بسم الله الرحمن الرحيم
حق الحضانة
تمهيد وتعريف:
يثبت هذا الحق فى إطار ما تتطلبه الشريعة من تهيئة الجو النفسى الملائم. والكفالة الطبيعية للطفل، فيجد فيمن يحتضنه الحنان الطبيعي, واليد الحانية والصدر الدافئ فينشأ نشأة سليمة قويمة, أهلاً لغرس العادات الطيبة والأخلاق الحسنة ينشد الخير لنفسه ولأسرته ولمجتمعه، فإنك لو استقرأت أحوال الناس وأمعنت فى تصرفاتهم وسلوكهم، فستخلص إلى أن مصدر ذلك في الأساس هو نشأته في طفولته، وطريقة تربيته، وما غرسته فيه من عادات وتقاليد، فإذا أردت أن تتعرف على كيف يوفر الإسلام ذلك للطفل فإن ذلك يقتضينا أن نبحث الحضانة، وما قرره الفقهاء بشأنها.
تعريف الحضانة:
يمكن القول بأن الحضانة: حق مقرر لرعاية الطفل وحسن تنشئته والقيام بخاصة نفسه فى سنى حياته الأولى التي لا غنى له فيها عن غيره، وانما أثبت الإسلام هذا الحق للطفل، لأن المرحلة المبكرة من حياته يكون فيها عاجزًا عن تدبير شئون نفسه، لا يدرى من أمر حياته شيئًا, فإن أهمل الطفل فقد ضاع، وان أعتنى به فقد شب غضًا نضرًا مقبلاً على الحياة.
المبحث الأول
تكيف حق الحضانة(1) ومن له الحق فيه
تكييف حق الحضانة:
ليس ثمة مبالغة إذا قلنا أن الحضانة حق تقرر في الأصل للطفل، حماية لحقه في التربية والنشاة الطبية, حتى يقوم بعد ذلك بأعباء الحياة على خير وجه، مبرأ من التعقيدات النفسية التى تصيب الإنسان نتيجة حرمانة من الرعاية والعطف في فترة حياته الأولى. وليس هذا الحق مقررًا له وحده، فإنه يثبت للأم أيضًا بمقتضى ما وضعه الله في قلبها من العطف والمحبة لطلفها، وهذا الشعور فطرت عليه الأم لا سبيل إلى انتزاعه منها إذ أن, هذا جزء من كيانها، يجرى في أعماقها مجرى الدم في العروق.
وقد عبرت عن ذلك إحدى نساء العصر الإسلامى بقولها: يا رسول الله إن إبنى هذا كانت بطلى له وعاء وثديي له سقاء وحجرى له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه منى، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحى. رواه أحمد داوود وصححه الحاكم (2)
دل الحديث على أحقية المرأة بطفلها ما لم تتزوج، وهذا الحكم الذي نطق به الحديث تأسس على عدة حيثيات ساقتها المرأة للتعبير عن جدارتها وأولويتها بهذا الحق، فهي بلا شك أقدر على أن تعطيه من نفسها، ومن عاطفتها، ما لا يستطيع أن يعوضه عنه إنسان آخر كائنا من كان، كما أنها أصبر على أعباء طفولته، وأكثر معرفة بمتطلبات حضانته.
وهذا الحق الثابت أساسًا للطفل والأم بمقتضى أمومتها له، يعد من الحقوق التى تتعلق بالنظام العام الإسلامي، والذي لا يجوز إسقاطه أو التنازل عنه، لأن في الإخلال به ضياع النشء والإضرار به اضرارًا بالغًا, لذلك بين الفقه كيفية ممارسة هذا الحق ممن له حق فيه عندما يعرض للأم ما يحول بينها وبين الحضانة التماسًا لمصلحة النشء وتتبعها لها. يقول بن القيم في ذلك (2): والصحيح أن الحضانة حق لها وعليها إذا احتاج الطفل إليها ولم يوجد غيرها، وإن اتفقت هي وولى الطفل على نقلها إليه جاز، والمقصود في قوله – صلى الله عليه وسلم – أنت أحق به دليل على أن الحصانة حق لها. وأنت ترى من ذلك أن موطن الاهتمام بهذا الحق، ينبع من كونه يعبر عن مصلحة الطفل والحاضنة والمجتمع.
صاحب الحق في الحضانة:
يثبت الحق في الحضانة للأم في المرتبة الأولى، وهذا مما لا خلاف عليه في حكم العقل والشرع، ألا ترى أن ذلك مما هو معلوم ببدائة العقول لا يحتاج إلى إقامة الأدلة عليه، كما أنه مما قضى به الشرع في الحديث الشريف وفيما روى عن أبي بكر لما اختصم إليه عمر مع زوجته من الأنصار التى طلقها، وعاصم ابنه في حجرها، وأراد انتزعه منها، فقال له الصديق مسها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الصبي فيختار لنفسه” وإن في حرص الأم على حضانة طلفها وتلهفها عليه ما هو مشاهد وظاهر، وقد أشار القرآن الكريم إلى المعنى في قصة أم موس: “فرددناه إلى أمة كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون” القصص ١٣. ودلالة ذلك على مقصودنا أن الأم هى أحق بحضانة الطفل من أبيه وبإقرار هذا الحق لها ترجح جانب النساء فيه اعتمادًا على الأصل وهى الأم.
ومع ذلك فإن مواجهة كل الظروف ومعالجة كافة المشكلات الناشئة من الحضانة، يقتضي أن يتوسع في تقرير هذا الحق لمن هو أهل للقيام به لذلك قرر الفقه ثبوت هذا الحق لثلاث فئات وهذه الفئات الثلاثة ترتبط بصلة القرابة النسبية للطفل.
الفئة الأولى: النساء الذين تربطهم بالمحضون قرابة محرمية وهن الأم، أم الأم وإن علت وأم الأب وإن علت, الأخوات الشقيقات والأخوات لأم والأخوات لأب، بنت الأخت الشقيقة, بنت الأخت لأم، الخالات الشقيقات, الخالات لأم، الخالات لأب بنت الأخت لأب، بنات الأخ الشقيق, بنات الأخ لأم، بنات الأخ لأب, العمات الأشقاء, العمات لأم, العمات لأب خالات الأم الأشقاء، فالأم فالأب, خالات لأب الأشقاء، فالأم، فالأب، عمات الأم الأشقاء، فالأم، فالأب، عمات الأب الأشقاء، فالأم فالأب, هذا الترتيب أخذ به القانون المصرى 25 / 1929 ومن ملاحظة ما ورد بالترتيب المذكور نجد أن القانون قد قدم القرابة من جهة الأم على القرابة من جهة الأب، مع مراعاة القرابة من الجهتين.
الفئة الثانية : عصبة المحضون من الرجال على الترتيب في الميراث : وهم الأب, أب الأب وأن علا, الأخ الشقيق، الأخ لأب, إبن الأخ الشقيق، إبن الأخ لأب, العم الشقيق، العم لأب, عم لأب الشقيق, عم الأب لأب .
ويلاحظ أن الحضانة بالنسبة لعصبة المحضون غير المحارم، كأبناء الأعمام لا تثبت لهم إذا كان المحضون أنثى, لأنه ليس هناك علاقة محرمية بينهما إذ لكل منهما أن يتزوج بالآخر.
الفئة الثالثة: محارم المحضون غير العصبة من الرجال وهو ما يطلق عليهم ذوى الأرحام، وهم الجد أبو الأم، الأخ لأم, ابن الأخ لأم، العم لأم, الخال الشقيق, الخال لأب، الخال لأم.
