يتطرق العرض التالي لصورة المرأة في مناهج التعليم في المرحلتين الإعدادية والثانوية للعام الدراسي 1995 – 1996، ومركبات الأدوار الخاصة بالنوع والأدوار المخصصة للمرأة وللرجل. والجدير بالذكر أن المناهج تمر بمرحلة تطوير، فالكتب الجديدة للمرحلة الابتدائية تُستخدم في المدارس منذ عدة سنوات، أما المناهج الجديدة للصفين الأول والثاني الإعدادي، فقد دخلت المدارس لأول مرة هذا العام، ومن المنتظر أن تدرس كتب الصف الثالث الجديدة في العام القادم، وهكذا. وستتم الإشارة إلى المناهج المطورة في خاتمة الدراسة لعرض وجه اختلافها وتطورها عما سبقها، والإشارة إلى اتجاهاتٍ أخرى للتطوير.
إن النظام التعليمي في مصر يعتمد على الحفظ بدلاً من فهم واستيعاب التلميذ للمعلومات، وذلك يؤثر على طريقة تقديم المادة، بمعنى أنها تُعد في المناهج في شكل كبسولات من المعرفة سهلة الحفظ، وبالتالي تكون مبسطةً وسطحية مما يقلل من قيمتها المعرفية .
ومع أن الدولة تشجع تعليم البنات، وتفخر بمعدلات الالتحاق لهن، إلا أنه يحدث ديناميكية مزدوجة، حيث يبث المنهج في نفس الوقت رسائل مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ عن أحادية دورها في الحياة كأمٍ وزوجة، ففي هذا الصدد تُظهر المناهج خطابًا برجوازيًا محافظًا يحدد أدوار المرأة في أدوارٍ منزليةٍ في إطار الأسرة الحضرية النووية السعيدة، حيث يعمل الرجل ويكافح خارج المنزل، وتعمل زوجته داخل المنزل على راحة ورفاهية أفراد الأسرة، بروح تضحيةٍ سامية، ولا يُعترف لها بأي شخصيةٍ أو كيان خارج إطار هذه الأسرة. ويُضفي أيضًا المنهج على دور ربة البيت شيئًا من الواجب الوطني، حيث إنها تؤدى المهمة الوطنية المعظمة الممجدة بتربية الأجيال القادمة على نحو ما يقول الشاعر “الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق“. وأخطر ما في هذه الرؤية الأحادية، عدم منح التلميذ أو التلميذة حرية الاختيار في تصور حياته المستقبلية، وتربيته على نمطٍ يكون مصطنعًا.
وإذا بدأنا بمادة التاريخ، نجد أن أدوار المرأة في المنزل تُوضع في إطارٍ تاريخي طويلٍ مُمجد، فتظهر المرأة كأنها ربة بيتٍ منذ بداية تاريخ مصر القديم، وأن ذلك شئ عمومي لا تحيد عنه حياة أي امرأة. فمثلاً، جاء في كتاب تاريخ مصر القديم في جزءٍ عنوانه “الأسرة ومكانة المرأة في المجتمع” أن المرأة دائمًا تصور في إطار أسرةٍ وليس بمفردها، إذ يقول الكتاب: “الأسرة في مصر الفرعونية تقوم على التعاون والحب المتبادل بين أفرادها، وكان الزوج رب الأسرة يقوم بتوفير احتياجات الأسرة بينما تقوم الزوجة على مشاركته في تحمل أعباء تربية الأطفال، وكانت أيضًا تُشارك زوجها في الحقل، وتقوم على تربية الطيور في منزلها .
وكانت منزلة المرأة في مصر الفرعونية منزلةً رفيعة، فالمرأة كانت لها مكانتها في عالم الآلهة التي عبدها قدماء المصريين، ولم تكن “إيزيس” إلا رمزًا للمرأة المصرية الساهرة على حماية بيتها باعتبارها زوجةً وأمًّا.
