النضال من أجل قوة التأويل في مجال النوع والتنمية

تاريخ النشر:

2015

أساطير النوع والخرافات النسوية: النضال من أجل قوة التأويل في مجال النوع والتنمية *

ملخص: شهد مجال النوع والتنمية نموًا هائلاً عبر السنوات الثلاثين الماضية. ونحن نبحث في هذه المقدمة أوجه التضارب التي تعيد بناء أسس الانشغال النسوي بالتنمية، وندرس ما قد تطرحه علينا الأوضاع الإشكالية الصعبة الحالية فيما يخص العلاقة بين الفكر النسوي والتنمية. لقد تزايد الإحباط عبر السنوات القليلة الماضية بسبب الشعارات التبسيطية التي صارت تميز الكثير مما يقال عن النوع ((gender والتنمية والفجوة بين النوايا المعلنة والتطبيق العملي الفعلي للسياسات والبرامج. ولدينا الآن تساؤلات مثارة عما آلت إليه أحوال النوعفي التنمية. وتضم هذه المجموعة من المقالات تأملات نقدية في بعض الأفكار عن النوع، وخاصة تلك الأفكار التي يتردد صداها في سرديات التنمية (Development narratives)، وبالذات ما يتضمن منها إشاعة الصور الرمزية للنساء وحشدها. وتستكشف هذه المقدمة بإمعان القضايا التي يثيرها صنع الأساطير (myths) على هذا النحو، وتقدم الحجة على أن هذه الأساطير تنبع من مطالب ملحة داخل سياسات النظم البيروقراطية التي تدير التنمية ما تؤديه من أعمال، كما تنبع من داخل السياسات الناتجة عن انشغال التسويات بسياسة التنمية وتطبيقاتها العملية، ومن داخل السياسات النسوية نفسها.

مقدمة:

باتت علاقة النوع بالتنمية مجالاً مميزًا ومتعدد الجوانب للبحث والتطبيق في العقود القليلة الماضية. إن علاقة النوع بالتنمية فرع تخصصي معترف به، وقد أحرز النوعمكانة رسمية في تيار خطاب التنمية السائد. وقد أدخِل هذا الفرع التخصصي إلى المؤسسات بعدة طرق مختلفة: في الوظائف الاستشارية في الهيئات المانحة والهيئات غير الحكومية، وفي مقررات درجة الماجستير في الجامعات، وفي برامج التدريب الشائعة والهياكل القومية التي تنظم عمل النساء. وقد أنتجت بعض الجماعات النسوية المتنوعة المهتمة بالدعوة لقضايا النوع، والتي تقع في أماكن مختلفة، مجموعة من البحوث الأكاديمية، وبدأت في إحداث تغيرات عديدة في مؤسسات التنمية.1

ومن أهم مواقع التجديد في هذه العمليات ابتكار وإنشاء لغات جديدة – لغات لصياغة الصور التمثيلية (representations)، ولغات التحليل، ولغات لخطاب السياسة – وصياغة الجدل الذي ثار حول ذلك. وتشمل الموضوعات الأساسية لهذه المجموعة من المقالات الطبيعة الخلافية للغة التعبير عن النوع الاجتماعي والتنمية، واستخدامات هذه اللغة وسياقاتها.

وتأتي هذه المقالة ضمن مجموعة من الأبحاث التي أسهم بها أصحابها وصاحباتها في مؤتمر يتناول ما وراء أساطير النوع (gender myths) والخرافات النسوية (feminist fables). وقد استضاف معهد دراسات التنمية (IDU) بجامعة ساسيكس2 هذا المؤتمر الذي ضم نشطاء وأكاديميين من النساء والرجال من الجنوب والشمال، وممثلين (وممثلات) لهيئات تنموية ثنائية ومتعددة الأطراف، ومنظمات دولية وأخرى قومية غير حكومية. وكان الدافع لعقد ورشة العمل أن الناشطات النسويات المعنيات بالتجديد في مجال علاقة النوع بالتنمية قد انتشر بينهن شعور بخيبة الأمل حول ما آل إليه حال النوعفي التنمية، بما في ذلك الإحباط بسبب الشعارات التبسيطية التي باتت تميز الكثير مما يقال في شأن النوع والتنمية.

وتنتمي هذه المقالة إلى المقالات التي يتردد صداها بالذات عن النوع في خطاب التنمية وممارساتها العملية. فقد تناولت من أسهمن (وأسهموا) في الورشة بالأفكار التي نشرها خطاب التنمية وجعلها تتغلغل وسط الجماهير، مثل الأفكار عن أن النساء أقل فسادًا من الرجال، أو تصوير النساء على أنهن أقرب إلى الأرضأو مسالمات بطبعهن، وقد سعينا إلى تحديد المواقع التي تُحشَد فيها هذه الأفكار والصور في سرديات التنمية (development narratives). وتلقي التحليلات المتنوعة ضوءًا على كيفية تأثير اللغة التي يجري من خلالها إنتاج المعرفة وحشدها في الإطار النسوي على صدق تمثيل (representation) هذه المعرفة وتوظيفها استراتيجيًا. ويثير هذان الأمران معًا تساؤلات عريضة عن العلاقة بين البحث والسياسة، وعن صعوبة مهمة الدعوة النسوية في إطار التيار السائد لتطبيق التنمية، ذلك الذي قد ينظر لقضايا النوع بعين اللا مبالاة، أو حتى بعين العداء.

مثل أسئلتنا الأساسية سؤال عن كيف صارت بعض الصورة التمثيلية لقضايا النوع مغروسة في التنمية بعد إزالة ما قد يصدم الجمهور منها, أو إفقارها، أو حتى كيف غُرست في التنمية صور تمثيلية مغلوطة لهذه القضايا ليس إلا, كما يرى البعض. يستكشف من أسهمن (وأسهموا) في الورشة هذا الأمر في المواقع المتعددة التي تنتج فيها مثل هذه المعارف وتطرح للاستخدام، ويتتبعن (يتتبعوا) سلسال الأفكار المؤثرة والخلافات التي صاحبت كتابتها في سرديات التنمية. وعدا ذلك، يوجد الكثير من المقالات التي تتميز بالتأمل الذاتي، إذ تطرح أسئلة صعبة عن ما جرى عليه العرف في النسوية ذات نفسها من سياسات وسرديات. مثل: إلى أي مدى اعتمدت منظومة القيم والمؤسسات والقوانين والمخيلة النسوية (feminist imaginaries) على مبدأ الجوهرية (essentialism) في دعوتها للتنمية وحشدها للجهود من أجلها؟ من أكبر التحديات التي واجهتها النسوية فك الارتباط بين الهوية والاندماج في الجماعة، الأمر الذي أفاد في تعبئة فئة النساءكجماعة مصالح يعتد بها. لكن الكثير من الضغوط تواطأت على توصيلنا إلى ما نحن عليه الآن من أوضاع أصلية تتميز بالقوة لكنها لا تسمن ولا تغني من جوع.

كثيرًا ما تظهر النساء في سرديات سياسة النوع والتنمية كبطلات وضحايا في آن واحد, فبطولتهن تتجلى في قدرتهن على النضال، وصمودهن في تحمل أعباء مثالب نوعهن، وممارستهن للاستقلال باتخاذ قراراتهن (autonomy) وهن ضحايا من حيث هضم حقهن في الاختيار، وتحملهن لعبء عمل يبلغ ثلاثة أضعاف عمل الرجل، كما أنهن الطرف الذي يتلقى قهر الذكور وعنفهم. وحيث إن هذه الدعوات لحشد القوى مغروسة جزئيًا على الأقل في تصورنا لذاتنا، فهي قادرة على تحريك الناس، لكن من أسهمن (أسهموا) في الورشة يشرن أيضًا إلى أنها بعيدة بمراحل عن الطابع المركب لحياة النساء والرجال. ويمتد تأملنا النقدي لذواتنا ليغطي استخدام مصطلح النوعذاته، الذي قد يذهب البعض في الجدل حوله إلى أنه قد صار جزءًا من المشكلة بدلاً من أن يصبح جزءًا من الحل.

ونحن في هذه المقدمة * نعلق على القضايا التي أثارتها هذه المعضلات، وما توحي به من علاقات بين المعرفة النسوية والواقع العملي للتنمية. ونحن إذ نفعل هذا نبحث أيضًا في التناقضات التي تشكل أساس ارتباط النسوية بالتنمية. وهدفنا أن نتجاوز أشكال العمل التنموي وأشكال الفكر النسوي التي تتعامل مع الناس كمجموعة متجانسة، وأن نضع الصور التمثيلية لقضايا النوع في إطار خطاب الحياة اليومية والتطبيقات العملية للنوع والتنمية.

 

تشترك التنمية والنسوية في فلسفات التغيير، ولذا فدائمًا ما تثار نزاعات حارة حول أهدافهما السياسية. من المجالات المهمة التي تشهد مثل هذه النزاعات مجال النضال من أجل حيازة قوة التأويل، التي تعني أي لغات وصور، وصور تمثيلية، وسرديات، وقصص ينبغي استخدامها من أجل التخطيط للتغيير أو حشد الجهود له. وقد صارت قضايا صدق التمثيل وسياسات الخطاب موضوعات لمجادلات واسعة النطاق في دراسات التنمية عمومًا، انتقالاً من كتابات إسكوبارEscobar 1995)) وفيرجسون Ferguson 1990)) التي كثيرا ما استشهدت بها هذه الدراسات، إلى محاولات لتقديم خطابات التنمية بعبارات أكثر تنوعا (Crewe and Harrison 1998; Grillo and Stirrat 1997; Mosse 2003, 2005)

وتركز بعض هذه الكتابات أساسا على إنتاج خطاب التنمية وسردياتها وإعادة إنتاجهما؛ وعلى التأطير، والتسمية، والترقيم، والتشفير” Apthorpe 1996, 16)) الذين يشكلون أساس سياسة التنمية، فمثلا؛ تذهب دراسة آرسي (Arce 2003, 33) إلى أن الصراع على المعاني أمر محوري لفهم مؤسسات التنمية ونواتجها: “فلغة التنمية تحدد إطار فهمنا للمشكلات المعاصرة، وترجع أهمية هذا إلى أن الصور التمثيلية اللغوية متضمنة بعمق في المواقف التي تتعلق بتكوين المعرفة؛ التي تقدم بدورها الأساس الذي يقوم عليه تنظيم التدخلات وإعطائها الشرعية.