والقاعدة بشأن استحقاق هؤلاء للحضانة, أن يتولى الحضانة وفقًا للترتيب الوارد فى كل فئة من هذه الفئات, أن تقدم الفئه الأولى على الثانية والثانية على الثالثة. ويجب عدم العدول عن ذلك، إلا إذا لم يوجد صاحب الحق فى الحضانة أو وجد ولكن لم يستكمل شروط الحضانة.
واذا وجد أكثر من مستحق للحضانة في فئة واحدة، يقدم أقربهم درجة فإذا تساووا في درجة القراية يقدم أنفعهم للصغير وأعرفهم بمصلحته، فإن تساووا، قدم الأكبر سنًا فإن تساووا، فإن للقاضي سلطة اختيار من يشاء منهم.
ونرى أن القاضي يجب أن يكون له سلطة تقديرية بحيث لا يتجاوز الترتيب كثيرًا، وفق حالة المحضون والحاضنة، حسب الاعتبارات والملابسات التي تعرض أمامه، والتي يكون هدفه من ذلك تحقيق مصلحة المحضون، وهو ما يجب أن يراعى في المقام الأول.
المبحث الثاني
شروط الحضانة
يشترط لاستحقاق الحضانة أن تتوفر شروط معينة، القصد من هذه الشروط التأكد من قدرة الحاضن على القيام بمتطلبات الحضانة، ذلك بأن يكون الحاضن على صفات معينة تؤهله لتحمل أعباء الحضانة ومن ناحية أخرى فإن بعض الشروط قصد منها أن توفر عناصر الاستقرار وتهيئ الجو الملائم لنشأة الطفل، أو عدم إنصاف الحاضن بصفة معينة تؤثر على علاقته بالمحضون، وها هي الشروط.
1- أن يكون الحاضن كامل الأهلية وذلك يكون بالغًا عاقلاً، وهذا شرط منطقى، اذ كيف يولى الحضانة من لم يبلغ بعد، فإن مثله يحتاج إلى أن يكون في رعاية غيره، وما ذلك إلا لأنه غير أهل للقيام على شئون نفسه، فبالأولى لا يكون قادرًا على تولى شئون غيره.
كذلك الشأن بالنسبة لغير العاقل، اذ أن مثله غير مأمون على نفسه، فمن الممكن إيذاء نفسه والإضرار بها، وقل مثل هذا أو أكثر بالنسبة لحضانته، لذلك كان يجب تنحيته من القيام بالحضانة.
2- أن يكون الحاضن أهلاً لتحمل أعباء الحضانة، كفؤًا لأداء متطلباتها وقد يكون الحاضن غير قادر على القيام بهذه الأعباء، بسبب لابد له فيه مثل الحاضن الذى الم به المرض أو بلغ من الكبر عتيا، وقد يكون ذلك بسبب يرجع إليه، كأن يكون الحاضن من العاملين بالوظائف، أو يكون من الذين يقضون الوقت الطويل خارج المنزل مما يخل إخلالاً جسيمًا بمهمة الحضانة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن دور الحضانة التى لجأ إليها الكثير من الحاضنات ممن يعملون بالدولة، وإن كانت توفر أسباب الحياة المادية فإنها تعجز عن توفير العاطفة الجياشة والرحمة المستكنة في أعماق كل أم على طفلها، ذلك لا يمكن أن تعرضه أي معاملة حسنة أو وسائل الترفيه المختلفة بل يمكن القول بأن هذا لا تعوض العاطفة الطبيعية من قبل الحاضن أيًا كان، فإن من يعطى بدافع من نفسه خير ممن يعطى بدافع من وظيفته.
3- أن يكون الحاضن أمينًا على المحضون، يتأتى ذلك بأن يكون واقفًا عند حدود الله وألا يكون من المجاهرين بالمعصية، فإن مثله غير واقف عند حدود الله, وألا يكون من المجاهرين بالمعصية، فإن مثله غير مأمون على تربية الطفل وإرشاده إلى الخلق الكريم، بل سيوجه نظره صوب الأفعال السيئة التي يرتكبها، وهذا سيأتى بنتيجة عكسية على أخلاق الطفل ويتعارض مع أغراض الحضانة.
4- ألا يكون الحاضن متزوجًا بأجنبي عن المحضون، فإذا كان غير متزوج أو متزوجًا بذى رحم محرم للمحضونة كعمه، فإنه يصح أن يتولى الحضانة أو إنما اشترط ذلك لأن الأجنبي يكون غالبًا غير مشقق على المحضون(3). وهذا لا يمنع أن يكون الأجنبى ممن يعطفون على المحضون، وعلى أية حال، فإن زواج الحاضن يسقط حق الحاصنة ، قال ابن المنذر (4) . أجمع على هذا كل من تحفظ عنه من أهل العلم، ويتصل بهذا أن تكون متزوجة بمن يبغض المحضون أيًا كان، فقد يكون الزوج من أقاربه الذين يبغضونه ومن هنا فإن القاضي أن يستخدم سلطتة سلب الحضانة، حتى لو كان الزوج من المحارم، لأن هذا الحق مقرر لمصلحة الطفل بالدرجة الأولى، وكل ما يخل بذلك، يجد رفعه وإزالته, وتبرر هذا أهمية السلطة التقديرية للقاضي لرعاية مصلحة المحضون في مثل هذه الأحوال، ولا يتعارض ذلك مع قواعد الشريعة، لأنه يستخدمها في إزالة الضرر.
هذه هي الشروط العامة التي يجب توافرها فى الحاضن امرأة كانت أم رجلاً وبجانب هذه الشروط هناك شروط خاصة تتعلق بالمرأة والرجل.
الشروط الخاصة هما شرطان: أحدهما خاص بالمرأة ، والثاني خاص بالرجل.
1- ألا تكون المرأة الحاصلة مرتدة، لأن المرتدة تستحق العقوبة وجزاؤها الحبس حتى تثوب إلى رشدها وتعود إلى الإسلام ، والحضانة ثقة بها، وتكريم لها، ولا تستحق المرتدة فى ثقة أو تكريم، ومثلها لا يعتمد عليه فى التحمل بالأحكام الشرعية, وتربية النشء على المبادئ والخلق غير أنه لا يشترط أن تكون متحدة في الدين مع المحضون، فاليهودية والنصرانية, أهل لتولى الحضانة لأن مبعث الحضانة هو الشفقة والحنان وهو متوافر في الأم الكتابية، لأن مشاعر الأمومة موجودة لدى كل أم وبالتالي فإن عاطفة الحنان والشفقة وتحقيق مصلحة المحضون, أمر لا يخشى منها، وكل ما يمكن أن يتحفظ بشأنه هو الخشية من أن تلقته مبادى دينها، وأن تعوده طقوسه وشعائره، وهو ما ينبغي ملاحظته، فاذا ثبت أنها تحاول معه ذلك ينبغي أن تسلب الحضانة منها، لأنها أساءت استخدام حقها في الحضانة, واستغلته في تحقيق أغراض غير مشروعة وهى فتنته في دينه والسعى نحو خلع ربقه الإسلام من عنقه.
2- أن يكون الرجل الحاضن متحدًا في الدين مع المحضون لأن ثبوت الحق فى الحضانة بالنسبة للعصبة من الرجال, مؤسس على الحق في الميراث، ولا توارث مع اختلاف الدين، وما ينطبق على الأصل ينطبق على الفرع، وعليه فإنه لا حضانة بين الحاضن الرجل وبين من هو على غير دينه, أيضًا فإن عنصر الحنان والمودة التى توجد فى المرأة غالبًا قد لا تتوافر في الرجل.
وإذا سلبت الحضانة ممن فقد أحد شروطهما انتقلت الحضانة إلى من يليه, فإن لم يوجد من هو أهل للحضانة، فلولى المحضون أخذه, متى زال المانع فعندئذ يعود حق الحضانة التى سقط حقها نتيجة فقدان شرط من الشروط.
