لماذا هذا العدد؟
نتوجه إليكم بهذا العدد الجديد من نشرة المرأة الجديدة الذي يتناول قضية المرأة المصرية والعمل، وذلك ضمن نشاط برنامج العمل الذي يتناول العوامل المختلفة التي تحكم موقف المجتمع من عمل المرأة (القوانين – خطاب الدولة – الخطاب الأصولي) وواقع المرأة العاملة نفسها، وتعريفٌ بماهية العمل بالنسبة لقطاعٍ واسعٍ من النساء.. وبالتالي ما يجب أن يكون عليه تعريفنا للعمل، انطلاقًا من الواقع الحياتي لأغلبية النساء في مصر.
إن الطبيعة المتنوعة والمتعددة لعمل المرأة ساعدت لزمنٍ طويلٍ على إبقاء هذا العمل خارج الإحصاء الرسمي… ومن ثم التقييم أو القياس ضمن الموارد الاقتصادية للدولة. كما ساعد في ذلك أيضًا أن المناهج والنظم الاقتصادية الحديثة التي رأت في الإنتاج الكبير تكثيفًا شديدًا للربحية – بما احتوى عليه من فصل وسائل الإنتاج عن المنتجين نهائيًا – أعطت هذا النوع من الإنتاج الأولوية المطلقة من حيث نصيبه من الموارد وتقييمه داخل الاقتصاد، وهذا على حساب ما سمي بالعمل “غير الرسمي“.
ولأن عمل المرأة تاريخيًا، والذي كان يتمثل في الزراعة والاقتصاد المنزلي، كان يقع تحديدًا ضمن هذا القطاع، فقد خرجت المرأة تمامًا من تعداد المنتجين، واعتبر غالبية النساء في كافة الإحصائيات الحديثة “لا يعملن“. وفقًا لأحدث تعداد رسمي مصرى، هناك ١١ – ١٣% فقط من النساء يعملن في مصر (مركز التعبئة والإحصاء. … ١٩٨٦) أي أنه وفقًا لهذا القياس، فإن هناك ما يقرب من 87% من النساء المصريات “لا يعملن” !!!! ومن الصعوبة تصديق هذا الحكم الغريب الذي تصدره هذه الإحصائية. والتي تنقل وعينا إلى صورة يصعب الإقرار بها إذا كانت معايشتنا للواقع قادرة على محو قوة الأرقام، وإذا كنا قد اخترنا وعيًا لا يسهلُ خداعه. فلا يمكن لأحد أن يسير بين الأحياء الفقيرة دون أن يرى مئات الأعمال التي يقوم بها النساء. بلا توقف وبلا رحمة. فلماذا إذن يتسرب هذا العمل من الوعي الرسمي والاجتماعي؟ وما هي نتائج هذا التسرب؟
نتائجه أن النساء يعملن عملاً لا يُحتسب..
ولأن النساء يعملن دون أن يُحتسب عملهن.. فإن السياسات العامة – اقتصاديةً كانت أو اجتماعية – تُصاغ دون وضعهم في الاعتبار .. في حين أنهن دائمًا يدفعن ثمن هذه السياسات.. فيقمن بالأعمال التي لا يريد أحدٌ القيام بها – حكومة كانت أو مؤسسات أو أفراد .. ويحملن مسؤولية هذه السياسات، ثم يُطلب منهن توفير حلولها بأن يلزمن منازلهن أو يتوقفن عن الإنجاب أو يرتدين الحجاب … إلخ .. ويحملن أعباءً لم يخترنها .. ثم تسقط هذه الأعباء مرة أخرى من دائرة اهتمام الرأي العام، طالما أن هناك من يقوم بها في صمت.. فيخرج الخطاب الرسمى معبرًا عن واقعٍ غير موجود .. ويخرج التحليل العام خاليًا من مفرداته .. فيصبح بلا معنى.. وتصبح الأرقام خالية من شئٍ حقيقى تعكسه ..