وهكذا يمكننا أن نفهم أن صنع سياسات التنمية وتشكيل تلك السياسات ساحة للمنازعات، تترسخ فيها أقدام إطار معين من أطر تقديم المشكلة والحل، وتسمى مارتن هاجر Maarten Hajer 1995)) مثل هذا الإطار مسارات الأحداث” (story- lines). تعتمد كفاءة هذه المسارات للأحداثعلى تعبئة الدعاة لها واستخدامهم لها كأساس لوضع قائمة بالفاعلين الذين تشمل تدخلاتهم عدة ساحات مختلفة Hajer 1995; Latour 2005)).

إن الصور التمثيلية التي صارت تشكل الواقع العملي للتنمية تجليات للقوة المؤسسية والفردية. وهنالك كتابات حديثة تنبه إلى انقطاع الصلة ما بين الصور التمثيلية للسياسة كمسأالة تقنية، تنشأ أساسا من عملية تقدير للشواهد، وبين الحقائق الإثنوغرافية المركبة التي تشكل الطابع السياسي لعملية صياغة السياسات. وتشير دراسة موس بالذات إلى أن السياسة تعمل أساسًا لحشد الدعم السياسي والحفاظ على استمراره، أي أنها تعمل على إضفاء الشرعية على الواقع العملي لا على توجيهه” Mosse 2005, 14))، كما أجرت بحثًا إثنوغرافيا ميدانيًا لحالة مشروع تنموي في الريف الهندي، لكن أهمية حجج هذه الدراسة تتجاوز هذا المشروع وتصلح للتحليلات التي تسعى لفهم الطرق التي يمكن أن يخلق بها صنع السياسات قواعد مختلفة فيما يخص مكانة المعرفة وإنتاجها. فمثلاً، لفت كينج وماكجراث(King and McGrath 2004) الأنظار حديثًا إلى الطرق التي تضع بها هيئات التنمية نفسها في مقام هيئات المعرفة“. ففي حالة البنك الدولي، نبع وضعه كـبنك معرفةمن مصالحه المعلنة في المصادر المحلية للمعرفة، والمداخل التي تأخذ بالمشاركة، واعترافه بتعددية الأصوات. أما مدى ما يؤدي إليه هذا من تحسين المعونات أو جعلها أكثر فاعلية فهو موضع خلاف، إذ يذهب البعض إلى أنه جعل البنك أكثر حزمًا وغطرسة وليس العكس” (King and McGrath 2004, 93)

لهذه النقاشات أهمية كبيرة لفهمنا لكيف حُشِدت الصور التمثيلية للنوع في خدمة سياسة التنمية وتطبيقها العملي. كتب ألبرت هیرشمان (Albert Hirschmann 1967) تحليلاً قويًا منذ حوالي أربعين عامًا نبه فيه إلى الدور الذي تلعبه الأساطير في تحريك تصرفات العاملين بالتنمية ومدها بالدوافع. وقد ذهب إلى أن هؤلاء العاملين يحتاجون إلى شيء يؤمنون به، ويوجههم ويحافظ على استمرارهم في عملهم، ويمدهم باليقين المعنوي والإحساس بأن لهم هدفًا يسعون إليه، وذلك لكي يتعاملوا مع العوائق التي يواجهونها وهم يعملون على تغيير أوضاع الفقر وعدم المساواة، والتي لولا هذا الشيء الذي يؤمنون به لصارت هذه العوائق مستعصية على الحل. وقد أصَرَّ على أن التنمية تحتاج إلى خلق أساطيرها ودوام الإيمان بهذه الأساطير.

لن يقبل كثير من العاملين في التنمية أي أفكار تقول بأن التوجيهات السياسية تستلهم المعتقدات لا الحقائق. إن أكثر الاستخدامات شيوعًا لكلمة أسطورةفي خطاب التنمية هو استدعاؤها كأداة لتأكيد زيف الافتراضات المُسَلَّم بها، كما تستخدم كأساس لتصميم ما يجب أن يحل محل هذه الافتراضات. لكن لو وجد العاملون بالتنمية والباحثون فيها صعوبة في قبول أن أفعالهم قد تكون قائمة على الأساطير، فقد تقنعهم كتابات عدد من المنظرين السياسيين للقرن العشرين الذين يؤكدون وجود علاقة بين الأسطورة والفِعل. تعتمد دراسة هيرشمان على كتابات جورج سوريل Georges Sorel 1908)) فتؤكد أن التنمية تحتاج إلى أساطير خاصة بها لتوجيه العمل ومده بالدوافع، وتذهب دراسة هيرشمان إلى أننا إذا أخذنا في اعتبارنا واقع العمل التنموي لوجدنا إغفال حكايات التغير البطولية التي تلهم بالتدخل من أجل عمل فعلي يعتبر إساءة فهم للفكرة. تقتبس دراسة هيرشمان قول سوريل، الذي يذهب إلى أن الأساطير ليست أوصافًا لأشياء، لكنها تعبيرات عن العزم على العمل لا يمكن دحض الأسطورة، لأنها تتطابق، بمعنى الكلمة، مع ما تقتنع به جماعة من الناس” Sorel 1908/ 1941, 33)).

يرى سوريل أن وضع الأسطورة في نظرية المعرفة، وعلاقتها بالصدق أو بالزيف نقطة جانبية، فالمهم قدرة الأسطورة على إضفاء المعنى على زخم الحياة الذي مازال في طور التشكل، وقدرتها على إعطائنا إحساسًا بأن لهذا الزخم هدفًا مقنعًا ذا معنى. وكما يتضح من كتابات دويزيما Dezeema 2004)) عن الاتجار بالنساء التي اعتمدت على كتابات لاكلاو Laclau 1996))، فإن قوة الأسطورة لا تظهر إلا حين تأخذ هذه الأسطورة أبعادًا سياسية وتوضع في خدمة المخططات السياسية.

تعمل الأساطير لصالح التنمية عن طريق صياغة الحقائقصياغة رمزية في سرديات تغذي المعتقدات وتحافظ على استمرارها، وتكتسب أساطير التنمية رسوخها لأنها تتحدث عن العالم بطرق تجعلنا نشعر أن للمعتقدات السياسية اتجاهًا، وهو أمر لازم للإلهام بالحركة.

مع قبول النوعفي سياسة التنمية وممارساتها العملية، ابتُكِرت مسارات أحداث، وخرافات، أساطير أكدت بعض جوانب المخططات النسوية، وأزاحت بعضها الآخر خارج الإطار. وعندما تأملت من أسهمن (وأسهموا في ورشتنا النواتج المزعجة لتحويل المعارف النسوية إلى مخططات تنموية، عبرن عن قلقهن بشأن عواقب هذا التحويل. لقد تآلفن مع كثرة المداومة على تقديم نفس الأفكار بأشكال متغيرة، حتى تعبن من ذلك. لقد دارت رؤوسهن من كثرة إعادة تأكيد البديهيات الرئيسية تحت عناوين مختلفة مثل: “الحد من الفقر؛ والتمكين؛ و الحقوق؛ والاستبعاد؛ والمواطنة“. يستكشف من أسهمن (وأسهموا) في هذا الكتاب بعض ديناميكيات تفسير الأفكار النسوية في السرديات ومسارات الأحداث التي أصبح التيار السائد في التنمية يستخدمها لعدد من الأسباب، وتشمل هذه الأسباب طبعًا حركات تكتيكية لوضع سياسات يمكن أن تغير حياة النساء إلى الأفضل. إن إدخال الاهتمام بالنوع في مخططات التنمية السائدة يتطلب التحلي بالروح العملية / النفعية (البراجماتية). وإذا أردنا التمكن من اقتناص الموارد اللازمة من أجل سياسات تتناول الظلم والحرمان اللذين تعانيهما النساء بسبب نوعهن، لابد لنا من تبني استراتيجيات خطاب تصنع العاملين بالتنمية على اختلاف مشاربهم في الكثير من مؤسسات التنمية. وتستكشف بعض الإسهامات أيضًا الدور الذي تلعبه أساطير النوع في استنفار النسويات وإلهامهن بالاضطلاع بالكدح لإنجاز مهمة التغيير الصعبة.

بعض الباحثين مثل ألبرت هیرشمان، يجدون أن فكرة الأسطورة تفيد في فهم كيفية وسبب رسوخ أفكار معينة وسط مختلف العاملين بالتنمية، كما تفيدنا في فهم ما تفعله هذه الأفكار من إعطاء دافع للتدخلات التنموية، لكنهن (وهم) يستدعون جوانب مختلفة للمعاني المحتملة للأسطورة، فالاسطورة لدى مرسيدس دي لا روشا (Mercedes de la Rocha) عقيدة شعبية جامدة (dogma)، ويمكن أن يقال عنها إنها تأخذ شكل القصة المقدسة (التي لا يمكن إنكارها)، كما يمكن أن يجري تمثيلها أو إعادة إنتاجها في الطقوس التي تجري في الساحات التي يلتقي فيها أعضاء المؤسسات الأكاديمية، والحكومات والهيئات الدولية لمناقشة السياسة الاجتماعية وقضايا الفقر” Cornwall et at 2007, 46)). وبعض المؤلفات الأخريات لا يركزن في تحليلاتهن على الأساطير بقدر ما يركزن على المُسَلَّماتفي مسالة النوع والتنمية (البُشرَى El Bushra)؛ أو على الافتراضات القويةوالتعميمات” (Jackson). وتبرز دراسة جاكسون السمات الواضحة للأسطورة، التي لا تحتاج إلى برهان والتي يسلم بها الناس، مع التركيز على الأفكار التي تشكل جزءًا لا مراء فيه من خصائص الفكر التي يمكن إعادة إنتاجها عبر أجيال من الباحثين” (Cornwall et al. 2007, 108) .

في بعض الحالات، يكون للصور التي تحشدها أساطير النوع الاجتماعي طابع بصري أكثر منه نصي، كما هو الحال في وصف ميليسا ليتش (Melissa Leach) للطرق التي صارت بها صور معينة من صور علاقات النساء بالبيئة رموزًا بصرية تنموية، تلخص رسائل قوية وجذابة“. يقدم مقال ميليسا ليتش مثالاً للخرافات النسوية. وفي هذه الحالة قد ارتبطت مجموعة قوية من قصص التدهور البيئي رباطًا لا فكاك منه بأساطير النوع الاجتماعي عن ميل النساء الطبيعي إلى القيام بدور المحافظات على الموارد وحاميات حمى الطبيعة. وكما تقول مرسيدس دي لا روشا في هذا الكتاب Cornwall et al 2007, 46)) فإن الأسطورة تتحول إلى خرافة (لو حكاية خرافية)” حين تُشحَن برسالة أخلاقية رئيسية، وقد نشأت الخرافات عن النساء والبيئة في ذروة النزاع الأخلاقي العالمي حول البيئة. وقد وصفت دراسة إيمري رو Ermery Roe 1991)) طريقة عمل الخرافات النسوية وصفًا فعالاً فقالت إنها تعد للتغلب على أي مشكلة عن طريق التدخل البطولي الذي يؤدي إلى نهاية سعيدة. وتكمن قوتها وقدرتها على الإقاع في تحديدها للمشكلة وحلها أيضاً. وعندما تقدم هذه الخرافات للفاعلين السياسيين أحداثًا يمكن أن تحل عقدتها عن طريق مجموعة مرغوبة من نتائج أعمالهم، فإنها تقدم لهم أيضًا مكانًا داخل الحكاية، يتطلب تدخلهم ويبرره. وقد مزجت الخرافة النسوية المطروحة هنا ألا وهي خرافة البطلات الشجاعات اللاتي ينقذن البيئةمزجًا قويًا بأفكار ذات طابع جوهري (essentialized) لها جاذبية أسطورية على نطاق أعرض.

