دراسة التكاليف الاجتماعية للطلاق
رقم الايداع:
2006/3743
الترقيم الدولي:
977-291726-2
رقم الطبعة:
الطبعة الأولي
تاريخ النشر:
2006
اعداد بواسطة:
تصميم الغلاف:
تنفيذ:
كتابة:
بسم الله الرحمن الرحيم
التكلفة الاجتماعية للطلاق
تقف دراستنا هذه علي قمة ركام هائل من الدراسات المعنية بموضوع الطلاق، سواء في المجال السيولوجي في مجال علم الاجتماع العائلي، أو في علم الاجتماع القانوني المعني بحزمة قوانين الأحوال الشخصية، هذا فضلاً عن علم النفس الذي اهتم بآثار الطلاق وأسبابه.
والطلاق كجزء من النسق الأسري يعد نظامًا اجتماعيًا يضع نهاية لنظام الزواج، فبه تنحل رابطة الزواج وينفسخ عقده ويحل لطرفيه الزواج مرة أخري، لذا فهو يمثل أحد صمامات الأمن للتوترات الحتمية التي تقع في الحياة الزوجية، وهو الحل الأكثر انتشارًا لمشاكلها، وذلك علي الرغم من أن الناس ينظرون إليه ككارثة أو مأساة، ويعد الطلاق حادثًا مشئومًا للأشخاص الذين يشملهم، كما يعتبر مؤشرًا واضحًا لفشل النسق الأسري، ودليل علي محنة شخصية.
ولقد استنارت دراستنا بالمنطلقات المتباينة للدراسات السابقة، فبينما تعامل البعض مع الطلاق بصفته مشكلة اجتماعية تمثل قمة الصراع الأسري، وأنه محصلة نهائية لعملية الاغتراب والنفور بين الزوجين، يراه البعض الآخر حلاً للصراعات الأسرية وبداية جديدة، يمكن أن يحقق من خلالها المطلقين سعادة ورضا، وقد أخذنا في الاعتبار رصد المنطلقات النظرية ابتداء من الرؤية البنائية الوظيفية، وانتهاء بالنظريات الراديكالية، فبينما ترتكز الأولي علي معايير التماسك الأسري في مواجهة الصراعات الأسرية والأزمات, نجد الثانية تري في الشكل الحالي للزواج والأسرة مجرد حلقة في سلسلة متصلة تاريخيًا، تنتهى بانتفاء أدوار الأسرة وبالتالي بوجودها نفسه كأهم وحدة اجتماعية تنتظم، حولها كافة وحدات البناء الاجتماعي.
ولقد لاحظنا أن الدراسات المعنية بالطلاق قد حاولت الربط بين ارتفاع معدلات الطلاق وبين انتشار التصنيع في المجتمعات الحضرية، وكذا شيوع الأفكار الليبرالية والتحرر وسرعة انهاء العلاقة الزوجية، فضلاً عن تأثير الخدمات والحروب.
إلا أن البحوث الحديثة في الغرب قد أثارت الانتباه الي أن الأسرة في المجتمعات النامية تفتقد للأمان الاقتصادي والخدمات التعليمية والصحية وكذلك لإشباع الحاجات الضرورية مما يفرض عليها التوتر الأسري الناجم عن معاناة المرأة من تعدد الأدوار وتصارعها، وهي هموم لا يعانيها الرجال؛ حيث تتراكم المهام المنزلية ورعاية الأبناء الي جانب دورها كعاملة مسئولة أمام رؤسائها، مع ملاحظة أن موقف الزوج من العمل المنزلي ورعاية الأبناء لا يزال هامشيًا، مما يخلق نوعًا من الصراع
بين الجديد والتقليدي وهنا يصبح التوتر نوعًا من الصراع, الذي يزيد ويتراكم فيعرض الأسرة للتصدع بسبب الطبيعة الهدامة له, وهو يختلف عن الصراعات المنتجة التي تنعش الحياة الزوجية وتجدد حيويتها، ويمثل التمييز النوعي للأدوار مصدرًا أساسيًا للتوتر والخلاف، وذلك عندما تتباين وجهتا نظر الزوجين حول توقعات الدور الخاصة بكل منهما، وبالتالي بالأدوار المرتبطة بدوريهما كأدوار الأقارب وزملاء العمل، ولاشك أن الصراع والتوتر يتركز هنا حول مسئوليات الدور وصلاحياته، وفي غياب رؤية واضحة أو مشتركة لحدود “الدور” وملامحه وشبكة علاقاته يظهر توتر متصاعد، ناجم عن محاولة كل طرف توسيع مساحة صلاحيات دوره وتضييق حجم مسئولياته.
الطلاق والفزع الجمعي
“.. ظن موثق العقود (المأذون) أن العروسان يزورانه بعد أسبوع من عقد القرآن لأنهما يتعجلان الحصول علي وثيقة زواجهما، فاذا بهما يفاجأنه بأنهما قد جاءا لتوثيق قرار هما بالطلاق..”
أما المأذون الثاني فقد فوجئ بزوجين مضي علي زواجهما عام فقط يزورانه طلبًا للطلاق ويتركان له رضيعهما علي أحد المقاعد، فلما أسرع به إليهما أخذاه منه علي مضض وكل منهما يؤكد عدم رغبته في الاحتفاظ بالرضيع..”
ولاشك أن ارتفاع معدلات الطلاق بعد زواج قصير لايتجاوز الأيام أو الشهور والسنوات الأولي قد أثار “قلقًا جمعيًا” منشأه افتقاد الاجابة الواضحة علي أسئلة فرضت نفسها علي الحوارات الاجتماعية التي يتداولها المجال العام ومنها هل صارت مجتمعاتنا مهددة بالتحلل والتفسخ بعد أن صار النسق الأسري مهددًا بالتفكك.
فلم تكن مجتمعاتنا تطمئن الي تثبيت دعائمها الأساسية إلا من خلال النسق الأسري الذي يقوم علي قداسة نظام الزواج، والذي استمد أهميته من وظيفته الاجتماعية في تحقيق الغاية العليا لكل مجتمع ؛ وهي ضمان الاستمرار والبقاء، باعادة إنتاج نفسه بالتكاثر والإنجاب علي أسس شرعية ، ومن ثم تنشئة ورعاية الأجيال القادمة علي النحو الذي يراه هذا المجتمع متطابقًا مع نسقه القيمي وعاداته وتقاليده …. الخ
وفي هذا الصدد تقفز المقارنات الي الأذهان، عندما كان الزواج والأسرة في مجتمعاتنا هما مصدر الأمان والقوة، اللذان يستمد منهما الفرد الطمأنينة والسلام والحماية، الي أن يشب في حضن أسرة همها الأول إسعاده ورعايته, الي أن يصبح رجلاً أو امرأة قادرين علي تحمل مسئوليات إعادة إنتاج أسرهما للحصول على أجيال جديدة وهكذا.
ولم تتوقف المقارنات بين أمس الأسرة المزدهر والزيجات السعيدة وحاضرها المرتبك وأداءها المشوش, في الحوارات الاجتماعية بين العامة والخاصة من علماء النفس والاجتماع ورجال الدين والقانون، الذين تحفل بحواراتهم ومناقشاتهم أجهزة الاعلام والتي يمكن أن نلخص أسئلتها العديدة في سؤال واحد، هو لماذا كل هذا الطلاق ؟ وكيف تستعيد الأسرة مكانتها الاجتماعية ودورها الهام؟
وفي هذا الصدد يطرح موضوع الطلاق بصفته “مرض اجتماعي” أصاب جسد المجتمع، وبالتالي يكون الاسراع في علاجه لا مناص منه, خشية ما سيتمخض عنه من مساوئ ومضار لا قبل لنا بها، وقد طرح الطلاق أيضا بصفته “نتاجًا للتحولات الاجتماعية التي مر بها المجتمع، ولمست النسق الأسري والزواج في مقتل فكان الطلاق هو أحد تداعياتها السلبية.
وقد قاد حماس ما بعد التشخيص “للحالة المرضية” للنسق الأسري معظم المعنيين من الأطباء النفسييين ورجال الدين وصناع القوانين الي الاسراع بالوصفات العلاجية المتعجلة في شكل توصيات ونصائح.
ومن تحليل مضمون الكتابات والحوارات والبرامج يبدو لنا وكأن الأسرة كانت “همًا نسائيًا” فهي الشغل الشاغل للمرأة؛ الزوجة والأم التي تقوم علي غيريتها وايثارها لأسرتها علي ذاتها وتضحيتها من أجلها، وقد كان ذلك هو السائد في العهود السعيدة التي كانت فيها المرأة تقر في بيتها، وهمها الأكبر التفنن في إسعاد زوجها وبنيها (الأم تعشش والأب يطفش).
ومن ثم يبدأ تشخيص مشكلات الأسرة الحديثة بصفتها نتاج لتحرر النساء الذي نتج عن إقبالهن علي التعليم والعمل والاستقلال الاقتصادي، ومن ثم لم يعد الزواج حلم كل فتاة وإنما هو أحد اهتماماتها يشاركه الدور المهني، وبالتالي تعاني النساء من صراع الأدوار (دور الزوجة والأم والعاملة) ويأتي اهتمام المرأة بعملها والتزامها المهني بصفته خيانة لواجبها الأمومي المقدس.
ومن يستمع الي تلك الحوارات يلمس توجهًا واضحًا نحو “لوم” نساء المجتمع علي ما آل اليه أمر الزواج والطلاق، علي ما في ذلك من تفسير ناقص ومبتسر، وما يعبر عنه من مواقف التحيز الثقافي التي تسود مجتمعاتنا والتي تقوم علي التمييز بين الجنسين.
ومن المراجعة للتاريخ الحديث للمجتمع المصري نكشف أن سوء سوء استخدام السلطة المنفردة للطلاق من جانب الرجال كان مثارًا للقلق الاجتماعي في مطلع القرن العشرين، كما كان سببًا من أهم أسباب ظاهرة “تأنيث الفقر”، حتى أن السيدة هدي شعراوي طالبت البرلمان المصري بوضع حواجز ضد الطلاق، الذى استخدمه الرجال بصورة مرضية، ذلك أن الرجال الذين لم يكفهم حيازة أربع زوجات كانوا اذا رغبوا في المزيد استخدموا حقهم المطلق في الطلاق، للخلاص من واحدة من الزوجات لاضافة أخرى جديدة؛ أصغر سنًا أو أجمل فساد المثل القائل ( ياكلها لحم ويرميها عضم).
وعندما تقدم محمد علي علوبة باشا بمشروع لمجلس الشيوخ يبين فيه فوضى العلاقات الزوجية والاسراف في تعدد الزوجات، كان المشروع يهدف ألا يقع التعدد إلا بإذن القاضي، وأن تمنح الزوجة حق الطلاق إذا تزوج زوجها بأخري، فعارض المجلس المشروع من منطلق فقهي يؤكد ” أحدًا من فقهاء الاسلام لم يشر الي حق المرأة في التطليق بسبب الزواج بأخري).
التكلفة الاجتماعية للطلاق
إذن فقد ارتفعت معدلات الطلاق في مصر في الماضي ، ولكن لأسباب تختلف عنها في الحاضر، وفي جميع الأحوال يتكلف المجتمع الكثير من استقراره وسلامة بنائه الاجتماعي، لكنه من الأمانة ان نسجل في بحثنا هذا أن الذين أزعجهم انتشار الطلاق في الماضى لم يتخذوا أية خطوات جادة، في سبيل الحد من الظاهرة ، لأن طرح القضية لم يكن مسموحًا به, إلا علي مستوى “النصح والارشاد“
في العموم دون الوصول الي اجراء حاسم، وذلك لأن المساس بسلطة الرجال المطلقة في موضوع الطلاق كان ولا يزال من المحرمات، أما طرح الأمر حاليًا فإنه يأتي مصاحبًا لمطالبة النساء بحق تطليق أنفسهن، سواء عن طريق دعاوى التطليق للضرر أو دعاوي الخلع.
ونحن اذ ننشغل بطرح موضوع التكلفة الاجتماعية للطلاق لا ننساق الي موجة الطرح المتحيز للموضوع، والذي يميل الي توجيه اللوم الي الحركات المطالبة بالعدالة الاجتماعية وإلغاء أشكال التمييز ضد المرأة، وتحويل القوى المستنيرة الي مجرد (كبش فداء) تلقي عليه تهمة خراب البيوت، وتشريد الأطفال وتفكيك بناء الأسرة العتيد
ولأن الإجابات الجاهزة علي التساؤلات الحائرة تدفع بالراغبين بصدق في حل المشكلات الخاصة بارتفاع معدلات الطلاق الي أن يسلكوا سبلاً تحيد بهم عن التشخيص الدقيق للمشكلة، كما تضيع الجهود التي يمكن أن نوفرها لو أننا توخينا الدقة العلمية في بحث المشكلة.
لذا نتجه في دراستنا هذه الي تبني منظور سسيولوجي شامل يحرص علي معالجة المشكلة بالكشف عن أبعاد بنائية ومؤسسية وتنظيمية، وذلك الي جانب استعراض لنظريات الطلاق ومفاهيمه، وما أنجزته الدراسات السابقة من كشف عن أسباب الطلاق ونتائجه ، وذلك تحقيقًا لرؤية كلية وتفاديًا للنتائج المبتسرة التى تنجم عن الرؤية التجزيئية التي تتناول بعدًا وحيدًا، أو تتبنى منظورًا تقليديًا للمشكلة، ينتهي بنا الي وضع “روشتة علاجية” مع بعض التوصيات.
وقد احتوت الدراسة بابين أساسين:
الأول نظري والثاني: ميداني
وقد تعرض الجانب النظري لمفاهيم ونظريات الطلاق
أما عن الجانب الميداني للدراسة :
فقد اتجهت الي استخدام أداة بحثية فاعلة تعتمد علي اجراء لقاءات جماعية مكثفة مع أطراف الطلاق المباشرين (المطلقين – المطلقات – أبناء الطلاق)، ثم المؤسسات التي تتعامل مع أطراف الطلاق ( كالقضاة والمحامين ورجال الشرطة والموثقين لعقود الطلاق (المأذون) ولكي نتعرف على موقف المشرع قابلنا (رجال الدين الاسلامي – ورجال الدين المسيحى) كما توجهنا الي ترتيب المقابلات مع (ممثلي الاعلام والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين) وقد تأكدت من أن يحتوى دليل المقابلة الجماعية لكل فريق على النقاط الأساسية, التى يحرص البحث على كشفها وذلك بهدف الحصول على صورة مكتملة لمشكلة الطلاق والكيفية التي تدار بها أحكام الطلاق ومفاوضاته بالاضافة الي المعالجة الإعلامية للقضية ودور المعالجين لمشكلة الطلاق وما أمكنهم انجازه في هذا الصدد.
الجانب النظري للدراسة
وفيه نتعرض لمفاهيم الطلاق والنظريات التي عالجت الموضوع، والأبعاد الأساسية للطلاق؛ كأسباب الطلاق وبوادره ونتائجه .. الخ، مع الحرص علي الافادة من التراث النظري للموضوع, وكذلك من الدراسات الميدانية السابقة والتي استجاب بها السيولوجيون لمشكلات الطلاق بأدواتهم البحثية، ورؤيتهم الفكرية فمهدوا لنا السبيل لكي تنضم دراستنا الي انجازاتهم.
أولاً: مفاهيم الطلاق بين الشريعة والسسيولوجيا
يعرف الطلاق لغويًا بأنه “رفع القيد مطلقًا ” كما يعرف فقهيًا بأنه رفع قيد الزواج الصحيح في الحال والمآل, بلفظ ذلك صراحة أو كناية، أو بما يقوم مقام اللفظ في الكتابة والاشارة “والمراد برفع قيد الزواج هو رفع أحكامه وعدم استمراره، ورفع قيد الطلاق في الحال يكون بالطلاق البائن، حيث لا يحل للمطلق مراجعة مطلقته الي عصمته إلا برضاها, ولايحتاج الى مهر وعقد جديدين، والمراد “باللفظ الصريح” أنه اللفظ الذي لا يحتمل غير الطلاق فيقع الطلاق به من غير حاجة الي نية.
أما “اللفظ” الكنائي” فهو مايحتمل معني الطلاق وغيره فلا يقع به الطلاق الا بالنية, فان لم ينو المتلفظ به الطلاق فلايقع به شيء، وإذن فالطلاق تصرف شرعي يصدر من الزوج أو من يقوم مقامه تنتهی به رابطة الزوجية، ويملك الرجل بمقتضى عقد الزوجية ثلاث طلقات لايطلقها مرة واحدة بل مرة بعد أخري فاذا أتمها لاتحل له زوجته إلا بعد الزواج بآخر، يعاشرها ثم يطلقها أويموت عنها، وتنقضي عدتها منه، ونقسم الطلاق الي قسمين ؛ رجعي وبائن :
والطلاق الرجعي يملك الزوج بعده إعادة المطلقة الي عصمته دونما عقد جديد، ما دامت في العدة رضيت أم لم ترض، أما البائن فهو نوعان: البائن بينونة صغري وفيه لا يستطيع الزوج إعادة المطلقة الي عصمته إلا بعقد جديد، ويقع في الحالات الآتية:
1 – أن يكون قبل الدخول الحقيقي وهنا لاتجب العدة، أو بعد الدخول وهنا تجب العدة للاحتياط.
2- أن يكون الطلاق علي مال تمنحه المطلقة للزوج فلا يحق له مراجعتها بدون رضاها.
3 – الطلاق الذى يوقعه القاضي بناء علي طلب الزوجة لدفع الضرر عنها.
أما البائن بينونة كبرى فهو الطلاق الثالث الذى تحرم الزوجة بعده علي زوجها كما ذكرنا.
ومن الضروري أن نشير الي حقيقة أن الطلاق لايتم في مجتمعاتنا بصورة رسمية موثقة في كل الأحوال لأن الزواج قد يمارس عرفيًا، وبالتالي يتم الطلاق في نطاق العرف السائد الذي يسود في جنوب مصر وقبائل البدو.
الطلاق في التعاليم المسيحية
ومن المعروف أن العقيدة المسيحية لا تعترف بالطلاق وتعده خطيئة، وتستند الكنيسة في تحريمها للطلاق الى قول السيد المسيح: (أن من البدء خلقهمها ذكرًا وأنثي, من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا… فالذي جمعه الله لايفرقه الإنسان) ولكن المسموح به فقط هو فسخ عقد الزواج في حالة الزنا و“الموت الحكمي والمقصود به الغياب الطويل أو اعتناق دين آخر لا تعترف به الكنيسة.
وتفرق قوانين الأحوال الشخصية للأرثوذوكس بين بطلان عقد الزواج والتطليق؛ فالبطلان يحدث لفقد عقد الزواج أحد أركانه الجوهرية، أما التطليق فهو فسخ للعقد بعد قيامه، والتعاليم المسيحية لا تبيح الطلاق بالإرادة المنفردة وتعد الزواج باطلاً في حالة :
1 – ان لم يتوفر رضاء الزوجين بصورة صحيحة، أو أن لم يتم الزواج بالمراسم الدينية علنًا وبحضور شاهدين مسيحيين، وكذلك ان لم يبلغ الزوجين السن القانونية أو إذا كان أحد طرفي الزواج مرتبطًا بزواج صحیح وقت انعقاده.
2- وكذلك اذا سبق لأحد الزوجين أن طلق لعلة الزنا.
3- اذا تزوج أحد الزوجين بمن ينتمى الي دين أو مذهب آخر.
وهنا ينبغي التفرقة بين التطليق وإثبات بطلان الزواج فالأول من شأن المحاكم المدنية أما الثاني فهو من شأن المحكمة الكنسية المعروفة باسم (المجلس الاكليريكي) الذي تكون مهمته إثبات بطلان الزواج قبل اللجوء للمحاكم المدنية.
أما التعريف السيولوجي للطلاق :
فيعني انتهاء أو انقطاع الرباط الزواجي بين الزوجين، وذلك نتيجة لتعاظم الخلاف الي الدرجة التي لا يمكن تداركها، وتلك حالة نسبية تختلف باختلاف المجتمعات ، فعدم الانسجام بين الزوجين في الولايات المتحدة يعد حدًا لاتطاق معه الحياة الزوجية، بينما لايعد هذا سببًا لانهاء الزواج في بلادنا، ويعرفه وليم جود بأنه الطريقة المنظمة لوضع نهاية اختيارية للزواج ، وهو شكل من أشكال الانحلال الزواجي الاختياري؛ مثل الهجر والانفصال الناجم عن اتفاق طرفيه أو نتيجة لحكم صادر من جهة رسمية
(قرار محكمة) ومن سمات الطلاق أنه يسمح للزوجين بالزواج مرة أخرى.
ويعد الطلاق حالة من الأنومي (الاغتراب) التي يصحبها تدني تكامل المكانة الاجتماعية، وذلك عندما يفتقد البشر استقرار العلاقات الاجتماعية، نتيجة اصطدام توقعات الدور لدى الأفراد بواقع مغاير, يصعب عليهم التكيف معه.
نظريات الطلاق:
تعددت النظريات المعنية بالنسق الزواجي والأسري وبالطلاق كجزء أساسي منها وفيما يلي نستعرض أهم النظريات التي أسهمت في تقديم تشخيص متعمق لأسباب الطلاق ودوافعه وكذا الآثار والنتائج المترتبة عليه، ومن هذه النظريات نظرية نوعية الزواج، ونظرية القوة، وصنع القرار والماركسية الجديدة، والراديكالية النسويه والتفاعل الرمزي ..الخ
ورغم تباين التوجهات النظرية والمداخل، التي اتخذتها تلك النظريات لتفسير الطلاق إلا أنها قد أثرت فهمنا للموضوع ، وفيما يلي نستعرض بعض هذه النظريات :
أولاً: نظرية نوعية الزواج
تفترض هذه النظرية أن هناك زواج علي درجة كبيرة من السعادة ، ومن خلال هذا النمط المثالي يمكن تحليل ديناميات الاستقرار الزواجى والطلاق، من خلال مفاهيم عديدة كالرضا والسعادة والصراع والتوتر والاتصال والتكامل الزواجي، وغيرها من المتغيرات التي يمكن عن طريقها تقييم العلاقة الزوجية .
وقد حاولت هذه النظرية أن تتفادي الاتجاهات الكمية في معالجة الطلاق لعدم قدرة هذه التوجهات علي معالجة الطلاق بما يشمله من مكونات وتري تلك النظرية أن نوعية الزواج تتحدد وفقًا لمؤشرات؛ يمكن من خلال قياسها التعرف علي نوعية الزواج، ومن هذه المؤشرات معايير اختيار القرين (التشابه في الدين والسن والذكاء) حيث ترتفع نوعية الزواج كلما تعمقت معايير التجانس بين الزوجين، وتنخفض نوعية الزواج لضعف معايير التجانس، ومن ثم يتأثر الاستقرار الزواجي.
وتعد العوامل الاقتصادية من أقوي المؤثرات علي الاستقرار الزواجي وتتحدد وفقًا لثلاثة أبعاد : أولها: كفاية دخل الأسرة وتحدده مؤشرات كالوظيفة المرموقة للزوج, كمصدر مالي ثابت للأسرة، وبالتالي الاستقرار الزواجي، وثانيها عمل الزوجة الذي يمكن أن يؤثر تأثيرًا مزدوجًا علي نوعية الزواج، فالزوجة العاملة ترتفع نوعية زواجها عن غير العاملة، في معظم الحالات، كما ترتفع نوعية الزواج لدي الزوجة العاملة كلما تزايد رضاها عن نوع العمل الذي تمارسه، والمعيار الثالث هو اقتصاد الأسرة الذي يجعل الأسرة في حالة توفر مواردها الاقتصادية تؤدي وظائفها بنجاح، يرفع من نوعية الزواج، لكن هذا لا يمنع من ظهور حالات صراع حول أسلوب الانفاق وأنماط الاستهلاك.
كما تلعب العوامل الاجتماعية والثقافية دورًا هامًا في الحفاظ علي الاستقرار الزواجي
وذلك من خلال الدعم الناجم عن الاحساس بالرضا والقبول, من جانب أسرتي الزوجين والأقارب والأصدقاء تجاه العلاقة الزوجية ، التي ترفع من نوعية الزواج كلما زاد الدعم.
ويعد امتثال الأسرة للمعايير والأعراف المحددة لسلوك أفرادها من العوامل التي ترفع من نوعية الزواج، وبدرجة تطابق سلوكهم مع تلك التقاليد والأعراف تتحدد نوعية الزواج, والعكس صحيح.
كما يبرز أثر نمط المعيشة المشتركة علي نوعية الزواج ، فالتزاحم داخل وحدة المعيشة مع اضافة أفراد من نفس جيل الزوجين يؤدي الي انخفاض نوعية الزواج، وتظهر عوامل التوافق الزواجي من خلال :
1 – الرضا الزوجي ويحدده شعور الزوجين بالتشابه وسهولة الاتصال والاتفاق القيمي والتقييم الايجابي للآخر.
2- يرفع الاشباع العاطفي من نوعية الزواج كلما تزايد، ومن مؤشراته التعبير الجيد عن العواطف، وتزايد الاحترام وزيادة الكفاءة الاجتماعية والرضا الجنسي والاتفاق علي معني الزواج لدى أطرافه, ويؤدى فقدان الاشباع العاطفي الي احتدام الصراع الزواجى، نتيجة الاهمال أو الهجر، ونتيجة ما يتولد عن المعيشة المشتركة في الأسرة الممتدة من ضغوط وتوتر، يسهم في تغيير مشاعر الزوجة تجاه الزوج الذي يعجز عن حماية الزوجة من سوء معاملة أسرته، فيبدأ الفتور العاطفي الذي يسمح بظهور الصراعات الزواجية، ويساهم تأجج الانفعالات وشدتها في تعكير صفو الحياة الزوجية, فيؤدى الصراعات قد تنتهي بالانفصال.
3- ويعد موضوع توقعات الدور أساسًا هامًا في رفع نوعية الزواج، فكلما تماثلت توقعات الدور لدى كل شريك تجاه الآخر كلما تحقق للزواج أعلي قدر من السعادة.
4- أما معدل التفاعل بين الزوجين فترفعه درجة الصداقة بينهما، ومدي المشاركة في الأنشطة المختلفة وارتفاع فرص الاتصال الفيزيقي وفاعليتها، في حل المشكلات الزوجية.
نظرية القوة وصنع القرار
وتمثل هذه النظرية واحدة من أهم اتجاهات دراسة الطلاق، لارتباط الطلاق بمدي القوة التي يتمتع كل طرف بممارستها في إطار العلاقة الزوجية، وهي تنطلق من التوجه النسوي، الذي يهدف لدعم قوة المرأة وتمكينها، خاصة في مجتمعات العالم الثالث.
وتتحدد قوة الشخص في الغالب من خلال أفعاله, التي يمكن عن طريقها قياس قوته باستخدام مقاييس الحصر عدد ونوع القرارات التي يتخذها الزوجان معًا أو كل على حدة، حيث يرتفع مقياس القوة بارتفاع عدد القرارات المستقلة، ويمثل تقسيم العمل والدور بين الزوجين أحد مؤشرات القوة ويتركب مفهوم القوة من ثلاث عناصر هي
أساس القوة وتعنى: مصادر القوة الثقافية والاقتصادية، وعمليات القوة وتعنى الأساليب التي يتبعها الزوجان خلال عمليات التفاوض واتخاذ القرار، ثم نتائج القوة التي تظهر بجلاء عند الاجابة علي السؤال الذي يتخذ القرار ومن الذي يتحكم ويفوز ؟
فمن مصادر القوة التي تعمل علي دعم سيطرة أحد الزوجين علي سلطة القرار:
المكانة الاجتماعية للزوج ومستوى تعليم الزوجة مقارنة بالزوج وعضوية المؤسسات المختلفة، والتي يتمتع أعضاؤها بالتميز والمكانة ، وأسلوب التنشئة الاجتماعية والقهر الجسدى.