مقابل الحضانة
عبارة عن بدل نقدى أو العينى يقدم للحاضنة (5). نظير قيامها بأعمال الحضانة. وهذا المقابل لا يعتبر أجرة بمفهومها الدقيق، لأنه يجب مؤونه ونفقة عن أعباء الحضانة لذلك فإن هناك علاقة وثيقة بين وجوب مقابل الحضانة، ووجوب النفقة، فإن كلا منهما يحجب الآخر، فإذا أوجب أحدهما لم يجب الآخر غالبًا ولتوضح هذه الحقيقة تعرض أمامك هذه الفروض:
1 – إذا كانت الحاضنة الأم، وكانت زوجتها قائمة, بالفعل باستمرار المعاشرة الزوجية، أو حكمًا بأن كانت فى العدة من طلاق رجعى فإنها لا تستحق مقابلاً عن الحضانة، وعلة ذلك أن نفقتها واجبة على زوجها قبل الطلاق أو بعده في العدة، وبمقتضى الأصل الذي قررناه، وهو أن النفقة لا تجتمع غالبًا مع مقابل الحضانة فإن المقابل لا يجب هنا نظرًا لوجوب النفقة للأم على الأب.
ويتصل بذلك ما إذا كان طلاق الأم بائنًا أثناء سريان العدة، فان الرأى الراجح هو عدم وجوب مقابل الحضانة، لأن الأم الحاضنة تستحق نفقة عن العدة فلا يجتمع المقابل والنفقة حتى لا ترهق الأب.
وتنطبق هذه الأحكام الخاصة بعدم وجوب مقابل الحضانة أثناء فترة العدة ومن ثم فإن العدة متى انتهت فإن الأم تستحق مقابل الحضانة, لأن النفقة لا تجب بعد العدة على الأب، لأن الام صارت أجنبية عنه، ومتى سقطت النفقة وجبت العدة جريًا على الأصل السابق.
2- إذا كانت الحاضنة غير الأم، فإنه يجب لها مقابل عن الحصانة إذا لم تكن متبرعة بالحضانة، لأنها تتحمل أعباء الحضانة، وتتفرغ على خدمة وصيانة المحضون فوجب لها المقابل، ولأنها أى الحاضنة لا تحصل على نفقة من الأب بسبب أنها أجنبية عنه، فاستحقاقها المقابل ليس فيه جمع بين المقابل والنفقة.
3- إذا كانت الحضانة مترددة بين الأم وأمرأة أخرى هى أهل الحضانة بسبب أن الحاضنة غير الأم تتبرع بحقها في الحضانة، فإن أمامنا أصل يجب العمل به دائمًا والاحتكام إليه هو أن الأم أحق بالحضانة ولو بمقابل عن غيرها من الحاضنات في كل الأحوال ما عدا حالتين:
أ– أن مقابل الحضانة في مال المحضون، ففى هذه الحالة يسلم المحضون إلى المتبرعة بدلاً عن الأم التي تشترط المقابل, لأن مال المحضون الصغير يجب المحافظة عليه، وفى حضانته من قبل غبر الأم ما يبقى على أمواله دون تكبده بلفقه أو مقابل.
ب– أن يكون الأب معسرًا يجب عليه مقابل الحضانة فإن المحضون يسلم أيضًا إلى الحاضنة المتبرعة غير الأم، لأن في ابقاء المحضون في حضانة أمه ما يوجب عليه مقابل الحضانة، وفى استحقاقه بسبب طلب الأم هذا المقابل مع إعساره إضرار به، وقد قال تعالى: ” لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده” البقرة: ٢٣٣
وفي غير هاتين الحالتين تكون الأم أحق بالحضانة دائمًا، ومحل هذا القول – كما هو واضح – إذا كانت حضانتها بمقابل، أما لو كانت الأم متبرعة فإنها أحق بحضانته في كل الأحوال، دون استثناءات، لأنه لا محل للمفاضلة عندئذ بين الأم وغيرها من الحاضنات فإن جانبها راجح بلا تردد.
وإذا أصرت الأم على أن تتقاضى مقابلاً لحضانتها، فإنها تستحق المقابل إذا كان الأب موسرًا وهذا بلا خلاف، لأنه لا يضار من وراء ذلك. فإذا كان معسرًا، وظلت على إصرارها، ولم توجد حاضنة أخرى أو لم تتوفر الشروط فى غيرها، فانها تقوم بهذه الحصانة، ويكون المقابل دينًا على الأب.
طبيعة مقابل الحضانة:
يستمد هذا المقابل طبيعته من طبيعة الحق فى الحضانة وقد أشرنا إلى أن الحق فى الحضانة لا يجوز إسقاطة أو التنازل عنه، لأنه يتعلق بمصلحة هامة للمحضون وللمجتمع الإسلامي.
ونتيجة لذلك، فإن مقابل الحضانة، بعد من قبيل الديون الصحيحة التى لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء وهما، خاصتان تنفرد بهما الديون القوية ولا يتصف بهذه الصفة إلا بعض الديون التي تستند على حقوق مميزة.
ونظرًا لهذه الطبيعة لمقابل الحضانة، فإنه يحب بمجرد قيام الحاضنة بعملها دون اشتراط أن يحكم به القاضي, لأن المقابل يجب بالعمل فلا يتوقف على شئ آخر.
وهناك بعض الاعتبارات التى تتعلق بمقابل الحضانة في الحالتين الآتيتين:
1 – حالة مصالحة الأم الحاضنة للأب، على أن تتنازل عن الحضانة نظير مقابل يقدمة لها الأب فعندئذ لا تحصل على المقابل ولا تسقط الحضانة وذلك لأن الحضانة من الحقوق التي تتعلق بمصلحة الطفل والشرع فليس فى مكنتها إسقاطه، ولا تستحق المقابل لأنها عمدت إلى إسقاط ما يجب عليها المحافظة عليها، وهو التمسك بحضانة الولد، فوجب ردعها بعدم استحقاقها المقابل وايجاب حضانة الطفل حماية لحقه في الحياة.
2 – حالة الخلع، فإنها لو اتفقت مع الأب على الخلع نظير تنازلها عن حضانة الصغير، جاز الخلع، وسقط المقابل، لأنها تبغى التخلي عن حق مقرر – أناطه الشارع إياها – فتعامل بنقيض مقصودها في إسقاط المقابل.
ومقابل الحضانة يجب في مال المحضون, لأن الحضانة تقررت لأجله، فوجب تحمله بمقابلها متى كان يملك مالاً، فإن لم يكن لديه مال فإنها تجب على الأب, وليه, والواجب عليه نفقته عند امتلاكه المال، لأن الأب إذا كان لا يملك المال، تجب نفقته على الأقارب، وكذلك المحضون.
مسكن الحاضنة
أوجب الفقه الإسلامي إعداد مسكن الحاضنة على أب الصغير، حتى يمكن لها أن تعيش فيه مع الصغير، خاصة وأنه قد يتعدد الصغار الذين في حاجة إلى الحاضنة، وهذا الوجوب محله إذا لم يكن للحاضنة مسكنًا مملوكًا لها أو إذا كانت تعيش مع زوج دى رحم محرم للصغير إذ أنه فى العادة لا يعارض في إقامة المحضون في منزله، لأنه يكن له عاطفة المودة بحكم قرابته له.
ومهما كان الأمر، فإن على الأب إذا لم يكن للحاضنة مسكن أن يعد لها مسكنًا تحضن الأولاد فيه أو يعطيها أجرة هذا المسكن، هذا هو الحكم العام الذي تدل عليه قواعد الفقه الحنفي.