ونرى هنا الوحدة الأساسية للمجتمع هي الأسرة، وتشغل المرأة في داخلها منصبًا ثانويًا بالنسبة للرجل، فلا تحتفظ بكيان مستقلٍ عنه أو عن هذه الوحدة التي تضحي من أجلها كأنها أساس وجودها في الحياة.
وأود أن ألفت النظر إلى استخدام إيزيس في هذا السياق، فهو يُجردها من مكانتها كجزء من أسطورةٍ خالدةٍ مركبةٍ عن الحياة والموت والبعث، ويحولها إلى صورةٍ نمطيةٍ سطحيةٍ للزوجة والأم المضحية .
وفي الأحيان التي لا تُسجن فيها صورة المرأة في دور الزوجة والأم، تتعرض لتشويهٍ آخر على مستوى المجتمع، فيقول الكتاب: “وقد حرصت المرأة المصرية على الاهتمام بزينتها، فاستخدمت أدوات الزينة مثل الكحل والحلى، ومثل الأساور والعقود والخواتم والقلائد .. إلخ.” ثم يقترب هذا الوصف من النرجسية حين نقرأ: “وكانت المرأة من أهم حاجات المرأة التي لا غنى لها عنها“.
وإذا انتقلنا إلى مناهج اللغة العربية، نرى أنها تحتوى على بعض نماذج من القدوة الصالحة للتلاميذ. وتعرض كتب القراءة بطريقةٍ مباشرة فكرة التربية المختلفة والاهتمامات المختلفة للبنات والأولاد . فتبرز قصيدتان في مقدمة كتاب الصف الثالث الإعدادي هذه الصورة المزدوجة لرؤية المجتمع للجنسين/ النوعين. ويمكن أن تقرأ كل قصيدةٍ بمفردها، فلا يظهر الازدواج، ولكن الكتاب يُقدمهما بحيث تكمل كل منهما الأخرى. فتبدأ “يا ابنتي” يطلب الأب من ابنته “يا ابنتى، إذا أردت جمالاً يتحلى به الجسم، ويزدان به العقل، فابتعدى عن التزين المعيب، لأن جمال النفوس أشرف من كل جمال، وإنه لزين الوجه أن تبدو عليه دلائل الشرف والعزة، وإن الحياء لخير ما تتحصن به الفتاة، لأنه أحق بها. ولن تسعد فتاةٌ تخلت عن الحياء. ولا يتحجر قلبك أمام مناظر البؤس والفقر، بل يجب أن يرى منك البائسون دموع الرثاء لحالهم، فهي أجمل من اللآلي؛ لما تدل عليه من رحمةٍ ورقة. وذلك ما أطلبه منك، وأنت يا ابنتي لن تردي للأب طلبًا“.
وعلى عكس هذه المجموعة من المطالب والمبادئ السلوكية التي تُطلب من البنت، تأتى القصيدة الثانية “ولدي” فتقدم مدحًا أعمى من أبٍ لولده فهو: “المصباح المنير الذي يؤنسه في حياته، لذا فهو يفيض عليه من حنانه ما لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنه. الشاعر يحاول أن يكتم عن الناس بلسانه ما يشعر به من حبه العظيم لابنه، ولكن دموعه وقسمات وجهه تعلن ما يكتمه، وهو لا يرى عيبًا في ذلك، لأن ابنه كان أقصى ما يتمناه، حتى إنه لا يريد من الحياة مزيدًا على سعادته بابنه .. وكل ما عداه ليس إلا زيادةً تافهةً يمكنه الاستغناء عنها. وإذا مرض أو شكا من شئٍ فإن الدنيا تصبح كالصحراء الجافة الموحشة .