تذهب أندريا كورنوول إلى أن تمسك النسوية بأفكار معينة عن النساء وعن ما يلزم وتعمل لتحسين حياتهن أمر يلزمه تحليل من حيث ما للمعتقدات المترسخة عن النساء من قوة عاطفية, تلك المعتقدات التي صورتها أساطير النوع والخرافات النسوية. وتستند أندريا كورنوول إلى كاسيرر (Cassirer) لتأكيد السمات العاطفية للأسطورة: “الأسطورة لا تنشأ بالكامل من عمليات عقلية؛ بل تبزغ من عواطف إنسانية عميقة إنها التعبير عن عاطفة عاطفة تحولت إلى صورة” Cassirer 1946, 43)، التشديد في الأصل). وتقول أندريا كورنوول إن الأساطير سرديات تتجاوز مجرد حكي حكاية جيدة، فهي تتكون من سلسلة من الصور والأدوات المألوفة، وتعمل على إنتاج نظام ملزم للأمور، وهو ملزم لأنه يتناغم مع الأبعاد العاطفية للقيم والمعايير. وعلى ذلك فالسمات الأسطورية للسرديات التي تستدعيها سياسات النوع والتنمية عن النساء هي التي تعطيها القوة التي تجعلها تشجع الناس على الحركة. إن مجموعة المقالات التي يتضمنها الكتاب (Cornwall et al 2007) تلقي ضوءًا على عدد من الروابط بين المعرفة والقوة في مجال النوع والتنمية التي أسهمت الأساطير في صنعها.

توجد الأساطير لدى البعض هناك، خارجناوهي لدى آخرين مجال قوي للتنمية، مثلما في بحث مرسيدس دي لا روشا، الذي يقول إن الوظيفة الأهم للأسطورة هي تقديم مبررات لأشكال المعارضة والضغوط الاجتماعية، أو إضفاء الشرعية عليها، أو كما في تقرير بريجيت أو لافلين (O’Laughlin) الذي يرى أن الناس الذين لا يكفون عن ترديد الحكاية البسيطة هم الذين لهم أصوات قوية“. أما الآخرون فيرون أن الأساطير هي ما تصنعه النسويات حين يرغبن في التأثير على الأقوياء. ويرى غير هؤلاء أن النسويات يؤلفن الأساطير والخرافات حين يسعين للتأثير في الأقوياء، ويرى آخرون أن الأساطير والخرافات هي الزاد الذي تقتات عليه النسويات كي يعملن من أجل التغيير الاجتماعي.

لقد تمت صناعة الطبيعة السياسية لإنتاج المعرفة بطرق مختلفة صيغت كل تفاصيلها بعناية، وهذا ما تنظر فيه بقية هذه المقدمة بمزيد من التفصيل من خلال أنواع مختلفة من أساطير النوع والخرافات النسوية. نبدأ بمزيد من استكشاف الطرق التي تؤثر بها طبيعة التدخل التنموي في إنتاج المعرفة في مجال النوع والتنمية، واللغة التي يتم بها التواصل والجدل حول هذه المعرفة.

إن مختلف المواقع المؤسسية التي تناولتها من أسهمن في هذه المجموعة من الأبحاث تضيف وجهات نظر مهمة للكتابات الموجودة عن تاريخ النوع وسياساته في مؤسسات التنمية. وتدرس معظم هذه الكتابات قبول إدخال النوع في التيار السائد في هيئات الأمم المتحدة ومعاهد بريتون وودز (Bretton Woods)، رغم أنها غطت أيضًا منظمات غير حكومية معينة وجهات مانحة ثنائية الأطراف مثل أوكسفام (OXFAM)، ودفيد (DFID)، وسيدا (SIDA)، كما غطت عمليات إدماج النوع في التيار السائد في الهيئات البيروقراطية للدولة.3

إن النظرة التي تقدمها مقالاتنا عن عالم الهيئات البيروقراطية التنموية تمنحنا حجة قوية تصلح لإثبات الدعوى القائلة بأن التخفيف من حدة الأفكار وتحويلها إلى شعارات ومُثل شرط يكاد يكون ضروريًا لإدخال هذه الأفكار إلى المؤسسات، إذ لابد من ترويض الأفكار لتناسب الحاجات الملحة لإجراءات الهيئة وأولوياتها. وطالما جادل نقاد إدخال النوع في التيار السائد في المؤسسات بقوة في هذا الأمر، وتستكشف أحدث كتابات ستاندينج Standing 2004))، وودفوردبيرجر Woodford- Berger 2004)) البوادر المزعجة لهذا الموضوع.

لا يتعلق الأمر بمجرد مدى تغيير هذه المؤسسات للأفكار في سياق قبولها لها، بل يتعلق أيضًا بالتقنيات المستخدمة في إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الأفكار ورفع الوعي بها، مثل تقنيات التدريب على النوع. وقد كان إنشاء أطر وأنشطة وبروتوكولات للتدريب على النوع من مواضع التجديد الكبرى في مجال النوع والتنمية. وقد تعهدت كل مؤسسات التنمية الكبرى بالقيام بالتدريب على النوع في تسعينيات القرن العشرين. ورغم أن الكثير من برامج التدريب هذه كانت مفصلة خصيصًا لهذه المؤسسات، فإنها قد استمدت معظم مكوناتها ومداخلها من ثلاثة أو أربعة نماذج. وقد أنشئت هذه النماذج لأول مرة في بدايات تسعينيات القرن العشرين في خضم فترة الزخم الأولى، وبعدها لم تحدث عند نهايات هذا العقد تجديدات جوهرية في الأدوات التي شاع استخدامها للتدريب على النوع إلا فيما ندر. وقد نوقشت الطرق التي قدمت بها قضايا النوع في أطر التدريب هذه وفي الهيئات البيروقراطية بإسهاب وذلك في كتاب أندريا كورنوول وآخرون (Cornwall et al 2001)، علما بأن قضايا النوع قضايا سياسية أساسًا، وهي في نفس الوقت قضايا ذات طابع شخصي عميق. تصف الأبحاث الموجودة كيف اختزلت هذه التقنيات مشروع النوع والتنمية ذا الطابع السياسي إلى صورة ثابتة، حتى صار النوع شيئا خارج التاريخ، وخارج السياسة، ومنتزعا من سياقه” (Mukhopadhyay 2004, 95). وتوضح الأبحاث أيضًا ما وصفته دراسة جوتز Goetz 1994)) من ميل الهيئات البيروقراطية إلى إدخال المعلومات بشروطها الخاصة، فتحابي المعلومات التي تتناسب مع رؤية هذه المنظمات للعالم ومع الإطار التحليلي المشترك بين العاملين فيها.

إن السياق المؤسسي للهيئات البيروقراطية الكبيرة العاملة في التنمية يؤدي إلى تبسيط أفكار النوع والتنمية وتغييرها. ويقدم المقال الذي أسهمت به مرسيدس دي لا روشا حجة قوية على هذا التبسيط والتغيير. أن بحث مرسيدس دي لا روشا مهم بشكل خاص لأنها تراجع فيه ما كتبته من قبل في ثمانينيات القرن العشرين عن الفقر في المناطق الحضرية في جواد الاجارا بالمكسيك، وغطت فيه فترة الأزمة الاقتصادية التي عانى خلالها سكان الحضر الفقراء دوي الأجور المنخفضة من هبوط حاد في القدرة الشرائية. وقد وسع هذا البحث الرائد من فهنا للفقر والاستراتيجيات التي يتبعها الفقراء من أجل البقاء، كما وسع من تعريفهما، فقد استجابت الأسر الحضرية الفقيرة لهذه الأزمة بطرقها الخاصة أساسا، وهي طرق ذات استراتيجيات بارعة في إيجاد الحلول تشمل: بذل مزيد من الجهد في العمل، والتحول إلى القطاع غير الرسمي، وتوفير الأسر لاحتياجاتها بنفسها، وإعادة ترتيب شئون الأسرة، واستغلال شبكة العلاقات الاجتماعية للأسرة. وتذهب مرسيدس دي لا روشا إلى أن دراستها وغيرها من الدراسات قد خلقت أسطورة القدرة على البقاء، وهي الفكرة القائلة بأن الفقراء لديهم طاقة لا نهائية على تحمل الصدمات والأزمات من خلال هذه الاستراتيجيات المتعددة التي يتبعونها. وتلفت مرسيس دي لا روشا النظر إلى مداخل جديدة للفقر تؤكد القدرة الفردية للفقراء على الفِعل (agency)، وإلى تأكيد البنك الدولي على الممتلكات ذات القيمة المالية كجزء من هذا الفكر.

لكن البحوث التي أجريت فيما بعد شككت في أسطورة القدرة على البقاء، فقد عانت المكسيك في عام 1994 من أزمة مالية أدت إلى فقد الذكور لأعمالهم الدائمة، وقد وجدت مرسيدس دي لا روشا قيودا عنيفة تحد من قدرة الأسر الفقيرة على التأقلم مع الأحوال الاقتصادية غير المواتية التي استجدت، حيث لم تتمكن هذه الأسر على وجه الخصوص من تكثيف استخدام ما لديها من قوى عاملة لتحقيق البقاء والإنجاب، وتذهب مرسيدس دي لا روشا إلى أن عملها قد استخدم على نحو انتقائي، فقد تم الأخذ بدراسة مبكرة لها كان فيها لدى الأسر الفقيرة اختيارات تمكنها من البقاء رغم تدني الدخول التي تجنيها من العمالة الرسمية، لكن دراستها اللاحقة التي وضحت القيود العنيفة التي كبلت هذه الاستراتيجيات قوبلت بالتجاهل.