وما قرره هذا الفقه حول المسكن راجع إلى كونه من مشتملات النفقة والتى تتكون من الطعام والكساء والمسكن والقاعدة عندهم أن نفقة الإنسان تجب على نفسه إن كان له مال, ومعنى ذلك أن الصغير إذا كان له مال، فإن أجرة السكن تجب عليه، لأن السكن إنما وجب إعداده لأجل حضانته، فإن لم يكن له مال, فإن أجرة المسكن تجب له على أبيه، فإذا كان الأب لا يملك مالاً أو معسرًا فإن النفقة تجب على القريب الذى أمره الشرع بالانفاق عليه. هذا هو مجمل موقف الفقة في ذلك، لكن بالرجوع إلى ما نص عليه القانون 100/ 1985 نجده قد أتى بأحكام لها دلالتها في هذا الخصوص إذ نص في م3: على الزوج المطلق أن يهيئ لصغاره من مطلقته ولحاضتهم المسكن المستقل المناسب، فاذ لم يفعل ذلك خلال مدة العدة, استمروا في شغل منزل الزوجية المؤجر دون المطلق مدة الحضانة.
وإذا كان مسكن الزوجية غير مؤجر كان من حق الزوج المطلق أن يستقل به إذا هيأ لهم المسكن المستقل المناسب بعد القضاء مدة العدة ويخير القاضي الحاضنة بين الاستقلال بمسكن الزوجية، وبين أن يقدر لها أجر مسكن مناسب للمحضونين ولها.
ويستفاد من النص الأمور التالية:
1- أن حق الاحتفاظ بالسكن المستقل المناسب، يثبت للحاضنة سواء كانت أمًا أو أحد الأقارب الذين لهم حق حضانة الصغير، وسبب ذلك أن مصلحة الصغار فى تهيئة المأوى الملائم وحماية لهم من التشرد والضياع. وهذا يخالف القانون السابق 44 / 79 الذي كان يقصر هذا الحق على الأم وحدها.
2- إن على الزوج المطلق أن يهيئ المسكن المستقل المناسب لصغاره ولحضانتهم خلال ستين يومًا، هي المدة القانونية للمعدة، فإذا لم يوف بالتزامه هذا، كان حق الصغار وحاضنتهم الاستقلال بمسكن الزوجية وحدهم طوال فترة الحضانة.
3- لا يسقط حق الحاضنة في الاحتفاظ بالمسكن المستقل المناسب لصغاره ولحصانتهم, خلال ستين يومًا، هي المدة القانونية للمعدة، فإذا لم يوف بالتزامه هذا، كان من حق الصغار وحاضنتهم الاستقلال بمسكن الزوجية وحدهم طوال فترة الحضانة.
4 – يسرى حق احتفاظ الحاصلة بمسكن الزوجية على جميع المساكن، بما في ذلك المسكن الذى استأجره الزوج أو المسكن المملوك له, أو كان مسكنًا تابعًا لإحدى الجهات التي تتولى إسكان العاملين بها، ويثبت حق الحاضنة في الاحتفاظ بالمسكن لأحدى الجهات بغض النظر عن استمرار العلاقة بين العامل والجهة أو انقطاعها وبمعنى آخر، فليس من حقه جهة العمل أن تنتزع المسكن من الحاضنة طوال مدة الحضانة.
5- فرق المشرع بين المسكن المؤجر وغير المؤجر، فالبنسبة للمسكن المؤجر فإن للحاضنة أن تستقل به مع الصغار، فإذا ما أراد المطلق الاستقلال به, وجب عليه أن يهيئ للحاضنة والصغار مسكنًا آخر بالقيود السالفة بأن يكون مستقلاً ومناسبًا وخلال فترة العدة.
أما اذا كان المسكن غير مؤجر, بأن كان له عليه حق سكني، أو حق انتفاع، أو كان يقطنه على سبيل التسامح ويتأتى ذلك يكون العقد مبرمًا باسم أبيه أو أمه أو أخيه، فإن للحاضنة والصغار أن تستقل بالإقامة فيه لكن له أن يسترده, وعندند عليه أن يهيئ مسكنًا مستقلاً ومناسبًا دون أن يتقيد في ذلك بمدة العدة كما هو الحال في المسكن المؤجر.
6 – للقاضي أن يعرض على الحاضنة، أن تستقل بمسكن الزوجية أو تحصل على البديل لذلك، وهو تقاضى أجر مناسب لها والصغار المحضونين وهذا يخالف القانون السابق الذى كان لا يسقط حقها في الاحتفاظ بمسكن الزوجية، ولو حصلت على بديل ذلك، وهو أجرة المسكن.
وضمانًا لتسوية المنازعات المتعلقة بحيازة مسكن الزوجية، فقد ألزم المشرع النيابة اتخاذ الإجراء اللازم لحسم هذه المنازعات إلى حين فصل المحكمة فيها.
ويترتب على انتهاء مدة الحضانة، أن يحصل المطلق على مسكن الزوجية مع أولاده متى كان من حقه ابتداء الاحتفاظ به قانونًا.
ويقينًا فإن التعديلات التى أتى بها القانون الحالي، إنما قصد بها ملاءمة التغيرات الجديدة التي طرأت على الحالة الثقافية والاجتماعية للمرأة وما تسهم به حاليًا في بنيان المجتمعات الحديثة، وهو دور إيجابي شريطة أن يدور في فلك الأحكام الشرعية.
ملاحظات حول شرعية حق الحاضنة في المسكن:
بنت المذكرة الإيضاحية السند الشرعي الذي استقت منه هذا النص بقولها: –إذا وقع الطلاق بين الزوجين وبينهما صغار فإن المنازعة تثور بينهما فيمن يختص بمسكن الزوجية المؤجر للزوج هل تنفرد به المطلقة والصغار بوصفها حاضنة لهم، أو ينفرد به المطلق باعتبار أنه المتعاقد؟ وحين نعود لأقوال الفقهاء نجد أنهم قالوا: أن من لها إمساك الولد وليس لها مسكن فإن على الأب سكناهما جميعًا (الدر المختار فقه حنفي, كتاب الحضانة).
وإذا كان ذلك كذلك، فإن المطلقة الحاضنة بعد الطلاق الاستقلال مع محضونها بمسكن الزوجية المؤجر لمطلقها والد المحضون ما لم يعد لها المطلق مسكنًا آخر مناسبًا حتى إذا ما انتهت الحاضنة أو تزوجت المطلقة فللمطلق أن يعود ليستقل دونها بذلك المسكن إذا كان من حقه ابتداء الاحتفاظ به قانونًا.
وحيث أن هذا هو تبرير المذكرة الايضاحية لاستثار الأم الحاضنة بمسكن الزوجية اعتمادًا على ما جاء في كتاب الدر المختار ونص ما ورد فيه: أن من لها إمساك الولد، وليس لها مسكن فإن على الأب سكناهما جميعًا” فإن هذا يقتضينا القاء بعض الضوء على دلالة هذا النص فى نطاق القواعد التي نص عليها الفقه الحلفي حول هذه القضية.
أ– أن مسكن الحضانة واجب للحاضنة التى تتعهد الولد وتربية أيًا كانت وما أتى به النص في هذا الخصوص عام يشمل الأم الحاضنة أو غيرها من الحاضنات, ويستفاد ذلك من قوله: لها إمساك الولد، وهذا ينفق مع ما ورد فى القانون الجديد, لأنه أعطى هذا الحق للأم ولغيرها من الحاضنات.