وذلك بالاضافة الي التطورات التي تطرأ علي المعايير الثقافية، ففي الماضي كانت الثقافة السائدة تحدد الأدوار داخل النسق الأسري بدقة بالغة، وتضع حدودًا لايجب تخطيها بينهما (النموذج المثالي لهذا رسمه نجيب محفوظ في ثلاثيته في شخصية الست أمينه والسيد أحمد عبد الجواد)
لكنه مع التغيرات التي شهدها المجتمع ظهرت تحولات واضحة دعمت من قوة المرأة كنتيجة لانتشار التعليم واقتحام المرأة للمهن، كانت قاصرة علي الرجال وحصولها علي دخل يماثل الرجل ويفوقه أحيانًا.
نظرية التفاعل الرمزي
وتنظر تتلك النظرية الي الأسرة باعتبارها نسق من التفاعل الاجتماعي يقوم بين الزوج والزوجة والآباء والأبناء بالاضافة الي ما يحكم تلك العلاقات من قواعد وما ينتظم داخلها من أدوار، وتفترض هذه النظرية أن العالم الرمزي والثقافي يختلف باختلاف البيئة اللغوية والعرقية والطبقية بين الأفراد, لذا يفضل انتماء الزوجين الي عالم رمزي واحد حتي يتحقق التوافق الزواجي، بعد أن أكدت الدراسات أنه كلما كان العالم الرمزى للزوجين مختلفًا ومتباينًا فإن توقعات الدور تمارس بينهما بضعف وبطء، ويشهد التفاعل بينهما أشكالاً من التوتر والصراع .
وتمثل عملية التنشئة الاجتماعية محورًا هامًا في نظرية التفاعل الرمزي لما لها من أهمية في التنظيم الأسري، لأن الأسرة تلعب دورًا أساسيًا في تكوين وتشكيل ذوات أبناءها، فالفرد لا يولد بذاته الكاملة، وانما بالجزء البيولوجي من الذات فقط ، أما المستويات الأخري للذات (كالمستوى النفسي المرتبط بنمط الشخصية، أو المستوى الاجتماعي المرتبط بالأدوار والعلاقة بين الذات والمجتمع) فإن كل هذا يتشكل داخل المحيط الأسري، لأن عملية التفاعل الاجتماعي التي تمارس داخل الأسرة تمكن الطفل من تكوين ذات خاصة به، وبالتدريج بعد ذلك تكتسب الذات ملامحها.
ومن هنا تبدأ صناعة الجنوسة أو النوع؛ وذلك بأن ينقسم العالم الي جنسين ينتمي كل منا الي واحد منهما، وهذا هو مغزي تصنيف الناس لأنفسهم وللآخرين تبعًا لوضعهم الجنسي وقد تتباين طبيعة الذكورة والأنوثة، ومع ذلك فان المعايير الاجتماعية التي يتحدد علي أساسها الرجال والنساء تتمتع بالثبات والديمومة .
والواقع أن التفاعل الاجتماعي في الأسرة هو أهم الأوساط الاجتماعية التي يتم من خلالها بناء علاقات الجنوسة، أى عدم المساواة بين الجنسين، خاصة وأن المعايير التى تصيغ وتشكل التفاعل الاجتماعي في الأسرة هي معايير رجالية يظهر من خلالها مفهوم العمل العاطفى
ويفسر لنا هذا المفهوم لماذا ينبغي أن يحرص أحد طرفي التفاعل الاجتماعي وهو المرأة علي التدرب منذ الطفولة علي اخفاء مشاعر الحزن والغضب والظلم ليسعد الطرف الآخر وهو الرجل، فمن خلال عملية التفاعل ترسخ الأنوثة حالة من الدونية تؤدى الي تشيئ النساء والتعامل معهن كأشياء أكثر منهن كأشخاص، وهذا يبدو بوضوح في الثقافة الشعبية عندما يتجاهلون المرأة المتزوجة قائلين: سوف نتحدث مع الراجل اللي آنيها (يقتنيها) أى الزوج ، ويظهر من لفظ الاقتناء أن الثقافة تعد المرأة المتزوجة من مقتنيات الزوج المادية، ولذا تكون المرأة صورتها عن نفسها من خلال عملية التفاعل في وضع دونى تفتقد من خلاله الثقة في نفسها فتتوحد مع قاهرها، وتبدأ في اكتساب مهارة وذكاء السلوك وفقًا للإرادة الرجالية ، فتحرص علي ارضاء الرجل والاذعان له وإطرائه لتفادي العقاب مما يدعم لسيطرة الذكورية، وتصبح الحكمة القائلة وراء ( كل عظيم امرأة) هي النموذج المثالي للتفاعل الاجتماعي في صورته التقليديه وفقًا لنظرية التفاعل الرمزي.
أما نظرية الاختيار العقلاني والعلاقات المتبادلة
فتدعي أن البشر يمارسون سلوكًا يهدف لجلب المنافع واشباع الحاجات ولذا فمن الطبيعي أن يتجهوا الي تقسيم العمل في البيت نتييجة لحرصهم علي الاختيار العقلاني بين الأدوار الرجالية والنسائية وذلك بهدف توصيل المنفعة الي أقصي درجاتها، وبالتالي فهم يخصصون وقتًا للسوق وآخر للنشاط المنزلي، ونظرًا لأن القاعدة السائدة هي أن الرجال هم الذين ينالون الأجر الأعلي بالسوق يصبح من المنطقي أن يخصصوا معظم طاقاتهم لأعمال السوق وليس للأعمال المنزلية ، وبالتالي يصبح علي النساء في المقابل أن يخصصن طاقتهن للعمل المنزلي وليس لأعمال السوق، وبذلك تنتهي النظرية بالتأكيد علي أن تقسيم الأدوار
بين الرجال والنساء هو مجرد اختيار عقلانى تستوجبه مصلحة الأسرة، وهي نظرية تفترض أن الأسرة وحدة اقتصادية عاملة قائمة علي الاجماع أى علي الاتفاق الحر بين أفرادها وهذا ليس صحيحًا بالضرورة لأننا سنكشف في الجانب الميداني من الدراسة، كيف أن الرجال يمارسون الابتزاز العاطفي والقوة لمنع النساء من تحقيق امكانياتهن في الكسب، تساندهم في ذلك أوضاعهم المتفوقة اجتماعيًا واقتصاديًا، مما يعيق النساء عن الافادة من الموارد المتاحة للرجل بصورة عادلة.
وقد وجه النقد لهذه النظرية لمسئوليتها عن الترويج للرجل كفاعل أناني يتمتع بالقدر الأكبر من الموارد المالية وفي مواجهته تبدو المرأة في المقابل مفعولاً به ليس لديه سوي الاذعان والدفاع عن استمرار وجوده في حياة الزوج بالاذعان والاستسلام اللانهائي
النظرية الماركسية الجديدة
تؤكد هذه النظرية أن مفتاح فهم الأوضاع الأسرية هو القيمة الاقتصادية المتجاهلة للعمل غير المأجور الذي تمارسه المرأة بصفتها زوجة وأم، فما تمارسه الزوجة من أعمال خدمية للزوج والأبناء يقوم أساسًا علي أرضية من تقسيم العمل التقليدى، الذي منح الرجال الأعمال المأجورة، أيًا كان موقع هذه الأعمال في سلم المكانة الاجتماعية، ودفع بالنساء للقيام بأعمال الخدمة غير المأجورة ، وهكذا تعاني المرأة الزوجة من الاستغلال المزدوج ؛مرة بصفتها قوة عاملة رخيصة وذلك عندما تعمل في الحقل أو المصنع، والمرة الثانية عندما تعمل مجانًا بالخدمة المنزلية.
وتتهم النظرية الماركسية الايديولوجيا الأبوية، التي بررت الخدمة المنزلية للنساء بأنها وضع طبيعي تفرضه الفروق البيولوجية بينها وبين الرجل، وتسود هذه الايديولوجيا الأبوية مجتمع العمل المأجور الذي يبرر للمرأة أجرها الضئيل من عملها خارج البيت بكونها مرتبطة بدورها الأساسي في أعمال الخدمة المنزلية.
هذا بينما يكسب / الرجال الأزواج من : أولاً: الخدمة المنزلية المجانية والهيمنة الناجمة عن تبعية الزوجة اقتصاديًا للزوج ، وثانيًا : من التحاقهم بسوق العمل للحصول علي أعلي الأجور وأرقي المهن,وهكذا يرتبط الأزواج بالزوجات من خلال علاقة هيمنة من جانب الزوج وخضوع من جانب الزوجة
ولهذا تعد النظرية الماركسية الملهمة للنظرية السسيولوجية للحركات النسوية بمفهوم (الجندر) الذي أسهم بعمق في إدراك سوء توزيع الفرص بين الرجال والنساء من جهة وهيمنة الثقافة الأبوية علي علاقة الزوج بالزوجة؛ وهي هيمنة تبقي وتستمر مع انتفاء أسبابها الاقتصادية ونشاهد ذلك بوضوح عندما تتجه نساء القاع الاجتماعي الي العمل في الحقول وفي بيع الخضراوات بالأسواق وفي بيوت المقتدرين (شغالات) ثم يقمن بتسليم أجورهن للأزواج الذين اعتادوا أن يقطعوا الوقت في التدخين والثرثرة بالمقاهي في انتظار عودة الزوجة بالمال الذي لا تملك حق التصرف فيه ولا تجرؤ علي منع الزوج من الاستيلاء عليه.
النظرية النسوية
وتنطلق من ثلاث اتجاهات :
الأول : النسوي الليبرالي وترجع جذوره الي حركة التنوير في القرن الثامن عشر والتي اهتمت بحرية الفرد ومكانته والمساواة في الحقوق المدنية والالتزام بها، ويميل هذا الاتجاه الي رفض التنشئة الاجتماعية التقليدية لأنها تدرب الأطفال على الأدوار النمطية للرجال والنساء بحيث تتقبل النساء الأوضاع الاجتماعية المتدنية المكانة باعتبارها أوضاعا طبيعية .
الثاني :
الاتجاه النسوي الاشتراكي وترجع جذوره الي نظرية “انجلز” التي ذهبت الي أن السلطة الأبوية قد نشأت مع تطور نظام الملكية الخاصة ، وأن قهر المرأة يعد من وظائف النظام الرأسمالي وأن رفع الوصاية عنها يرتبط بخروجها للعمل والكفاح في صفوف البروليتاريا.
ثالثًا: الاتجاه النسوي الراديكالي ويري أن التكوين البيولوجي للمرأة ليس عيبًا في ذاته وانما العيب في الثقافة الأبوية التي تصف كل ما هو أنثوي بالتدني في مقابل كل ما هو ذكوري. والزواج في نظر الراديكاليين كالرأسمالية عند الاشتراكيين فمن خلاله قهرت النساء وتحطمت فرديتهن.
من هذا العرض السريع للنظريات التي عالجت موضوعات الزواج والطلاق نلاحظ أنه من تلك النظريات ما يقدم تبريرًا وظيفيًا للواقع الاجتماعي، ويري في الزواج نظامًا اجتماعيًا يقوم علي التدرج الجنسي والتكامل وتوقعات الدور، ومنها ما يرفض أوضاع الزواج الراهنة بصفتها ترسيخ للتحيز ضد النساء، لكن التوجهات النظرية علي اختلاف منطلقاتها تسهم بالفعل في تكوين أرضية فكرية أفادت دراستنا وطورت من أدواتها.
دائرة الطلاق
لعبت السينما دورًا مؤثرًا في اعلاء قيمة الحب كأساس للزواج الناجح ، ومن خلال أشهر الأفلام الرومانسية تتلقي الجماهير – علي اختلاف فئاتها وطبقاتها – رسائل ملحة أكدت أن زواج من عاشوا قصة حب طويلة هو النموذج المثالي الذي يستحق فرصة السعادة الحقيقية، ولذلك كان الأفراد يبحثون عند الاقبال علي الزواج عن نموذج الحب السينمائي الباهر، ويصطدمون بشدة عندما يفاجئهم “واقع” العلاقة الزوجية التي تؤكد أن الحب وحده ليس شرطًا كافيًا لضمان السعادة الزوجية، ويدعي البعض أن معدلات الطلاق ترتفع بين المحبين الذين تتكسر أحلامهم في الحب علي صخرة الزواج، فما هي أسباب الطلاق:
يقال أن الطلاق يبدأ قبل المشاجرة الأولي بل وحتي قبل التقاء الطرفين، وذلك يرجع الي عوامل متعددة منها اختلاف مكونات الخلفية الثقافية والاجتماعية للزوجين؛ فالمثل العليا والطبقة ومكانة أسرتي الزوجين تكون نسقًا من القيم التي قد لا تبدو في بدايات الخطوبة والشهور الأولي للزواج ولكنها تصبح بالغة الأثر عندما تطول العشرة وتنقشع المجاملات ليصبح التعامل أكثر واقعية.
2- عندما يقوم الزواج علي أساس التورط أو الاندفاع العاطفي أو المنفعة الشخصية، ودون مراعاة للاعتبارات المعترف بأهميتها.
3 – الاخلال بالشروط المتفق عليها قبل الزواج سواء من جانب الزوجة أو الزوج.
4- قصر الفترة المتاحة للطرفين لاختبار كل منهما للآخر وذلك للتعرف علي قيمه واتجاهاته وعاداته مما يؤدي لاكتشاف متأخر .
5- يلاحظ أن نسبة الطلاق ترتفع في البيئة الحضرية عنها في البيئة الريفية، كما ترتفع بين الممثلين والفنانين والمشتغلين بالفنون الشعبية وكذلك البحارة، وتنخفض بين المدرسين ورجال الدين.
6- ويعد تعليم الفتاة وخروجها للعمل من أسباب ارتفاع نسبة الطلاق وذلك لارتفاع مستوي وعيها، وشعورها بقيمتها مما يجعلها تتصرف باستقلالية وترفض موقف التابع الذي تمليه عليها الثقافة السائدة.
7- ومن الأسباب العامة للطلاق في رأى المطلقين من الرجال الكراهية وانعدام القدرة علي الانجاب عند الزوجة وسوء أخلاقها، وتمردها علي طاعة الزوج، ثم الخيانة يليها إهمال الزوجة للمصالح الزوجية وأخيرًا كبر سن الزوجة.
8- ومن أسباب الطلاق في رأى المطلقات الكراهية تليها رغبة الزوج في الزواج بأخرى، والعجز عن الانفاق ثم مرض الزوج وسوء معاملته للزوجة، ثم سوء خلقه ولعبه القمار ثم كبر سن الزوج يليه إهماله للمصالح الزوجية، ثم ادمانه للخمر وتعاطيه للمخدرات.
وهنا لابد من الاشارة الي رؤية عزت حجازي المتعمقة لتحليل أسباب الطلاق بالرجوع الي أسباب بنائية تؤدي الي ارتباك التنظيم والخلل الاجتماعي وهو يشير للواقع الاجتماعي والحضاري في تأثيرهما علي العلاقة الزوجية بما يجعل استمرارها أمرًا صعبًا باعتباره من الظروف المؤدية للطلاق، ويفرق في تحليله بينها وبين العوامل المثيرة للطلاق وهي تلك الأحداث التي تقع في وقت نضج القرار لانهاء العلاقة الزواجية وهنا يصدر أي تصرف من أحد الزوجين أو المتصلين بهما، فيصبح، ذريعة إنهاء العلاقة الزوجية فيكون (القشة التي قسمت ظهر البعير).
بوادر الطلاق:
ولأن الوقاية خير من العلاج يتجه السسيولوجيون الي الاهتمام ببوادر الطلاق لكي لا يفاجئ الزوجان أنفسهما والمجتمع بأن الطلاق قد أصبح وشيكًا ولكن حتى الاهتمام بمعالجة بوادر الطلاق تتأثر بالثقافة السائدة في مجتمعات الباحثين ففي الغرب يتحدث ولارد والير عن بوادر الاغتراب الزوجى في الملامح التالية:
1 – ظهور اضطراب وتوتر في العلاقة الجنسية بين الزوجين حيث يبدأ الشقاق أو الطلاق العاطفي قبل الوصول الي الطلاق الفعلي.
2 – تنكسر مظاهر المودة التي تغلف علاقة الزوجين التي تأخذ طابعًا سلبيًا وذلك قبل أن يكتشف الأهل والأصدقاء مظاهر هذا التكسر .
3- يتخذ النقاش طابعًا حادًا يتخلله الشجار ويأتي التلميح بالانفصال بين طرف سلبي وآخر قد اتخذ موقفه نحو إنهاء الزواج.
4- يحدث انفصام متأزم بين الزوجين ويتمسك كل طرف بأقواله وقراراته ويرفض كل أفعال وقرارات الطرف الآخر.
5- وتتفاقم الأزمة لتصل الي مرحلة قاسية تقترب من الطلاق الحقيقي، وتبدأ عوالمهما الاجتماعية في الانفصال.
وينقد “معن عمر” ترتيب الخطوات المذكور من منطلق ثقافي مختلف، ففي المجتمعات الشرقية لا يظهر عدم الانسجام الجنسي كبادرة للطلاق ، وانما هو يظهر قرب النهاية وذلك بعد أن يكتشف الطرفان تضارب الأمزجة والطموحات الفكرية وصدام الهوايات الشخصية واختلاف الخلفيات العرقية والثقافية، ومن ثم يبدأ كل طرف في الانسلاخ بفرديته عن الآخر، ويصعب التعايش في النسيج الزواجي الذي ينبغي أن يبني علي التفاهم والتعاون ومن ثم يتعطل الانسجام الجنسي.
وتحدد “عايدة فؤاد” بوادر الطلاق في نفس اتجاه معن عمر لكنها تلاحظ أن التوقف عن العلاقة الجنسية لا يأتي من منطلق عدم الانسجام وإنما من النزوع الي استخدام هجر الفراش كعقاب من الطرفين لبعضهما كما يلي:
1 – يمارس أحد الزوجين هجر الفراش لعقاب الآخر وهو موقف تبيحه الشريعة للزوج فقط “واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع” ولاتبيح للزوجة هجر فراش زوجها “اذا دعا الرجل امرأته الي فراشه فأبت أن تجئ فبات غضبان عليها.. لعنتها الملائكة حتى تصبح ” والحقيقة أن الزوجات يمارسن الهجر تأديبًا للزوج.
2 – يمتد هجر الفراش ليصبح هجرًا دائمًا من أحد الزوجين أو كليهما، لكنه يظل سرًا طالما أنه يحدث داخل جدران المنزل.
2- هجر عش الزوجية وذلك عندما يتجه الزوج الي قضاء الوقت مع الأصدقاء أو الاندماج في علاقات خارج الزواج، وكذلك عندما تتجه الزوجة الي هجر منزل الزوجية الي منزل أسرتها لفترات طويلة لدفعه مصالحتها، فاذا طال الهجر تصبح الزوجة (معلقة) أي ليست زوجة ولا مطلقة، ويطلق علي هذا تعبير (البيت الوقف)
3- تحريم الزوجة سواء بالايلاء أو الظهار؛ والأول يدعمه العرف والدين وهو الفراق البدني بين الزوجين، ويكون مقترنًا بفترة محددة أو مطلقًا، وللايلاء شروط منها أن تكون الزوجة علي ذمة الزوج وأن يكون الزوج أهلاً للطلاق ، وكثيرًا ما يحدث الايلاء وتستمر مؤسسة الأسرة قائمة دون أن تقوم بين الزوجين معاشرة.
4 – الظهار: وفيه يحرم الزوج زوجته علي نفسه لمدة معينة، وبنهاية هذه المدة ينتهي حكم الظهار، فاذا أراد أن ينقضي ظهاره قبل انقضاء المدة فعليه كفارة يمين الظهار، وذلك لتمنع الشريعة العبث بالعلاقة الزوجية، وفي الظهار يقول الزوج لزوجته :
تكوني محرمة علي كالأم والأخت.
النتائج المترتبة على الطلاق:
لا يمكن لنا أن نقدم قياسًا دقيقًا لحجم النتائج المترتبة علي الطلاق لأنه يحدث في معظم الأحيان ما يشبه الانفجار الذي يصعب مدى ما أحدثه من خسائر بالنسق الأسري والبناء الاجتماعي ككل.
لكننا نحاول هنا التعرض بقدر الامكان لما يحدثه تفكك الأسرة من نتائج.
فبحدوث الطلاق يتم الفصل بين الزوجين من حيث الاقامة في مسكن واحد لينتقل أحدهما الي مسكن آخر، ويكون في الغالب مسكن الأهل في حال ألا تكون الزوجة حاضنة ، كما ينفرط عقد الأبناء الذين قد يتوزعون علي الوالدين المطلقين أو يستقرون مع أحد الأبوين ويكون الأم في معظم الأحوال، وتتحطم الروابط التي ربطت بين أسرتين من خلال علاقة المصاهرة وزواج الأبناء، وبغياب أحد الزوجين عن الآخر بسبب الطلاق تتغير حياة كليهما نتيجة الآتى:
1 – توقف الاشباع الجنسي وافتقاد الشعور بالأمن والصداقة وتزايد الأعباء الملقاة على عاتق الطرف الذي يرعى الأبناء كما تزيد الأعباء المادية علي المطلقة لفقدها المساندة المالية، كما يعاد توزيع المهام والأعباء المنزلية.
2 – ولأن المجتمع المحلي المحيط بالمطلقين يغضب لفكرة الطلاق ويتحاشاها فانه يبدأ بلوم أطراف الطلاق علي الحدث المشئوم، لكنه يتجه باللوم الي المرأة في الأساس بصفتها المسئولة الأولي حتي وإن كان الطلاق برغبة الزوج وبسببه.
ففي دراسة لعادل هريدي عن اتجاهات المجتمع تجاه المرأة المطلقة، يؤكد أن الطلاق يؤثر سلبًا على المطلقة أكثر من تأثيره علي الزوج والأبناء خاصة اذا كانت المطلقة أما لأولاد، وسرعان ما يتزوج المطلق بأخري تتقبله وترحب بالزواج به، وهي حقيقة تؤكدها الاحصاءات التي كشفت أن نسبة المطلقين للمطلقات تتساوي 1: 3: وذلك علي الرغم من أن الطبيعي أن تتساوي النسبتان، وذلك يرجع الي اسراع الرجال الي اتخاذ زوجة جديدة في الوقت الذي تتردد فيه المرأة بل وترفض تكرار التجربة، لكونها صارت مسئولة عن أبناء غاب أبوهم وتخشى تعرضهم لقسوة زوجة الأب أو زوج الأم ، وكذلك لتدني نظرة المجتمع للمطلقة.
3- وتعاني المطلقة من سوء التكيف علي وضعها الجديد خاصة اذا حدث الطلاق بصورة مباغتة وكانت لاتزال متعلقة بالزوج عاطفيًا، فتؤدي صدمة الطلاق الي اضطرابها الانفعالي وتوترها وحساسيتها المفرطة الي جانب الغضب والشعور بالظلم والاغتراب وفقدان الثقة بالنفس.
4- ويؤكد هريدى أن الرجال يتحفظون في نظرتهم للمطلقة ويخشون صداقتها وزمالتها ولكنهم يميلون الي انشاء علاقات عابرة معها للتسلية وتمضية الوقت، لأنهم يدخرون العلاقات الجادة والهادفة للزواج لفتاة لم يسبق لها الزواج، وذلك لما للعذرية من قيمة عليا في الثقافة السائدة، ويظل الاتجاه العام نحو المطلقة يتسم بالحذر وسوء الظن والترقب.
5- كما تؤكد رويدا أبو العلا أنه كثيرًا ما يترتب علي الطلاق حدوث صراعات جانبية بين كل من أسرتي الزوج والزوجة وبخاصة عندما يكون الزواج مرتبطًا بشبكة العلاقات القرابية في المجتمع الريفي والحضري في الأحياء الشعبية، حيث تقع في العادة بين الطرفين خلافات لا نهاية لها ذات مضمون مادي ومعنوي أو تتعلق بالأطفال، الذين يصبحون ساحة للنزاع بصفتهم رأس مال الزواج المحطم.
6- ولأنه يترتب علي الطلاق تقسيم للحقوق والواجبات بين المطلقين، فان أطراف الطلاق تحرص علي الخروج من (الصفقة الخاسرة) بأقل الأضرار وأكبر الفوائد، وفي هذا الصدد تؤكد هدى زكريا في دراستها عن ” الخلع” أن محاولة الزوج دفع الزوجة لطلب الخلع كثيرًا ما تتم باساءة معاملتها والضغط عليه حتي تتنازل عن حقوقها الشرعية كالنفقة ومؤخر الصداق والمنقولات.. الخ . لتبدأ مرحلة لا تنتهي من المراوغة والتحايل والمحاضر الكيدية وتصبح أقسام البوليس هي مسرح لصراع لاينتهي بين المطلقين (أخبرنا أمين الشرطة أن 90% من العمل بقسم الشرطة مستهلك في صراعات المطلقين)
7- ومن ضمن النتائج المترتبة علي الطلاق قيام الزواج التالي لأحد المطلقين أو كليهما كما سبق أن ذكرنا، وقد يساعد علي الزواج الثاني تجربة الفشل الأولي وما أحدثته من نضج ، فضلاً عن الحرص علي أن يزيل الزواج الثاني وصمة فشل الزواج الأول وهنا يبذل المتزوجين للمرة الثانية الجهد للبقاء تحت مظلة الزواج الثاني لاثبات الجدية
8- ولعله من أهم الآثار السلبية للطلاق ما يعانيه أبناء الطلاق من التعرض لفقدان الرعاية الأبوية الواجبة فيصبح معظمهم عرضة للضياع والانحراف، خاصة من يسكنون العشوائيات وينتمون الي الأسر النووية، وذلك لأن الأسر الممتدة تمارس دورًا هامًا في رعاية أبناء الطلاق وتعويض الأطفال غياب أحد الوالدين عندما يلجأ الي الزواج من جديد، لكنه في ظل الخصائص الحضرية للمجتمع المصري تزداد عزلة الأسرة النواة عن الروابط القرابية التقليدية ، فيقذف الطلاق والزواج الثاني للأبوين بالأطفال المرفوضة الي الشارع، الذي يستقبلهم بالتدريب علي شتي أنواع الانحرافات، ويعد الطلاق أحد أهم أسباب التسرب من التعليم لإهمال المتابعة الدراسية.
الجانب الميداني للدراسة
تمهيدًا لتنفيذ اللقاءات الجماعية المكثفة مع أطراف الطلاق قمت باعداد أثني عشر دليلاً للمقابلة وقد احتوي كل دليل أهم النقاط التي يسعي البحث للتعرف عليها من كل مقابلة وقد انقسمت اللقاءات الميدانية الي :
1- الأطراف المباشرين للطلاق (المطلقات المطلقين – أبناء الطلاق)
2- رجال الشريعة (الاسلامية والمسيحية) والمأذونين.
3- القضاة وضباط الشرطة ومساعديهم (أمناء الشرطة) .
4- الخبراء النفسيين والاجتماعيين والاعلاميون.
ولسوف نستعرض ما أسفرت عنه لقاءاتنا من نتائج في صورة تحليلية / تقريرية تقدم الحقائق في علاقتها بالثقافة السائدة وترصد الثوابت والمتغيرات التي تحكم النسق الأسري في أدائه المتفاعل مع الأنساق الاجتماعية الأخري بحيث يسهم عملنا البحثي فيكشف المناطق التي ينبغي التركيز عليها عند التدخل لعلاج نقاط الضعف الأسري الواجب علاجها.