يتضمن تقرير مرسيدس دي لا روشا سبلاً مختلفة يمكن أن يؤثر بها السياق المؤسسي الذي تناقش فيه الأبحاث على محتواها. لقد ألحق البنك الدولي دراستها بجدول أعماله بشكل انتقائي عندما قدمت هذه الدراسة له تفسيرات حولتها من مجرد بحث أجري في سياق عمل الباحثين المستقلين إلى عمل يخدم جدول أعمال مؤسسة معينة. وهي تؤكد بشدة على أن التزام البنك الدولي بنشر الليبرالية هو الذي وقف خلف الأخذ بأسطورة القدرة على البقاء، إذ تضمن سياسات هي المسئولة عن الأزمة التي تعرضت لها المكسيك في تسعينيات القرن العشرين. إن برنامج العمل (agenda) البنك الدولي المهم الحالي الإجماع الذي تلا واشنطن، والبنية الجديدة للمعونة الذي يجعلها تُمنح على أساس الالتزام بإقرار الليبرالية يشكل خلفية استخدامه المستمر لمداخل معينة للتعامل مع الفقر تشمل أسطورة القدرة على البقاء. والمؤسسات القوية تفهم جيدًا أهمية التحكم في الخطاب، كما لاحظت جيتا سين Gita Sen 2005, 13)).

لكن إسهام مرسيدس دي لا روشا يستمد الحماس الذي يستند إليه من سمة أخرى من سمات اللقاء بين الباحثين والبنك الدولي الذي تصف مرسيدس خطوطه العريضة. إن هذه السمة فكرة عادية لكنها مفحمة، تقول بوجود فوارق شاسعة في القوة بين باحثي أمريكا اللاتينية الذين يدرسون الفقر وأخصائيي البنك الدولي الذين يتركز عملهم على الفقر، فالبنك الدولي له علاقات سياسية متعددة تشكل جزءًا من شبكة العلاقات الجغرافية السياسية العالمية تعطيه القدرة على اتخاذ اختيارات وقرارات تنظيمية، وخطابية، واستراتيجية ذات آثار عميقة على الفقراء. إن هذه الأشكال العالمية من عدم المساواة تتجلى في ساحة أصغر، هي ساحة عدم المساواة في العلاقات بجماعة الباحثين.

للكثير من مؤلفات ومؤلفي الأبحاث المنشورة في كتاب التنمية والتغيير (Cornwall et al 2007) تجارب في قبول فاعلين أقوياء في مجال التنمية، مثل البنك الدولي، لأعمالهم، وكثيرًا ما توخوا الخصوصية عند بوحهم بهذه التجارب. لقد قبل البنك الدولي العمل مع عدد من الباحثات (والباحثين) على مشروعات للمرة الأولى بسبب ما قدموه من تجديدات في مجالات رأى البنك الدولي أنها تتعلق بطريقة تفكيره، وهؤلاء كثيرًا ما وجدوا أن التقارير النقدية والعميقة والأمينة حقًا لا تحظى بالتحبيذ، ولابد من إعادة كتابة النتائج وإعادة صياغتها لعدد لا نهائي من المرات حتى تحظى بالنشر أو بالقبول، وإلا تسلم البنك التقارير ثم تجاهلها في هدوء، ولم يعد للإشارة إليها مرة أخرى.

في البداية، لأم كل واحد من خبيرات (وخبراء) النوع نفسه على حده لسذاجته, وكثيرًا ما قبلوا بلا جدال التهم الموجهة لهم بأنهم شديدو التمسك بالنهج الأكاديميوغير قادرين على ترجمة كتاباتهم إلى لغة تلائم السياسة، وهذا النقد الذاتي له ما يبرره في بعض الحالات، لكن في الكثير من الحالات لا تتعلق قواعد اللعبة – التي يبدو أننا نعجز عن تعلمها بأسلوب صياغة التقرير أو سهولة فهمه أو تركيزه على السياسة بقدر ما تتعلق بالصراعات على جوهر ما تناوله التقرير وحجبه عن النشر. يبدو أن مستوى التسامح مع الآراء المختلفة أو الرافضة أو الناقدة في انخفاض، حيث إن كبار الفاعلين الدوليين يتعرضون لمزيد من الضغوط القوية حتى لا يعبروا عن أية شكوك ولا يعترفوا بوجود شبهات Goetz 2005)).

تصف مجموعة الأبحاث المعنية أيضًا الطرق التي تحول بها علاقات القوة في مجال التنمية خطاب الأبحاث. وبمعنى آخر، كثيرًا ما تعتمد مخططات السياسة على تحقيق كبار الفاعلين لأقصى قدر من التعاون بينهم من أجل وضع جدول أعمال يحظى بموافقة على مستوى العالم. والساحات التي تشهد أشرس النزاعات على اللغة والأهداف هي التي تحتوي على إلزام للحكومات، وغيرها من الهيئات، بأنواع معينة من الأفعال. فقد احتدم الجدل كلمة بكلمة ومادة بمادة حول البروتوكولات التي تتضمن إصدار تشريعات لاحقة وبيانات متفق عليها بالإجماع (مثل برامج العمل التابعة لمؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة).

إن الحاجة إلى هذه الاتفاقيات الملزمة لجميع بلدان العالم مسئولة عن بعض ما يظهر في سياسة الأمم المتحدة من تعميم الصبغة العالمية على الجميع والنظر إليهم ككيان متجانس، لكن هذا لا ينطبق طبعًا على مؤسسات بريتون وودز. من الملاحظ أن هذه المؤسسات تلجأ لتعميم الصبغة العالمية على تحليلات سياسية وتوجيهات سياسية تفشل عمومًا في أخذ الخصوصيات القومية بعين الاعتبار. والدوافع هنا ليست الحصول على اتفاق عالمي بقدر ما هي إرساء الهيمنة والدعاية لليبرالية الاقتصادية. ومن العجب العجاب أن النقد الأساسي نفسه الذي كان يوجه لسياسات التكيف الهيكلي وتقديرات الفقر ألا وهو أنها تأخذ بنهج تطبيق سياسة واحدة على الجميع رغم اختلافاتهم” – مازال ينطبق على أبحاث استراتيجية الحد من الفقر، رغم إعلان هذه الأبحاث لإيمانها بحق أهل البلد في ملكيتهم لبلادهم وتعهدها بحسن الاستجابة للأصوات التي تعبر عن هذا البلد Whitehead 2003)).

إن هذا الميل إلى تعميم الصبغة العالمية على الجميع قد يكون من أسباب كثرة تحول صناعة أساطير النوع في سياق التيار السائد في التنمية إلى استخدام أفكار عن النوع تعتمد على صور للنساء أضفيت عليها الصبغة الجوهرية. تدرس ميليسا ليتش هذا الأمر في مجال النسوية المعنية بالبيئة، كما تدرسه البُشرى في مجال نشاط النساء من أجل السلام، وتدرسه جوتز في علاقته بأسطورة مازالت في طور التكوين، ألا وهي فكرة أن النساء أقل فسادًا من الرجال.

يدرس بحث البُشري (El Bushra) الأسطورة السائدة عن أن النساء مسالمات بطبعهن أكثر من الرجال، وأنهن صانعات السلام اللاتي يزلن غبار المعركة ويتوسطن في الصراعات، وأن النساء ضحايا سلبيات أكثر منهن مشتغلات بشكل إيجابي فعال بالصراعات العنيفة. تذهب البُشرى إلى القول بوجود أنواع مختلفة من النزعات الجوهرية ((essentialism في بعض الخطابات حول الرجال، والنساء، والعنف، والصراع، والسلام، لكن الإسراف في التعميم يخذل من تأثروا بالحرب والصراع. إن الانطلاق من قاعدة النزعات الجوهرية يحول دون تلبية الاحتياجات شديدة الخصوصية لمجموعات معينة من النساء، وتعبئة قدرات بناء السلام، كما يفشل في التمييز بين هذه المجموعات من النساء، التي يندرج بعضها تحت فئة المجني عليهن لكنها – كلها تصور على أنها مجموعات من الجانيات. يناقش هذا البحث التدخلات التي تعقب حدوث الصراعات، والتي ترفض هذه الأساطير وتتخذ نهجًا أكثر دقة.

أما جوتز (Goetz) فتتشكك في الطريقة التي أدخل بها النوع إلى المخططات المتنامية لمناهضة الفساد.

إن الملاحظات العملية عن أن النساء يأخذن رشاوى أقل مما يفعل الرجال، أو أنهن لا يكثرن من التورط في صفقات سياسية مشبوهة، أو أن تزايد أعداد النساء في البرلمان أدى إلى خفض مستويات الفساد في السياسة Dollar et al. 2001)) تفسر بأن النساء أكثر تمسكًا بالأخلاق القومية من الرجال، إما بسبب أدوارهن الاجتماعية السائدة، أو بسبب الخصائص التي جبلن عليها. وكما تشير جوتز Goetz in Cornwall et al. 2007, 90)): “إن فكرة ربط المعتقدات عن فضائل النساء بعدم قابليتهن للإفساد ليست جديدة، فهي فكرة تقوم على أساس أفكار جوهرية عن الطبيعة الأخلاقية الرفيعة للنساء وميلهن لاستخدام حساسيتهن الأخلاقية الرفيعة للتأثير في الحياة العامة، وخاصة على السلوك السياسي، وقد أكثرت داعيات إعطاء المرأة حق التصويت من استخدام هذه الفكرة منذ قرن مضى“. ويقوم هذا النوع من التفسير على أساس افتراضات عن الطرق التي يشكل بها النوع ردود فعل الناس تجاه الفساد” (ص95)، لكن من المهم أيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار الطرق التي تشكل بها علاقات النوع شروط الفرص التي تتيح إتيان السلوك الفاسد. وتمضي جوتز لتشرح حجة تقول إن عدم المساواة بين النساء والرجال في الوصول إلى الوظائف العليا على نطاق واسع، وانخفاض مستوى العمل المؤسسي وضعف الديموقراطية في الكثير من النظم السياسية، بما فيها نظم جنوب آسيا، يعني أن النساء فقط من اللاتي تحد هذه الظروف من قدرتهن على الوصول إلى ساحة الفرص السياسية. وطالما ظلت النساء مستبعدات من مراكز الولاية والقوة التي يسودها الرجال، سيفتقرن إلى فرص إتيان السلوك الفاسد. إن بحث جوتز واحد من عدة أبحاث في هذه المجموعة تذهب إلى أن أساطير النوع تنشأ حين يتجاهل المعلقون طبيعة ارتباط علاقات النوع بسياقها. إن هذه المجموعة من الأبحاث تساعدنا كثيرًا على فهم دوافع التعميم وإضفاء الصبغة العالمية على الجميع.

