عرض کتاب
الثورة وتحرير المرأة
شيلا روبنهام
تستعرضُ المؤلفةُ تاريخ وتطور حركة تحرير المرأة في أوروبا وأمريكا منذ بداية القرن السادس عشر، محاولةً بذلك أن تُبرز نضال المرأة وما واجهته من صعوبات وتحدي في مواجهة قوى التخلف التي تمثلت أكثر ما تمثلت في الأفكار السائدة عن المرأة والتي كانت تلصق بالمرأة كل الصفات الدونية كما حاولت المؤلفة في كتابها أن تربط بين حركة تحرر المرأة وبين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، حيث كان وما يزالُ تحررُ المرأة مقرونًا بالتحرر الإنساني والاقتصادي والسياسي.
وتقولُ المؤلفةُ أن وضع المرأة في القرون الوسطى كان غاية في التخلف, وكانت المرأة تُعد مخلوقًا من الدرجة الثانية محظورٌ عليها أن تفهم مثلها مثل الرجال، ومحظورٌ عليها أن تتعلم، وإن حاولت إحداهن ممارسة فهم ما. أو وعي ما اتهمت بالزندقة.
ومع تطور الأبنية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الأوروبي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بدأت حركة المرأة في النمو والتحدي.
ونذكر على سبيل المثال أنه في سنة ١٦٤٠ ظهرت أهجيةٌ بعنوان (انتقام النساء العاجل) هاجمت الكتابات المعادية للمرأة، وردت على أساليب تربية البنات الناقصة وغير الكافية والمغرقة في التخصص، واستشهدت بالتوراة لبيان أن النساء لم يخلقن إماءً أو خادمات، وإذا صح أنهن لم يخرجن من رأس الرجال كي يُصدرن له الأوامر، فإنهن لم يخرجن أيضًا من قدميه حتى يدوس عليهن. وتقولُ المؤلفةُ أنه في هذا الوقت لم تكن النسويةُ مرتبطةً بتحليل سياسي، ولكنها اهتمت أساسًا بتطوير القيم الأخلاقية الخاصة بمفهوم المرأة.
وعندما انتشرت أفكارُ الثورة الطهرانية في ذلك الوقت؛ صحبها انتشارُ أفكار تدعو إلى المزيد من احترام النساء. فقد حثت على إنشاء تصور أكثر إنسانية عن العلاقات بين الجنسين، وثارت على الفظاظات التي تُقترفُ في حقِّ النساء. ونتيجة للديمقراطية الطُّهرية مُنحت النساءُ حق العمل، بصفتهن كائنات إنسانية لهن حقوق معينة غير قابلة للاستلاب في موضوع الحرية المدنية والدينية.
لقد كان الموقفُ الطهراني غير واضح من السلطة السياسية، حيثُ كان أغلب الطهرانيين يبحثون عن تسويات أو مساومات في موضوع الحرية. كما لم تكن الديمقراطيةُ الطهرانيةُ تدافع عن حقوق الفلاحين والصناع وسواد الشعب، وكانت تذودُ فقط عن كبار المزراعين وأرباب الحرف في المدينة، التي لم تأخذ في حسابها النساء، ولا حتى النساء المنتميات إلى الشرائح العليا.
ومن جديد وجدت النساءُ أنفسهنَّ وقد سُدت في وجوههنَّ جميعُ الأبواب، إلا باب المهن الأقل حظوةً والأقل مردودًا، وفي عام 1687 فكرت إليزابيث كولبيه بتنظيم دورات لتأهيل القابلات. لكن مشروعها لم ينفذ، أما في فرنسا فقد أسست النساءُ مدرسةً لفن التوليد .
وفي فرنسا أيضًا نادت تلميذةٌ لديكارت تُدعى دي جورناي بمساواة الرجال والنساء، واعتبرت أن دونيةَ النساءِ ترجعُ فقط إلى تأهيلهن غير الكافي.
وهنا تؤكدُ المؤلفةُ أن التاريخ قد أثبت أن ضآلة العلم تُفسرُ دونية النساء. وإبان الثورة الفرنسية قامت النساءُ بأعمال شغب احتجاجًا على غلاء المعيشة. كما عملت نساءُ الطبقة المتوسطةِ لصالحِ الهيئاتِ التمثيلية في جرونيل.
