مقدمة المحررة: النوع (من رجل أو امرأة) والعلوم الاجتماعية

تاريخ النشر:

2015

اعداد بواسطة:

مقدمة المحررة *

النوع (من رجل أو امرأة) والعلوم الاجتماعية

تنقل هذه المجموعة المنتقاة من المقالات – القصيرة نسبيًا – للقارئ/ القارئة إحساسًا بما تتميز به دراسات النوع في العلوم الاجتماعية من تنوع، وما فيها من حوارات ذات أهمية جوهرية. فهذه المقالات جميعها إما مقالات أو فصول من كتب أكاديمية أو مقالات مأخوذة من كتب أكاديمية محررة، وقد نشرت كلها في أصولها باللغة الإنجليزية، ولعبت دورًا في تشكيل اهتماماتي الشخصية بتناول النوع في العلوم الاجتماعية. وهذه المقالات ليست نصوصًا كلاسيكية ولا مؤسِّسة في حد ذاتها. لقد شهدت العقود الماضية تحرير العلوم الاجتماعية من هيمنة صوت واحد عليها، ومن سيادة توجهات أو تفسيرات نظرية معينة عليها. وقد اخترت شخصيًا هذه المجموعة من المقالات سعيًا في المقام الأول إلى إغراء قارئاتها/ قرائها بالانشغال بموضوع النوع كتصور وبناء اجتماعي، وتقديم إسهاماتهن/ إسهاماتهم الخاصة في الموضوع. كما اخترتها سعيًا إلى تمكين القارئات والقراء من الباحثات والباحثين المتحدثات والمتحدثين باللغة العربية بأن أقدم لهم عينة من أمثلة دالة على كيفية ظهور النوع وتطوره كتصور وبناء اجتماعي في أعمال باحثات وباحثين مشهودات ومشهودين في مجالي دراسات النوع والدراسات النسوية.

وقد جمعت هذه المقالات باعتبارها نماذج للكتابات السابقة في العلوم الاجتماعية، لا كاستعراض شامل لقوة هذه الكتابات. إن هذه المقالات تطرح الأسئلة الصحيحة دون أن تجيب عليها بالضرورة. وهي لا تشرح ما النوعبل يكشف كل مقال منها عن أحد أبعاد الحيوات الاجتماعية للنساء والرجال التي تقدم نبراسًا ينير تصوراتنا وبنياتنا التحليلية النوع والحياة الاجتماعية.

ستقدم لنا هذه المقدمة الموجزة عرضًا تاريخيًا لتطور النوع والعلوم الاجتماعية، ثم سنورد المبادئ التي كانت نبراسًا ساعدنا على اختيار هذه المقالات بعينها، وأخيرًا سنختم بالتفكير في قيمة هذه المقالات المختارة وأهميتها. وسوف يسبق كل مقال منشور في متن هذا الكتاب ملخصٌ واف لموضوعه. وعلى ذلك فلن تلخص هذه المقدمة النصوص، بل ستضع كل نص منها في إطار سردية النوع والعلوم الاجتماعية.

إن المبدأ الذي ينظم اختيار المقالات الواردة في هذا الكتاب هو توسيع قدرة القارئات/ القراء ومعرفتهن/ معرفتهم بالموضوع لتقريب المسافات التي دائمًا ما تكاد تصاحب أوتوماتيكيًا قراءة موضوعات العلوم الاجتماعية المترجمة. كما أن هذه المجموعة من المقالات التي تتناول النوع (من رجل أو امرأة) والعلوم الاجتماعية يجب أن تجعل من هذه المقالات الأساسية (التي صارت مألوفة جدًا وجوهرية في اللغة الإنجليزية) نصوصًا عربية مألوفة، مؤدية للتمكين ومثيرة للفكر. ويقع أعظم جزء من هذه المهمة على عاتق المترجمة، لكن المحررة تلعب أيضًا دورًا في هذا.

لابد أن تبدد المقدمات التي تصاحب كل فصل من الفصول هالة الصعوبة أو القداسة التي تحيط بالمقال، وتكشف عن الحجة المركزية للمقال، تلك التي لها علاقة بالحياة الاجتماعية. وستكون أول وظيفة حقيقية المقدمة أن تضع المقالات في إطار يجعلها ذات معنى للقارئة/ القارئ المتحدثين بالعربية ويمكنهما من فهمها. ولذا فستشرح المقدمة أيضًا أسباب اختيار المقالات، وتقديم نظرة شخصية على السبب الذي يجعلها قادرة على تنوير وتحدي الباحثة/ الباحث الشابة/ الشاب ودعاة العدالة الحريصات/ الحريصين على دعوتهم، وربما حاول مقال المقدمة فعل ذلك على سبيل الدفاع عن اختيار هذه المجموعة من المقالات أو الاعتذار عنه.

هذه المقالات تقدم أيضًا أدوات تمكن قرائها/ قارئاتها من فحص العالم الاجتماعي وتفسيره، وهي أيضًا تُعْلِمهم/ تُعْلِمهن بحالة العلوم [الاجتماعية]، وأنشطة الذوات الفاعلة النسوية وغيرها من الذوات الفاعلة الساعية للتغيير. هذه المقالات تُنَظِّر للحيوات الاجتماعية المتأثرة بنوع الأفراد الذين يعيشونها (من حيث كونهن نساء أو كونهم رجال) بطرق تمكن القارئة/ القارئ من اصطحاب بعض ما ورد فيها من مناهج بحث وأفكار إلى البيت وفحص عالمها/ عالمه الاجتماعي الخاص ومشروعاتها/ مشروعاته الشخصية.

النوع (من امرأة أو رجل) قضية اجتماعية

لم يتساو الرجال والنساء في الكثير من المجتمعات في الكثير من اللحظات التاريخية. كما وجد أيضًا على الدوام رجال منصفون يبجلون النساء ويحترمونهن، ووجدت دائمًا لحظات وصلت فيها امرأة إلى ذروة القوة والسلطة، سواء كانت سلطة سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو دينية، أو علمية. يمكننا دائمًا أن نرجع إلى التاريخ ونجد أمثلة مثل هيباتيا، وحتشبسوت، وهيلين، لنوضح أن النساء كن ذوات اعتبار.

وقد ظهرت الأسئلة المتعلقة بقهر النساء في الفلسفة السياسية للمعلقين الإنجليز وكتاباتهم حين كتبت ماري ولستونكرافت مقالاً نشر في عام ١٧٩٢ بعنوان دفاعًا عن حقوق النساء، وقد دعت ولستونكرافت في هذا المقال إلى حصول النساء على تعليم مناسب، كما دافعت عن حجة أن النساء يجب ألا يُبْعَدْنَ إلى دائرة المنزل، بل يجب أن يحصلن على تعليم يناسب موقعهن في المجتمع لأنهن يُعَلِّمن أطفالهن ولأنهن يمكن أن يكن شريكاتلأزواجهن، لا مجرد زوجات لهم، وفي هذه الحجة اعتراف بالأدوار الاجتماعية للنساء في مجتمع سريع التغير. أن النساء يرعين أطفالهن وينشئنهم اجتماعيًا وهن شريكات لأزواجهن. وهي الحقيقة التي تشير إلى دور يتجاوز مجرد الوظائف الحيوية للنساء كشريكات في الفعل الجنسي وحاملات للأطفال (على الرغم من الأهمية الجوهرية لهذه الوظائف).

وضعت ولستونكرافت الافتراضات التي انتشرت في تفكير الفلاسفة والسياسيين – موضع المساءلة، إذ لم يكن للنساء في هذه الافتراضات أي دور عام، ومن ثم لم يكن لديهن إلا النزر اليسير من سبل الوصول إلى المجال العام، والسلطة والحقوق. لم تكن ولستونكرافت صوتًا وحيدًا، فهذا جون ستيوارت ميل الذي كان من أقوى المنادين بحقوق النساء، وقد كتب مقالاً في عام ١٨٦٩ بعنوان قهر النساءجادل فيه من أجل المساواة بين الجنسين على أساس مبادئ أخلاقية ونفعية.