1- اللقاء مع المطلقات:
ولقد حرصنا في اختيار مجموعة المطلقات علي أن تتنوع ما بين العاملة وربة البيت والجامعية ومتوسطة التعليم والمدرسة ومدربة الألعاب الرياضية والبائعة والموظفة بالحكومة .. الخ
أولاً: الزواج مسئولية من؟
عندما تساءلت مع المطلقات عن الشخص المناسب الذي تطمئن الفتاة للزواج منه وهل كان الزوج هو من تنطبق عليه كلمة الشخص المناسب؟ أكدت المطلقات أنهن يتزوجن لأن الزواج في حد ذاته يمثل قيمة اجتماعية عليا ، يخلق المجتمع تجاهها أقوى الدوافع لدي البنات اللاتي يصبح عليهن أن يكن متزوجات في سن معينة، فليس لديهن الخيار المتاح للرجل الذي يتجه للزواج (ليكمل نصف دينه) وهو غير مطالب بالاسراع في الزواج في ظل ثقافة ذكورية لا تعيب علي الرجال التقدم في السن (الراجل عيبه جيبه) فالرجل “فاعل زواجي ” يقرر متي وكيف وممن سوف يتزوج وذلك في حدود انتمائه الطبقي وقدراته المالية ومهنته وثقافته، أما الفتاة فتظل قيمتها ناقصة الي أن يتقدم لها من يعطيها القيمة الاجتماعية بما يقدمه لها من (مهر وشبكة)
وتعترف معظم المطلقات أنهن قد اضطررن للتنازل عن الكثير من الحقوق المعتادة للزوجة وهي المطالب التي ينبغي أن يكون العريس مستعدًا لتحقيقها عندما يتقدم للزواج ، وذلك حتي يسهلن علي الزوج تكلفة الزواج وذلك لما سببته أزمة البطالة وضيق فرص الشباب في الحصول علي عمل ملائم ، مما أدي الي خلق حالة من ” النفور الاجتماعي” بين الشباب / الرجال من الاقبال علي الزواج، في الوقت الذي ظل موقف الفتاة علي حاله؛ من حيث معاناتها من الضغط الاجتماعي الدافع للزواج مما جعل شبح “العنوسة” يطاردهن، ويدفعهن الي التنازل بعد أن أصبح الزواج مسئولية الفتاة وعليها أن تتحايل للخروج من “شرنقة العنوسة” بعد أن مالت كفة الزواج (تكلفته) نحو الطرف المضطر لإكمال مسيرة الزواج ، وقد أكدت معظم المطلقات أنهن وأسرهن قد تحملن تكاليف الزواج بالتنازل عن المهر والشبكة وقمن بتجهيز المنزل بالأثاث، واكتفت معظمهن بأن تفرد لها أسرة زوجها أو أسرتها إحدي الحجرات بصورة مؤقتة، وحتي تتحسن الأحوال.
وتعترف معظم حالات الطلاق أنهن قد اكتفين “بالوعود” التي قدمها العريس، ولم تسع أيًا منهن للحصول علي أى ضمانات لتنفيذ تلك الوعود وتعترف المطلقات أنهن كن يراهن علي أن العلاقة الزوجية من شأنها أن تنضج الزوج بعد أن يجد نفسه مسئولاً عن أسرة (بكره الجواز يخليه يعقل ويستقر) . هكذا كانت النصائح التي تتوجه الي الفتاة لتتحمل الدخول في النسق الزوجي، وهي تظن صدق المثل القائل (جوزك علي ما تعوديه). وقد دفعت هذه النصائح بعض الفتيات الي قبول الزواج من شباب ذوي سمعة سيئة وماضي مشبوه, لمجرد أنه قد وعد بالتوبة والرغبة في حياة جادة والسير” بما يرضي الله“، خاصة وأن سلوك الرجل في الماضي يمكن غفرانه مهما كان سيئًا في إطار ثقافة تتسامح مع الرجال.
صراعات القوة في النسق الزواجي
وتتحدث المطلقات عن المعاناة من الصدامات الناجمة عن “صراع الدور” الذي يسود النسق الزواجي نتيجة لحرص الحماة (أم الزوج) علي إحكام السيطرة علي ولدها (الزوج) مستفيدة من تبعية الإبن المالية والسكنية، وكذلك من ثقافة (الجنة تحت أقدام الأمهات) وذلك في الوقت الذي تحلم فيه الزوجة بأن يوفر الزوج لها الحماية والأمان والاحتواء ، مما يحدث حالة ارتباك نتيجة فشل الزوج في لعب دورين متعارضين (الابن / الزوج) والتأرجح بين دور الابن المطيع لوالديه والزوج المحب لأنه في حالة انتصاره لطرف فسيخسر الطرف الآخر، وقد أكد أحد المطلقين أن (الزوجة تتعوض بس الأم ما تتعوضش)، كما أكدت بعض المطلقات أنها كانت تضطر تتآمر مع الزوج علي التظاهر بالتعاسة، لكي تتفادي غضب حماتها وغيرتها المرضية.
وهكذا تأكد فرض نظرية نوعية الزواج الذي أكد أن افتقاد الزواج دعم أسرة الزوج يقلل من فرص نجاح الزواج واستمراره. وتعترف بعض المطلقات، بأنها قد قبلت أن يجردها الزوج من ملامح القوة فتنازلت عن وظيفتها التي عملت بها قبل الزواج عندما اشترط عليها الزوج ذلك ، فلما طلقت لم تستطع أن تسترد عملها، وقد حرص بعض الأزواج علي استنزاف الزوجة ماديًا وقد سمح لها بالعمل ليفيد من دعمها المادي فكان يطالبها بالمال لينفق علي المخدرات ورفاق السوء
وهنا نكتشف أن عمل الزوجة لم يحررها بل أدخلها دائرة استغلال مزدوجة
العنف المنزلي ملمح شائع
ومع تدني قيم الرجولة والشهامة التي كانت تسود الأوساط الشعبية المصرية مارس الأزواج العنف المنزلي بدرجات متفاوتة، خاصة في القاع الاجتماعي والشرائح الدنيا للطبقة الوسطي
فتقول إحدي المطلقات: كان زوجي يضربني أمام أهله قائلاً أنا من حقي أأدبك .. والدين قال: واضربوهن” وأنا (أى الزوج) معنديش ست ترفض لي أمر وتقول لي لأ..” و الحقيقة أنه كان يضربني لأعطيه كل ما أحصل عليه من أجري تفاديًا للضرب والبهدلة أمام الناس !! . وتؤكد سيدة أخري أن “كان زوجي يضربني تحت تأثير المخدر لدرجة أني أجهضت، فتركت البيت فجاءني يصالحني، وعدت إليه ليكرر الضرب فكان يلف شعري الطويل علي يده ليتمكن من تكبيلي ثم يقف علي ظهري وذلك قبل أن ألد طفلتي بيوم واحد!
وقد بلغ عنف وحدة بعض الأزواج الي محاولة الحاق الضرر بالزوجة من خلال العمل علي حرمان ابنهما المولود من حق الحصول علي وثيقة ميلاده، وقد استغل الزوج التعنت الذي تمارسه إدارات التسجيل المدني عند استخراج وثيقة ميلاد المولود حيث تشترط حضور الأب بنفسه لتسجيل طفله، وبهذا تضيف اللوائح سلاحًا جديدًا لأيدي الرجال المتلاعبين بمسئولية الأبوة وذلك بهدف التنكيل بالزوجات / الأمهات.
تهميش الزوجة
تتركز شكوي المطلقات أنهن تعرضن لخديعة أن الزواج يمنحهن كيانًا مستقلاً وحياة خاصة بعد أن عشن حياة التبعية مع الوالدين، لكنهن فوجئن بالتهميش والاستبعاد من اتخاذ أية قرارات في حياتهن الزوجية، بحيث اختزل دورها في حدود الخدمة المنزلية للزوج وإنجاب الأطفال دون أن يكون لها الحق حتي في اختيار أسماء الأبناء (تعمد المطلق أن يختار اسم أخته ليطلقه علي ابنته الرضيعة نكاية في الزوجة التي عانت من اضطهاد أخت الزوج لها قائلاً: حتي أجبرك علي احترام اسم أختي فسوف أسمي من تحبينها (الابنة) باسم من تكرهينها (أخت الزوج)
ويصل تهميش الزوجة الي حد الالغاء الاجتماعي “لإنسانيتها خاصة مع حالة طلاق تنتمي في الأصل لجنوب مصر حيث يزوجونها من أقرب الرجال لها دون أخذ رأيها في الاعتبار، وبعد أن تنجب منه طفلين يطلقها دون خطأ ارتكبته، ولمجرد أنه قد وقع في حب امرأة أخرى، تمنعت عليه مالم يطلق زوجته الأولي ليتزوجها هي ولا ينسي الزوج أن يستولي على أبنائه من الزوجة الأولي، فتجبرها أسرتها علي الزواج من جديد من أحد الطامعين في مدخراتها والذي استولي علي مالها واستثمره لحسابه وحقق من الثروة ما جعله يعدد الزوجات ويفقد ثروته فيتهم زوجته الأولي بممارسة السحر ضده.
ويهمنا أن نسجل هنا أن معظم حالات الزوجة “المفعول بها” تعاني من هموم الحراك الاجتماعي الهابط نتيجة الاستنزاف المالي والانساني دون أن تحظي بأي دعم.
وقد تم الطلاق في معظم الحالات (80%) بناء علي طلب الزوجة، ومنها حالة خلع (5%) والباقي بقرار الزوج ورغبته.
لقاء المطلقين (النصف الآخر للصورة)
وقد تنوعت مجموعة المطلقين ما بين الجزار وموظف الحكومة ورجل الأعمال والفنيين والحرفيين والمحاسبين.
ومن المهم أن نلاحظ أن المطلقين قد تزوجوا للمرة الثانية ماعدا حالة واحدة، وقد اعترف ذوي الأصول الريفية منهم بأن زواجهم الأول قد تم تحت الضغط العائلي الذى يدعم المصالح العائلية باقامة علاقات النسب ، ويستمر تأثير الضغط العائلي أثناء الزواج ، حيث لا تسمح البنية الأسرية للعائلات الممتدة للأبناء بالاستقلال بعد الزواج لما يمثله هذا الاستقلال من تهديد لعلاقة التبعية القائمة بين الزوجين وعائلاتهم. ومن يصبح السبب الرئيسي للطلاق هو الصدام بين العائلات أكثر مما هو بين الزوجين.
ومن الملاحظ أن ذوبان الفرد في عائلته الممتدة يقلل من شعوره بالمسئولية تجاه حياته الزوجية ففي داخله يتغلب شعور الابن علي الزوج.
ومن الملاحظات الفريدة أن معظم المطلقين يؤكدون أنهم لم يرغبوا في الطلاق وأنهم مازالوا يكنون لمطلقاتهم الود للعشرة القديمة، ولكنهم يعترفون بأن الإرادة الكاملة واستقلال الرأي لا يتحققان في وجود الضغوط العائلية حتي في الابقاء علي الزوجة والأبناء ويؤكد المطلقين حقيقة – جديرة بأن نضعها في الاعتبار – بأنهم دخلوا تجربة الزواج دون أدني دراية أو معرفة بواجبات الزواج ومسئولياته (… لذا نحن نقع في الأخطاء والمشاكل.. ولكننا ندرك متأخرين بعد الطلاق أن يجب أن نعرف ونتعلم حتى لا نكرر الخطأ في الزواج الثاني وعند سؤالنا للمطلقين عن استخدامهم للعنف مع الزوجات أجمعوا علي أنهم قد استخدموا العنف بدرجات متفاوتة وأنهم يعتبرون ضرب الزوجة وسبها من الأمور الطبيعية“…. بصراحة مفيش حاجة اسمها شريكة حياة والكلام الكبيرده …. مراتي أنا حر فيها ومالهاش كلمة فوق كلمتي.. ورأيها عند ما يمشيش..” ويندهش المطلقون من رفض مطلقاتهم العودة اليهم أو الزواج من جديد، خاصة إذا استطاعت الحصول علي إعانة طلاق أو مارست بيع الخضار والفاكهة ” ده زمن عجيب اللي الست فيه يبقي عندها الخمسين جنيه بتوع الإعانة أحسن من الراجل والجواز.. أصل المرة بتشوف القرش أضمن من الزوج.. وما دامت اتجوزت واتطلقت مايهمهاش تقول ياجواز تاني.. ما بتبقاش زي بنت البنوت ملهوفة علي الفرح والزفة“. ويشكو المطلقين من كيد النساء الذي يقود صراع “السلايف والحموات” ويهدم البيوت العامرة ويأسفون لاضطرارهم الي نصرة امهاتهم علي الزوجات” لأن الزوجة تتعوض لكن الأم ما تتعوضش..”
ويعترف المطلقون من رجال الأعمال في لقائنا بهم بأنهم بعد تحقيق الحراك الاجتماعي الصاعد (من صبي ميكانيكي الي صاحب أعمال كبير ) بأن زوجات المرحلة الأولي من أيام الفقر لا يناسبن المرحلة الجديدة، فالرجل يحتاج الي جواره (ست متعلمة وجميلة وده مش عيب) ويقول أحدهم : لما الواحد خرج للدنيا وشاف الناس الشيك المصريين والأجانب اللي كانوا بييجوا الورشة … كنت أرجع البيت ألاقيها محلك سر .. وبدأت أقرف منها وكثرت المشاكل بيننا خصوصًا أنها مهملة مع العيال .. وهي اللي خسرتهم وبقوا يشربوا سجاير ويعملوا حوادث بالعربيات.. فأخدت موافقة الأهل والأقارب علي طلاقها والزواج من جديد..”.
وهنا يتبدي بوضوح كيف تساند الثقافة الذكورية السائدة الرجال عند قيامهم بهجر الزوجة الأولي لأنها ستكون الملومة في جميع الأحوال علي ما آل اليه أمر الزواج من فشل “أصل اللي ما يغنيها جلدها ما يغنيها ولدها..”
وعلي الرغم من أن المطلقين يعلنون أن دورهم في رعاية الأبناء ما بعد الطلاق يتوقف علي الانفاق في حدود امكانياتهم أو ما يدعون أنه كذلك إلا أنهم يغضبون عندما يشعرون أن أبناؤهم من الزواج السابق قد صاروا لا يألفون الأباء الذين غادروا المنزل وأصبحوا بعيدين عنهم ويتهم المطلقون الزوجة السابقة بأنها تثأر لنفسها من الزوج السابق بالتأثير السلبي علي الأبناء، فتوغر صدورهم ضده “خدني لحم ورماني عظم … علشان عينه فارغة .. وعلشان ربنا رزقه بالخير اللي رايح يبعتره علي النسوان…
أبناء الطلاق
ثم ننتقل للبعد الثالث والأهم وهو لقاءنا بأبناء الطلاق أو بمعني أصح (ضحايا الطلاق) وقد حاولنا مراعاة التنوع فجمعنا أبناء المدرس والمحاسب والعامل وسائق التاكسي والتاجر والحرفي.. إلخ.
وقد لاحظنا أن جميع أطفال الطلاق يعيشون مع الأم عدا حالة واحدة تعيش مع الجدة للأم لزواج والديها عقب طلاقهما وهي تمثل (7%) بالنسبة لمجموعة اللقاء وقد تراوحت أعمار الأطفال بين (10 – 14) وقد أظهر الجميع وعيًا واضحًا بأسباب طلاق الوالدين، بل وكان بعضهم لا يزال يعاني من الفزع ، الذي صاحب الصراع الذي قام بين الوالدين الي أن تم الطلاق، وقد لخصوا أسباب الطلاق الرئيسية فيما يلي:
إدمان الأب للمخدرات ، وانخراط بعض الآباء في لعب القمار ، وممارسة الأب للعنف مع الأم ومع أبنائه وكان الصغير يرتعش وهو يحكي لنا كيف كان والده يخفي خرطوم البوتاجاز حتي يبدأ الشجار مع الزوجة فيبدأ في ضرب الأم أمام الأبناء، فتصرخ فيهم لتحذرهم ليسرعوا الي الاختباء خوفًا من أن تطالهم يد الأب، وتقول إحدي الصغيرات “كان علي أن اختبئ في الدولاب بسرعة وأنا أبكي علي أمي التي كان صراخها يأتي بالجيران ليوقفوا الضرب.. وكنت أشعر بالراحة عند ذلك لأن الناس ينقذون ماما ويؤنبون بابا…” وتؤكد طفلة أخري أن التظاهر بالنوم كان هو الذي يجعلها تتفادي أن تكون ضمن من يضربهم الأب. ويقول طفل آخر “ذهبت والدتي لدفع فاتورة الكهرباء بصحبة جارتنا، فغضبت جدتي وقامت باستثارة والدي الذي كان يعاني من مرض عصبي منذ عاد من العمل بالكويت فألقي والدي علي أمي يمين الطلاق فتركت أمي البيت وأنا وأخوتي معها…”
ولما كانت علاقة الأبناء بالوالدين تقوم أساسًا علي التواصل وتوقع الأدوار، فإن ما عبر عنه الأبناء في لقائنا يعكس أشكالاً مرضية من التواصل حيث يشب الأبناء علي تواصل مرضي مع الكبار، وبخاصة الوالد الذي يجد الطفل نفسه معه يعيش تفاعلاً مزعجًا يأخذ شكل رسائل مزدوجة متناقضة المعاني؛ ويري الطفل نفسه محاصر أو مرغمًا علي التفاعل من خلال هذا النوع من الرسائل، والتي تعتبر الوسيلة الوحيدة للتفاهم بينه وبين أبيه.
وإذا كان الدور المتوقع من الأب السوي أن يكون قادرًا علي الكسب الذي يحقق حياة كريمة وعلي اتخاذ القرارات الهامة وتحمل المسئولية الكاملة والقدرة علي تبادل المشاعر والتأييد والأخذ والعطاء مع الأبناء ، فلاشك أن الأبناء الذين قابلناهم قد صدموا بشدة عند اكتشافهم أن الأب موجود لكنه يتصرف عكس “توقعاتهم لدوره” المعاناة مع زوج الأم وزوجة الأب ويلقي الطلاق بالأبناء الي من لا يرحم براءتهم من الأطراف التي أقحمت علي حياتهم بعد طلاق الوالدين كزوج الأم وزوجة الأب الذين يحرصا علي استبعاد أبناء الزواج السابق من حياتهم الجديدة والسيطرة التامة علي الأم والأب, “عندما ضاق بي زوج أمي طلب من والدتي تسليمي للأحداث لتتولي تربيتي ورفضت أمي، فقام باصطحابي الي قرية بعيدة عن البيت وألقي بي من التاكسي وبقيت فترة طويلة أبكي الي أن عطف الناس علي وأخذوني الي أمي فطلبت الطلاق من زوجها وشكته الي الشرطة، لكنها أصبحت بلا عائل فارسلتني الي (الكوافير) لأعمل عنده 12 ساعة في اليوم لأعولها .. وتمثل زوجة الأب لأبناء الطلاق مشكلة أكبر لضعف الآباء في مواجهة الزوجة الجديدة التي تحرص علي التخلص من أبناء الزواج السابق فتقول (…) “أنا مش ممكن أسامح بابا علشان بيفرق بيني وبين أولاد مراته التانيين، ويضيف (…ز) كل ما أفكر أزور بابا ألاقي مراته تقفل الباب في وشي وتطردني وتقول امشي ياواد أبوك مش هنا مع إني سامع صوته جوه … ” وهكذا” يأكل الآباء الحصرم والأبناء يضرسون.”
الحب لأبناء الطلاق مشروط
أما (…) فيندهش لأن والده أخذه الي بيته ، وأحضر له الملابس الجديدة وعندما انتهت الزيارة فوجئ بوالده يستعيد الثياب حتي لايذهب بها الصغير لوالدته.!! ويتساءل أبناء الطلاق عن الذنب الذي ارتكبوه في طلاق والديهم، فهم يعاقبون من الطرفين باعتبارهم رموز” للذكريات المؤلمة” وهم مطالبون باظهار التحيز لأحد الوالدين, والتعبير عن ما يكنه كل طرف للآخر، ويصبح عليهم أن يستقبلوا مشاعر الحب المشروطة بما يفوق طاقتهم من ضغوط نفسية، فقد اعتادت الأطراف الحاضنة أن تراقب الكيفية التي يعبر بها الأطفال عن مشاعرهم تجاه الوالد / الوالدة المحروم من رؤية الأطفال لتعاقبهم أن أظهروا اللهفة أو التعلق الطبيعيين، وقد اعترفت احدي الفتيات بأن والدتها المطلقة قد قامت بمراوغة أباها حتي لا تنفذ الحكم القضائي بالرؤية لصالح والد الطفلة وكانت تتعمد ضرب الطفلة كلما سألت عن أبيها فكانت كلمة” “بابا” مرتبطة بصفعة علي الفم الذي نطق الكلمة. وهكذا يفتقد أطفال الطلاق في أغلب الأحيان أركان البيئة الأسرية الطبيعية والتي تشعرهم أنهم محبوبون ومرغوب فيهم، فيتراكم عندهم الشعور بالنبذ والطرد الاجتماعي وتؤكد الدراسات النفسية أن إدراك الطفل لحجم الصدام بين والديه يبدأ عندما يبدأ في التعرف علي ذاته بصفته حجر عثرة يرتطم به الوالدان عند محاولتهم الخروج من العلاقة الزوجية بالطلاق، ويؤدي هذا الي انعكاسات خطيرة علي الصحة النفسية للطفل فتحد من حركته وعطائه وتؤدي به الي توقف النمو النفسي وشل القدرة علي التواصل مع الآخرين
دور الوسيط بين الوالدين
ويقول الأطفال “أنا أحب أن أري أبي دون أن أطلب منه أي شئ، ولكن أمي ترسلني له كلما طلبت منها أن أزوره ، لأنه ليس لديها نقود تكفينا وأنا أذهب إليه في القهوة فيعاملني بشكل وحش ويقول لي روح يا ابن ..” ، ” وهكذا يضطر الطفل لأن يلعب دور الوسيط المرتبك والضعيف بين طرفي الطلاق فيتبادله كليهما بالرفض وبخاصة الأب الذي يتعامل معهم بصفتهم “جواسيس العدو” وليسوا أبناؤه.
وان كان معظم أبناء الطلاق يعلنون انحيازهم العاطفي للأم ، لتحملها المسئولية ولالتصاقها بهم، ويضيق الأطفال بما فعله الآباء بهم من تجاهل وقسوة وتهرب من المسئولية:
“.. ماما غلبانة والناس بتروح تتحايل علي بابا ولكن محدش قادر عليه ..” وهكذا تبدو صورة الأب شديدة السلبية، تتراكم بسببها “حالة من الغضب المكتوم” تضفي علي الأب حالة من العدوانية واللامبالاة والقبح. فيبدو عالم الطلاق “أموميًا” خالصًا يعيش بداخله أطفال تغمرهم مشاعر الذئب والخوف وفقدان الأمان، ويصدق علي غالبية الحالات المثل الشعبي القائل “.. ان جالك الهم طوفان حط ولدك تحت رجليك ..”
لقاء الاعلاميين
أما الكيفية التى تتعامل بها المؤسسة الإعلامية مع قضايا الأسرة والطلاق فقد حاولنا التعرف عليها من خلال اللقاءات الجماعية مع صحفيين ومقدمي برامج الإذاعة والتليفزيون وكانت النقاط الأساسية التي نهتم بمناقشتها:
1- مدى وعى الإعلاميين بقضايا الأسرة والمصادر المعرفية التى يستندون إليها في ممارستهم لدورها الإعلامي.
2 – أساليب معالجة موضوعات الطلاق والزواج
3- الدور الذي يمكن أن يمارسه الإعلام فى التنوير بحل مشكلات الأسرة وهموم التفكك الأسرى .
ورغم تأكيد الإعلاميين على إهتمامهم بموضوعات الطلاق والتفكك الأسرى إلا أنهم يعترفون بأن هذا الإهتمام قد جاء من منطلق أن الطلاق قد أصبح موضوعًا جذابًا للكتابة الصحفية، لأن الإعلام قد صار منشغلاً باضافة التوابل “الحريفة” إلى موضوعاته ليجذب القارىء إلى صحافة الفضائح والنميمة ، بدليل أن الخلع قد صار موضوعًا لصفحة الحوادث المعنية بالجرائم والفضائح فصارت “المختلعة” مادة صحفية للسخرية والتندر فى اللقاءات التلفزيونية والكتابات الصحفية التي تتفنن في إثبات النساء ( ناقصات عقل ودين ) وإنهن قد صرن يستخدمن حق طلب الخلع بصورة تؤكد العصبية والاندفاع وقلة الاحتمال، وهي صفات قد اعتاد مجتمعنا أن يتهم بها نساءه، حتى يصبح هذا الإتهام مبررًا منطقيًا لإستبعاد المرأة من مراكز القوة الاجتماعية ومن ممارسة حقوقها الإنسانية في ظل عدالة قانونية، بصفتها مواطن كامل الأهلية.
وقد أكد الإعلاميون أنهم يتناولون قضية الطلاق فى نظرهم موضوعًا “نسويًا” يهم النساء فقط. لذا تلاحظ النساء أن الاعلامي يتفادى التخصص فى قضايا الطلاق والأسرة ، حتى لا تنغلق أمامه سبل الصعود المهنى وتحقيق النجومية، أما فى اللقاءات التليفزيونية فهناك إصرار على التأكيد بأن الطلاق يحدث كنتيجة لإندفاع النساء ، وخروجهن للعمل وتحررهن وتحقيق الاستقلال الاقتصادي وينتهي اللقاء بدعوة المتزوجات الى التعقل والهدوء والتطبع بالرزانة.
ويؤكد الإعلاميون أن الطلاق هو موضوع خاص بالمجلات النسائية أما فى الجرائد اليومية فمكانه هو صفحات المرأة والطفل، لأنه ليس موضوعًا للمانشيت الجاذب.
ويصارحنا الإذاعى (…………) بأن رجل الإعلام لا يعمل فى العادة بصفته مثقف أو صاحب رؤية أو موقف، بقدر ما يحاول السعى للحصول على راتبه الشهرى، وقد لفت نظرنا إلى أن الاعلام يركز على إستضافة المتخصصين من علماء النفس والاجتماع لينصحوا الناس بالكيفية التي يتفادون بها التعرض للطلاق ، لكن وسائل الإعلام تتفادى الحديث عن مشكلة ما بعد الطلاق وكيف يتعايش المطلقان وأبناؤهما مع المشكلة ، فبالرغم من إرتفاع معدلات الطلاق إلا أن النسق القيمي المحافظ يستنكر الطلاق ويفضل إسقاط المطلقين من حساباته ومن ثم يعاقبهم الاعلام بالتجاهل ، أو يتحدث عنهم باعتبارهم عبره ينبغى أخذ العظة منها.
ثم يؤكد الاعلاميون أنهم يواجهون مشكلة ” الفراغات” الاعلامية نظرًا لضخامة المساحة المطلوب تغطيتها إعلاميًا سواء بالكتابة أو بالعرض التليفزيونى لذا فهم يستخدمون الموضوعات الإجتماعية كالطلاق فى سد الفراغات الإعلامية دون أن يعبر ذلك عن اهتمام حقيقى بالقضايا الإجتماعية.
وعى الإعلامي :-
وقد لاحظنا أن الإعلاميين لا يدركون الهدف من دورهم وهو تنوير المجتمع ورفع مستوى وعيه لذا فهم يحضرون المؤتمرات والندوات الخاصة للطلاق ، ثم يكتبون فى الغالب من منطلق الأفكار التقليدية السائدة فى المجتمع وبالتالي فهم يدعمون الثقافة التقليدية ويعوقون حركة التغيير لمجتمع أكثر عدالة.
ويعرب الإعلاميون عن إرتباكهم “المعرفي” نتيجة وقوعهم فى منطقة الصراع الدائم بين رجال الفقه الذين تتباين آراءهم وتتضارب مع القوانين الوضعية مما يجعل الرؤية الإعلامية مشوشة الاتجاه وبالتالي فإنها تنقل هذا التشويش والارتباك الى المشاهد أو القارىء.