وبالرغم من المفاهيم التي كانت تنادي بها الثورةُ الفرنسية، والتي تمثلت في الحرية والمساواة والإخاء؛ إلا أنهُ عند تطبيقها على النساء كانت تنطوي على التباسات عديدة، فعلى سبيل المثال يقول روسو للنساء شارحًا أن الرجل فُطر “بالطبيعة” للحياة الخارجية، بينما المرأةُ مكانها داخل الأسرة.
في إنجلترا ۱۷۹۲ کتبت ماری ولستونكرافت مؤلفها “إعادةُ الاعتبار“، الذي كان ملخصًا في غاية البراعة لأفكار عصر مؤلفته، بحيثُ لم يكن هناك مفرٌ من أن يُحدث تغييرًا جذريًا في فكر القرن. فقد كانت ماري ولستونكرافت تجتهدُ لتطبيق أفكار الرجال الثوريين على وضع النساء. كانت تقول: أن الرجال الذين يكافحون في سبيل الحرية والمساواة، والحق في تقرير سعادتهم بأنفسهم، يُجافون المنطق باستبعادهم للنساء، حتى ولو كانوا على ثقة بأنهم يدافعون عن قضيتهم.
وترجعُ أهميةُ كتاب ماری ولستونكرافت في تلك النبرة المستحدثة، والتي لم تُطرق قبل ذلك. تقول: “أننى أدافعُ عن جنسي لاعن نفسي؟“. وتقول أيضًا: أن النساء متواطئاتٌ فيما يعانينهُ من عبودية، أن أمهاتهنَّ تعلمهنَّ المكر والدهاء والتظاهر بالطاعة، لم يكن الماضي يقدمُ لهن أي مثال على حلٍّ بديل، فتاريخهن كله موسومٌ بالخضوع” .
وتقدمُ لنا المؤلفةُ نموذجًا آخر من النساء الثوريات، وهي كلاريس هارلو، تتساءلُ كلاريس: كيف السبيلُ إلى الاطاحة بنظام من الاضطهاد، عندما لا يكونُ لتلك المضطهدات أيُّ قاعدة اجتماعية لإطلاق حركتهن؟ وتُقدم هنا تفسيرًا اقتصاديًا: فنظامُ الملكية هو الذي أنتج التبعية والطغيان اللذين لا يعدَّا طغيان المرأة إلا مظهرًا واحدًا من مظاهرهما.
وفي بداية القرن التاسع عشر، ظهرت مجموعةٌ صغيرةٌ من النساء والرجال الراديكاليين يتبنون وجهة نظر أخلاقية إصلاحية، كان أنصار الإصلاح هؤلاء يقرنون بين فكرة الحرية السياسية وحرية العمل وحرية الحب في مواجهة الفساد السياسي والتدهور في العلاقات الإنسانية الذي أوجده مجتمعُ المصانع والمعامل والآلات البخارية. ومن بين هؤلاء ب. ب شيلل (لندن) الذي كان يرى أن الزواج يجبُ أن يُعقد بحرية كما يجب أن يُفسخ بحرية، فقد كان يرى أن الإكراه على الزواج لا يُطاق، مثله مثل سائر أشكال القمع.
في عام ١٨٢٥ كتبَ وليم طومسون، أحد المناهضين للرأسمالية كتاب (احتجاج نصف الجنس البشري (النساء) على ادعاء النصف الآخر (الرجال) بالحق في الإبقاء عليه في حالة من العبودية السياسية والتبعية). كان طومسون يؤمنُ أن النظام القائم على التنافس والسيطرة يُثقلُ بوطأته على الجوانب السياسية والنفسية للوجود الإنساني، كما أن الحب والعاطفة يلبسان لباس البضائع.
ويعتقدُ طومسون أن تحرير المرأة مستحيلٌ في ظل نظام اقتصادي عمادُه المنافسةُ الحرة، فحتى لو نعمت النساءُ بالمساواة في الحقوق السياسية والمدنية، فلن يتمتعن بالمساواة في السعادة، لأنّ الفرق في القوى لابد وأن يُنتج – في ظل نظام المنافسة الحرة – فارقًا في السلوك والنتيجة.
وتقولُ المؤلفةُ أن الاشتراكيين الأوائل قد أتاحوا إمكانيات جديدة للحركة النسائية، فقد أدركوا تحرير المرأة في نطاق حركة اجتماعية أرحب.