إن ضبط الاقتصاد أمر أساسي بالنسبة للتنمية، وقد اختار عدد ممن أسهمن (وأسهموا) في هذه الورشة أن يدرسن أهميته، فقدمن نقدًا تفصيليًا لتحليلات الاقتصاد ومناهج البحث التي تدرسه. قدمت جاكسون بحثًا عن أهمية التدقيق في فهم كيف يتجسد في سياق معيشة الأسرة مزيج من المصالح المنفصلة والمشتركة، والصراع والتعاون، وذهبت في بحثها إلى أن تداخل الأمور وتقاطعها على هذا النحو ذو أهمية قصوى للطرق التي يفعل بها النوع فعله” (Jackson in Cornwall et al. 2007, 109) لكن بحث المعهد الدولي لدراسات السياسة الغذائية والبنك الدولي الذي يعتمد على البحث الذي أجراه خبراء المشروعات الاقتصادية الصغيرة على الأسر يصمت إلى حد بعيد عن تداخل هذه الأمور وتقاطعها. لماذا؟ ترى دراسة جاكسون أن جزءًا من التفسير يتعلق بسيادة خبراء الاقتصاد داخل هذه المنظمات، هؤلاء الخبراء الذين يرون أن مناهج البحث التي لديهم تيسر تجزئة عينة البحث على أساس النوع (من نساء أو رجال) ومقارنة كل نوع بالآخر أكثر مما تيسر بحث أهمية النوع للعلاقات” (المصدر السابق).

وقد حللت دراسة جاكسون التصورات عن النساء في أرياف البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، والتي تمثلهن في صورة من يكرهن المخاطرة أكثر من الرجال، وهي تذهب في هذا التحليل إلى أن هذا التصور يقوم على نوعين من التعميم. الأول أن النساء ملتزمات بزراعة المحاصيل الغذائية أكثر من التزامهن بزراعة المحاصيل التي تباع مقابل مال سائل، وأن المحاصيل التي يزرعنها تتطلب مخاطرة أقل. والثاني أن النساء على عكس الرجال يستخدمن الدخل الذي يحصلن عليه من أجل مصلحة جميع أفراد الأسرة، وينفقنه على وجه الخصوص على التغذية والتعليم لأفراد أسرهن.

توضح دراسة جاكسون أن النسويات قد نقدن هذه التعميمات مرارًا وتكرارًا، وذهبن إلى أنه حيثما يوجد مثل هذا الارتباط بين النساء وبين محاصيل الأغذية يكون شيئًا خاصًا بسياقه إلى أبعد حد. وأهم ما خرجت به جاکسون من بحثها دراستها للفجوة التي ظهرت بين المُسَلَّماتوالدليل العملي المأخوذ من دراسات النسويات عن طبيعة السلوك الاقتصادي المتأثر بالنوع الاجتماعي في أرياف إفريقيا. وتمضي جاكسون لتنظر في التفاصيل الثرية لدراسات الحالة النوعية التي توضح أن النساء يخاطرن فيما يخص أعمال المزارع وسبل كسب العيش في المجتمع الريفي، واحتياجات الزواج (الذي يجب أن يُرى على أنه مصدر للأمن والاستحقاقات بالنسبة للنساء، وليس مجرد موقع لخضوعهن للرجال).

والصور التي تمثل السلوك الاقتصادي المتأثر بالنوع والعلاقات داخل الأسرة في أرياف إفريقيا هي أيضًا موضوع البحث الذي أسهمت به بريجيت أولولين. وهي تتناول افتراضات البنك الدولي بأن من أهم طرق الحد من الفقر إصلاح ميزان القوى بين الرجال والنساء في التحكم في الممتلكات ذات القيمة (assets) في الأسر الفقيرة. وقد أمعنت الباحثة النظر في دراستين كثيرًا ما يستشهد بهما الباحثون لدعم حجة مؤداها أن عدم المساواة بين الرجال والنساء يحد من الإنتاجية الزراعية في إفريقيا. لقد أمدت التجربة العملية بريجيت بنتائج معينة عن تأثير النوع على أنماط استخدام مخصبات التربة، واستخدام العمالة، والاستعداد لزراعة محاصيل معينة، وهي تضع هذه النتائج في سياق أوسع نطاقًا. تحدد بريجيت أولولين عددًا كبيرًا آخر من أشكال السلوك الاقتصادي المتأثر بالنوع في السوق وفي داخل الأسرة، لكنه يقع خارج إطار هذه الدراسات. وتستكشف بريجيت أيضًا العمليات التاريخية التي نتج عنها تحويل الإنتاج إلى سلع (commoditization) والفردية، والإفقار (immiseration) التي كانت تحدث خاصة في منطقة بوركينا فاسو والكاميرون حيث أجريت الدراسات.

توجد فكرة تقول إن علاقات النساء والرجال داخل الأسرة ينتج عنها عدم كفاءة في تخصيص الموارد، بمعنى أن هذه العلاقات تخصص عوامل الإنتاج بطرق لا تؤدي إلى تعظيم الناتج. لقد برهن الدارسون على أن هذه الفكرة تنطلق من منظور ضيق الأفق ومحدود، ولا تتجلى فيه العمليات التاريخية الفعلية للإفقار، ولا كيفية تأثير هذه العمليات على العلاقات بين النساء والرجال وأشكال المقاومة التي تبديها النساء. ويؤكد تقرير بريجيت أولولين أن أي مما سبق ذكره لا يسمح بفهم ذي معنى للعلاقة بين الفقر والنوع الاجتماعي في إفريقيا. والباحثة هنا تدرك ضمنًا أن هذا النقد قاس، باعتبار أن الكثير من هذه الدراسات تأتي من جهة الجناح الحساس لقضايا النوع من الباحثين في العلوم الاقتصادية، وهم أقلية في هذا الفرع من العلم الذي مازال أغلبية أهله غير مقتنعين بأهمية قضايا النوع في التنمية الاقتصادية، رغم أن الكياسة الاجتماعية تمنعهم من التصريح بذلك، على الأقل في كتاباتهم” (O,Laughlin. quoted in Kanbur 2002). لكن قلة من الباحثين الاقتصاديين الذين لا يميزون بين الناس على أساس نوعهم (gender senistive) هم الذين علقوا على الطرق التي حشد بها البنك الدولي دراساتهم لخدمة نهج معين للحد من الفقر، هو النهج الذي بينته بريجيت أولولين. كما لا توجد الكثير من الدلائل على الاعتراف بأن محاولات النهج النسويات لتقديم نموذج لعلاقات القوة بين النساء والرجال ذات أهمية لهذا الجدال (مثلما في مقالاتهن التي أسهمن بها في المجلة الاقتصادية ذات التوجه النسوي فيمينيست إيكونوميكس).

إن هذه الأشكال من النقد لا تسعى إلى الانتقاص من أهمية الإسهامات التحليلية التي أتت بها كتابات النسويات والباحثين في اقتصاديات الوحدات الإنتاجية الصغيرة (microeconomies) التي اتخذت الأسرة نموذجًا. لكن أهم وجه عام لهذه الكتابات هو إدخالها كبرهان لدعم سياسات النمو الموالية للفقراء، ويبدو أن هذا الوجه مثال آخر للنقد الكثير والمتوالي الذي وجه للطرق التي تم بها قبول قضايا النوع في المخططات السائدة، وبالتحديد نقدها باعتبارها طرقًا ذرائعية (instrumentalism)، [أي تعتبر الأفكار مجرد وسائل لخدمة ما هو نفعي]. يحدث هذا رغم أن الساعيات (والساعين) إلى دمج المساواة بين الرجال والنساء في هذه المخططات السياسية المؤثرة قد يكن (ويكونون) أبطالاً متحمسين لقضايا النوع، آتيات (وآتين) من جهات مهمة متعددة الأطراف. إن للذرائعية مكانها المحفوظ كوسيلة للمناورة التكتيكية، حتى ولو أدت عواقبها إلى تكتيكات يمكن إدخالها تحت استراتيجيات تشكلها مخططات أخرى. لكن نقدنا يتجاوز الذرائعية. توجد هنا عناصر ديناميكيات مألوفة في التنمية متأصل فيها كل من الفشل في التعامل مع الأمور المعقدة، وخصوصية السياق، وديناميكيات علاقات القوة بنسب مختلفة حسب الوزن النسبي الذي تحمله كل من وجهات النظر المختلفة لكل تخصص علمي. وتظل سياسات وجهات النظر التي شكلتها خصائص هذه التخصصات العملية وما تختزنه هذه السياسات أمرًا مهمًا لما نسعى للبرهنة عليه هنا.

ركزنا في مناقشاتنا حتى الآن على أهداف سهلةنسبيًا باستكشافنا لمؤسسات التنمية وفاعليها كمصدر لنسج الأساطير. لكن الكتاب .Cornwall et al. 2007)) يضم مجموعة من الدراسات تضيف إسهامًا مهمًا آخر في شكل مقالات تدبرت كيفية ولماذا تنسج النسويات الأساطير وتغزلن الخرافات في سياق ضغطهن من أجل إحداث تغيرات في سياسة التنمية. تقص علينا هذه المقالات حكايات مهمة وإن كانت أبعد ما تكون عن البساطة عن ما تلقاه النسويات عندما يصطدمن بالتنمية من ضغوط لابتكار سرديات مبسطة، تحمل شعارات القوة على الحركةالتي تعتمد على الأساطير التي تنسج حول النوع وتنشئ الخرافات النسوية.

إن ورش العمل التي خرجت منها المقالات التي أسهمت بها كاتباتها في الكتاب المعني (Cornwall et al. 2007) ضممت عددًا نسويات من الداعيات إلى قضايا النوع، وقد أفدن في الكشف عن مداخل جديدة ولغات جديدة لإجراء تحليلات على أساس النوع ولسياسات النوع في التنمية. وقد انطلقن من سياسات المعارضة إلى أن صرن منشغلات، بشكل أو بآخر، بصنع سياسة التنمية. إن الحاجة الملحة لإفساح مكان للأفكار والأهداف الجديدة داخل منظمات التنمية على اختلاف أنواعها يتطلب عقد تحالفات، والدعوة إلى استراتيجيات مختلفة: لغوية، وسردية، وتمثيلية.

قد يتطلب العمل للتأثير على الاقتصاديين براهين وتحليلات في شكل حقائق مؤسلبة“. * وقد يتطلب التأثير في النجوم المشاهير المتمتعين بالقوة على المستوى الدولي رسائل موجزة، أي رسائل قصيرة لاذعة يفضل أن يصحبها إحصائيات مغرية، مثل شبه الحقيقة التي كثيرًا ما تقتبس عن أن النساء يشكلن غالبية فقراء العالم. إن استراتيجيات تقديم المعلومات البراجماتية (العملية/ النفعية) هذه مستمدة من الاقتناع بأنه من الأفضل للمرء أن يتراجع على ألا يبدر منه أي فعل على الإطلاق. وقبل كل شيء، وبعد الدفعة الأولى لوضع النوع على جدول الأعمال، يأتي تشكيل السياسة الذي يتطلب بناء الثقة بين من يعملون على تشكيلها وبين قواعدهم الجماهيرية التي لها أولويات مختلفة. إن سياسات التأثير لا تتطلب فقط تبسيط ما يقال وصياغته على هيئة شعارات سهلة الحفظ، لكنها تحتاج أيضًا إلى اختيارات استراتيجية، ولغات استراتيجية لعبور أشكال عديدة من الحواجز.