عند هذه اللحظة المعينة من تاريخ الدول القومية الأوروبية التي تأخذ بمبدأ المواطنة، صارت حقوق الفرد، والمجالات العامة أمرًا مركزيًا لخلق الأمم القومية الإمبراطوريات الحديثة، حيث تتضافر حقوق النساء في الاعتراف الاجتماعي والعام بهن وفي الاحترام، مع الحركة نحو الاعتراف بحقوق الأفراد وتنظيم استخدام الأقوى للقوة، سواء كانت قوة الصفوة، أو الرجال، أو الدولة. هذه السردية عن النوع مركزية في أوروبا، وترجع هذه المركزية إلى الارتباط بين حقوق النساء والمفكرين الليبراليين والفلاسفة السياسيين للقرن التاسع عشر.

لقد مد المفكرون الليبراليون الأوائل الجدل حول الحقوق الفردية ليشمل النساء، وذهبوا إلى أن لهن حق التعليم والمشاركة العامة، وستكون كتاباتهم فيما بعد نبراسا ينير الطريق للحركة نحو منح النساء كامل حقوقهن السياسية، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. وقد تلا ذلك تتابع سريع لأفكار تحبذ المساواة وتشكك في أسس التمييز والقهر، وقد أرست هذه الأفكار أسس الحركة النسوية ومشروعا تحليليا في العلوم الاجتماعية سعى لفهم كيف ولماذا كانت النساء أقل نشاطا في الحياة العامة، ولم يكن لهن من الحقوق السياسية إلا القليل، وكذلك لم يصلن إلا إلى القليل من سبل التوظف، لكنهن حُمِّلن بقدر أكبر من الأحمال والمسئوليات، بالإضافة إلى أحمال صحية معينة، وعانين من الحد من حركتهن، ومن قلة ما لديهن من موارد، وكان تحكمهن في اتخاذ قراراتهن قليلا، مع قائمة من العلامات الملحوظة الأخرى الدالة على الاختلاف.

لقد شهد النصف الأول من القرن العشرين نشأة الحركات والتسوية وتطورها على الصعيدين الدولي والقومي. وقد بدأ الفلاسفة والباحثون النسويات والنسويون في أربعينيات القرن العشرين في التنظير لقهر النساء من حيث الجسد ووظائفه الإنجابية. حدد هؤلاء المؤلفون موقع قهر النساء في طبيعة العلاقة الجنسية ووظيفة الأمومة نفسهما.

إن أجساد النساء هي أعباؤهن، فهذه الأجساد موضوع للملكية التي تدعي بحق الوصاية عليها وبحق ملكية الذرية، ومن ثم فعلى هذه الأجساد أن تكون مملوكةوأن يتحكم فيها الغير. تتحدث سيمون دي بوفوار في كتابها الجنس الثانيالذي صدر في عام 1949 عن معنى أن تكون الإنسانة امرأة. تسأل دي بوفوار في بداية كتابها: ما المرأة؟ وتجيب بالنظر إلى الأنثى في التاريخ وعبر أنواع الكائنات الحية. وقد اقتبس الكثيرون من هذا الكتاب على نطاق واسع عبارة إن الشخص لا يولد امرأة، بل يصير امرأةواعتبرت هذه العبارة الأساس الذي بني عليه مفهوم النوع (من رجل أو امرأة) وأول تعبير عن الفرق بين البيولوجيا باعتبارها مصيرا ودلالتها الضمنية باعتبارها اختيارا. وقد ناقشت دي بوفوار الوعيالذي يستثيره كون الشخص امرأة وميزته عن حقيقة أن تولد الشخص أنثي. نحن نصير نساء من خلال ما نعيشه من علاقات، وتنشئة اجتماعية، واختيارات حياتية، وهياكل اجتماعية سياسية. حيث يسمح هذا الوضع بوجود التنويعات الواسعة في خبرات النساء، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى عمومية قهر النساء في جميع أنحاء الكون. أن النساء لا يمتلكن قدرا أقل من الحقوق والقوة لأنهن إناث بيولوجيا، بل بسبب إعادة تأسيس هذا الجسد المؤنث بفعل الأيديولوجيات البشرية/ الاجتماعية/ السياسية وعلاقات الإنتاج والاستهلاك، وبعبارة أخرى، لا مفر لنا من جسدنا وتعبيراته الإنجابية والجنسية. وقد نشأ عن إدراك هذه الحقيقة فرعان من فروع الفكر الثقافي؛ يذهب أحدهما إلى الاعتراف بحقوق الأمهات والزوجات وتفصيل سياسات وبرامج ومشروعات تناسب احتياجات النساء في الأسرة ورغباتهن. فبدلا من جعل النساء مساويات للرجال أو مثلالرجال يذهب هؤلاء الباحثون والنشطاء إلى الاعتراف بالحالة الخاصة لوضع النساء وأحوالهن (Folbre¸ Harding¸ Elson). فالنساء مختلفات، لكن هذا لا يستدعي ترجمة اختلافهن إلى تمييز ضدهن أو قهر لهن.

يأتي الفرع الثاني من الحجج من الباحثين الذين ينقدون إضفاء السمة الطبيعية على الميل الجنسي نحو الجنس المغاير (ومعظمهم باحثون في دراسات مثليي ومثليات الميول الجنسية) وهو يوضح أن الفعل الجنسي مع شخص من الجنس المغاير وتقسيم الأدوار والمسئوليات بين طرفي هذه العلاقة ما هو إلا نتيجة للمعايير والأيديولوجيات الأبوية. فلو أن النساء انفصلن عن المصائر والمعايير البيولوجية فسيفلتن من القهر (Butler¸ Moore).

تشمل هذه المجموعة من المقالات كتابات يتجلى فيها هذان الفرعان الثقافيان كلاهما دون تحبيذ لواحد أو آخر منهما بالضرورة. وقد نشعر بصفتنا متحدثين بالعربية وقارئين بها بالغربة بسبب نشأة النوع كـ خبرةوتراث غربيين. لقد قيل الكثير عن السمة الأجنبيةللمفهوم وعن الأفكار والقيم التي تحملها الحركة نحو المساواة. نعرف أننا لا نمتلك اصطلاحا محددا يدل على النوع باللغة العربية، وأننا نميل إلى ليِّ ألسنتنا حين نريد ترجمة الأفكار والنظريات التي تكوِّن دراسات النوع.

لكن المادة التي يتكون منها مفهوم النوع مادة عامة في جميع أنحاء الكون. ويمكن صياغة الفكرة ببساطة كما يلي: إن الأدوار الاجتماعية تأتي مصحوبة باستحقاقات مقررة اجتماعيا؛ فالأدوار الاجتماعية التي تحظى بأكبر قدر من احترامنا تحمل أكثر الاستحقاقات امتيازا، أما الأدوار التي يحكم عليها بأنها أقل أهمية لبقاء الإنسان، وتنظيم حياته، وحسن أحواله فلا تضفي على من يعهد إليهم بها إلا قدر أقل من الاستحقاقات. لا يوجد سبب للتقليل من قيمة الأدوار الاجتماعية للنساء، فالأدوار التي تلعبها النساء في العائلة أدوار جوهرية لكل المجتمعات البشرية، المحلية منها والأوسع من ذلك. كما أن النساء كأفراد لسن أقل من الرجال قدرة ولا إنتاجية، ومن ثم، فلا أساس لممارسة قهر النساء أو التقليل من قيمة إسهامهن الاجتماعي. ويبدو الهدف النهائي من هذه المجموعة من المقالات تمكين القارئات/ القراء العرب من اكتشاف الخطوط العريضة لسرديات العلوم الاجتماعية عن النوع (من رجل أو امرأة).

