العدد الرابع- المرأة الجديدة
رقم العدد:
4
تاريخ النشر:
1990
الافتتاحية
على الرغم من التطور الحضاري والتقدم الهائل الذي أحرزته البشريةُ في جميع المجالات، ومع إرهاصات القرن الحادي والعشرين، فما زلنا في مجتمعنا المصرى نناقشُ ونجادلُ هل تخرجُ المرأةُ للعمل أم تعود للمنزل؟
وفي الواقع ارتبط ارتفاعُ الصيحات المطالبة بعودة المرأة للمنزل؛ بمجمل التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في مصر خلال عقدي السبعينات والثمانينات، وما أفرزتهُ هذه التحولات من مشكلاتٍ اقتصادية واجتماعيةٍ عنيفة، كان لها آثارها الشديدة على المجتمع المصرى، كالبطالة وارتفاع معدلات الهجرة، وتفسخ الروابط الأسرية، إدمان المخدرات والهرويين وانحراف الشباب… إلخ، وبدلاً من التوجه الحاسم لمعرفة أسباب هذه الظواهر وإيجاد الحلول الجذرية لها، كانت المرأةُ أحد أكباش الفداء الذي يُقدمه أصحاب هذا الرأى، موجهين نصلهم الحاد إلى أن خروج المرأة للعمل هو أحد الأسباب الطبيعية والمنطقية لما يعانيه المجتمعُ من مشكلات.
إن العمل باعتباره أحد الحقوق الإنسانية والاجتماعية التي يجبُ أن تتمتع بها المرأة كإنسان، هو أحد أشكال تحرر المرأة وتحقيق ذاتها، وهو ما يمثل الدافع الحقيقي لتكون عنصرًا منتجًا وفعالاً في المجتمع، وأي حديث عن تطور المجتمع وتقدمه الحقيقي لا يستطيع أن يُغفل أهمية مشاركة المرأة في مُجمل العملية الإنتاجية جنبًا إلى جنب مع الرجل، وليس تقليص دورها وتهميشه لرعاية الأبناء والزوج.
وبالرغم من ذلك فقد ارتفعت أصواتٌ نسائيةٌ تطالبُ أيضًا بعودة المرأة للمنزل وتراجعت لدى العديد من النساء العاملات فكرة العمل كقيمة اجتماعية وحق إنساني لهن، وأبدين استعدادهن للعودة للمنزل وترك عملهن لو استطعن الحصول على مصدر آخر للإعالة.
إن هناك أسبابٌ عديدة لهذا الموقف من المرأة نفسها، حيث إن الظروف المادية بالغة الصعوبة، وأزمةُ المواصلات وعدم توفر دور الحضانة المناسبة، وتمزقها الهائل بين أعباء عملها وأعبائها كأم وزوجة وربة بيت، مع عدم توفر أي ضماناتٍ اجتماعية حقيقية يُفاقم من استنزاف المرأة وإنهاكها ويدفعها للاستسلام للحلول الأسهل.
على أية حال، وبالرغم من هذا الجدل الدائم حول المرأة والعمل فإن المرأة قد خرجت فعلاً للعمل، ومن الصعوبة بمكان أن تعود مرةً أخرى للمنزل حيث أنه لا يمكن أن نوقف عجلة التاريخ والتطور الحضاري، ولكن علينا أن نبحث كيفية حل مشاكل المرأة العاملة في إطار الظروف المتغيرة التي تواجهها الآن.