فلا يطلب من الولد شئ حتى وإن كان بهدف حب أبيه، بينما البنت تُحاصر بمبادئ اجتماعيةٍ وسلوكيةٍ يجب أن تخضع إليها، وإلا يأتي التحذير أنها لن تسعد إذا لم تعمل بهذه المبادئ التي يضعها المجتمع الأبوى، فنلاحظ أن القصيدة جاءت على لسان الأب، وأن من سمات البنت الصالحة ألا ترفض طلبًا لأبيها. وتؤكد الأسئلة التي تلى القصيدة الأولى واجب البنت الوطني بالالتزام بحدودها“: إذا زودت الفتاة بالعلم النافع والخلق القويم، صارت أساس أسرةٍ هانئةٍ وأمةٍ شامخة ناهضة بجلائل العمل. اكتب في هذا الموضوع” .
ويظهر صراعٌ في المناهج بين صورة المرأة المتواضعة المحتشمة كربة بيتٍ، وصورتها كامرأة عاملة، ومن هنا يتم تعريف عمل المرأة كجزءٍ من تضحيتها من أجل بيتها وأسرتها، ففي موضوع عنوانه “العمل ضرورةٌ إنسانية” يتم وضع شروط لخروج المرأة للعمل، فيتبين أنه ضرورةٌ إنسانية للرجل فقط، فيبدأ الموضوع بالقول إن عمل المرأة الآن أصبح حقيقة اجتماعية واقتصادية: “بقى شئٌ هام أوصت به الأديان ورجال الاجتماع ومفكروا الأمم، وهو الحفاظ على الاحتشام والابتعاد عن البهرجة والزينة أثناء القيام بالعمل أو السعى إليه، والجدية والإخلاص واستمرار المتابعة ورعاية الأبناء والبنات، لأن تلك الرعاية هي المسؤولية الأولى للوالدين، وخاصة المرأة.
سؤال مُلحٌ آخر: “هل المرأة المتفرغة لشؤون بيتها امرأة عاملة؟ نعم، فهذا هو الواجب الأول المرأة، والعمل المرموق في حياتها .. وهي المربية للرجال والنساء، والمنشئة للأجيال المتتابعة قادةً ومقودين، حُكامًا ورعية .
مرةً أخرى تُحصر أدوار المرأة في دورها الإنجابي، ولا يعطى ذلك التصور أي فرصةٍ للتلميذات لتخيل أي مستقبلٍ آخر. وإذا واصلنا القراءة نقابل مجموعةً من الأحاديث النبوية متعلقة بأهمية العمل في الحياة، وتكون القطعة السابقة بمثابة مقدمة للأحاديث، وبينما لا تضع الأحاديث أي شروطٍ لعمل المرأة، وتتكلم عن العمل بصفةٍ عامة، إلا أن المقدمة تبادر بذلك كأنها تفسيرٌ للأحاديث بما يتلاءم مع مجتمعنا الحالي في رأي مؤلفي الكتاب.
وكما قابلنا “المرأة المصرية” في تاريخ مصر الفرعوني، نقابل الآن “المرأة العربية” عنوان موضوع قراءة يأتي ضمن وحدةٍ تحت عنوان “وطنيات“، حيث تحصر صورة المرأة العربية في الآتي: كان تاريخ المرأة هو تاريخ الرجل، وكان جهادُها هو جهادُه، وكان مجدُها هو مجدُه، لقد كانت المرأة العربية بالنسبة لما شاهدنا في خلاصة حال المرأة في العالم القديم والعالم الحديث في تاريخ النساء: أعظم أمٍ وأكرم زوجةٍ وأنبل ملكةٍ وأشجع مقاتلةٍ وأصدق زميلةٍ وصاحبٍ للرجل في كدح عمله اليومي …. كانت الأم العربية هي بحقٍ صانعة التاريخ الحقيقي لهذا العالم، من حيث أنها هي التي حملت وحضنت وأرشدت طفولة أعظم وأصدق وأبقى الرجال المؤثرين في عالمنا كله إلى اليوم، وهم رسل الله وأنبياؤه“.