تظهر هذه الفكرة بوضوح في بحث جوتز (Goetz)، التي تشرح كيف أن ما يدفعها للتدخل في السياسة هو اقتناعها بالحاجة إلى العدالة في مجال النوع الاجتماعي، إلا أن هذه القناعات والحجج التي تسندها لن تكون شديدة الإغراء لمن يصممون الإصلاحات السياسية والبيروقراطية. إن الاحتجاج بما لأفكارنا من آثار مهمة يزيد من قوة تأثير هذه الأفكار. من أمثلة هذه الحجج القول بأن زيادة عدد النساء العاملات بالشئون السياسية أمر طيب للنظام السياسي، أو أننا بدونهن سينقصنا منظور فريد. وتقول جوتز إن الكثير من طالبات العلوم السياسية ذوات الميول النسوية، بما فيهن أنا نفسي، قد مزجن بين حجة العدالة وبين التوقعات بأن النساء يمكنهن تغيير السياسات أو بين الإصرار على أن الحاجة تدعو إلى وجود النساء ليمثلن مصالح النساء، وهكذا يسهمن إسهامًا فعالاً في نسج أسطورة الإسهام المتميز للنساء في السياسة” (Cornwall et al. 2007, 92). وتشير جوتز إلى بعض الآثار الإيجابية لهذه الطريقة في تقديم القضايا، مع ملاحظة كيف أدت الفكرة القائلة بأن وجود النساء في السياسة والمجال العام يمكن أن يحد من الفساد إلى مزيد من اهتمام هيئات التنمية بارتقاء بالنساء في الحياة العامة.

أما بحث ميليسا ليتش فيحلل سبب انتشار صورة معينة تمثل علاقة نساء الجنوب بالتنمية واكتساب هذه الصورة للقوة لفترة من الزمن، كما يتناول أيضًا الذرائعية [اعتبار الأفكار مجرد وسائل لخدمة ما هو نفعي]. وعلى حد وصف ميليسا، تصاعد خطاب المرأة والبيئة والتنمية بوضوح في غضون ثمانينيات القرن العشرين، لكنه تأثيره قل – إلى حد بعيد – بعد أن تعرض لنقد نظامي صارخ من نسويات أخريات. لكن تغيرات مهمة أخرى حدثت في النزعة البيئية بشكل عام. تصف ميليسا كيف أن قضية المرأة والبيئة والتنمية صارت شديدة الارتباط بالنزعة النسوية البيئية في ثمانينيات القرن العشرين، حين صارت النسوية البيئية على وجه الخصوص ذات قوة سياسية وخطابية داخل النزعة البيئية الراديكالية. وقد استندت النسويات ذوات الاتجاه النسوي – البيئي إلى فكرة أن النساء أقرب إلى الطبيعةبشكل خاص ليقلن إن النساء والطبيعة قد تعرضن لتاريخ مشترك من القهر على يد المؤسسات الأبوية والثقافة الغربية السائدة” (Cornwall et al. 2007, 70)

قامت هذه الحجج على أساس الخرافة النسوية القائلة بأن النساء لهن علاقات خاصة بالبيئة، والتي قرنت بغيرها من الخرافات النسوية عن اهتمام النساء برعاية الآخرين بطبعهن، وأدوارهن في هذه الرعاية، وألهمت عددًا كبيرًا من الحركات الاجتماعية والبيئية، تتراوح ما بين الحركات المحلية لأهل القاعدة الشعبية إلى الشبكات الأكثر اتساعًا في بلدان الشمال. تذهب ميليسا إلى أن منظمات التنمية حين قبلت أفكار النساء والبيئة والتنمية، والنسوية البيئية تحت الضغط لتتناول قضايا البيئة قد جردت هذه الأفكار من راديكاليتها. ونتج عن هذا مشروعات استدعت عمالة النساء وما لديهن من معرفة للحفاظ على البيئة أو مشروعات موجهة للنساء فقط. يوضح بحث ميليسا ليتش وجود شرائح نسوية مختلفة مهمة داخل الاتجاه البيئي. وقد حدثت نزاعات شديدة بين هذه الشرائح النسوية، وظهرت مصالح استراتيجية مشتركة بينها من حين إلى آخر، مما أدى إلى هيمنة بعض هذه الشرائح بالقول والفعل لفترة من الزمن.

ينبغي أن تساعدنا الأساطير التي تنسجها النسوية والخرافات التي تغزلها على تجاوز الحاضر، والدفع لإحداث تغيرات تقدمية، والوصول إلى الآخرين حيث يوجدون، لكن، كيف تتعامل هذه الأساطير والخرافات مع الفوارق التي تفصل بيننا في غمار كل ذلك؟ قد نصاب ببعض من أشد خيبات الأمل مرارة في هذه المنظومات من القيم والمؤسسات والقوانين والرموز التي تسكنها أحلامنا ورغباتنا.

لقد بدأ نقد استخدام مصطلح النساءبطريقة تجعله يبدو كما لو كان يصف جماعة مصالح محددة سلفًا لها هموم مشتركة مع بدء انطلاق الموجة الثانية للنسوية تقريبًا. ومكتباتنا مليئة بكتابات نظرية وعملية عن الفوارق بين النساء. وتوجد دراسات أقل عددًا توضح أن النساء قد لا يكن ظريفات، ومسالمات، ومراعيات للآخرين كما تتمنى منا أساطير النسوية وخرافاتها أن نصدق. وتلمح أندريا كورنوول إلى أن الارتباط الشخصي والسياسي بالتعميمات المثالية عن النساء، والتي تحولت إلى رموز في الأساطير التي نسجتها النسوية نفسها عن النوع، قد صعَّب على النسويات مواجهة آثارها. يركز بحث أندريا على انفصام عرى علاقتها هي ذاتها بأساطير التضامن النسائي واستقلال النساء باتخاذ القرار (autonomy)، التي تذهب إلى أنهما عنصران رئيسيان من عناصر دعم الخرافات النسوية ذات المغزى عن تحرير النساء من قهر الرجال” .(Cornwall et al. 2007. 150)

تتأمل أندريا الوضع في جنوب غرب نيجيريا، الذي شدها بسبب الخرافات النسوية عن استقلال النساء باتخاذ القرار وتضامنهن مع بعضهن البعض. واعترفت بأنها وجدت في البداية صعوبة في أن توافق على بعض جوانب العلاقات بين النساء والرجال وبين النساء وبعضهن البعض في الحياة اليومية، مما ألقي الاضطراب في المثاليات التي كانت تعتز بها عن النساء. لم يبد أن قدرة النساء على المطالبة بدخل مستقل هي المكون السحري الذي تخيلته الخطابات التي تتكلم عن التمكين. فكثيرًا ما كان الرجال يوصفون بأنهم لا نفع لهمفي الوفاء بمسئولياتهم عن توفير مستلزمات المعيشة أكثر مما يوصفون بأنهم أقوياء وقاهرون للنساء؛ وقررت النساء أن نساء أخريات هن اللاتي يسبين لهن أعمق الأحزان. وقد تساءلت أندريا كورنوول عن الإطار المحدود الذي تقدمه أفكار النوعفي التنمية لفهم العلاقات القائمة على النوع، وذكرت في هذا السياق ملاحظات مولارا أوجونيب – ليزلي (Molara Ogundipe- Leslie) عن أن النسويات العربيات قد أسرفن في إعطاء امتيازات لـ مواضع الجماع والتزاوج” Ogundipe- Leslie 1944, 251)) على حساب فهم الطابع المركب لهويات النساء الأفارقة، وأشكال اندماجهن في الجماعة, وعلاقاتهن. ولكن أندريا تفكر في الثمن الذي كان على النسويات دفعه لو أنهن فتحن على أنفسهن باب المتاعب بتناولهن للعلاقات بين النساء، وفي ما ينبغي أن تكسبه النسويات بالتزامهن بتعليمات سوريل بالأ يخلطن بين الأسطورة التي يعشن بها وبين فوضى علاقات البشر الفعلية في الواقع.

إن التأمل في شبح الحواجز التي تفرق النساء عن بعضهن البعض يضع التنمية في حيرة كبيرة بشأن كيفية تمثيل النساءومن يمثلهن. لا توجد دائرة من القواعد الجماهيرية يمكنها احتكار الإدعاء بأنها تعمل لمصلحة النساء. فمن أشرس المعارك تلك التي دارت بين المحافظين, والمحافظين الجدد، ونساء أخريات، وكلها دارت باسم النساء. تشمل الكتابات السابقة كتابات مخيبة للآمال عن كيف يبدو من السهل على اليمين أن يضم النساء لمشروعات سياسية غير تقدمية باستخدام لغة النساء والنوع، أو لغة النوع. تصف باتليوالا ودانراج (Batliwala and Dhanraj 2004) الجماعات التي تحل مشكلاتها بالحلول الذاتية في الهند، والمميزة لارتباطها بالـ تمكين، وتقولان إنها لا زالت أفقر النساء فقرًا، وشتت طاقاتهن بعيدًا عن أشكال أخرى من الشغل، ليس أقلها العمل السياسي. وتحذر الكاتبتان من أن هذا بالضبط هو الموقع الذي تقبض فيه منظمات الجناح اليميني علي المساحة السياسية التي كانت قد منحت للنساء، وذلك باحتوائهن في أنشطة الحلول الذاتية والمشروعات الصغيرة، مما يستلزم منا أن نعيد فحص ارتباط النسوية بالتنمية على وجه السرعة.

ومن الأمثلة الدولية لسياسات مماثلة ما قدمه لنا النزاع الشرس في مؤتمر المرأة ببكين في عام 1945 حول المعاني السياسية المختلفة تمامًا التي يمكن أن تعزى للـ النساءوالنوع، كما وصفتها بادن وجوتز Baden and Goetz 1998)). وقد شهدت هذه النقاشات نزاعًا حارا حول دور الفاتيكان بالذات، وشاركت فيه جماعات نسائية من داخل الكنيسة الكاثوليكية Sjorup 1995)).