ب – أن وجوب مسكن الحضانة يكون بالنسبة للحاضنة التي ليس لها مسكن لأنها هى المحتاجة إليه فعلاً, أما من تحوز مسكنًا يمكنا أن تحضن فيه الأطفال فلا تستحق هذا المسكن، وهذا نص قول صاحب الدر المختار, وليس لها مسكن وهذا يختلف مع ما ورد في القانون. على الزوج المطلق أن يهيئ لصغاره من مطلقته ولحاضنتهم المسكن المستقل المناسب.. فإن الحاضنة تستحق المسكن مع طفلها بعد الطلاق, أو يهيئ لها مسكن آخر وهذا واجب عليه دون نظر لكونها تملك مسكنًا آخر أو لا تملك.
ج – أن وجوب مسكن الحضانة يكون على الأب بمقتضى قول النص الفقهي فإن على الأب سكناهما جميعًا وإذا كان هذا هو النص الفقهي، فإن علينا أن نفهمه في ضوء القواعد الفقهية والنصوص الشرعية.
وقد أوجبت النصوص والقواعد أن يبدأ الإنسان بالنفقة على نفسه ثم على زوجته ثم على عياله, وهذا هو نص حديث روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم – حيث قال يومًا لأصحابه: تصدقوا فقال رجال يا رسول الله: عندى دينار قال: انفقه على نفسك، قال أن عندى آخر، قال أنفقه على زوجك، قال أن عندى آخر قال أنفقة على ولدك, قال: أن عندى آخر قال أنفقه على خادمك, قال عندى آخر، قال: أنت أبصر به(6). واستنادًا إلى هذا النص وغيره من النصوص، قال الفقهاء أن على المرء أن يبدأ بنفقة نفسه، ثم أهله وولده.
وإتساقا مع هذا النص، ومع القواعد الشرعية العامة حول المشرع القاضى أن يخبر الحاضنة بين الاستقلال بمسكن الزوحية وبين الحصول على مسكن مناسب لها وللمحضونين.
وبذلك يقيم المشرع بعض التوزان بين حق المطلق وحق الحاضنة والأولاد الصغار ويعطى الأولوية للمصلحة الجديرة بالاعتبار في ظل مراعاة الأوضاع الحالية لأزمة الإسكان.
يبقى أن ننوه إلى ضرورة حسن إعمال هذه النصوص والوصول بها إلى مقاصدها الحقيقية وألا تكون ترد يدا للقانون السابق الذي تعرض لكثير من الانتقادات.
بهذا يعطى القانون الجديد الأطراف حقوقها ولا يحامل طرفًا على حساب آخر، ولا يعدم مستندًا من أقوال علماء الفقة الإسلامي.
مدة الحضانة وموطنها
مدة الحضانة: يقصد بمدة الحضانة الفترة الزمنية التي يكون فيها المحضون تحت رعاية غيره في تدبير شئون نفسه وحاجاته الضرورية من الحضانة حتى الاستغناء عن خدمات الحاضن ويكون فى قدرته القيام بذلك دون معونة الآخرين، وهذا يختلف من إنسان لآخر، كما يختلف في الذكر عن الأنثى.
ولما كانت الحضانة من القضايا التي تثار حولها المنازعات ويحاول كل من أبوى المحضون أو من يباشر عليه الحضانة والأب أن يحصل على الطفل لنفسه أما بإدعاء أن الحضانة قد انتهت لأن المحضون قد استطاع الحاضن من الجانب الآخر أن فترة الحضانة لم تنته لأنه الطفل لازال فى حاجة إلى الرعاية والتربية, وأنه لم يبلغ بعد المبلغ الذى يؤهله للاستقلال بشنون نفسه، وسد احتياجاته.
وهذا الادعاء وما يماثله قائم, ما دام أن فترة الحضانة تحتمل الاطالة لبعض الناس وما دام أن مطلب الحاضنات هو الحرص على استبقاء المحضون أطول مدة ممكنة، لذلك حدد متأخروا الحنفية سنًا معينة تنتهى بعدها الحضانة, وهي سبع سنين بالنسبة للمحضون الذكر، لأن الأب مطالب بعدها الحضانة, وهى سبع سنين بالنسبة للمحضون الذكر، لأن الأب مطالب بأن يأمره بالصلاة إذا بلغها, وإنما يكون ذلك إذا كان الولد عنده، وبالنسبة للمحضونة الأنثى قالوا إن الحضانة في حقها تنتهي ببلوغ تسع سنين لأنها السن التي تبلغ فيها حد الشهوة (7) لأنها إذا بلغت هذا الحد تدفع إلى الأب لتحقق الحاجة إلى الصيانة.
وقد استقى القانون المصرى مصدره في تحديد مدة الحضانة من تقدير متأخرى فقهاء الحنفية، ونص على أن تنتهي مدة الحضانة من تقدير متأخرى فقهاء الحنفية، ونص على أن تنتهى مدة الحضانة باستغناء الغلام عن خدمة النساء وذلك إذا بلغ سبع سنين، وتنتهي مدة حضانة الصبية ببلوغها تسع سنين.
وقد استمرت المحاكم المصرية تجرى فى أحكامها على ما يقرره هذا النص خاصًا بالمدة، ألا ان اختلاف الزمان وتباعده بين الوقت الذي حدد الفقهاء فيه هذه السن، وما تختلف فيه الأجيال والأجناس البشرية، ودرجة النمو وطبيعة المناخ… الخ. وما تشكله من عناصر تؤدى إلى تفاوت السن من جيل إلى آخر, ومن مكان إلى مكان, قد حدا بالمشرع المصرى إلى أن يخول القاصي سلطة تقديرية في النظر لمصلحة المحضون. فإذا رأى عند بلوغ المدة المقدرة بسبع للذكر وبتسع للأنثى أنها كافية فى انتهاء بانقضاء الحضانة وإن رأی غير ذلك وأن المحضون لازال فى حاجة إلى الرعاية فترة أخرى قضى بعد ذلك تسع سنين للذكر وإحدى عشرة سنة للأنثى(8).
ويبدو أن عامل التطور والتباين في النمو بين الأجيال الذى أشرنا إليه لا زال يحدث أثره في هذا المقام إذ أن المذكرة الإيضاحية للقانون 44 / 1979.
قد أشارت إلى السبب فى إطالة المدة عن ذي قبل بقولها: كان العمل جاريًا على انتهاء حق النساء في الحضانة للصغير إذا بلغ سن السابعة، يجوز للقاضي أن يأذن ببقائه في يد الحاضنة إذا رأي مصلحته في ذلك إلى التاسعة، وأن تنتهي حضانة الصغيرة لبلوغها التاسعة إلا إذا رأي القاضي مصلحتها في البقاء في يد الحاضنة، فله ابقاؤها حتى الحادية عشر.
وأنه بتتبع المنازعات الدائرة في شأن الصغار تبين أن المصلحة تقتضى العمل على استقرارهم حتى يتوفر لهم الأمان والاطمئنان وتهدأ نفوسهم فلا ينزعجون بنزعهم من الحاضنات ومن أجل هذا ارتأى المشرع انهاء حضانة النساء للصغير ببلوغة سن العاشرة وحضانتهن للصغيرة ببلوغها الثانية عشرة، ثم أجاز للقاضي – بعد هذه السن – ابقاء الصغير فى يد الحاضنة حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج, أخذا بمذهب الإمام مالك في هذا الموضع، على أنه في حال إبقائهما في يد الحاضنة بهذا الاعتبار لا يكون للحاضنة الحق في اقتضاء أجرة حضانة واإنما لها الحق فى نفقة المحضون الذاتية من طعام وكماء ومسكن وغير هذا من مصاريف تعليم وعلاج، وما يقضى به العرف فى حدود يسار الأب أو من يقوم مقامة. كما أن وجود الولد – ذكرًا كان أو أنثى – في يد الحاضنة سواء قبل بلوغها سن العاشرة أو الثانية عشرة أو بعدها – لا يغل يد والدهما عنهما، ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما، فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبير أمورهما وولايته عليهما كاملة وإنما يد الحاضنة للحفظ والتربية ولها القيام بالضروريات التي لا تحتمل التأخير كالعلاج والإلحاق بالمدارس بمراعاة امكانات الأب.
