egypt.
*Rossman, Gretchen and Sharon F. Rails. 2003. Learning in the Field. An Introduction to Qualitative Research. Second Edition. Sage Publications.
*United Nations Development Programme (UNDP). 2011, Arab Development Challenges Report 2011. Towards the development State in the Arab States, Cairo.
*Vandenabeele, W. 2007. Toward a Public administration theory of public service motivation, Public Management Review 9(4), 545-556.
*Vandenabeele, W. 2008. Government Calling: Public Service Motivation as an Element in Selecting Government as an Employer of Choice. Public Administration. Volume 86, Issue 4, pages 1089-1105, December 2008.
*Vandenabeele, W; Hodeghem, A. and Steen, T. 2004. The Civil Service as an Employer of Choice in Belgium: How Work Orientation Infuluence the Attractivevess of Puplic Employment. Review of Public Personnel Administration 2004 24: 319.
*Weber, Max. 1981. Some Categories of Intertpretaive Sociological Quartely, 22: 151-180.
*Wilson, W. (1887\1987). The study of administration. In Shafritz, J, M., & Hyde, A. C. (Eds.), Classics of public administration (2nd ed., pp. 10-25). Pacific Grove, CA: Brooks\Cole Publishing Co.