وتقدم جيتا سين Gita Sen 2005)) رؤية عامة لنواحي التقدم في مختلف المؤتمرات العالمية الكبرى التي عقدت في تسعينيات القرن العشرين (فيينا ١٩٩٣، والقاهرة 1994، وكوبنهاجن ١٩٩٥، علاوة على بكين)، وتذهب إلى أن التطور في المواقف من العدالة بين النساء والرجال، والحقوق الإنجابية وما إلى ذلك قد ووجه بمعارضة قوية من القوى الاجتماعية والدينية المحافظة. وتبدو هذه المؤتمرات الآن كأنها المواقع العليا التي صدر منها قرار وضع النسوية التقدمية على جدول أعمال التنمية. ويشير البعض مثل جورج ويجل (الذي استشهدت به هاينز(Haynes 2001)) إلى ما يسمى بنزع الطابع العلماني عن المجتمع الحديث، ويشير البعض الآخر إلى ذلك باسم نهوض دوائر المحافظين الدينيين الجدد المنظمين، وقد ساعدت هذه الحركات المحافظة على الإسراع بتجميع القوى على الساحة الدولية منذ عام ٢٠٠١. إن القرار الذي اتخذ بعدم عقد مؤتمر دولي للمرأة في عام ٢٠٠٥ خوفًا من فقد المكاسب التي حصلت عليها النساء منذ 1995 يعد شهادة على إحساس النسويات الداعيات إلى إدخال النوع في التنمية بعدم الأمان في وجه المناخ السياسي الذي يسود العالم حاليًا.

التغيرات التي طرأت على خطاب التنمية الدولي والسياسة الدولية هي إلى حد بعيد تجليات للتغيرات التي تحدث في میزان القوى الاجتماعية. وبناء على ذلك، فإن ما يلزم لتنمية العالم ليس إعادة ترتيب المعرفة” [بقدر ما هو] إعادة ترتيب موازين القوة. (Nederveen Pieters 2005; quoted in Utting 2006, 3)

إن مجموعة المقالات المعروضة في هذا الفصل مهتمة أساسًا بالعلاقة بين إنتاج المعرفة وعلاقات القوة عند التقاء المعرفة النسوية بالتنمية. فعلاقات القوة في مجال التنمية تضمن أن يظل الفكر النسوي شديد الهامشية. فالخبير المحترم في مجال الفقر – في نظر مجال التنمية هو من لم يقرأ أيًّا من الكتابات النسوية التي تناولت الفقر، ويعتبر أن مسئولية خبيرات (وخبراء) النوع يقنعوا التيار السائد بأهميته. إن خبراء النوع يستبعدون من مجال التنمية بطرق عفا عليها الزمن من خلال أشكال معينة للتحكم في دخول المثقفين أو منع دخولهم إلى مجال التنمية، وهذا أمر لا يناقش اليوم على نطاق واسع. ورغم كل الحقائق والتحليلات النسوية التي يمكن حشدها، فإن كاتبات (كتاب) هذه المجموعة من المقالات يلجأون مرارًا وتكرارًا إلى الإشارة إلى براهين أخرى ومؤلفين آخرين لإقامة حجة أكثر براعة على أي من الموضوعات التي تناولوها، وذلك في سياق ارساء شرعية ثقافية بالإشارة إلى كتابات نفس المؤلفين.

والتشكيلات المؤسسية والتنظيمية للتنمية الدولية مثل الهيئات البيروقراطية التي لها سياسات خاصة في وضع مخططاتها وتتطلب التعاون والتحالف في الساحات العالمية تضغط من أجل التبسيط، واختزال الكلام إلى شعارات، والوصول إلى القاسم المشترك الأدنى من الإجماع. وحين يبدي العاملون بالتنمية هتمامًا مفاجئًا بالأفكار النسوية فإنهم يريدونها في شكل يفيد أطرهم، وتحليلاتهم، وأهدافهم السياسية عمومًا. أما النسويات العاملات في هذه المنظمات فيبذلن جهدًا كبيرًا ليجعلن اللغة وصيغة التحليل القائم على النوع أقرب ما يكون إلى الطابع الحي الذي يميز كيفية تضافر النوع والتنمية، لكن عملهن يجب أن يلتزم بالضرورة بضغوط هذه المؤسسات والمنظمات وبقواعد اللعبة. إن النسويات الداعيات إلى قضايا النوع اللاتي يعملن في غير ذلك من المؤسسات يأخذن أيضًا خيارات استراتيجية، منها اختيار أفضل نوع من الصياغات اللغوية والصور التمثيلية التي يمكنها تتناول قضايا معينة من قضايا النوع، وإبراز أولويتها، ومدها بالعتاد.

تتأمل المقالات المذكورة أيضًا طبيعة النسوية نفسها باعتبارها من مصادر الأساطير والخرافات، وتستكشف الطرق التي تقدم بها النزاعات داخل النسوية تقارير متنافسة يمكن أن تثير اهتمام الكثير من التيارات السياسية المختلفة بها على نحو مفاجئ. لكن بعض هذه النزاعات تحدث بالضبط بسبب ردود الأفعال المتنوعة على إعادة التفسير، وعلى التشوه القديم البسيط أو التزييف الذي يحدث لأفكار النوع حين تدخل في مجال التنمية، فقد أسهمت مثلاً في زيادة مختلف الشكوك التي أثيرت حول لغة النوع نفسها. إن الاتجاهات النسوية العديدة تعي مفهوم النوع بطرق مختلفة جذريًا بعضها عن بعض. وقد وُجه، في السنوات الأخيرة، نقد يمضي بخطى ثابتة لقوة مفهوم النوع وقدرته على التفسير وأهميته السياسية، وإلى أنه يزيد من تفتيت إمكانيات تنظيم مواقف متماسكة عن الأفكار. وتثير مقالاتنا أيضًأ بحدة سؤالا عما إذا كان لعدم وجود نسخة موحدة متسقة ومتماسكة عن الماهية الفعلية للنوع أثر في تقويض القوة السياسية لمواقف النسويات. لكن هذه الشكوك ساعدت أيضًا على المزيد من إضعاف إمكانيات استخدام النوع على ساحة التنمية كأداة ذات معنى لتشكيل الوعي السياسي وحشد القوى من أجل العمل.

إن المقالات التالية تعطي أمثلة كثيرة عن أهمية المعارك الخطابية في سياق النوع والتنمية، لكنها كلها تهتم اهتمامًا عميقًا بطرق ارتباط أنواع الخطاب بسياسات معينة، تشمل بعضًا من أكبر الوصفات السياسية المهيمنة للتطبيقات المعاصرة للتنمية.

إن النضال من أجل قوة التأويل ليس نضالاً من أجل امتلاك اللغة والصور التمثيلية لمجرد امتلاكها، لكن لأنها جزء مهم من العوامل التي تقرر السياسة. وكما يوضح تقرير جيتا سین Gita Sen 2005)) عن اصطفاف النسويات على المستوى العالمي ضد قوى المحافظين والمحافظين الجدد في مختلف الاجتماعات الدولية التي جرت عبر العقدين الأخيرين، فإن هذه الأنواع من صراعات القوة ذات الأبعاد الخطابية ما هي إلا صراعات على المحتوى السياسي للخطاب وما له من وقع عميق على حياة النساء في جميع أنحاء العالم.

لا يوجد من ينتابه أدنى شك في الأهمية البالغة للمعارك المحلية والعالمية التي تخوضها الحركات النسائية والناشطات في مجال النوع ضد هجوم المحافظين الجدد ذي الوجوه المتعددة, والذي يدعمه عتاد كبير، فهذه المعارك مهمة جدًا لتحسين أحوال نساء العالم أجمع وحقوقهن. وستكون هذه المعارك عاملاً متناميًا في صنع السياسة على المستويين القومي والدولي، وسيكون على الحركة النسوية العالمية أن تبذل مزيدًا من الجهد للتغلب على تقسيمات التنوع والفوارق بين النساء وأن تعقد تحالفات لمواجهة هذا التحدي. ومن المفارقات، كما توضح جيتا سین (Gita Sen 2005)، أن التحالفات بين النسويات بشكل يتجاوز الحواجز الجغرافية السياسية وغيرها من الحواجز قد يكون أسهل في مواجهة هذا النوع من التهديدات. يمكننا أن نتوقع منعطفات والتفافات جديدة في لغة النوع وطرقًا جديدة تخاطب بها الأساطير والخرافات سياسات دولية جديدة. ومن يتضح بقوة من هذه المجموعة من المقالات أن هذه الأساطير ليست مجرد شیء موجود والسلام“, لكنها مرتبطة أيضًا بشدة بالمثل التي نحب أن نعيش بها. إن فهم هذا الموضوع أمر مهم إذ أردنا أن نفهم كل تعقيدات أسباب انعدام كفاءة تدخلات النوع الاجتماعي والتنمية بشكل يضاهي تعقيدات علاقات النوع الاجتماعي وحياة النساء والرجال.

* Andrea Cornwall, Elizabeth Harrison and Ann Whitehead, “Gender Myths and Feminist Fables: The Struggle for Interpretive Power in Gender and Development”. Development and Change. Vol. 38, no. 1,January 2007, pp. 1- 21.

* هذه المقالة هي مقدمة كتاب عن التنمية والتغيير، ومن هنا فهي تتطرق إلى عدد من المقالات الأخرى المنشورة في نفس الكتاب .(Cornwall et al. 2007).

* استخدمت ديان إليسون (Diane Elson) هذه العبارة (التفريغات المكتوبة لتسجيلات الورشة). [وهذه العبارة باللغة الإنجليزية هي (stylized facts)، علمًا بأن الأسلبة هي المبالغة في تصوير شكل شيء من أجل تأكيد معانيه الضمنية]. (المترجمة).

1 من الإسهامات المهمة التي قدمت تحليلاً لظهور هذا المجال والمصاعب التي يواجهها العاملون به كتابات بادن وجوتز Baden and Goetz 1998))، وجاكسون وبيرسون (Jackson and Pearson 1998)، وكبير (Kabeer 1994)، ومارشاند وباربارت Marchand and Parpart 1995))، وماك الواين وداتا McIlwaine and Datta 2003))، وميللر ورازافي (Miller and Razavi 1998) ورازافي وميللر Razavi and Miller 1995)).

2 تم نشر عدد من الأبحاث التي قدمت في هذا المؤتمر في عدد خاص من نشرة معهد دراسات التنمية IDS Bulletin 35: 4))، وتتناول هذه الأبحاث موضوعات تتراوح بين ما يقتضيه إدخال النوع الاجتماعيفي التيار الفكري السائد، والسياسات المعاصرة المتعلقة بارتباط النسوية بالتنمية؛ انظري / انظر: .Cornwall et al. 2004

3 قد ورد هذا مثلاً في الكتابات التالية: Geisler et al 1999; Goetz 1995; Jahan 1995; Macdonald .et al, 1997; Porter et al 1997; Razavi and Miller 1995

Apthorpe, R. (1996) “Reading Development Policy and Policy Analysis: On Framing,

Naming, Numbering and Coding”, in R. Apthorpe and D. Gasper (eds) Arguing Development Policy: Frames and Discourses, pp. 16–35. London: Frank Cass.