 

كثيرا ما تستهل التعريفات النظرية والتنفيذية لتمكين النساء بطعون أو شروط تؤكد الجوهر السياقي والمؤقت للتعريف، الذي هو عموما جوهر هش وغير مستقر. يعتمد تمكين النساء على افتراض وجود عوامل بنائية تقيد النساء كجماعة، وتشمل: التشريعات، والقيم، والأيديولوجيات، والأسواق، والمؤسسات الاجتماعية المتحيزة ضد النساء. ولكي تتغلب النساء على هذه القيود ويمارس قدراتهن الذاتية على الفعل من أجل تحقيق أهداف تعزز فرصهن في الحياة وحسن الأحوال، فأنهن يحتجن إلى جهود إيجابية لرفع هذه القيود عنهن وتمكينهن من التحرك لتحقيق أهدافهن. عبرت موهانتي عن نقدها لهذا التعريف الذي يبدو واضحا بأن أشارت إلى أن النساء لا يوجدن خارج التاريخ، وأن معنى التمكين يعتمد على تعريفات القوة والضعف التي لا يمكن جعلها موضوعية أو لا تاريخية (Mohanty¸ 1991).

أما نائلة كبير، فقد قسمت تمكين النساء إلى ثلاثة مجالات متداخلة: الموارد، والقدرة الفردية على الفعل، والإنجازات. وهي تعرِّف تمكين النساء بأنه القدرة على الاختيار في الأحوال والسياقات التي حرمت النساء فيها سابقا من حق الاختيار، أو من القدرة على الاختيار، أو من الاثنين معا (Kabeer 2001). وقد لاقى مقال كبير قبولا واسعا بسبب وضوحه التحليلي وتمييزه بين الموارد التي في متناول النساء، وتمكنهن أو قدرتهن الفردية على الوصول إليها أو التصرف فيها، وإنجازاتهن التي هي نتاج هذه التصرفات. لقد مكن هذا الإطار الباحثات والباحثين من إدخال بعض الصلابة المنهجية على أطرهن/ أطرهم البحثية، والمستخدمة في القياس والتقييم (Malhotra et al¸ 2002).

ومن حيث التعريفات التنفيذية للتمكين، فقد قاست/ وصفت دراسات مختلفة أشياء مختلفة. فمن بعض التعريفات التنفيذية التي سردتها مالهولترا وآخرون في مقالهن الذي عرض فيه كتابات تناولت قياس تمكين النساء: استقلال النساء باتخاذ القرار، وقدرتهن الفردية على الفعل، ومكانتهن، وحقوقهن في امتلاك الأرض، والسلطة الاقتصادية في المنزل، والقوة على عقد الصفقات واتخاذ القرار، والمساواة بينهن وبين الرجال، والتمييز بينهن وبين الرجال، والمشاركة العامة (Malhotra et al 2002: 6-7). وقد خلط البعض التمكين بالمشاركة، ودعا إلى مداخل تأخذ بالمشاركة من القاعدة إلى القمة وإشراك المجتمع المدني كسبل للتمكين (Gaventa 2005¸ Chambers 1997¸ Malhotra et al 2002).

قد يبدو أن هناك اتفاق على ماهية التمكين، لكن لا يوجد اتفاق على ما هي نتائجه وآثاره الضمنية! إنه قدرة الفرد الإيجابية على الفعل (القدرة على الفعل، والاختيار، واتخاذ القرار، والعمل، والحركة، والإنفاق، والكسب، والتصويت، وغير ذلك من التصرفات المتعلقة بتأكيد الذات)، والعمليات التي تمكن النساء من الفعل. يمكن أن ينتج عن هذه القوة كل شيء ونقيضه، ويعتمد ذلك على الغرض من القوة وأهدافها. وقد وُصِف أحد نواتج التمكين العامة العريضة والأقل من أن تحوز الرضا بأنه حسن الحال“. قد تكون فكرة حسن الحال ذات معنى، لكن قيمتها التحليلية أقل من أن تكون كافية.

وفي الوقت نفسه يوجد اتفاق عريض على أن تمكين النساء يستدعي بالضرورة حدوث تحولات نظامية في هياكل النسق الأبوي. لكن بعض الباحثات/ الباحثين وضعوا هذا الافتراض موضع المساءلة، وذهبوا إلى وجود معان مختلفة للتمكين، بعضها يستوعب الاتجاهات النسوية القائمة على الإيمان بالأديان، مثل النسويات الإسلاميات اللاتي يذهبن إلى أن النسق الأبوي يحدد حقوقا واضحة للنساء ويضع على الرجال التزامات (Hafez 2002).

أما الجانب الإشكالي الحرج من التمكين فهو مسئولياته؛ هذا المجال مثقل بالمشروعات، وهي مشروعات ذات وقع وطيف ضئيلين ومحدودين تحاول تمكين النساء! وهي تضارع في غرابتها مشروعات مثل تلك التي يؤخذ بها على مستوى القرى والجماعات لتخفيف حدة الفقر! وكلا النوعين من المشروعات يتجاهل العوامل النظامية التي تنتج الفقر وتضعف النساء. والسؤال هو: هل يمكن تمكين بعض النساء على المستوى الصغير دون تناول القيود والقهر النظاميين؟ لكن كيف يقارب المرء مثل هذه المشروعات الثورية؟ كيف يمكن للبحث والمشروعات والبرامج أن تغير من هياكل النسق الأبوي المغروسة في السياسات، والشئون الاقتصادية، والأسواق، والبيوت، والنفوس، والعلاقات الجنسية والاجتماعية.

إن التعريف المتاح يحتاج إلى تناول هياكل القدرة والإمكانات التي قد تجعل من التعريفات شيئا خاليا من المعنى.

تتجلى في الحاجة إلى قياس تمكين النساء متطلبات المشروعات والبرامج التي تهدف إلى تحقيق التمكين. المواطنون يجري تمكينهم بفضل مواثيقهم، ومعاهداتهم، وغير ذلك من العهود الممكنة والملزمة ويمكن البحث عن دلائل هذا التمكين في التنقيب عن الحقوق القانونية، والإنسانية، وأطر المواطنة الاجتماعية ومراقبتها. وتنفرد النساء بأن تمكينهن يتحقق من خلال معايير استباقية تسعى لتحقيق فوارق قابلة للقياس في حياة الأفراد. فتمكين المرأة يقاس يشكل تقريبي بقياس مؤشرات أخرى تتضمن التمكين. ويستمد المعنى الضمني لهذه المؤشرات من نظريات شائعة تعرف تمكين النساء من حيث مؤشرات التنمية البشرية والأمن. فمثلا، التعليم معيار ممثل للتمكين فيما يخص النساء، لكنه معيار للتعليم حين يطبق على الرجال. لا توجد أي نظرية تربط ما بين تعليم الذكور ومكانتهم. لكن نظرية النوع (من رجل أو امرأة) تفترض أن التعليم يعزز المكانة وأن النساء ذوات المكانة العالية يحظين بالتمكين. ونظرية النوع تفترض بالمثل أنه كلما صغر سن المرأة عند زواجها تقل قدرتها على التفاوض من أجل علاقة تتسم بالإنصاف مع قرينها. وهكذا صار تأجيل الزواج حتى سن أكبر مرتبطا بالعلاقات الحديثةالمتسمة بالمساواة بين القرينين، التي افترضت بدورها أن في هذا تمكين للزوجة.

وقد ساعد الإطار الذي رسمته نائلة كبير في التمييز بين موارد التمكين ونواتجه (Kabeer 2000) وأوضح أن المساواة بين وسائل التمكين ونواتجه موضوع إشكالي (Malhotra 2002: 8). وهكذا فإن التوظف والتعليم عوامل تمكين للنساء وليست برهانا على أن النساء قد تم تمكينهن.

لقد فسرت الدراسات الوجوه المركبة لقياس التمكين، وأشارت أيضا إلى أهمية المعني والقيم التي تحملها مؤشرات التمكين وإلى العلاقات الداخلية بين مختلف المتغيرات. والمؤشرات ببساطة قد يكون لها أهمية عامة، لكنها تحصل على معناها اعتمادا على السياق، والثقافة، واللحظة التي تقاس فيها. وهذه معضلة نموذجية تميز جميع العلوم الاجتماعية. ففي المجالات التي تتضمن القيام بحركة تزداد صعوبة الوصل إلى تحليل ذي معنى على المستويين كليهما [الحركة والدراسة النظرية] (Malhotra et al 2002). وتقترح بعض الدراسات بديلا في شكل محاولات لكفالة إطار مفاهيمي متسق لقياس التمكين وآثاره لكن مع السماح بوجود تنويعات في المؤشرات المستخدمة لوصف مكونات الإطار عبر خلفيات مختلفة (Malhotra et al 2002: 18). إن مقياس تمكين النساء مؤشر مرکب استخدمته هيئات دولية مختلفة وأنصار مختلفين للنساء لكن تأثيره أو نجاحه محدود. وقد فشل هذا المقياس في العمل كأداة لمقارنة تمكين النساء على المستوى الجماعي (Unifem 2004¸ Malhotra et al 2002¸ 31).