ومن المزعج ان الإعلام قد مارس بوعى أو بدون وعي نوعًا من العقاب الاجتماعي للنساء المطلقات . وذلك من خلال بعض الكتابات التى مارست التهكم على المطلقات عندما قامت إحدى الكاتبات التي تدعى اهتمامها بقضية المرأة وتشرف على صفحة المرأة والطفل أنها قد تعرضت لبعض حالات النسوة المطلقات المنتميات لأحد النوادى الخاصة بالأثرياء، وهذا يشير إلى أنها قد مارست لقاء غير موضوعي للفئة التى تتجة للكتابة عنها، إذ ماهى نسبة المطلقات من بنات الأثرياء إلى مجموع مطلقات المجتمع المصرى ( وهى لا تزيد عن 4% ) وتحت عنوان ” فضفضة المطلقات ” قامت الكاتبة الصحفية برسم ملامح كاريكاتورية مريضة لمجموعة المطلقات اللاتي ادعت أنها قابلتهن في النادى وقد رسمت أسباب الطلاق فيما يلى على ألسنتهن فيما يلى:
طلقته لنقده الدائم لملابسي وصديقاتي وسلبه حريتى لأنه رجعى متخلف حطم أعصابي بعناده وحرصه على أكون خادمة لأولاده يصف بيتى بأنه فندق مع أنى أدفع مرتبات الدادة والشغالة. يحتفظ براتبى ويعطيني مصروفًا لا يكفيني فخلعته.
ليس بزوجي شهامة ولا فروسية الرجال. وطلقته وسأسجنه
وهكذا ترسم الكاتبة صورة المطلقة بصفتها متسلطة أنانية وسطحية ، ولا تقدر مسئوليات الزواج، ولكي تؤكد الكاتبة الصورة السيئة تدعى أنها التقت بالرجال المضطهدين المظلومين الذين هربوا بجلدهم من جحيم الزوجات سالفات الذكر وتردد على ألسنتهم تعبيرات من النوعية التالية :
حياة زوجتى تعتمد على المظاهر وتجعلنى أعيش على طعام المطاعم ، وتبدو كالغولة في البيت زوجتى متسلطة قليلة التربية وعديمة المسئولية وعشت معها أسوأ أيامى وعندما أظهرت إعتراض طلقتني.
تستقبلني الخادمة وآكل من يد الطاهية وإبنتى تربيها الدادة وزوجتى تعايرني براتبها الكبير. هي لا ترضى ولا تكتفي بإمكانياتي، لذا طلقتها.
وبهذة الصورة المشوهة إتجهت الكاتبة الى أطباء نفسيين وباحثين إجتماعيين وأساتذة جامعة، لتطلب منهم أن يؤيدوا فكرتها التى بدأتها بالتحيز ضد المطلقات، وقد إندفع بعضهم ليؤكد أن المطلقات مريضات نفسيًا وأنانيات متهربات من مواجهة الحقائق ، كما يغضب البعض الآخر على قانون الخلع ، لأنه قد شجع النساء على خراب بيوتهن ، ويرى البعض الآخر أن العيب هو في عقول النساء الرافضة للتضحية الواجبة ، ويتباكى الجميع ومعهم الكاتبة على أيام سيطرة الرجال على النساء ثم تحذر الكاتبة المطلقات من تفاقم حالتهن الصحية والنفسية نتيجة القلق والتوتر الذي سيؤدى بهن إلى السرطان ثم تصرخ فى المطلقات: أنتن فشلتن وعليكن الاصلاح والندم.
ويستمر الإعلام” في عقاب” نسائه بصورة هزلية ، وخاصة عندما تعترف صحفية شابة مبتدئة بأنها اضطرت بأمر من رئيسها للنزول الى الشارع وهى تحمل لافته كتب عليها :” ارحموني من العنوسة عاوزة أتجوز…”
وذلك لتسجيل تعليقات الناس على تصرفها الغريب ، وذلك على الرغم من أن تأخر سن الزواج هو مشكلة الجنسين (6 مليون شاب و 3 مليون فتاه ) ويستبعد الاعلام هنا أن يتحدث الشباب عن مشكلتهم فى العجز المالي عن إقامة أسرة ، وذلك لأن الثقافة السائدة تنظر بعين واحدة الى تأخير الزواج بصفته أمر نسوى، وتتجاهل حقيقة تضاعف نسبة العاجزين عن الزواج عن الزواج من الذكور.
وقد أكد لنا أحد الإعلاميين أن كثرة الحديث عن المرأة والحرص على عرض النماذج النسائية اللامعة والقوية، والتي تتبوأ أعلى المناصب السياسية والمهنية والاجتماعية وهن قلة لا تمثل القاعدة النسوية الكبيرة ، كل هذا قد أعطى انطباعًا زائفًا بأن معظم النساء قد تحقق لهن أكثر من طموحهن ، وهو أمر يتجاهل حقيقة ما تعيشه الغالبية النسائية من ضغوط اقتصادية واجتماعية وإنسانية، وبالتالي فإن تقديم برامج التليفزيون للمطلقات من نجمات السينما ليتحدثن عن الطلاق بصفته موقف عادى تعيشه النجمة دون معاناة فيعلق الناس ( تغير الأزواج كما تغير الفساتين) مما يثير حالة من النفور من المطلقات المنتشرات في القاع الاجتماعي.
كما يلاحظ الاعلاميون أنهم عندما يمارسون دورهم فى التغطية الاعلامية لجلسات مجلس الشعب والشورى أن أعضاء البرلمان يناقشون قضايا الأسرة والطلاق من منطلق رجالى خالص فهم يتحيزون لمصالح الرجال بصورة لا تسمح للإعلاميين المتابعيين للجلسات أن يتعرفوا على حقيقة مواقف التحيز ضد العدالة الاجتماعية
لقاء السادة القضاة
أكد السادة القضاة أنهم يحرصون كل الحرص على تحقيق العدالة بمعناها السامي الرفيع في أحكامهم القضائية ، لكنهم يعترفون بوجود ثغرات قانونية تفوق تحقيق العدالة المرجوة وذلك لحاجة البناء القانوني للتطور بما يتضمنه الاقتراب من تحقيق العدالة الإجتماعية، ويشكون القضاة من هموم ، بعضها مؤسسي، وبعضها مهني، بالاضافة إلى الهموم البيروقراطية والثقافية ..
فمن الناحية المؤسسية ، تحتاج المؤسسات القانونية للدعم المؤسسي بتطوير أدواتها تكنولوجيا بما يتناسب مع أهمية المؤسسة القضائية وإضافة مواقع مهنية جديدة وذلك لمعاناة المؤسسة القانونية من التراكم والضخامة في كم وكيف القضايا المطروحة في موضوع الأحوال الشخصية وينتقد القضاة الشكل التنظيمى الذى تتحدد في إطاره المسئوليات القضائية، فإذا كانت كل مهنة تتطلب للمزيد من التخصص وتقسيم العمل رأسيًا وأفقيًا ، فإن مهمة القاضي ترتقى لكى تصبح رسالة ودورًا ساميًا ، ولا تمارس تلك المهمة إلا وفقًا لشروط شديدة الدقة، وفى هذا الصدد يشير القضاة الى أنه من الضرورى إضافة دور جديد هو ” قاضي التحضير، الذي يفترض أنه اتخذ موقفه المهنى ما بين تحقيقات النيابة وقاضى الحكم وتكون مهمته ، تلخيص القضايا ، وإعدادها للحكم، وذلك ليتوفر الوقت الكافى للقاضى الذى سيصدر الحكم ليحسن التدقيق في تفاصيل القضايا وبالتالي يمكن التوصل الى أدق الأحكام بصدد الأحوال الشخصية التي تمتلئ بالتعقيدات، وعندما سألتهم عن إمكانية أن يقوم وكلاء النيابة بهذا الدور، أكد القضاة أن وكلاء النيابة لديهم من المسئوليات الضخمة ما تنوء به أكتافهم، بما يجعلهم فى حاجة ماسة الى إدخال تطويرات تساعدهم فى إنجاز مهماتهم البالغة الصعوبة.
أما الجهاز الإداري المساعد للقاضي فهو يمارس عملاً شديد الدقة والحساسية ويتطلب تدريبًا عاليًا ووعيًا كبيرًا حيث تتوقف على وعي هذا الجهاز ودقة عمله مصائر البشر ومع ذلك فهذا الجهاز الإداري الذي يتكون من سكرتارية الجلسات وأمناء السر والمحضرين يفتقد من جهة للتدريب الكافي على مهارات الوظيفة، ومن جهة أخرى فإنهم يتعرضون لضغوط الفساد والرشوة بما يعرقل مهمة القاضي.
ويعانى القضاة من الرغبة في تطبيق العدالة وبين ضرورة التزامهم بمواد قانون الأحوال الشخصية وذلك فيما يخص حق الرؤية لأبناء الطلاق ، وذلك لأن تنفيذ حق الرؤية وتنفيذ أحكامها الفعلية تتلاعب بالأطراف صاحبة المصلحة فى حرمان الطرف غير الحاضن من تنفيذ الحكم برؤية أطفاله مما يضر بمشاعره وبمشاعر الأطفال في ذات الوقت.
ومما يضعف فاعلية أحكام القضاة فى الأحوال الشخصية أن يحكم القاضي ولا يراقب التنفيذ ولا يتعرف على الكيفية التى يتم بها التنفيذ مثال ذلك عندما حكم القاضي بأن يتيح الأب الحاضن لأبنائه من الذكور الفرصة لوالدة أطفاله أن ترى أولادها ، منع الأب “الموتور” الأبناء والأم من التواصل الإنسانى عند مقابلة الأبناء لوالدتهم، فأشترط عليهم ألا يلمسوها أو يردوا على حديثها أو يقبلوها مما أدى الى تحويل “الرؤية” الى عملية تعذيب لجميع أطرافها ، لذا يتمنى القضاة أن يتمتعوا بسلطة تنفيذ الرؤية ليتمكنوا من تحقيق الهدف السامى من التواصل الإنساني بين الأولاد والأبوين.
وعلى حد قول أحد القضاة : انا أرى أن الرحمة تعلوا على القانون … ولكنني ألاحظ أن الطرف الحاضن للطفل يتعامل مع الطرف الآخر بلا رحمة ليستمر فى إذلاله والانتقام منه في صراعات الطلاق. ولهذا يضطر القاضى فى معظم الأحوال إلى تجاوز حدود سلطته بإصدار الحكم بتحقيق الرؤية في المحكمة متجاوزًا بذلك الاجراءات الروتينية التى تتنافى مع المشاعر الإنسانية لذا يطالب القضاة بتدخل قوى وملح من جانب التنظيمات الأهلية والمؤسسات غير الحكومية لإحكام السيطرة على ممارسات الرؤية لضمان تنفيذها فى أجواء صحية لا تخضع للأهواء المريضة ويؤكد أحد القضاة بعد الحكم بالرؤية لا أضمن على الإطلاق أن يتم التنفيذ لتراخى السلطات المعنية بذلك، بما لا يسمح بمراوغة الأطراف الشريرة ، وكثيرًا ما تأتيني الأم المحرومة من حضانة الأبناء باكية لأن الأب قد هرب بهم وحرص على إخفاء عنوانه الجديد عنها.
ومن هموم القضاة أيضًا ذلك الدور السلبى الذى يمارسه شهود الزور المرابطين على أبواب المحكمة ليبيعوا شهادتهم الزائفة ولا يجد القضاة وقتًا كافيًا لكشف خداعهم للمحكمة ويؤكد القضاة أن الإعلام يمكنه أن يلعب دورًا شديد الأهمية فى التوعية ونشر الثقافة القانونية حتى للقضاة أنفسهم ، فلقد تصادف أن شاهد القاضى برنامج (القضاء فى الاسلام ) فذهب للمحكمة في اليوم التالي مسلحًا بما استنار به من معلومات قيمة فى موضوع مصير شاهد الزورو مآله إلى الدرك الأسفل من النار في يوم القيامة، فبدأ القاضي الجلسة بتنبيه الشهود إلي ذلك فكانت نتيجة نصيحته أن اختفى معظم الشهود الذين جاؤا إلى المحكمة ليشهدوا زورًا خوفًا من عقاب الآخرة.
أما عن الأسباب التى يقتنع من خلالها القضاة بالحكم بالطلاق فتنحصر في: سوء معاملة الزوج لزوجته بما في ذلك الاهانه والضرب واستغلالها ماديًا وعلى الزوجة أن تقدم التقارير الطبية وأن تستعين بالشهود .. الخ . وهو ما يطلق عليه طلب التطليق للضرر، ويراعى فى هذا الصدد اختلاف البيئات الاجتماعية والثقافات والمستوى الطبقى ودرجته التعليم….. الخ
ومن مشكلات القاضي ذلك الصدام القائم بين أحكام القانون وفتاوى رجال الدين، فكثيرًا ما يحكم القضاة بتمكين الزوجة من المسكن الذي يقيم به الزوج بعد طلاقها ، فيحذرها رجال الدين من وجودها مع مطلقها الذي صار محرمًا عليها في نفس المكان مما يربك تنفيذ القانون.
أما عن الحكم بالخلع فأن القضاة يعانون من موضوع القيمة الحقيقية للصداق والتي قد لا تكون مسجلة في عقد الزواج في معظم الأحوال، وهنا يخضع تقدير القاضي للصداق لما وقر في وجدانه من يقين ولشهادة الشهود ولكن بعض القضاة يلتزمون بالصداق المذكور في وثيقة الزواج بصرف النظر عما تكون عليه حقيقة الصداق.
ويضيق القاضي باستمرار الأسلوب التقليدي في وضع قائمة منقولات منزل الزوجية باعتبارها لا تلائم الظروف الحالية للمجتمع المصري، خاصة وأن الناس تتعامل مع موضوع القائمة بطرق غير شريفة ، وهى تراوغ عند استرداد قيمة القائمة خاصة عندما يحاول البعض تغيير محتويات القائمة من حيث القيمة مما يفتح الباب للتزوير والزيف .
ويؤكد القضاة إن القائمة تمثل موضوعًا إشكاليًا لكافة الأطراف، وبالذات عند الطبقة المتوسطة التي تمثل القائمة لها أهمية مادية ومعنوية ، ولذا تتصاعد الصراعات حول ما تم تبديده أو ادعاء تبديده من أثاث مسكن الزوجية.
وقد أكد القضاة أنهم يتأثرون في إحكامهم بالثقافة السائدة والعوامل البيئية التي تمارس العمل في إطارها فهم يحرصون على عدم اتخاذ أحكام مشددة على مرتكبي جرائم القتل بسبب الشرف في المجتمع ذات الطبيعة القبلية الصارمة في جنوب مصر ، وقد أصدر أحدهم حكمًا على أب قتل ابنته لشكة في سلوكها بالحبس لمدة سنة فقط، كما حكم قاضى آخر بحرمان أم من حضانة طفلتها وضم الطفلة لحضانة الأب لأن الأم كانت نجمة سينمائية، قامت ببطولة فيلم سينمائى لم يحظى برضا الأب الذي أسرع إلى القضاء واستصدر حكمًا بأن الأم غير أمينة على البنت.
وإذا كان القاضي لا يستطيع أن يخلص أحكامه من التأثر بثقافة المجتمع الذي يعيش في اطاره، فإن وعى القاضي نفسه ينمو ويتكون في هذا الإطار الثقافي ، ودون أن يتصور أن هذا هو ما يحدث بالفعل ، فجميع من قابلناهم يظن نفسه محايدًا ومتجردًا وموضوعيًا عادلاً عندما يصر على أن يكون التميز بين الجنسين مسألة طبيعية لا تتعارض مع العدالة خاصة وإنهم يتعاملون مع مواد قانونية ترسخ التميز الجنسي وتنظمه، وذلك يؤكد الحاجة الماسة للتدخل بتزويد القضاة ببرامج معرفية مكثفة وتدريبات عالية علي قضايا النوع الاجتماعي.
وفي النهاية يعلن القضاة أنهم يعانون كثير من المحامين الذين يحرصون على المراوغة والمماطلة والتأجيل رغم وضوح بعض القضايا بما لا يحتمل التأجيل وهنا يحرص القضاة على حسمها لصالح الموكلين، لكن من الملاحظ أن المحامين يماطلون طلبًا للمزيد من الأتعاب وهم ليسوا حريصين على مصالح موكليهم، بقدر حرصهم على ما يحصلون عليه من أتعاب.
لقاء المحامين
وقد بدأ المحامون حديثهم بالأعراب عن رأيهم في المرأة التي تلجأ إلى المحامي تطلب الطلاق بأنها زوجة فاشلة وهم لا يتخلون عن هذه النظرة مالم يتأكد المحامى من صحة ادعاء الزوجة بأن الزوج عاطل أو مدمن وعنيف وغائب …… الخ.
كما أكد المحامون أنهم يحرصون على لعب دور الوسيط بين الزوجين في محاولة للصلح وإنهاء الخلاف الزوجي إذا كان الخلاف يسمح بالحل.
وفي حالة أن يترافع المحامى عن الزوجة الراغبة في الطلاق فعلية أن يرفع عدة دعاوى أولها دعوى الطلاق والخلع ثم يرفع دعوى النفقة لها وللأولاد في الوقت الذى يرفع فيه محامى الزوج دعاوى الإنذار بالطاعة ورؤية الأولاد
ويؤكد المحامون أن الزوج المطلق يراهن على طول الوقت الذي سيمر دون البت في قضية الزوجة التي ينهكها الإنفاق على القضايا التي تستغرق سنوات بما يثقل كاهل المرأة التي تكون مضطرة للإنفاق على الأبناء بمفردها بعد تخلى الزوج عنها.
ويلفت المحامون نظرنا إلى مشكلة كبيرة تعانيها المطلقات والجهات المعنية بالطلاق، وهي قائمة المنقولات التي تخضع لقانون العقوبات ويحرص المطلقين على إهدار قيمة “القائمة الحقيقية” بطرق عدة منها أن يدفع تعويضًا ضعيفًا عن قائمة المنقولات لأن الذين صاغوا القائمة لم يضعوا فيها وصفًا دقيقًا للمنقولات وأصناف أخشابها، كما أن بعض الأزواج يمارسون رشوة رجال البوليس، لكي يثبتوا الادعاء الكاذب بصدد القائمة.
كما أن المحامى يجد صعوبة في حصول المطلقة على مؤخر الصداق الحقيقي ، لأن العرف قد جرى على عدم تسجيل المهر الحقيقي والمؤخر الفعلي في الأوراق الرسمية ، وذلك تفاديًا لدفع الرسوم الباهظة التى تتقاضاها مصلحة الضرائب العامة عن هذه الأرقام ، وبالتالي تصبح الأمور شديدة التعقيد عند الاتجاه للطلاق وتصبح مهمة المحامى إثبات حق المطلقة في الحصول على حقها غير المسجل ، ومن ثم يتم اللجوء للشهود من جهة، ومن جهة أخرى يتم الحصول على معلومات تخص الزوجة مثل : مهنتها ومكان أسرتها ودرجة تعليمها ومكان الزوج كذلك ، وهذا يستغرق وقتًا طويلاً مما يتيح الفرصة لحدوث الكثير من المراوغات التي سيلجأ إليها المطلق تهربًا من دفع الأرقام الحقيقية ، ويتكرر الموقف بصور عكسية عند رفع دعاوى الخلع ، وذلك عندما تصر الزوجة على رد الصداق المسجل في الأوراق الرسمية ، ويصر الزوج على استرجاع الصداق الذي يدعى أنه قد دفعه ولم يسجله وهنا يلجأ الزوج إلى الشهود.
حكم النفقة وطول الانتظار
ويؤكد المحامون أن معاناة المطلقة التي تلجأ للمحكمة تكون شديدة القسوة لأن اللجوء للمحكمة سيكون في العادة من قبل غالبية فقيرة تعجز عن الإنفاق على الأبناء بفردها وهى تضطر للانتظار لمدة سنة أو أكثر حتى تحصل على حكم بالنفقة الأمر الذي يعرضها وأطفالها للتشرد” والبهدلة “.
وكذلك تصبح معانة المطلقة أشد عندما تطالبها المحكمة بإثبات دخل الزوج الذي يحرص على تضليل المحكمة بصدد دخله الفعلي ، فإن عجزت المطلقة عن إثبات دخله وهو ما يحدث في معظم الحالات، يصبح عليها أن تتقبل ما تقرره المحكمة من نفقة تتدنى بكثير عن حقها الحقيقي في دخل الزوج وذلك بعد أن يضلل مطلقها المحكمة. كما يستغل المطلقون حاليًا التنقل بين مساكن غير ثابتة وتلك سمة من سمات الإقامة حاليًا بعد إن لجأ الناس للسكن بعقود مؤقتة ومن ثم فأنهم يغيرون المسكن بسهولة بحيث لاتستدل المحكمة على عنوان المطلق، الذي يظل يتنقل من مسكن إلى آخر بحيث لاتطوله يد القانون فتيأس الزوجة من ملاحقته.
وعند سؤال المحامين عن أحكام الطاعة أجابوا بأن طالبة الطلاق تتعرض لكيد الزوج الذي يحرص على طلبها للطاعة ، رغم أنه يكرهها ولا يريد الحياة معها، لكنه يفعل ذلك من قبيل الابتزاز الذي یسانده القانون المتحيز للرجال ، وهنا تتورط الكثير من الزوجات اللاتي يفتقدن الوعي القانوني مالم ترفع قضية عدم اعتداد بإنذار الطاعة ، وذلك في خلال شهر من إنذار الطاعة ، وإلا فأن الزوجة تصبح في حكم الناشز قانونًا ، وفى أثناء ذلك يمكن للزوج أن يتزوج ثانية تاركًا الزوجة الأولى في متاهات طلب خبير للتشكيك في منزل الطاعة ودفع النفقات الباهظة لهذا الإجراء.
ويعترف المحامون بأن قضايا الطاعة غير مربحة للمحامين الذين لا يحصلون على أجرهم إلا من نسبة من متجمد النفقة التي تحكم بها المحكمة ، وقد يحرص المحامى في معظم الأحوال على تقاضى اتعابة مقدمًا حتى يتفادى تطور القضايا إلى نجاح الصلح بين الزوجين ، ويرى المحامون أن المدة الزمنية التي تستغرقها النزاعات الأسرية تمثل عبء ماديًا ونفسيًا واجتماعيًا على الأم والأبناء على المجتمع بعد ذلك.
ويلفت المحامون نظرنا إلى نقطة هامة في موضوع الطاعة والنشوز وذلك عندما يدفعها الخوف من حكم النشوز الذي يمثل خطورة كبرى على مستقبلها وحياتها إلى رفع قضية خلع حتى لا تطالب بالدخول في حكم الطاعة، حتى لو قامت برفع قضية طلب الطلاق لضرر واضح وبين.
ويؤكد المحامون إن الرغبة في الكيد للزوجة تدفع بعض الرجال إلى خلق محاضر كيدية للزوجة وأم أبناء ، حتى تعيش دوامة “البهدلة” في أقسام البوليس أن لم يهددها بالحبس وذلك بعد إن يقوم برشوة أمناء الشرطة الذين يتلقون الشكوى الكيدية من المطلق ويقومون بتصعيدها لصالح الزوج الكاذب وبالطبع يمكن أن يحدث العكس من جانب أهل الزوجة اذا كانوا يتمتعون بالقوة الاجتماعية ولهم علاقات بالسلطات.
ويؤكد المحامون أنهم يعانون من أمناء الشرطة الذين يحررون محاضر الشرطة الوهمية والضرب والاعتداء مقابل 20 جنيهًا ورغم أن هذه المحاضر تنتهي بأحكام البراءة أو بإيقاف التنفيذ إلا أنها تسبب التوتر والقلق لسيدات بريئات ولكن تدنى مفهوم الرجولة والشهامة يجعل بعض المطلقين يدعون أن الزوجة الضعيفة قد قامت بمهاجمته بآلة حادة حتى يستصدر حكمًا بحبسها .
بينما يمثل ضرب الزوج لزوجته واعتدائه عليها وإن أدى إلى حدوث إصابات أمرًا طبيعيًا يتقبله بعض القضاة ولا يجدون غرابة في ذلك ولا يميلون لمعاقبة الزوج.
ويقرر المحامون أن الرجال لا يلجأون للمحكمة لأنهم الأقوى وفقًا لأوضاعهم الشرعية والقانونية، فهم يطلقون بالإرادة الحرة المنفردة، دونما سلطة أعلى تحاسبهم، كما أن باستطاعتهم أن يتخلوا عن الزوجة الأولى ليدخلوا في زيجة تاليه دونما عوائق اجتماعية أو قانونية ، وهم في العادة الأعلى دخلاً والأكثر ثراءً ورغم ذلك فأنهم يمارسون رد الفعل تجاه المرأة التي تعلن رغبتها في الطلاق للضرر وذلك برفع دعوى الطاعة ، حيث يهددون الزوجة بحكم النشوز فضلاً عن تهديدها بسلب الأبناء من حضانتها، وذلك ليس لتعلقهم بالأبناء وإنما لدفع المطلقة إلى التنازل عن حقوقها المادية وحقوق أبنائها وذلك مقابل إن يكف عن إيذائها والإضرار بها.
أما عن رأى المحامون في الإجراءت القانونية المصاحبة لقضايا الطلاق والنفقة فأنهم يلاحظون أنها إجراءت قاصرة لا تقدر على أدارة صراع المتقاضين ، لأن في حالة حصول المطلقة على حكم بالنفقة لصالحها أو لصالح الأبناء أو التمكين من مسكن الزوجية فهذا لا يعنى أنها ستتمكن من الحصول على حقها لأن تنفيذ الأحكام لايزال يقع على عاتق أقسام الشرطة التي تتراكم لديها الأحكام المطلوب تنفيذها ويصبح على المطلقة الانتظار لسنوات حتى تحصل على حقها.
ويضرب المحامون مثالاً لأحكام غيبة الزوج المبررة لحصولها على الطلاق ، فهي لا تزال تستوجب أن تثبت الزوجة غياب أزوجها أكثر من أربعة أعوام وذلك برغم تطور وسائل الاتصال والسفر.
لقاء المأذونين:
يعترف المأذونين – المسئولين عن توثيق عقود الزواج بأنهم لا يمارسون دورهم الاجتماعي والشرعي الذي يفترض أن يمارسه لكي يحظى بموقعة المهني، وعلتهم في ذلك أنهم يعانون من كثرة الأعباء وضيق الوقت وتضاعف حالات الزوج والطلاق.
والمدهش أن المأذون يعترف بأنه يسرع بتسجيل عقد الزواج دون أن يخبر أيًا من الزوجين بحقوقه على الآخر مفترضًا أن الأهل يقومون بهذه الدور، ولكن يؤكد أن جلسات الطلاق هي التي تستوجب من المأذون حديثًا مفصلاً لكلا الزوجين رغم أن هذا يكون بعد فوات الأوان لأن الفائدة من الحديث عن حقوق الزوجين عند فسخ الزواج تكون معدومة.
ويدخل المرشحون لعمل المأذون صراعات مريرة لكثرة الراغبين في تلك المهنة المربحة، والتي لا تتطلب سوى المؤهل الجامعي بالإضافة إلى رضا شيخ الحارة عن المرشح للمهنة يساعده في ذلك مساعدو الشرطة الذين يمكنهم رغم ضآلة موقعهم الوظيفي أن يديروا دفة الاختيار للمرشح للمهنة.
ويلفت المأذون نظرنا إلى أن هناك أسبابًا للطلاق غير التي تعارفنا عليها ومنها :
1- الرغبة في حصول الإبن المرشح للتجنيد على إعفاء بصفته العائل الوحيد لوالدته المطلقة فتتجه بعض الأسر لأجراء طلاق رسمي على الورق لكن الزواج يستمر فعليًا حيث يستطيع الزوج رد زوجته إلى عصمته عقب تحقيق الغرض من الطلاق.
2 – كما يتفق الزوجين على الطلاق الرسمي ويمارسان الزواج عرفيًا حتى تتمكن الزوجة من الحصول على معاش والدها المتوفى أو زوجها السابق بحيث تقدم نفسها للجهات المعنية بصفتها أرملة، والواقع أنها تمارس حياتها كزوجة فعلية ، لكنها تكون مسجلة ضمن جداول المطلقات أو الأرامل.