فيندرج اسم المرأة في التاريخ بناءً على قدرتها الإنجابية، كما يأتي تحت مسمى “المرأة العربية” شخصياتٌ لا نعتبرها من التاريخ العربي، مثل أم سيدنا موسى وأم سيدنا عيسى وأم مريم، التي يُذكرنا المقال بأنها جدة سيدنا عيسى. هذا الخطاب التجريدي السطحي الخاطئ يخفض قيمة المرأة إلى الحد الأدنى، وهو قدرتها الإنجابية، وتعزز الأسئلة التابعة للموضوع دور المرأة كزوجة وأم تحقق نجاح أو مجد الرجل، لا نجاحها ومجدها هي “ما صفات الزوجة الصالحة؟ (وماذا عن الزوج الصالح؟) اذكر قصة لأمٍ شجاعةٍ وقفت مع زوجها حتى تُحقق النصر؟ الأم العربية صانعة التاريخ: بين المقصود” .
وننتقل من التاريخ واللغة العربية إلى الحياة اليومية في الاقتصاد المنزلي، وأساس هذه المادة هو اختلاف الأدوار بين النوعين، فهي تُعد الفتاة لتكون ربة بيت. فنجد نصائح عن الزواج وبعض المعلومات الصحية والغذائية وأفكارٍ مبدعةٍ عن تجميل المنزل والتطريز والطهي. تخاطب الكتب ربة البيت الحضرية البرجوازية، وتهمش المرأة الريفية تمامًا باهتماماتها المختلفة. أما بالنسبة للحياة الزوجية فيأتي جزءٌ عن حقوق وواجبات الزوج والزوجة. “للمرأة الحق في أن يوفر لها زوجها حياةً كريمةً ميسرة وأن ينفق عليها …. لها الحق في طلب الطلاق إذا أساء الزوج معاشرتها واستحالت الحياة بينهما” …
وواجبات الزوجة: “يجب على الزوجة طاعة زوجها، وأن تعمل على راحته واحترامه، وأن تحفظه في عرضه وماله، ولا تخرج من منزله إلا بإذنه، أن تُشارك زوجها في تحمل المسؤوليات، وتقدر إمكاناته وظروفه، ولا تغالي في طلباتها. تنظم النسل حفاظًا على صحتها وصحة أولادها“. أما واجبات الزوج فهي: “الإنفاق على زوجته. يشارك في تربية الأبناء، ويكون قدوةً صالحةً أمامهم، المعاونة في الأعمال المنزلية بقدر الإمكان. يحترم زوجته في السر والعلانية“.
نرى هنا مزيجًا من سياسات الدولة في وضع مسؤولية تنظيم الأسرة على الزوجة، وتوعيةٍ بسيطةٍ في الإشارة إلى الحق في طلب الطلاق، وفي إطارٍ محددٍ صارمٍ متخشب غير قابل للنقاش، ولا يُعطى الفرصة للاختلاف معه أو التجديد فيه، كأن أدوار النوعين شئ ثابت لا تغير فيه. ويضع هذا الخطاب المرأة موضع طاعة وخدمة الرجل، ويُرسخ الرؤية البرجوازية للعلاقة الزوجية المبنية على عطاء الزوجة المتمثل في أشياء غير مادية، مثل المشاعر والطاعة في مقابل إنفاق الزوج عليها – أي المادة – وأن تحافظ على شرفه، كأنها امتدادٌ له وليس لها كيانها وشرفها المستقل.
وأخيرًا تقتدى كتب التربية الدينية الإسلامية بحياة الرسول، فتظهر السيدة خديجة في دور الزوجة المثالية للزوج المثالي، في حياة زوجية مبنية على الثقة والتعاون. بدايةً، تظهر لها شخصيةً قويةً إيجابية، فهي تقصد الرسول على نحوٍ فعالٍ لإدارة أعمالها قبل أن تظهر له النبوة، لسمات شخصيته، مثل الأمانة والصدق في التجارة، وبعد الزواج منه، يقص علينا الكتاب أول رؤية نبوية مر بها الرسول، وكان قد ملأه الخوف والرعب، وكيف صمدت السيدة خديجة بجانبه وخففت عنه، فخاض أول خطوةٍ في طريق النبوة. وهنا يخرج الكتاب عن سرد القصة ليخاطب التلميذات ويقدم لهن الموعظة فيقول: “وهذا موقف عظيم للسيدة خديجة (رضي الله عنها) ينبغي أن تقتدي به المرأة المسلمة، فقد وقفت بجانب زوجها وقت الشدة وأعادت إليه الطمأنينة والسكينة.