نص القانون الذى تولت المذكرة الإيضاحية بيان للباعث الذى حدا به إلى التغيير مع الإشارة إلى أسانيده الفقهية هو ما جاء بالمادة 20 ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى من الثانية عشرة، أو إلى أن تتزوج في يد الحاضنة بدون أجر حضانة إذا تبين أن مصلحتها تقتضى ذلك.
وطبقا لما دل عليه النص فإنه قد حدد مدة معينة للحضانة لكل من الذكر والأنثى وهى العاشرة بالنسبة للولد والثانية عشرة للبنت. وهذا هو التحديد الزمنى الذى لا ينبغي للمحضونة أن تقل عنه بحال من الأحوال.
والى جانب هذا التحديد الزمني فإن هناك التحديد التقديرى المبني على المصلحة ويتمثل فيما نص عليه القانون أخيرًا بأن جعل مدة الحضانة من الخامسة عشرة بالنسبة للولد, وفترة الحضانة للبنت حتى تتزوج.
أهمية إستمرار حق الحضانة حتى سن الخامسة عشرة وتقرير حق الإستضافة لغير الحاضن.
تجدر الإشارة إلى مانص عليه آخر تعديل لسن الحضانة من ضرورة بقاء الصغير والصغيرة فى يد الحاضنة حتى سن الخامسة عشرة وذلك تمكينًا للصغير أو الصغيرة فى الحفاظ على استقرار حالته الاجتماعية والتعليمية وضمانًا لإستكمال دراسته في أجواء تكفل إنتظام هذا الحق للصغير أو الصغيرة وعدم تأثر ذلك بما قد يكون بين الوالدين من الخلافات التى يترتب على نشوبها تعثره تعليميًا وذلك نظرًا لأهمية الاستقرار التربوى وحرصًا على مواصلة التعليم ودوره فى بناء الشخصية، فإن ملاحظة الآيات والأحاديث الخاصة بالحضانة والتى أشرنا إليها، لم تحدد سن معينًا ومن ثم يكون المعول عليه لتحديد هذه السن هي المصلحة الفضلى للصغير أو الصغيرة.
وما نص عليه في الشريعة والقانون يسمح بعد مدة الحضانة لأن النصوص المشار إليها في القرآن والسنة لأن لم تحدد السن لأن النصوص المشار إليها في القرآن والسنة لم تحدد السن مما يجعل تحديد هذه السن دائرًا في نطاق الاجتهاد بما لا يتعارض مع نص أو أحد المقدرات الشرعية، وهو ما ذهب إليه الإمام مالك وهو نظر جدير بالاعتبار وسعيًا لتحقيق المصلحة، وقد اعتمد القانون في ذلك كما أشار في مذكرته الايضاحية – على مذهب مالك، وهو ما يعنى أن اجتهاده وبناء حكمه فى هذا التقدير، لم يكن خلوًا من سند شرعى ولا أدل على ذلك أنه مبنى على ما ذهب إليه الفقه المالكي.
ولا يخل تحديد سن الحضانة بخمس عشرة سنة بأهمية تقرير حق الاختيار الصغير أو الصغيرة في الاستمرار مع الحاضن بعد هذه السن بناء على إختيار حر وصريح ودون مصادره لحقه في ذلك هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تقرير هذا الاختيار لا يجوز أن يخل بحق الطرف غير الحاضن وهو الأب في مباشرة حقه في الولاية على نفس الصغير أو الصغيرة، في ظل آليه تكفل ذلك.
ونظرًا لطول مدة الحضانة عن سايقتها في القوانين السابقة، فقد أوضح القانون الاعتبارات التى يتم وفقًا لها تنظيم رؤية المحضون من قبل الأبوين, فقد نص على أن: لكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند وجود الأبوين. والواقع يقتضى النص على حق الجد والجدة في رؤية الصغير والصغيرة حتى مع وجود الأبوين وحال حياتهما .
وهذا يقتضى تقرير حق الإستضافة لغير الحاضن تحقيقًا للتوازن فى علاقه الصغير والصغيرة بالوالدين، وضمانًا لإعمال ولاية الحضانة للأم أو من يليها وولاية التربية والتهذيب للأب أو الجد وحرصًا على مراعاة النشأة القويمة للصغير والصغيرة، وتحصيلاً لواجب الأمومة والأبوة وتكاملهما فى هذه المرحلة الهامة للصغير والصغيرة.
وهذه الاستضافة لا تعدم أن تجد سند لها فى بعض المذاهب الفقهيه كما هو مؤدى مذهب المالكية.
والأصل أن تتم الرؤية في إطار توافقى ودى حرصًا على نفسيه الصغير فإذا تعذر تنظيم الرؤية اتفاقًا نظمها القاضي على أن يتم في مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسيًا.
ولا ينفذ حكم الرؤية ،قهرًا، لكن إذا امتنع من بيده الصغير عن تنفيذ الحكم بغير عذر أنذره القاضي، فإن تكرر منه ذلك جاز للقاضي بحكم واجب النفاذ نقل مؤقتًا إلى من يليه من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها.
وهذه الاعتبارات منطلقها تمكين الأبوين من السماح لهما بالرؤية اشباعًا للحاجة النفسية العزيزية لدى كل منهما.
ومن ناحية أخرى فقد حرص القانون على أن تتم الرؤية في مكان لا يضر بالصغير والصغيرة نفسيًا كأقسام الشرطة وهو اتجاه حسن من مشروع لما في تنفيذ الرؤية فى هذه الأماكن، من ضرر على الصغير حيث يترك أثرًا نفسيًا سيئًا على الطفل.
وسيرا مع اتجاهه في هذا الطريق فقد منع من تنفيذ حكم الرؤية جبرًا وبالقوة حتى لا يضر بالأولاد ويصدم مشاعرهم. وقد فرض جزاء على الإخلال بالتمكين من الرؤية وهو نقل الحضانة مؤقتًا إلى من يليه، ويلاحظ أن تنفيذ الحكم بنقل الحضانة يتم بمجرد صدوره لشموله بالنفاذ قانونًا وبالقوة الجبرية بمقتضى م 345 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
وهذا الاستحداث الذي أتى به المشرع قصد به معالجة المشكلات الناجمة عن الحضانة، وسد الثغرات التي شابت حكم القانون السابق, وإكمال النقص في الهيكل التنظيمى لحق الحصانة، وهي كلها أهداف تتفق مع أحكام القاعدة القانونية لضمان أكبر قدر من فاعلية لها عند التطبيق.
ومما ينبغي ملاحظته أنه إذا كان المشرع قد أطال من فترة الحضانة فإن هذا لا يخل بحق الأب في متابعة أحوال ولده، وتدبير شئونه, وتعويده عادات الرجال وأخلاقهم، وغرس مبدأ الاعتماد على النفس فيه, حتى يجمع بذلك بين المعانى النفسية التي توفرها له مشاعر الأم، وفى نفس الوقت اتاحة المجال أمامه في التطبع بطبع الرجال، تحرى سلوكهم ليكون قادرًا على مواجهة مشكلات الحياة.