وعند مناقشة المأذونين في أسباب الطلاق التي لاحظوها قالوا: أن الطلاق يتم بتأثير الأهل ونتيجة الفقر عندما يخسر الزوج وظيفته، ولعدم القدرة علي الانجاب.. الخ
ويحرص المأذون على إرجاء الطلاق بقدر الإمكان لأنه يمثل أبغض الحلال عند الله فيبذل كل جهده في توجيه النصح للزوجين حتى يتراجعا عن الانفصال ، خاصة وأنه يلاحظ في معظم الحالات أن الزوجين يتم دفعهما إلى الطلاق بسبب تدخل الأهل والأقارب الذين يهدفون إلى السيطرة على حياة الزوجين فيسقطون صراعاتهم على الحياة الزوجية التي لم يتحقق لها الصلابة والقوة بين الزوجين حديثي الزواج ، كما يحدث أحيانًا أن يفقد الزوج مصدر رزقه لإصابة مفاجئة أو مرض، فيتطوع بتطليق زوجته حتى يتيح لها الحصول على معاش والدها، أو الزواج بمن يقدر على الإنفاق عليها خاصة وأن الوظائف لم تعد أمنة، ويمكن أن يطرد منها العاملين بها في أى لحظة في القطاع الخاص.
وفي معظم الأحوال لا يحضر الزوجين إلى المأذون للطلاق إلا بعد أن يكون الاتفاق قد تم بينهما على الطريقة التي سيسلكانها، وما هي الحقوق التي ستحصل عليها الزوجة ، ومن الملاحظة العامة للمأذونين أن معظم الزوجات يتنازلن عنده عن حقوقهن مقابل الحصول على الطلاق أى بممارسة الخلع بطريقة شعبية وذلك بإبراء الزوج من حقوقها.
وعند الحديث عن الطلاق الغيابي للزوجة وكيف يتسبب في مشكلات اجتماعية إنسانية لاحظ المأذونين أن منعدمي الضمير من الأزواج يتلاعبون على زوجاتهم بتطليقهن غيابيًا “” وتظل الزوجة جاهلة أنها قد طلقت ، فلا تطالب بحقوقها من جهة ولا تتجة للزواج مرة أخرى ، وكثيرًا ما يطالبها المطلق بحقوقه كزوج، رغم أنها قد صارت محرمة علية ، لذا يتجه المأذون في الآونة الأخيرة إلى رفض توثيق الطلاق الغيابي لأى سيدة “لقد صرنا نستحرم” هذا الفعل القبيح لأننا لن نصبح طرفًا في هذا الفعل الشيطاني للزوج الذي يتلاعب بإرسال إعلان الطلاق إلى الزوجة على عنوان مختلف عن عنوانها الحقيقي حتى يتمكن من الزواج ثانية دون أن تدرى الزوجة المطلقة بشئ.
وبرغم نص المادة الأولى من قانون 100 لسنة 1985 والتي توجب على المطلق إبلاغ الزوجة المطلقة ، فأن تقاعس أبلغها الموثق على يد محضر . إلا أن بعض العاملين بمهن المأذون يمارسون الطلاق الغيابي ويحتفظون بالوثيقة ، ولا يبلغون الزوجة المطلقة وفى دراسة عايدة فؤاد أكدت أن مأذوني القرى يتواطئون مع الأزواج بالطلاق الغيابي ويحتفظون بوثيقة الطلاق ويحجبونها عن المطلقة مستغلين جهلها وقلة حيلتها.
وتعد قائمة المنقولات من أهم الموضوعات التي تناقش عند المأذون من خلال تجربته الورقة (الضد) وهى عبارة عن صك توقعه المطلقة وتؤكد فيها أنه في حالة ظهور أذى قائمة منقولات مشابهة للورقة التي تم توقيعها تعد لاغيه ولا يعتد بها .
وعند سؤال المأذون عن ملاحظته على الطلاق المبكر أكد أن الطلاق صار يتم بسرعة تصل إلى مرور بضعة أيام على الزواج الذي فقد قداسته وذلك لأن بعض الأسر تسرع بتزويج الإبن المهاجر من فتاة لم يسبق له معرفتها من خلال (التوكيل) فلا يصمد الزواج كثيرًا ويلاحظ المأذونين أن محاولات التزوير في عقد الزواج تمارس بطرق مختلفة وتستغل في ذلك أوراق التسنين المزورة التي تستهدف تزويج صاغرات السن ، كما يستغل الاختفاء خلف (النقاب) في ممارسة الغش في عقد الزواج ، لذا أصبح من الضروري أن يتأكد المأذون من شخصية المرأة التي تأتى إلى مكتبه للزواج ، فقد حاول أحد الرجال بمساعدة صديق أن يتزوج من فتاة لم يوافق أبوها على زواجها منه، فأخذ بطاقتها الشخصية وأحضر صديقه مرتديًا النقاب إلى مكتب المأذون منتحلاً شخصية الفتاة الغائبة. ولا يتلق المأذون أية دورات تدريبية تؤهله لممارسة المهنة التي يتكالب عليها الرجال لما تمثله من ربح وتحتاج مهنته إلى دراسة معمقة حتى لا يمتهنها من لا يهدف إلا للربح .
وتبق قضية لم تحسم حتى هذه اللحظة وهى تلك الضرائب المرتفعة التي تحصل عليها الدولة من خلال المأذونين ويسعى الناس للتهرب من دفعها بعدم تسجيل الأرقام الحقيقية التي دفعت كمهر أو مؤخر صداق ، وبالتالي تصبح الوثيقة التي سجلت الزواج ظالمة عندما يحدث الطلاق لأن الناس تتمسك بالأرقام المسجلة بالوثيقة وليس بالأرقام الحقيقية ، وهنا يتأثر أداء المحامي الذي يرفع دعوى الطلاق ويتأثر حكم القاضي الذي يحكم وفقًا للوثيقة أو يطلب شهود على ما دفع من أرقام ومن الملاحظ أن حل هذه القضية لم يطرح لأعلى المستويات الرسمية ولأعلى المستويات الشعبية والأهلية وإنما تم التعامل معها بالتهرب والتحايل على القوانين الخاصة بفرض الضرائب ، حيث اعتاد الناس في مجتمعنا أن يتفادوا المواجهة مع الدولة بصورة مباشرة، وفي نفس الوقت هم يتصرفون بطرق متعددة للتهرب الضريبي لعدم قناعتهم بدفع رسوم المهر الباهظة.
لقاء الخبراء النفسيين
اللقاء الذي تم مع الخبراء النفسيين تعرفنا على مايلي :
تؤكد الدراسات النفسية أنه حتى لو سعت المرأة للطلاق لأسباب جوهرية كسوء معاملة الزوج لها أو ممارسته الإدمان ، فإنها تصاب بعد الطلاق بهزة نفسية يطلق عليها علماء النفس (عصاب ما بعد الطلاق ) وقد تستمر هذه الهزة لمدة خمس سنوات تعانى خلالها المطلقة من الصراعات الداخلية تأخذ أشكالاً عديدة للتعبير عن تلك المخاوف التي تنتاب من يخرجون عن العرف السائد ، ومن هذه الصراعات:
1 – الشعور بأنها ستصبح فريسة للطامعين من الرجال ، الذين سيسعون لصنع علاقات غير مشروعة معها بتأثير تصورهم أنها تصبح أضعف نتيجة معاناتها من الحرمان من تحقق احتياجاتها العاطفية والجسدية.
2- تتوتر العلاقة بالجيران الذين تخشى نساؤهم على الأزواج من وجود المطلقة بالقرب المكاني وما قد ينشأ عن ذلك تهديد لأسرهن.
3- تتدنى القيمة الاجتماعية للمطلقة حتى عند أهلها، ذلك أنها ستحتاج رعايتهم ويصبحون مسئولين عن تصرفاتها، مما يجعلهم يمارسون عليها سلطة التوجيه واللوم والعقاب في بعض الأحيان.
4- الخوف على الأبناء من افتقاد دور الأب، مع الشعور بالرغبة في تعويضهم عن غيابه بمحاولة إنهاك نفسها بلعب الدورين معًا ( الأب والأم).
5- تمارس المطلقة اللوم المستمر لنفسها على الوصول للطلاق ، لأنها لم تصبر أو تحتمل الزوج الذي انفصلت عنه ، وبخاصة عندما يمارس المجتمع لومها ويخضعها للمقارنة بغيرها من الزوجات اللاتي اعتدن الصبر على سوء طباع الزوج للحافظ على تماسك الأسرة.
أما عن معاناة الرجل المطلق من الآثار النفسية للطلاق فيلاحظ علماء النفس:
1- نتيجة لشعور المطلق أنه صاحب القرار في تطليق زوجته ، وأنه قد أرتكب أبغض الحلال فإنه يتوتر كثيرًا ، خاصة إذا كان لديه أبناء من مطلقته فيشعر بأن قراره بالطلاق قد سلب منه الأبناء و تفككت أسرته.
2 – وإذا كانت المطلقة تستطيع التعبير بالشكوى عما تعانيه من مشكلات الطلاق فذلك لأن الثقافة السائدة تسمح لها بالشكوى وتتعاطف مع ضعفها، أما المطلق الرجل فيعجز عن الشكوى مما يعانيه حتى لا تتهمه الثقافة السائدة بالضعف الذي لايناسب الرجال لذلك يلاحظ الخبير النفسي أن المطلقين من الرجال يبدءون في المعاناة من الأمراض العضوية التي تصيب الإنسان نتيجة لتراكم مشاعر القلق والتوتر كالضغط والسكر….
3- أما الزوج الذي يضطر زوجته لرفع دعوى الخلع نظرًا لرفضه تطليقها ” تسريح بإحسان ” فانه يواجه بالتساؤلات الاجتماعية اللائمة ونفيها ( ولماذا تنتظر حتى تخلعك زوجتك ولم تسرع بطلاقها بنفسك لتتفادى موقف المرفوض ) والزوج المطلق بسبب الخلع يفقد نفسيًا صفة الفاعل الاجتماعى ” التي تصاحب الرجال بصفتهم ذكورًا مهيمنين على مقدرات الأمور ، وتلك أصعب المواقف التي يواجهها رجل في المجتمعات الشرقية ، ويتساوى في هذا المسلم والمسيحي لأن الزوج المسيحي يواجه مشكلتان : الأولى هي ” صورته الاجتماعية المحطمة ” والثانية هي موقفه من الكنيسة عندما يطارده الغضب الديني والإجتماعى معًا. ويؤكد علماء النفس أن مشكلة أبناء الطلاق هي الأصعب لأنهم:
يكونون في مرحلة التكوين النفسي، ولم ينضجوا بعد وبالتالي لم تتحدد سماتهم الشخصية ولذا تهبط عليهم واقعة الطلاق لتصيبهم من جميع الاتجاهات
كما يلي:
1- يفتقدون البيئة الأسرية المستقرة، التي كان من الممكن أن تنمى قدراتهم العقلية والاجتماعية والإنسانية.
2- يشعر الأطفال بالرفض الوالدى أما من جهة الأب أو الأم أو كليهما معًا فينشأ الأطفال في أجواء مرضية مضطربة ، تمنع التواصل الجيد مع مجتمع الكبار.
3 – يكون الطفل مرتبكًا مهزوزًا نتيجة لسلوك والديه العدواني تجاه بعضهما . وهما في غمرة الصراع العنيف المستمر بعد الطلاق يتخذان من أولادهما – في معظم الأحيان – مسرحًا للصراع فيضربان بعضهما البعض بالأطفال ، فينطبق عليهم المثل الشائع ( الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون)
4- تنتشر بين أبناء الطلاق الذين يتعرضون للمشاكل السابق ذكرها أمراضًا نفسية مثل : اللجلجة والتلعثم في الكلام، والتبول اللا إرادي والسرقة المرضية والتي قد تتحول لسرقة جنائية فيما بعد والعنف والعصبية أو الإنسحابية والخجل المرضى وأحلام اليقظة. كما تنشأ أمراض هامة يصعب علاجها في الكبر أن لم تتدارك في الصغر ومنها تشوه صورة الذات لدى الأطفال مع اضطراب الهوية وعدم القدرة على تحديد الجنس والدور ، نتيجة التوحد مع النمط الأنثوي من جانب الذكور، كاستمرار التوحد بدور الأم التي يلتصق بها الطفل الذكر في حالة افتقاد دور الأب بعد الطلاق.. والعكس صحيح. وهذا فضلاً عما ينتاب الأطفال من مشاعر شديدة بالإثم المبالغ فيه نتيجة الشعور بأنهم مرفوضون من المحيطين بهم ( زوجة الأب أو زوج الأم أو الأقارب )
ويعاني أبناء الطلاق في العادة من مجموعة الصراعات الآتية:
1- الصراع مع السلطة الوالدية عندما يشعر الأبناء من الذكور والإناث بأنهم مقهورون ومجبورون على القيام بأعمال يرفضها الأبناء، الأمر الذي يتطور فيما بعد إلى مشكلات المراهقين مع السلطة في المدرسة ثم مع السلطة في الكبر.
2- الصراع مع الرغبات وينتج عن الرغبة في تحقيق أوامر الكبار المتصارعة مع الرغبات الحقيقية للمراهق – أن يعاقب أبناء الطلاق أنفسهم على رغبتهم فيما يناقض رغبة الآباء.
ماهو دور الخبير النفسي مع المطلقين وأبناؤهما ؟
ويؤكد الخبراء النفسيون أن الطلاق في. حد ذاته لا يمثل دائمًا مشكلة اجتماعية ، بقدر ماقد يمثل حلاً لمشكلات العديد من الأسر التي قد تعيش حالة (الطلاق الوجداني) داخل النسق الأسرى ، لذا يبدأ الطبيب النفسي بطمأنة المطلقين والأبناء بأنهم لا ينبغى أن يمارسوا لوم أنفسهم أو أن يستسلموا للوم المجتمع ، فليس من المطلوب أن يكون هناك مخطئ وملوم في الطلاق ، أو أن يكون هناك جاني ومجني عليه فقد يكون هناك زوجان متنافران وليس معنى هذا أنهما سيئان وقد ينجح كلا منهما في المستقبل مع زوجين آخرين. كما أن أبناء الطلاق يتأكدون من خلال المساعدة النفسية للطبيب. النفسي أنهم غير مسئولين أو أطراف عما حدث بين الوالدين من تنافر أو صدام
كما يساعد الطبيب النفسي المطلقة على التخلص من رغبتها في عقاب الزوج والظهور بمظهر الضحية المظلومة ، حتى تقل فرص الصراع الذي ينعكس سلبًا على الأبناء ، كما يحرص المعالج النفسي على الخروج بالمطلقة من حالة (الانكفاء المرضى) على الأبناء ، لأن هذا يجعلها عرضة للمعاناة من التوتر والصراع اللذان يكون بعضهما ظاهر والآخر مستتر، مما ينعكس على الأبناء الذين يفتقدون القدرة على الاستقلال ومواجهة الحياة. ويسهم المعالج النفسي في توجيه الأم إلى ممارسة دورها التربوي بصورة صحية بحيث لا تسعى لتشويه صورة الأب عند الأبناء لتثأر لنفسها منه بإثارة كراهيته في نفوسهم. كما يستطيع الأخصائي النفسي توجيه الأطراف التي يدخل معها أبناء الطلاق في علاقة تفاعل إضطرارى كزوج الأم وزوجة الأب ، لكى ينجح هؤلاء في لعب دور” تعويضي” يساعد الأبناء على تقبل الطلاق ، وإن كان ذلك لا يتحقق إلا بشروط اجتماعية وثقافية وطبقية واقتصادية . ففي الطبقات الدنيا مثلاً يكون قبول الطلاق سهلاً على الطبقة والمجتمع ، لكن الأبناء يفتقدون – بسب الطلاق – لاحتياجات مادية وأساسية قد تدفعهم إلى الشارع . وكذلك في الطبقات العليا لا يسبب الطلاق مشكلات تذكر لتوفر الاحتياجات الأساسية لجميع أطراف الطلاق ، ولا يضطر الجميع إلى الدخول في معارك وصراعات المطلقين المعتادة . وفي هذه الحالة يكون الاحتياج الأساسي للأبناء هو الاهتمام والرعاية والرقابة التي قد لا يمارسها المطلقان إلا بالمعنى المادي ، فتتوفر للأبناء جميع الاحتياجات المادية لكنهم يفتقدون للرقابة الوالدية والقرب الحميم من الأبوين الذين ينشغلان بحياتهما الجديدة ويصبح للأصدقاء القريبين من الأبناء دورًا بالغ الأهمية ، إذ يتجه الأبناء لاتخاذهم كأسرة بديلة للأبوين ، وهنا يكمن خطر جماعات الرفاق الذين يمارسون وصاية اجتماعية غير ناضجة على أبناء الطلاق ، خاصة إذا كانوا من أصدقاء السوء الذين يحرص الكثير منهم على دفع أبناء الطلاق الأثرياء إلى الإدمان والمخدرات ليضمنوا تحقيق المكاسب المادية والسيطرة على حياة هؤلاء الأبناء ولا ينجو أبناء الطلاق الفقراء من تأثير رفاق السوء ولكن في اتجاه استغلال ظروفهم الاقتصادية ودفعهم في اتجاه الانحراف والجريمة .
اللقاء مع رجال الدين المسيحى
لقاء رجال الدين المسيحى من المذاهب الثلاثة ( الكاثوليك – الأرثوذكس – الإنجيليون)
في لقائي مع رجال الدين المسيحى أشارت الى بعض الحقائق التي برزت على سطح الحياة الاجتماعية فى الآونة الأخيرة، ومنها ارتفاع معدلات الطلاق بين المسيحيين وذلك رغم عدم وضوح ذلك فى التشريعات الرسمية ، وبخاصة بعد أن أشارت الصحف إلى انتشار الطلاق بين المسيحيين بواسطة المحاكم المدنية بعد توجيه تهمة التشدد والصرامة إلى الكنائس لرفضها الاعتراف بالطلاق المدني من جهة ، وكذلك لعدم اقتناع المسئولين من رجال الدين بالأسباب التي يسوقها الأفراد عند طلبهم للطلاق من الكنيسة ، إلا في حالات نادرة مما يؤدى الى تعطيل الحياة الاجتماعية لمن يودون استئناف الحياة بالزواج مرة أخرى.
ولقد أتفق الجميع فى البداية على أن العلاقة بين المؤمن المسيحي والمقدسات قد اهتزت كثيرًا بعد أن صار الواقع والإجتماعي مؤلمًا وصادمًا الى حد كبير ، ولكن القس انطونيوس (كاثوليكي ) يؤكد أن الكنيسة هي وحدها القادرة على أن تحكم على مدى صدق الضمير فى طلب الطلاق وتحدد الصواب والخطأ.
وليس لدى المذهب الكاثوليكي اعتراف بالطلاق أصلاً ( كالأرثوذكس والبروتستانت ) لكن من حق الكنيسة أن تعلن بطلان الزواج لأسباب قوية ومقنعة ، وتلك الأسباب متفق عليها في جميع الكنائس ، وعندما تصعب الحياة بين الزوجين نتيجة مواجهتها لبعض المشكلات فأن الكنيسة لا تحكم بتطليقها وإنما تفصل بينهما داخل المنزل ولا تفصل الكنيسة بين الزوجين إلا في حالة الزنا فقط.
وعند السؤال عن أسباب بطلان الزواج أكد رجال الدين الكاثوليك أن الغش يمثل أحد أهم أسباب الطلاق, وذلك عندما يقدم الزوج نفسه على أنه طبيب أو مهندس ثم يثبت كذبه ، وكذلك عندما تكشف الزوجة أن زوجها مريض بمرض عقلى أو عصبي (كالصرع) فإذا قدمت الزوجة ما يثبت ادعاءها فإن الكنيسة الكاثوليكية تحكم بالبطلان.
ويؤكد رجال الدين الكاثوليك أن علاقة المواطن المسيحى بالكنيسة الكاثوليكية تصبح مشكلة كبرى عندما يتجه للخروج من تحت مظلة الكنيسة لكى يحصل على الطلاق الذى يعجز عن الوصول اليه من خلال تعاليم المذهب الكاثوليكي ، حيث يجعل أحد المحامين يقوم برفع دعوى الطلاق في المحاكم المدنية التى تطبق الشريعة الإسلامية ومن ثم يكون الطلاق مدنيًا وليس دينيًا، ويضطر الكثيرين من متبعي المذاهب الكاثوليكي لتغيير الملة للحصول على الطلاق ، وفي جميع الأحوال تصمت الكنيسة على الخارج عن شريعتها.
حيث يعود اليها طالبًا السماح له بالزواج مرة أخرى وهنا تستخدم الكنيسة سلطتها الدينية فتحرمه من هذا الحق بصفته خارج عن الشريعة، ولا يحل له الحق الزواج مرة أخرى .
أما الكنيسة الأرثوذكسية فيؤكد ممثلها أن العجز الجنسى والغش فى الأوراق الرسمية تعد من مبطلات الزواج مثال ذلك : أن يزوج أحد الآباء ابنته فى سن 12 سنة وذلك بشهادات تسنين مزورة تؤكد بلوغها سن 18 ، فسوف يمكنها أن تبطل زواجها حتى لو مرت على هذا الزواج سنوات طويلة ، طالما أن المعلومات المسجلة فى عقد الزواج مزورة. ومن دواعي الطلاق أيضًا اختفاء الزوج عن زوجته ولفترة طويلة لسنوات وتخضع هذه الحالة لما يطلقون عليه ” الموت الحكمي ” أو الموت المفترض ولإثبات ذلك لابد من تقديم الوثائق والشهود.
ويؤكد رجال الدين المسيحي أن الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية لا تبخل بالوقت والجهد من رجال الدين لإصلاح ذات البين لدى الأزواج المتجهين لطلب الطلاق ، وقد تستغرق جهود الإصلاح شهورًا ، وكثيرًا ما تستعين الكنيسة بالطبيب النفسي والطبيب البشرى للمساعدة في شفاء بعض الأمراض التى تدفع بأحد الزوجين لطلب الطلاق.
وعند السؤال عن السبب فى رفض الكنيسة تطليق الأزواج فى المذهبين ( الأرثوذكس والكاثوليك) أجاب رجال الدين بأن الزواج رباط مقدس وهو فعل إلهي ، وعقد الزواج لا يعد عقدًا قابلاً للفصم ككل العقود وإنما هو ( عهد) لاسبيل الى الفكاك منه إلا بالموت أو بالأسباب السابق ذكرها ، وقد أقر الإنجيل بذكر رجل واحد وأنثى واحدة يجعلها عهد الزواج عهدًا واحدًا.
ويصر رجال الدين على احتفاظ الكنيسة بكامل سلطتها على نظام الزواج والطلاق بصفتها السلطة العليا ولا يبدون استعدادًا لأن تشاركهم المحاكم المدنية ، ويلوم رجال الدين المسيحي على بعض المسيحيين الذين يلجأون للقوانين الأرضية فى المحاكم ثم يطلبون البقاء بعد ذلك تحت مظلة الكنيسة فيقول أحد الأباء : ” يمكن للإنسان أن يضحك على الأرض لكن سيعجز عن الضحك على الرب ” ويؤكد رجال الدين أن الكنيسة تحاول أن تتفادى ارتفاع نسبة الطلاق بين المسيحيين وذلك بتوفير برامج تدريب وتوعية ومحاضرات للمقبلين على الزواج تحت ما يسمى (مشورة ما قبل الزواج ) وتستمر لمدة 6 جلسات مكثفة ويقوم بالإشراف عليه (أطباء نفسيين وعلماء اجتماع ورجال دين وقانون ) وذلك لتقديم المعلومات الضرورية للمقبلين على الزواج ، حيث يتم شرح حقوق الزوجين وطبيعة العلاقة الجنسية وأساليب تنشئة الأطفال وتربيتهم.
ويطالب رجال الدين من المذهبين المذكورين ، بتطبيق ما يسمى بشريعة العقد أيًا كان المذهب الذي يتبعه الزوجان ، فهو عقد مثل كل العقود له بنود من الشريعة ونصوص واردة فيه وقت كتابة العقد ، وهو تقليد قديم كان مطبقًا في مصر قبل الثورة في يوليو 1952 ثم توقف بعد قيام الثورة .
ففي هذا العقد يتم الاشتراط بعدم حدوث الطلاق حتى لو تغيرت الملة ولا يطالب أيًا من الطرفين بكتابة عقد جديد لأنه خرج عن العقد القديم بعد أن أقر بموافقته عليه.
وقد كشف لنا رجال الدين المسيحي أن الزواج العرفي لا ينتشر فى الأوساط الإسلامية فقط وإنما أصبح منتشرًا في الأوساط المسيحية التى تنتمى الى الفئات الدنيا للمجتمع حيث الفقر والأمية والعادات القبلية بالريف المصرى ومن أهم أسباب الزواج العرفى رفض الأهل أو الكنيسة بعقد الزواج ومن ثم يخرج الشاب والفتاة عن سلطة الأهل والكنيسة ليتزوجا عرفيًا. لكنهما عند حدوث أنجاب الأطفال يحرص الزوجان على توقيع عقود تصادق على الزواج العرفى ليتاح لأبناء الزواج العرفى صفة الشرعية ، وفى هذه الحالة تتعاطف الكنيسة مع الأطفال وتتعامل معهم باعتبارهم أبناء شرعيين .
وقد أكد رجال الدين أن الغالبية ممن يطلبون الطلاق من خلال الكنيسة هم من النساء وذلك لكونهم الطرف الأضعف اجتماعيًا ، وثم تصبح معاناتهن سببًا فى الإلحاح بطلب الطلاق ، كما أن السعى لطلب الطلاق يتزايد فى المستويات الاجتماعية العليا أكثر من المستويات الدنيا والمتوسطة ، وقد أكدت إحدى الدراسات أن صعوبة حصول المطلقين والمطلقات على تصاريح زواج المرة الثانية من الكنيسة ترجع للنفقات المرتفعة التى يتطلبها استخراج تلك التصاريح.
وعند طلب الطلاق تبدأ جلسات التحكيم الذى يبدأ فى نطاق الزوجين ثم فى نطاق الزوجين والأب الذي يعترفان له ، ثم المجلس الأكليركى وهو نهاية المطاف فى الصراع الزوجى، ويتركز دور المجلس فى محاولة حسن الخلاف الزوجى الى جانب تمكين أحد الزوجين من الزواج للمرة الثانية في حالة اعتراف المجلس ببطلان الزواج أو الطلاق لأسباب تقرها الكنيسة.
وقد لفت نظرنا القس “رفعت فكرى” الى أن السيد المسيح لم يضع شريعة تنظم تفاصيل الحياة وإنما قدم مبادىء عامة تتغير بتغير المكان والزمان ، كما أكد حقيقة تاريخية قد يسهم فهمها في حل كثير من المشكلات الخاصة بالطلاق ، ذلك أن الكنيسة لم تقم بتزويج الناس فى القرون الخمس التالية للميلاد، وكان الزواج يتم مدنيًا أو عرفيًا خارج مؤسسة الكنيسة ثم يتجه الزوجان لطلب البركة من الكنيسة بعد تمام إجراءات الزواج خارجها الى أن حدث أن دخل عروسان الكنيسة طلبًا للمباركة وظلا بها حتى أعلن زواجهما داخلها وثم صارت إجراءات الزواج تتم بالكامل داخل الكنيسة وضمن مسئولياتها الدينية . ورغم أنها حقيقة تم إثباتها تاريخيًا ، إلا أنها لم تلق إلا كل مقاومة من رجال الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية الذين أعلنوا أنهم وكلاء الله فى الأرض، وأنهم يتبعون نهج السيد المسيح الذى حضر العرس، وبارك الزواج ، وأن تاريخ مصر يؤكد أن الزواج يتم في الكنيسة منذ القرن الأول الميلادى ، وذلك عقب أن وضع القساوسة كتاب الإكليل ، كما أكدوا أن القداس الأول كان في القرن الأول للقديس مرقص ، ويؤكد رجال الدين المسيحى أن طقوس الإكليل تحمل طابعًا قبطيًا فرعونيًا.