أود الإشارة هنا إلى أن الكتاب لم يعظ بالإقتداء بشخصية السيدة خديجة في حياتها العامة، وفي براعتها في التجارة وإدارة أموالها الخاصة، فيُهمش هذه الجوانب من حياتها وشخصيتها، ويبرز صورتها كزوجةٍ مطيعةٍ صادقة.
وتقدم تلك الكتب أيضًا رؤيةً مُحافظة تجاه عمل المرأة، فيأتي في أحد الموضوعات في مقرر الصف الثالث الثانوي: “وليس المقصود بعمل المرأة أن تكون في وظيفةٍ حكوميةٍ أو في قطاعٍ عامٍ أو خاص، وإنما المقصود أن تعمل العمل المنتج في أي مكان. عليها أولاً أن تمارس وظيفتها الطبيعية كربة بيتٍ ممتازة، تُعطى من نفسها الكثير لمملكتها الصغيرة، فإذا تبقى شيء من وقتها فعليها أن تمارس هواياتها الخلاقة والمثمرة من تطريزٍ وخياطةٍ وتفصيلٍ وعمل مربات وحلوى ورسمٍ وصناعاتٍ خفيفة …إلخ، عليها أن تنتج وتتقدم بما تنتجه لمؤسسة الأسر المنتجة أو غيرها، وبذلك تستفيد وتفيد غيرها، عليها أن تختار من الوظائف ما يتلائم مع طبيعة المرأة ويحفظ لها كرامتها، وأن تبتعد عن الأعمال التي تتزاحم فيها مع الرجال وتحتك بهم، إن مصر المستقبل محتاجة وتحتاج إلى إنتاج نصف المجتمع…. إننا حينما نوقظ نصف المجتمع بصوت الدين الوديع الهاديء، فإننا نرعى مصلحتها ومصلحة أبناء هذا الوطن“
ينتهى النص فيتركنا بانطباعٍ أن هذا هو فكر الدين الإسلامي لعمل المرأة، وهذا غير صحيح، فهذه هي رؤيةٌ محافظة برجوازية تتستر تحت ثوب الدين. وترى المرأة في صورة ربة البيت التي تريد أن تشغل وقت فراغها، في حين توجد نماذج من النساء يعملن بصفةٍ بديهيةٍ ليس لديهن نية التوقف عن العمل، مثل المرأة الريفية.
فبدل من أن يؤكد الكتاب قيمة العمل كضرورةٍ إنسانية، يعزل بهذا النص صورة المرأة في مقولة “طبيعة المرأة كأنه يوجد طبيعة واحدةٌ لكل نساء العالم، تخلق منهن ربات بيوت بالغريزة. ويعكس هذا النص أيضًا رؤية العمل على أنه خطرٌ على حياء وشرف المرأة، و أنه يمكن أن يؤدى إلى الانحراف، وبذلك يرى المرأة ككائنٍ جنسيٍ بحت، ولا قيمة لإنجازاتها الحقيقية، وهذا بالطبع من إنتاج الخطاب الأبوى التقليدي الذي يرى من واجبه تشييد الحصون حول جسد المرأة. غير أن الواقع يختلف تمامًا عن هذه الرؤية، حيث تشغل النساء 39% من الوظائف الحكومية، وكثيراتٌ منهن يعملن في مهنة التعليم، ويُهمش النص المرأة الفقيرة والمرأة الريفية التي تعمل في الفلاحة كشئٍ طبيعي في سياق حياتها، لا علاقة له بتساؤلاتٍ حول تحشمها. وبالطبع فإن كل النساء اللاتي يَعلن أسرهن نساءٌ عاملات، ويشكل هذا النوع من الأسر ١٦ – ٢٠% من الأسر المصرية، بصرف النظر عن النساء العاملات في القطاع غير الرسمي.