هذه النشرة محاولةٌ لتسليط الضوء على هذا المضمون.. نعرض فيها ندوةً نظمتها “المرأة الجديدة” لمناقشة ورقتها حول مشروع قانون العمل الجديد, وأثره على النساء.. إلى جانب حوار مع امرأة لا يُمثلها رقم في الإحصاءات الرسمية.. مع بعضٍ من أخبار ونتائج القمة الاجتماعية التي عقدت بكوبنهاجن في مارس من هذا العام…
إن مشروع قانون العمل الموحد المزمع مناقشتهُ في مجلس الشعب المصري في دورته القادمة، يُجسد نموذجًا خاصًا جدًا لتلاقى مصالح الاقتصاد الحر – ممثلاً في الإصلاح الهيكلي – مع مصالح التيارات الرجعية، وعلى رأسها الإسلام السياسي، في تهميش دور المرأة والتضحية بها لحل مشاكل “المجتمع ككل ” كما يقولون، كما لو كانت هي خارجة عن هذا المجتمع، ولا يتضمنها هذا “الكل“.
ورغم أن القانون (السابق) كان به من الثغرات ما يسمح لصاحب العمل أن يتجاوز حقوق العاملين والعاملات، أو كان في صياغته يحملُ هامشًا يسمح بهذا التجاوز فعليًا (مثل اشتراط 100 عاملة لتوفيرٍ دار حضانة، وتحرير صاحب العمل من هذه المسؤولية إذا نقص العدد عن ذلك بعاملة واحدة) إلا أن القانون الموحد جاء ليقنن الكثير من هذه التجاوزات، فيقتصر بعض الأعمال على الذكور فقط بحكم المشقة أو الأخلاق – أيهما أنسب – ويضعُ من القيود الأخرى التي سوف تتناولها مذكرتنا، ما يضعُ العاملات أمام اختياراتٍ مستحيلةٍ في كثيرٍ من الأحيان. ثم هو لا يكتفى بتنظيم علاقات العمل، وإنما يستلهم من الخطاب الديني السائد، أن مكان المرأة الطبيعي هو المنزل، ودورها الطبيعي هو الحفاظُ على الأسرة, ويشجعُ النساء على ترك العمل – بصريح العبارة – لكى يلتفتن إلى أسرهن وتحميلهن في ذلك مسؤولية الرقي بالمجتمع والحفاظ على كيانه. وكأن هناك تناقضٌ بين العمل وبين تكوين الأسرة. وكأنه يتجاهل – عامدًا أو عن جهل – أن الحال بالنسبة إلى ٢٥% من الأسر في مصر: أن عمل المرأة هو الذي يحفظها من الانهيار، لغياب عائلٍ بديل. وليس من قبيل المصادفة أن يلتقى هذا القانونُ الذي يجيءُ في سياق عمليةٍ خصخصة شاملة تضمنت المصنع والمدرسة والمستشفى، مع خطاب سیاسی رجعي يلبسُ ثوبًا إسلاميًا، يقتطع في كل يومٍ من المكتسبات التي أنجزتها الحركةُ النسائية المصرية على مدى تاريخها، ويحصر المرأة في دائرةٍ جغرافيةٍ ضيقةٍ تقتصر على منزلها، ودائرةٍ فكريةٍ أضيق تهدف إلى استيعابها بشكلٍ كاملٍ في تفصيلات الثوب ونبرة الصوت والاختلاط والخروج والدخول…إلخ من تفاصيل يُمثل الحديث فيها رفاهيةً بالنسبة للأغلبية العظمى من النساء المصريات اللاتي لم يفكرن في الأغلب فيما إذا كان العمل حق أو واجب، وإنما خرجن إلى العمل لأنه من المستحيل بدونه ضمان الحد الأدنى من المعيشة لهن ولأسرهن.. في محاولةٍ مستمرةٍ لكي لا ينخفض هذا الحد الأدنى إلى ما هو أدنى منه .