مقابلة رجال الدين الإسلامي
منذ بداية الحوار مع رجال الدين الإسلامي بدا لنا بوضوح أن رؤيتهم لا تتشكل في إطار النصوص والأحكام الدينية فقط بقدر ما تحمل توجهًا ثقافيًا تغذية الثقافة السائدة والاتساق القيمة التي تكون الجانب الأساسي من وعيهم، حيث تتلامس الدائرة الثقافية مع الدائرة الدينية وتتداخلان في بعض الجوانب وتتطابقان فى قضايا معينة ، وخاصة عند تبرير رجال الدين لسيطرة الرجال وإطلاق سلطتهم فهم يبررون ذلك بأن الرجال يتمتعون برجاحة العقل والرزانة اللذان يمنعان الرجل من تحطيم الحياة الزوجية ، فيقول رجال الدين عن حق المرأة فى الطلاق: لو أعطينا المرأة حق تطليق نفسها لصارت كل النساء مطلقات !! لأن المرأة متهورة تقدم عاطفتها على عقلها وتتسرع في الحكم على الأشياء ، أما الرجل فيتعقل ولا يتسرع . وعندما ذكرنا لهم كثرة الحالات التي يندفع فيها الرجال لتطليق زوجاتهم حتى أنهم يتجاوزون عدد أيمان الطلاق المسموح بها، وهى ثلاث مرات ، إذا برجال الدين يصرون على أن المرأة تستفز زوجها وتضايقه حتى يطلقها ويندم بعد ذلك ، وأن الرجال يحاولون تهديد الزوجات بالطلاق ولا يقصدون الطلاق بالفعل ، وتكون النتيجة هدم البيوت وقد أكد رجال الدين أنهم يستغرقون وقتًا طويلاً فى محاولة إيجاد حل للأزواج الذين تسرعوا بإلغاء يمين الطلاق ، ويؤكد أحد رجال الدين أن الثقافة التي تسود المجتمع الإسلامي تعطى الفرصة للرجل غير الناضج اللعب بسلطة الطلاق ، لأن الثقافة التي تسود المجتمع ليست من الدين الصحيح ، وكذلك لأن الرجال الذين يعانون من ضعف الشخصية يحاولون إخافة الزوجة القوية بالتلويح بتطليقها وتشريد الأولاد حتى تخشاه ، خاصة وأن “بنات اليوم ” يعتبرن خدمة الزوج انتقاص من كرامتهن ويتمردن على القيام بها. وهكذا يظل رجال الدين ثابتين عند الصورة التقليدية للزواج باعتبارها الجنة المفقودة، ولا يحرصون علي التعامل مع التحولات الاجتماعية التي طرأت علي الزواج والأسرة مما يضعف من تأثير ايجابي كان من الممكن الافادة منه لصالح دعم النسق الأسري ومساندته دينيا.
ويعتب رجال الدين على أسر الفتيات اللاتي أصبحن يتجهن للزواج من الرجل الغنى القادر على توفير مطالبهن المادية ولا يحرص على الاستقرار فى الحياة الزوجية، ويعيب رجال الدين على القانون الوضعي عدم تطابقه مع أحكام الشريعة خاصة وأن الناس تخشى القانون لأنه يلزمهم بأحكامه أما الشريعة فتحدد الحلال والحرام للبشر دون أن تلزمهم بتنفيذ أحكامها إلا من خلال جلسات التحكيم والعرف فقط.
ويعيب رجال الدين على الزوجات اللاتي تغادر المنزل عندما يوقع الزوج عليها يمين الطلاق، لأنه وفقًا للشريعة عليها أن تلزم البيت وذلك لاحتمال أن يراجعها الزوج ويحدث التراضى بينهما، لكن الزوجات اعتدن ترك المنزل فور سماعهن ليمين الطلاق ، وذلك لأن العادات والتقاليد تفرض على الزوجة أن تغادر البيت ، مما يوسع الهوة بين الزوجين ويطور الأحداث في اتجاه أن يصبح الطلاق فعليًا.
وعند السؤال عن حقوق المرأة المطلقة فى الشريعة أجاب رجال الدين : هي النفقة والصداق والحضانة وحتى تضع حملها ، وهم يؤكدون أن الشريعة لا تعرف “التحامل” لأنه لا أحد يستطيع أن يخدعه سبحانه وتعالى ، أما القانون فالناس تمارس التحايل عليه ، والرجال لا يقولون الحقيقة عن مصدر دخلهم ، ولذا لا تحصل أى مطلقة على حقها ، وإنما على فتات لا تصلح للإنفاق عليها وعلى الأبناء ، وهذا لا يعد ” تسريح بإحسان ” وإنما ” إعضال ” وتعنت وتجنى فيما يغضب الله عز وجل . وعند مناقشة حكم “النشوز ” أكد رجال الدين أن النشوز لا يخص المرأة وحدها وإنما يخص الرجل أيضًا وفي الآية الكريمة ” إن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو اعراضًا ” سورة النساء الآية 128 ، ولكن الثقافة السائدة تتجاهل نشوز الرجل وتسكت عنه دعمًا لسلطته ، وتركز حديثها عن أحكام نشوز المرأة ، ويغضب رجال الدين لتجاهل الأزواج الحاليين لفكرة التحكيم “وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها ، أن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما ، لأن الإصلاح وتنقيته الأجواء تعد من المقاصد السامية للتحكيم ، ولكن من الملاحظ أن العائلات لم يعد لها ” كبير العائلة ” الذي يوجد أفرادها بالحكمة ، وخاصة فى الحضر ، حيث يسرع الزوجين في غضبهما الى إنهاء الصراع بالطلاق دون استشارة أحد ، ونظرًا للجهل بقواعد الشريعة يطلق الرجال زوجاتهم أثناء الحمل وهذا مرفوض شرعًا ، كما أن الطلاق ” البدعى ” قد أنتشر وهو أيضًا من المرفوض شرعًا لأن الزوج هنا يطلق زوجته دون أن ترتكب أى خطأ ودون أن يكتشف بها عيبًا ، ولكن يطلقها نزولاً على رغبة زوجة أخرى تحضه على طلاق الأولى ، وهذا إثم كبير ، لأن الطلاق لسبب يجب أن يكون ” سنيًا ” أى وفقًا لأحكام السنة التي تنص على أن يكون الطلاق لسبب جوهرى وشرعى ، ومن المحاذير الشرعية المبغضة للطلاق قول الرسول عليه الصلاة والسلام ” تزوجوا ولا تطلقوا فأن الطلاق يهتز له عرش الرحمن ” وقوله ” لعن الله كل ذواق مطلاق ” وقوله ” لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، وتلك حدود الله ، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ” صدق الله العظيم
ويؤكد رجال الدين ” أن الرجل في مجتمعنا قد فقد القيم والشهامة والرجولة والمسئولية لذا فهم يتجاهلون واجباتهم ، ويتصرفون برعونة وأنانية ولا مبالاة ، ويذكر بعضهم كيف أن بعض الرجال يعيشون مع الزوجة على غش وكراهية لدرجة أن يحرص أحيانًا على تطليق زوجته وهو يحتضر على فراش الموت ، فيطلقها فى حضرة الأهل والأقارب ليشهدوا على أنه قد طلقها قبل وفاته، وبذلك يحرروها من أن ترثه لينكل بها.
وعن الطلاق الغيابى يؤكد رجال الدين أن الشريعة تؤكد ضرورة إعلام المرأة بأنها قد طلقت ، أما إخفاء الأمر عنها وتطليقها غيابيًا فهو حرام شرعًا. أما عن رأى رجال الدين في تعدد الزوجات فهم يؤكدون أن لا يوجد نص إلزامى فى القرآن يأمر بتعدد الزوجات ، وإنما يوجد تحذير من التعدد ” وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة” لكن رجال الدين يبررون التعدد للزوجات باعتباره حل يتيح للفتيات المهددات بالعنوسة أن يصبحن زوجات باعتبار أن الزوجة الثانية أفضل من ” العانس “.
وعن الزواج العرفى يؤكد الشيوخ أن لا يعد زواج عرفيًا، بالمعنى التقليدى القديم وإنما يعد ( زواج متعة وهو باطل وحرام شرعًا إذ لا نكاح إلا بشاهد عدل وولى ) وعند سؤالهم عن أنواع الطلاق أجابوا : بأن الطلاق نوعان : لفظ صريح وآخر غير صريح يحتاج الى نية وترجع لجان الإفتاء الى المذاهب الأربعة بحثًا عن الحل فى فتاوى الطلاق خاصة مع الحالات التى توشك على تفريق الزوجين الى الأبد، ويسمونها حالات ” التعسر” وهنا تدرس كل حالة على حدة ، ذلك لأن الرجال يرتكبون أخطاء كثيرة نتيجة التسرع في نطق ألفاظ الطلاق ، لكن القائمين بالفتوى يبذلون كل الجهد حتى لا ينفرط عقد الأسر وتنحل لأسباب واهية ، وهم يحرصون على استفتاء مذاهب عديدة بالإضافة للمذاهب الأربعة وقد أكد رجال الدين أن المتلاعبين بالطلاق من الرجال قد يطلقون الزوجة بإلقاء يمين الطلاق ثم ينكرون أنهم فعلوا ، لذ تكفى شهادة الزوجة بأنها قد طلقت لأن الطلاق لا يحتاج فى إثباته الى شهود ، ومع ذلك فالمجتمع بحاجة الى توثيق الطلاق مع الأشهاد عليه ، حتى لا تعانى الزوجة من التلاعب بها. فهناك زوجات تم طلاقهن دون شهود أو توثيق، فلما أنكر الزوج أنه قد طلقها اضطرت الزوجة لطلب ” الخلع ” حتى لا يكرهها على عشرته المحرمة شرعًا.
ومن المدهش أن رجال الدين يؤكدون على ضرورة أن النكاح لا يتم إلا بشاهدي عدل وولى ، وقد تحدد الولى بأن يكون الأب أو الأخ أو العم أو الجد وعن حق المرأة أن تختار شخصًا تراه مناسبًا ليكون وليها ، كأن يكون السفير المصرى ، إذا كانت ستتزوج وهى فى الغربة في بلد أجنبي ، ومن أهم سمات الولى أن يكون صالحًا رزينًا ، وإلا فهو ليس أهلاً للولاية.
لكن ما يثير الدهشة أنه برغم أن الأمام أبو حنيفة صاحب المذهب الذى يتبع في مصر قد أكد إمكانية أن تتزوج المرأة المسلمة بغير ولى ، وإن تكون هى ولية نفسها ، إلا أن رجال الدين الذين التقينا معهم يرونها ” سقطة ” الأمام التى يفضلون تجاهلها عند إصرارهم على ضرورة وجود الولى ، مما يؤكد أن الثقافة الذكورية السائدة تجعل موقف رجال الدين ” انتقائيا ” يراعون فيه تقاليد المجتمع وعاداته ، ولا يلتزمون بأحكام الشريعة في كل موقف.
لقاء الأخصائيين الاجتماعيين
تحدد الأخصائيات الاجتماعيات مهمتهن الأساسية بأنها العمل على تنظيم العلاقة بين المطلقين, بما يقلل بينهما الصراع وبحيث يتاح للمطلقة الحصول على حقوقها وحقوق أبنائها في إطار اجتماعي وإنساني ، كما يتم تنظيم حكم الرؤيا بين الأطفال والطرف المحروم من الحضانة ، وفى هذا العدد يتوجب على الأخصائي أن يتحلى بروح الحياد والموضوعية وعدم الانحياز لأي من الأطراف، مع الحفاظ على السرية التامة لكي تحتفظ كل حالة بخصوصيتها.
ولكى يؤدى الأخصائي والاجتماعي دوره بشكل فعال ينبغي أن يتلقى تدريبًا مكثفًا على المعارف القانونية والنفسية والاجتماعية الى جانب الدراسة الأكاديمية المؤهلة في علم الاجتماع أو معهد الخدمة الاجتماعية ، ويتم ذلك التدريب على يد الخبراء والمتخصصين كما يتدرب الأخصائي على التعرف على لغة الجسد كتعبيرات الوجه وحركة اليدين والإيماءات لكي يتمكن الأخصائي من الفهم الواعي لحالات الطلاق.
ويؤكد الأخصائيون أنهم يستقبلون حالات الطلاق ذات الوضع المشكل ويقومون بتصنيفها حسب احتياجاتها الملحة ، ثم يتم التواصل مع كل حالة على حدة وعمل ملف لها.
ويتحرك الأخصائي الإجتماعى لأداء رسالته فى اتجاهات متعددة للمساندة في حل المشكلة المالية للمطلقين ، حيث يفتقد معظم المطلقين فى الطبقة الدنيا لفرصة عمل ولهذا يسعى الأخصائي الى توفير فرص العمل بالمصانع والشركات، وذلك للرجال والنساء المعيلات اللاتي يتدربن على التفصيل والخياطة والطبخ ، وقد لاحظت الأخصائية الاجتماعية أن معظم الحالات الوافدة لمكتبها تعانى من أوضاع مالية سيئة وبالتالي يسهم حل المشكلة المالية فى حل المشكلة الاجتماعية والإنسانية .
وذلك فضلاً عن تقديم جلسات التوعية والتدريبات التى يتعرف الأزواج من خلالها على التى يتبعونها ليعيشوا حياة زوجية هادئة وبدون مشكلات.
ويتميز العمل الإجتماعي هنا بأنه يتفاعل مع الحالات بعمق لا يمارسه القاضي أو المحامى اللذان يفتقدان الصبر والوقت للتفاعل مع الحالات المعقدة بينما يتحلى العمل الاجتماعي بالصبر الكافي لتأمل المشكلات وتقديم الحلول التى تتطلب أن يذهب الأخصائي للناس في منازلهم ، ليتعمق في تفاصيل حياتهم اليومية وهمومهم ، وبالتالي يتمكن من فهم المشكلات وحلها فيما بعد.
وتعد أهم مشكلة يعانيها الأخصائي هى تنفيذ أحكام الرؤية بصورة إنسانية فلا يكفي للأم والزوجة الحصول على حكم الرؤية لأنها تعجز فى معظم الأحوال عن تنفيذ الحكم، بسبب ألاعيب الأزواج الذين يلجئون للتحايل والمراوغة للهرب من تنفيذ الحكم وذلك لإيلام الأم وإزعاجها ، وعندما تنجح الأم في الحصول على حكم ضم الأطفال لحضانتها ، يسرع الأب بتهريب الأبناء الى أماكن مجهولة للأم ، ولهذا يشعر الأخصائي الاجتماعى بأن الجهات التنفيذية المسئولة عن تنفيذ أحكام الضم والرؤية تتقاعس عن أداء واجبها فى معظم الأحوال نتيجة صعوبة مطاردة الفارين بأبنائهم في عناوين مجهولة وكذلك لتسرب الفساد والرشاوى الى أمناء الشرطة والمحضرين والمخبرين .
ويمارس الطرف الحاضن ضغوطًا قاسية على الأبناء حتى يتجاهلوا التواجد في مواعيد الرؤية أو أن يمارسوا الرؤية بصورة تشعر المحروم من الحضانة بالمهانة والإذلال وتفقد أحكام الرؤية هدفها الإنساني والأخلاقي.
لذا يصبح دور الأخصائي الإجتماعى ذو أهمية بالغة لتنظيم عملية تطبيق أحكام الرؤية بصورة تسمح بالتواصل الحقيقي وليس بمجرد النظر المتبادل بالعين فقط، في ظروف غير إنسانية ، لكن الأخصائي يمارس عمله فى ظروف شديدة الدقة والتوتر لأن يتعرض للشد والجذب بين الطرفين اللذين يحاول كلاهما اجتذاب الأخصائي الى جانبه بما ليس له منه حق ، كما أن يتعرض لمخاطر ممارسة العنف ضده وتهديده من بعض أطراف النزاع ، الذين يستهينون بسلطته المحدودة الى حد الاعتداء عليه من أطراف المشكلة الذين يتهمون الأخصائي بالتحيز ضدهم ما لم ينفذ لهم مطالبهم.
وتلاحظ الأخصائية الاجتماعية أن عملها يزداد صعوبة فى ظل تفاقم عدد حالات الطلاق الذي يحدث أحيانًا لأتفه الأسباب خاصة وأنه قد لوحظ أن المتزوجين يرون فى الطلاق أمرًا سهلاً بعد أن خفت الضغوط الاجتماعية التى كان كبار العائلات يمارسونها لمنع الطلاق وتضاءلت النصائح التي كانت تحول دونه.
ومن متابعة حالات الطلاق تؤكد الأخصائية أن أسباب الطلاق الرئيسية تأتى من: تدخل الأهل والأقارب تدخلاً يزيد حالات الخلاف الزوجي اشتعالاً ، كما أن توقعات الزوجين لدوريهما تصطدم بتحولات كبيرة وصادمة فعندما يظن الزوج أن الزوجة ستتحمله مثلما تتحمله أمه أو أبوه يفاجئ بأن وعى المرأة وشعورها بالذات يمنعها من أن تقبل توترات الزوج أو تذمره.
أن شعور الزوجة بعدم الأمان نتيجة شعور الزوج بتفوقه الإجتماعي والمالي عنها يدفعها للتشكك ومراقبته بما يخلق مناخًا للشك والغيرة وهناك مشكلات منها العجز الجنسي وصعوبة التكيف بين الزوجين وإدمان الزوجة وعصبية الزوجة وممارسة العنف والإيذاء البدني ….. الخ
والأخصائي الاجتماعى يمارس دوره قبل الطلاق بابتكار الحلول السليمة واستبعاد اللجؤ للمحاكم وذلك باستيعاب الخلاف الزوجي وأزمات الزواج والمساعدة في إدماج الزوجين في نشاطات اقتصادية واجتماعية .
وهو أيضًا يسعى بعد الطلاق إلى إيجاد أفضل الأجواء لتحقيق التواصل الانساني الأمثل للأطفال والوالدين.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الأخصائي يشكو من مقاومة الوالدين بعنف لتأثيره الايجابي على أطفال الطلاق الذين يسرعون بالاستجابة لمحاولات الأخصائي الاجتماعي لمساندتهم في مواجهة ظروف انفصال الأبوين، وذلك نتيجة للعناد والرغبة في الانتقام حيث يقوم الوالدان المطلقان بهدم الجهود التي يبذلها الأخصائي الاجتماعي
ومع ذلك فإن تأثير دور الأخصائي الايجابي يتطور إلى الأفضل والأقوى، وبخاصة أن مساحة دوره تتسع لتشمل تدريب الشباب على الاستعداد للزواج وذلك لتفادى مشكلات الزواج ثم التدخل المبكر لعلاج أزمات العلاقة الزوجية وهزاتها .
لكنه من الواضح أن طبيعة مهنة الأخصائي الإجتماعى يستلزم درجة واضحة من الخبرة الطويلة في مجال حل المشكلات الى جانب بعض الملامح الخارجية كالسن المتقدم والنضج وخاصة في الإطار الثقافي الذي لا يعتقد أن الأخصائي الاجتماعي يمكن أن يمارس دوره في النضج والأمر والنهي إلا بعد أن يتقدم
اللقاء مع رجال الشرطة ( الضباط وأمناء الشرطة )
بعد أن أجرينا بعض اللقاءات مع ضباط البوليس الذين يمارسون فى أقسام البوليس في مجال الأحوال الشخصية والشكاوي الكيدية المتبادلة بين أطراف الطلاق، لاحظنا أن ضباط البوليس يتلقون المحاضر والشكاوي وذلك بعد أن تمر أولاً على مساعديهم ممن يحملون رتبة الصول وأمين الشرطة، وذلك مالم تكن الشاكية أو الشاكي قد جاء بتوصية أو بصحبة شخصية مهمة، ويعترف الضابط بأن التوصية تلعب دورًا هامًا في تحرير المحاضر وفى تدبيج البلاغات الكيدية وتلك سمة غالبة في جميع أقسام البوليس لأن صلة المواطن بأحد ضباط البوليس أو أمين الشرطة تفتح الأبواب المغلقة وتسهل الأمور الى أقصى درجة، وعند السؤال على التدريب الذى يمكن أن يكون ضابط البوليس أو أمين الشرطة قد تلقاه لتكوين الوعي الخاص بإدارة قضايا الأحوال الشخصية أكد ضباط البوليس إنهم لم يتلقوا أي تدريبات وإنما هم تعرفوا على موضوع الأحوال الشخصية عندما درسوه بكلية الشرطة بصفتهم طلابًا كطلاب كلية الحقوق ، كما درسوا مادة الشريعة الإسلامية، ولكن هذا يتم دون توسع أو تركيز خاصة وأن معظم طلاب الشرطة يتوزعون على التخصصات المختلفة غالبة كإدارة المرور وإدارة أمن الدولة والأمن المركز ومكافحة التهريب وقد أعرب ضباط الشرطة ضيقهم ( بدوشة) الأحوال الشخصية لأنها تلتهم 90% من وقت العمل بأقسام البوليس ويقول أحدهم اقترح أن تتجه الشكاوي الخاصة بالأحوال الشخصية أو المتعلقة بأحد مشكلاتها كالمحاضر الكيدية بين الأزواج الى جهة أخرى غير أقسام البوليس، وهم ويقترحون أن تنشأ إدارة جديدة تكون لها صلاحية السلطة البوليسية ويديرها أخصائيين اجتماعيين وأطباء نفسيين “.. لأننا نحمل فوق دماغنا هم ثقيل وجيش من مرتكبي الجرائم والمسجلين خطر ومش ناقصين كمان ننشغل بمشاكل الجواز والطلاق والعيال…!!”
ويعلق ضابط آخر ( الناس دي فاكره أننا قاعدين على المكاتب عشان نسمع حكايات اللي جوزها ضربها واللي مراته خلعته واللي خطف العيال وهرب ) ويعترض أحد الضباط على شكاوى النساء بقوله .. ” . احنا بنجيلنا ستات تشتكي أن جوزها مش راجل ومبيشتغلش كويس كده, بوش مکشوف ولا تتكسف مننا .. وإحنا نبقى قاعدين محرجين واحنا بنسمع حكايات سخيفة وكل شوية واحدة تستغيث بينا وتقول تعالوا طلعوني من الشقة جوزي حبسني وقفل الباب بالقفل .!!
كما يجيب أحد الضباط عن السؤال الخاص بالكيفية التي يتم بها التحري عن حقائق البلاغ المقدم من الزوجة أو الزوج ضد الآخر .. وهنا يحيلنا ضابط الشرطة إلى مساعدة الذي يندفع قائلاً ” الحقيقة كلهم كذابين وكل واحد بيلعب علينا علشان يقنعونا أنهم على حق .. الست تيجى لنا تقول جوزي شغال وعنده ورشة ودخل فوق 6 آلاف جنيه وبعد التحري نكتشف أن الورشة مش شغالة وحالها واقف والراجل بيتحصل 200ج أو 300 ج بالعافية وعند السؤال عن جدية التحري والتأكد من الحقيقة وما اذا كان من الممكن أن يتواطأ القائم بالتحرى مع أحد الزوجين نتيجة الواسطة أو الرشوة فيعترف أمين الشرطة قائلاً : والله دى مسألة ضمير وكل واحد وضميره .. لكن لازم نعترف أن فيه ناس من الشرطة زى المخبرين مثلاً بيطلبوا الرشوة ويستغلوا سلطتهم طبعًا.
وعند السؤال عن البلاغات الكيدية بين الأزواج أجاب أمين الشرطة قائلاً : بتيجى ست تقول جوزي ضربني واصابني وإحنا مالناش نحكم إلا على الإصابة الظاهرة التى يمكن إثباتها بالمحضر ، لكن لو فيه إصابه أكبر واحنا لا نستطيع أن نحكم من عليها من الظاهر بنطلب عرضها على الطبيب لكتابة تقرير طبي عن الحالة ، حتى يتم إرفاقه بمحضر الحالة وعرضه على النيابة ، وفي حالات كثيرة الطبيب بيقول أن الإصابات عملتها الزوجة بنفسها زى الخربشة مثلاً..”
وفي معظم الأحيان ترفع الزوجات جنحة تبديد للعفش والمنقولات حتى تتسبب في حبس الزوج، حتى لو أحضر الزوج المنقولات فإنها تدعى أنها ليست المنقولات المقصودة في الوقت الذي يؤكد الزوج العكس .. والحقيقة الموقف بيكون محير للبوليس لأنه فى الصعب التأكد من الصادق ومن الكاذب ، خاصة أن الطرفين يحضران شهودهم لتأكيد موقفهم وفى معظم الأحيان يضطر الزوج لدفع ثمن المنقولات
وتستغرق الشكاوى والمحاضر حوالى 3 شهور وهذا يتوقف على المحامى الذي يماطل كثيرًا، ويطلب التأجيل لكى يحصل على المزيد من الأتعاب ..
وعندما سألنا عن فشل مطلقات فى تنفيذ أحكام النفقة وضم الأطفال بسبب سوء أداء أقسام البوليس لدورها في تنفيذ الأحكام.
أجاب ضابط الشرطة … طبعًا فيه ناس بتتلاعب بتنفيذ الأحكام خصوصًا وأن العناوين التي يتجه إليها رجال البوليس غالبًا ما تكون مزورة أو مؤقتة نتيجة سهولة التنقل بين المساكن التي يتم تأجيرها وفقًا للقانون الجديد.. “
اطلعنا الضابط على حادثة السيدة التي منعها ضابط البوليس من تنفيذ حكم غيابي بالحبس على الزوج الذي خطف طفلها الرضيع وهرب به مع زوجته الجديدة بعد أن قام بالاستيلاء على منقولات الشقة (حادثة منشورة بجريدة الوفد)
فأجاب ” طبعًا مش كل ضابط بيفهم دوره بيقوم به بشكل صحيح” كمان فيه ضباط بيفرحوا بالسلطة ويستخدموها غلط والناس بتخاف من بدلة الضابط لكن اللي بيكون واعي وعارف حقة بيقدر يجيب حقه… بس بعد كفاح “
التكلفة الاجتماعية للطلاق وإدارة المجتمع المصري للمشكلة.
وإذا كانت أسباب الطلاق ونتائجه تتشابه في الأساسيات مع اختلاف المجتمعات الإنسانية، كالخيانة الزوجية والإدمان والبخل والعنف المنزلي… الخ وكذلك تتشابه نتائج الطلاق في العموميات كانحراف الأحداث والاكتئاب وتأثيث الفقر.
إلا أن حجم مشكلة الطلاق في مصر وما صارت تكلفه للمجتمع صار يستدعي منا بذل جهد حقيقي في الإحاطة بخصوصية المجتمع المصري؛ من حيث تاريخ إدارة المجتمع المصري لمشكلة الطلاق ، وما يستلزمه ذلك من ضرورة التعرف علي سمات البناء القانوني والتشريعي المصري ، والكيفية التي يمارس بها تنظيم حياة المجتمع ، مع التعمق في الكشف عما أحدثته التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من تأثير علي حجم المشكلة ونوعيتها.
أولاً : التعددية مفتاح فهم إدارة مشكلة الطلاق
إذا كان المجتمع المصري يتسم بالتعددية البنائية الناجمة عن التطور غير المتساوق لأبعاد البنية الاجتماعية فقد انعكست هذه التعددية علي الواقع الاجتماعي القانوني للمجتمع المصري المعاصر, فالمصادر التشريعية التي تنظم الأحوال الشخصية تتسم بالتضخم والتراكم من جهة الكم كما ُُُُإنها تتسم بالتعددية من حيث الكيف، فتنقسم مصادر التشريع إلي :
الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع.