موطن الحضانة:
قد يثور تساول مؤداه هل يجوز للحاضنة تغيير موطن المحضون إلى موطن آخر؟ القاعدة التى تنظم ذلك تحظر على الحاضنة تغيير موطن الحضانة بحسب الأصل، ذلك أن تغيير هذا الموطن, ما يجعل رؤية الأب للمحضون متعذرًا، وكل ما يحيل بين الأب والمحضون وتتعذر معه رؤيته والإشراف على شئون وملاحظة أحواله يعد ممنوعًا.
وتطبقا لذلك فإن الأم الحاصنة إذا كانت في عصمة أب الطفل، فإن موطن الحصانة يكون هو مكان وجود الزوج، وهذا بدهى طالما أن الزوجية قائمة لأنها مأمورة بطاعة الزوج والاستقرار في بيت الزوجية.
وهذا يصدق أيضًا على إذا ما كانت الزوجية قائمة حكمًا في أثناء العدة مطلقًا. رجعيًا كان الطلاق أو بائنًا لأنه يجب عليها التزام المنزل الذي أعده لها الزوج لقضاء العدة، ولا يجوز لها أن تتركه, لأن وجوب الإقامة فيه إنما هو لحق الشرع.
وإذا كانت الأم هى الحاضنة, ولم تكن بينها وبين الأب علاقة زوجية مطلقًا، وأدت تغيير موطن الحضان، فقد أجاز لها الفقه ذلك في موضعين:
1- أن تنتقل إلى موضع هو موطنها الأصلى، الذى تم عقد زواجها فيه، ولابد من اجتماع القيدين طبقًا للراجع في الفقه الحنفي، وهو أن يكون المكان وطنها، وأن يكون قد أبرم فيه عقد الزواج مع الاب.
2- أن تنتقل إلى موضع قريب من محل إقامة الزوج مصرا كان أو قرية، والمعيار الذى يتحدد على أساسه القرب، وهو أن يتمكن الأب من الذهاب لرؤية الطفل والعودة من الموطن قبل أن يحل الليل.
وإنما كان الامتناع من تغيير موطن الحضانة مقرر لحق الأب أو من ينوب عنه، وله أن يتنازل عنه، فاذا تنازل عن ذلك جاز لهما الانتقال وتغيير الموطن لكن لا يترتب على هذا التنازل ضرر يلحق بالطفل وهو صاحب الحق الأساسى فى الحضانة، ومن الجدير أن يتقيد هذا التنازل بألا يكون فيهإاضرار بحق الطفل في التربية والتنشئة القويمة بما يضمن الأب عليه دائمًا.
إذا كانت الحاضنة غير الأم، فليس لها تغيير موطن الحضانة، لأن في التغيير توقع الإضرار بمصلحة المحضون، فضلاً عما فيه من الحيلولة دون الرؤية من جانب الأب ولأن ما يتسامح بشأنه بالنسبة للأم بجواز الانتقال في الحالتين السابقتين مرده إلى ما تتميز به الأم من معاني تفتقر إليها الحاضنة غير الأم والاستثناء الوحيد على الجواز أن يأذن لها الأب بالانتقال, ونبرز هذا التحفظ الذي سبق أن أشرنا إليه, من أن هذا التنازل سيترتب عليه الأضرار بالطفل.
وما يحظر على الأم من تغيير موطن الحضانة على الأب, إذا ترتب عليه أن يحول بينها وبين رؤية طفلها، ويكون ذلك إذا انتقل محل الإقامة الشرعى إلى مكان آخر ويترتب على تغيير موطن الحضانة من جانب الأم أو إحدى المحارم أن يسلب منها حق الحضانة, وتنقل إلى من يليها من الحاضنات، وانتقال الحضانة يكون موقتًا ويزول السبب الذى أدى إليه، فلو عادت الأم أو غيرها من الحاضنات إلى موطن الحضانة الأصلى عاد حقها في حضانة الصغير.
وإذا كان تغيير موطن الحضانة من قبل الأب، وترتب عليه أن تعذر على الأم رؤية الصغير، فإن ما طبق على الأم من سلب الحضانة يجب أن يطبق عليه، لأن حق الأم مقدم على حقه في الحضانة يجب أن الموطن ما قد يحول بينها وبين رؤية الصغير لصعوبة الانتقال والسفر من مكان إلى آخر فإذا قارنا بينها وبين الأب في ذلك، فإنه أقوى وأقدر على الصغير منه، لأنه لا يستطيع أن يقدم للصغير ما تقدمه هي, ولا يمكن أن يعوضه عنها.
ومحل هذا المنع اذا كانت الأم مستوفية لشروط الحضانة، فإذا فقدت هذه الشروط جاز للأب الانتقال بالصغير إلى موطن آخر تقيم فيه من آل إليها أمر الحضانة على الصغير.
سلطة النيابة في إصدار قرار مؤقت بالحضانة:
خول المشرع للنيابة العامة – نيابة شئون الأسرة – سلطة إصدار قرارات مؤقتة فى شأن تسليم الصغير، لصاحبة الحق في حضانته, عند نشوب نزاع على المطالبة بحضانته، ويأتي هذا التمكين فى ظل الدور الايجابي للنيابة في مسائل الأسرة، ودعم اتخاذ إجراءات من شأنها تفعيل الهيئات المعنية بشئون الأسرة، والعمل على دعمها بما يؤدى إلى حماية الضعفاء في مؤسسة الأسرة، وايجاد التوازن في العلاقات والمسئوليات، ولا شك أن النيابة العامة، ممثلة في نيابة شئون الأسرة، أقدر على القيام بهذا الدور، ويتسق مع المسئوليات الموكلة إليها في مجمل المنازعات الأسرية، بغرض فض الاشتباك وحسم النزاع ولو بشكل مؤقت.
فقد نصت المادة 70 من القانون رقم (1) لسنة 2000 الخاص بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أنه: يجوز للنيابة العامة، متى عرضت عليها منازعة بشأن حضانة صغير في حضانة سن النساء، أو طلبت حصانته مؤقتًا, من يرجح الحكم لها بذلك، أن تصدر بعد إجراء التحقيق المناسب قرارًا مسببًا بتسليم الصغير إلى من تتحقق مصلحته معها.
ويصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل، ويكون واجب التنفيذ فورًا إلى حين صدور حكم من المحكمة المختصة في موضوع حضانة الصغير.
وبهذا النص يجوز للنيابة العامة – نيابة شئون الأسرة – في حالة وجود منازعة جدية على حضانة الصغير الذي لا يزال في سن الحضانة أن تصدر قرارًا مسببًا، بعد اجراء التحقيق المناسب، وسؤال أطراف المنازعة، ومن ترى لزومًا لسماع أقواله، وبتسليم الطفل إلى من تقدر النيابة أنه يحقق مصلحته، ويوفى بمتطلباته ويصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل ضمانًا لقوته وفاعليته, وتوفر عنصر الخبرة فيه، ويكون القرار نافذًا فورًا بقوة القانون، ويتمتع هذا القرار بالحجبة، ولا تزول حجيته إلا بصدور حكم من المحكمة صاحبة الاختصاص بشأن الحضانة ومن ثم لايجوز الطعن على هذا القرار أو التظلم منه لاية جهة.
أحكام تسليم الصغير إلى من له الحق فى حضانته واجبة النفاذ المعجل بقوة القانون
حرصًا على التنفيذ الفوري للأحكام الصادرة بتسليم الصغير أو رؤيته للحد من التفلت من تنفيذها، والإبطاء في إعمال مقرراتها, وضمانًا للقيام بمصلحة الصغير واستقرار وضعه، نص القانون رقم (1) لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية فى المادة (65) منه, على أن الأحكام والقرارات الصادرة بتسليم الصغير أو رؤيته أو بالنفقات أو الأجور والمصروفات وما في حكمها, تكون واجبة النفاذ بقوة القانون، بلا كفالة.