إن هذا الالتقاء، جاء لا ليكشف العلاقةَ القويةَ بين الإصلاح الهيكلي والفكر الرجعي – فيما يخص المرأة – فحسب، وإنما جاء ليعكس تغليب مصلحة الصفوة – سواء الطبقية أو الذكورية – على مصالح الفئات الفقيرة من الشعب عامة، والمرأة الفقيرة بشكلٍ خاص.إن مشروع قانون العمل الموحد المزمع مناقشتهُ في مجلس الشعب المصري في دورته القادمة، يُجسد نموذجًا خاصًا جدًا لتلاقى مصالح الاقتصاد الحر – ممثلاً في الإصلاح الهيكلي – مع مصالح التيارات الرجعية، وعلى رأسها الإسلام السياسي، في تهميش دور المرأة والتضحية بها لحل مشاكل “المجتمع ككل ” كما يقولون، كما لو كانت هي خارجة عن هذا المجتمع، ولا يتضمنها هذا “الكل”.
ورغم أن القانون (السابق) كان به من الثغرات ما يسمح لصاحب العمل أن يتجاوز حقوق العاملين والعاملات، أو كان في صياغته يحملُ هامشًا يسمح بهذا التجاوز فعليًا (مثل اشتراط 100 عاملة لتوفيرٍ دار حضانة، وتحرير صاحب العمل من هذه المسؤولية إذا نقص العدد عن ذلك بعاملة واحدة) إلا أن القانون الموحد جاء ليقنن الكثير من هذه التجاوزات، فيقتصر بعض الأعمال على الذكور فقط بحكم المشقة أو الأخلاق – أيهما أنسب – ويضعُ من القيود الأخرى التي سوف تتناولها مذكرتنا، ما يضعُ العاملات أمام اختياراتٍ مستحيلةٍ في كثيرٍ من الأحيان. ثم هو لا يكتفى بتنظيم علاقات العمل، وإنما يستلهم من الخطاب الديني السائد، أن مكان المرأة الطبيعي هو المنزل، ودورها الطبيعي هو الحفاظُ على الأسرة, ويشجعُ النساء على ترك العمل – بصريح العبارة – لكى يلتفتن إلى أسرهن وتحميلهن في ذلك مسؤولية الرقي بالمجتمع والحفاظ على كيانه. وكأن هناك تناقضٌ بين العمل وبين تكوين الأسرة. وكأنه يتجاهل – عامدًا أو عن جهل – أن الحال بالنسبة إلى ٢٥% من الأسر في مصر: أن عمل المرأة هو الذي يحفظها من الانهيار، لغياب عائلٍ بديل. وليس من قبيل المصادفة أن يلتقى هذا القانونُ الذي يجيءُ في سياق عمليةٍ خصخصة شاملة تضمنت المصنع والمدرسة والمستشفى، مع خطاب سیاسی رجعي يلبسُ ثوبًا إسلاميًا، يقتطع في كل يومٍ من المكتسبات التي أنجزتها الحركةُ النسائية المصرية على مدى تاريخها، ويحصر المرأة في دائرةٍ جغرافيةٍ ضيقةٍ تقتصر على منزلها، ودائرةٍ فكريةٍ أضيق تهدف إلى استيعابها بشكلٍ كاملٍ في تفصيلات الثوب ونبرة الصوت والاختلاط والخروج والدخول…إلخ من تفاصيل يُمثل الحديث فيها رفاهيةً بالنسبة للأغلبية العظمى من النساء المصريات اللاتي لم يفكرن في الأغلب فيما إذا كان العمل حق أو واجب، وإنما خرجن إلى العمل لأنه من المستحيل بدونه ضمان الحد الأدنى من المعيشة لهن ولأسرهن.. في محاولةٍ مستمرةٍ لكي لا ينخفض هذا الحد الأدنى إلى ما هو أدنى منه .
إن هذا الالتقاء، جاء لا ليكشف العلاقةَ القويةَ بين الإصلاح الهيكلي والفكر الرجعي – فيما يخص المرأة – فحسب، وإنما جاء ليعكس تغليب مصلحة الصفوة – سواء الطبقية أو الذكورية – على مصالح الفئات الفقيرة من الشعب عامة، والمرأة الفقيرة بشكلٍ خاص.