التعاليم المسيحية التي تنظم الأحوال الشخصية للمسيحيين وهي تتسم بتعددية شديدة التعقيد وذلك بسبب تعددية المذاهب المسيحية والتي يبرز علي قمتها المذهب الكاثوليكي والمذهب الأرثوذكسي والمذهب البروتستانتي.
القوانين الوضعية المستلهمة للشريعة الإسلامية من جهة والمتأثرة عبر تاريخها الطويل بالتنوع والتراكم الناجمين عن الإضافة والتعديل اللذين أحدثتهما السلطات المتتابعة علي حكم مصر، فمن النظرة السريعة لمواد القانون المعاصر يبرز لنا مواد أضافها الكود النابليوني خلال الحملة الفرنسية ومن سبق من أحكام تنتمي إلي عصر المماليك وغيرها من التشريعات التي تنتمي إلي الخلافة العثمانية.
لهذا فنحن لانفاجئ عندما نرى المواطن المصرى يمارس حياته متوزعًا بين المصادر الثلاثة وذلك أطار شعار ترفعه السلطات المهيمنة على النظام القانونى المصرى “هو القانون لا يحمي المغفلين” وهو شعار يطلق للتحذير من مغبة تورط المواطن فى علاقات وتعاقدات اجتماعية أو قانونية دون الإلمام الكافي بالشروط القانونية التى تنظم وتضبط هذه التعاقدات، حيث لا يكفى حسن النية أو سلامة القصد لإعفاء الفرد من العقاب أو الجزاء القانوني.
لذا يخضع المواطن المصرى – مرة بصفته منتميًا لمؤسسة دينية لتعاليم دينه، ومرة بصفته مواطن في مجتمع مدنى لمواد القانون الوضعى وكثيرًا ما تصطدم المؤسسة الدينية مع المؤسسة التشريعية في أحكامها التي تنظم حياة الفرد ، مثال ذلك:
إذا حصلت مسلمة بعد طلاقها على حق الإقامة بمسكن الزوجية بصفتها حاضنة بحكم مواد قانون الأحوال الشخصية، فإنها تصطدم بموقف الشريعة الأسلامية من تحريم بقائها في المسكن مع مطلقها الذي يتمكن من الإقامة فى نفس المسكن بحكم القانون.
وكذلك تفشل المطلقة المسيحية التى حصلت على الطلاق من خلال المحكمة في ممارسة حياتها بعد الطلاق لرفض الكنيسة منحها حق الطلاق لعدم اقتناع الكنيسة بالأسباب التى أقتنعت بها المحكمة الوضعية لطلاقها وتعد هذه السيدة خارجة عن تعاليم الكنيسة التى ترفض أن تسمح لها بالزواج مرة أخرى… الخ.
ثانيًا: طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة
تبدو استجابة النظام القانوني الرسمي للواقع الإجتماعى المصري، بما يتضمنه من علاقات بين الأفراد والجماعات، وما تنظمه من ارتباطات كالزواج والطلاق شديدة الضيق والضآلة، وذلك لأن السلطة السياسية الفوقية بطبيعتها وتركيبها وأدائها لوظائفها ظلت تلعب أكثر الأدوار أهمية في صلتها بالنظام القانوني (باستثناء فترات قصيرة من التاريخ كان للمحكوميين فيها دورًا في صياغة قواعد قوانينهم (الرسمية) فإذا كانت أهداف القانون فى جميع المجتمعات الإنسانية تتركز في تحقيق ( النظام والحرية والعدالة ) فإن الذى تحقق من هذه الأهداف فى مصر هو النظام) فقط على مدى التاريخ – أما العدالة كهدف فقد تحققت في فترات محدودة ، وقد أدى ذلك إلى اتسام المجتمع المصري بالازدواجية فى علاقته بالقانون، وهي ظاهرة جديرة بالفهم العميق الذي لا يتيسر إلا بمتابعة العلاقة التاريخية بين المجتمع المصري وجهاز الدولة ، فالمركزية السياسية التي صاحبت التاريخ المصري جعلت القانون يأخذ صيغة “الأمر” الصادر من قبل الدولة, التي اعتادت تنظيم حياة البشر كامتداد لاعتيادها التحكم فى حركة النهر ، وذلك حتى يمكنها تحاشى الصدامات الدموية التي كان يمكن أن تمزق النسيج الاجتماعي المصري، مالم تكن قبضة الدولة القوية قادرة على السيطرة على مقاليد الأمور، فاعتاد الناس الانصياع لأوامر الحكومة وقوانينها دون أن يكون لهم دور فاعل في صنع القوانين أو تغييرها بما يلائم تطورات حياتهم. لذا فقد بدأ الناس في الانعزال بحياتهم الاجتماعية بتفاصيلها الدقيقة عن الدوله وقد استطاعوا على مدى تاريخهم الطويل أن يطوروا أساليب خاصة في إدارة شئونهم الحياتية اليومية في شكل أدوات ضبط اجتماعي أخذت شكل القانون الشفاهى غير المدون (فلم يتم تسجيل الزواج على يد مأذون إلا منذ 120 سنة) ويؤكد نور فرحات أن المصريين قد لاذوا بنظامهم القانوني الخاص يطبقونه فيما بينهم من خلف ظهر السلطة ، فسادت في نظام الضبط الاجتماعى المصرى سطوة الأعراف والتقاليد المحلية ، تفعل فعل القانون . إن لم تفقه في تنظيم العلاقات بين أعضاء الجماعات الفرعية كالطوائف والأحياء وجماعات الأقليات الدينية والعرقية.
فلا يفوتنا هنا أن نؤكد أن (العرف الإجتماعي) قد مثل مصدرًا من مصادر الأحكام الشرعية في الفقه الإسلامي ومن عوالم الموائمة بين القانون الثابت والواقع الإجتماعي المتجدد.
الزواج والطلاق بالعقود العرفية
أدت العلاقة المشوهة بين المجتمع والدولة الي مجموعة من الحقائق التي تخص الزواج والطلاق في مصر وهي:
1- أن الطلاق يتم رسميًا في بعض الأحيان بين زوجين متوافقين لا يرغبان في الانفصال لكنهما يتجهان للمأذون لتوثيق الطلاق، وذلك بغرض التحايل علي القانون الذي يعفي ابن المطلقة من التجنيد إعفاء مؤقتًا أو نهائيًا، ومن ثم يسعي الزوجين / الأبوين الي الحصول علي وثيقة طلاق يرفقانها بطلب ولدهما الشاب للاعفاء من التجنيد، ويعقب ذلك مباشرة أن يتجه الزوجين الي عقد زواجهما ثانية، ولكن بعقد عرفي بعيدًا عن سلطة الدولة وقوانينها.
2- كما يقوم بعض الأزواج بتطليق الزوجة “رسميًا” فتكتسب الزوجة لقب المطلقة الذي يسمح وضعه القانوني لها باسترداد معاشها المستحق عن والدها المتوفي ثم يستكمل الزوجين حياتهما الزوجية بعقد عرفي بعد الحصول علي المعاش دون وجه حق.
3 – وتتزوج بعض الأرامل المستحقات لمعاش الزوج المتوفي من زوج جديد بعقد عرفي، حتي لا يتسبب زواجها الرسمي في فقدانها لمعاشها الذي تحصل عليه بسبب وضعها كأرملة، ومن الملاحظ أن معاش الأرملة الضخم يمثل سببًا من أسباب اجتذاب الزوج الجديد الذي يقبل علي زواج الأرملة “عرفيًا” طمعًا في التمتع بالدخل الكبير الذي سيوفره له معاش الأرملة من الزوج السابق.
4- وقد قامت إحدي قرى محافظة الجيزة بقرب الحوامدية بانتهاك قداسة الزواج بعد أن قرر الآباء في تلك القرية أن يمارسوا تجارة من نوع جديد، فأخذوا يزوجون بناتهم الجميلات من كهول النفط وأثرياء الخليج “بعقود عرفية” مؤقتة يحتفظون بها حتي لا يواجهون لومًا اجتماعيًا من المحيطين والأقارب، ثم يحصلون علي المهر والشبكة وأثاث المنزل ويخبرون الزوج أنهم قد قرروا تطليق الإبنه التي تحرص علي عدم الإنجاب من الزواج القصير الأجل، وتتكرر القصة عدة مرات حتى تكون الفتاة وأهلها ثروة تسمح لها في النهاية بالزواج الدائم من أحد أبناء قريتها. وقد سجلت جريدة الأهرام هذه الظاهرة بالصور في تحقيق صحفي أثار ضجة منذ 3 أعوام.
5- كما صارت نسبة لا يستهان بها من الشباب المصري تتجه هذه الأيام الي عقد زيجات عرفية مع زميلاتهم بالجامعة أو المصنع، وذلك بعد أن صارت تكلفة الزواج أكبر من أن يحتملها من يعانون البطالة من الخريجين، خاصة مع اتجاه بعض الأسر الي المغالاة في طلب المهر والشبكة وصعوبة الحصول علي مسكن، ونظر لأن أجواء المادية والأنانية والتطلع الي الحصول علي ميزات الزواج دون التورط في مسئولياته قد أصبحت تسود نسبة كبيرة من الشباب، لذا فقد صار الزواج العرفي يمثل مهربًا من مواجهة المجتمع ومساءلته، كما صار الزواج العرفي مغريًا لبعض الفتيات بالدخول الي عالم الزواج من الباب الخلفي، حيث يمارسن البعد العاطفي/ الجنسي من الزواج بضمير مرتاح بعد أن يتخذن من عقد الزواج العرفي مبررًا “شرعيًا” لما يتورطن فيه من علاقات.
ولضعف إدراك الشباب بأنهم يحتاجون الي “مظلة الرضا الاجتماعي” والموافقة علي الزواج، لذا يكون اكتشافهم متأخر الضرورة استرداد الأمان المفتقد خارج المظلة الاجتماعية التي يغادرونها – خفية – بصورة مؤقتة ليعودوا إليها عند أول صدام بين أطراف الزواج العرفي، وهنا يكشف المجتمع عن تحيزه الواضح سواء علي مستوي اللوم الاجتماعي أو علي مستوي مواقف المشرعين والقضاة الذين يكيلون عند التعامل مع وثيقة الزواج العرفي بمكيالين، ففي حالة أن يتقدم رجل الي المحكمة بهذه الوثيقة فإن القاضي يقبلها كوثيقة شرعية لها كل حقوق الوثيقة الرسمية، أما في حالة تقدم الفتاة بنفس الوثيقة الي القضاء لإثبات زواجها ونسب طفلها فان دعواها ترفض ولا يعتد بالوثيقة لا لإثبات النسب ولا لإثبات الزواج ، الأمر الذي أدي تفاقم العديد من المشكلات ومنها:
1 – وقوع فتيات الزواج العرفي في مشكلات حقيقية لعدم قدرتهن علي إثبات الزواج وبالتالي نسب أطفالهن منه.
2 – ممارسة رجال الزواج العرفي للابتزاز والقهر علي الفتيات اللاتي وقعن في حبائل هذا النوع من الزواج، خاصة أن القانون يمكن هؤلاء الرجال من إبقاء الزوجة في وضع اجتماعي شديد الحرج، فهن أعجز من أن يطلبن وأعجز من أن يطلبن الاستمرار كزوجات مما يتهدد مستقبل العديد من الفتيات وكذلك مستقبل أطفالهن. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة : لماذا عجزت قواعد تسجيل الزواج عن السيطرة علي علاقات الزواج فبقيت نسبة لا يستهان بها من هذه الزيجات خارج الإطار الرسمي؟ ولعل السبيل الي الاجابة يبدأ بحقيقة اجتماعية تاريخية وهي أن التطور الذي طرأ علي نظم الزواج في بلادنا لم يشمل كافة جوانب البناء الاجتماعي، ومن ثم بقيت بعض الكيانات الاجتماعية كالقبائل البدوية والقري المتطرفة التي ظلت تمارس الحياة الاجتماعية بكافة تفاصيلها وتعاقداتها في إطار الأعراف السائدة التي لاتزال تحتفظ بقدرتها علي تنظيم حياة الناس ولايظهر للقانون الرسمي أية قوة فاعلة.
موقف تأمري بين فقهاء القانون ورجال الشريعة
إن فحصاً جيداً للمنظومة القانونية المنظمة للأحوال الشخصية وبالتحديد تلك المنظمة لقواعد الطلاق تكشف تحيزًا واضحًا للرجال رغم إدعاء فقهاء القانون أنهم يتوخون العدالة، كما أنهم يدعون استلهام الشريعة الإسلامية فى تنظيمهم لحقوق الطلاق ، لكنهم لا يستطيعون أن يفسروا لماذا أشاعوا حالة من الصمت المريب عند مناقشة حقوق المرأة فى الحصول على الطلاق من خلال حقه “العصمة” أو ” الخلع“
فمن خلال نتائج بحثنا نلاحظ الآتى:-
أن هناك تواطؤاً واضحاً بين واضعى القانون الوضعى والقراءات المتحيزة للنصوص الدينية ، ويستهدف هذا التواطؤ تثبيت أوضاع التمايز الجنوسي بين الرجال والنساء. أو ما يمكن أن نطلق عليه ( السالب المشترك) بين التفسيرات التقليدية للشريعة والنصوص الدينية والتعبير القانوني عن الثقافة الذكورية السائدة في مجتمعنا.
مثال ذلك:
دافع فقهاء القانون ورجال الشريعة دفاعًا مستميتًا عن ( بيت الطاعة) كحق من حقوق الرجل الذي تسعى زوجته لطلب التطليق منه للضرر، فإذا ما تقدمت الزوجة للمحكمة بطلب التطليق للضرر وطالبها القاضي بإثبات الضرر الذى لحق بها بما يستهلك وقتاً لا يستهان به، كان من حق الزوج أن يفيد من الوقت الذى ستضيعه الزوجة فى أثبات ماحاق بها من أضرار فيسرع (خلال 30 يوم فقط) برفع دعوى الطاعة التى تحول الزوجة الطالبة للطلاق من صاحبه حق إلى “ناشز” بحكم القانون. ومن خلال دعوى الطلاق يتمكن الزوج من إلحاق المزيد من الضرر بالزوجة التي تصبح مطاردة من جانب منفذى قانون الطاعة, لتسقط من جديد في حبائل تنكيل الزوج بها من خلال إجبارها على الإقامة في (منزل عقابي ) تأديبًا لها على محاولة إنقاذ نفسها وأبنائها من زوج مستبد أو مريض نفسى.
فعند البحث عن فكرة “بيت الطاعة” التي يدعى رجال الدين ورجال القانون أنها استجلبت من قلب الشريعة. لاحظ مؤرخوا القانون والشريعة أنها فكرة مستوردة من مواد القانون الإنجليزي القديم والذي كان مؤسسًا فى ميثاق على أرضية الكنيسة الكاثوليكية التى كانت تحرم الطلاق في العصور الوسطى وتعاقب المرأة التى تهرب من بيت الزوجية لعجزها عن طلب الطلاق بصورة شرعية – باعتبارها خارجة عن تقاليد الكنيسة والقانون الوضعى معًا– ومن ثم اتجه القانون إلى إبتكار عقوبة بيت الطاعة لتأديبها ولتصبح عبرة لغيرها من النساء.
وقد لاقت عقوبة (بيت الطاعة) هوى فى نفس نابليون بونابرت, فضمنها كإحدي مواد الكود النابليوني ، وفي ظل الخلافة العثمانية – التى اتسمت بتدنى الأوضاع الاجتماعية والقانونية لنسائها – تم استجلاب نظام( بيت الطاعة ) على مواد القانون العثماني التي طبقت على مصر كولاية عثمانية، ولاقت الفكرة درجة عالية من التأييد والرضا إلى حد البحث عن مبرر لها في النصوص القرآنية ، فأسرع الشيوخ باستخدام الآية التى تقول ” واللاتي تخافون نشوزهم….”
ودون تمحيص كبير مارس القضاة قهر طالبات الطلاق؛ بمطاردات بوليسية للزوجات والأمهات كما لو كن مرتكبات لجرائم وجنايات. وإذا كانت المطاردة البوليسية لطالبات الطلاق قد توقفت إلا أن أحكام الطاعة لا تزال سارية المفعول حتى يومنا هذا وعندما سعى وزير العدل المستنير عصام الدين حسونة لإصدار قراره بإيقاف تنفيذ أحكام الطاعة وجه حديثه إلى مجلس الأمة (البرلمان) فى 44 مارس 1967 قائلاً : هل يرضي السادة الأعضاء أن رجلاً فيه ما فى الرجال من نخوة ومرونة وشهامة …. يقبل أن يستعين بالشرطة كي تسوق إلى مخدعه زوجة مغلولة العنق، مكبلة اليدين ؟.. ما لفرق هنا بين شريعة الغاب وشريعة الشهامة والكرامة والرجولة الحقة…”بين الزواج والاغتصاب“.
وقد وجد الوزير معارضة شديدة من أعضاء المجلس لقرار إيقاف تنفيذ أحكام الطاعة بواسطة الشرطة، فاستعان بالوقائع التاريخية والحقائق الدافعة بقوله ” أن ليس فى العالم الإسلامي كله من أقصاه إلى أدناه نصًا مماثلاً للنص القانوني الموجود لدينا ( يقصد فى مصر) عن أسلوب تنفيذ أحكام الطاعة، فكل ما أعلمه أنه قد ولد فى يوم أغبر من أيام مايو 1997 فى حجر إحتلال انجليزي، وفى حضانة طغيان وجهالة وجاهلية، كأن تسقط على أبناء الوادي من الباب العالي ، كما تسقط الصواعق والنوازل، ثم توارثناه نحن – للأسف– جيلاً بعد جيل دون أن نسال عن أصله ، وسنده ، بل دون أن نشعر إلا أخيرًا وحين اليقظة ، بنشوزه عن العدل والشريعة وكرامة الإنسان ومقتضيات الزمان“
ومع كل هذه الحجج الدامغة التي ساقها الوزير إلا أن اصطدام المشروع بمصالح القطاع الرجالي قد أدى إلى تأجيل النظر فيه، حتى تتم دراسته من خلال لجنة تفحصه ثم تقدم تقريرها في جلسة تتحدد فيما بعد، وبالطبع لم تتحدد هذه الجلسة أبدًا. ورغم أن تطبيق حكم الطاعة بواسطة الشرطة قد توقف فيما بعد إلا أن القضاة يحكمون بتطبيق حكم الطاعة ، ويلزمون به طالبات التطليق للضرر, مما يدفعهن إلى طلب الخلع حتى ولو كان القانون إلى جانبهن وذلك تفاديًا لتنفيذ أحكام الطاعةالمهينة.
الخطاب الديني :
وقد لعب الخطاب الديني السائد دورًا عميق التأثير في إحاطة النسق الأسرى في الآونة الأخيرة، بأجواء التفكك والارتباك، وهو أمر مضاد تمامًا للتوقعات الاجتماعية المعتادة عن التدين ، فالتركيز على التدين الشكلي وتجاهل الجوهر أدى إلى نتائج سلبية منها: ارتباك الأدوار في الأسرة عندما يمارس الأبناء تأنيب الوالدين وتأديبهم باسم الدين، وذلك بعد إن كان من المعروف إن الأسر هي التي تؤدب وتربى الأبناء في إطار عملية التنشئة الاجتماعية التي تهىء الفرد ليكون عضوًا نافعًا متكيفًا مع بيئته الاجتماعية والإنسانية.
وقد حفل بريد الأهرام منذ منتصف الثمانينات بخطابات الآباء الذين أذهلهم بعد الكفاح الطويل لتعليم بناتهم كيف إن المسجد ” قد قام بسحب أهم وظائف الأسرة ليقوم بدور ” الوسيط ” لتزويج البنات ، وصار تعبير الفتيات ” المسجد سيزوجني ” مدخلاً لسحب ولاء وانتماء الشباب من الأسر إلى المسجد، الذي لم يعد يدعم الكيان الأسرى بقدر ما صار “يحل” محل الأسرة وينافسها على القيام بالأدوار والتي تعانى الأسرة من تدنى القدرة على القيام بها.
والحقيقة إن الدين كان دائمًا مصدرًا رئيسيًا من المصادر المكونة للضمير الجمعي في المجتمع المصري ، والمقصود بالضمير الجمعي هنا“.. منظومة المشاعر والقيم والوجدانيات التي يشترك أفراد مجتمع ما بصورة تلقائية في تمثلها عبر تاريخ طويل مشترك لأبناء هذا المجتمع مرورًا خلاله بخبرات وتجارب مشتركة جماعية وفردية .. وانتهوا منها إلى الانصياع برضا واقتناع يصل إلى حد القداسة لمجموعة من الأوامر والنواهي الاجتماعية التي تقوم الأسرة بارسائها بصفتها أهم وحدة تقوم بالعملية التربوية . لكنه والحال كذلك صار الخطاب الديني يلعب دورًا “تحريضيًا” واضحًا ضد الدور الأسرى فيسهم في تفكيك الأسرة . كما صار الخطاب الديني ” عدائيًا ” تجاه النساء محرضًا على إخضاعهن بالقوة لسلطة الذكور بدعوى أنهن “ناقصات عقل ودين” مما يؤكد إن الخطاب الديني قد صار خطابًا ” انتقائيًا ” يساهم في إرباك النسق القيمى بدلاً من دعمه ومساندته ، وقد اعترف بعض رجال الدين بأنهم انشغلوا برؤية تجزيئية للدين أفقدتهم القدرة على تفسير الواقع الاجتماعي للأسرة ، وذلك بعد إن لاحظوا إن الأضرار التي حاقت بالبناء الأسرى جاء بعضها نتيجة لبعض التفسيرات القاصرة من الذين خلطوا بين ثقافتهم الذكورية ومبادئ الدين الحنيف.
سقوط الأسرة أم سقوط الطبقة الوسطى
انشغلت الدراسات المعنية بقضايا التفكك الأسرى والطلاق برصيد التحولات الاجتماعية التي أحاط بأداء الأسرة وما أصابه من ارتباك ، بعد إن بات واضحًا إن أداء النسق الأسرى قد بدا مرتبكًا بشكل واضح منذ السبعينيات فارتفعت معدلات الطلاق بعد أن شهدت الستينيات انخفاضًا ملحوظًا في تلك المعدلات ، ولم يعد من الممكن التغاضي عن العلاقة الوثيقة بين ما تعرض له المجتمع المصري من تأثير لظاهرة تقسيم العمل بين بلاد النفط والأقاليم العربية قليلة الإنتاج منه، وهي ظاهرة مبنية على تقسيم العمل الاقتصادي بين دول الشمال (أمريكا وأوربا) ودول الجنوب ( أفريقيا وآسيا )، حيث دخل المجتمع المصري مرحلة الانفتاح الاقتصادي التي استهدفت مزيد من الاندماج في النظام العالمي الجديد وأسفرت عن خلخلة البناء القيمى المصري ، وتفكيك أوصال المجتمع الذي بدا في معاناة البطالة السافرة بين قطاعات الشباب وتراكم مشاعر الإحباط والقهر في نفوسهم، وإشاعة حالة من خيبة الأمل لدى الآباء الذين بذلوا الوقت والجهد والمال في سبيل تعليم الأبناء ، وكانوا ينظرون إليهن على أنهم أمل التعويض عن حرمانهم ،
وكإنعكاس للتحولات الاقتصادية الاجتماعية الحادة التي شهدها المجتمع انتشرت حالة من التخبط القيمى وفقدان المعايير فصار الناس ينظرون إلى القيم والمعايير التي طالما أمنوا بها على أنها تفوق التعايش مع الواقع الجديد الذي أشاع روح المغامرة والفهلوة وأفقد الناس القدرة على التمسك بقيم (من جد وجد) و (من زرع حصد) وغيرها من القيم التي كانت الأسرة المصرية تربى أبناءها على أساسها .
وفى ظل السيولة الطبقية التي انعدمت فيها الخطوط الفاصلة بين الشرائح الاجتماعية برزت المدينة المصرية في شكل كتل حضرية ممزقة يغيب في تكوينها الثقافي المهلهل أى وعى اجتماعي فسادت قيم الاستهلاك والكسب السريع، الذي ينفصل في تحقيقه عن قيم الكفاح والإنجاز ، فصارت الأسرة المصرية الحديثة تختلف في بنائها ووظيفتها عما كانت عليه في الماضي، فتراجعت قيم التراحم والمودة بين الأزواج والزوجات والآباء والأبناء والإخوة والأخوات، وطرأت على العلاقات الإنسانية في أكثر أنواعها خصوصيةً وإشباعًا وهى العلاقة الأسرية ما يمكن إن يسمى “التشيؤ” فتحول كل فرد من أفراد الأمة إلى شي مادي بالنسبة للآخر ، وتراجعت القيمة الأسرية العائلية للشخصي مقابل ما يمتلكه من حال ، وصار التوافق الأسرى وتماسك العائلة اللذان يحققها إجماع الأسرة على رؤية موحدة للعالم ، وما تتميز به الأسرة من ثبات واتزان وتكامل واستقرار محلاً للشك بعد إن افتقدت الأسرة الاستقرار الناجم عن الإشباع العاطفي والإشباع الاقتصادي والإشباع النفسي والاجتماعي .. الخ من الاشباعات التي توضح إن جميع احتياجات أفراد الأسرة قد تحققت ولو جزئيًا.
وقد لعبت الهجرة لدول : النفط دورًا سلبيًا من أسباب الاضطراب العاطفي وارتباك توقعات الدول مما يؤدى إلى توترات التي تتحول إلى إحداث ضاغطة تتفاوت شدتها وقسوتها لتصبح أزمة أسرية قد يفشل أعضاء الأسرة في تجاوزها أو الإفلات منها .
ولا يسعنا هنا إلا إن ننبه إلى إن الانكماش الواضح للطبقة الوسطي التي مثلث المجتمع المصري أهم آليات الدفاع عن تماسكه البنائي قد مثل أهم العناصر الفاعلة في تفكيك الأسرة المصرية، وذلك لأن المسئولية الاجتماعية الواقعة على عاتق هذه الطبقة كانت تتركز في حماية النسق الأسرى وضمان حسن أدائه . ويبدو لنا ذلك بوضوح من المتابعة التاريخية لمراحل ازدهار الطبقة المتوسطة وما ارتبط به من تحقيق النسق الأسرى لأعلى درجات الكفاءة والتماسك.
وذلك لأن الطبقة الوسطي هي ” حافظة القيم السائدة والمعايير الاجتماعية وهى الضابطة لحركة “الصعود الاجتماعي” من الطبقات الدنيا التي تتطلع إلى الطبقة الوسطي كقدوة سلوكية وأخلاقية، وفي نفس الوقت ينضبط سلوك الطبقات العليا من خلال ما تمارسه الطبقة الوسطي على المجتمع من سيطرة حقيقية تنبع من تركز صناع الثقافة وقادة التعليم والقيادات السياسية بين أعضائها .
ولاشك إن ثورة يوليو التي قامت بصفتها ثورة الطبقة الوسطي قد اتخذت من القوانين والسياسات كمجانية التعليم والإصلاح الزراعي وقوانين التأمينات الاجتماعية.. الخ . وقد انعكس ذلك بوضوح على النجاح الواضح في أداء النسق الأسرى والذي انعكس بدوره علي حيوية المجتمع المصري وحركته الفاعلة.
1 – كشفت الدراسة عن حقيقة هامة مؤداها إن قوة الدوافع الاجتماعية والنفسية نحو الزواج وبناء أسرة لا تساندها قوة التصميم على بقاء الحياة الزوجية واستمرارها، وذلك لأن الذين تعجلوا إقامة الأسرة والزواج لم يكونوا قد تأهلوا بعد لمسئوليات الزواج وهم يمارسون العلاقة الزوجية بمنهج التجربة والخطأ، الذي لا يعتمد كثيرًا في مواجهة أزمات الزواج التي تستدعى تسويتها وعبورها بسلام درجة عالية من مرونة الشخصية والقدرة على فهم وجهة نظر الطرف الآخر، وقوة دافع التوافق والتكامل ، خاصة إن الدراسات السيسيولوجية قد اثبت إن تسوية الخلافات الزوجية تصبح بالغة الصعوبة عندما يختلف أفراد الأسرة من ناحية المزاج والثقافة والتربية والتعليم والمثل العليا.