Arce, A. (2003) “Creating or Regulating Development: Representing Modernities Through Language and Discourse”, in A. Arce and N. Long (eds) Anthropology, Development and Modernities: Exploring Discourses, Counter-Tendencies and Violence, pp. 32–51. London and New York: Routledge.

Baden, S. and A. Goetz (1998) “‘Who Needs (Sex) When You Can Have (Gender)?’:

Conflicting Discourses on Gender at Beijing”, in C. Jackson and R. Pearson (eds) Feminist Visions of Development: Gender Analysis and Policy, pp. 19–38. London and New York: Routledge.

Batliwala, Srilatha and Deepa Dhanraj (2004) “Gender Myths that Instrumentalise Women: A View from the Indian Frontline”, IDS Bulletin (special issue Repositioning Feminisms in Gender and Development) 35(4): 11–18.

Cassirer, E. (1946) The Myth of the State. New Haven, CT: Yale University Press.

Cornwall, A., E. Harrison and A. Whitehead (2004) “Introduction: Repositioning Feminisms in Development”, IDS Bulletin (special issue Repositioning Feminisms in Gender and Development) 35(4): 1–10.

Crewe, E. and E. Harrison (1998) Whose Development: An Ethnography of Aid. London: Zed Books.

Doezema, J. (2004) “Sex Slaves and Discourse Masters: The Historical Construction of Trafficking in Women”. DPhil Thesis, IDS, University of Sussex, Brighton.

Dollar, D., R. Fisman and R. Gatti (2001) “Are Women Really the ‘Fairer’ Sex? Corruption and Women in Government”, Journal of Economic Behavior and Organization 26(4): 423–9.

Escobar, A. (1995) Encountering Development: The Making and Unmaking of the Third World. Princeton, NJ: Princeton University Press.

Ferguson, J. (1990) The Anti Politics Machine: “Development”, Depoliticisation and

Bureaucratic Power in Lesotho. Cambridge: Cambridge University Press.

(IIGeisler, G., B. Keller and A. L. Norman (1999) “WID/Gender Units and the Experience of Gender Mainstreaming in Multilateral Organizations: Knights on White Horses?”. A Report Submitted to the Norwegian Ministry of Foreign Affairs. Oslo: Chr. Michelson Institute.

Goetz, A. M. (1994) “From Feminist Knowledge to Data for Development: The

Bureaucratic Management of Information on Women in Development”, IDS Bulletin

25(2): 27–36.

Goetz, A. M. (1995) “The Politics of Integrating Gender to State Development Processes: Trends, Opportunities and Constraints in Bangladesh, Chile, Jamaica, Mali, Morocco and Uganda” Occasional Paper. Geneva: United Nations Research Institute for Social Development/United Nations Development Programme.

Grillo, R. and R. Stirrat (eds) (1997) Discourses of Development: Anthropological

Perspectives.Oxford and New York: Berg.

Hajer, M. (1995) The Politics of Environmental Discourse: Ecological Modernization and the Policy Process. Oxford: Clarendon Press.

Haynes, J. (2001) “Transnational Religious Actors and International Politics”, Third World Quarterly 22(2): 143–58.

Hirschmann, A. (1967) Development Projects Observed.Washington, DC: Brookings

Institution.

Jackson, Cecile and Ruth Pearson (1998) Feminist Visions of Development: Gender

Analysis and Policy. London: Routledge.

Jahan, R. (1995) The Elusive Agenda: Mainstreaming Women in Development. London: Zed Books.

Kabeer, N. (1994) Reversed Realities: Gender Hierarchies in Development Thought.

London: Verso.

Kanbur, R. (2002) “Education, Empowerment and Gender Inequalities”. Ithaca, NY: Cornell University. Available online: https://www.arts.cornell.edu/poverty/kanbur/ABCDE.pdf (accessed 1 April 2004).

King, K. and S. McGrath (2004) Knowledge for Development: Comparing British,

Japanese, Swedish and World Bank Aid. London: Zed Books.

Laclau, E. (1996) “The Death and Resurrection of the Theory of Ideology”, Journal of

Political Ideologies 1(3): 201–20.

Latour, B. (2005) Reassembling the Social: An Introduction to Actor-Network-Theory.Oxford: Oxford University Press.

Macdonald, M., E. Sprenger and I. Dubel (1997) Gender and Organizational Change:

Bridging the Gap between Policy and Practice. Amsterdam: Royal Tropical Institute.

Marchand, M. and J. Parpart (eds) (1995) Feminism/Postmodernism/Development. London: Routledge.

McIlwaine, C. and K. Datta (2003) “From Feminising to Engendering Development”,

Gender, Place and Culture 10(4): 369–82.

Miller, C. and S. Razavi (1998) Missionaries and Mandarins: Feminist Engagements with Development Institutions. London: Intermediate Technology Publications.

Mosse, D. (2003) “The Making and Marketing of Participatory Development”, in P. Quarles van Ufford and A. K. Giri (eds) A Moral Critique of Development: In Search of Global Responsibilities, pp. 43–75. London and New York: Routledge.

Mosse, D. (2005) Cultivating Development: An Ethnography of Aid Policy and Practice. London: Pluto Press.

Mukhopadhyay, Maitrayee (2004) “Mainstreaming Gender or ‘Streaming’ Gender Away:Feminists Marooned in the Development Business”, IDS Bulletin (special issue Repositioning Feminisms in Gender and Development) 35(4): 95–103.

Nederveen Pieterse, J. (2005) “Knowledge, Power and Development”, Courier de la

Plan`ete (special issue Knowledge and Power) 74: 6–11.

Ogundipe-Leslie, Molara (1994) Re-creating Ourselves: African Women and Critical

Transformation. Trenton, NJ: Africa World Press.

Porter, F., I. Smyth and C. Sweetman (eds) (1999) Gender Works: Oxford Experience in Policy and Practice. Oxford: Oxford GB.

Razavi, S. and C. Miller (1995) “Gender Mainstreaming: A Study of Efforts by the UNDP, World Bank and the ILO to Institutionalize Gender Issues”. UNRISD Occasional Paper No 4, Fourth World Conference on Women. Geneva: United Nations Research Institute for Social Development.

Roe, E. (1991) “Development Narratives, Or Making the Best of Blueprint Development”, World Development 19(4): 287–300.

Sen, G. (2005) Neolibs, Neocons and Gender Justice: Lessons from Global Negotiations.

Geneva: United Nations Research Institute for Social Development.

Sjorup, L. (1995) “Negotiating Ethics: The Holy See, its Allies and Contesting Actors in Beijing”. CDR Working Papers No 96.1. Copenhagen: Centre for Development Research.

Sorel, G. (1908/1941) Reflections on Violence. New York: Peter Smith.

Standing, H. (2004) “Gender, Myth and Fable: The Perils of Mainstreaming in Sector

Bureaucracies”, IDS Bulletin 35(4): 82–8.

Utting, P. (2006) “Introduction: Reclaiming Development Agendas”, in Peter Utting (ed.) Reclaiming Development Agendas: Knowledge, Power and International Policy Making, pp. 1–20. Basingstoke: Palgrave/Macmillan.

Whitehead, A. (2003) “FailingWomen, Sustaining Poverty: Gender in Poverty Reduction Strategy Papers”. Report for the UK Gender and Development Network. London: Christian Aid.

نتقدم بالشكر إلى كل الكاتبات ممن استعنا بدراساتهن في هذا الكتاب، وأصحاب حقوق النشر الذين تكرموا بمنح مؤسسة المرأة والذاكرة حقوق الترجمة والطبع والنشر باللغة العربية عن المصادر التالية:

Chatterjee, Partha. “Colonialism, Nationalism, and Colonized Women: The contest

in India”. Reproduced by permission of the American Anthropological Association from American Ethnologist, Volume 16, Issue 4, pp. 622-633, 1989.

Not for sale or further reproduction.

Cornwall, Andrea. “Gender Myths and Feminist Fables: The Struggle for Interpretive Power in Gender and Development””, Development and Change,vol.38 2007, pp.1-21. Blackwell Publishing.

Elson, Diane, and Ruth Pearson, “‘Nimble Fingers Make Cheap Workers’: An Analysis of Women’s Employment in Third World Export Manufacturing”,Feminist Review, no. 7 (Spring, 1981), pp. 87-107.

From Roslado, Michelle Zimbalist, and Louise Lamphere, eds. WOMAN,CULTURE, AND SOCIETY, Copyright (c) 1974 by the Board of Trustees of the Leland Stanford Jr. University. All rights reserved. Used with the permission of Stanford University Press, www.sup.org.

GENDER, DEVELOPMENT AND GLOBALIZATION : ECONOMICS AS IF

PEOPLE MATTERED by Lourdes Beneria. Copyright 2003 by Taylor &Francis Group LLC – Books. Reproduced with permission of Taylor & Francis Group LLC – Books in the format Other book via Copyright Clearance Center.

Harding, Sandra. “Introduction: Is There A Feminist Method?” In Sandra Harding

(ed.), Feminism and Methodology: Social Science Issues. Bloomington and Indianapolis: Indiana University Press, 1988, pp: 1-12. “Courtesy of Indiana University Press. All rights reserved.” Kabeer, Naila. “Resources, Agency, Achievements: Reflections on the Measurement of Women’s Empowerment.” Development and Change, vol.30 1999, pp.435-464. Blackwell Publishing.

Kandiyoti, Deniz. “Contemporary Feminist Scholarship and Middle East Studies.” Gendering the Middle East: Emerging Perspectives, Deniz Kandiyoti, ed., pp. 1-28. Syracuse: Syracuse University Press, 1996. Copyright © I.B. Tauris Moore, Henrietta. Feminism and Anthropology, Cambridge: Polity in association with Blackwell Publishers, 1988.

Rubin, Gayle. “The Traffic in Women: Notes on the ‘Political Economy’ of Sex”,Feminist Anthropology: A Reader, ed., Ellen Lewin (Blackwell Publishing,2005), pp.87-106.

كما نشكر الأستاذة آية سامي على التدقيق البحثي، والأستاذة ميسان حسن على متابعة الحصول على حقوق الترجمة والنشر، وكذلك الأستاذة داليا الحمامصي والأستاذ رامي رياض على متابعة أعمال الإعداد للطباعة.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات