منذ أعوام قليلة، لم يكن موضوع العنف الأسرى ضد النساء يُعامل كقضية هامة لابد وأن يتصدى لها القانون. فكباقي القضايا المتعلقة بالأسرة، كان العنف الأسرى يعتبر شأنًا خاصًا لا دخل للدولة به. وهذا الموقف كانت تتبناه الدولة، وتُكرسه الثقافة السائدة في المجتمع. فالزوجة والأبناء “ملكٌ” للزوج / الأب وهو المسؤول عن تأديبهم وفقًا لما يراه. وكثيرًا ما كنا ومازلنا نسمع أنها “زوجته وهو حر فيها” أو “أنهم أبناؤه وهو حر فيهم“.
وعندما قمنا بدراستنا عن إدراك النساء للحقوق الإنجابية ١٩٩٤ – ١٩٩٥.. كان من الواضح أن هناك موقفان للسيدات والفتيات اللاتي شاركن في البحث. فمن جانب كان النقاش في المجموعات البؤرية المكثفة يؤكدن على حق الرجل في ضرب زوجته .. بينما كان موقف غالبية نفس النساء مختلفًا إلى درجة كبيرة، فقد كان هناك رفضٌ على الصعيد الشخصى لأن يضرب الزوج أو يُهين زوجته. وقد دفعتنا تلك المفارقة إلى بحثنا التالي عن إدراك النساء للعنف الواقع عليهن ١٩٩٥، وكانت النتائج جلية، فالغالبية العظمى من النساء يرفضن العنف الذي يمارسه الرجال.
كما أن العنف في تعريفهن كان يشمل أنواعًا متنوعةً من العنف الجسدي والنفسي والجنسي. وهو ما ينسجم مع تعريف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد النساء.. رغم أن النساء اللاتي شاركن في بحثنا لا يعرفن بوجود هذا الإعلان أصلاً.
وجاء المسح الديموغرافي والصحي 1995 ليؤكد أن وضع النساء المصريات لا يختلف عن باقى النساء في العالم، فمن بين كل ثلاثة نساء هناك امرأةٌ تعرضت للضرب مرةً واحدة على الأقل في العام السابق للمسح! ونسبة غير قليلة تعرضت للضرب أكثر من ثلاث مرات في نفس الفترة.
في البداية كان البعض يعتبر أن دراسة موضوع العنف الأسرى، ومحاولة التصدي له أمرٌ ليس له أولوية في مقابل القضايا الهامة، مثل المشاركة السياسية للمرأة أو التعليم أو الفقر.. ولكننا كنا نعرف أن المرأة التي تتعرض للضرب والإهانة والإجبار والحرمان من الصداقات والعلاقات الاجتماعية الحميمية والتهديد المستمرُ بالطلاق أو الحرمان من أولادها .. هذه المرأة سيكون من الصعب عليها أن تشارك في بناء هذا المجتمع أو التمتع بحقوقها التي قد يكفلها القانون ويطيح بها التسلط والعنف داخل الأسرة، من جانب آخر فقد أثبتت الدراسات التي جرت في بلدان أخرى، ونثق أنها إن تمت في بلادنا ستعطى نتائج مشابهة – أن الأبناء والبنات الذين يشبون في أسر يُمارس
فيها العنف الأسرى تزيد بينهم نسبة من يمارسون أو يتقبلون العنف الأسرى عندما يتزوجون، لتظل الدائرة الشريرة تُولد نفسها .. وتتسع دوائر العنف لتشمل العلاقات الأخرى في المجتمع، ليصبح العنف ظاهرةً عامة فيه كما هو حادث بالفعل في المجتمع المصري. ولكن على مدى السنوات الماضية تزايد عدد المنظمات غير الحكومية التي تبنت قضية العنف الأسرى، وعلى رأسها تحالف المنظمات غير الحكومية المعنية بتطبيق برنامج عمل مؤتمر بكين، وائتلاف المنظمات غير الحكومية المعنية بمتابعة تطبيق اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة. بل إن بعض المؤسسات الحكومية مثل المجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومى للمرأة، تبنت هي الأخرى موضوع العنف ضد المرأة والطفلة.
لقد اخترنا موضوع العنف الأسرى ليكون موضوعًا رئيسيًا لعملنا في السنوات القادمة. وبدأنا بمفكرتنا السنوية لعام ٢٠٠١، وحاولنا أن نُضمنها المعلومات والإحصاءات الممكنة حول العنف الأسرى في مصر والعالم، وأن نفند فيها بعض المفاهيم المغلوطة الشائعة حول العنف الأسرى.. واستخدمناها بالفعل في بعض ورشات العمل مع العديد من المنظمات غير الحكومية في المنيا وسوهاج.
كذلك قررنا أن نتابع دراستنا في موضوع العنف الأسرى، من جانب لنساهم في توضيح حجم هذه الظاهرة في مجتمعنا بما يساعد أولاً على الاعتراف بخطورتها، وهي الخطوة الأولى لمواجهتها .. وثانيًا بما يُمكننا من التأثير على صناع القرار في بلادنا على تبني سياسات فعالة لمقاومتها. وعلى جدول أعمالنا على مدى العامين القادمين دراسة متعددة الجوانب تسعى لاستكشاف الآليات الموجودة بالفعل لمقاومتها. سواء على المستوى الحكومي أو غير الحكومي لمساعدة النساء اللاتي يتعرضن للعنف، ولاستكشاف إمكانيات تطوير هذه الآليات بما يُمكن النساء من الاستفادة بها. وعلى الصفحات التالية موجزٌ للدراسة التي تمت بالتعاون مع مركز استراتيجيات مواجهة العنف الأسرى في العالم العربي.