2 – يحتفظ الزواج والأسرة بالقيمة الاجتماعية الكبرى كمؤسسة لا بديل عنها في أداء مهمة إعادة إنتاج المجتمع ورعاية وتنشئة الأجيال القادمة ، لكن الأداء الأسرى والزواجي يمارسان في ظل تحولات اجتماعية أدت إلى تراجع القيمة الاجتماعية للمرأة وتدنى مكانتها، رغم ما يشاع زيفًا في الخطاب الاجتماعي السائد إن المرأة قد نالت من الحقوق والمكانة الكثير من أسفر عن حالة من حالات الإشباع الوهمي لدى معظم القطاعات النسائية من جهة ولدى المجتمع المصري من جهة أخرى أنه لم يعد هناك من حق طالبت به المرأة إلا وقد نالته.
3 – نظرًا للتطور غير المتساوق للبناء الاجتماعي المصري فإن حركة المطالبة بتغيير قوانيين الأحوال الشخصية، من أجل مزيد من العدالة الاجتماعية تكبلها صلابة منظومة القيم الاجتماعية المنظمة لعلاقات الرجال بالنساء، تلك العلاقات التي يعاد تشكيلها في الآونة الأخيرة على أرضية خطاب ديني يرسخ التحيز ضد النساء، كما سبق أن ذكرنا كذلك على أساس خطاب إعلامي مشوه يعيد إنتاج الصورة السلبية للمرأة ، وذلك بدلاً من الخطاب التقدمي الذي كان ينبغي أن يصاحب حركة تحرير المرأة ، وبالتالي تتطور من منظومة القيم الاجتماعية من الجمود والتقليد إلى التحرر والتقدمية
4 –تردى قيم الرجولة والشهامة والترفع عن الدنية ، وهى منظومة القيم التي طالما تباهى المجتمع المصري بأنها صفات أساسية في رجاله بما يمكن أن نطلق عليها الاصطلاح الجغرافي الاجتماعي ( نحو سمات الشخصية الرجالية ) وذلك كنتيجة للتحولات الاجتماعية الاقتصادية التي تنيخ بكلكلها على عاتق الرجال الذي وقفوا بين شقي الرحى الاقتصادية، وذلك بعد أن أغلقت أمامهم فرص العمل في وظيفة مستقرة تصون الكرامة ، وتعطى الفرصة لتأسيس منزل زوجية معقول، وبين تفاقم التكلفة الاقتصادية للزواج ، خاصة وإن ذعر الأسر المصرية، من احتمال طلاق بناتها بعد الزواج يجعلها تغالي في المهر والشبكة ومؤخر الصداق باعتبارها أهم آليات تكبيل زوج المستقبل بما يجعله يتردد كثيرًا قبل الاندفاع إلى طلاق زوجته ، ومن ثم نلاحظ اتجاه الرجال في معظم الخلافات الزوجية إلى ممارسة العنف لاستكمال ملامح الذكورة والقوة المفتقدة فضلاً عن ممارسة ” القهر الزوجي ” كبديل عن الاحتواء العاطفي.
وفى هذه الحالة نلاحظ لجوء الرجال إلى سوء استخدام الحقوق التي منحتها لهم التفسيرات الذكورية للشريعة ، ومواد القانون المتحيزة جنسيًا في استرداد سيطرتهم على مقاليد الأمور في حالة الطلاق.
ولا نقصد هنا أن تردى قيم الرجولة والشهامة لدى المطلقين الرجال فقط وإنما أيضًا إن هذا التردي يعيب الرجال من أقرباء المطلقة الذين يدخلون في صراعات البلاغات الكيدية ضد المطلق, ليصبح الطلاق نهاية للحياة الزوجية وبداية لصراعات لانهائية ينتفي خلالها البناء القيمي وتبقى فقط ملامح ذكورية مشوهة.
5 – ومن المهم أن ننبه إلى ان إنفراد الزوج بسلطة تطليق الزوجة في الشريعة الإسلامية قد ساهم بالتضامن مع الثقافة الذكورية السائدة في جعل ( يمين الطلاق ) هو الرمز لقمة سلطة الزوج على زوجته ، ولهذا يتكئ الأزواج في القاع الاجتماعي والقرى المصرية والأحياء الشعبية على هذه السلطة ، ليس في إنهاء العلاقة الزوجية وإنما في تأديب الزوجات وترهيبهن، حتى تنصاع الزوجة إلى طاعة الزوج حرصًا منها على الإبقاء على الأسرة والأطفال ، ولذا يبرز يمين الطلاق كعقاب تأديبي لا يحمل في معناه الحقيقي الطلاق الذي ينهى العلاقة الزوجية بالفعل ويحدث ذلك علي الرغم من تحذير رجال الدين للرجال بعدم استخدام يمين الطلاق تحت تأثير السكر والغضب، وطالما إن نية الطلاق غير مقصودة ، ولذا يصبح التهديد بالطلاق والتلويح بإنهاء الزواج واحدًا من أهم وسائل فرض السيطرة وسوق الزوجة إلي ما تكره ، كالاستيلاء علي مالها ومنعها من زيارة الأهل بقول الزوج : إن ذهبت لوالدتك دون إذني تكوني طالقًا، أو أن يقيد الزوج ولده الصغير بالحبال ويتركه يتألم أمام والدته وهي مقيده بيمين الطلاق الذي يلقيه الزوج في وجهها إن لمست ولدها أو حاولت فك قيده.
ويمثل الطلاق المشروط ، أحد أسوأ ممارسات الأزواج الذين يسيئون استخدام سلطة الطلاق دون أن يدركوا مدي الخطورة الشرعية الناجمة عن الاستخدام الأرعن لهذه السلطة والتي قد تؤدي بزوج مستهتر إلي هدم أسرته وتشريد أولاده.
7- إن تدني أداء المؤسسات المساندة للأسرة النووية كالمؤسسة التعليمية ومؤسسات التضامن الاجتماعي والأنساق القرابية قد ساهم بصورة غير مباشرة في أن تضطر الأسرة لتحمل سوء أداء المؤسسات اللصيقة بها، فالمدارس المتهالكة وحشر الطلاب في حجرات ضيقة تصيبهم بالاختناق ، وتقاعس المعلمين عن القيام بواجبهم في التدريس داخل المدرسة ليدفعوا الطلاب للدروس الخصوصية يحمل الأسرة المزيد من الأعباء المالية التي تهدد قدرتها علي الاحتمال ، حيث يؤكد الكثير من أبناء الطلاق أنهم يتعرضون في المدرسة للضرب والإهانة وتستخدمهم إدارة المدرسة في تنظيف المدرسة مما يدفع الفقراء من الطلاب إلي التسرب من التعليم للعمل في السن المبكرة أو إلي الشارع.
وتفتقد الأسرة النواة المساندة الاجتماعية التي اعتاد النسق القرابي تقديمها للأسرة ومن ثم يبدو النسق الأسري متخمًا بالمشكلات التي يحملها علي عاتقه مما يضاعف الضغوط التي تفتقد الأسرة القدرة علي مواجهتها منفردة، وإذا كانت الأسرة – شأنها شأن كل النظم الاجتماعية الأخرى تنظيم مؤلف من أدوار ، وإن الاستمرار في أداء هذه الأدوار بنجاح هو أمر ضروري إذا ما أريد للأسرة البقاء ، لذا فإننا نلاحظ أن الأزمات الأسرية الناجمة عن أحداث خارجية قد تؤدي إلي التصدع الأسري Broken Family كما إن افتقاد الأسرة إلي المساندة التي ينبغي أن تقدمها مؤسسات المجتمع الأخرى قد تؤدي إلي إخفاق غير متعمد في أداء الأسرة لأدوارها مما يزيد من حالات اغتراب الأسرة وعزلتها.
8 – تعجز الإدارات والمؤسسات المنوط بها تنظيم الطلاق في مصر عن عملها بالكفاءة التي يقتضيها الواقع الاجتماعي المتغير ، والذي صار يضاعف من معدلات الطلاق كمًا وما يحيطها من ظروف العنف والتفكك الأسري كيفًا.
وبمعني آخر يصبح كل ما هو خاص بتنظيم وإدارة الطلاق من الناحية “الرسمية” أعجز من أن يستوعب ما تموج به الحياة الاجتماعية ( غير الرسمية) وذلك يهدد تماسك البناء الاجتماعي كما يهدد بناء الدولة ذاته.
وتلك مناطق تحتاج إلي تدخل المجتمع المدني محتشدًا بكل طاقاته ليعوض قصور دور الدولة في دعم تلك المؤسسات لذا نقترح :
أ– إجراء دراسات متعمقة في مجال علم اجتماع التنظيم وعلم الاجتماع القانوني يكون موضوعها الأساسي ” النظام القضائي” وما يقوم عليه من قواعد تنظيمية ومستويات وظيفية ودوافع إدارية ومقارنة هذا كله بالواقع المهني” للنظام القضائي، مثال ذلك :
استطاع بحثنا أن يكشف من لقائنا بالسادة القضاة عن كم كبير من القصور المهني الذي يشوب عمل القضاة ، وهو قصور لا يعود إلى القضاة أنفسهم وإنما يعود إلى الصعوبات المهنية المتراكمة التي تجعل من عمل القاضي (إشكاليًا) خاصة بعد أن صار للتنظيم الإداري لمهمات القضاة يفتقر إلي إضافة مواقع مهنية جديدة ، منها مثلاً “دور قاضي التحضير” الذي يتخذ موقفه المهني ما بعد تحقيقات النيابة وما قبل القاضي الذي يصدر الأحكام.
أما جيش الإداريين المساعد والمكون من أمناء السر والمحضرين وسكرتارية الجلسات فإنه يمارس عمله الدقيق والشديد الحساسية محكومًا بقواعد بيروقراطية تعوق العدالة بدلاً من المساعدة علي تنفيذها. وهم يفتقدون في عملهم للمهارات المهنية المطلوبة كما إنهم يتحركون في إطار ثقافي متحيز ضد النساء ويفتقدون للوعي الاجتماعي والثقافي الذي يدعم المهارة الوظيفية ويوجههم لتحقيق العدالة.
وذلك فضلاً عما يتعرضون له من ضغوط الرشوة والفساد التي تطارد القائمين بتنفيذ الأحكام الخاصة بالرؤية والنفقة .. الخ.
ب – إعداد برامج تدريبية عالية المستوي لجميع المستويات الإدارية للنظام القضائي يرتفع من خلالها بالجانب المعرفي للقضاة والمحامين.
ج – إعداد ميثاق شرف يلتزم المحامون به عند دخولهم معترك الأحوال الشخصية خاصة وإن القضاة يكشفون عن بعض الممارسات المتناقضة مع شرف مهنة المحاماة عندما يحرص بعض المحامين علي تأجيل قضايا الأحوال الشخصية رغم أحقيتها في الحصول علي الحكم ، وذلك طلبًا للمال.
د– إنشاء صندوق دعم الأحوال الشخصية وهو وعاء مالي تساهم في إنشائه منظمات المجتمع المدني ، ويكون مهمته تنظيم حصول المحامين علي أجور معقولة لقاء دفاعهم عن الحالات غير القادرة من المطلقات العاجزات عن اللجوء للمحامي.
9- لاحظت الدراسة إن تقدير ( قائمة المنقولات) التي يوقعها الزوج عند عقد القرآن تمثل أهم مشكلات ما بعد الطلاق ، وذلك من خلال لقاءنا بكل من المطلقات والمطلقين والقضاة والمحامين والمأذونين وضباط الشرطة ومعاونيهم، إذ يستغرق تقدير مدي تطبيق قائمة المنقولات (المكتوبة ) مع المنقولات التي يتم تسليمها فعلاً وقتاً طويلاً من جميع من سبق ذكرهم، وتصبح هذه القائمة مسرحًا للتلاعب والتحايل من أطراف الطلاق مما يضطر رجال البوليس لأن يصبحوا طرفًا في صدامات عبثية لا نهاية لها.
ومن الغريب أنه لا توجد جهة رسمية أو اجتماعية حتى هذه اللحظة قادرة علي تطوير آلية مناسبة لحسم قضية القائمة بشكل يوفر علي أطرافها العديدة الوقت والجهد والصراع.
لذا اقترح القيام بدراسة متعمقة يضطلع بها رجال القانون وعلماء اجتماع لموضوع (القائمة), ويقومون من خلالها بابتكار أساليب عصرية ملائمة لحسم موضوع القائمة وذلك باستطلاع آراء الناس من الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية والمهنية المختلفة ، و تطوير تلك الآراء إلي تصور عملي حاسم للموضوع.
10 – برغم أهمية وفاعلية دور الأخصائي الاجتماعي والأخصائي النفسي في تقديم العون لحل المشكلات المترتبة علي الطلاق، إلا أن هؤلاء الاخصائين لا يتلقون من التدريب الكافي ما يجعلهم أكفاء بدرجة كبيرة للخوض في هذه المشكلات الشديدة التداخل والتعقيد، فالأمر أعقدو أكبر من مجرد توجيه بعض النصائح التعليمية والإرشادات العامة ، لذا من المهم أن يحظي الأخصائي بدرجة معرفة عالية كما ينبغي أن يكون ملمًا بقراءات في علم الاجتماع الأسري والعائلي.
وعند اختيار الأخصائي الاجتماعي والنفسي للعمل بالجمعيات الأهلية أو المحكمة لا تراعي بعض الاعتبارات ذات الأهمية البالغة ومنها سن العاملين بهذا العمل الذي يأخذ طابعًا “أبويًا” ضاغطًا علي أطراف النزاع ، الأمر الذي يبدو “شكليًا” في نظر البعض لكنه كشف في الممارسة عن أهمية بالغة حيث يلعب الأخصائي دور” كبير العائلة ” الذي يحظي بالتوقير والاحترام وتؤخذ نصائحه في الاعتبار من الأطراف المتنازعة. فكما عرفنا من الأخصائيات الاجتماعيات أن أطراف صراع الطلاق تدفع بكل من يحيطون بهم إلي أتون الصراع بما فيهم الأخصائي الاجتماعي الذي لا ينجو في معظم الأحيان من اتهام الطرفين له بالتحيز لصالح الأطراف الأخرى ، كما تتأثر الأخصائية الشابة ذاتها بأجواء مشكلات الطلاق بما يجعلها تخشي من انعكاسها النفسي علي حياتها الخاصة.
هذا فضلاً عن ضرورة إحاطة دور الأخصائي النفسي والاجتماعي ب“هيبة مهنية” تظهر في اعداد المكان الملائم الذي يقابل فيه أطراف الطلاق وفي توفير المساعدين المهنيين ، فدور الطبيب النفسي والاجتماعي لا يقل عن دور الطبيب البشري المعالج وما يحيط به نفسه من هالة التوقير والاحترام.
11 – من لقائنا مع المأذونين بدا واضحًا أن معايير اختيار من يعملون بهذه المهنة تحتاج إلي إعادة نظر وتعديل كبير ، لأنها تفتقر إلى مهارات ضرورية لمن يمارسها ولذا فان مجرد رضا شيخ الحارة ومساعد الشرطة عن شخصية المرشح للمأذون لا تعد معايير تؤكد نجاح المرشح للعمل بالمأذونية.
ومن الواضح إن المأذون يمتهن توثيق الزواج دون أن يمارس الدور الاجتماعي للمأذون والمقصود به توعية أطراف الزواج والطلاق ليس بإلقاء نص الآيات القرآنية القصيرة ، وإنما بإحاطة الأطراف بالمعلومات والتفاصيل الضرورية في حالتي الزواج والطلاق.
لذا نوصي بدراسة ” الخفي ” من دور المأذونين والمسكوت عنه وكذلك من المهم استطلاع المعلومات التاريخية عن هذه المهنة ، التي يتعامل الناس مع صاحبها لمدة ساعة واحدة في حياتهم خاصة بعد أن كشفت الدراسة أن ما يحصل عليه المأذون من أجر لا يخضع لمراقبة جادة من الجهات المسئولة مما شجع المأذونين علي اتفاق غير معلن علي إشاعة أن الدولة تفرض ضرائبًا باهظة كرسوم للتوثيق ولم تساهم الأجهزة الحكومية في توعية المواطنين بحقيقة الأمر واستغل الموثقين الموقف لصالحهم بصفتهم جماعة مصلحة في جهل المواطن بموقف الدولة الضرائبي.
لذلك ننصح بتوعية المأذونين ( توعية قانونية واجتماعية وثقافية) خاصة العاملين منهم في المناطق الريفية والقرى ، وذلك بعد أن أكدت الدراسات أن مأذون القرية يمارس عمله في ظل سيطرة ثقافية متحيزة ضد المرأة ويتواطأ في أحيان كثيرة مع الرجال الذين يتجهون لتطليق زوجاتهم ” غيابيًا ” ” فيحبس ” المأذون معلومات الطلاق عن المطلقة والتي تظن أنها مازالت زوجة ، وقد قررت إحدي حالات الطلاق في دراسة ” عايدة فؤاد . الطلاق بين النمط المثالي والنمط الواقعي” إنها ظلت خمس سنوات تجهل أو طلاقها بعد أن رحل عنها الزوج للالتحاق بالجيش وطلقها قبل رحيله دون إخطارها ، فلما ذهبت لمأذون القرية الذي وثق طلاقها ” غيابيًا” إذا به يرفض أن يمكنها من وثيقة طلاقها مستغلاً ذلك جهلها بحقوقها القانونية وقلة حيلتها.
ولذا نقترح إحكام مراقبة الجهات المعنية لعمل مأذوني الريف والبعيدين عن عين السلطات المركزية.
كما نقترح أن تغطي ثغرات قوانين الأحوال الشخصية التي ” تتسع” بسبب “التواطؤ غير المعلن” بين القائمين علي تنفيذها ” كالمأذون” الذي يتجاهل “دوره القانوني” ويتعرف في أداء عمله بصفته مجرد رجل تحكمه الثقافة الرجالية.
12 – ويعد دور الخطاب الديني المعوق لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الجنسين جديرًا بمواجهات حاسمة وجادة من جانب التنظيمات الأهلية والجمعيات النسائية إذ لا يكفي الرد علي الادعاءات الظالمة للمرأة بمجرد إقامة ندوات أو تدبيج بعض المقالات ، بعد أن امتلك الرجعيون ميكرفونات المساجد ، وسجلوا ملايين الأشرطة المحرضة ضد النساء ، فخلقوا مناخًا اجتماعيًا وثقافيًا داعمًا لتسيد جنس علي آخر ، وذلك من خلال قنوات فضائية ملحة علي الأذهان بكل ماهو مخرب للعقول فاستعدوا رجال المجتمع علي نسائه، ودفعوا بالنساء إلى قبول الظلم بصفته واقع لا سبيل إلى رفضه.
لذا نقترح أن نستخدم نفس الأسلحة “فالإعلام في مواجهة الإعلام” ينبغي أن يكون شعار الفترة القادمة من العمل الأهلي لصالح العدالة إذ يمكن رفع صوت المستنيرين والمناصرين للعدالة الاجتماعية بخلق قنوات اتصال قوية بالمجتمع كله.
ولقد أعترف لنا في مؤتمر خاص بمشروع ” تعديل قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية” وتم عرض ” التكلفة الاجتماعية للطلاق ” أحد رجال الدين الإجلاء، بأن الدور الاجتماعي لرجال الدين قاصر لافتقاد رجال الدين للمعرفة السسيولوجية ، كما أنه قد اعترف كذلك بأن رجال الدين يلعبون دورًا سلبيًا في معظم الأحيان عندما يتوجهون بالنصائح للزوجين للإبقاء علي التماسك الأسري.
13 – ومن الواضح إن التنازع بين الكنائس المختلفة المذاهب ( كاثوليكية – الأرثوذكسية – الإنجيلية ) وبين القانون الوضعي قد جعل من مشكلة الأحوال الشخصية عند المسيحيين امرًا شديد الحساسية والتعقيد ، ولم تعد الكنيسة هي “الملاذ الاجتماعي” كما أنها الملاذ الديني للمواطن المسيحي فصارت معاناة المسيحيين ضد التفكك الأسري وأزمات الزواج ” شأنًا اجتماعيًا” منفصلاً عن الشأن الديني وأمور الدعوة المسيحية ، والواقع أن الكنائس علي اختلاف المذاهب تؤمن أن الوقاية خيرًا من العلاج في قضية الطلاق لذا فهي تتجه إلي تهيئة الشباب للتعرف علي أمور الزواج في برامج ( مشورة ماقبل الزواج) كما سبق أن ذكرنا ، لكنه ما أن يتجه الزوجان إلي طلب الانفصال عن بعضهما حتى تفرض الكنيستان ” الأرثوذكسية والكاثوليكية” شروطهما التي ذكرناها من قبل ، وهي شروط تعاني من صرامتها وتعنتها النساء المسيحيات أكثر من الرجال لأنهن يمثلن النسبة الأكبر من المتقدمين لطلب الطلاق من الكنيسة حيث تتداخل الثقافة الذكورية التي تفسح السبيل للرجل كي يمارس حياته داخل وخارج العلاقة الزوجية ، ويتسع المجال الاجتماعي لهم للحركة الحرة ، بينما تنحصر حياة المرأة المتزوجة اجتماعيًا داخل جدران بيتها وفي أضيق الأطر الاجتماعية وعلاقات القرابة، وبهذا تصبح معاناتها من سوء معاملة الزوج واضطهاد ذويه لها امرًا لا فكاك منه ، لأن هذه الأسباب لا تندرج تحت الشروط التي تشترطها الكنيسة للحكم ببطلان الزواج أو فسخ عقده.
لذا فان المجتمع المدني مطالب باستكمال مسيرة إقناع الكنائس الثلاث بالتوصل إلي رؤية ثاقبة تضمن ألا ينفرط عقد شعب الكنيسة فيعيش حياة مزدوجة, يخضع فيها لقوانين دينية تتصارع مع القوانين الوضعية.
1- إجلال اسماعيل حلمي: محاضرات في علم الاجتماع الأسري. جامعة عين شمس 1999. ص ص 191 – 222
2 – إلهام عفيفي: ظاهرة الطلاق. المجلة الاجتماعية القومية. المركز القومي للبحوث الاجتماعية المجلد 14 الأعداد (1،2،3)1977.
3- أشرف مصطفي كمال: موسوعة قوانين الأحوال الشخصية معلقًا علي نصوصها. الجزء الأول دار العدالة . القاهرة 2000 ص ص 139 -160
4- الطاهر الحداد: “أمر أتنافي الشريعة والمجتمع مطبوعات المجلس الأعلي للثقافة. القاهرة 1999 ص ص 89 – 106
5- أحمد كمال أبو المجد: الاتجاهات المستحدثة في معالجة إشكالية المرأة العربية. ندوة المرأة العربية والتغيرات الاجتماعية والثقافية 13 – 15 يناير 1987 مطبوعات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية . الطبعة الثانية 1998 ص ص 208
6- حنان مساعد : ثقافة العولمة وأثرها علي الطلاق الوجداني في مصر والسعودية رسالة ماجستير غير منشورة جامعة عين شمس 2000 ص ص139 -160.
7- داليا نبيل حافظ: أثر طلاق الوالدين علي النضج النفسي لأبنائهم المراهقين رسالة ماجستير غير منشورة. كلية الآداب جامعة عين شمس. 1999 ص ص 19-216
8- رويدا السيد أبو العلا: التغير الاجتماعي وظاهرة الطلاق في المجتمع المصري رسالة دكتوراه غير منشورة. جامعة عين شمس. القاهرة 2008 . ص ص 5 – 135 .
9 – سامية قدري ونيس: عادات الزواج والطلاق عند الأقباط بين الشريعة والواقع, دراسة ميدانية بمحافظة الجيزة ، رسالة دكتوراه غير منشورة. كلية البنات، جامعة عين شمس 2000 ص ص 19 – 76.
10 – سناء الخولي : الأسرة والحياة العائلية دار المعرفة الجامعية الاسكندرية ص ص.
11 – سناء المصري: خلف الحجاب. دارسينا. القاهرة 1989 ص ص 41-85.
12 – سهير لطفي: المشكلات الاجتماعية والقانونية في مجال الأحوال الشخصية المجلة الاجتماعية القومية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الطبعة الأولي. 2000 ص ص 110 – 186.
13 – صباح محمود عبد العال: الطلاق بين المهنيات في مصر؛ رسالة ماجستير غير منشورة كلية الآداب جامعة عين شمس. 1990 . ص ص 220-240.
14 – عايدة فؤاد شكري: الطلاق بين النمط المثالي والواقعي دراسة أنثروبولوجية في إحدي القري المصرية . رسالة دكتوراه غير منشورة. كلية البنات جامعة عين شمس. 1991 ص ص 210 – 320.
15 – علياء شكري وآخرون: المرأة في الريف والحضر. دار المعرفة الجامعية الاسكندرية 1988. ص ص 456 – 481.
16- عادل محمد هريدي: الاتجاه العام نحو المرأة المطلقة. رسالة ماجستير غير منشورة. كلية الآداب، جامعة عين شمس 1984 ص ص
17 – ليلي كامل عبد الله: الشباب والاختيار للزواج “المعايير والتحولات” مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة ، مجلد 66 العدد 4 أكتوبر 2006.
18 – محمد سليم العوا: الاسلاميون والمرأة ، الوفاء للطباعة. المنصورة 2000 ص ص 15 – 26
19 – محمد نور فرحات: التاريخ الاجتماعي للقانون، دار النهضة القاهرق ص ص 153 – 184
20 – محمد سيد أحمد: مرجع سابق ص ص 16 – 35
21 – محمد بن سعيد الغامدي: بعض الآثار الاجتماعية المترتبة علي الطلاق من وجهة نظر المرأة، رسالة ماجستير غير منشورة كلية الآداب. جامعة عين شمس ص ص 310 – 333.
22- معن خليل عمر : علم اجتماع الأسرة ، دار الشروق للنشر، عمان، الأردن سنة 2003 ص ص 214-233.
23- نادية حليم: قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين، مركز قضايا المرأة المصرية الطبعة الأولي 2006.
24 – هدي زكريا: حقوق المرأة ومنظومة القيم الاجتماعية سلسلة اصدارات منتدي حوار الثقافات (33) الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية سنة 2007 ص ص 125 – 135
25 – هدي زكريا: القوي الاجتماعية الفاعلة في صناعة القانون، مجلة كلية الآداب جامعة الزقازيق 1999 ، ص ص 143 – 173.
26 – هدي زكريا: الخلع دراسة في علم الاجتماع القانوني، مركز قضايا المرأة المصرية 2003.
27 – هدي زكريا : الثقافة ذات العين الواحدة ، مقال بمجلة المحيط الثقافي, العدد57 يوليو 2006.
1- Alessandra Tanesine: Whose language ? In knowing the difference, Routlege. London and New York 1994pp205.
2- Diane Elam: Feminism and deconstruction, Peterlane, London, 1993 pp9-18.
3- Diane Reay: Feminist theory . Habitus and social Class: Disrupting notions of classlessness, women,s Studies International Forum Vol. 12-1997. p225.
4- DorothyE. Smith: the every day world as a problematic, a feminist sociology, Rniversity of Toronto-Press, 1990 pp. 17-29.
5- Miranda Fricker: theoring the Role of Gender, Vabie and Philosophy in Knowing the Sifference, New York, pp95-109.
6- Marnia Lazreg: women’s experience and feminist Epistmology,a critical rationalist approach, in knowing
The Difference, London and New York, 1994pp.45-59.
7- Oshadi Mangena: against Framentation the need for Holism in knowing the Defference, Routledge London New York 1994,p79.