ومفاد ذلك أن الأحكام والقرارات الصادرة بتسليم الصغير أو رؤيته، وكذلك أحكام النفقات والأجور، كما سبق أن بينا واجبه النفاذ دون حاجة لأن يبديها الخصوم فى طلباتهم أمام المحكمة، وحتى لو لم ينص عليها في منطوق الحكم. ولا يؤثر على هذا النفاذ المعجل للأحكام والقرارات، بالرغم من قابلية الحكم للطعن فيه بطرق الطعن العادية، بل ولو كان قد تم الطعن فيه فعلاً يأخذ هذه الطرق، إذ أنه بموجب النفاذ المعجل يتم تنفيذ الحكم قبل أن يصبر جائزًا لقوة الشيئ المقضى, على سند من نص القانون وبدون دفع كفالة.
من قضايا الحضانة:
جرى القضاء المصرى, على أن الحضانة حق مشترك بين الحاضنة والصغير، إذ لا يمكن القول بأن الحضانة من حق الأم وحدها، فإن للطفل حقًا في الحضانة، بل أن حق الطفل هو الأولى والأجدر بالرعاية, في هذا الشأن. ونتيجة لهذا الاعتبار فإن لا يمكن إغفال مصلحة الطفل، وانما يعول عليها، وتكون هي المناط فى الحكم بالحضانة، ولنعرض لبعض أحكام المصرية، لنتبين إلى أي مدى يراعى هذا الحق.
أولاً: وقائع القضية:
تتحصل هذه الوقائع, فى أن شابًا مصريًا، تعرف على قناة نمساوية، أثناء دراسته في النمسا، وتزوجها وأنجب منها طفلة صغيرة، وبعد انتهاء دراسته عاد إلى وطنه مصر، ومعه زوجته النمساوية وطفلته الصغيرة، لكن مسار الحياة الزوجية اضطرب، ونشب النزاع بين الزوجين، الأمر الذي أسفر عنه طلاق الزوج لزوجته، فلجأت الزوجة إلى محكمة جنوب القاهرة للأحوال الشخصية، وأقامت دعوى طالبت فيها بحضانة الطفلة، وأخذها معها إلى وطنها النمسا.
أصدرت المحكمة حكمها بتسليم الطفلة المذكورة الى أمها. وجاء في حكمها أن مبنى الحضانة الشفقة والرعاية ولا يؤثر أن تكون الحاضنة كتابية كما أن اختلاف الدين لايؤثر في شفقتها.
طعن الزوج في الحكم، أمام محكمة استئناف القاهرة وتدخلت أمه في الدعوى طالبة حضانتها للطفلة.
ثانيًا: حكم محكمة الاستئناف:
عندما عرض الطعن على محكمة الاستئناف حكمت بالغاء الحكم المستأنف، وقضت بحضانة الطفلة لجدتها من أبيها.
وقد ذكرت في حيثيات الحكم: أن الفقهاء تعرضوا لحق الحضانة وقالوا أنه يتعلق به حقوق ثلاثة: حق المحضون وحق الحاضنة، حق الأب أو من يقوم مقامه، فإذا اجتمعت هذه الحقوق الثلاثة، وأمكن التوفيق بينها ثبتت كلها. وإن تعارضت كان حق المحضون مقدمًا على غيره.
ومن الثابت أن الأم لا تقيم في مصر، بل تقيم في النمسا، وهي بعيدة عن وطن الأب، ومن ثم تفوت عليه حقه في رؤية الصغيرة والإشراف على تربيتها، وهو أمر ليس فى صالح الطفلة، ويقضي الأمر أن تكون فى حضانة جدتها، لأبيها حتى يتم تربيتها، في وطن الأب وعلى ديانته (9).
التوصيات المتعلقة بالحضانة
نجمل هذه التوصيات في الآتي:
1- أهمية الطفولة في المجتمع الإسلامي باعتبار الطفولة هي صرح الأسرة وعماد المجتمع في الحاضر والمستقبل فهي نصف الحاضر وكل المستقبل.
2 – التأكيد على حق الطفولة في التربية القويمة والتنشئة الحسنة الكفيلة بتقديم نموذج قوى لشخصية تحمل مقومات النجاح وتقدر على المشاركة في نفع نفسها، ودينها، ومجتمعها.
3 – الاقتران بين الأمومة والطفولة في مراحل الطفولة المبكرة وفي المرحلة الوسيطة من عمر الإنسان باعتبارها أخطر المراحل في تكوين شخصية الطفل وتأثيرها على مسيرة حياتة طوال عمره.
4- إعطاء الأم الأولوية فى احتضان الطفل ورعايته وتربيته باعتبارها الأقدر والأوفر شفقة والأكثر عطفًا ورحمة به من دون سائر الناس وهو ما يجعل الأحقية الأم فى حضانة الطفل من حقوق الله تعالى ومن النظام العام، الذى لا يجوز لأحد أن يحرمها أو يجردها من حق الحضانة كما عبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم “أنت أحق به ما لم تنكحى“
5- أن الحضانة ولاية للأم خاصة وللمرأة عامة مناطها المقومات الذاتية التى تتمتع بها الأم والمرأة وما أنعمه الله عليها من دفء وحنان وليست مجرد منحة تعطى للأم أو للمرأة فاختيار الأم وأسبقيتها وجدارتها بالحضانة مرده إلى المقدرة والكفائة والصلاحية التي تفوق بها الأب ويتحقق بها صالح الطفل.
6 – يتقرر بموجب أحقية الأم وأقارب المحروم فى ممارسة الحضانة حقوقهم مادية ومعنوية تتجلى فى الأجر والسكن والمعاملة الكريمة جزاءً وفاقًا مع ما تسديه من رعاية وصيانة وحسن تربية للطفل تعود عليه بالنشأة الصالحة والسلوك القويم مع أهله ومجتمعه.
7- ترسيخ ثقافة التربية القويمة وتقرير أحقية الطفل فيها حالة استمرار العلاقة الزوجية أو إنتهائها على سند من أن واجب الأم والأب يحتم على كل منهما القيام بمسئولياتة نجاة الطفل .
(1) لا يظن أن كلمة تكييف كلمة غربية عن الفكر الإسلامي؛ وإنها ترجمة المصطلح أجنبى, فى الأصل الذى أشتقت منه الكلمة قد استخدمه علماء الإسلام. أنظر على سبيل المثال: ما ورد في صحيح البخاري، باب الخلع وكيف الطلاق فيه نجد أنها أصل كلمة تكييف المأخوذة منها، وتعنى الرصف الشرعى لأمر من الأمور.
(2) زاد المعاد جـ4 ص 129
(3) نص القانون على أنه: إذا تزوجت الحاضنة أما كانت أو غيرها يزوج غير محرم للصغير سقط حقها فى الحضانة سواء أدخل بها الزوج أم لا ومتى سقط حقها انتقل إلى من يليها في الاستحقاق من الحاضنات.
(4) سبل السلام جـ3 ص 300.
(5) كرنا هنا بالحاضنة بدلاً من الحاضن، لأن طبيعة هذا البحث قائم على أن الحاضن امرأة وهو الشأن الغالب على من يتولى الحضانة لأنهن يحتلون الفئة الأولى فيمن يجب لهم الحضانة.
(6) الترغيب والترهيب، جــ3، ص81.
(7) فتح القدير جــ4 ص 271 , 272.
(8) نصت على ذلك م 20 من القانون 25/ 1929 للقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى تسع, ولاصغيرة بعد تسع سنين إلى إحدى عشرة سنة إذا تبين أن مصلحتها في ذلك.
(9) حكم محكمة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية الصادر سنة 1982م.