في فرنسا ۱۸۰۸ قدم فوريه تفسيرًا انثروبولوجيًا وتاريخيًا لتطوير المجتمع البشري، فقد انطلق من فكرة أنه يسهلُ تخيلُ وضع اجتماعي آخر في المستقبل، إذا أمكن البرهان على أن الماضي قد شهد هو الآخر تغيرات اجتماعية. وقد دعا إلى اتخاذ قضية المرأة معيارًا لتطور مجتمع من المجتمعات. (وكان يرى أن المرأة قد أُجبرت على المكر بحكم وضعها الاقتصادي).
وتذكرُ المؤلفةُ أمثلةً عديدةً من النساء الأوائل في فرنسا، اللاتي دافعن عن قضيتهن، وتذكرُ منهن جان دوروان وهي عاملةٌ عصاميةٌ، تؤمن بأن تحررَ المرأة لا ينفصل عن تحرر الطبقة العاملة. كما كانت تؤمن بأن تحررَ المرأة غير ممكن بدون انقلابات اجتماعية عميقة.
أما في أمريكا، فتذكرُ المؤلفةُ مارجريت فولر المتصوفة المهتمة بقضية المرأة، وذات الميول الراديكالية التي أوضحت في كتاباتها كيف أن الأفكار الراديكالية لاتتجاوزُ الحدودَ القومية فحسب؛ بل تتجاوزُ أيضًا الحواجزَ العرقية والطبيعية والجنسية. نَشرت كتابًا بعنوان (المرأة في القرن التاسع عشر) كَتبت فيه: (لقد طالبتُ بأن تستقل المرأة ُعن الرجل، لا لأنني أجهلُ حاجةَ كل من الجنسين إلى الآخر، وإنما لأن هذا الاحتياج يؤدي بالمرأة إلى خضوع متجاوز الحدَّ، يقتلُ دفء الحب ويحط الزواج، ويحولُ بين الجنسين وبين أن يكونا ما ينبغي أن يكونا عليه في نظرِ ذاتهما).
وتقولُ مؤلفةُ الكتاب أن الارتباط بين الثورة الاجتماعية وتحرير المرأةِ قد تبلورَ بقوة في حوالي سنة ١٨٤٠.
وترى المؤلفةُ أيضًا أن العنصرَ الجديدَ في حياة القرن التاسع عشر، كان ما أدخلتهُ الماركسيةُ من تسليط الأضواء على دور الطبقة الكادحة في الإلغاء النهائي للرأسمالية وفي خلق مجتمع جديد. إلا أن اضطهادَ المرأة النوعي لم يكن قط موضوعًا لدراسات شاملة.
لقد كان ماركس يرى أن تطورَ حركة تحرير المرأة هو المعيار التاريخي لمقدرة الإنسان على وعى محيطه والسيطرة عليه، ووعى الحركة الاجتماعية التي تقوده.
ويقولُ إنجلز في كتابه: أصلُ العائلة والملكية الخاصة (١٨٨٤). هذه المسألةُ – تحرير المرأة – لن تتضمن جوابًا قبل ظهور جيل من رجال لم يتعلموا قط في حياتهم ما معنى شراء امرأة بالمال أو بالقوة، وجيل من النساء لم يهبن أنفسهن لرجل إلا بدافع الحب وحده.
وتقولُ المؤلفةُ في الجزء الرابع من الكتاب :أن تحرير المرأة أصبح من مواضيع الساعة في الحركات الإشتراكية. وتقولُ أن الحركةَ الثوريةَ في روسيا كانت وثيقةَ الصلة بتحرير المرأة، وفي الولايات المتحدة انبثقت الحركةُ النسويةُ عن الحملة المعادية للرق.
أما في أوربا, فقد ألف بيبل كتاب “المرأة والاشتراكية 1879″. وقد ساهم بيبل وإنجلز بصفة شخصية في تطوير حركة اشتراكية نسائية في ألمانيا. وكان بيبل يعتقدُ مثله مثل الاشتراكيين الطوباويين؛ أن تحررَ المرأة لا ينفصلُ عن تحرر بني البشر جميعًا، والمسألة النسائية ليست إذن سوى جانب من المسألة الاجتماعية.
وكان بيبل يعتقدُ أيضًا مثله في ذلك مثل إنجلز؛ أن تحررَ المرأة لا يُمكن أن يتحقق بمجرد قيام الثورة، فالثورةُ بدايةٌ والمفترضُ فيها أن تُشعلَ سيرورةَ انعتاق طويلة الأمد .
وفي نهاية عرضنا لهذا الكتاب، إنما نود أن نؤكد ما اعتقده بيبل ودافع عنه “أنّ المسألة النسائية ليست إذن سوى جانب من جوانب المسألة الاجتماعية“.