لقد أسفرت نقاشات الأفراد والمؤسسات عن وضوح للمفاهيم، لكنه لم يخلق بعد صرامة منهجية ولا فهما منهجيا. إن التعريف الذي تحبذه هذه المؤلفة كما يحبذه غيرها من العاملين بهذا المجال يؤكد على العمل على أن تختار النساء اختيارات حقيقية في حين أنهن قد حرمن من هذا الحق فيما سبق، وهو تعريف يتضمن أن دراسات تمكين النساء تحتاج إلى تجاوز الحدود المنهجية التي أملتها عليها دراسات التنمية، وأن يغامرن بدخول مجالات مثل التاريخ، والفلسفة، والقانون، والسياسة، والحضارة. قد تساعد مناهج البحث المستخدمة في هذه المجالات المعرفية الباحثات/ الباحثين على الوصول لفهم أفضل للسياق، والمقاييس التي تحدد الممكن وغير الممكن، وديناميكيات التغيير ومعنى التمكين بوصفه تحركا وإمكانية كامنة. إن هذا المدخل متعدد التخصصات يمكن الباحثات/ الباحثين من استيعاب التصورات المتنوعة عن الوحدات البنائية للتمكين وتعريفاته وجعلها قابلة للتنفيذ. ويمكن أيضا أن يقدم هذا المدخل نهجا يعتمد على دورة الحياة ويربط بين خبرات التمكين على مدى الحياة ويقدم أفكارا عن كيفية ضمان عدم ضياع الاستثمارات التي تحققها النساء في مرحلة من حياتهن عندما يصلن لمرحلة أخرى من الحياة.

فيما يلي تعريف الأمم المتحدة للتمكين الاقتصادي للنساء، ترى فيه أن التمكين الاقتصادي يعني أن تكون النساء لديهن “… سبيل للوصول إلى وسائل كسب العيش والتحكم فيها على المدى الطويل وبشكل مستديم” (Mosedale 2005¸ p. 247) . تحتاج النساء إلى معرفة سبل الوصول إلى تحقيق دخل وإلى الفوائد التي تعود على كاسبي العيش ومن يعولونهم. ولا يتضمن هذا سبل الحصول على الوظائف والوصول للأسواق فقط، بل يتضمن أيضا سبل الوصول إلى التمويل، والاحتماء بغطاء التأمين الاجتماعي، والمدخرات والتأمين. ويعني أيضا تغيير الأحوال الهيكلية التي تعجز النساء عن الوصول إلى هذه الموارد والحصول عليها على مستويات الأسرة، والمجتمع المحلي، والسوق، بما في ذلك القوانين والسياسات التي تحابي الرجال في أسواق العمل. ما زال النزاع الشديد قائما بشأن عمل المرأة كاستراتيجية للتمكين، فهو يعتمد على الأحوال السائدة على المستوى الصغير وعلى الخلفيات الأيديولوجية للسياسات التي تسعى لتيسير المشاركة الاقتصادية للنساء أو للارتقاء بها. يمكن أن يكون دخول النساء إلى سوق العمل علامة من علامات القهر أو دليل من دلائل التمكين. فمعنى العمل يعتمد على الأسواق التي تخلقه والأطر التنظيمية التي تشرف عليه. إن الحد الأدنى للأجور، والحد الأقصى للحقوق، والفوائد الاجتماعية، والصحية، وتلك التي تمنح في حالات الطوارئ تساعد على تعزيز ما في العمل من إمكانات كامنة للتمكين. لكن في الأحوال التي تنسحب فيها الدولة من أداء دورها في التحكيم في العدالة الاجتماعية، يمكن أن تحمل فكرة النشاط الاقتصادي والعمل شيئا من ظلال الاستغلال الشريرة، ومما يسمى أحيانا التسابق للوصول إلى القاع، الذي يكون لدى العمال بمقتضاه استعداد للتنافس على الفرص الشحيحة، ومن ثم يكون لديهم استعداد للتخلي عن بعض الحقوق الأساسية في الحصول على أجر مجز وفوائد مجزية. قد يؤدي عمل النساء وكسبهن في هذه الحالة إلى تحميلهن بأعباء أثقل وزنا باعتبارهن من المعيلات الأساسيات اللاتي يكسبن العيش في حالة اعتماد الرجال على عمل النساء مع احتفاظهم بامتيازاتهم المتاحة لهم بفضل نوعهم كرجال. إن النظام الاقتصادي المالي الصغير – وغيره من الآليات التي تعطي النساء سبلا للوصول إلى كسب النقود دون شبكات دعم كافية – يمكن أن يؤدي أيضا إلى تأنيث الديون (Bisnath 2001¸ Mayoux 2002).

لقد حُمِّلت النساء بواجبات واختيارات كراعيات للأسرة وربات للبيوت، ورُبطت هذه الواجبات والاختيارات بإضعافهن، وربما كان هذا هو السبب في أنهن لم يوضعن بشكل كاف في إطار خطاب التمكين. إن الاعتراف بقيمة عمل النساء في البيت كبنات، وأمهات، وزوجات هو عماد الأيديولوجيات والسياسات الأبوية (سواء التي يأخذ بها الأفراد أو الدولة). كما أن العملهو الذي يجعل النساء قادرات على المطالبة بالحقوق، والكرامة، والاعتراف، والتأثير. لكن أدوار ربات البيوت وراعيات الأسرة أقل الأدوار المرغوب فيها في الثقافات التي تعتز نظريا بمكوث النساء في البيت. يتضح هذا في اللوائح القانونية التي لا تعوض النساء عن أدوارهن التي يقمن بها بحكم نوعهن كنساء، والتي لا تقدم غطاء التأمين الاجتماعي الناس إلا من خلال الأسواق والعائلات وليس كحق طبيعي من حقوق المواطنة، حتى للزوجات والأمهات اللاتي يمكثن في البيت (Unifem 2004). وقد اتضح من الملاحظة الثقافية المدققة عبر عدة عقود أن النساء لم يطالبن بفوائد الصفقة الأبوية.

يشمل مجال العمل: الحق في العمل المأجور وشروطه، وسبل الحصول على الموارد والفرص لمن تعمل/ يعمل لدى نفسها/ نفسه وغير ذلك من صاحبات/ أصحاب الأعمال، والحق في الامتناع عن العمل، والقدرة على تحقيق أقصى الفوائد من العمل بما ذلك الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وحق الحماية من مخاطر العمل، والإعاقة، وكبر السن، وغير ذلك من الأحداث الاجتماعية والطبيعية.

يصف الجسد الأعباء المادية التي تحملها النساء على عاتقهن والتي تشمل: الأمراض، والقيود الموضوعة على الجسد وتحديد حركته، والإساءة البدنية أو العقلية أو الخوف من أحدهما أو من كليهما، وضغوط العمل ومخاطره، بالإضافة إلى ما يتعلق بالإنجاب والأمومة من مخاطر، ونواتج، ومسئوليات، والعنف والإساءة. إن تفسير الجسد والسلامة الجسدية والأولوية التي تعطى لهما أمور تجري في إطار الخبرات الاجتماعية الخاصة بمناطق إقليمية معينة. ومن ثم، فإن قطع/ تشويه الأعضاء الجنسية للإناث هو العدسة التي ترى من خلالها صورة الجسد السوداني والمصري، والعنف الجنسي، كما أن عبء مرض نقص المناعة المكتسبة هو المرآة التي يتجلى فيها جسد نساء جنوب إفريقيا، أما الإجهاض فهو الصورة التي تعبر عن المرأة الكاثوليكية، والعنف المنزلي يحدثنا عن الغربيات، والحجاب يحدثنا عن الشرقيات، والعمل الشاق وسوء التغذية يحدثنا عن نساء شبه القارة الهندية. والمفهوم الذي يلخص الجسد بالنسبة للنساء هو عدم المساواةو العبء الزائد“. إن الإنجاب حقيقة بيولوجية لكن عبأه ثقيل وكذلك له وقعه الضار على حسن أحوال النساء. وبالمثل تعاقب النساء ظلما على طبيعتهن الجنسية، وتربط هذه الطبيعة بالتحكم فيهن وبممارسات جنائية ضدهن مثل قطع/ تشويه أعضائهن الجنسية، وما يفرض عليهن من عادات الاحتشام، والعزل والاحتباس في البيوت والعنف.

وقد انشغل الباحثات والباحثون بهذه المجالات التي تزيد فيها الأعباء وتنعدم المساواة أكثر مما أبدين/ أبدوا من اهتمام بالحالة الصحية والجسدية للنساء. فمثلا، الصحة العقلية للنساء، وحسن أحوالهن في مهنهن، وأمراضهن التي لا تتعلق بالإنجاب وتعرضهن لمخاطر الهجرة، والتحضر، وتدهور البيئة/ تلوثها، والفقر، كل ذلك لم يجذب انتباه الباحثات والباحثين بقدر ما جذبته نواحي الجسد وخبراته الأكثر تعلقا بالنوع بشكل خاص. وبعبارة أخرى، فقد اهتمت الباحثات والباحثون بجوانب الجسد المتعلقة بشكل نوعي خاص بالأنثى أكثر من اهتمامهن/ اهتمامهم بغير ذلك من جوانبه التي قد تكون مصدرا عميقا لإضعاف النساء والضغط عليهن.

إن الطبيعة الجنسية والخصوبة (أو التحكم فيهما) هما أكثر مجالات البحث والتحرك شعبية بما لا يقاس بغيرهما. ومنذ أن عقد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة في عام ١٩٩٤، صارت الصحة الإنجابية سبيلا للتمكين ونموذجا يربط ما بين الإنجاب، والصحة، والطبيعة الجنسية لدى النساء وبين التمكين. إن التركيز على الطبيعة الجنسية للمرأة وقهرها وعدم إشباعها أمور مؤسسة اجتماعيا، وهي تشكل برنامج عمل أساسي يستوعب خبرات النساء ومتاعبهن على مستوى العالم. لكن ذلك يقودنا أيضا إلى تجاهل أشكال القهر البدنية الأخرى التي لا علاقة لها بالجنس والتي يتحملها الجسد. ومما له أهمية خاصة بهذا الصدد: الصحة المهنية والعقلية للنساء، والجوانب المتأثرة بالنوع (من رجل أو امرأة) للأمراض التي لا تتعلق بالإنجاب. ويقوم انعدام الإنصاف في الصحة على أساس اجتماعي، ويعد النوع (من رجل أو امرأة) من العوامل الاجتماعية المهمة التي تقرر الصحة، لكننا ما زلنا لا نفهم كيف يفعل فعله خارج محال الطبيعة الجنسية والإنجاب والعلاقات التي تقررهما.

إن قدرة النساء – كأفراد على الفعل، والصور التي تمثل هذه القدرة في المحافل العامة وفي القرارات الخاصة تعد مجالا واسعا يتكون من الكثير من الأجزاء والمستويات. ومن هذه الأجزاء تمثيل النساء في السياسات القومية، والإقليمية، والمحلية، ومن الأجزاء الأخرى تلك الصورة التمثيلية التي تظهر بها النساء في الأعمال الثقافية ووسائل الإعلام، كما أن تمتع النساء بالمواطنة والمساواة القانونية جزء ثالث، والجزء الرابع هو تمتع النساء بحرية الحركة وغيرها من الحريات، وحقهن في إبداء آرائهن في المجال العام، والاحتجاج، والاختيارات. وقد شهد المجال الأول كثيرا من الحركة سبق بها جميع المجالات الأخرى بمراحل. ذلك لأنه أساسا أكثر تعريفات الصوت قابلية للقياس. وقد حددت الكيانات الفاعلة على المستوى العالمي مثل الأمم المتحدة واليونيفيم، والولايات المتحدة الأمريكية (التي تعمل من خلال معوناتها وسياستها الخارجية)، والاتحاد الأوروبي (الذي يعمل بأكبر قدر من خلال برنامجه للنوع والتنمية) معايير لقياس التقدم في امتلاك النساء للصوت المعبر عنهن، منها: سبل وصول النساء للوظائف العامة ووجودهن فيها، ووجود كوتاللنساء في الهيئات التشريعية وتمتعهن بحق الاقتراع العام. والتركيز على هذه المعايير فيه إشكالية لأنه يتجاهل السياق الذي هو عرضة للتغير. وقد اتجه الانتباه مؤخرا إلى كيفية استغلال القوى القبلية والعائلية كوتاالنساء للحفاظ على قبضتها على السلطة، وقد لوحظ ذلك في العراق وأفغانستان، حيث وضعت الكوتا بمعرفة مشرعين عيَّنهم الغزاة. وقد أدت هذه التجربة وغيرها إلى إثارة تساؤلات حول وجه الفضيلة في جعل النساء جزءا من عملية سياسية لا تتسم بالفضيلة. ما جدوى تعيين النساء في برلمان لا يمثل المجتمع؟ كما أن التركيز على ناتج العملية السياسية أقل أهمية من العملية نفسها.

ذهب جويتز وكورنويل إلى أن مشاركة النساء في السياسة والأحزاب السياسية وإدخالهن لقضايا المرأة ومتطلباتها في هذه الأحزاب وإعطاءها أولوية في جداول أعمالها، كل ذلك يعد مؤشرا أقل قيمة للدلالة على وجود العدل بين النساء والرجال وإعطاء النساء صوتا من أعداد النساء في الهيئات المنتخبة أو حتى في الهيئات التي تأتي عضويتها بالتعيين.

لقد عبرت النسويات الإسلاميات عن نقدهن للتفسير النسوي للصوت وقدرة النساء الأفراد على الفعل، فهذا التفسير النسوي يأخذ بفكرة أن الدين الإسلامي بالتحديد يقهر النساء من خلال فرض الحجاب عليهن، وعزلهن عن الرجال، وتقديره العالي لأدوار النساء الإنجابية والعائلية، والقيود التي يضعها على قدرة النساء على التحكيم والقيادة. وقد تشكك الباحثون الإسلاميون في عالمية وعمومية التعريفات النسوية للقوة والقدرة الفردية على الفعل، وهم يأخذون موقفا فحواه أن القدرة الفردية على الفعل والصوت يعنيان القدرة على تحقيق أهداف النساء المسلمات وأدوارهن، وليس الموافقة على أدوار اختارتها النساء الغربيات، ومن ثم يترتب على ذلك أنه ينبغي ألا يتم تجاهل أو إلغاء حقوق النساء المسلمات في اكتساب الصنف الذي يرغبنه من القدرة على الفعل والصوت والذي يقره الدين. إن النساء المسلمات يقدرن أدوارهن المرتبطة بنوعهن كنساء، وهي أدوار يقرها الدين، وسوف يثرن لتحقيق ما يقدمه لهن الإسلام وما حرمتهن منه الأنظمة العلمانية والمستبدة (Hafez 2002¸ Mahmoud 1999). وهكذا سعت النسويات الإسلامياتفي إيران لتحقيق مكاسب كبيرة للنساء من حيث مكانتهن الشخصية، بما في ذلك تعويضات عن عملهن المنزلي ورعايتهن للأطفال في حالة الطلاق، وحقوق النساء في المحاجة لشغل الوظائف القضائية وإقرار الصحافة التي تعنى بحقوق النساء والسماح بإصدارها، مثل صحيفة زانانالتي صدرت في عام ١٩٩٢ من داخل هيكل الفقه الإسلامي (Mir-Hosseini 2002).

هذه الفكرة عن الصوت والحضور لها خصوصية ثقافية، وهي تكتسب زخما حقيقيا في العالم الواقعي والأكاديمي، لكنها تظل فرضية لم تخضع للاختبار، تفترض قبول النساء لأدوار أسندت إليهن، وتعتمد بشدة على حسن نوايا النظام الأبوي.

إن القدرة على تحقيق الأهداف الجمعية ورفع الظلم عن المظلومين أمر ممكن تحقيقه بأكثر من طريقة، لكن في جميع الأحوال تظل أسئلة المواطنة والحق فيها بلا إجابات. فالمواطنة مبدأ علماني يسمح للأفراد بالتمتع بحقوق متساوية بغض النظر عن النوع (من رجال أو نساء)، أو الأصل العِرقي. وللنساء كامل الحق في أن يقدرن أدوارهن بحكم نوعهن حق قدرها ويتمسكن بها، لكن بعض النساء قد لا يشاركنهن هذه الرؤية، وهؤلاء لهن أيضا الحق في التعبير عن هذا الموقف. كما أن الأمر: “موضوع إعادة صياغة، كما قال مارك توين الرجل الذي يختار ألا يقرأ يتساوى في الجهل مع الرجل الذي لا يعرف القراءة” (Hirshman 2006)”. وبعبارة أخرى، فالنساء اللاتي يمتنعن عن المطالبة بحقوقهن في القدرة على الفعل كأفراد وفي أن يكون لهن صوت يتساوين في الصمت مع من حرمن من الحق في فعل كل هذا.

وتوجد قضية مسألة عدم الإنصاف الاجتماعي والاقتصادي ودوره في تقرير أن يكون للنساء صوت. النوع (من رجل أو امرأة) مجرد عامل من العوامل، لكن توجد أيضًا قوات الطبقة، والعائلة، والسلطة. قد تظهر نساء الصفوة كعضوات في البرلمان أو كقاضيات، لكن تظل الفقيرات بلا صوت يعبرن به تعبيرًا عامًا عن ورطتهن.

إن حركة وحدات الحكم المحلي الهندية المعروفة باسم البنشايات قد عملت على ضم النساء لجميع المجالس المحلية القروية والإقليمية. وهكذا تم توظيف ما يزيد عن مليون امرأة في السياسات المحلية بدرجات مختلفة من الكفاءة، لكن بنجاح أكيد في أخذ نوع النساء في الاعتبار في القضايا المثارة على المستوى المحلي والقرارات التي تتخذ فيها. إن وضع النساء في مواقع السلطة على مستوى القرية قد دفع بالنساء إلى المقدمة على مسرح السياسات الواقعية. لقد منحت النساء سلطة اتخاذ القرارات المؤثرة على الحياة اليومية والتي تعارض الطغاة. لم تكن جميع النساء اللاتي تم تعيينهن في هذه الوظائف ذوات كفاءة أو عادلات، لكن هذه العملية غيرت الواقع الفعلي، وحطمت القيود السياسية، وصارت نموذجًا يوضح للآخرين المستوى اللازم لمشاركة النساء حتى لا يصرن مجرد جزء من الصفوة السياسية الأبوية.

ويعد العمل والتمثيل الجماعيان نموذجًا آخر يوضح كيف يمكن للنساء أن يكتسبن صوتًا وأن يصير صوتهن مسموعًا. فمثلاً، توجد في الهند جمعية للنساء اللاتي يعملن لدى أنفسهن، وقد علت أصوات النساء الفقيرات من خلال هذه الجمعية واكتسبن كفاءة في القدرة على الفعل كأفراد كما مكنتهن الجمعية من تحقيق القوة والقدرات التي حازتها النقابات العمالية منذ قرن من الزمان. إن هذا الصوت الذي يسمعه العالم ويحسه هو صوت الفقيرات، وهن اللاتي حُزْنَ النفوذ الذي يلزم تراكمه لدى من يمكنهم العمل الجماعي.

تُسْتَدعى أصوات النساء في الكفاح ضد تحويل صور الإناث وأجسادهن إلى سلعة. إن وسائل الإعلام وأسواقها تخلق صورًا مثل: الجسد المصطبغ بالصبغة الجنسية، والمرأة المستهلكة الجشعة، والتأكيد على صورة الجمال التي تقهر النساء وتكتم أصواتهن، وتدفع بهذه الصور إلى العرض في وسائل الإعلام. تحتاج النساء إلى التمكين من خلال صور وأنماط متنوعة يمكن أن تعارض تلك الأنماط الخبيثة.

إن أصوات النساء أكثر من مجرد منطوقات ورموز، فالإيماءات الرمزية، والمداهنة, وتوظيف نماذج رمزية من النساء ما زالت منتشرة، وهي سائدة حقًا، خاصة في وسائل الإعلام ذات الشعبية. فرئيسات الجمهورية ورئيسات الوزراء يعبرن عن آرائهن بصفة يومية، وكذلك تفعل من يشغلن قمة المناصب التنفيذية وقدامى الموظفات، لكن عندما نجري حساباتنا لا بد أن نفكر أيضًا فيما أضافه وجود النساء في هذه المناصب من تغييرات، ولا بد من رسم خط حاد يفصل ما بين إعادة خلق أفراد الصفوة على أساس النوع (من رجل أو امرأة) وخلق وجود لنساء يعبرن عن اهتمامات جمعية ويجري تمكينهن لإحداث تغير.

تمتد الأيدي عبر الأماكن، والفضاء الافتراضي، والحدود لخلق برامج وتحالفات وحركات عالمية تتبنى تمكين النساء. بدأت المؤتمرات الدولية منذ حوالي قرن من الزمان. وقد كان للحركة النسوية دائما أبعاد دولية، كما استمرت على هذا المنوال على الرغم من الدعوات إلى توازن القوى بين من يحتللن مواقع دولية ومن يحتللن مواقع محلية للمحافظة على علاقة الحركة النسوية بالنساء الموجودات في أوضاع ثقافية وسياسية ودينية متنوعة. لكن يبدو أن بعض مكونات هذه الحركة العالمية ينتقل بسهولة وبعضها الآخر لا ينتقل. لقد تقابلت النشطات والباحثات واشتركن وتعاونَّ في كثير من المناسبات التي تقع في دوائر أنشطة واهتمامات بعضهن البعض. لكن قضايا واهتمامات النساء أنفسهن لم تنتقل عبر الحدود بنفس الكم والسرعة. لقد خرجت نساء الغرب في مسيرات نيابة عن الكثيرات من أخواتهن الشرقيات وضربن مثلاً لكيف يقف الغرب موقف الحَكَم في الحركات العابرة للحدود. يبدو أن الروابط تمر دائمًا عبر مركز جرى عولمته يقع في الغرب جغرافيا، وأكاديميًا و/ أو ماليًا.

تعني العولمة وجود قوى متشابهة تغيِّر النساء في جميع أنحاء العالم أو تضع أمامهن تحديات. لقد خلقت التجارة الحرة المزيد من الوظائف للنساء، وربما حسنت من ظروف عمل بعضهن، لكنها خلقت أيضًا جيوبًا من البطالة، وأنقصت فوائد الدعم الاجتماعي والمرتبات المدفوعة للبعض الآخر. إنها قوة عالمية واحدة تعمل بطرق مختلفة في مختلف المواضع. أن جداول أعمال الجهات المانحة، وسياسات حقوق الإنسان والصحة الإنجابية ونماذجها، ونظم التعامل مع الهجرة واللاجئين، كلها أمثلة لأحداث وأحوال عالمية تشتبك معها النساء في جميع أنحاء العالم. كل شيء يحدث في المركز، وكل شيء يؤثر على الأطراف بطرق مختلفة.

فهل تفرق هذه القوى النساء أم توحدهن؟

إن السبل المؤدية إلى تمكين النساء تتقاطع مع التاريخ والجغرافيا، وهي مليئة بالفرص، سواء الفائتة أو المتحققة، التي شكلت حركات تقدمية وعادلة أخرى. لقد حان الوقت للنظر في مجالات الصوت، والجسد، والعمل والقوات الدولية التي تشكل ساحات الحركات والأبحاث لرسم خريطة مسار يؤدي مباشرة للعدالة.

يلزم للتنمية التي تستهدف المجتمعات المهمشة أن تكون موجهة نحو الحركة العامة. لقد طورت مناهج البحث المستخدمة في دراسات الحركات العامة لتمكين الأفراد والمجتمعات من حل مشكلاتهم والتعامل مع احتياجاتهم باستخدام أدوات بحث بسيطة للإسراع بجمع البيانات وتحليلها والعمل بناء عليها. ونادرًا ما تحقق هذا بشكل مثالي هذا إذا كان قد تحقق أصلاً في البلدان العربية، بما فيها مصر، حيث يظل الانقسام بين البحث والحركة العامة موجودًا، كما تظل المسافة بين السياسة والاحتياجات المحلية، فالأبحاث التي تجرى شكلية، ونادرًا ما تقوم على المعرفة المحلية حتى حين تكون إمبريقية. وفي نفس الوقت، لا يوجد لدى أهل المجتمعات المحلية إلا سبل قليلة يمكن أن يعبروا من خلالها عن حقائق واقعهم، والتحديات التي تواجههم، أو متطلباتهم. إن ما ينقص مبادرات التنمية في مصر هو إدخال جيل جديد من الباحثين والباحثات يكون عاملاً حفازًا للتنمية.

نحتاج إلى باحثات وباحثين يمكن أن يشاركوا الناس، كما يمكنهم في نفس الوقت جمع البيانات وتحليلها والمحافظة على استمرار سلسلة من حلقات التغذية المرتدة التي تحقق التنسية الكفؤة والمتمحورة حول الناس. ويحتاج واضعو السياسات، والإداريون، ومن يقدمون الخدمات إلى شراكة هؤلاء الباحثات والباحثين معهم من أجل مواجهة تحديات الفقر والمخاطر الاجتماعية. وعلى الرغم من أن التنمية بالشراكة تفترض وجود رابط مباشر بين أصحاب المصلحة على مستوى القاعدة، وبهذا الشكل تلتف حول هياكل البحث الرسمي أو الأكاديمي، فإن مصر تحتاج بشكل واضح إلى باحثين وباحثات متحمسين، وملتزمين، وحاصلين على تدريب جيد يعملون في التنمية من موقع الشركاء.

المقالات التي يضمها هذا الكتاب تتناول بطريقة أو بأخرى العلاقات التي تشكل قوة النساء وأجسادهن، وعملهن، وصوتهن، وقدرتهن الفردية على الفعل. تدور جميع المقالات حول النوع (من رجل أو امرأة) بمعنى أنها تحول الطريقة التي تصيغ بها المجتمعات النساء ككيانات وتحد من سبل وصولهن إلى حقوقهن واستحقاقاتهن أو تجعل منها إشكاليات. وهي تنقل فكر الباحثات اللاتي من جميعًا منشغلات سياسيًا بمشكلةالظلم القائم على أساس النوع (من رجل أو امرأة). لقد كتبت أورتنر أقدم مقال من هذه المقالات في بدايات سبعينيات القرن العشرين، وأحدث هذه المقالات هو ما كتبته كورنول وأخريات ونشر في عام ۲۰۰۸ (Cornwall et al). وتتناول هذه المقالات أجساد النساء، ومكانتهن الرمزية، وحقهن في المواطنة واستحقاقهن لهاء وعملهن، وانشغالهن برعاية الأسرة ومسئولياتهن عنها، وتنميتهن. بعض المقالات يبدو أكثر التزامًا بمناهج البحث ويقدم إطارًا لتحليل وضع النساء (كبير Kabeer)، ومنهجًا يمكن من دراسة النوع (من رجل أو امرأة) من وجهة نظر نسوية (هاردينج Harding)، كما تضم مجموعة المقالات أيضًا الأعمال النظرية المستمدة من علم الأنثروبولوجيا وخاصة ما يتناول منها التحيز الثقافي العام ضد المرأة (أورتنر Ortner)، وإعادة صياغة النوع (من رجل أو امرأة) باعتباره أداء، وتشكيل الجسد وفق شروط معينة (باتلر ومور Butler and Moore)، ونظرية النسق الأبوي (كانديوتي Kandiyoti) وهي تناقش موضوعاتها وتنقدها. كما أن التحيز في دراسات النوع نفسها يخضع لما صار كشفًا كلاسيكيًا أتى من النظرات الغربية” (موهانتي Mohanty) للنظرية أو المعرفة.

تغطى مقالات هذا الكتاب نطاقًا واسعًا من الموضوعات، مما جعل من عملية تصنيفها مهمة شاقة. تغطي المقالات أرضيات تخصصية تشمل الأنثروبولوجيا, والاقتصاد السياسي والعلوم الاقتصادية، ودراسات التنمية، والدراسات والنظرية النسوية، حيث تجمع دوامة النوع (من رجال أو نساء) بين مختلف التخصصات في مجال ديناميكي يقدم المعلومات لنظريات العلوم الاجتماعية ومناهج البحث المتبعة فيها بمعدل سريع، وهكذا تجعل من تداخل التخصصات مكونًا ضروريًا ومهمًا من مكونات العمل. يعني هذا أن تخصصات مختلفة تجمعت لتدعم بعضها البعض بالمعلومات النظرية وتكمل بعضها البعض في مجال النوع. ومن ثم عنى المبدأ الأول الذي يشكل أساس اختيار هذه المقالات يتناول مختلف المداخل الاجتماعية للنوع كنظرية وكموضوع للدراسة.

تتضمن العلاقة بين العيش في العالم الاجتماعي ودراسته فارقًا زمنيًا ثابتًا تتأخر فيه الدراسة عن الأحداث الاجتماعية المعيشة، مما يسبب للعلوم إحباطًا، إذ عليها أن تواكب الممارسات والواقع ثم تدرسهما، فنادرًا ما يرجع عالم الحياة اليومية إلى العلوم الاجتماعية كي تقوده. يلاحظ الباحثون والكتاب الواقع ويصفونه ليضعوا النظريات. فإذا ترجمت هذه النظريات إلى ممارسات في ثوب سياسات أو تدخلات اجتماعية جديدة، يكون على علماء الاجتماع إجراء المزيد من الملاحظات ليحللوا ويفسروا وقع هذه التدخلات. ودائمًا ما تتأخر الدراسة زمنيًا عن مجريات حياة المجتمع. إن عدم التواؤم الغريب بين ما نصفه وقدرتنا على تغييره ما زال قائمًا.

معظم الكتابات الإمبيريقية يطويها النسيان، حيث إن ما تصفه يتحدى معتقداتها وبديهياتها ويهمل التوقعات والتكهنات. كتابات قليلة من هذا النوع لها وقع دائم وأصيل أو تظل لها قيمة حين تنتقل من موقع جغرافي إلى آخر. فالمبدأ الثاني الذي يقوم عليه الاختيار هو احترام نواتج العلوم الاجتماعية التي صمدت أمام اختبار الزمان والمكان (أو التي يتوقع أن تفعل ذلك).

يمكن أن تدعي مقالات وكتابات العلوم الاجتماعية مبالغات بشأن نتائجها النهائية. فقد وصف مارشال ساهلينز ذات مرة الأنثروبولوجيا بأنها علم، يكتشف أفكارًا كبيرة في الأشياء والممارسات الصغيرة. قد يشيع في أنثروبولوجيا الميل نحو تعميم الخاص، لكن العلوم الاجتماعية الأخرى التي تفتتن بالبيانات المستمدة من مستوى كبير من العينات وبالأرقام، مثل العلوم الاقتصادية وعلم الاجتماع، تخرج هي الأخرى من نتائجها شديدة الخصوصية بخلاصات فيها تعميم. العلوم الاجتماعية ذات التوجه نحو الأرقام تضع نظريات حول القدرة العربية على الفعل، والرغبات، والتوقعات والخبرات على أساس ما تجده من ارتباطات خاصة وأنماط إحصائية. وهكذا تقوم معظم العلوم الاجتماعية على أساس بنى معينة للحياة الاجتماعية ولمناطق جغرافية معينة. ومن ثم، فالمبدأ الثالث للاختيار هو أن تشمل المقالات المختارة بعض المقالات التي تتوسع في عرض القضايا والأفكار ليعلم القارئ / القارئة الجدد على المجال مدى انتشار هذه القضايا والأفكار التي تظهر في دراسات النوع والعلوم الاجتماعية، بالذات في العالم العربي والإسلامي.