وفي آخر نص تربوي أريد عرضه، يأتي مالا أستطيع أن أصفه إلا بأنه إهانةٌ واعتداءٌ على كيان وعقل المرأة والبنت، وهو معنون” حارس العدالة ” المقرر على الصف الأول الثانوي، وفيه وعظٌ بالآتي: “ارتداء البنات ملابس لا تشف ولا تصف ولا تظهر مفاتن الجسد فتغرى الشباب بمعاكستهن…. فالفتاة أو المرأة التي تخرج عما رسمه الله لها من دائرة التعفف فتكشف عن مفاتن في جسمها حرم الله كشفها، تعتبر شريكة الرجال في الاعتداء عليها، أو محرضةً لهم على الاحتكاك بها … فالكلمة تغرى، والضحكة والابتسامة ونظرات العيون والحركة كلها يمكن أن تغرى” .
ثم يستشهد الكتاب بالشاعر أحمد شوقي قائلاً: “نظرةٌ فابتسامةٌ فكلام .. فسلامٌ فموعدٌ فلقاءُ” . “والرجل المسلم مع عنايته بالتربية الإسلامية، عليه أن يكون يقظًا في حكمه، ولا يترك بناته أو نسائه لمزالق، ولا يُرخي الحبل لهن إلى نهايته تحت اسم الثقة المفرطة“.
فبعد أن قيل لنا أن الأسرة مبنية على الحب والتعاون، يتبين هنا أنها مبنيةٌ على عدم الثقة والتسلط الديكتاتوري من الأب ومعاملة بناته وزوجته كممتلكاته. وإني أعجز عن تقديم أي تعليق آخر، سواء القول إن ما سبق يخاطب أبناءنا وبناتنا في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من أعمارهم، ويهدف ربيتهم على هذه الأسس.
وفي ملاحظاتٍ موجزة أخيرة عن بعض التطورات التي تشهدها المناهج في الوقت الحالي، يُذكر أن قواعد الوعظ والإرشاد بدأت تقل، أي إننا لا نجد الكثير من الجمل التي تبدأ بـ “يجب أن” “على المرأة أن“، ولكن تروى قصةً تحتوى على قيم إنسانيةٍ جميلة، بدلاً من قيمٍ محددةٍ لأدوار النوعين، وتترك القارىء ليناقشها. وكما جاء في كتاب القراءة للصف الثاني الإعدادي، في موضوعٍ يُسمى “الدنيا بخير” يروى قصة سيدةٍ قبطية تأتى لتسديد دينٍ كانت صديقتها المسلمة قد أقرضتها إياه، فتجد أنها توفيت، ولكنها تقابل ابنتها وتعطيها الدين وتسعد لمعرفتها. فهنا يفتح لنا باب علاقات النساء بعضهن مع بعض دون تحديدهن في إطار أسرةٍ أو في دور زوجةٍ أو أمٍ والتركيز عليه. نرى أيضًا الصداقة بين الأقباط والمسلمين على خلاف المنهج السابق الذي غابت فيه تمامًا الشخصيات القبطية.
وبخلاف ذلك، نُقابل نماذج شخصياتٍ نسائية هامة مثل ملك حفني ناصف (باحثة البادية)، ومارية القبطية زوجة النبي، وشخصياتٍ رياضيةٍ معاصرةٍ مثل المغربية نوال المتوكل والجزائرية حسيبة بولمركا. وتُستخدم الصور أيضًا لإبراز المرأة في أدوارٍ متعددةٍ مثل عاملةٍ على الكمبيوتر ومعلمة وهكذا. غير أنه تبقى الرؤية البرجوازية هي السائدة والمثالية. ولكن لا يمنع هذا أن تلك التطورات تُحسب خطوة في الاتجاه الصحيح.