اختيرت المقالات بسبب محتواها وإسهامها، لكن قابليتها للنقل إلى لغة أخرى تضعنا أمام مجموعة من التحديات. يعني مفهوم القابلية للنقل إلى لغة أخرى جعل المقالات ذات معنى من الجهة المفاهيمية، وإظهار مدى تمثيلها للإنتاج الثقافي وللسياق الذي حدث فيه هذا التفكير والإنتاج. فالتحدي الأول إذن هو كيف تنقل ترجمة هذه المقالات ما فيها من المعنى، والدلالة وما لها من قيمة، سنناضل لنقل هذه المجموعة من المقالات إلى اللغة العربية، مع الحرص على المحافظة على المعنى والقيمة التي ينعم بها السياق على كل مقال من داخله. وتكون وظيفة المقدمة إعادة خلق هذه السياقات وشرح لماذا يستحق كل مقال الاهتمام به، وتجاوز مجرد تجميع هذه المقالات كيفما اتفق.

من التحديات الأخرى التي تواجه نقل المقالات إلى لغة أخرى القلق بشأن الحفاظ على معنى الإشارات المرجعية والأمثلة التي في كل مقال. في مقال نشر حديثًا عن ترجمات أجزاء رواية هاري بوتر، وجدت إشارة خاصة إلى إحدى الترجمات الصينية التي استبدلت بالإشارات والشخصيات الأسطورية نظيرات لها من الأساطير الصينية. وسواء حدث ذلك أم لم يحدث، فإنه يعني أن المترجمين قد أعادوا كتابة أجزاء الرواية فعلاً، ووضعوا في النص عناصر صينية تتجاوز الترجمة اللغوية حتى ولو وضعوها بأقصى ما يمكن من الفطنة والحساسية.

العلوم الاجتماعية مبنية على ما هو خاص وما له موقع خاص، وهي تعتمد بشدة على المرجعيات الاجتماعية، كما أنها مرتبطة بسردية نظرية مستمرة لها شروطها الخاصة وعلاقات الإنتاج الخاصة بها. ولكي يتمكن الإنسان من إعادة خلق (نقل) مقال من لغة إلى أخرى يلزمه أن يضمن أن المرجعيات والأطر التي تشكله وتوضحه وتبرهن عليه قد نقلت بطريقة تؤدي إلى معناه وتمثله. فالتحدي الثاني أمام نقل المقالات إلى لغة أخرى يتعلق بقدرة المترجم/ المترجمة على أن تنقل هذه المرجعيات والأطر بدقة بحيث تؤدي وظائفها المقصودة.

إن هذه المرجعيات والسرديات التي صيغت فيها الأفكار الإمبيريقية والنظرية يمكن أن تشعر القارئ غير الغربي بغربة شديدة. يحتاج المرء إلى فهم الحجج والنقاشات الواردة في المقالات، كما يحتاج إلى الإمساك بزمام جميع الأسماء، والكتب، والأحداث التاريخية والسياسية والأماكن، والمؤسسات والأشياء التي ذكرها كتاب المقالات في مقالاتهم وفهمها، وهي أشياء يفترض أن المؤلفين وضعوها لتيسير فهم مقالاتهم وجعلها ذات معنى على المستوى التاريخي. توجد الكثير من المصطلحات التي تؤخذ كبديهيات لم يكتب بالإنجليزية، لكنها تشعر القارئ العربي بالغربة حين تترجم إلى العربية. فمفاهيم السلبية مثل الشرق الأوسط، والطبقة، والعائلةيسهل ترجمتها. لكنها قد تجعل من لغة المقال نغمة غريبة. وأحيانًا يكون تواتر استخدام مصطلح ما هو الذي يشعر القارئ بالغربة وبوجود مسافة تبعده عن النص. وقد يبدو المقال عند قراءته بالعربية ذا طابع أكثر أكاديميةأو علميةمما قصد كاتبه حين كتبه باللغة الإنجليزية.

وقد يكون المقال محشوًا بمرجعيات أخرى مثل أسماء كتاب، ومفكرين، وأماكن، مما يجعله أكثر غرابة عما ينبغي له أن يكون. فالكتاب الغربيون كثيرًا ما يأخذون العالم بأكمله أمرًا مسلمًا به، ويشعرون براحة، بل بفضيلة حين يفردون شبكة مرجعياتهم إلى أراض بعيدة وعريضة. فهكذا قد يشير مقال لأحد الكتاب الغربيين إلى قبائل في غرب إفريقيا، أو حركات سياسية في وسط أمريكا، أو سياسات في أمريكا الشمالية، أو ممارسات وشعوب في جنوب شرق آسيا، وقد يستعرض هؤلاء الكتاب غنائم أخرى لعلماء اجتماع ارتحلوا كثيرًا إلى مختلف بقاع العالم. إن هذا الإطلاع العريض هو الجائزة السعيدة التي تقدم للمواطنين العالميين والعلوم الاجتماعية التي تعتبر العالم بالنسبة إليها شيئًا يسهل أخذ ما فيه! إن محاولة توصيل مثل هذه المرجعيات العريضة مع تجنب إشعار القارئ بالغربة في نفس الوقت قد يكون تحديًا رائعًا. فالتحدي المتعلق بنقل المقال للغة أخرى هو كيفية جعل عالم القارئة والقارئ يتأقلم مع المقال وبناء جسور بين التراث والسياق الثقافي للكتاب والقراء.

* تمت كتابة هذه المقدمة في بداية العمل على الكتاب وذلك في عام ٢٠١٠.

Bisnath, Savitri 2001 “Globalization, Poverty and Women’s Empowerment” in Expert

Group Meeting on “Empowerment of Women Throughout the LifeCycle as a

Transformative Strategy for Poverty Eradication” 26-29 November 2011. New Delhi,

India.

Chambers, R. 1997 Whose Reality Counts? Putting the First Last. Intermediate Technology

Publications

Gaventa, John 2005 “Reflections on the Uses of the Power Cube Approach for Analyzing

the Spaces, Places and Dynamics of Civil Society Participation and Engagement”. CFP

Evaluation Series 2003-2006: no 4. MFP Breed Netwerk.

Hafez, Shereen (2003). The Terms of Empowerment: Islamic Women Activists in Egypt.

Cairo: American University in Cairo Press.

Hirschmann, N. (2006). “Response to Friedman and Brison,” Hypatia. Volume 21, Issue 4,

pp. 201–211, November 2006.

Kabeer, N. (2000). The Power to Choose: Bangladesh Women and Labour Market

Decisions in London and Dhaka, Verso, London and New York.

Kabeer, N. (2001). ‘Conflicts over Credit: Re-Evaluating the Empowerment Potential of

Loans to Women in Rural Bangladesh’, World Development. Vol. 29, No. 1, pp. 63-84,

January 2001.

Mahmood, Saba (2005). Politics of Piety: The Islamic Revival and the Feminist Subject.

Princeton: Princeton University Press.

———- (2001). “Feminist Theory, Embodiment, and the Docile Agent: Some Reflections

on the Egyptian Islamic Revival,” Cultural Anthropology, 6(2): 202-236.

Malholtra, A. et al. (2002). Measuring Women’s Empowerment as a Variable in

International Development. The World Bank, June 28, 2002.

Mir-Hosseini, Z. (2005). “The Conservative and Reformist Conflict over Women’s Rights

in Iran.” International Journal of Politics, Culture and Society 16 (1), Fall 2002, pp. 37-

53.

Mohanty, C.T. (1991). ‘Under Western Eyes: Feminist Scholarship and Colonial

Discourses’, in C.T. Mohanty, A. Russo and L. Torres (eds.), Third World Women and

the Politics of Feminism. Bloomington and Indianapolis, Indiana University Press.

Mosedale, Sara. (2005). “Assessing Women’s Empowerment: Towards a Conceptual

Framework.” Journal of International Development. 17(2): 243–257, March 2005.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات